الموضوع
:
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
عرض مشاركة واحدة
09-04-2014
#
4
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
1
تاريخ التسجيل :
May 2006
العمر :
52
أخر زيارة :
منذ 2 ساعات (01:00 PM)
المشاركات :
14,443 [
+
]
التقييم :
59465
الدولهـ
MMS ~
SMS ~
يرحل الجميع ويبقى شعاع المحبة
لوني المفضل :
Crimson
رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (4)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح
باب ما جاء من آيات الصفات
12- قال المصنِّف - رحمه الله -:
فمِمَّا جاءَ مِنْ آياتِ الصِّفاتِ قولُ الله - عزَّ وجلَّ -: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ
}
[1]
.
الشرح
ذَكَر ابنُ قدامة - رحمه الله - في هذه العقيدة ثماني عشرة صفة من صفات الله - تعالى - ونعرض الصفات التي ذكرها - رحمه الله - على حسب ترتيبه، ومما يُلاحظ أن ابن قدامة لَم يذكر مع هذه الصفات الصفات التي يثبتها الأشاعرة؛ -: 4- 79 لأنه لَم يكن بين أهل السنة الجماعة وبينهم خلاف في إثبات هذه الصفات، وعددها سبع، وهي: صفة العلْم، والحياة، والقُدرة، والكلام، والإرادة، والسمع، والبَصَر.
وهي مجموعة في قول الناظم:
حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ وَالكَلامُ لَهُ إِرَادَةٌ وَكَذَاكَ السَّمْعُ وَالبَصَرُ
وإنما عرض ما ينكره الأشاعرةُ وغيرُهم من أهل الضلال من صفات، وهي:
الصفة الأولى: صفة الوجه:
وتحت هذه الصفة عدة مباحث:
المبحث الأول: معتَقَد أهل السنة والجماعة في هذه الصِّفَة:
أهل السنة والجماعة يثبتون صفة الوجْه لله - تعالى - من غَيْر تكييف ولا تمثيل، ومن غير تَحْريفٍ ولا تعطيلٍ، وهي من الصِّفات الذاتية الخبَرية.
المبحث الثاني: صفة الوجه ثابتةٌ بالكتاب، والسنة، والإجماع:
فمن الكتاب
: ما استدل به المصنف؛ وهو قوله - تعالى -: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ}[2].
ومن السُّنَّة:
حديث سعد بن أبي وقاص: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له:
((
إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أُجِرت عليها))[3].
ومن الإجماع:
قال الإمام ابن خزيمة في كتاب "التوحيد"[4]: "فنحن وجميع علمائنا، من أهل الحجاز، وتهامة، واليمن، والعراق، والشام، ومصر – مذهبنا: أنا نُثْبِتُ لله ما أثبته لنفسه، نقرُّ بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا، من غير أن نُشَبِّه وَجْه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، عَزَّ ربُّنا أن يشبه المخلوقين، وجَلَّ ربُّنا عن مقالة المُعَطِّلِين".
المبحث الثالث:
المخالفون لأهل السنة:
المخالفون لأهل السنة والجماعة من المبتدعة أوَّلوا صفة الوجه بعدة تأويلات:
1- فقالوا المراد بها: (الثواب)، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[5]؛ أي: ويبقَى ثوابُ ربك، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[6]؛ أي: إلا ثوابه، وهذا قول الجهمية.
والرد عليهم من وجوه:
أوَّلاً: أن في هذا مُخالفة لظاهر لفْظ الآية، فالآيةُ ظاهرها بلفظ الوجه لا الثواب.
ثانيًا: أن فيه مخالفة لإجماع السلَف، فلا يُعْرَفُ أحدٌ منهم قال: إنَّ المراد بالوَجْه الثواب.
ثالثًا: أنه جاء في الآية بيان صفات عظيمة لهذا الوجه؛ فقال - تعالى -: {ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَام}[7]
،
فهل يمكن أن نقول عن الثواب: ذو الجلال والإكرام؟!
