الموضوع
:
أدبيات اللغة العربية
عرض مشاركة واحدة
07-01-2021
#
18
إدارة قناة اليوتوب
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
426
تاريخ التسجيل :
Mar 2014
أخر زيارة :
منذ 14 ساعات (08:48 PM)
المشاركات :
16,181 [
+
]
التقييم :
9330
MMS ~
لوني المفضل :
Darkturquoise
رد: أدبيات اللغة العربية
(٦٩) صَارَتِ الفِتْيَانُ حُمَمًا
هذا من قول الحمراء بنت ضَمْرة بن جابر، وذلك أن بني تميم قتلوا سعد بن هند أخا عمرو بن هند الملك، فنَذَر عمرو لَيَقْتلَنَّ بأخيه مئة من بني تميم، فجمع أهلَ مملكته فسارَ إليهم، فبلغهم الخبر، فتفرَّقوا في نواحي بلادهم، فأَتَى دارهم فلم يجد إلَّا عجوزًا كبيرةً، وهي الحمراء بنت ضمرة، فلما نظر إليها وإلى حُمْرَتها قال لها: إني لأحْسَبُك أعجمية، فقالت: لا، والذي أسأله أن يخفض جَنَاحَك، ويهُدَّ عِمادَك، ويَضَع وِسادَك، ويَسْلُبك بلادَك، ما أنا بأعجمية، قال: فمن أنت؟ قالت: أنا بنت ضمرة بن جابر، ساد معدًّا كابرًا عن كابر، وأنا أخت ضمرة بن ضمرة، قال: فمن زوجك؟ قالت: هَوْذَةُ بن جَرْوَل، قال: وأين هو الآن؟ أما تعرفين مكانه؟ قالت: هذه كلمة أحمق، لو كنت أعلم مكانه حال بينك وبيني، قال: وأي رجل هو؟ قالت: هذه أحمق من الأولى، أعَنْ هَوْذة يُسأل؟ هو والله طيِّب العِرْق، سَمِين العَرْقِ، لا يَنام ليلةَ يَخَاف، ولا يشْبع ليلةَ يُضَاف، يأكل ما وجَدَ، ولا يَسأل عما فَقَد، فقال عمرو: أما والله لولا أني أخاف أنْ تَلِدِي مثل أبيك وأخيك وزوجك لاسْتَبقيتُكِ، فقالت: وأنت والله لا تقتل إلا نساءً أعاليها ثُدِيٌّ وأسافلها دُمِيٌّ، والله ما أدركت ثارًا، ولا مَحَوْت عارًا، وما مَنْ فعلتَ هذه به بغافلٍ عنك، ومع اليوم غد.
فأمَرَ بإحراقها فلما نظرتْ إلى النار قالت: ألَا فتًى مكانَ عَجُوزٍ؟ فذهبت مثلًا، ثم مكثت ساعةً فلم يَفْدِهَا أحدٌ فقالت: هيهات! صارت الفتيان حُمَمًا، فذهبت مثلًا، ثم أُلْقيت في النار، ولبث عمرو عامَّة يومه لا يقدر على أحدٍ حتى إذا كان في آخر النهار أقبلَ راكب يُسمَّى عمًّارًا تُوضِعُ به راحِلتُه حتى أناخ إليه، فقال له عمرو: مَنْ أنت؟ قال: أنا رجل من البَرَاجم؟ قال: فما جاء بك إلينا؟ قال: سطع الدُّخَان، وكنتُ طَوَيْتُ منذ أيام فظننْتُه طعامًا، فقال عمرو: إنَّ الشَّقِيَّ وافدُ البراجم، فذهبت مثلًا، وأَمَر به فأُلْقِي في النار، فقال بعضهم: ما بلَغَنا أنه أصاب من بني تميم غيرَه، وإنما أحرق النساء والصبيان، وفي ذلك يقول جرير:
وأخْزَاكُمُ عَمْرٌو كَمَا قَدْ خَزِيتُمُ
وَأَدْرَكَ عَمَّارًا شَقِيَّ البَرَاجِم
ولذلك عُيِّرت بنو تميم بحب الطعام لما لقي هذا الرجل، قال الشاعر:
إذَا مَا مَاتَ مَيْتٌ مِنْ تَمِيم
فَسَرَّكَ أنْ يَعِيشَ فَجِئْ بِزَادِ
بِخُبْزٍ أو بِلَحْمٍ أو بِتَمْرٍ
أو الشَّيْء المُلَفَّفِ في البِجَادِ
تَرَاهُ يُنَقِّبُ الآفَاقَ حَوْلًا
