الموضوع
:
أدبيات اللغة العربية
عرض مشاركة واحدة
07-01-2021
#
22
إدارة قناة اليوتوب
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
426
تاريخ التسجيل :
Mar 2014
أخر زيارة :
منذ 12 ساعات (08:48 PM)
المشاركات :
16,181 [
+
]
التقييم :
9330
MMS ~
لوني المفضل :
Darkturquoise
رد: أدبيات اللغة العربية
(١٠١) ومن خطبةٍ له — عليه السلام — خطبها بصفين
أما بعد، فقد جعل الله لي عليكم حقًّا بولاية أمركم، ولكم عليَّ من الحق مثل الذي لي عليكم، فالحق أوسع الأشياء في التَّواصُف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحدٍ إلا جَرَى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصًا لله — سبحانه — دون خلقه؛ لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صُرُوف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يُطيعوه، وجَعَل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضُّلًا منه وتوَسُّعًا بما هو من المزيد أهلُه، ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقًا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضُها بعضًا، ولا يُستوجَب بعضُها إلا ببعض، وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها سبحانه لكلٍّ على كلٍّ، فجعلها نظامًا لألفتهم، وعزًّا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدَّت الرعية إلى الوالي حقه وأدَّى الوالي إليها حقها عزَّ الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أَذْلَالها السنن؛ فصلح بذلك الزمان، وطُمِع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرعية واليها وأجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الإدْغَال في الدين، وتُركت مَحاجُّ السنن؛ فعُمل بالهوى، وعُطِّلت الأحكام، وكثرت علل النفوس؛ فلا يُستوحش لعظيمِ حقٍّ عُطِّل، ولا لعظيم باطل فُعل، فهنالك تذِل الأبرار، وتعِز الأشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد، فعليكم بالتناصح في ذلك، وحسن التعاون عليه؛ فليس أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصُه وطال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما اللهُ أهلُه من الطاعة، ولكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جُهْدهم والتعاون على إقامة الحق بينهم، وليس امرؤٌ وإن عظمت في الحق منزلته وتقدمت في الدين فضيلته بفَوْق أن يُعان على ما حمَّله الله من حقه، ولا امرؤٌ وإن صغَّرتْه النفوس واقتحمته العيون بدون أن يُعين على ذلك أو يُعان عليه.
فأجابه عليه السلام رجل من أصحابه بكلام طويل
يُكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته، فقال عليه السلام: إن من حق من عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كلُّ ما سواه، وإن أحق من كان كذلك لَمَنْ عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه، فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظمًا، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يُظَن بهم حُبُّ الفخر ويُوضع أمرهم على الكِبر، وقد كَرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أُحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطًا لله — سبحانه —
عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء، وربما اسْتَحْلى الناس الثناء بعد البلاء
فلا تُثْنُوا عليَّ بجميل ثناءٍ لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من التَّقِيَّة في حقوق لم أفرغ من أدائها، وفرائض لا بد من إمضائها، فلا تكلِّموني بما تُكَلَّم به الجَبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يُتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تُخالطوني بالمُصانعة، ولا تظنوا بي استثقالًا في حقٍّ قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنه من استَثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يُعرَض عليه كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفُّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أُخطئ، ولا آمنُ ذلك من فِعلي إلا أن يَكفي اللهُ من نفسي ما هو أمْلَك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيدٌ مملوكون لربٍّ لا رب غيره، يملك منَّا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صَلَحْنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى.
(١٠٢) ومن وصية له — عليه السلام — وصَّى بها جيشًا بعثه إلى العدوِّ
فإذا نَزلتم بعدوٍّ أو نزل بكم، فليكن مُعسكركم في قبيل الأشراف وسِفاح الجبال أو أثناء الأنهار؛ كيما يكون لكم ردءًا، ودونكم مردًّا، ولتكن مُقاتَلَتُكم من وجهٍ واحدٍ أو اثنين، واجعلوا لكم رُقباء في صَياصي الجبال ومناكب الهضاب؛ لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافةٍ أو أمن. واعلموا أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم. وإياكم والتفرق، فإذا نزلتم فانزلوا جميعًا، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعًا، وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كَفَّة ولا تذوقوا النوم إلا غِرارًا أو مضمضة.
