الحرية حقيقة أم خيال؟
ولكن حرية الإنسان هي أمر كثر الجدل حوله، ويهتم بدراسته علم النفس بشكل خاص،
فهل حقاً هناك إرادة حرة؟
يؤكد البروفيسور فولفجانج برنز Wolfgang Prinz وهو عالم نفس يدافع عن عقل الإنسان وقدرته،
"إن عقل الإنسان أكثر كثيراً من مجرد ماكينة ".
فهو يرى أن إدراك الإنسان هو صورة للحقيقة، ولكنه ليس الحقيقة نفسها، فمعرفتنا عن أنفسنا وعن العالم حولنا أمر انتقائي، واستقبالنا للأموريتعلق بحدسنا، ولكن قد يحبط المرء عند الاصطدام بالواقع.
وبالطبع تلعب التربية الاجتماعية للمرء دوراً كبيراً في استقباله للأحداث المختلفة.
ويعتبر فولفجانج الإرادة نتيجة مباشرة للتربية، فهي في رأيه أمر أخلاقي وليست طبيعة روحية للإنسان.
أما عن العقل ودوره فهو يقول: "إن العقل عبارة عن عضو يقوم ببعض المهام الخاصة بالتصرفات،
لذلك فقط تحول لآلة تحقق هذه الأشياء، وبدون فهم هذه التصرفات لا يمكن فهم العقل
ونحن نعرف حتى الآن القليل عن هذا الأمر.وفي أي حال من الأحوال،
لا يفكر العلماء في تدخل الله في هذا الأمر. فالبحث العلمي يظل دائماً بعيداً عن الدين،
حتى بين العلماء المؤمنين".
"قيمة الإنسان" أمر يثير الجدل
وكما أثارت الحقائق الفلكية الجدل في الكنيسة في العصور الوسطى، تثير اليوم التكنولوجيا الطبيعية
الجدل الديني وأيضاً الأخلاقي. ويؤكد يقول فولفجانج فان دن دايليه Wolfgang van den Daele عضو المجلس القومي للأخلاقيات Nationalen Ethikratesفي ألمانيا أن تعريف قيمة الإنسان أمر يصعب تحديده، فالقيم تتغير على مر التاريخ. ويرى فولفجانج أنه من حق كل إنسان أن يختار حقه في الصدفة (كالشكل،
وما إلى ذلك)، أو أن يرفضه، ولذلك فعمليات التجميل مثلاً لا تعتبر أمراً غير أخلاقي.ولكن عندما يتعلق الأمر بشخص آخر، هنا تصعب الإجابة على هذا السؤال،
فهل يحق للفرد تغيير طفله على سبيل المثال؟
تغيير طباعه أو التخلص منه؟ "إنه من حق الإنسان إذا تمكن من تأكيد أن هذا التغيير لخير الآخر.
كأن يمنع عن طفله أن يرث مرضاً ما..
إنني لا أرى في ذلك اعتداء على حرية الطفل وقيمته"،
هذا ما يؤكده فولفجانج. ويختلف الرأي كثيراً في ما يتعلق بالجنين،
فالبعض يعتبره فرداً مكتملاً يجب حمايته، بينما يعتبره البعض الآخر مجرد مشروع إنسان.
"الإيمان بدون علم رجعية، والعلم بدون إيمان عماء"
في يوم ما، انفصل العلم عن الدين، عندما كان رجال الدين يعتبرون أنفسهم أصحاب الحقيقة الكاملة،
ولديهم الإجابة على كل سؤال. فاعترض العلماء على هذا الموقف المتكبر.
وبانتشار العلم ودخول تطبيقاته في عالمنا اليومية، فقد رجال الدين سلطتهم، وتبدلت المواقع،
واليوم يكرر العلماء الخطأ نفسه بافتراضهم أنهم يمتلكون كل الإجابات وأن الدين لا معنى له.
يحتاج الإيمان والمعرفة بعضهما لبعض، هذا ما يراه هانز شفارتز Hans Schwarz أستاذ علم اللاهوت. "يجب على العلماء أن يعترفوا بأنهم أحياناً ما يستخدمون الإيمان ليتمكنوا من فهم العلاقات العميقة بين مظاهر الطبيعة التي يلاحظونها"
ويرى هانز شفارتز أن العلماء لا يمتلكون الحقائق والإجابات كما يؤكدون، ويجد في التساؤلات التي يواجهها العلماء يومياً أكبر دليل على هذا الأمر، وخاصة العلماء الذين يبحثون في أصل الحياة، فكلما توصلوا لاستنتاج ناقضه اكتشاف جديد في اليوم التالي.
ومع أهمية العلم إلا أنه يمكن أن يستخدم للتدمير تماماً كما يمكن أن يستخدم للبناء، وهنا يأتي الدور الأهم للإيمان في رأي هانز. ويضيف أن التجربة العملية لا يمكن أن تأتي بكل الإجابات، وهو الأمر الذي حذر منه الفيلسوف إيمانويل كانت Immanuel Kant منذ أكثر من مئتي عام. والسؤال الأساسي الذي لا يمكن للعلم أو التجارب الإجابة عليه هو السؤال عن مصدر حياتنا والمغزى منها، وهنا يأتي دور الميتافيزيقا أو علم ما وراء الطبيعة، وهو العلم الذي فقد رونقه في عصرنا الحالي، هذا العصر الذي يعتمد فقط على كل ما يراه أو يمكن إثباته بتجربة عملية. ولكن منذ حادثة هيروشيما والعلم فقد براءته وأصبح العلم هو "خرافة" كما أطلق عليه الفيلسوف كارل جاسبرزKarl Jaspers. ومنذ ذلك الحين يصطدم العلم بأمور وأسئلة أخلاقية، لا يمكن أن يجيب عنها إلا علم يفوق مجرد التجربة. فكل هذه الأسئلة عن أصل الحياة وهدفها وأخلاقيات التجارب المختلفة، لا يمكن حلها إلا بالتعاون والتكامل بين العلم والدين. هذا التعاون يكمن في تعرف علماء اللاهوت على الحقائق العلمية وتقبلها، وكذلك تعرف رجال الدين على أسس الإيمان وتقبلها.