لِيَأْكُلَ رَأْسَ لُقْمَانَ بْنِ عَادِ
(٧٠) عِنْدَ جُهَيْنَةَ الخَبَرُ اليَقِينُ
قال هشام بن الكَلْبي: كان من حديثه أنَّ حُصَين بن عَمْرو بن مُعَاوية بن كِلاب خرج ومعه رجلٌ من جُهَينة يقال له الأخْنَس بن كعب، وكان الأخنس قد أَحدثَ في قومه حَدَثًا فخرج هاربًا، فلقيه الحُصَيْنُ فقال: مَنْ أنت ثَكِلتْكَ أمُّك؟ فقال له الأخنس: بل مَنْ أنت ثكلتك أمُّك؟ فردَّد هذا القول حتى قال الأخنس بن كعب: فأخْبِرني مَن أنت وإِلَّا أَنْفَذْتُ قلبك بهذا السِّنان، فقال له الحصين: أنا الحصين بن عمرو الكلابي — ويقال: بل هو الحصين بن سُبَيع الغَطَفَاني — فقال له الأخنس: فما الذي تريد؟ قال: خرجت لِمَا يخرج له الفِتْيانُ، قال الأخنس: وأنا خرجتُ لمثل ذلك، فقال له الحصين: هل لك أن نتعاقَدَ أن لا نَلْقَى أحدًا من عشيرتك أو عشيرتي إلا سلبناه؟ قال: نعم، فتعاقدا على ذلك، وكلاهما فاتِكٌ يَحْذَر صاحبه، فلقيا رجلًا فسلَباه، فقال لهما: هل لكما أن تردَّا عليَّ بعض ما أخذتما منى وأدُلُّكما على مغنم؟ قالا: نعم، فقال: هذا رجل من لَخْم قد قدم من عند بعض الملوك بمغنم كثير، وهو خَلْفي في موضع كذا وكذا، فردَّا عليه بعضَ ماله وطلبا اللَّخْميَّ فوجَدَاه نازلًا في ظل شجرة، وقُدَّامه طعام وشراب، فَحَيَّيَاه وحَيَّاهما، وعرض عليهما الطعام، فكره كلُّ واحد أن ينزل قبل صاحبه فيفتك به، فنزلا جميعًا فأكلا وشربا مع اللخميِّ. ثم إنَّ الأخنس ذهب لبعض شأنه، فرجع واللخميُّ يتَشَحَّطُ في دمه، فقال الجهنيُّ — وهو الأخنس — وسَل سيفه لأنَّ سيف صاحبه كان مَسلُولًا: وَيْحَكَ! ويْحَكَ! فتكتَ برجل قد تَحَرَّمْنَا بطعامه وشرابه! فقال: اقعُدْ يا أخا جهينة، فلهذا وشِبْهه خرجنا، فشربا ساعةً وتحدَّثا.
ثم إن الحصين قال: يا أخا جُهَيْنة، أتدري ما صَعْلة وما صَعْل؟ قال الجهني: هذا يوم شُرْب وأكل، فسكت الحصين، حتى إذا ظنَّ أنَّ الجهنى قد نسى ما يُرَاد به، قال: يا أخا جهينة، هل أنت للطير زاجرٌ؟ قال: وما ذاك؟ قال: ما تقول هذه العُقَاب الكاسر؟ قال الجهني: وأين تراها؟ قال: هي ذِهْ، وتطاوَلَ ورفع رأسه إلى السماء، فوضع الجهني بادرةَ السيف في نَحْره، فقال: أنا الزاجرُ والنَّاحِرُ، واحتوى على مَتَاعه ومتاع اللخمي، وانصرف راجعًا إلى قومه، فمرَّ ببطنَين من قيس يقال لهما مَرَاحٌ وأنمارٌ، فإذا هو بامرأة تَنْشُدُ الحصينَ بن سبيع، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا صخرة امرأة الحصين، قال: أنا قتلته، فقالت: كذبتَ، ما مِثْلُك يقتل مثله، أما لو لم يكن الحيُّ خِلوًا ما تكلَّمتَ بهذا، فانصرف إلى قومه فأصلحَ أمرهم، ثم جاءهم فوقف حيث يُسْمعهم، وقال:
وَكَمْ مِنْ ضَيْغَم وَرْدٍ هَمُوسٍ
أبي شِبْلَيْن مَسْكَنُهُ العَرِينُ
عَلَوْتُ بَيَاضَ مَفْرِقِهِ بِعَضْبٍ
فأَضْحَى في الفَلاةِ لَهُ سُكونُ
وَأضْحَتْ عِرْسُه ولَها عَلَيهِ
بُعَيْدَ هُدُوءِ لَيْلَتِها رَنِينُ!
