08-31-2021
|
#10 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 6 | تاريخ التسجيل : May 2013 | العمر : 40 | أخر زيارة : منذ 16 ساعات (04:07 PM) | المشاركات : 16,402 [
+
] | التقييم : 43872 | الدولهـ | MMS ~ | SMS ~ | | لوني المفضل : Darkviolet | |
رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي ذكر الفعل الذي لا يتصرف
اعلم : أن كل فعل لزم بناء واحداً فهو غير متصرف وقد ذكرت أن التصرف أن يقال فيه فعل يفعل ويدخله تصاريف الفعل وغير المتصرف ما لم يكن كذلك فمن الأفعال التي لم تتصرف ولزمت بناءً واحداً فعل التعجب نحو : ما أحسن زيداً وأكرم بعمرو والفعلان المبنيان للحمد والذم وهما نعم وبئس
فهذه الأفعال وما جرى مجراها لا تتصرف ولا يدخلها حروف المضارعة ولا يبني منها اسم فاعل
شرح التعجب
فعل التعجب على ضربين وهو منقول من بنات الثلاثة إما إلى أفعل ويبنى على الفتح لأنه ماض وإما إلى أفعل به ويبنى على الوقف لأنه على لفظ الأمر
فأما الضرب الأول : وهو أفعل يا هذا فلا بد من أن تلزمه ( ما ) تقول : ما أحسن زيداً وما أجمل خالداً وإنما لزم فعل التعجب لفظاً واحداً
ولم يصرف ليدل على التعجب ولولا ذلك لكان كسائر الأخبار لأنه خبر ويدل على أنه خبر أنه يجوز لك أن تقول فيه صدق أو كذب فإذا قلت : ما أحسن زيداً ف ( ما ) اسم مبتدأ وأحسن خبره وفيه ضمير الفاعل وزيد مفعول به و ( ما ) هنا اسم تام غير موصول فكأنك قلت : شيء حسن زيداً ولم تصف أن الذي حسنه شيء بعينه فلذلك لزمها أن تكون مبهمة غير مخصوصة كما قالوا : شيء جاءك أي : ما جاءك إلا شيء وكذلك : شر أهر ذا ناب أي : ما أهره إلا شر ونظير ذلك إني مما أن أفعل يريد : أني من الأمر أن أفعل فلما كان الأمر مجهولاً جعلت ( ما ) بغير صلة ولو وصلت لصار الإسم معلوماً وإنما لزمه الفعل الماضي وحده لأن التعجب إنما يكون مما وقع وثبت ليس مما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون وإنما جاء هذا الفعل على ( أفعل ) نحو : أحسن وأجمل لأن فعل التعجب إنما يكون معفولاً من بنات الثلاثة فقط نحو : ضرب وعلم ومكث : لا يجوز غير ذلك نحو : ضرب زيد ثم تقول : ما أضربه وعلم ثم تقول : ما أعلمه ومكث ثم تقول : ما أمكثه فتنقله من فَعَلَ أو فَعِلَ أو فَعُلَ إلى ( أفعل يا هذا ) كما كنت تفعل هذا في غير التعجب ألا ترى أنك تقول : حسن زيد فإذا أخبرت أن فاعلاً فعل ذلك به قلت : حسن الله زيداً فصار الفاعل مفعولاً وقد بينت لك كيف ينقل ( فعَل ) إلى ( فعِل ) فيما مضى وإذا قلت : ما أحسن زيداً كان الأصل حسن زيد ثم نقلناه إلى ( فُعل ) فقلنا : شيء أحسن زيداً وجعلنا ( ما ) موضع شيء ولزم لفظاً واحداً ليدل على التعجب كما يفعل ذلك في الأمثال
فإن قال قائل فقد قالوا : ما أعطاه وهو من ( أعطى يعطي ) وما أولاه
