01-09-2022
|
|
أمة الإسلام تمرض لكنها لا تموت
::مقدمة:: إنّ هذه الأمة أمة عظيمة، وأمّة كريمة مجيدة، ما شهد التاريخ مثلَها، وما عرف المخاض مولودًا أكرم على الله منها، أمّة تغفو ولكنّها لا تنام، قد تمرض ولكنّها لا تموت، أمّة أنجبت للدّنيا علماء فقهاء، وأخرجت للكون أبطالا شرفاء، ولنا اليوم وقفةٌ مع تاريخِ هذه الأمة، لنقلّب الصفحات و نلتمّس العبَر والعِظات. اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر ** ضل قوم ليس يدرون الخبر إن هذه الأمة قد تترنح تحت الضربات، وقد تهزم حيناً أمام هذه الحشود الجرارة ،غير أنها أبداً لا تموت. هذه الأمة تجعل من المستحيل ممكناً، وتتخذ من الصعب مركباً، إن لم تجد سلاحاً جعلت من الحجر سلاحاً فتاكاً، ومن الأجساد العارية دبابات ومدرعات، ومن الأيدي الغضة الطرية قاذفات وراجمات للدفاع عن نفسها.. ولن تموت تحت حراب البغي والعدوان، قد تهدم البيوت، وتدك المدن، وتحطم الممتلكات، وربما يموت الآلاف من أبنائها وشيوخها ونسائها وأطفالها وجنودها، غير أن هذا كله لن يصيب منها مقتلاً، ولن يُسكت لها صوتاً ، أو يجعل منها أثراً بعد عين. وهذه الأمة سرعان ما تجمع أشتاتها وتلملم أنفاسها، وتمسح أحزانها وتداوي جراحها، وتكتم آهاتها كي تنطلق من جديد نحو الشمس بعزة وشموخ وأنفة وكبرياء. هذا ظننا بهذه الأمة، التي صاغ القرآن كيانها، وأشاد الرسول الكريم –صل الله عليه وسلم– بنيانها، وهذا يقيننا بالله الذي نصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده ورد كيد الطامعين المعتدين إلى نحورهم. هذه الأمة لن يقوى على الإطاحة بها بعد أن ثبت عجز أسلافه الذين سبقوه، من صليبيين وحاقدين على مدار التاريخ، فإذا استطاع " الطاغوت" أن يشتري بدولاراته بعض النفوس الضعيفة، أو يسلب عقول التافهين أو يقهر ذوي العزائم الخائرة من أبنائها "الساقطين"، أو يصطف خلفه طابور الجبناء الذين احتقروا نفوسهم، وهانت عليهم أعراضهم، وذرات تراب أوطانهم، فهذا لا يعد انتصاراً يسجله له التاريخ، فإنه ومن والاه من عصبته بائدون، والى مزبلة التاريخ راحلون، وكل ذلك سيكون بعون الله وفضله ومنّه وكرمه على عباده المؤمنين. قال تعالى {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196] {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]. ومن كان يدور بخاطره أن ينتصر المسلمون في غزوة بدر الكبرى, برغم قلة العدد, والعدة {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]. وفي غزوة الأحزاب قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب:9] ومن الذي كان يظن أن الصديق صاحب القلب الرقيق رضي الله عنه ينتفض, ويحشد في يوم واحد أحد عشر جيشًا لقمع المرتدين, ويستخلص حق الله في الزكاة من المانعين؟ ومن ذا الذي كان يظن أن صلاح الدين الأيوبي يقف الأعوام الطوال, فيرد ملوك أوربا على أعقابهم مدحورين على توافر عددهم, وكثرة عدتهم, وتظاهر جيوشهم, حتى اجتمع عليه خمسة وعشرون ملكًا من ملوكهم الأكابر, فمن كان يتوقع أن ينتصر المسلمون بقيادة هذا البطل على الصليبين. ومن كان يتخيل أن ينتصر المسلمون على التتار بقيادة قطز في معركة عين جالوت ذلك كله في التاريخ القديم. واقرأوا التاريخ فهو خير شاهد, وفيه العبرة والعظة. وأما في هذه الأيام التي نعيشها فبعد أن كاد اليأس يستولي على قلوب الكثير من أبناء الأمة بسبب ما يتعرضون له من شدة في البلاء والمحن والمصائب من جهة, ومن فتور عند بعض المجاهدين في إشعال الجبهات ليخلصوهم من هذا النظام المجرم الخبيث من جهة ثانية, حتى كاد الناس أن يغيروا نظرتهم في المجاهدين ويتهمونهم بالعمالة والخيانة فإذا بهم اليوم يطلقون أكبر العمليات القتالية ضد النظام وأعوانه في دمشق ودرعا وحماة وريفها, ليبرهنوا للعالم كله أن تلك المدة التي قعدوها ما هي إلا استراحة مجاهد ليبدأ من جديد, ولله الحمد تحطمت أمامهم كثير من السدود وفُتح لهم الفتحُ المبين, والأخبار المفرحة تتابع حينا بعد حين. فنحن أمة لا يعرف اليأس إلى قلوبنا طريقا، وسنصبر حتى يمل الصبر من صبرنا، بإذن ربنا. |