وكَمْ مِنْ فَارِسٍ لَا تَزْدَرِيهِ
إذَا شَخَصَتْ لِمَوْقِعِهِ العُيُونُ
كَصَخْرَة إذْ تُسَائِلُ في مَرَاحٍ
وأنْمَارٍ وَعِلْمُهُمَا ظُنُونُ!
تُسَائِلُ عَنْ حُصَيْن كُلَّ رَكْبٍ
وعنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليَقيِنُ
فَمَنْ يَكُ سائلًا عَنْهُ فَعِنْدِى
لِصَاحِبِهِ البَيَانُ المُسْتَبِينُ
جُهَيْنَةُ مَعْشَرِي وَهُمُ مُلُوك
إذَا طَلَبُوا المَعَالِيَ لمْ يَهُونُوا
قال الأصمعيُّ وابن الأعرابي: هو جُفَينة بالفاء، وكان عنده خبر رجل مقتول، وفيه يقول الشاعر:
تُسَائِلُ عَنْ أَبِيهَا كُلَّ رَكْبٍ
وَعِنْدَ جُفَيْنةَ الخبَرُ اليقينُ
قال: فسألوا جفينة، فأخبرهم خبرَ القتيل. وقال بعضهم: هو حُفَينة بالحاء المهملة. يُضرب في معرفة الشيء حقيقةً.
(٧١) كِلَاهُمَا وتَمْرًا
ويُرْوَى: كِلَيْهما. أول مَنْ قَال ذلك عمرو بن حُمْرَان الجَعْدِي، وكان حمران رجلًا لَسِنًا ماردًا، وأنَّه خَطَب «صَدُوفَ»، وهي امرَأة كانت تأْبِدُ الكلام وتسجع في المنطق، وكانت ذاتَ مالٍ كثيرٍ، وقد أتاها قوم كثير يخطبونها فردَّتهم، وكانت تتعنَّتْ خُطَّابها في المسألة، وتقول: لا أتزوج إلَّا مَنْ يعلم ما أسأله عنه ويجيبني بكلام على حَدِّه لا يَعْدُوه. فلما انتهى إليهَا حُمْرَان قام قائمًا لا يجلس، وكان لا يأتيها خاطبٌ إلا جلس قبل إذنها، فَقَالت: ما يمنعك من الجلوس؟ قَال: حتى يُؤْذَنَ لي، قَالت: وهل عليك أمير؟ قَال: رَبُّ المنزِل أحقُّ بفِنَائه، وربُّ الماء أحَقُّ بسِقَائِه، وكلٌّ له ما في وِعائه، فَقَالت: اجلسْ، فجلس، قَالت له: ما أردتَ؟ قَال: حاجة، ولم آتِكِ لَجَاجَة، قَالت: تُسِرُّها أم تُعْلِنها؟ قَال: تُسَرُّ وتُعْلَنُ، قَالت: فما حاجتك؟ قَال: قضاؤها هَيِّنٌ، وأمرُها بيِّنٌ، وأنتِ بها أخْبَر، وبنُجْحِها أبْصَر، قَالت: فأخبرني بها، قَال: قد عَرَّضْتُ وإن شِئت بَيَّنْتُ، قَالت: مَنْ أنت؟ قَال: أنا بَشَرٌ، وُلِدتُ صغيرًا، ونشأتُ كبيرًا، ورأيت كثيرًا، قَالت: فما اسمك؟ قَال: مَنْ شاء أحْدَثَ اسمًا، وقَال ظُلْمًا، ولم يكن الاسم عليه حَتْمًا، قَالت: فَمَنْ أبوك؟ قَال: والدِي الذي وَلَدني، ووالدُه جَدِّي فلم يعِشْ بَعْدِي، قَالت: فما مالُك؟ قَال: بعضُه وَرِثْته، وأكثَرُه اكتسبتُه، قَالت: فممَّن أنت؟ قَال: من بشرٍ كثيرٍ عدده، معروف ولدُه، قليل صُعُدُه، يُغْنِيه أبدُه، قَالت: ما وَرَّثَك أبوك عن أوَّلِيه؟ قَال: حُسْن الهمم، قَالت: فأين تنزل؟ قال: على بساط واسع، في بلدٍ شاسع، قريبُه بعيد، وبعيده قريب، قَالت: فمن قومُك؟ قَال: الذين أنتمي إليهم، وأجْني عليهم، ووُلِدتُ لديهم، قَالت: فهل لك امرَأة؟ قَال: لو كانت لي لم أطلُب غيرها، ولم أُضَيِّعْ خَيْرَها، قَالت: كأنك ليست لك حاجة، قَال: لو لم تكن لي حاجة لم أُنِخْ ببابك، ولم أتَعَرَّضْ لجوابك، وأتعلَّق بأسبابك، قَالت: إنك لَحُمْران بن الأقرع الجَعْدي، قَال: إن ذلك ليُقَال. فزوجتْه نفسها، وفَوَّضَتْ إليه أمرها.
