01-23-2014
|
#4 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 6 | تاريخ التسجيل : May 2013 | العمر : 40 | أخر زيارة : منذ 16 ساعات (06:17 PM) | المشاركات : 16,413 [
+
] | التقييم : 43872 | الدولهـ | MMS ~ | SMS ~ | | لوني المفضل : Darkviolet | | 3- موقف الإسلام من الفطرة
إذا كان من البدهيات في حس كل مسلم ومسلمة أن خالق هذه الفطرة، هو منزل هذا القرآن، وهو الله تعالى فمن الطبيعي أن نعلم يقينا أن هذا الدين لا بد أن يكون موافقا للفطرة، إذ يستحيل أن يكون في دين الله أو شرعه أمرا يخالف ويعارض ما فطره عليه، فالحكيم العالم بما خلق، ومن خلق، يضع الشريعة المناسبة له الملائمة لخلقه. وكل أمر شرعي يخطر في بالك أن يعارض الفطرة فيجب أن تعلم أنه لا يخلو من أحد احتمالين. فإما أنه أمر شرعي ولا يخالف الفطرة الصحيحة المستقيمة فمخالفته للفطرة وهم. وإما أنه يخالف الفطرة فعلا ولكنه لا يكون أمرا شرعيا، وإن نسبه الناس إلى الدين بغير علم ولا هدى. وألخص الكلام عن موقف الدين من الفطرة فيما يلي: أ- جاء الدين مقرا بالفطرة، غير متنكر لها، فمثلا حب الحياة الذي هو فطرة مركوزة عند الإنسان جاء في القرآن ما يؤكد ذلك يقول الله عز وجل عن اليهود: "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ" [البقرة: 96]، و«احرص» أفعل تفضيل تدل على اشتراك الناس جميعا في الحرص على الحياة، ولكن اليهود أحرصهم عليها. إذا فحب البقاء، والحرص على الحياة فطرة يؤكد القرآن وجودها في الإنسان. وكذلك غريزة حب المال وحب الزواج وحب الولد، بين الله تعالى وجودها في الناس "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ" [آل عمران: 14]. وهذا السياق مجرده لا يدل على مدح ولا ذم، إنما هو إشارة إلى أنها فطرة فطر عليها الإنسان، وغريزة ركبت فيه، ويأتي بعد ذكر: متى تكون هذه الأشياء محمودة، ومتى تكون مذمومة؟ المهم أنها غريزة وفطرة. ولذلك لما ذكر تعالى المؤمنين ووصفهم بأنهم لفروجهم حافظون عقب عليها بقوله: "إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" [المعارج: 30] فكأن القضية قضية غريزة جبلية ليست بذاتها محل مدح أو ذم، ولكنها تحمد أو تذم بما يلابسها من القصد والنية، وطريقة الإشباع وآدابه. وفي قضية الزواج والنكاح قد يستقذر الإنسان الجانب الجسدي فيها، خاصة الإنسان الذي فيه سمو إشراق وحياء، ولهذا جاء ذلك التعقيب يدفع هذا الشعور المترفع، ويبين أن كمال الإنسان في الاستجابة لفطرته وفق ما يرضي الله، وهاهم رسل الله وأنبيائه ينكحون ويتزوجون "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً" [الرعد: 38]. وقد روى أهل السير، وهو في سنن ابن ماجه عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها، وكانت تحت مصعب بن عمير رضي الله عنه، فقتل أخوها وزوجها في أحد، فقيل لها قتل أخوك، فقالت رحمه الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، قالوا قتل زوجك، قالت واحزناه فقال رسول الله r «إن للزوج من المرأة لشعبة ما هي لشيء» ([1]) والحديث في إسناده عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف ([2]). وهذا المعنى الدال على فطرة الترابط بين الزوجين ثابت في قوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" [الروم: 21] "وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" [الأعراف: 189] وقل مثل ذلك في مسألة حب التستر والتصون، حيث يمتن الله على عباده باللباس الساتر الجميل: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ" [الأعراف: 26]. وتأمل هذه المعاني نفسها في قوله تعالى: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" [الكهف: 46]. ب- وجاء الدين موافقا لهذه الفطرة في عقائده وأحكامه، ولذلك سمي دين الفطرة فالتوحيد الذي جاء به الأنبياء كلهم، والعبادة التي أمروا بها، توافق فطرة التوجه لله، والتذلل له المغروزة في قلب كل مخلوق وقل مثل ذلك في قضايا التشريع. فمثلا: شرع الإسلام الزواج الذي يلبي فطرة غريزية عند الإنسان وهي إشباع الظمأ العاطفي لدى الجنسين، وليس إشباع الغريزة الجنسية فحسب. وأصل خلق الأنثى هو من الذكر "خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا" [النساء: 1] فالإلف يحن لإلفه، والفرع يحن لأصله، وإذا لم تجد هذه العاطفة وهذه الغريزة الطريق الحلال اتجهت إلى الطريق الحرام، وجاء الدين آذنا بالكسب الحلال الذي يلبي حاجة الإنسان إلى التملك والاستقلال. ج- وجاء الدين منظما للفطرة، ففتح أمامها الأبواب والطرق السليمة التي تلبي حاجتها، وتشبع جوعها، لئلا تنحرف إلى غيرها، ولذلك قال تعالى: "وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" [البقرة: 275] فأمام الفطرة «فطرة حب الملكية» طريقان حلال: يتمثل في البيع بجميع صوره المباحة وهو مفتوح. وحرام: يتمثل في الربا وهو من أخبث ضروب المكاسب المحرمة، ولذلك أيضا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن الفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»([3]). وقد قال كثير من أهل العلم إن الزواج على القادر المحتاج إلى الزواج واجب، بدلالة هذا الحديث خاصة عند خشية الفتنة، كما في هذا الوقت الذي أصبحت المثيرات فيه لا تكاد تفارق الشاب، حتى في بيته، بل في غرفته الخاصة. وفي مقابل ذلك حرم الإسلام الزنا وعده من الفواحش العظام وهكذا.. لا يغلق الله تعالى في وجه عباده بابا من أبواب الحرام إلا ويفتح بابا من أبواب الحلال، وهو خير منه وأيسر وأنظف وأحمد عاقبة، ولا يعرض عن الطريق النظيف المشروع إلا منحرف الفطرة ممسوخ الباطن. ولذلك جاء في حديث أبي هريرة في قصة الإسراء الطويلة أنه «أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر، نضيج ولحم آخر خبيث فجعلوا يأكلون الخبيث، ويدعون النضيج الطيب، قال يا جبريل من هؤلاء قال: هذا الرجل من أمتك يقوم من عند امرأته حلالا، فيأتي المرأة الخبيثة فيبيت معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا، فتأتي الرجل الخبيث فتبيت عنده حتى تصبح...». والحديث رواه ابن جرير في التفسير، والبيهقي في الدلائل، وابن أبي حاتم، والبزار وغيرهم([4]) وفيه غرابة، ولكن يشهد لصحة المعنى أن عقوبة الزاني المحصن أغلظ من عقوبة البكر ([5]). ([1]) سنن ابن ماجه (1/ 507). ([2]) ميزان الاعتدال (2/ 465) والتاريخ الصغير للبخاري (2/ 159) والمجروحين لابن حبان (2/ 6) ([3]) البخاري (9/ 113)، مسلم (1018/2). ([4]) تفسير الطبري (8/ 6) سورة الإسراء، زوائد البزار (1/ 39) الدلائل للبيهقي (2/ 398). ([5]) رسالة نداء الفطرة لدى الرجل والمرأة للشيخ سلمان العودة ص (5- 13). |
| |