رابعًا: جاء في حديث أبي موسى- رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حجابُه النورُ، لو كشفه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهِه ما انتهى إليه بصره من خلقه))[8]، فهل يمكن أن يقال: إن الثواب له النور الذي يحرق ما انتهى إليه بصر الله من الخلق؟!
خامسًا: جاء في "صحيح البخاري"، من حديث جابر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل عليه قول الله - تعالى -: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}[9]، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أعوذ بوجهك))، ولو كان الثواب هو المقصود، فهل يصحُّ أنْ يُستعاذ به؟! وهل يُستَعَاذُ بمخلوق؟!
2- ومنهم مَن قال بأن المراد بها: (الذات)، وهو قول الجهمية أيضًا والمعتزلة، ومَن وافقهم من الرافضة، وهو قول الأشاعرة.
والرد عليهم من وُجُوه:
أولاً: أن هذا مخالف لظاهر الآية.
ثانيًا: أنه مخالف لإجماع السلف، فلا يُعْرَفُ أحدٌ منهم أوَّلها بالذات.
ثالثًا: أن الله - عزَّ وجلَّ - وصف وجهه بقوله: {ذُو الجَلالِ وَالْإِكْرَامِ}، ولو كان ذلك وصفًا للذات لقال: (ذي الجلال والإكرام)؛ لأن لفظ (ربك) مجرورةٌ بالإضافة.
رابعًا: أن من المعلوم أن العطف يقتضي المُغَايَرَة والاختلافَ، ففي حديث ابن عمرو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل المسجد قال: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، من الشيطان الرجيم))؛ رواه أبو داود، وهنا عطف الوجه على الله - جل وعلا.
تنبيهٌ وبيانٌ:
إطلاق الجزء ويراد به الكل أسلوبٌ صحيحٌ معروفٌ في اللغة العربية؛ ولذا تمسَّك به بعض المؤوِّلة لصفة الوجه، فقالوا: إن المراد بها ذات الله - جلَّ وعلا - فأطلق الجزء - وهو الوجه - والمراد به الكل، وهو الذات، فقالوا: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}؛ أي: ذاته - سبحانه - وقالوا: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[10]؛ أي: كل شيء هالك إلا ذاته - سبحانه - والمعنى الذي قالوه صحيحٌ لو أنهم أثبتوا صفة الوجه لله - تعالى - في الآيات السابقة؛ لأنَّ النَّص ورد في صفة الوجه، وهي جزء من الذات، والنص على الوجه يدل على ثبوت الذات، لكن الخطأ الذي وقعوا فيه: أنهم جعلوا المراد بالوجه هو الذات، وهذا تأويل باطل، ولو قال قائل: لماذا نذكر الذات مع إثبات صفة الوجه؟
فالجواب: حتى لا نقع فيما ذهب إليه مَن لا يقدِّرون الله حقَّ قدره؛ حيث قالوا في قوله - تعالى -: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}، وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، وقالوا: إن الله يفنى إلا وجهه - تعالى الله عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا[11].
المبحث الرابع: وقفةٌ مع آيةٍ اختلف السلَف في تفسيرها
:
وهي قولُ الله - تعالى -: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه}[12].
اختلف السلفُ فيها مع إثباتهم لصفة الوجْه، على قولَيْن:
القول الأول: أنها ليست من آيات الصفات، وأن المراد هنا الجهة والقبلة، والمعنى: فثم جهة الله؛ أي: فثم الجهة التي يقبل الله صلاتكم فيها، وهذا قول مجاهد، والشافعي، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة في الفتاوى عند كلامه عن العقيدة الواسطية، فقال: إنَّ المراد هنا القبْلة؛ لأنَّ الآيات جاءتْ في سياق بيان القبلة.
