الموضوع
:
أدبيات اللغة العربية
عرض مشاركة واحدة
07-01-2021
#
32
إدارة قناة اليوتوب
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
426
تاريخ التسجيل :
Mar 2014
أخر زيارة :
منذ 3 ساعات (01:04 PM)
المشاركات :
16,215 [
+
]
التقييم :
9330
MMS ~
لوني المفضل :
Darkturquoise
رد: أدبيات اللغة العربية
(١١٦) وكتب الجاحظ إلى بعض إخوانه في ذمِّ الزمان
بسم الله الرحمن الرحيم
حفظك الله حفظ من وفقه للقناعة، واستعمله بالطاعة! كتبت إليك وحالي حال من كَثُفت غمومه، وأَشْكَلت عليه أموره، واشتبه عليه حال دهره، ومخرج أمره، وقلَّ عنده من يثق بوفائه، أو يحمَد مغبَّة إخائه؛ لاستحالة زماننا، وفساد أيامنا، ودولة أنذالنا. وقِدَمًا كان من قدَّم الحياء على نفسه، وحكَّم الصدق في قوله، وآثر الحق في أموره، ونبذ المُشْتَبِهات عليه من شئونه؛ تمت له السلامة،
وفاز بوفور حظ العافية، وحمد مغبَّة مكروه العاقبة. فنظرنا إذ حال عندنا حكمه، وتحوَّلت دولته، فوجدنا الحياء متصلًا بالحرمان، والصدق آفةً على المال، والقصد في الطلب بترك استعمال القِحَة وإخلاق العِرْض من طريق التوكُّل دليلًا على سخافة الرأي؛ إذ صارت الحُظْوة الباسقة والنعمة السابغة في لُؤْم المشيئة، وسناء الرزق من جهة محاشاة الرخاء وملابسة معرَّة العار. ثم نظرنا في تعقُّب المتعقب لقولنا والكاشر لحُجَّتنا، فأقمنا له عَلَمًا واضحًا، وشاهدًا قائمًا، ومَنَارًا بيِّنًا؛ إذ وجدنا من فيه السُّفُولية الواضحة، والمثالب الفاضحة، والكذب المُبَرِّح، والخُلْف المُصرِّح، والجهالة المُفْرطة، والرَّكَاكة المُسْتَخِفَّة، وضعف اليقين والاستثبات، وسرعة الغضب والجَراءة؛ قد استكمل سروره، واعتدلت أموره، وفاز بالسهم الأغلب، والحظ الأوفر، والقدر الرفيع، والجواز الطائع، والأمر النافذ، إن زلَّ قيل: حَكَم، وإن أخطأ قيل: أصاب، وإن هَذَى في كلامه وهو يقظان قيل: رؤيا صادقة من نَسَمَةٍ مباركة. فهذه حجتنا واللهِ على من زعم أن الجهل يخفض، وأن النُّوك يُرْدي، وأن الكذب يضر، وأن الخُلْف يُزْري.
ثم نظرنا في الوفاء والأمانة، والنُّبل والبلاغة وحسن المذهب، وكمال المروءة، وسَعَة الصدر، وقلَّة الغضب، وكرم الطبيعة، والفائق في سعة علمه، والحاكم على نفسه، والغالب لهواه، فوجدنا فلان بن فلان، ثم وجدنا الزمان لم يُنْصِفْه من حقه، ولا قام له بوظائف فرضه، ووجدنا فضائله القائمة له قاعدةً به؛ فهذا دليل على أن الطَّلَاح أجدى من الصَّلاح، وأن الفضل قد مضى زمانه، وعفَّتْ آثاره، وصارت الدائرة عليه كما كانت الدائرة على ضده، ووجدنا العقل يشقَى به قرينُه، كما أن الجهل والحمق يَحْظى به خَدِينه، ووجدنا الشعر ناطقًا على الزمان، ومعربًا
عن الأيام، حيث يقول:
