ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصه إبراهيم عليه السلام
الجزء 2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
...............................
هجرة إبراهيم عليه السلام:
................................
انطلقت شهرة إبراهيم في المملكة كلها. تحدث الناس عن معجزته ونجاته من النار، وتحدث الناس عن موقفه مع الملك
وكيف أخرس الملك فلم يعرف ماذا يقول. واستمر إبراهيم في دعوته لله تعالى. بذل جهده ليهدي قومه، حاول إقناعهم
بكل الوسائل، ورغم حبه لهم وحرصه عليهم فقد غضب قومه وهجروه،
ولم يؤمن معه من قومه سوى امرأة ورجل واحد. امرأة تسمى سارة، وقد صارت فيما بعد زوجته، ورجل هو لوط،
وقد صار نبيا فيما بعد. وحين أدرك إبراهيم أن أحدا لن يؤمن بدعوته. قرر الهجرة.
قبل أن يهاجر، دعا والده للإيمان، ثم تبين لإبراهيم أن والده عدو لله، وأنه لا ينوي الإيمان، فتبرأ منه وقطع علاقته به.
للمرة الثانية في قصص الأنبياء نصادف هذه المفاجأة. في قصة نوح كان الأب نبيا والابن كافرا،
وفي قصة إبراهيم كان الأب كافرا والابن نبيا، وفي القصتين نرى المؤمن يعلن براءته من عدو الله رغم كونه ابنه أو والده،
وكأن الله يفهمنا من خلال القصة أن العلاقة الوحيدة التي ينبغي أن تقوم عليها الروابط بين الناس، هي علاقة الإيمان لا علاقة الميلاد والدم.
خرج إبراهيم عليه السلام من بلده وبدأ هجرته. سافر إلى مدينة تدعى أور. ومدينة تسمى حاران. ثم رحل إلى فلسطين
ومعه زوجته، المرأة الوحيدة التي آمنت به. وصحب معه لوطا.. الرجل الوحيد الذي آمن به.
بعد فلسطين ذهب إبراهيم إلى مصر. وطوال هذا الوقت وخلال هذه الرحلات كلها، كان يدعو الناس إلى عبادة الله، ويحارب في سبيله، ويخدم الضعفاء والفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحقيقة والحق.
وتأتي بعض الروايات لتبين قصة إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة وموقفهما مع ملك مصر.
وصلت الأخبار لملك مصر بوصول رجل لمصر معه أمرأة هي أجمل نساء الأرض. فطمع بها.
وأرسل جنوده ليأتونه بهذه المرأة. وأمرهم بأن يسألوا عن الرجل الذي معها، فإن كان زوجها فليقتلوه. فجاء الوحي لإبراهيم عليه السلام بذلك.
فقال إبراهيم -عليه السلام- لسارة إن سألوك عني فأنت أختي -أي أخته في الله-، وقال لها ما على هذه الأرض مؤمن غيري وغيرك -فكل أهل مصر كفرة، ليس فيها موحد لله عز وجل.
فجاء الجنود وسألوا إبراهيم: ما تكون هذه منك؟ قال: أختي.
لنقف هنا قليلا.. قال إبراهيم حينما قال لقومه (إني سقيم) و (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوه) و (هي أختي).
كلها كلمات تحتمل التاويل. لكن مع هذا كان إبراهيم عليه السلام خائفا جدا من حسابه على هذه الكلمات يوم القايمة.
فعندما يذهب البشر له يوقم القيامة ليدعوا الله أن يبدأ الحساب يقول لهم لا إني كذب على ربي ثلاث مرات.
ونجد أن البشر الآن يكذبون أمام الناس من غير استحياء ولا خوف من خالقهم.
فلما عرفت سارة أن ملك مصر فاجر ويريدها له أخذت تدعوا الله قائلة: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك
وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر.
فلما أدخلوها عليه. مد يده إليها ليلمسها فشلّ وتجمدت يده في مكانها، فبدأ بالصراخ لأنه لم يعد يستطيع تحريكها،
وجاء أعوانه لمساعدته لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء. فخافت سارة على نفسها أن يقتلوها بسبب ما فعلته بالملك.
فقالت: يا رب اتركه لا يقتلوني به. فاستجاب الله لدعائها.
لكن الملك لم يتب وظن أن ما حدث كان أمرا عابرا وذهب. فهجم عليها مرة أخرى. فشلّ مرة ثانية.