بالخير قيل : هذا على حذف الزوائد لأن الأصل عطا يعطو إذا تناول وأعطى غيره إذا ناوله وكذلك ولي وأولى غيره وقال الأخفش : إذا قلت : ما أحسن زيداً ف ( ما ) : في موضع الذي وأحسن : زيداً صلتها والخبر محذوف واحتج من يقول هذا القول بقولك : حسبك لأن فيه معنى النهي ولم يؤت له بخبر وقد طعن على هذا القول : بأن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها وهذا الباب عندي يضارع باب ( كان وأخواتها ) من جهة أن الفاعل فيه ليس هو شيئاً غير المفعول ولهذا ذكره سيبويه بجانب باب ( كان وأخواتها ) إذ كان ( باب كان ) الفاعل فيه هو المفعول
فإن قال قائل : فما بال هذه الأفعال تصغر نحو : ما أُميلحه وأُحيسنه والفعل لا يصغر فالجواب في ذلك : أن هذه الأفعال لما لزمت موضعاً واحداً ولم تتصرف ضارعت الأسماء التي لا تزول إلى ( يفعل ) وغيره من الأمثلة فصغرت كما تصغر ونظير ذلك : دخول ألفات الوصل في الأسماء نحو : ابن واسم وامريءٍ وما أشبهه لما دخلها النقص الذي لا يوجد إلا في الأفعال والأفعال مخصوصة به فدخلت عليها ألفات الوصل لهذا السبب فأسكنت أوائلها للنقص وهذه الأسماء المنقوصة تعرفها إذا ذكرنا التصريف إن شاء الله
وقولك : ما أحسنني يعلمك أنه فعل ولو كان اسماً لكان ما أحسنني مثل ضاربي ألا ترى أنك لا تقول : ضاربني
والضرب الثاني : من التعجب : يا زيد أكرم بعمروٍ ويا هند أكرم بعمروٍ ويا رجلان أكرم بعمرو ويا هندان أكرم بعمرو وكذلك جماعة الرجال والنساء قال الله تعالى ( أسمع بهم وأبصر )
وإنما المعنى : ما أسمعهم وأبصرهم
وما أكرمه ولست تأمرهم أن يصنعوا به شيئاً فتثنيّ وتجمع وتؤنث وأفعل هو ( فَعَلَ ) لفظه لفظ الأمر في قطع ألفه وإسكان آخره ومعناه إذا قلت : أكرم بزيد وأحسن بزيد كرم زيد جداً وحسن زيد جداً
فقوله : بعمرو في موضع رفع كما قالوا : كفى بالله والمعنى : كفى الله لأنه لا فعل إلا بفاعل وزيد فاعله إذا قلت : أكرم بزيد لأن زيداً هو الذي كرم وإنما لزمت الباء هنا الفاعل لمعنى التعجب وليخالف لفظه لفظ سائر الأخبار فإن قال قائل : كيف صار هنا فاعلاً وهو في قولك : ما
أكرم زيداً مفعول قلنا : قد بينا أن الفاعل في هذا الباب ليس هو شيئاً غير المفعول ألا ترى أنك لو قلت : ما أحسن زيداً فقيل لك فسره وأوضح معناه وتقديره
قلت على ما قلناه : شيء حَسن زيداً وذلك الشيء الذي حسن زيداً ليس هو شيئاً غير زيد لأن الحسن لو حل في غيره لم يحسن هو به فكأن ذلك الشيء مثلاً وجهه أو عينه وإنما مثلت لك بوجهه وعينه تمثيلاً ولا يجوز التخصيص في هذا الباب لأنك لو خصصت شيئاً لزال التعجب لأنه إنما يراد به أن شيئاً قد فعل فيه هذا وخالطه لا يمكن تحديده ولا يعلم تلخيصه
والتعجب كله إنما هو مما لا يعرف سببه فأما ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجبوا منه فكلما أبهم السبب كان أفخم وفي النفوس أعظم
واعلم : أن الأفعال التي لا يجوز أن تستعمل في التعجب على ضربين
الضرب الأول : الأفعال المشتقة من الألوان والعيوب
الضرب الآخر : ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف وسواء كانت الزيادة على الثلاثة أصلاً أو غير أصل
