الموضوع
:
أدبيات اللغة العربية
عرض مشاركة واحدة
07-01-2021
#
46
إدارة قناة اليوتوب
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
426
تاريخ التسجيل :
Mar 2014
أخر زيارة :
منذ 4 يوم (11:14 PM)
المشاركات :
16,207 [
+
]
التقييم :
9330
MMS ~
لوني المفضل :
Darkturquoise
رد: أدبيات اللغة العربية
(142 نُخْبة من وصية ابن سعيد المغربي لابنه وقد أراد السفر
أُودِعُكَ الرَّحْمَنَ في غُرْبَتِكْ
مُرْتَقِبًا رُحْمَاهُ في أَوْبَتِكْ
فَلَا تُطِلْ حَبْلَ النَّوَى إِنَّنِي
وَاللهِ أشْتَاقُ إلى طَلْعَتِكْ
واخْتَصِرِ التَّوْدِيعَ أَخْذًا فَمَا
لي نَاظِرٌ يَقْوَى عَلَى فُرْقتِكْ
واجْعَلْ وَصَاتي نُصْبَ عَيْنٍ وَلَا
تَبْرَح مَدَى الْأيَّامِ مِنْ فِكْرَتِكْ
خُلَاصَةُ العُمْرِ الَّتي حُنِّكَتْ
في ساعةٍ زُفَّتْ إلَى فِطْنَتِكْ
فَلِلتَّجَارِيبِ أمُورٌ إذَا
طَالَعْتَهَا تَشْحَذ مِنْ غَفْلَتِكْ
فلا تَنَمْ عن وَعْيها سَاعَةً
فإِنَّهَا عَوْنٌ إلى يَقْظَتِكْ
وكُلُّ مَا كَابَدْتَهُ في النَّوَى
إيَّاكَ أَنْ يَكْسِرَ مِنْ همَّتكْ
فَلَيْسَ يُدْرَى أصْلُ ذِي غُرْبَةٍ
وإنَّمَا تُعْرَفُ مِنْ شِيمَتِكْ
وامْشِ الهُوَيْنَا مُظْهِرًا عِفَّةً
وابْغِ رِضَا الأعْيُنِ عَنْ هَيْئَتِكْ
وانْطِق بحيث العِيُّ مُسْتَقْبَحٌ
واصْمُتْ بحيث الخَيْرُ في سَكْتَتِكْ
ولِجْ عَلَى رِزْقِك مِنْ بِابِه
واقْصِدْ لَهُ مَا عِشْتَ في بُكْرتِكْ
وَوَفِّ كُلًّا حَقَّهُ وَلْتَكُنْ
تكْسِر عِنْد الفَخْرِ مِنْ حِدَّتِكْ
وَحَيْثُمَا خَيَّمْتَ فاقْصِدْ إلى
صُحْبَةِ مَنْ تَرْجُوهُ في نُصْرَتِكْ
وللرَّزَايا وَثْبَةٌ مَا لَهَا
إلَّا الذي تَذْخَرُ مِنْ عُدَّتِكْ
وَلَا تَقُلْ أَسْلَمُ لي وَحْدَتِي
فَقَدْ تُقَاسِي الذُّلَّ في وَحْدَتِكْ
وَلْتَجْعَلِ العَقْلَ مِحَكًّا وخُذْ
كُلًّا بما يَظْهَر في نَقْدَتِكْ
وَاعْتَبِرِ النَّاسَ بِأَلْفَاظِهِمْ
واصْحَبْ أخًا يَرْغَبُ في صُحْبَتِكْ
كَمْ مِنْ صَدِيقٍ مُظْهِرٍ نُصْحَهُ
وفِكْرُهُ وَقْف عَلَى عَثْرَتِكْ
إيَّاكَ أنْ تَقْرَبَه إنَّهُ
عَوْنٌ مع الدَّهْرِ عَلَى كُرْبَتِكْ
وانْمُ نُمُوَّ النَّبْتِ قدْ زاره
غِبُّ النَّدى واسْمُ إلى قُدْرَتك
وَلَا تُضَيِّعْ زَمَنًا مُمْكِنًا
تَذْكَارُهُ يُذْكِي لَظَى حَسْرَتِكْ
والشَّرُّ مَهْمَا اسْطَعْتَ لَا تَأْتِهِ
فَإنَّهُ حُورٌ عَلَى مُهْجَتِكْ
يا بُنَيَّ، الذي لا ناصح له مثلي، ولا منصوح لي مثله، قد قدمت لك في هذا النظم ما إن أخْطَرته بخاطرك في كل أوانٍ، رجوتُ لك حُسْن العاقبة إن شاء الله — تعالى — وإنَّ أخَفَّ منه للحفظ، وأعْلَقَ بالفكر، وأَحَقَّ بالتقدم قول الأول:
يَزينُ الغَرِيب إذَا مَا اغْتَرَبْ
ثَلَاثٌ فَمِنْهُنَّ حُسْنُ الأدَبْ
وثَانِيةٌ حُسْنُ أخْلَاقِهِ
وَثَالثَةٌ إجْتِنَابُ الرِّيَبْ
واصْغِ يا بُنَيَّ إلى البيت الذي هو يتيمة الدهر، وسُلَّم الكرم والصبر:
وَلَوَ انَّ أَوْطَانَ الدِّيَارِ نَبَتْ بِكُمْ
لَسَكَنْتُمُ الأَخْلَاقَ وَالآدَابَا
إذْ حسن الخلق أكرم نزيل، والأدب أرحب منزل. ولتكن كما قال بعضهم في أديبٍ متغرِّب: وكان كلما طرأ على ملِكٍ، فكأنه معه وُلِد، وإليه قَصَد، غير مُسْتَريب بدهره، ولا مُنْكرٍ شيئًا من أمره. وإذا دعاك قلبك إلى صُحْبَةِ مَنْ أخذ بمجامع هواه، فاجعل التكلُّف له سُلَّما، وهُبَّ في روض أخلاقه هبوب النسيم، وحُلَّ بطرفه حلول الوَسَن، وانزل بقلبه نزول المسرة؛ حتى يتمكن لك ودادُه، ويخْلُص فيك اعتقاده، وطَهِّر من الوقوع فيه لسانَك، وأَغْلِقْ سمعك، ولا تُرَخِّص في جانبه لحسودٍ لك منه، يريد إبعادك عنه لمنفعةٍ، أو حسودٍ له يغار لتجمُّله بصُحبتك، ومع هذا فلا تَغْتَرَّ بطول صحبته، ولا تتمهَّد بدوام رَقدته، فقد ينبِّهُه الزمان، ويتغَيَّر منه القلب واللسان. وإنما العاقل من جعل عقله معيارًا، وكان كالمرآة يَلْقَى كلَّ وجهٍ بمثاله، وفي أمثال العامة: من سبقك بيوم فقد سبقك بعقل. فاحْتَذِ بأمثلة من جَرَّب، واستمع إلى ما خَلَّد الماضون بعد جَهْدهم وتَعَبهم من الأقوال، فإنها خلاصة عمرهم، وزُبْدَة تجاربهم، ولا تَتَّكل على عقلك، فإن النظر فيما تَعِب فيه الناس طول أعمارهم، وابتاعوه غاليًا بتجاربهم يُرْبِحُك، ويقع عليك رخيصًا، وإن رأيت من له عقل ومروءة وتجربة فاستَفِدْ منه، ولا تضيع قوله ولا فعله، فإن فيما تلقاه تلقيحًا لعقلك، وحثًّا لك واهتداء.
وليس كل ما تسمع من أقوال الشعراء يحسن بك أن تتَّبعه حتى تتدبَّره، فإن كان موافقًا لعقلك، مُصْلِحًا لحالك، فراعِ ذلك عندك، وإلَّا فانْبِذْه نَبْذَ النَّواة، فليس لكل أحد يُتَبَسَّم ولا كل شخص يُكَلَّم، ولا الجود مما يُعَمُّ به، ولا حسن الظن وطيب النفس مما يُعامَل به كل أحد، ولله دَرُّ القائل:
وَمَا ليَ لَا أُوفِي البَرِيَّةَ قِسْطَهَا
عَلَى قَدْرِ مَا يُعْطِي وَعَقْلِيَ مِيزَانُ؟
وإياك أن تُعطيَ من نفسك إلا بِقَدَرٍ، فلا تعامل الدُّون بمعاملة الكفء، ولا الكفء بمعاملة الأعلى، ولا تضيِّع عمرك فيمن يعاملك بالمطامع، ويُثيبك على مصلحةٍ حاضرة عاجلة بغائبةٍ آجلة.
ولا تَجْفُ النَّاسَ بالجملة، ولكن يكون ذلك بحيث لا يَلْحَق منه مَلَل ولا ضَجَر ولا جَفَاء، فمتى فارقت أحدًا فعلى حُسْنَى في القول والفعل، فإنك لا تدري هل أنت راجعٌ إليه، فلذلك قال الأوَّل: «ولما مضى سَلْمٌ بكيت على سَلْمِ»، وإياك والبيت السائر:
وَكُنْتَ إذَا حَلَلْتَ بِدَارِ قَوْمِ
رَحَلْتَ بِخِزْيَةٍ وتَرَكْتَ عَارَا
واحرص على ما جمع قول القائل: ثلاثةٌ تبقي لك الودَّ في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسِّع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه. واحذر كل ما بيَّنه لك القائل: كل ما تغرسه تجنيه إلا ابن آدم فإذا غرستَه يَقْلَعُك، وقول الآخر: ابن آدم ذئب مع الضعف وأسد مع القوة.