تَحَامَقْ مَعَ الحَمْقَى إذَا مَا لَقِيتَهُمْ
وَلَاقِهِمْ بالجَهْلِ فِعْلَ أَخِي الجَهْل
وَخَلِّطْ إذَا لَاقَيْتَ يَوْمًا مُخَلِّطًا
يُخَلِّطُ في قولٍ صحيح وفي هَزْل
فَإِنِّي رَأَيْتُ المَرْءَ يَشْقَى بِعَقْلِهِ
كَمَا كَانَ قَبْلَ اليومِ يَسْعَدُ بِالْعَقْل
فبقيتُ — أبقاك الله — مثل من أصبح على أوفاز، ومن النُّقْلة على جهاز، لا يسوغ له
نعمة ولا تطعم عينه غمضة، في أهاويل يباكره مكروهها ويراوحه عقائبها، فلو أن الدعاء أجيب والتضرُّع سُمع، لكانت العِدَة العظمى والرَّجْفة الكبرى. فليت — أي أخي — ما أسْتَبْطِئه من النفخة ومن فجأة الصيحة قُضِي فحان، وأُذن به فكان! فوالله ما عُذِّبت أمةٌ برجفة ولا ريح ولا سَخْطَة عذاب عيني برؤية المُغَايظة المُدْمِنة، والأخبار المُهْلِكة، كأنَّ الزمان يُوَكَّل بعذابي أو يُنْصَب بأيامي، فما عيش من لا يُسَرُّ بأخٍ شفيق، ولا يَصْطَبِح في أول نهاره إلَّا برؤية من يكرهُه ويَغُمُّه بطلْعته، فقد طالت الغمة، وواظبت الكُرْبة، وادْلَهمَّت الظلمة، وخَمَد السراج، وتباطأ الانفراج.
(١١٧) وكتب الجاحظ إلى محمد بن عبد الملك يستعطفه
بسم الله الرحمن الرحيم
أعاذك الله من سوء الغضب، وعصمك من سرف الهوى، وصرف ما أعارك من القوة إلى
حب الإنصاف، ورجَّح في قلبك إيثار الأناة! فقد خِفْتُ — أيَّدك الله! — أن أكون عندك من المنسوبين إلى نَزَق السفهاء، ومجانبة سبل الحكماء. وبعد، فقد قال عبد الرحمن بن
حسان بن ثابت:
وَإِنَّ امْرَءًا أمْسَى وَأَصْبَحَ سَالِمًا
مِنَ النَّاسِ إلَّا مَا جَنَى لَسَعِيدُ
وقال الآخر:
وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إلَى ذَمِّه
ذَمُّوهُ بِالْحَقِّ وَبالبَاطِلِ
فإن كنتُ اجترأت عليك — أصلحك الله! — فلم أجْترئ إلَّا لأن دوام تغافلك عنِّي شبيهٌ بالإهمال الذي يورث الإغْفال، والعفو المتتابع يؤمن من المكافأة؛ ولذلك قال عيينة بن حصن بن حذيفة لعثمان، رحمه الله: عمر كان خيرًا لي منك، أرْهبني فاتَّقاني، وأعطاني فأغناني، فإن كنتَ لا تَهَب عقابي — أيدك الله! — لخدمةٍ، فَهَبه لأياديك عندي؛ فإن النعمة تشفع في النقمة،
وإلَّا تفعل ذلك لذلك فعُدْ إلى حُسْن العادة، وإلَّا فافعل ذلك لحُسن الأُحْدوثة، وإلَّا فأتِ ما أنت أهلُه من العفو دون ما أنا أهلُه من استحقاق العقوبة، فسبحان من جعلك تعفو عن المتعمِّد، وتتجافى عن عقاب المُصرِّ، حتى إذا صرت إلى من هفوته ذِكْر، وذنبُه نسيان، ومن لا يعرف الشكر إلا لك والإنعام إلَّا منك، هجمْت عليه بالعقوبة! واعلم — أيَّدك الله! — أن شَيْنَ غضبك عليَّ كزَيْن صفحك عني، وأن موت ذكري مع انقطاع سببي منك كحياة ذكرك مع اتصال سببي
بك، واعلم أن لك فطنة عليم وغفلة كريم. والسلام.
