بسم الله الرحمن الرحيم
ومن الأعذار المبيحة للفطر في نهار رمضان ، السفر ، فإن المسافر مسافة قصر يشرع له الفطر لقوله تعالى:"فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " .
فإذا أفطر المسافر في سفره ، لزمه القضاء بصيام يوم مكان كل يوم من رمضان أفطره في سفره .
والتفضيل بين الفطر والصوم في السفر مسألة مشهورة عند أهل العلم ، والخلاف فيها معروف ولكل دليله ، وينبغي أن يعلم أن هذا الخلاف فيما إذا كان الصوم لا يشق على المسافر ، أما إن كان شاقا عليه ، فلا شك حينئذ في استحباب فطره ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لما رأى رجلا قد ظُلِّل عليه ، فقد أعياه الصوم في السفر : ليس من البر الصوم في السفر"
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد شدد في هذا كثيرا ، فإنه لما خرج عام الفتح وكان صائما ، فلما بلغ كراع الغميم ، قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصوم ، فأفطر وأمر الناس بالفطر ، فبلغه أن أناسا لا يزالون صياما ، فقال صلى الله عليه وسلم: أولئك العصاة ، أولئك العصاة " .
وإذا كان القوم صحبة في سفر ، وكان بعضهم صائما وبعضهم مفطرا ، فإنه لا ينبغي أن ينكر هذا على هذا ؛ لأن كلا منهما قد اتبع سنة ، فالصائم عمل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أسفاره . والمفطر عمل بقوله وبفعله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانت هذه حالهم في أسفارهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول أنس رضي الله عنه: كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر ، فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .
ومن الأعذار التي يُشرع لأجلها الفطر للصائم سواء كان رجلا أو امرأة: الكبر ، فالكبير إذا شق عليه الصوم أفطر ، وأطعم عن كل يوم مسكينا ، دليل ذلك قوله تعالى: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ "
. قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ليست بمنسوخة . وهو الشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " رواه البخاري .
ومن الأعذار التي يختص بها النساء دون الرجال : الحيض والنفاس ، فالحائض لا يجوز لها الصوم ، ولا يصح منها لو فعلت ، وهي آثمة بصومها حال حيضها ، وذلك بالإجماع . دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث خطبته لأحد العيدين ، " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن يا معشر النساء ، قلن له : وما نقصان عقلنا وديننا ؟ قال :" أليس شهادة المراءة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن : بلى . قال : فذلك من نقصان عقلها . أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلن : بلى . قال: ذلك من نقصان دينها " متفق عليه من حديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه . والنفساء لها حكم الحائض .
ويجب على كل من الحائض والنفساء ، قضاء يوم عن كل يوم أصابها فيه الحيض والنفاس أثناء رمضان ، لحديث معاذة ، أنها سألت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟ قالت: لست بحرورية ، ولكنني أسأل . قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " رواه الجماعة بألفاظ متقاربة .
ومـن الأعـذار التي يختـص بهـا النسـاء أيضـا ، الحمل والإرضاع ، فإن الحامل أو المرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما جاز لهما الفطر ، أفتى بذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين . فإن أفطرت الحامل أو المرضع خوفا على نفسها ، لزمها قضاء يوم مكان كل يوم أفطرته بسبب ذلك . وإن أفطرتا خوفا على ولديهما ، لزمهما مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم ، وهذا مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.
***** يتبع *****