تعريفُ الشفاعةِ
الشفاعةُ لغةً :جعلُ الوترِ شفعًا.
و اصطلاحًا : هي التوسطُ للغير، بجلبِ مصلحةٍ، أو دفع مضرة.
فمثلا : شفاعةُ النبي صلى الله عليه و سلمَ لأهلِ الموقفِ، فيها دفعُ مضرةٍ، و شفاعتُه لأهلِ الجنةِ لدخولها، فيها جلبُ منفعةٍ.
شروطُ الشفاعةِ
للشفاعةِ ثلاثةُ شروطٍ هي :
1 ـ إذنُ اللهِ للشافعِ أنْ يشفعَ، و هو إعلامُه بأنهُ راضٍ بذلك.
2 ـ رضاهُ عنِ الشافعِ.
3 ـ رضاهُ عنِ المشفوعِ له.
و قدْ جُمعت هذه الشروطُ الثلاثةُ في آيةٍ واحدةٍ، و هي قولُه تعالى {وَ كمْ منْ مَلكٍ في السَّمواتِ لا تغنِي شفاعتُهم شيئًا إلا منْ بعدِ أنْ يأذنَ اللهُ لمنْ يشاءُ و يرضَى} (النجم)، و الرّضى هنا عامٌّ يشملُ الشافعَ و المشفوعَ له.
إثباتُ العلوِّ للهِ تعَالى
مذهبُ أهلِ السنةِ و الجماعَةِ أنَّ اللهَ سبحانه و تعالى عالٍ بذاتِه، و أنَ علوَّه منَ الصفاتِ الذاتيةِ الأزليةِ الأبديةٍ، و أدلتُهم في ذلكَ :
1 ـ الكتابُ : تنوعت أدلةُ العلوِّ في كتابِ اللهِ منها :
أ ـ التصريحُ بالعلو و الفوقيةِ : قالَ تعالى {وَ هوَ العليُّ العظيمُ} (البقرة)، و قالَ {يخافونَ ربَّهم منْ فوقِهم} (النحل).
ب ـ صعودُ الأشياءِ إليه : قالَ تعالى {إليهِ يصعدُ الكلمُ الطيبُ} (فاطر).
جـ ـ نزولُها منْ عنده : قالَ تعالى {تنزيلٌ منْ ربِّ العالمينَ} (الواقعة).
2 ـ السُّنةُ : تنوعتْ دلالتُها، و اتفقت السنةُ بأصنافِها الثلاثةِ على علوِّه :
أ ـ القوليةُ : كقوله صلى الله عليه و سلمَ :"و العرشُ فوقَ ذلكَ، و اللهُ فوقَ العرشِ".
ب ـ الفعليةُ : كرفعِه صلى الله عليهِ و سلمَ يديْه إلى السماءِ في الدعاءِ، كذلكَ في حجةِ الوداعِ فإنه كانَ يشيرُ إلى السماءِ و يقول :" اللهمَّ اشهدْ ...".
جـ ـ التقريريةُ : كإقرارِه الجاريةَ لما سألها :"أينَ اللهُ؟" قالتْ :" في السماءِ"، فأقرَّها على ذلك.
3 ـ الإجماعُ : فقدْ أجمعَ المسلمونَ قبلَ ظهورِ هذه الطوائفِ المبتدعةِ على أنَّ اللهَ تعالى مستوٍ على عرشِه و فوقَ خلقِه.
4 ـ العقلُ : فصفةُ العلوِّ صفةُ كمالِ، و إذا كانتْ صفةَ كمالِ، فإنَّه يجبُ إثباتُها للهِ عزَّ و جل، لأنَّ اللهَ متصفٌ بصفاتِ الكمالِ.
5 ـ الفطرةُ : ما منْ إنسانٍ يقولُ : يا ربِّ، إلا وجدَ في قلبِه ضرورةً بطلبِ العلوِّ.
إبطالُ حججِ منِ قالَ أنَّ اللهَ في كلِّ مكانٍ بذاتِه
إنَّ حججَ القائلينَ بأنَ اللهَ تعالى في كلِّ مكانٍ بذاتِه باطلةٌ، يردُّها السمعُ و العقلُ :
1 ـ السمعُ : فإنَ الله تعالى قدْ أثبتَ لنفسِه أنهُ العليُّ كما قالَ تعالى {وَ هُوَ العليُّ العظيمُ}، أمَّا الآيةُ التي استدلَّ بها القوم و هي {وَ هُوَ معكُم أينمَا كنتم}، فيها إثباتُ المعيةِ، إلَّا أن المعيةَ لا تستلزمُ الحلولَ في المكانِ، كما تقولُ العربُ "القمرُ معنا"، و محلُّ القمرِ في السماءِ.
و المعيةُ يتحددُ معناها بحسبِ ما تضافُ إليهِ، فالرجلُ يقولُ : زوجَتِي مَعي، وَ هوَ في المشرقِ و هي في المغربِ، و الضابطُ يقولُ للجنودِ : اذهبُوا إلى المعركةِ و أنا معكم، فلا يلزمُ أنْ يكونَ الصاحبُ في مكانِ المصاحَبِ.
و قد تقتضي المعيةُ الاختلاطَ، كقولِ الرجلِ : متاعِي معي إذَا كانَ متاعُه على ظهرِه، و قدْ لا تقتضي الاختلاطَ إذَا كانَ متاعُه في بيتهِ، فهذِه كلمةٌ واحدةٌ يختلفُ معناها بحسبِ الإضافةِ.