ثم إنها ولدت له غلامًا فسماه عمرًا، فنشأ ماردًا مُفَوَّهًا، فلما أدركَ جَعَله أبوه راعيًا يرعى له الإبل، فبَيْنا هو يومًا إذ رُفِعَ إليه رجل قد أَضَرَّ به العطش والسُّغُوب، وعمرو قاعد وبين يديه زُبْد وتمر وتَامِكٌ، فدنا منه الرجل فقال: أطْعِمْنى من هذا الزُّبد والتَّامِك، فَقَال عمرو: نعم، كلاهما وتمرًا. فأطعَم الرجل حتى انتهى، وسقَاه لبنًا حتى رَوِيَ، وأقام عنده أيامًا، فذهبت كلمته مَثَلًا. ورفع «كلاهما»: أى لك كلاهما، ونصب «تمرًا» على معنى: أزيدك تمرًا، ومن روى «كليهما» فإنما نصبه على معنى: أطعِمُك كليهما وتمرًا، وقَال قومٌ: مَنْ رفع حكى أن الرجل
قال: أنِلْني مما بين يديك، فَقَال عمرو: أيُّما أحبُّ إليك زُبْدٌ أم سَنَام؟ فَقَال الرجل: كلاهما وتمرًا، أي مطلوبي كلاهما وأزِيدُ معهما تمرًا، أو وزدني تمرًا.
(٧٢) إنَّ المُنْبَتَّ لَا أرْضًا قَطَعَ وَلا ظَهْرًا أَبْقَى
المُنْبَتُّ: المُنْقَطِع عن أصحابه في السَّفَر، والظَّهْرُ: الدابة. قاله عليه الصلاة والسلام لرجل اجتَهَد في العبادة حتى هَجَمتْ عيناه، أي غارَتَا، فلما رآه قال له: إنَّ هذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فأوْغِلْ فيه بِرِفْقٍ، إنَّ المُنْبَتَّ، أي الذي يجِدُّ في سيره حتى ينبتَّ أخيرًا، سماه بما تَئُول إليه عاقبتُه كقوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ.
يُضرب لمن يُبالغ في طلب الشيء ويُفْرِط حتى ربما يُفَوِّته على نفسه.
