الموضوع
:
أدبيات اللغة العربية
عرض مشاركة واحدة
07-01-2021
#
50
إدارة قناة اليوتوب
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
426
تاريخ التسجيل :
Mar 2014
أخر زيارة :
منذ 4 يوم (11:14 PM)
المشاركات :
16,207 [
+
]
التقييم :
9330
MMS ~
لوني المفضل :
Darkturquoise
رد: أدبيات اللغة العربية
(١٤٦) مدينة الزهراء في الأندلس
كان الخليفة عبد الرحمن الناصر كَلِفًا بعمارة الأندلس، وإقامة معالمها، وتخليد الآثار الدالة على قوة المُلك وعزة السلطان، فأفْضَى به الإغراق في ذلك إلى أن ابتنى مدينة الزهراء البناء الشائع ذكره المنتشر صيته، واستفرغ جهده في تنميقها وإتقان قصورها وزخرفة مصانعها. فاستدعى عُرفاء المهندسين، وحشد بُرعاء البنائين من كل قُطر، فوفدوا عليه حتى من بغداد والقُسطنطينية، ثم أخذ في بناء المُسْتَنْزهات وإنشاء مدينة الزهراء الموصوفة بالقصور الباهرة، وأقامها بطرق البلد على ضفة نهر قرطبة، ونسَّق فيها كل اقتدار معجز ونظام. وكان قصر الخليفة متناهيًا في الجلالة والفخامة، أطبق الناس على أنه لم يُبْن مثله في الإسلام البتَّة، وما دخل إليه أحد من سائر البلاد النائية والنحَل المختلفة إلَّا وكُلُّهم قطع أنه لم ير له شبيهًا بل لم يسمع به بل لم يتوَّهم كوْنَ مثله. ولو لم يكن فيه إلا السطح المُمَرَّد المُشْرِف على الروضة المباهي بمجلس الذهب والقبة، وعجيب ما تضمنه من إتقان الصنعة، وفخامة الهمة، وحسن المستَشْرَف، وبراعة الملبس والحلية، ما بين مرمرٍ مسنُون وذهب مصُون وعَمَدٌ كأنما أُفرغت في القوالب وتماثيل لا تُهْدَى الأوهامُ إلى سبيل استقصاء التعبير عنها؛ (لكفى مثلًا.) وكنت ترى في مقصورة الخليفة بركةً يجري الماء فيها بصنعة محكمة، وفي وسطها يعوم أسد عظيم الصورة، بديع الصنعة، شديد الروعة، لم يشاهَد أبهى منه فيما صوَّر الملوك في غابر الدهر، مطلِيٌّ بذهب إبريز، وعيناه جوهرتان لهما وبيصٌ شديد، فيمُجُّ الماء في تلك البركة من فيه فَيَبْهَر المناظر بحسنه وروعة منظره وثجَّاج صبِّه، فتُسقَى من مُجاجه جِنان هذا القصر على سعتها، ويستفيض على ساحاته وجَنَبَاته. وهذه البِركة وتِمثالها من أعظم آثار الملوك في غالب الدهر لفخامة بنيانها، وما يخص سائر البنايات. فكان الناصر قد جلب إليها الرخام الأبيض المجزَّع من رَيَّة، والأبيض من غيرها، والوَرْدِي والأخضر من أفريقية. وبنى في القصر المجلس، وجعل في وسطه اليتيمة التي أتحف الناصر بها إليون ملك قسطنطينية. وكانت قَرامد هذا القصر من الذهب والفضة، وهذا المجلس في وسطه صِهْريج عظيم مملوء بالزئبق. وكان في كل جانب من هذا المجلس ثمانية أبواب، قد انعقدت على حنايا من العاج والأَبُنُوس المرصَّع بالذهب وأصناف الجواهر، قامت على سوارٍ من الرخام الملون والبلور الصافي. وكانت الشمس تدخل على تلك الأبواب، فيضرب شعاعها في صدر المجلس وحيطانه، فيصير من ذاك نور يأخذ بالأبصار. وكان بناء الزهراء في غاية الإتقان والحسن، وبها من المرمر والعَمَد كثير، وأجرى فيها المياه، وأحدق بها البساتين. وقد أتقنه إلى الغاية، وأنفق عليه أموالًا طائلة. ووضع في وسط البحيرة قبةً من زجاج ملون منقوش بالذهب، وجلب الماء على رأس القبة بتدبير أحكمه المهندسون. فكان الماء ينزل من أعلى القبة على جوانبها محيطًا بها، ويتصل بعضه ببعض، وكانت قبة الزجاج في غِلالةٍ مما سُكب خلف الزجاج لا يفتُر من الجري، وتوقد فيها الشموع فيُرى لذلك منظر بديع. وتم بناء الزهراء في أربعين سنة (للمقري).