و منْ ثم نثبتُ معيةَ اللهِ تعالى لخلقِه تليقُ بجلاله تعالى، كسائرِ صفاته.
2 ـ العقلُ : إذَا قلنا أنَّ اللهَ معنا في كلِّ مكانٍ، فيلزمُ عليه لوازمُ باطلةٌ :
أ ـ التعددُ أو التجزءُ.
ب ـ يلزمُ أنه يزدادُ بزيادةِ الناسِ، و ينقصُ بنقصانهم.
جـ ـ يلزمُ عدمَ تنزيهِ اللهِ تعالى عنْ أماكنِ القاذوراتِ
معنى الأوَّلِ و الآخرِ و الظاهرِ و الباطنِ و فوائدُ متعلقةٌ بها
أولا : هذه الأسماءُ تسمى الأسماءُ المتقابلةُ، و الظاهرُ أنها متلازمةٌ، فإذا قلتَ الأولُ فقل الآخر، و إذا قلت الظاهرُ فقل الباطن، لئلَّا تفوت المقابلةَ الدالة على الإحاطةِ.
ثانيا : معناها :
"الأولُ" فسره النبي صلى الله عليه و سلم بقوله :"الذي ليسَ قبله شيءٌ"، و فسره النبي صلى الله عليه و سلم بصفةٍ سلبية لتوكيدْ الأولية (لأن الصفة السلبية تتضمن إثبات كمال ضدها)، و أنها مطلقةٌ و ليست إضافية.
"الآخرُ" فسره النبي صلى الله عليه و سلم بقوله :"الذي ليسَ بعده شيءٌ"، فهو محيطٌ بكل شيء لا نهايةَ لآخريته.
"الظاهرُ" من الظهورِ أي العلو كما قال تعالى {هوَ الذِّي أرسلَ رسولَه بالهدَى و دينِ الحقِّ ليظهرَه على الدينِ كلِّه}، و قد فسره النبي صلى الله عليه و سلم بقوله :"الذي ليسَ فوقهُ شيءٌ"، فهو عالٍ على كل شيءٍ بذاته.
"الباطنُ" فسره النبي صلى الله عليه و سلم بقوله :"الذي ليسَ دونهُ شيءٌ"، و هذا كنايةٌ عن إحاطتِه بكلِّ شيء مع علوه عز و جل، و "الباطنُ" قريبٌ من معنى "القريبِ"، فعلوه تعالى لا ينافي قربَه.
ثالثا : هذه الأسماءُ تفيد إحاطةَ الله تعالى بكلِّ شيء أولًا و آخرًا و ظاهرا و باطنا، ففيه الإحاطةُ المكانيةُ و الزمانيةُ.
فائدةُ اقرانِ أسماءِ اللهِ و صفاتِه بواوِ العطفِ
قال الله تعالى { هوَ الأولُ وَ الآخرُ وَ الظاهرُ وَ الباطنُ } (الحديد 3)
هذه الأسماءُ الأربعةُ كلُّها خبرٌ عن مبتدإِ واحد، لكن بواسطةِ حرفِ العطف، و الأخبارُ بواسطة حرفِ العطف أقوى منَ الأخبارِ بدون واسطةِ حرف العطف، و فائدةُ العطف :
1 ـ توكيدُ ما سبق، لأنَّ العطفَ على ما سبقَ يجعلُه أصلًا و الأصلُ ثابت.
2 ـ إفادةُ الجمعِ، و لا يستلزمُ تعددَ الموصوف.
أنواعُ المغايرةِ التي يقتضيها العطفُ
المعروف أن العطف يقتضي المغايرة، لكن التغاير يكون :
1 ـ تغاير عيني : مثل قولنا : جاء زيد و عمر و بكر.
2 ـ تغاير معنوي (تغاير أوصاف) : مثل قولنا : جاء زيد الكريم و الشجاع و العالم.
3 ـ تغاير لفظي : مثل قولنا : هذا الحديث كذب و مين، فإن الكذب هو المين.
و العطف الذي في قوله تعالى { هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن } (الحديد 3) هو من النوع الثاني، فإنه تغاير أوصاف لا تغاير أعيان.
معنى التوكَّلِ
التوكُّلُ هوَ : صدقُ الاعتمادِ على اللهِ في جلبِ المنافعِ و دفع المضار، معَ الثقةِ به و فعلِ الأسبابِ المأذونِ فيها.
و لابدَّ فيه منْ أمرين :
1 ـ أنْ يكونَ الاعتمادُ صادقًا حقيقيا.
2 ـ فعلُ الأسبابِ المأذونِ فيها.
أقسامُ التوكُّلِ و أحكامُها
التوكلُ ثلاثة أقسامٍ و هي :
1 ـ توكلُ اعتمادٍ و خضوعٍ و عبادة، و هو الاعتمادُ المطلقُ على المتوكَّلِ عليه، فهذا يجبُ إخلاصه للهِ تعالى و صرفُه لغيره شركٌ أكبرُ.
2 ـ توكلٌ على غيرِ اللهِ بشيءٍ منَ الاعتمادِ، لكن فيه إيمانٌ بأنه سببٌ و أن الأمرَ لله، فهذا شركٌ أصغرُ.
3 ـ توكلٌ على شخصٍ فيما فوَّضَ إليه منَ التصرفِ فيه، و أنَّ المتوكِّلَ فوقه، فهذا جائزٌ