(٧٣) إنَّ الدَّوَاهِيَ في الآفَاتِ تَهْتَرِس
ويُرْوَى: «تَرْتَهِس»، وهو قلبُ تهترس: من الهَرْسِ، وهو الدَّقُّ. يعني أن الآفات يموج بعضُها في بعض ويدُقُّ بعضها بعضًا كَثْرَةً. يُضرب عند اشتداد الزمان واضطراب الفتن. وأصله أن رجلًا مرَّ بآخر وهو يقول: يا ربِّ، إما مُهْرَةً أو مُهْرًا، فأنكر عليه ذلك، وقال: لا يكون الجنين إلا مُهْرَةً أو مُهْرًا، فلما ظهر الجنين كان مُشَيَّأَ الخَلْقِ مُخْتَلِفَه، فقال الرجل عند ذلك:
قَدْ طَرَّقَتْ بِجَنِينٍ نِصفُهُ فَرَسٌ
إنَّ الدَّوَاهِيَ في الآفَاتِ تَهْتَرِس
(٧٤) إنَّ البَلَاءَ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ
قال المُفَضَّل: يقال: إنَّ أول من قال ذلك أبو بكر الصدِّيق — رضي الله تعالى عنه — فيما ذكره ابن عباس، قال: حدَّثني عليُّ بن أبي طالب — رضي الله تعالى عنه — لمَّا أُمِرَ رسولُ الله ﷺ أنْ يَعْرِضَ نفسَه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، فَدَفَعْنَا إلى مجلسٍ من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر وكان نَسَّابةً فسَلَّم فردُّوا عليه السلام، فقال: ممَّن القوم؟ قالوا: من ربيعة، فقال: أمِنْ هامَتها أم من لَهَازِمها؟ قالوا: من هامَتها العُظمى، قال: فأيُّ هامتها العظمى أنتم؟ قالوا: ذُهْل الأكبر، قال: أفمنكم عَوْف الذي يقال له: لا حُرَّ بِوَادِي عَوْف؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم بِسْطَام ذُو اللِّواء ومُنتهَى الأحياء؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم جَسَّاس بن مُرَّةَ حامي الذِّمار ومانِعُ الجار؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم الحَوْفَزَان قاتل الملوك وسالبُها أنفسَها؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم المُزْدَلِف صاحب العِمَامة الفَرْدة؟ قالوا: لا، قال: فأنتم أخوال الملوك من كِنْدَة؟ قالوا: لا، قال: فلستم ذُهْلًا الأكبر، أنتم ذهل الأصغر، فقام إليه غلام قد بَقَلَ وَجْههُ يقال له دَغْفَل، فقال:
إنَّ عَلَى سائلِنا أنْ نَسْأَلَهْ
وَالعِبْءُ لا تَعْرِفُهُ أوْ تَحْمِلَهْ
يا هذا، إنك قد سألتنا فلم نَكْتُمْك شيئًا، فمَن الرجل أنت؟ قال: رجل من قريش، قال: بَخْ بَخْ! أهل الشرف والرئاسة، فمن أي قريش أنت؟ قال: من تَيْم بن مُرَّة، قال: أمْكَنْتَ والله الراميَ من ضَفَا الثُّغْرة، أفمنكم قُصَيُّ بن كلاب الذي جَمَعَ القبائل من فِهْر وكان يُدْعَى مُجَمِّعًا؟ قال: لا، قال: أفمنكم هاشم الذي هَشم الثَّريدَ لقومه ورجالُ مكة مُسْنِتُونَ عِجَافٌ؟ قال: لا، قال: أفمنكم شَيْبَةُ الحمدِ مُطْعِم طير السماء الذي كأنَّ في وجهه قمرًا يضيء ليل الظلام الداجي؟ قال: لا، قال: أفمن المُفِيضينَ بالناس أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل النَّدْوَة أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل الرِّفَادة أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل الحِجَابة أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل السِّقَاية أنت؟ قال: لا، قال: واجتذَبَ أبو بكر زِمام ناقته فرجع إلى رسول الله ﷺ، فقال دَغْفَل: صادَفَ دَرْءُ السَّيْل دَرْءًا يَصْدَعُهُ، أما والله لو ثبتَّ لأخبرتُك أنك من زَمَعَات قريش أو ما أنا بدَغْفل، قال: فتبسَّم رسولُ الله ﷺ. قال عليٌّ: قلت لأبي بكر: لقد وقَعْتَ من الأعرابي على باقِعَة، قال: أجَلْ، إنَّ لكل طامَّة طامَّة، وإنَّ البلاء مُوَكَّل بالمنطق.
وفي قصة المثل أمثال:
قوله: «لا حُرَّ بوادي عَوْف» يُتمَثَّل به في هضم من يَتعاظم بنواحي من يقدر على قهره، وقوله: «إنَّ عَلَى سائلنا أن نسأله» ومحل التمثُّل به ظاهر، وقوله: «والعبءُ لا تعرفه أو تحملَه» يُتمثَّل به في طَلَب الاختبار وترك الاكتفاء بما يبدو، فإن الشيء الذي تريد حَملَه فيكون عبئًا ربما يكون كبيرًا في النظر خفيفًا في الوزن، وربما كان ثقيل الوزن وهو صغير الحجم.
(٧٥) أنْ تَرِدَ المَاءَ بمَاءٍ أكْيَسُ
يُتمثَّل به عند الأمر بالاقتصاد في المعيشة والمحافظة على قليله وإن كان واثقًا بحصول كثير له في المستقبل، وأصلُه في المسافر عرف قُرْبَه من المَنْهل فأسرف في استعمال ما حمل من الماء.