(١١٨) وصف الجاحظ لقريش وبني هاشم
قد علم الناس كيف كرم قريش وسخاؤها، وكيف عقولها ودهاؤها، وكيف رأيها وذكاؤها، وكيف سياستها وتدبيرها، وكيف إيجازها وتحسيرها، وكيف رجاحة أحلامها إذا خفَّ الحليم، وحدَّة أذهانها إذا كَلَّ الحديد، وكيف صبرها عند اللقاء، وثباتها في اللَّأْوَاء، وكيف وفاؤها إذا استُحْسن الغدر، وكيف جودها إذا حُبَّ المالُ، وكيف ذكرها لأحاديث غدٍ، وقلَّة صدودها عن جهة القصد، وكيف إقرارها بالحق وصبرها عليه، وكيف وصفها له ودعاؤها إليه، وكيف سماحة أخلاقها وصونها لأعراقها، وكيف وصلوا قديمهم بحديثهم، وطريفهم بتليدهم، وكيف أشبه علانيتَهم سرُّهم، وقولَهم فعلُهم، وهل سلامة صدر أحدهم إلا على قدر بعد غَدِيره؟ وهل غفلته إلا في وزن صدق ظنه؟ وهل ظنه إلا كيقين غيره؟
(١١٩) دُرَّتَا زَيْن لقُرَّتَيْ عَيْن
حُكي عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي قال: كانت عَتَّابة أمُّ جعفر بن يحيى تزور أمي،
وكانت لبيبة من النساء حازمة، فصيحة، بَرْزة، يُعجبني أن أجدها عند أمي، فأستكثر من حديثها، فقلت لها يومًا: يا أم جعفر، إنَّ بعض الناس يفضل جعفرًا على الفضل، وبعضهم يفضل الفضل على جعفر، فأخبريني، فقالت: ما زلنا نعرف الفضل للفضل، فقلت: إن أكثر الناس على خلاف هذا، فقالت: ها أنا أحدثك، واقضِ أنت — وذلك الذي أردت منها — فقالت: كانا يومًا يلعبان في داري، فدخل أبوهما فدعا بالغِذاء وأحضرهما فطعما معه، ثم آنسهما بحديثه، ثم قال لهما: أتلعبان بالشِّطْرَنْج؟ فقال جعفر وكان أجْرَأَهما: نعم، قال: فهل لاعبت أخاك بها؟ قال جعفر:
لا، قال: فالعبا بها بين يديَّ لأرى لمن الغَلَب، فقال جعفر: نعم. وكان الفضل أبصر منه بها، فجيء بالشطرنج فصُفَّت بينهما، وأقبل عليها جعفر وأعرض عنها الفضل، فقال له أبوه: ما لك لا تلاعب أخاك؟ فقال: لا أحب ذلك، فقال جعفر: إنه يرى أنه أعلم بها فيَأْنَف من ملاعبتي وأنا أُلاعبه مخاطرةً، فقال الفضل: لا أفعل، فقال أبوه: لاعِبْه وأنا معك، فقال جعفر: رضيتُ. وأبى الفضل واستعفَى أباه فأعفاه. ثم قالت لي: قد حدَّثتك فاقضِ، فقلت: قد قضيت للفضل بالفضل على أخيه، فقالت: لو علمتُ أنك لا تُحْسن القضاء لمَا حكَّمْتك، أفلا ترى أن جعفرًا
قد سقط أربع سَقَطات تنزَّه الفضل عنهن؛ فسقط حين اعترف على نفسه بأنه يلعب بالشِّطْرَنْج، وكان أبوه صاحب جِدٍّ، وسقط على التزام ملاعبة أخيه وإظهار الشهوة لغَلَبه والتعرض لغضبه، وسقط في طلب المقامرة وإظهار الحرص على مال أخيه، والرابعة قاصمة الظهر حين قال أبوه لأخيه: لاعبه وأنا معك، فقال أخوه: لا وقال هو: نعم، فناصب صفًّا فيه أبوه وأخوه. فقلتُ: أحسنت والله، وإنك لأقْضَى من الشَّعْبي، ثم قلت لها: عَزَمْت عليكِ، أخبريني هل خفي مثل هذا على جعفر وقد فَطَن له أخوه؟ فقالت: لولا العزيمة لمَا أخبرتك، إنَّ أباهما لمَّا خرج قلت للفضل خاليةً به: ما منعك من إدخال السرور على أبيك بملاعبة أخيك؟ فقال: أمران؛ أحدهما: لو أني لاعبته لغلبته فأخجلته، والثاني: قول أبي: لاعبه وأنا معك، فما يسرني أن يكون أبي معي على أخي. ثم خلوت بجعفر فقلت له: يسأل أبوك عن اللَّعِب بالشطرنج فيصمت أخوك وتعترف وأبوك صاحب جِدٍّ؟! فقال: إني سمعت أبي يقول: نِعْم لَهْوُ البال المكدود، وقد علم ما نلقاه من كدِّ التعلُّم والتأدُّب، ولم آمن أن يكون بلغه أنَّا نلعب بها ولا أن يبادِر فيُنْكر، فبادرت بالإقرار إشفاقًا على نفسي وعليه، وقلت: إن كان توبيخ فَدَيْته من المواجهة به. فقلت له: يا بني، فلمَ تقول: أُلاعبه مخاطرةً كأنك تقامر أخاك وتستكثر ماله؟ فقال: كلا، ولكنه يستحسن الدَّوَاة التي وهبها لي أمير المؤمنين فعرضتها عليه فأبى قبولها، وطمعت أن يلاعبني فأخاطره عليها وهو يغلبني فتطيب نفسه بأخذها. فقلت لها: يا أماه، ما كانت هذه الدواة؟ فقالت: إن جعفرًا دخل على أمير المؤمنين فرأى بين يديه دواة من العقيق الأحمر مُحَلَّاة بالياقوت الأزرق والأصفر، فرآه ينظر إليها فوهبها له، فقلت: إيهٍ. فقالت: ثم قلت لجعفر: هَبْكَ اعتذرْت بما سمعتُ، فما عذرك من الرِّضا بمناصبة أبيك حين قال: لاعبه وأنا معك، فقلتَ أنت: نعم، وقال هو: لا؟ فقال: عرفت أنه غالبني، ولو فَتَر لعبه لتغالبتُ له مع ما له من الشرف والسرور بتحيُّز أبيه إليه!
قال محمد بن عبد الرحمن:
فقلت: بخٍ بخٍ، هذه والله السيادة! ثم قلت لها: يا أمَّاه، أكان منهما من بلغ الحُلُم؟ فقالت: يا بني، أين يُذْهب بك، أخبرك عن صبيَّيْن يلعبان فتقول: أكان منهما من بلغ الحلم؟! لقد كنا نَنْهَى الصبي إذا بلغ العشر وحضر من يُسْتحى منه أن يبتسم.
(١٢٠) دُرَّتَا زَيْن لقُرَّتَيْ عَيْن
يُحكى أنَّ الفضل بن سهل أرسل وهب بن سعيد إلى فارس مُحاسبًا لعُمَّالها فبلغه أنه خان،
فعزله وسخِط عليه، وبعث به إلى أخيه الحسن بن سهل لينظر في أمره، فأحسَّ وهب بن سعيد بالشرِّ فأوْصى إلى رجل من أهل واسط ثقةٍ مُوسِرٍ يَتَحَرَّف بالجزارة، ويتَّجر في الجلود، فأعطاه مالًا عظيمًا، وضم إليه ولديه الحسن وسليمان، وهما صغيران، ثم توجَّه وهب إلى بغداد، فغرق وهلك غرقًا، فلما بلغ ذلك الوصيَّ أخبر به الغلامين، وقال: اختارا حرفةً تحترفان بها، وإن اخترتما الجزارة وبيع الجلود بصَّرتكما بذلك، ولكما عندي مالٌ سأشتري لكما به ضِياعًا تستظهران بها على أحداث الزمان، فقالا: ما لنا ولحرف العوامِّ وصناعاتهم، وإنما حرفة أمثالنا جَزْر أعناق الرجال في القراطيس. فسمع الجزار كلامًا لا عهد له بسماع مثله فتهيَّبهما الوصي، ورأى بزًّا ليس من سوقه فضمَّ إليهما من يؤدِّبهما ويُصلح من شأنهما، فلما اشتدَّا قالا لوصِيِّهما: إن واسط لا تفي لنا بما نَرُومُه من العلم ونُؤَمِّله من الرئاسة، فقال لهما الوصي: إن مثلكما لا يُوَلَّى عليه، فمُراني بأمركما أُطِعْ، فقالا له: جهِّزْنا إلى مُعْتَرَض العلماء ومستقر الخلفاء. فجهزهما إلى بغداد ودفع إليهما من المال ما أحباه.