والقول الثاني: أنها من آيات الصفات، وتدل على صفة الوجه، وهذا قول الدارمي، وابن خُزيمة في كتاب: "التوحيد"، واختاره ابن القيم، ونَافَحَ عن هذا القول، وأطال في كتابه: "مختصر الصواعق المرسَلة"[13]، والخلاف محتملٌ ويسير، والمهمُّ أن نعرفَ أنهم جميعًا يُثْبِتُون صفة الوجه لله - تعالى.
والأظْهَر - والله أعلم -: أن المراد بالوجْه في الآية وجه الله الحقيقي؛ والمعنى: إلى أي جهة تتوجَّهون فثمَّ وجه الله - سبحانه وتعالى - لأنَّ الله محيطٌ بكلِّ شيءٍ، ففي هذه الآية إثباتُ صفة الوجه لله - تعالى.
هذا هو القولُ الأظْهر؛ لعدَّة أمور:
1- لأنه جاء في السُّنَّة ما يوافِق هذا المعنى؛ فقد جاء في الصحيحَيْن: أن المصلي إذا قام يُصَلِّي، فإن الله قِبَل وجهه؛ ولهذا جاء النهيُ عن البصْق جهة القبْلة؛ لأن الله قِبَل وجهه إذا صلى.
2- أن هذا هو المناسب لظاهر الآية، وأن المراد به: الوجْه المضاف إلى الله - تعالى.
3- أن فيه سَدًّا لباب التأويل، وإسكاتًا للمُؤَوِّلة الذين يجدون مثل هذا القول مستمسَكًا لهم على صحَّة تأويل آيات الصفات، كما فعلوا مع ابن تيميَّة، حينما ناظروه في العقيدة الواسطية، قائلين له: وجدنا عند السلف تأويلاً، وقبل أن يذكروه لشيخ الإسلام انقدح في ذهنِه - رحمه الله - هذه الآية، فقال: لعلكم تقصدون قول الله - تعالى -: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه}[14]، قالوا: نعم نقصد هذه الآية، فردَّ عليهم - رحمه الله - بما يراه، وأن هذه الآية ليستْ من آيات الصفات[15].
المبحث الخامس:
الآية التي استدل بها المصنف، وهي: قول الله - تعالى -: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ}:
صفة لوجه الله - تعالى - بدليل أنها جاءت بالرفع (ذو)، ولو كانت صفةً للرب لجاءتْ بالجر (ذي)؛ لأن كلمة: (ربك) وقعتْ مضافًا إليه، و(ذو) صفة، والصفة تتبع الموصوف في الإعراب، وكلمة (وجه) جاءت مرفوعة؛ لأنها وقعت فاعلاً، (الجلال) معناه: العظمة والسلطان، (الإكرام) مصدرٌ من (أكرم، يُكرِم) صالحة للمُكْرَم والمُكْرِم، فالله - سبحانه - مُكرَم، وإكرامه القيامُ بطاعته، ومُكرِم لِمَن يستحق الإكرام مِن خلقه، بما أعدَّ لهم من الثواب[16].
المبحث السادس:
الصورة صفة لله - تعالى
-:
أهل السنة والجماعة يُثْبِتُون صفةَ الصورة لله - تعالى - كما يليق بجلاله وعظمته، من غير تَحْريف ولا تعطيل، ومن غير تمثيل ولا تكييف، وهي صفةٌ ذاتيةٌ.
ويدل عليها:
1- الحديث الطويل حديثُ أبي سعيد في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وفيه:
((
فيأتيهم الجبارُ في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: أنت ربنا...))[17].
2- حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رأيت ربي في أحسن صورة))[18].
Ÿ Ÿ Ÿ
قال المصنف - رحمه الله -: وقولُه - سبحانَهُ وتعالى -
:
{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ
}
[19]
.
الشرح
الصفة الثانية: صفة اليدين:
وتحت هذا الصفة عدة مباحث:
المبحث الأول:
معتقد أهل السنة والجماعة في هذه الصفة
:
أهل السنة والجماعة يُثبتون صفة اليدين لله - تعالى - كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، من غير تكييفٍ ولا تمثيل، ومن غير تحريفٍ ولا تعطيل، وهي من الصفات الذاتية الخبرية.