(٧٦) إنَّمَا يُعَاتَبُ الأَدِيمُ ذُو البَشَرَة
المُعَاتَبَة: المُعَاوَدَة، وبَشَرَة الأديم: ظاهرُه الذي عليه الشَّعَر، أي إنما يُعاد إلى الدِّبَاغ من الأديم ما سَلِمتْ بَشَرَته. يُضرَب لمن فيه مُرَاجعة ومُسْتَعْتَب. قال الأصمعيُّ: كل ما كان في الأديم مُحتَمَلٌ ما سلِمت البشَرة، فإذا نَغِلَت البشرةُ بَطَل الأديم. ومن هنا أُخذ العِتاب بين الإخوان لذكر الهَفَوات ثم الاعتذار أو الاعتراف والمسامحة والعَوْد إلى المُصافاة، فيكون ذلك بمنزلة دَبْغ الجلد لإزالة فَضَلَاته.
(٧٧) إنَّ العَصَا قُرِعَتْ لِذِي الحِلْم
قيل: إنَّ أوَّل من قُرِعت له العصا عمرُو بن مالك بن ضُبَيْعَة أخو سعد بن مالك الكِناني، وذلك أن سعدًا أتى النعمانَ بن المنذر ومعه خَيل له قادَها وأخرى عَرَّاها، فقيل له: لم عَرَّيت هذه وقُدْتَ هذه؟ قال: لم أقُدْ هذه لأمْنَعَها ولم أُعَرِّ هذه لِأَهَبَها. ثم دخل على النعمان، فسأله عن أرضه، فقال: أمَّا مَطَرُها فغَزير، وأمَّا نَبْتها فكثير، فقال له النعمان: إنَّك لَقَوَّال، وإن شئت أتيتك بما تَعْيَا عن جوابه، قال: نعم، فأمر وَصيفًا له أن يَلْطِمَهُ، فلطَمه لَطْمة، فقال: ما جواب هذه؟ قال: سَفِيهٌ مأمورٌ، قال: الْطِمْه أخرى، فلطمه، قال: ما جوابُ هذه؟ قال: لو أُخِذ بالأولى لم يَعُدْ للأخرى. وإنما أراد النعمان أن يتعدَّى سعد في المنطق فيقتله. قال: الْطِمْه ثالثةً، فلطمه، قال: ما جواب هذه؟ قال: رَبٌّ يؤدب عبدَه، قال: الْطِمْه أخرى، فلطمه، قال: ما جواب هذه؟ قال: مَلَكْتَ فأَسْجِحْ، فأرسلها مثلًا،
قال النعمان: أصَبْتَ فامكُثْ عندي، وأعجبه ما رأى منه، فمكث عنده ما مكث، ثم بَدَا للنعمان
أن يبعث رائدًا، فبعث عمرًا أخا سَعْد فأبطأ عليه فأغضبه ذلك، فأقسم لئن جاء ذامًّا للكلأ أو حامدًا له لَيقتلنَّه، فقدم عمرو، وكان سعد عند الملك، فقال سعد: أتأذن أن أُكلِّمه؟ قال:
إذَنْ يُقطع لسانُك، قال: فأشير إليه؟ قال: إذن تُقطع يدُك، قال: فأَقرعُ له العصا؟ قال: فَاقْرَعْها، فتناول سعد عَصَا جليسِه وقَرَع بعصاه قرعةً واحدةً، فعرف أنه يقول له: مَكَانَك، ثم قرع بالعصا ثلاث قَرَعَات، ثم رفعها إلى السماء ومَسَح عَصَاه بالأرض، فعرف أنه يقول له: لم أَجد جَدْبًا، ثم قرع العصا مرارًا ثم رفعها شيئًا وأومأ إلى الأرض، فعرف أنه يقول: ولا نَبَاتًا، ثم قرع العصا قرعةً وأقبل نحو الملك، فعرف أنه يقول: كَلِّمْه، فأقبل عمرو حتى قام بين يدي الملك، فقال له: أخْبِرْنِي هل حَمِدْت خِصْبًا أو ذَمَمْت جَدْبًا؟ فقال عمرو: لم أذْمُم هُزْلًا، ولم أحِمدْ بَقْلًا، الأرضُ مُشْكلة، لا خِصْبُها يُعرَف، ولا جَدْبُها يُوصَف، رائدُها واقف، ومُنْكِرها عارف، وآمِنُها خائف.
