الموضوع
:
أدبيات اللغة العربية
عرض مشاركة واحدة
07-01-2021
#
41
إدارة قناة اليوتوب
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
426
تاريخ التسجيل :
Mar 2014
أخر زيارة :
منذ ساعة واحدة (02:26 AM)
المشاركات :
16,228 [
+
]
التقييم :
9330
MMS ~
لوني المفضل :
Darkturquoise
رد: أدبيات اللغة العربية
(١٣٦) في خواص مصر العامة لها لعبد اللطيف البغدادي
إن أرض مصر من البلاد العجيبة الآثار، الغريبة الأخبار، وهي وادٍ يكتنفه جبلان، شرقي وغربي، والشرقي أعظمهما، يبتدئان من أسوان ويتقاربان بإسنا حتى يكادا يتماسَّان، ثم ينفرجان قليلًا قليلًا، وكلما امتدا طولًا انفرجا عرضًا، حتى إذا حاذيا الفسطاط كان بينهما مسافة يوم فما دونه، ثم يتباعدان أكثر من ذلك والنيل ينساب بينهما ويتشعَّب بأسافل الأرض وجميعُ شُعَبه تَصُبُّ في البحر المالح. وهذا النيل له خاصتان؛ الأولى: بُعْد مرماه، فإنا لا نعلم في المعمورة نهرًا أبعد مسافةً منه؛ لأن مبادئه عيون تأتي من جبل القمر، وزعموا أن هذا الجبل وراء خط الاستواء بإحدى عشرة درجة ونصف درجة. وعرضُ أسوان وهي مبدأ أرض مصر اثنتان وعشرون درجة، وعرضُ دمياط وهي أقصى أرض مصر إحدى وثلاثون درجة وثلث درجة، فتكون مسافة النيل على خط مستقيم ثلاثًا وأربعين درجة تنقص سدسًا، ومساحة ذلك تقريبًا تسعمئة فرسخ، هذا سوى ما يأخذ من التعريج، فإن اعتُبر ذلك تضاعفت المساحة جدًّا. والخاصة الثانية: أنه يزيد عند نضوب سائر الأنهار ونشيش المياه؛ لأنه يبتدئ بالزيادة عند انتهاء طول النهار وتتناهى زيادته عند الاعتدال الخريفي، وحينئذٍ تُفتح الترع وتفيض على الأراضي، وعلة ذلك أن مواد زيادته أمطار غزيرة دائمة وسيول متواصلة تُمِدُّه في هذا الأوان، فإن أمطار الإقليم الأول والثاني إنما تَغْزُر في الصيف والقيظ. وأما أرض مصر فلها أيضًا خواص، منها أنه لا يقع بها مطر إلا ما لا احتفال به وخصوصًا صعيدها، فأما أسافلها فقد يقع بها مطرٌ جَوْد لكنه لا يفي بحاجة الزراعة. وأما دمياط والإسكندرية وما داناهما فهي غزيرة المطر ومنه يشربون، وليس بأرض مصر عين ولا نهر سوى نيلها.
ومنها أن أرضها رملية لا تصلح للزراعة، لكنه يأتيها طينٌ أسودُ عَلِكٌ فيه دُسومة كثيرة يسمى الإبْليز، يأتيها من بلاد السودان مختلطًا بماء النيل عند مَدِّه، فيستقر الطين ويَنْضُب الماء فيُحْرث ويزرع، وكل سنة يأتيها طين جديد؛ ولهذا تزرع جميع أراضيها ولا يراح شيء منها كما يفعل في العراق والشام، لكنها تُخالف عليها الأصناف، وقد لحظت العرب ذلك فإنها تقول: إذا كثرت الرياح جادت الحِراثة؛ لأنها تجيء بتراب غريب، وتقول أيضا: إذا كثرت المؤْتَفِكات زكا الزرع، ولهذه العلة تكون أرض الصعيد زكية كثيرة الإتاء والرَّيْع إذ كانت أقرب إلى المبدأ، فيحصل فيها من هذا الطين مقدار كثير بخلاف أسفل الأرض، فإنها أُسافةٌ مَضْوية إذ كانت رقيقة ضعيفة الطين؛ لأنه يأتيها الماء وقد راق وصفا، ولا أعرف شبيهًا بذلك إلا ما حُكي لي عن بعض جبال الإقليم الأول، أن الرياح تأتيه وقت الزراعة بتراب كثير، ثم يقع عليه المطر فيتلبَّد فيُحْرث ويُزرع، فإذا حُصد جاءته رياح أخرى فنسفَتْه حتى يعود أجرد كما كان أولًا.