المبحث الثاني: صفة اليدين ثابتةٌ بالكتاب، والسنة، والإجماع
:
فمن الكتاب:
ما استدلَّ به المصنِّف، وهو قول الله - تعالى -: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[20]، واستدلال المصنِّف بهذه الآية خصوصًا وجيهٌ؛ لأن فيه إثباتًا أن لله يدين اثنتين.
ومن السُّنَّة:
حديثُ أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوبَ مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوبَ مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))[21]، وحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك وسعديك، والخير في يديك))[22].
ومن الإجماع:
قال أبو الحسَن الأشعَري: "وأجمعوا على أنه - عزَّ وجلَّ - يَسْمَعُ ويَرَى، وأن له - تعالى - يدين مبسوطتَيْن"[23].
المبحث الثالث:
المخالفون لأهل السنة
:
المخالفون لأهل السنة والجماعة من المعطِّلة؛ كالجهمية والمعتزلة، يُؤَوِّلُون صفة اليدين، ويقولون: المراد بها: القدرة، أو النعمة، أو القدرة والنعمة، وتقدَّم أن من أَوَّل صفة من الصِّفَات فقد عطَّلها عن معناها الحقيقي؛ ولذا نقول: هم معطِّلة أيضًا، وهذا أشهر تأويلاتهم: أن المراد باليدين النعمة والقدرة، وهناك تأويلاتٌ أخرى لهم فيؤولونها بـ(القوة، والملك، والسلطان، والرزق، والخزائن، والبركة، والكرامة، والعناية)، ولكن كما تقدَّم: أن أشهر تأويلاتهم النِّعمة والقدرة، فهذا قول الجهمية، والمعتزلة، ومتأخري الأشاعرة، ويسمون (الأشاعرة المحضة)، بخلاف متقدمي الأشاعرة فهم يُثْبِتُون صفة اليدين ولا يُؤَوِّلونها.
والرد عليهم من وجوه:
1- أن تفسيرَ اليدِ بالقدرة والنعمة مخالفٌ لظاهر لفظ الآية، ولا دليل على هذا التأويل.
2- أنه مخالفٌ لإجماع السلَف، فلا يُعْرَفُ أحدٌ أَوَّلَهَا بالقدرة والنِّعمة.
3- أنَّ تأويلها بالقُدرة والنِّعمة ممتنعٌ في بعضِ الآيات؛ مثال ذلك قوله - تعالى -: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[24]، اليد جاءت بالتثنية، وتأويلها بالنعمة يلزم أن تكونَ النعمة نعمتين فقط، وهذا ممتنع؛ لأن نعم الله لا تُحْصَى؛ قال - تعالى -: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}[25]، وأيضًا تأويلها بالقدرة يستلزم أن يكون له - سبحانه - قدرتان، ولا يجوز أن يكون له - سبحانه - قدرتان بإجماع العلماء، فهذا لا يقوله أحدٌ، وكذلك في قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[26]، يلزم أن يكون له قدرتان - تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
4- أن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[27]، ولو كان المراد القدرة، لَم يكن لآدم فضلٌ على غيره؛ لأنَّ الخلْق كلهم خُلِقُوا بقدرة الله، بل لَم يكن لآدم فضلٌ على إبليس في هذه الآية، فإبليس خُلِقَ بقدرة الله - تعالى - والله - عزَّ وجلَّ - في الآية أمره بالسجود لآدم ذاكرًا مزية لآدم: أنه خلق بيديه - سبحانه وتعالى.
5- أنَّ اليد التي أثبتها الله لنفسه جاءت في الأدلة مقرونة بأمور كثيرة تدل على أنها يد حقيقية، فجاءت على وجوه يمتنع تأويلها بالقدرة والنعمة، فجاءت مقرونةً بالطَّيِّ، والقبضِ، والبسط، واليمين.