فقال: فكيني. فدعت الله تعالى فَفَكّه. فمد يده ثالثة فشلّ. فقال: فكيني وأطلقك وأكرمك. فدعت الله سبحانه وتعالى فَفُك.
فصرخ الملك بأعوانه: أبعدوها عني فإنكم لم تأتوني بإنسان بل أتيتموني بشيطان.
فأطلقها وأعطاها شيئا من الذهب، كما أعطاها أَمَةً اسمها "هاجر".
هذه الرواية مشهورة عن دخول إبراهيم -عليه السلام- لمصر.
وكانت زوجته سارة لا تلد. وكان ملك مصر قد أهداها سيدة مصرية لتكون في خدمتها، وكان إبراهيم قد صار شيخا،
وابيض شعره من خلال عمر أبيض أنفقه في الدعوة إلى الله، وفكرت سارة إنها وإبراهيم وحيدان، وهي لا تنجب أولادا،
ماذا لو قدمت له السيدة المصرية لتكون زوجة لزوجها؟
وكان اسم المصرية "هاجر". وهكذا زوجت سارة إبراهيم من هاجر، وولدت هاجر ابنها الأول فأطلق والده عليه اسم "إسماعيل". كان إبراهيم شيخا حين ولدت له هاجر أول أبنائه إسماعيل.
..................
إحياء الموتى:
.................
ملأ اليوم الآخر قلب إبراهيم بالسلام والحب واليقين. وأراد أن يرى يوما كيف يحيي الله عز وجل الموتى.
قال الله تعالى هذا الموقف في سورة (البقرة)..
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)
لا تكون هذه الرغبة في طمأنينة القلب مع الإيمان إلا درجة من درجات الحب لله.
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
فعل إبراهيم ما أمره به الله. ذبح أربعة من الطير وفرق أجزاءها على الجبال. ودعاها باسم الله فنهض الريش يلحق بجناحه، وبحثت الصدور عن رؤوسها، وتطايرت أجزاء الطير مندفعة نحو الالتحام، والتقت الضلوع بالقلوب، وسارعت الأجزاء الذبيحة للالتئام، ودبت الحياة في الطير، وجاءت طائرة مسرعة ترمي بنفسها في أحضان إبراهيم. اعتقد بعض المفسرين إن هذه التجربة كانت حب استطلاع من إبراهيم. واعتقد بعضهم أنه أراد أن يرى يد ذي الجلال الخالق وهي تعمل، فلم ير الأسلوب وإن رأى النتيجة. واعتقد بعض المفسرين أنه اكتفى بما قاله له الله ولم يذبح الطير. ونعتقد أن هذه التجربة كانت درجة من درجات الحب قطعها المسافر إلى الله. إبراهيم
.................................................. ..........
رحلة إبراهيم مع هاجر وإسماعيل لوادي مكة:
.................................................. ...........
أمر إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر أن تحمل ابنها وتستعد لرحلة طويلة. وكان الطفل رضيعا لم يفطم بعد.
وظل إبراهيم عليه السلام يسير وسط أرض مزروعة تأتي بعدها صحراء تجيء بعدها جبال. حتى دخل إلى صحراء الجزيرة العربية،
وقصد إبراهيم عليه السلام واديا ليس فيه زرع ولا ثمر ولا شجر ولا طعام ولا مياه ولا شراب. كان الوادي يخلو تماما
من علامات الحياة. وصل إبراهيم إلى الوادي، وهبط من فوق ظهر دابته. وأنزل زوجته وابنه وتركهما هناك،
ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار.
ونادته زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟
لم يرد عليها إبراهيم. عليه السلام ظل يسير. عادت تقول له ما قالته وهو صامت.أدركت أن الله أمره بذلك وسألته:
هل الله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم عليه السلام: نعم.
قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا.
وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء يدعو الله:
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).
لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في هذه التصرفات الغامضة،
فقد كان إسماعيل الطفل الذي ترك مع أمه في هذا المكان، كان هذا الطفل هو الذي سيصير مسؤولا مع والده عن بناء الكعبة
فيما بعد. وكانت حكمة الله تقضي أن يمتد العمران إلى هذا الوادي، وأن يقام فيه بيت الله الذي نتجه جميعا إليه أثناء الصلاة بوجوهنا.
ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء وعاد راجعا إلى كفاحه في دعوة الله. أرضعت أم إسماعيل ابنها وأحست بالعطش. كانت الشمس ملتهبة وساخنة وتثير الإحساس بالعطش. بعد يومين انتهى الماء تماما، وجف لبن الأم. وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش.. كان الطعام قد انتهى هو الآخر.
.................
ماء زمزم:
..............
بدأ إسماعيل يبكي من العطش. وتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا". فصعدت إليه وراحت تبحث بهما عن بئر أو إنسان أو قافلة.
لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة"، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا.
وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين. سبع مرات وهي تذهب وتعود. و
لهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل.
عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.
وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.
وفار الماء من البئر. أنقذت حياتا الطفل والأم. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله. وشربت وسقت طفلها
وبدأت الحياة تدب في المنطقة. وصدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا.
وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة. وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس.
وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان.
.................................
الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام:
.....................................
كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب.
فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي.
انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض.
اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب.
استسلم إبراهيم عليه السلام للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره.
أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية.
لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره.
انتهى الأمر وذهب إبراهيم عليه السلام إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى).
انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه..
فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
تأمل رد الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله..
ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه الصابر.
ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح.
وإذا إبراهيم عليه السلام يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير..
(فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.
عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره،
وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون.
صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.
ومضت قصة إبراهيم. ترك ولده إسماعيل وعاد يضرب في أرض الله داعيا إليه، خليلا له وحده. ومرت الأيام.
كان إبراهيم عليه السلام قد هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق وعبر الأردن وسكن في أرض كنعان في البادية.
ولم يكن إبراهيم ينسى خلال دعوته إلى الله أن يسأل عن أخبار لوط مع قومه، وكان لوط أول من آمن به، وقد أثابه الله بأن بعثه نبيا إلى قوم من الفاجرين العصاة.
......................
البشرى بإسحاق:
......................
وردت فى القرآن الكريم قصة إبراهيم عليه السلام ولقائه مع الملائكة الكرام، حيث قال الله سبحانه وتعالى فى سورة هود
فى الآية رقم 69 «وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ».
قال تعالى: «ولقد جاءت رسلنا» وهم الملائكة، إبراهيم بالبشرى، قيل: تبشره بإسحاق،
وقيل: بهلاك قوم لوط، ويشهد للأول قوله تعالى: «فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا فى قوم لوط»،
«قالوا سلاما قال سلام» أى: عليكم.
«فما لبث أن جاء بعجل حنيذ» أى ذهب سريعا، فأتاهم بالضيافة، وهو عجل: فتى البقر، حنيذ «مشوى» شيا ناضجا على الحجارة المحماة.
ما روى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك، والسدى وغير واحد، كما قال فى الآية الأخرى،
ويقصد بها الآيات 26 و27 من سورة الذاريات «فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون».
إلى قوله فى الآية 70 من سورة هود «فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم» تنكرهم، «وأوجس منهم خيفة»،
وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه، فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به ،
فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم، «وأوجس منهم خيفة».
قال السدى: لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشى فى صور رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه، فلما رآهم إبراهيم أجلهم، «فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين» فذبحه ثم شواه فى الرضف، فهو الحنيذ حين شواه،
وأتاهم به فقعد معهم، وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول: «وامرأته قائمة وهو جالس» فى قراءة ابن مسعود
«فلما قربه إليهم قال ألا تأكلون قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن، قال فإن لهذا ثمنا، قالوا وما ثمنه؟
«فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم» يقول: فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم، وأوجس منهم خيفة،
وقوله تعالى إخبارا عن الملائكة: «قالوا لا تخف» «إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت»
أى قالوا: لا تخف منا، إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم. فضحكت سارة استبشارا منها بهلاكهم، لكثرة فسادهم،
وغلظ كفرهم وعنادهم، فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس.
وقال قتادة: ضحكت «امرأته» وعجبت من أن قوما يأتيهم العذاب وهم فى غفلة «فضحكت من ذلك وعجبت فبشرناها بإسحاق».
وقوله: «ومن وراء إسحاق يعقوب» قال العوفى، عن ابن عباس: «فضحكت» أى: حاضت.
