الموضوع
:
أدبيات اللغة العربية
عرض مشاركة واحدة
07-01-2021
#
47
إدارة قناة اليوتوب
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
426
تاريخ التسجيل :
Mar 2014
أخر زيارة :
منذ 4 يوم (11:14 PM)
المشاركات :
16,207 [
+
]
التقييم :
9330
MMS ~
لوني المفضل :
Darkturquoise
رد: أدبيات اللغة العربية
(143) الجامع الأزهر
هذا الجامع أول مسجد أُسس بالقاهرة، والذي أنشأه القائد جوهر الكاتب الصِّقِلِي مولى الإمام أبي تميم مَعَدٍّ، الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين الله، لمَّا اختطَّ القاهرة.
وشُرِعَ في بناء هذا الجامع في يوم السبت لستٍّ بقين من جُمَادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمئة، وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمئة، وجُمِّع فيه، وكتب بدائر القبة التي في الرواق الأول، وهي على يمنة المحراب والمنبر ما نصه بعد البسملة: مما أمر ببنائه عبد الله ووليه أبو تميم معد الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين، على يد عبده جوهر الكاتب الصقلي، وذلك في سنة ستين وثلاثمئة. وأول جمعة جُمِّعت فيه في شهر رمضان لسبع خلون منه سنة إحدى وستين وثلاثمئة، ثم إن العزيز بالله أبا منصور نزار بن المعز لدين الله جدَّد فيه أشياء.
وفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمئة سأل الوزير أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كِلْس الخليفة العزيز بالله في صلة رزق جماعة من الفقهاء، فأطلق لهم ما يكفي كل واحد منهم من رزق النَّاضِّ، وأمر لهم بشراء دار وبنائها، فبُنيت بجانب الجامع الأزهر، فإذا كان يوم الجمعة حضروا إلى الجامع وتحلَّقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تُصلَّى العصر. وكان لهم أيضًا من مال الوزير صلة في كل سنة، وكانت عدتهم خمسة وثلاثين رجلًا، وخلع عليهم العزيز يوم عيد الفطر وحمَلهم على بغلات. ويقال: إن بهذا الجامع طِلَّسْمًا فلا يسكنه عُصْفُور ولا يفْرِخ به،
وكذا سائر الطيور من الحمام واليمام وغيره، وهو صورة ثلاثة طيور منقوشة، كل صورة على رأس عمود، فمنها صورتان في مقدم الجامع بالرواق الخامس، منها صورة في الجهة الغربية في العمود وصورة في أحد العمودين اللذين على يسار من استقبل سُدَّة المؤذِّنِين، والصورة الأخرى في الصحن في الأعمدة القبلية مما يلي الشرقية. ثم إن الحاكم بأمر الله جدده ووقف على الجامع الأزهر وجامع المقس والجامع الحاكمي ودار العلم بالقاهرة رِباعًا بمصر.