قال ابن القيم: "وَرَدَ لفظ اليد في القرآن، والسنة، وكلام الصحابة والتابعين، في أكثر من مائة موضع ورودًا متنوِّعًا، متصرفًا فيه، مقرونًا بما يدل على أنها يدٌ حقيقية، من الإمساك، والطي، والقبض، والبسط، والمصافحة، والحثيات، والنضح باليد، والخلق باليدين، والمباشرة بهما، وكتب التوراة بيده، وغَرَس جنة عدن بيده، وتخمير طينة آدم بيده، ووقوف العبد بين يديه، وكون المقسطين عن يمينه، وقيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة عن يمينه، وتخيير آدم بين ما في يديه، فقال: ((اخترتُ يمينَ ربي))، وأخذ الصدقة بيمينه يربِّيها لصاحبها، وكتابته بيده على نفسه: أن رحمته تغلب غضبه، وأنه مَسَحَ ظهرَ آدم بيده، ثم قال له - ويداه مقبوضتان -: "اختر"، فقال: ((اخترتُ يمين ربي))، وكلتا يديه يمين مباركة، وأن يمينه ملأى، لا يغيضها نفقة، سَحَّاء الليل والنهار، وبيده الأخرى القسط، يرفع ويخفض، وأنه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، وأنه يطوي السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليُمْنَى، ثم يطوي الأرض باليد الأخرى، وأنه خَطَّ الألواحَ التي كتبها لموسى بيده"[28].
وردَّ ابن القيم على مَن يؤوِّل اليد بالنعمة والقدرة من وُجُوه عديدة، تَصِلُ إلى عشرين وجهًا.
المبحث الرابع:
أهل السنة والجماعة يثبتون أنَّ لله يدين اثنتَيْن:
يعتقد أهلُ السنة والجماعة أن لله يدين اثنتين، كما يليق بجلاله وعظمته - سبحانه - وهذا بإجماع السلف - رحمهم الله - ويدلُّ على ذلك:
1- قول الله - تعالى -: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[29].
2- قول الله - تعالى -: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[30]، فإنْ قيل: كيف نجمع بين معتقد أهل السنة والجماعة بأن لله يدين اثنتين، وبين ما ورد في بعض الآيات من وُرُود اليد بلفظ المُفْرَد؛ كقوله - تعالى -: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}[31]، ورودها بلفظ الجمْع؛ كقوله - تعالى -: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ}[32]؟
فالجواب كما يلي:
الجواب عن لفظ المفرد بثلاثة أجوبة:
الأول: أنه لَم يُسَق اللفظُ لبيان العدد، وإنما لبيان الجنس، ولبيان الجنس يكفي لفظ المفرد؛ لأن اسم الواحد يدل على الجنس المراد.
الثاني: أن لفظ المفرد في الآية جاء مضافًا؛ فقوله - تعالى -: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، (بيده): اليد مضاف والهاء في محلِّ جر مضاف إليه، وكذلك في الآيات الأخرى؛ كقوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[33]، فلفْظ اليد مضافٌ، ولفظ (الله) - جلَّ وعلا - إعرابه: مضاف إليه، ومعلوم أن المفرد المضاف يفيد العموم، فيعمُّ كل ما ثبت لله - تعالى - من يد، والثابت لله - تعالى - يدان.
الثالث: أن الله قال لبيان سعة عطائه، وكثرة جوده: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، فبيَّن أن كثرة العطاء وسعة الجود وبسط النعمة باليدين كلتَيْهِما، رادًّا به على اليهود الذين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}[34] أفردوها؛ لأن اليد الواحدة أقل من عطاء الاثنتين، ووصفوها بأنها مغلولة؛ أي: قليلة العطاء، ولو كانت يدًا واحدة لَرَدَّ عليهم ببيان أن البسط والجود في اليد الواحدة، ولو كانت أكثر من اثنتين لذكرها الله - عزَّ وجلَّ - لأن المقام يقتضي بيان كثرة العطاء بجميع ماله من يد - سبحانه - فقال - تعالى -: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}؛ ليُبَيِّنَ - سبحانه - أنَّ كل ما لديه من يد فهي مبسوطة، وهما اثنتان.