(١٤٧) وصف سفر البحر
لما ركبنا البحر، وحللنا منه بين السحر والنحر، شاهدنا من أهواله، وتنافي أحواله ما لا يعبَّر
عنه، ولا يُبلغ له كُنْه.
البَحْرُ صَعْبُ المَرَامِ جِدًّا
لَا جُعِلَتْ حَاجَتِي إِلَيْه!
أَلَيْسَ مَاءً وَنَحْنُ طِينٌ
فَمَا عَسَى صَبْرُنَا عَلَيْه؟
فكم استقبلتنا أمواجه بوجوه بواسر، وطارت إلينا من شراعه عقبانٌ كواسر،
قد أزعجتها أكُفُّ الريح من وكرها لمَّا نبَّهَتْ اللُّجج من سُكرها، فلم تُبْق شيئًا من قوَّتها ومكرها،
فسمعنا للجبال صفيرًا، وللرياح دويًّا عظيمًا وزفيرًا، وتيقنَّا أنَّا لا نجد من ذلك إلا فضل الله مُجيرًا وخفيرًا، وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ، وأيسْنا من الحياة؛ لصوت تلك العواصف والمياه، فلا حيَّا اللَّه ذلك الهَوَّ المزعج ولا بيَّاه! والموج يصفِّق لسماع أصوات الرياح، فيطرب بل ويضطرب، فكأنه من كأس الجنون يشرب أو شرب، فيبتعد ويقترب وفرقه تلتطم وتصطفق، وتختلف ولا تكاد تتفق، فتخال الجو يأخذ بنواصيها، وتجذبها أيديه من قواصيها، حتى كاد سطح الأرض يُكْشَف من خلالها، وعَنان السُّحْبِ يُخْطَفُ في استقلالها، وقد أشرفت النفوس على التلف من خوفها واعتلالها، وآذنت الأحوال بعد انتظامها باختلالها،
وساءت الظنون، وتراءت في صورها المَنون، والشراع في قراع مع جيوش الأمواج التي
أُمدت منها الأفواج بالأفواج. ونحن قعود، كدُودٍ على عود، ما بين فُرَادى وأزواج. وقد نَبَتْ بنا من القلق أمكنتنا، وخرِست من الفَرَق ألسنتنا، وتوهَّمنا أنه ليس في الوجود أغوار ولا نجود إلا السماء والماء وذلك السفين، ومن في قبر جوفه دفين، مع ترقب هجوم العدو في الرواح والغدو. فزادنا ذلك الحذر، الذي لم يُبق ولم يذر، على ما وصفناه من هول البحر قلَقًا،
وأجرينا إذ ذاك في ميدان الإلقاء باليد إلى التَّهلكة طلَقًا، وتشتَّتتْ أفكارنا فِرَقًا، وذُبنا أسًى وندمًا وفَرَقًا، إلى أن قضى الله بالنجاة، وكل ما أراد فهو الكائن، وإن نهى عنه وأخطأ المائن. فرأينا البَرَّ وكأننا قبلُ لم نره، وشُفيت به أعيننا من المَرَه، وحصل بعد الشدة الفرج، وشَمِمنا من السلامة أطيب الأَرَج (نفح الطيب للمقري).
فترة الأقامة :
3729 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
506
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
4.35 يوميا
عطر الجنة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الجنة
البحث عن كل مشاركات عطر الجنة