ثم إن المستنصر جدد هذا الجامع أيضًا، وجدده الحافظ لدين الله، وأنشأ فيه مقصورة لطيفة تجاور الباب الغربي الذي في مقدم الجامع بداخل الرواقات عُرفت ï؛‘ «مقصورة فاطمة»، من أجل أن فاطمة الزهراء — رضي الله تعالى عنها — رُئيت بها في المنام. ثم إنه جُدِّد في أيام الملك الظاهر بيبرس البندقداري، قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في كتاب «سيرة الملك الظاهر»:
لما كان يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول سنة خمس وستين وستمئة، أقيمت الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة، وسبب ذلك أن الأمير عز الدين أيدمر الحلي كان جار هذا الجامع من مدة سنين، فرعى — وفقه الله — حرمة الجار، ورأى أن يكون كما هو جاره في دار الدنيا أنه غدًا يكون ثوابُه جارَه في تلك الدار، ورسم بالنظر في أمره وانتزع له أشياء مغصوبة كان شيء منها في أيدي جماعة، وحاط أموره حتى جمع له شيئًا صالحًا، وجرى الحديث في ذلك، فتبرع الأمير عز الدين له بجملة مستكثرة من المال الجزيل، وأطلق له من السلطان جملة من المال، وشرع في عمارته، فعَمَّر الواهي من أركانه وجدرانه، وبيَّضه وأصلح سقوفه، وبلَّطه وفرشه وكساه، حتى عاد حرمًا في وسط المدينة، واستجدَّ به مقصورة حسنة، وأثر فيه آثارًا صالحة يثيبه الله عليها. وعمل الأمير بيلبك الخازندار فيه مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الإمام الشافعي — رحمه الله — ورتب في هذه المقصورة محدثًا يُسمع الحديث النبوي والرقائق، ووقف على ذلك الأوقاف الدارَّة، ورتَّب به سبعة لقراءة القرآن الكريم، ورتَّب به مدرسًا، أثابه الله على ذلك! ولما تكمَّل تجديده تحدث في إقامة جمعة فيه، فنودي في المدينة بذلك، واستخدم له الفقيه زين الدين خطيبًا، وأقيمت الجمعة فيه في اليوم المذكور، وحضر الأتابك فارس الدين والصاحب بهاء الدين علي بن حنا وولده الصاحب فخر الدين محمد وجماعة من الأمراء والكبراء وأصناف العالم على اختلافهم، وكان يوم جمعة مشهودًا.
ولمَّا فُرِغ من الجمعة جلس الأمير عز الدين الحلي والأتابك والصاحب وقرئ القرآن ودُعِي للسلطان، وقام الأمير عز الدين ودخل إلى داره ودخل معه الأمراء، فقدم لهم كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وانفصلوا. وكان قد جرى الحديث في أمر جواز الجمعة في الجامع وما ورد فيه من أقاويل العلماء، وكُتب فيها فُتْيا أُخذ فيها خطوط العلماء بجواز الجمعة في هذا الجامع وإقامتها، فكتب جماعة خطوطهم فيها، وأقيمت صلاة الجمعة به واستمرت، ووجد الناس به رفقًا وراحة لقربه من الحارات البعيدة من الجامع الحاكمي. قال: وكان سقف هذا الجامع قد بُني قصيرًا، فزيد فيه بعد ذلك وعلا ذراعًا، واستمرت الخطبة فيه حتى بُني الجامع الحاكمي، فانتقلت الخطبة إليه، فإن الخليفة كان يخطب فيه خطبة وفي الجامع الأزهر خطبة، وفي جامع ابن طولون وفي جامع مصر خطبة.
وانقطعت الخطبة من الجامع الأزهر لما استبدَّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالسلطنة، فإنه قلد وظيفة القضاء لقاضي القضاة صدر الدين عبد الملك بن درباس، فعمل بمقتضى مذهبه وهو امتناع إقامة الخطبتين للجمعة في بلد واحد كما هو مذهب الإمام الشافعي، فأبطل الخطبة من الجامع الأزهر وأقر الخطبة بالجامع الحاكمي من أجل أنه أوسع، فلم يزل الجامع الأزهر معطَّلًا من إقامة الجمعة فيه مئة عام، من حين استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أن أُعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس كما تقدم ذكره. ثم لما كانت الزلزلة بديار مصر في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمئة سقط الجامع الأزهر والجامع الحاكمي وجامع مصر وغيره، فتقاسم أمراء الدولة عمارة الجوامع، فتولى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عمارة الجامع الحاكمي، وتولى الأمير سلَّار عمارة الجامع الأزهر، وتولى الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار عمارة جامع الصالح، فجددوا مبانيها وأعادوا ما تهدم منها.