الجواب عن لفظ الجمع بثلاثة أجوبة:
الأول: أن المراد بالجمْع هنا ليس بيان العدد، وإنما للتعظيم، وليس المُراد أنَّ لله أكثر مِن اثنتين.
الثاني: أن مِن لغة العرب استعمال لفْظ الجمع في الاثنتين، ويدل على ذلك قولُ الله - تعالى -: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[35]، والمقصودُ عائشة وحفْصة - رضي الله عنهما - وهما اثنتان، والمتبادَر إلى الذِّهن أن يُقال: (قلباكما)؛ لأنَّ المقصود قَلْبان لعائشة وحفصة - رضي الله عنهما ومع ذلك جاء بصيغة الجمع (قلوبكما)، وهذا دليلٌ على أنَّ استعمال لفْظ الجمع يكونُ للاثنين في لسان العرب.
الثالث: أنَّ في لسان العرب: أن المثنى إذا أُضيف إلى ضمير الجمع يجوز جمعُه من أجل خفَّةِ اللفظ، وهنا المثنى أضيف إلى ضمير الجمع: (نا)، فجاز جمعه (أيدينا)، بدلاً من: (يَدَيْنَا)؛ لِخفَّة النُّطق.
وبما سبق يزولُ الإشكالُ في وُرُود لفظ اليد مُفردًا ومَجْموعًا.
المبحث الخامس: هل توصَف إحدى يدي الله - تعالى - بالشمال:
هذه من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم - رفع الله قدرهم - على قولَيْن، وقبل ذِكْرِ القولين لا بدَّ من معرفة أنهم متَّفقون على أن يدي الله - تعالى - يمين في البذْل والعطاء، وأن إحداهما يمين في الاسم،.
اختلفوا في اسم اليد الأخرى على قولَيْن:
القول الأول: أن الأخرى تُوْصَفُ بالشمال، واختار هذا القولَ الدارميُّ، وأبو يَعْلى، والشيخ محمد بن عبدالوهاب في آخر كتاب "التوحيد"، والشيخ عبدالله الغنيمان[36].
واستدلوا:
1- بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((يطوي الله - عزَّ وجلَّ - السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليُمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبِّرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله...))[37].
2- الأحاديث الواردة بإثبات اليمين لله؛ كحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((يمين الله ملأى))[38]، وحديث أبي هُريرة - رضي الله عنه - أيضًا مرفوعًا: ((ويطوي السماء بيمينه))[39]، وغيرها من الأدلة التي جاءتْ بِوَصْف إحدى اليدين بأنها يمينٌ؛ وهذا يقْتضي أن إحدى اليدين ليست يمينًا؛ فتكون شمالاً.
ووصفها أيضًا الدارميُّ باليسار، والشمال، واستدل بحديث أبي الدرداء عند أحمد؛ وفيه: أن الله - عزَّ وجلَّ - قال للتي في يساره - أي: في يده اليسار -: ((إلى النار، ولا أبالي)).
القول الثاني: أن كلتا يدي الله يمينٌ، لا شمال، ولا يسار فيهما، واختار هذا القول الإمام ابن خُزيمة - في كتاب: "التوحيد" - والإمام أحمد، والبيهقي، والألباني[40].
واستدلوا:
1- بحديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - مرفوعًا: ((إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن - عز وجل - وكلتا يديه يمين))[41].
2- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند التِّرمذي، وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة)).
وناقشوا أدِلَّة القولِ الأول:
بأنَّ حديث ابن عمر - رضي الله عنه - وفيه لفظة: (الشمال)، هي لفظةٌ شاذَّةٌ، تفرَّد بها عمر بن حمزة، عن سالم، عن ابن عمر، والحديث عند البخاري من طريق عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، وعند مسلم من طريق عبيدالله بن مقسم، عن ابن عمر، وليس عندهما لفظة (الشمال)، وأيضًا الحديثُ رواه أبو داود، وقال بدل (بشماله): (بيده الأخرى)، وهذا هو الموافق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وكلتا يَدَيْه يمين)).