قال الملك: أَوْلى لك! فقال سعد بن مالك يذكر قَرْع العصا:
قَرَعْتُ العَصَا حَتَّى تَبَيَّنَ صَاحِبِي
ولم تَكُ لولا ذَاكَ في القَوْمِ تُقْرَعُ
فقال: رأيتُ الأرْضَ لَيْسَتْ بمُمْحِلٍ
ولا سَارِح فيها على الرَّعْي يَشْبَعُ
سَوَاء فَلَا جَدْب فيُعْرَف جَدْبُها
ولا صَابَها غَيْثٌ غَزيرٌ فتَمْرَعُ
فَتَحْيَا بها حَوْباء نَفْسٍ كَرِيمةٍ
وَقَدْ كَادَ لَوْلَا ذَاكَ فِيهِمْ يُقَطَّعُ
هذا قول بعضهم. وقال آخرون في قولهم «إنَّ العصا قُرِعَت لذي الحِلْم»: إن ذا الحلم هذا هو عامر بن الظَّرِب العَدْوَاني، وكان من حكماء العرب، لا تَعْدِل بفهمه فهمًا ولا بحكمه حُكْمًا، فلمَّا طَعَنَ في السنِّ أنْكَر من عقله شيئًا، فقال لبنيه إنه قد كبِرَتْ سِنِّي، وعرَض لي سَهْو، فإذا رأيتموني خرجْتُ من كلامي وأخذت في غيره فاقْرَعوا لي المِجَنَّ بالعَصَا. وقيل: كانت له جارية يقال لها «خُصَيْلة»، فقال لها: إذا أنا خُولِطْتُ فاقرعي لي بالعصا، وأُتيَ عامر بِخُنْثَى ليحكم فيه، فلم يَدْر ما الحُكم، فجعل ينحَرُ لهم ويُطعمهم ويُدَافعهم بالقضاء، فقالت خصيلة: ما شأنك؟ قد أتْلَفْتَ مالك، فخبَّرها أنه لا يدري ما حكم الخنثى، فقالت: أَتْبِعْهُ مَبَالَه. قال الشَّعْبِي: فحدثني ابن عباس بها قال: فلما جاء الله بالإسلام صارت سُنَّة فيه. وعامر هو الذي يقول:
أَرَى شَعَراتٍ عَلَى حَاجِبَيَّ
بِيضًا نَبَتْنَ جَمِيعًا تُؤَامَا
ظَلِلْتُ أُهَاهِي بِهِنَّ الكلَا
بَ أَحْسَبُهُنَّ صُوَارًا قِيامَا
وأَحْسَبُ أَنْفِي إذَا مَا مَشَيْـ
ـتُ شَخْصًا أمَامِي رَآنِي فَقَامَا
يقال: إنه عاش ثلثمئة سنة. وهو الذي يقول:
تَقُولُ ابْنَتِي لَمَّا رَأَتْنِي كَأنَّنِي
سَلِيمُ أَفَاعٍ لَيْلُهُ غَيْرُ مُودَعِ
وَمَا المَوْتُ أَفْنَانِي وَلَكِنْ تَتَابَعَتْ
عَلَيَّ سِنُونٌ مِنْ مَصيف ومَرْبَعِ
ثَلَاثُ مِئِينَ قَدْ مَرَرْنَ كوامِلًا
وَهَا أَنَا هَذَا أَرْتَجِي مَرَّ أَرْبَعِ
فَأَصْبَحْتُ مِثل النَّسْرِ طَارَتْ فِرَاخُهُ
إذَا رَامَ تَطْيَارًا يُقَالُ لَهُ: قَعِ
أُخَبِّر أَخْبَارَ القُرُونِ التي مَضَتْ
ولا بُدَّ يَوْمًا أنْ يُطَارَ بِمَصْرَعِي
قال ابن الأعرابي:
أوَّل من قُرِعَتْ له العصا عامر بن الظَّرِب العَدْوَاني، وربيعة تقول: بل هو قيس بن خالد بن ذي الجَدَّيْن، وتميم تقول: بل هو ربيعة بن مُخَاشِن أحد بني أَسِيد بن عمرو بن تميم، واليمن تقول: بل هو عمرو بن حُمَمَة الدَّوْسي. قال: وكانت حُكَّام تميم في الجاهلية أَكْثَم بن صَيْفيٍّ، وحاجِب بن زُرَارة، والأقْرَع بن حَابس، وربيعة بن مُخَاشن، وضَمْرة بن ضَمْرة، غير أن ضمرة حكم فأخذ رِشْوة فغَدَر. وحُكَّام قَيْس: عامر بن الظَّرِب، وغَيْلَان بن سَلَمة الثَّقَفي، وكانت له ثلاثة أيام: يوم يَحكُم فيه بين الناس، ويوم يُنْشد فيه شعره، ويوم ينظر فيه إلى جَمَاله، وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة، فخيَّره النبي ﷺ، فاختار أربعًا، فصارت سُنَّة. وحكَّام قريش: عبدُ المطَّلِب، وأبو طالب، والعاصي بن وائل. وحكيمات العرب: صخرة بنت لقمان، وهند بنت الخُسِّ، وجُمُعَة بنت حابس، وابنة عامر بن الظَّرِب الذي يقال له ذو الحِلْم، قال المتلمِّس يريده:
لِذِي الحِلْم قَبْلَ اليَوْم مَا تُقْرَعُ العَصَا
وَمَا عُلِّم الإنْسَان إلَّا لِيَعْلَمَا
والمَثَل يُضرب لمن إذا نُبِّه انتبه.