ثم جُدِّدت عمارة الجامع الأزهر على يد القاضي نجم الدين محمد بن حسين بن علي الإسْعَرْديِّ محتسب القاهرة في سنة خمس وعشرين وسبعمئة، ثم جددت عمارته في سنة إحدى وستين وسبعمئة عندما سكن الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجامدار الناصري في دار الأمير فخر الدين أبان الزاهدي الصالحي النجمي بخُطِّ الأبارين بجوار الجامع الأزهر بعدما هدمها وعمرها، وهي التي تعرف هناك إلى اليوم بدار بشير الجامدار، فأحب — لقربه من الجامع — أن يؤثِّر فيه أثرًا صالحًا، فأستأذن السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون في عمارة الجامع، وكان أثيرًا عنده مُخَصًّا به فأذن له في ذلك، وكان قد استُجدَّ بالجامع عدة مقاصير، ووُضِعت فيه صناديق وخزائن حتى ضيَّقته، فأخرج الخزائن والصناديق، ونزع تلك المقاصير، وتتبَّع جدرانه وسقوفه بالإصلاح حتى عادت كأنها جديدة، وبيَّض الجامع كله وبلَّطه ومنع الناس من المرور فيه، ورتَّب فيه مصحفًا، وجعل له قارئًا، وأنشأ على باب الجامع القبلي حانوتًا لتسبيل الماء العذب في كل يوم، وعمل فوقه مكتب سبيل لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز، ورتب للفقراء المجاورين طعامًا يُطبخ كل يوم، وأنزل إليه قدورًا من نحاس جعلها فيه، ورتب فيه درسًا للفقهاء من الحنفية يجلس مُدرِّسهم لإلقاء الفقه في المحراب الكبير، ووقف على ذلك أوقافًا جليلة باقية إلى يومنا هذا، ومؤذنو الجامع يدعون في كل جمعة وبعد كل صلاة للسلطان حسن إلى هذا الوقت. وفي سنة أربع وثمانين وسبعمئة وُلِّي الأمير الطواشي بَهادر المقدم على المماليك السلطانية نظر الجامع الأزهر، فتنجَّز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق بأن من مات من مجاوري الجامع الأزهر عن غير وارث شرعي وترك موجودًا، فإنه يأخذه المجاورون بالجامع، ونقش ذلك على حجر عند الباب الكبير البحري. وفي سنة ثمانمئة هدمت منارة الجامع وكانت قصيرة، وعمِّرت أطول منها، فبلغت النفقة عليها من مال السلطان خمسة عشر ألف درهم نَقْرة، كملت في ربيع الآخر من السنة المذكورة، فعُلِّقت القناديل فيها ليلة الجمعة من هذا الشهر، وأُوقدت حتى اشتعل الضوء من أعلاها إلى أسفلها، واجتمع القراء والوعاظ بالجامع وتلَوْا ختمة شريفة ودعوْا للسلطان، فلم تزل هذه المئذنة إلى شوال سنة سبع عشرة وثمانمئة، فهُدمت لميلٍ ظهر فيها، وعُمل بدلها منارة من حجر على باب الجامع البحري بعدما هُدم الباب وأعيد بناؤه بالحجر، وركِّبت المنارة فوق عقده، وأُخذ الحجر لها من مدرسة الملك الأشرف خليل التي كانت تجاه قلعة الجبل وهدمها الملك الناصر فرج بن برقوق، وقام بعمارة ذلك الأمير تاج الدين الشَّوْبَكِيُّ والي القاهرة ومحتسبها، إلى أن تمت في جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وثمانمئة، فلم تقم غير قليل ومالت حتى كادت تسقط، فهدِّمت في صفر سنة سبع وعشرين وأُعيدت، وفي شوال منها ابتدئ بعمل الصهريج الذي في وسط الجامع، فوُجد هناك آثار فسقية ماء ووُجد أيضًا رِمَمُ أموات، وتم بناؤه في ربيع الأول، وعُمل بأعلاه مكان مرتفع له قبة يُسبَّل فيه الماء، وغُرس بصحن الجامع أربع شجرات فلم تفلح وماتت. ولم يكن لهذا الجامع ميضأة عندما بُني، ثم عملت ميضأته حيث المدرسة الأقبغاوية إلى أن بنى الأمير أقبغا عبد الواحد مدرسته المعروفة بالمدرسة الأقبغاوية هناك.