قالت الملائكة: يا سارة، إن الله يبشرك أنك ستلدي ولداً يكون نبياً يسمى إسحاق ومن بعده نبي آخر وهو يعقوب.
صكت سارة وجهها وقالت: يا ويلتى أألد وأنا عجوز عقيم، وهذا زوجي شيخاً كبيراً، إن هذا لشئ عجيب!
قالت الملائكة: أتعجبين من أمر الله، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد.
قالت الملائكة لإبراهيم عليه السلام لا تخف فنحن رسل ربك، ولسنا ضيوفاً، جئنا نخبرك بأن الله قد كتب العذاب على القوم المجرمين الذين عصوا لوطاً ورفضوا دعوته، وأن الله سيدمر القرية عليهم.
قال إبراهيم: إن فيها لوطاً
قالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله، إلا امرأته كانت من الغابرين
وأن الأمر قد قضي. وإن مشيئة الله تبارك وتعالى قد اقتضت نفاذ الأمر وهلاك قوم لوط. أفهموا إبراهيم أن عليه أن يعرض عن هذا الحوار. ليوفر حلمه ورحمته. لقد جاء أمر ربه. وتقرر عليهم (عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)
.......................................
إبراهيم وإسماعيل و يبنيان الكعبة
......................................
قال إبراهيم لولده إسماعيل: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك به ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك.
قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً للطائفين والقائمين والركع السجود، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها.
ورفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، ويقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
ولما ارتفع البناء، جاء بالحجر الأسود ووضعه، فكان البيت هو أول مسجد وضع لعموم الناس في الأرض،
وكان مباركاً وهدى للعالمين، وجعل الله فيه آيات واضحة، ففيه مقام إبراهيم وهي الحجارة التي كان يقف عليها إبراهيم أثناء
رفع البناء، وتركت آثار قدمه حافياً ليرى الناس من بعده هذا الأثر، وكتب الله الأمان لكل من دخل هذا البيت، وكتب على الناس في كل جيل أن يحجوا إلى هذا البيت ما استطاعوا.
...........................................
منزلة إبراهيم عليه السلام عند الله
.........................................
قد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا، فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب.
وكان من فضل الله على إبراهيم أن جعله الله إماما للناس. وجعل في ذريته النبوة والكتاب.
فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله فهم أولاده وأحفاده. حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صل الله عليه وسلم،
جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم.
نبي هو أول من سمانا المسلمين. نبي كان جدا وأبا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده. نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب.
قال الله عز وجل في محكم آياته{ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا(125) } النساء
................................................
مايستفاد من قصة إبراهيم عليه السلام
.................................................
أنَّ تكذيب الأنبياء وابتلاءهم سنة وقانون.
أي تضحية في سبيل الله تعوَّض في الدنيا وفي الآخرة.
إنَّ التمكين في الأرض والنصر لا يأتي إلا بعد الابتلاء والجهد والمعاناة.
دعوة الأنبياء مستجابة حيث استجاب الله -عز وجل- لدعوة ابراهيم -عليه الصلاة والسلام-، حيث ما زلنا نستشعر صدى هذه الدعوة إلى يومنا هذا، فالناس في شوق متصل لزيارة الكعبة المشرفة، يرتون من نبع زمزم.
ذكرت قصة إبراهيم في القرآن الكريم على سبيل المثال لا الحصر لأن كل مشهد من مشاهد القصة القرآنية
جاء في مكانه ليعالج حالة معينة في واقع الحياة ويحقق أكثر من هدف وأكثر من مقصد.
الله -سبحانه وتعالى- لا يترك أنبياءه وأوليائه الذين يصدعون بالحق؛ بل ينصرهم، ويبطل كيد أعدائهم مهما بلغ.
جرأة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في قول الحق أمام قومه، تدعو كل صاحب حق أن يجهر بحقه.
استخدام الحجة والبرهان المنطقي؛ في الدعوة إلى الحق ودحض الباطل.
عندما يعجز الباطل عن مقابلة الحجة بالحجة يلجأ إلى استخدام القوة والعنف.
تسليم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لقضاء ربه -سبحانه وتعالى-؛ بتحمل أعباء قول الحق، والدعوة إليه.
استخدام العقل السليم والذي يوصل بالإنسان إلى أن ربه -سبحانه وتعالى- هو المستحق للعبادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