(٧٨) إِيَّاكِ أعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَة
أوَّل مَنْ قال ذلك سَهْل بن مالك الفَزَاريُّ، وذلك أنه خرج يريد النعمان، فمرَّ ببعض أحياء طيِّئ، فسأل عن سيد الحي فقيل له: حارثة بن لَأم، فأمَّ رَحْلَه فلم يُصِبْه شاهدًا، فقالت له أخته: انْزِلْ في الرَّحْب والسَّعَة، فنزل فأكرمته ولاطفته، ثم خرجت من خِبائها فرأى أجْمَلَ أهل دهرها وأكملهم، وكانت عَقِيلَةَ قومِها وسيدة نسائها، فوقع في نفسه منها شيء، فجعل لا يَدْرِي كيف يُرْسل إليها ولا ما يُوافِقُها من ذلك، فجلس بفِناء الخِباء يومًا وهي تسمع كلامه، فجعل ينشد ويقول:
يَا أخْتَ خَيْرِ البَدْوِ وَالحَضَارَةْ
كَيْفَ تَرَيْنَ فِي فَتَى فَزَارَةْ؟
أَصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَةْ
إيَّاكِ أعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةْ
فلما سمعت قوله عرفت أنه إيَّاها يعني، فقالت: ماذا بِقَوْلِ ذي عَقْل أريب، ولا رأيٍ مصيب، ولا أنفٍ نجيب، فأقِمْ ما أقَمْتَ مُكْرَمًا ثم ارْتَحِلْ متى شئتَ مُسَلَّمًا. ويقال: أجابته نظمًا فقالت:
إنِّي أقُولُ يَا فَتَى فَزَارَةْ
لا أبْتَغِي الزَّوْجَ وَلا الدَّعَارَةْ
وَلا فِرَاقَ أَهْلِ هَذِي الجَارَةْ
فَارْحَلْ إلى أهْلِكَ بِاسْتِخَارَةْ
فاسْتَحْيا الفتى، وقال: ما أردتُ منكَرًا، واسَوْأَتَاه! قالت: صدقْتَ، فكأنها اسْتَحْيَتْ من تسرُّعها إلى تُهَمَتِه، فارتحل، فأتى النعمان فَحَيَّاه وأكرمه، فلما رجع نزل على أخيها، فبَيْنا هو مقيم عندهم تطلَّعت إليه نفسُها، وكان جميلًا، فأرسلت إليه أنِ اخْطُبْني إن كان لك إليَّ حاجة يومًا من الدهر فإنِّي سريعةٌ إلى ما تريد، فخطبها وتزوجها وسار بها إلى قومه. يُضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئًا غيره.
(٧٩) إنْ كُنْتَ كَذُوبًا فَكُنْ ذَكورًا
يُضرب للرجل يكذِب ثم ينسى فيُحَدِّث بخلاف ذلك.
(٨٠) إذَا اشْتَرَيْتَ فاذْكُرِ السُّوقَ
يعني إذا اشتريت فاذكر البيع لتجتنب العيوب.
فترة الأقامة :
3718 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
506
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
4.35 يوميا
عطر الجنة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الجنة
البحث عن كل مشاركات عطر الجنة