ومن وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات، وإنما ذكرنا هنا جُمَلًا منها ليُعلم بها أنه كان يقيم عماد الحق، ويَشْرَع أمثلة العدل في صغير الأمور وكبيرها، ودقيقها وجليلها:
انطلقْ على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تَرُوعنَّ مسلمًا، ولا تجتازنَّ عليه كارهًا،
ولا تأخذنَّ منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزلْ بمائهم من غير
أن تخالط أبياتهم، ثم امضِ إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ولا تَخْدِج
بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم وليُّ الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فَتُؤَدُّوه إلى وليه؟ فإن قال قائل لا، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعمٌ فانطلق معه من غير أن تخيفه وتوعده أو تَعْسِفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة. فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه؛ فإن أكثرها له، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلطٍ عليه ولا عنيف به، ولا تُنفِّرنَّ بهيمة ولا تُفْزِعنَّها، ولا تَسوءنَّ صاحبها فيها، واصْدَع المال صَدْعَين ثم خَيِّرْه، فإذا اختار فلا تَعَرَّضنَّ لما اختاره، ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره، فإذا اختار فلا تعرَّضنَّ لما اختاره، فلا تزال بذلك حتى يَبْقى ما فيه وفاءٌ لحق الله في ماله، فاقبض حق الله منه، فإن استقالك فأقلْه، ثم اخلطهما، ثم اصنع مثل الذي صنعت أولًا حتى تأخذ حق الله في ماله. ولا تأخذنَّ عَوْدًا ولا هَرِمة ولا مكسورة ولا مَهْلوسة ولا ذات عوارٍ، ولا تأمننَّ عليها إلا من تثق بدينه رافقًا بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه بينهم، ولا تُوكِّل بها إلا ناصحًا شفيقًا وأمينًا حفيظًا غير مُعنِّف ولا مجحف ولا مُلْغِب ولا متعب.
ثم احْدُر إلينا ما اجتمع عندك نُصيِّرْه حيث أمر الله، فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه أن لا يَحُول بين ناقةٍ وبين فصليها، ولا يَمْصُر لَبَنَها فَيَضُر ذلك بولدها، ولا يَجْهَدَنَّها رُكوبًا، وليعدل بين صَواحباتها في ذلك وبينها، وليُرفِّه على اللاغب، ولْيَسْتَأْنِ بالنَّقِب والظالع، وليوردها ما تمر به من الغُدُر، ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جَوَادِّ الطُّرُق، ولْيُرَوِّحها في الساعات، وليُمْهلها عند النِّطاف والأعشاب، حتى تأتينا بإذن الله بُدْنًا مُنْقِياتٍ غير متعباتٍ ولا مجهودات لنَقْسِمها على كتاب الله وسنة نبيه — صلى الله عليه وآله — فإن ذلك أعظم لأجرك، وأقرب لرشدك إن شاء الله.
وقال عليه السلام وقد سمع رجلًا يذم الدنيا: أيُّها الذامُّ للدنيا، المغتر بغرورها، المخدوع بأبَاطِيلها ثم تَذُمها، أتغتر بالدنيا ثم تذمها؟! أنت المُتجرِّم عليها أم هي المتجرمة عليك؟ متى استهوتك أم متى غرتك؟ أبِمَصارع آبائك من البِلَى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم علَّلْت بكفيك! وكم مرَّضت بيديك! تبغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء، لم ينفع أحدهم إشفاقك، ولم تسعف بطَلِبتك، ولم تدفع عنه بقوتك، قد مثَّلَت لك به الدنيا نفسك، وبمصرعه مصرعك.
إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنًى لمن تزوَّد منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحبَّاء الله، ومصلَّى ملائكة الله، ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببَيْنِها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها، فمثَّلت لهم ببلائها البلاء، وشوَّقتهم بسرورها إلى السرور، راحت بعافية، وابْتَكَرت بفجيعة ترغيبًا وترهيبًا وتخويفًا وتحذيرًا، فذمها رجالٌ غداة الندامة، وحمدها آخرون يوم القيامة، ذكَّرتهم الدنيا فتذكروا، وحدَّثتهم فصدَّقوا، ووعظتهم فاتَّعظوا.
فترة الأقامة :
3718 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
506
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
4.35 يوميا
عطر الجنة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الجنة
البحث عن كل مشاركات عطر الجنة