وأما هذه الميضأة التي بالجامع الآن، فإن الأمير بدر الدين جنكل بن البابا بناها ثم زِيد فيها بعد سنة عشر وثمانمئة ميضأة المدرسة الأقبغاوية. وفي سنة ثمان عشرة وثمانمئة ولي نظر هذا الجامع الأمير سودوب القاضي حاجب الحجاب،
فجرت في أيام نظره حوادث لم يتفق مثلها، وذلك أنه لم يزل في هذا الجامع منذ بُني عدة من الفقراء
يلازمون الإقامة فيه، وبلغت عدتهم في هذه الأيام سبعمئة وخمسين رجلًا ما بين عجم وزيالعة ومن
أهل ريف مصر ومغاربة، ولكل طائفة رواق يُعرف بهم، فلا يزال الجامع عامرًا بتلاوة القرآن ودراسته وتلقينه والاشتغال بأنواع العلوم الفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ وحِلَق الذكر، فيجد الإنسان إذا دخل هذا الجامع من الأنس بالله والارتياح وترويح النفس ما لا يجده في غيره، وصار أرباب الأموال يقصدون هذا الجامع بأنواع البر من الذهب والفضة والفلوس، إعانةً للمجاورين فيه على عبادة الله — تعالى — وكلَّ قليل تُحمل إليهم أنواع الأطعمة والخبز والحلاوات لا سيما في المواسم؛ فأمر في جمادى الأولى من هذه السنة بإخراج المجاورين من الجامع ومنعهم من الإقامة فيه، وإخراج ما كان لهم فيه من صناديق وخزائن وكراسي المصاحف، زعمًا منه أن هذا العمل مما يُثاب عليه، وما كان إلا من أعظم الذنوب وأكثرها ضررًا، فإنه حل بالفقراء بلاء كبير من تشتت شملهم وتعذر الأماكن عليهم، فساروا في القرى، وتبذَّلوا بعد الصيانة، وفُقد من الجامع أكثر ما كان فيه من تلاوة القرآن ودراسة العلم وذكر الله، ثم لم يرضه ذلك حتى زاد في التعدي وأشاع أن أناسًا يبيتون بالجامع ويفعلون فيه منكرات، وكانت العادة قد جرت بمبيت كثير من الناس في الجامع ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم، منهم من يقصد بمبيته البركة ومنهم من لا يجد مكانًا يؤويه، ومنهم من يَسْتَرْوح بمبيته هناك خصوصًا في ليالي الصيف وليالي شهر رمضان، فإنه يمتلئ صحنه وأكثر رواقاته.
فلما كانت ليلة الأحد الحادي عشر من جمادى الآخرة طرق الأمير سودوب الجامع بعد العشاء الآخرة والوقت صيف، وقبض على جماعة وضربهم في الجامع، وكان قد جاء معه من الأعوان والغلمان وغوغاء العامة ومن يريد النهب جماعة، فحلَّ بمن كان في الجامع أنواع البلاء ووقع فيهم النهب فأُخِذت فرشهم وعمائمهم وفُتِّشت أوساطهم وسُلبوا ما كان مربوطًا عليها من ذهب وفضة، وعَمل ثوبًا أسود للمنبر وعلَمين مزوَّقين بلغت النفقة على ذلك خمسة عشر ألف درهم على ما بلغني، فعاجل الله الأمير سودوب وقبض عليه السلطان في شهر رمضان وسجنه بدمشق.
التعديل الأخير تم بواسطة عطر الجنة ; 07-01-2021 الساعة
07:50 AM
فترة الأقامة :
3729 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
506
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
4.35 يوميا
عطر الجنة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الجنة
البحث عن كل مشاركات عطر الجنة