بسم الله الرحمن الرحيم
يُحسن التنبيه لبعض الأمور
أولا : أن النية في شهر رمضان واجبة ، ويكفي أن ينوي العبد المسلم أنه سيصوم رمضان في أول الشهر ، ويستصحب حكمها بقية الشهر ، بمعنى ألا يقطع الصيام لا بفعله ولا بنيته ، فإن قطعه بفعل أو بنية لزمه استئناف نية جديدة .
وأمر النية قد يشكل على كثير من المسلمين ، وقد يورث عند بعضهم الوسوسة ، وهو أمر يسير ، فالنية إنما هي العزم على الصيام ، والعبد المسلم منذ أن يعلم أن غدا من رمضان وهو عازم على صيامه إلا إن كان فيه مانع من الموانع ، ومحل النية القلب ولا يجوز التلفظ بها .
ثانيا: ينبغي للمسلمين أن يحرصوا على السنة في تعجيل الفطور ، لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر "متفق عليه .
وفي تأخير السحور جاء حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه ، قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قمنا إلى الصلاة . قلت- أي الراوي عن زيد-: كم كان قدر ذلك؟ قال: خمسين آية متفق عليه .
ثالثا: يلاحظ على كثير من المسلمين السهر في ليالي هذا الشهر الكريم على الملهيات ، حتى إذا اقترب وقت السحر ناموا ، ففاتهم فضل السحور وفضل إدراك وقت النزول الإلـهي ، وربما فاتتهم صلاة الفجر والعياذ بالله ، فالواجب على العبد الحزم في ذلك ، وأن يجعل شهره هذا موسمًا للازدياد من الطاعات ، وأن لا ينشغل بما يصده عن الله من الملهيات .
ومن العبادات المشروعة في هذا الشهر الكريم عبادة القيام ، قيام الليل فإنه دأب الصالحين ، وقد شرعه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته في كل أيام العام ، بل كان واجبا عليهم ثم خفف الله عنهم يقول الله:
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
.
وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بقيام الليل فقال: "كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ "
وصلاة الليل هي أفضل الصلوات بعد الفرائض ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: الصلاة في جوف الليل " الحديث رواه مسلم وأبو داود والتمذري والنسائي. .
والأفضل تأخير قيام الليل إلى جوف الليل لمن وثق بالقيام ؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ، ثم ليرقد ، ومن وثق بقيام من آخر الليل فليوتر من آخره ، فإن قراءة آخر الليل محضورة " ، وذلك أفضل رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد.
والأصل في صلاة الليل أن تكون مثنى مثنى ثم يوتر بواحدة ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة ، توتر له ما قد صلى " متفق عليه .
والأفضل أن يختم صلاته بالليل على وتر ؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا . ولا حدّ لصلاة الليل فإن صلى إحدى عشرة ركعة فحسن ، وإن صلى ثلاث عشرة فحسن أيضا ؛ فإن هذا مما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . فإن صلى ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو تسعا ، أو زاد فصلى خمس عشرة أو سبع عشرة ، أو إحدى وعشرين أو ثلاثا وعشرين ، أو أكثر من ذلك فلا بأس إذا قطعها على وتر ؛ لأن الأصل في صلاة الليل عدم التحديد كما تقدم من الآية ، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم: صلاة الليل مثنى مثنى . وهذا جواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن صلاة الليل ، ولو كانت محدودة بعدد قلة وكثرة لَبَيَّنَ ذلك له .
والمسلم ينبغي ألا يغفل عن صلاة الليل ، وإن لم يدرك ذلك فلا أقل من الوتر ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام " متفق عليه .
هذا ، وإن قيام الليل ليتأكد في رمضان ويزيد فيه الأجر والفضل يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه الجماعة .
ويشرع في هذا الشهر الكريم قيام الليل جماعة وهو ما يسمى بـ (التراويح) فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك مع أصحابه رضي الله عنهم ثلاث ليال ، أخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين . وقد سنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه طوال الشهر وهذا ثابت عنه في الصحيحين أيضا .
وينبغي للإمام مراعاة حال مأموميه قوة وضعفا ، فلا يطيل بهم إطالة تشق عليهم ، ولا يخل بمقصود الصلاة فينقرها نقرًا ، بل تكون صلاته معتدلة نافعة يسمع فيها من يصلي خلفه القرآن ، من غير مشقة زائدة عليهم .
***** يتبع *****