سعدنا في أيام عيدنا وأنِسْنا بها بعد أن ودعنا شهرًا معظمًا مباركًا؛ وجميل أن نقف بعدها وقفات تهمنا في حياتنا الدنيوية والأخروية؛ نخرج مع كل واحدة منها بعبرة وموعظة.
## أولها:
وقفة اعتبار لسرعة تقضِّي الليالي والأيام، فبعدما كنا نرجو الله وندعوه بلوغ الشهر وإتمامه والسعادة بالعيد، فإذ بنا نفرح بإدراكهما، ثم ينصرفان عنا مودعين شاهدين، فهنيئًا لمن أودعهما الخير.
وهكذا الأيام! سريعة في التقضِّي:
إنَّا لَنَفْرَحُ بالأيامِ نقطعُها *** وكُلُّ يومٍ مضى نقصٌ من الأجلِ
يقول الحسن -رحمه الله-: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم: أنا خَلْقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة". ويقول: "يا ابن آدم: إنما أنت أيامٌ، كلما ذهب يومٌ ذهب بعضك".
ويقول الآخر:
ومـا المرءُ إلا راكبٌ ظهْرَ عُمْرِهِ *** علَى سَفَرٍ يفنِيهِ بـاليومِ والشَّهْرِ
يبيتُ ويضـحى كـُل يومٍ وليلةٍ *** بعيدًا عَنِ الدُّنْيا قريبـًا من القبر
## ثانيها:
اعلموا أن أبواب الخير مشرعة، ووسائله متاحة، لم ولن تغلق ما لم تغرغر منا الروح، أو تخرج الشمس من مغربها، فاجتهدوا -وفقني الله وإياكم- باستثمارها؛ فالعمر قصير.
## الثالثة:
ونحن نودع شهر الصيام والقيام الذي حافظ فيه كثير منا على صلاة الوتر مع صلاة التراويح أو القيام، وهذا توفيق من الله تعالى، جدير بنا أن لا نترك الوتر بعده، وأقله ركعة، وهو سنة مؤكدة جدًّا.
فعَنْ عَلِيّ بن أبي طالب قَالَ: "الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاتِكُمْ الْمَكْتُوبَةِ؛ وَلَكِنْ سَنَّه رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، وَقَالَ -صل الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ". رواه أبو داود، والترمذي واللفظ له، وصححه الألباني.
ومَن فاته الوتر لنسيان أو انشغال سُنَّ له أن يقضيه من الغد؛ ولكن شفعًا.
## الرابعة:
يجب أن يكون التواصل الذي تم في أيام العيد، وتلك اللقاءات الحميمية التي تمَّتْ، مُنْسِيَةً لما قد يكون بيننا من الخلافات،
وأن نستمر بالتواصل؛ فأمر صلة الرحم عظيم، فقد عظَّمَهُ اللهُ ورسولُهُ بما رتبوا على الصلة من الأجر، وعلى القطيعة من الإثم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صل الله عليه وسلم- قال: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيَصِلْ رَحِمَه". رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة، عن رسول الله، قال: "مَن أحب أن يُبْسَطَ له في رزقه، ويُنَسَّأَ له في أثره، فلْيصِلْ رحمه". متفق عليه. ينسأ له في أثره: يؤخر له في أجله.
وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صل الله عليه وسلم- قال: "الرحمُ متعلقةٌ بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله". رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة أن النبي -صل الله عليه وسلم- قال: "ما من ذنبٌ أجدرُ أن يجعل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره لهُ في الآخرةِ، من قطيعة الرحم، والخيانةِ، والكذب؛ وإنَّ أعجلَ الطاعةِ ثوابًا لَصِلَةُ الرحم". أخرجه الطبراني
مادام هذا هو فضل الصلة وأثرها ومكانتها عند الله، ومكانتها من الدين، فالواجب المحافظة على ما تم من تواصل في هذا العيد، ومعاهدة أنفسنا على الاستمرار عليه،
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].