وأما استدلالهم الثاني، فليس بصريح؛ لأنه لا يمنع أن تكونَ اليد الأخرى يمينًا أيضًا؛ وعليه فالاستدلال الأول ليس بصحيح، والثاني ليس بصريح، ونَاقَشَ أصحابُ القول الأول أدلة أصحاب القول الثاني، بأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلتا يديه يمين))، لا يمنع أنْ تكون إحدى يديه شمالاً في الاسم، وهي يمين في الخَيْر والبَرَكة والعَطاء.
والأظهرُ - والله أعلم - أن يُقال: إنَّ صِفات الله - تعالى - توقيفية؛ فنقول كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((كلتا يديه يمين))، حتى يصح عندنا خبر أن يده الأخرى تسمى شمالاً أو يسارًا؛ فنقول بهذا الوصف[42].
المبحث السادس:
صفة الكَفِّ
:
أهلُ السنة والجماعة يُثْبِتُون صفة الكف لله - تعالى - كما يليق بجلاله وعظمته، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غَيْر تكْييف ولا تمثيل، وهي صفة ذاتية خبرية.
ويدل على ذلك:
حديثُ أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((ما تَصَدَّق أحدٌ بصدقة من طيِّبٍ - ولا يقبل الله إلا الطيِّبَ - إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرةً، فتربو في كفِّ الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل))[43].
المبحث السابع:
صِفة الأصابع
:
أهل السنة والجماعة يُثبتون صفة الأصابع لله - تعالى - كما يليق بجلاله وعظمته، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهي صفة ذاتية خبرية.
ويدل على ذلك:
1- حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أنه سمع رسول الله يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلبٍ واحدٍ، يُصَرِّفه كيف يشاء))، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهُمَّ مُصَرِّف القُلُوب، صَرِّفْ قُلُوبنا إلى طاعتك))[44]، وهذا الحديث رواه جمعٌ منَ الصحابة؛ كالنواس بن سمعان، وعائشة، وأبي ذر - رضي الله عنهم أجمعين.
2- حديث ابن مسعود- رضي الله عنه - قال: أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ من اليهود فقال: يا محمد، إنَّ الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، فيهزهنَّ، فيقول: أنا الملك، قال: فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه؛ تصديقًا لما يقول الرجل، ثم قرأ: (({وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه}[45]))[46].
وبعض أهلِ العلم يجعل الأصابع تابعة لليد؛ لأن هذا مقتضى اللغة العربية، وفهم العرب، إلا أن الأحْوط في المسألة أن يسكتَ الإنسانُ عن نسبة الأصابع إلى اليد، ويفعل كما يفعل السلف، يُثبتون الأصابع لله، ولا يخصصها بيد الله؛ إذ لا مستند من السنَّة لذلك، وإنما نُثبت صفة الأصابع لله، وهذا أَدَقُّ وأَحْوَط، فنُثبتها على الوَجْه اللائق به - سبحانه - لا يعلم كيفيتها إلا هو؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[47].
وللموضوع تتمة
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا
قال ابن عون:
"ذكر الناس داء،وذكر الله دواء"
قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى :
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له"
السير6 /369
قال العلامة السعدي:"
وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم
فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم
ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة
والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره"
الفتاوى السعدية 461
فترة الأقامة :
6581 يوم
الإقامة :
ارض الحرمين
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
3466
مواضيعي ~
•
ركني الهادي
•
شعاع الترحيب والضيافة
•
شعاع الإعلانات الإدارية
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
2.19 يوميا
هوازن الشريف
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى هوازن الشريف
زيارة موقع هوازن الشريف المفضل
البحث عن كل مشاركات هوازن الشريف