ومنها أن الفصول بها متغيرة عن طبيعتها التي لها، فإن أخص الأوقات باليُبْس في سائر البلاد، أعني الصيف والخريف، تكثر فيه الرطوبة بمصر بمدِّ نيلها وفيضه؛ لأنه يمُدُّ في الصيف ويُطَبِّق الأرض في الخريف، فأما سائر البلاد فإن مياهها تَنِشُّ في هذا الأوان، وتَغْزُر في أخص الأوقات بالرطوبة، أعني الشتاء والربيع، ومصر إذ ذاك تكون في غاية القحولة واليُبْس؛ ولهذه العلة تكثر عفوناتها واختلاف هوائها وتغلب على أهلها الأمراض العفَنِيَّة الحادثة عن أخلاطٍ صفراوية وبلْغمية، وقلما تجد فيهم أمراضًا صفراوية خالصة، بل الغالب عليهم البلغم حتى في الشُبَّان والمَحْرورين، وأكثر أمراضهم في آخر الخريف وأول الشتاء، لكنها يغلب عليها سلامة العاقبة، وتقل فيهم الأمراض الحادة والدموية الوَحِيَّة. وأما أصحَّاؤهم فيغلب عليهم الترهُّل والكسل وشُحُوب اللون وكُمودته، وقلما ترى فيهم مشبوب اللون ظاهر الدم، وأما صبيانهم فضاوِيُّون يغلب عليهم الدمامة وقلة النضارة، وإنما تحدث لهم البدانة والقَسامة غالبًا بعد العشرين. وأما ذكاؤهم وتوقُّد أذهانهم وخفة حركاتهم فلحرارة بلدهم الذاتية؛ لأن رطوبته عَرَضية؛ ولهذا كان أهل الصعيد أفحل جسومًا وأجف أمزجة والغالب عليهم السُّمرة، وكان ساكنو الفسطاط إلى دمياط أرطب أبدانًا والغالب عليهم البياض.
ولما رأى قدماء المصريين أن عمارة أراضيهم إنما هي بنيلها، جعلوا أول سنتهم أول الخريف، وذلك عند بلوغ النيل الغاية القصوى من الزيادة. ومنها أن الصَّبا محجوبة عنهم بجبلها الشرقي المسمى المقطم، فإنه يستر عنها هذه الريح الفاضلة، وقلما تهُب عليهم خالصة اللهم إلَّا نَكْباء؛ ولهذا اختار قدماء المصريين أن يجعلوا مستقر المُلْكِ منف ونحوها مما يبعد عن هذا الجبل الشرقي إلى الغربي، واختار الروم الإسكندرية وتجنبوا موضع الفسطاط لقربه من المقطم، فإن الجبل يستر عما في لِحْفِه أكثر مما يستر عما بعُد منه، ثم إن الشمس يتأخر طلوعها عليهم فيقل في هوائهم النضج؛ ولذلك تجد المواضع المنكشفة للصبا من أرض مصر أحسن حالًا من غيرها، ولكثرة رطوبته يتسارع العفن إليها، ويكثر فيها الفأر ويتولد من الطين، والعقارب تكثر بقوص، وكثيرًا ما تقتل بلَسْبها، والبق المُنْتن والذباب والبراغيث تدوم زمانًا طويلًا.
ومنها أن الجنوب إذا هبت عندهم في الشتاء والربيع وفيما بعد ذلك كانت باردةً جدًّا، ويسمونها المريسي؛ لمرورها على أرض المريس، وهي من بلاد السودان، وسبب بردها مرورها على برك ونقائع، والدليل على صحة ذلك أنها إذا دامت أيامًا متوالية عادت إلى حرارتها الطبيعية وأسْخَنت الهواء وأحدثت فيها يُبْسًا.
فترة الأقامة :
3732 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
506
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
4.35 يوميا
عطر الجنة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الجنة
البحث عن كل مشاركات عطر الجنة