فأما الألوان والعيوب فنحو : الأحمر والأصفر والأعور والأحول وما أشبه ذلك لا تقول فيه : ما أحمره ولا ما أعوره قال الخليل رحمه الله : وذلك أنه ما كان من هذا لوناً أو عيباً فقد
ضارع الأسماء وصار خلقة كاليد والرجل والرأس ونحو ذلك فلا تقل فيه : ما أفعله كما لم تقل ما أيداه وما أرجله إنما تقول : ما أشد يده وما أشد رجله وقد اعتل النحويون بعلة أخرى فقالوا : إن الفعل منه على أفعل وإفعال نحو : أحمر وإحمار وأعور وإعوار وأحول وإحوال فإن قال قائل : فأنت تقول : قد عورت عينه وحولت : فقل على هذا : ما أعوره وما أحوله فإن ذلك غير جائز لأن هذا منقول من ( أفعل ) والدليل على ذلك صحة الواو والياء إذا قلت : عورت عينه وحولت ولو كان غير منقول لكان : حالت وعارت وهذا يبين في بابه إن شاء الله
وأما الضرب الثاني : وهو ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف نحو : دحرج وضارب واستخرج وانطلق واغدودن اغدودن الشعر : إذا تم وطال وافتقر وكل ما لم أذكره مما جاوز الثلاثة فهذا حكمه وإنما جاز : ما أعطاه وأولاه على حذف الزوائد وأنك رددته إلى الثلاثة
فإن قلت في افتقر : ما أفقره فحذفت الزوائد ورددته إلى ( فقر ) جاز وكذلك كل ما كان مثله
مما جاء اسم الفاعل منه على ( فعيل ) ألا ترى أنك تقول : رجل فقير وإنما جئت به على ( فقر ) كما تقول : كرم فهو كريم وظرف فهو ظريف ولكن تقول إذا أردت التعجب في هذه الأفعال الزائدة على ثلاثة أحرف كلها ما أشد دحرجته وما أشد استخراجه وما أقبح افتقاره ونحو ذلك
واعلم : أن كل ما قلت فيه : ما أفعله قلت فيه : أفعل به وهذا أفعل من هذا وما لم تقل فيه : ما أفعله لم تقل فيه : هذا أفعل من هذا ولا : أفعل به تقول : زيد أفضل من عمرو وأفضل بزيد كما تقول : ما أفضله
وتقول : ما أشد حمرته وما أحسن بياضه وتقول على هذا : أشدد ببياض زيد وزيد أشد بياضاً من فلان وهذا كله مجراه واحد لأن معناه المبالغة والتفضيل وقد أنشد بعض الناس :
( يَا لَيْتَني مِثْلُك في البَيَاضِ ... أبيضَ مِن أخت بني إبَاضِ )
قال أبو العباس : هذا معمول على فساد وليس البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على الأصل المجمع عليه في كلام ولا نحو ولا فقه وإنما يركن إلى هذا ضعفة أهل النحو ومن لا حجة معه وتأويل هذا وما أشبهه في الإِعراب كتأويل ضعفه أصحاب الحديث وأتباع القصاص في الفقه
فإن قال قائل فقد جاء في القرآن : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا )
قيل : له في هذا جوابان : أحدهما : أن يكون من عمى القلب وإليه ينسب أكثر الضلال
فعلى هذا تقول : ما أعماه كما تقول : ما أحمقه
الوجه الآخر : أن يكون من عمى العين
فيكون قوله : ( فهو في الآخرة أعمى ) لا يراد به : أنه أعمى من كذا وكذا ولكنه فيها أعمى كما كان في الدنيا أعمى وهو في الآخرة أضل سبيلا
وكل فعل مزيد لا يتعب منه نحو قولك : ما أموته لمن مات إلا أن تريد : ما أموت قلبه فذلك جائزٌ |
| |