وذكر الصُّولي أنه دفع إليهما مالَهما كله. فلما صارا إلى بغداد نالا ما أمَّلا من الرئاسة والعلم، ثم كتبا معًا في دار المأمون في حال غُلُومِيَّتهما وصغر سنهما. ورأى المأمون يومًا أحدهما في الدار يمشي فقال له: من أنت يا غلام؟ فقال: أنا الناشئ في دولتك، المُغْتَذي بنعمتك، المكرَّم بخدمتك، عبدك وابن عبدك سليمان بن وهب، فقال المأمون: أحسنت يا غلام. ثم إن المأمون دعا سليمان بن وهب، وهو غلام، فأمره أن يكتب بين يديه كتابًا لم يبلغ قدرُه أن يكتُبَ مثلَه، فحرَّره على ما أراد المأمون على أحسن خطٍّ، وأصح ضبطٍ، وأسهل لفظٍ، وأجود معنًى، فسُرَّ به المأمون سرورًا ظهر عليه. فلما خرج سليمان كتب إليه بعض إخوان أبيه يقول:
أبُوكَ كَلَّفَكَ الشَّأْوَ البعيدَ كَمَا
قِدْمًا تَكَلَّفَه وَهْبٌ أبو حَسَنِ
فَلَسْتَ تُحْمدُ إنْ أدْرَكْتَ غايتَهُ
ولَسْتَ تُعْذَرُ مَسْبُوقًا فلا تَهِنِ
ولم تزل أمورهما تَنْمي حتى نالا الوزارة. وحُكي أن ابن يزيد بن محمد المُهلَّبي وفد على سليمان بن وهب حين اسْتُوزِر، فسُرَّ به، وعَرَف له فضله، وأجْلَسَه إلى جانبه، فأنشده قولَه:
وَهَبْتُمْ لَنَا يَا آلَ وَهْبٍ مَوَدَّةً
فَأَبْقَتْ لَنَا مالًا وَمَجْدًا يُؤَثَّلُ
فَمَنْ كَانَ لِلْآثَامِ وَالذُّلِّ أَرْضُهُ
فَأَرْضُكُمُ لِلْأَجْرِ والعِزِّ مَنْزِل
رَأَى النَّاسُ فَوْقَ المَجْدِ مقدَارَ فَضلِكم
فَقَدْ سَأَلُوكُم فَوق مَا كَانَ يُسْأَل
يُقَصِّرُ عَنْ مَسعاتِكم كلُّ آخرٍ
وَمَا فَاتَكُم ممَّن تَقَدَّمَ أوَّلُ
بَلَغْتُ الذي قَدْ كُنْتُ آمُلُهُ لَكُمْ
وَإنْ كُنْتُ لمْ أَبْلُغْ بِكُمْ مَا أُؤَمِّلُ
فقطع عليه سليمان إنشاده، وقال: لا تقل ذلك، أصلحك الله! فإنك عندي كما أنشدني عِمارة بن عَقيل بن بلال بن جرير، حيث قال:
أُقَهْقِهُ مَسْرُورًا إذَا أنْتَ سَالِمٌ
وَأَبْكِي من الأَشْوَاقِ حين تغيب
فقال له المهلَّبي: فليسمع الوزير من آخر الشعر ما يَحْقِر أوله، فقال: هات، فأنشأ يقول:
ومَا ليَ حَقٌّ وَاجِبٌ غَيْرَ أنَّنِي
بِجُودِكُم في حَاجَتِي أتَوَسَّلُ
وإنَّكُمُ أَفْضَلتمُ وبَرَزْتمُ
وقد يَسْتَتِمُّ النِّعْمةَ المتفضِّلُ
وأَوْليتمُ فعلًا جميلًا مقدَّمًا
فعُودوا فإنَّ العَوْدَ بالحُرِّ أجملُ
فكم مُلْحِفٍ قد نال ما رام منكمُ
ويمنعُنا عن مثل ذاك التَّجمُّلُ
وعوَّدتمونا قبلَ أنْ نسألَ الغِنَى
ولا وجه للمعروف والوجهُ يُبْذَلُ
فقال سليمان: والله، لا تبرح حتى أقضي حوائجك كائنةً ما كانت، ولو لم أُفَدْ مما أنالني أمير المؤمنين إلَّا شكرُك لرأيت بذلك جنابي مُمْرِعًا وزرعي مُرْتِعًا. ثم وقَّع له في رِقاع كثيرة كانت معه بجميع ما أراد.
فترة الأقامة :
3732 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
506
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
4.35 يوميا
عطر الجنة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الجنة
البحث عن كل مشاركات عطر الجنة