وإياك أن تثبت على صُحْبة أحد قبل أن تُطِيل اختباره. ويُحكى أن ابن المقفع خطب من الخليل صُحْبَتَه، فجاوبه: إن الصحبة رِقٌّ، ولا أضع رِقِّي في يديك حتى أَعْرِف كيف مَلَكَتُك. واسْتَمْلِ من عين مَنْ تعاشره، وتفقَّد في فَلَتَات الألسن وصفحات الأوجه، ولا يحملك الحياء على السكوت عما يضرك أن لا تبيِّنه، فإن الكلام سلاح السِّلْم، وبالأنين يُعرف ألم الجرح، واجعل لكل أمر أخذت فيه غايةً تجعلها نهاية لك.
وَخُذْ مِنَ الدَّهْرِ مَا أَتَاكَ بِه
مَنْ قرَّ عَيْنًا بِعَيْشِهِ نَفَعَه
إذ الأفكار تجلب الهموم، وتضاعف الغموم، وملازمة القُطوب عُنوان المصائب والخُطوب، يستريب به الصاحب، ويشمت العدو والمُجَانِب. ولا تضر بالوساوس إلا نفسك، لأنك تنصر بها الدهر عليك، ولله دَرُّ القائل:
إذَا مَا كُنْتَ للْأحْزَانِ عَوْنًا
عَلَيْكَ مَعَ الزَّمَانِ فَمَنْ تَلُوم؟
مع أنه لا يردُّ عليك الغائب الحُزْن، ولا يرْعوي بطول عَتْبك الزمن. ولقد شاهدت بغرناطة شخصًا قد أَلِفَتْه الهموم، وعشقته الغموم، من صغره إلى كبره لا تراه أبدًا خليًّا من فكرة، حتى لُقِّب ï؛‘ «صدر الهم»، ومن أعجب ما رأيته منه أنه يتنكَّد في الشدة، ولا يتعلَّل بأن يكون بعدها فرج، ويتنكَّد في الرخاء خوفًا من أن لا يدوم، وينشد:
توقَّع زوالًا إذا قيل تَمَّ
وينشد:
وعند التَّنَاهِي يَقْصُر المُتَطَاوِلُ
وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب، ومثل هذا عمره مخسور يمرُّ ضياعًا.
ومتى رفعك الزمان إلى قوم يذُمُّون من العلم ما تُحْسِنُه حسدًا لك، وقصدًا لتصغير قدرك عندك، وتزهيدًا لك فيه، فلا يَحْمِلْك ذلك على أن تزهد في علمك، وتركن إلى العلم الذي مدحوه، فتكون مثل الغراب الذي أعجبه مشي الحَجَلَة فرام أن يتعلمه فصَعُب عليه، ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فَنَسِيَه، فبقي مُخَبَّل المشي،
كما قيل:
إنَّ الغُرَابَ وَكَانَ يَمْشِي مِشْيَةً
فِيمَا مَضَى مِنْ سَالِفِ الأجْيَالِ
حَسَدَ القَطَا وَأَرَادَ يَمْشِي مَشْيَهَا
فَأَصَابَهُ ضَرْبٌ مِنَ العُقَّالِ
فَأَضَلَّ مِشْيَتَهُ وَأَخْطَأَ مَشْيَهَا
فَلِذَاكَ كَنَّوْهُ أبَا مِرْقالِ
ولا يُفْسِد خاطرك من جعل يذُمُّ الزمان وأهله ويقول: ما بقي في الدنيا كريم ولا فاضل،
ولا مكان يُرْتَاحُ فيه. فإن الذين تراهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون ممن صَحِبه الحِرْمَان،
واستحقَّت طلعته للهوان، وأبْرَمُوا على الناس بالسؤال فمقتوهم، وعجزوا عن طلب الأمور من وجوهها، فاستراحوا إلى الوقوع في الناس وأقاموا الأعذار لأنفسهم بقطع أسبابهم. ولا تُزِل هذين البيتين من فكرك:
لِنْ إذَا مَا نِلْتَ عِزًّا
فَأَخُو العِزِّ يَلِينُ
فَإِذَا نَابَكَ دَهْرٌ
فَكَمَا كُنْتَ تَكُونُ
والأمثال تُضرب لذي اللُّبِّ الحكيم، وذو البصر يمشي على الصراط المستقيم، والفَطِن يقنع بالقليل،
ويستدلُّ باليسير. والله — سبحانه — خليفتي عليك، لا ربَّ سواه.
التعديل الأخير تم بواسطة عطر الجنة ; 07-01-2021 الساعة
07:43 AM
فترة الأقامة :
3729 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
506
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
4.35 يوميا
عطر الجنة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الجنة
البحث عن كل مشاركات عطر الجنة