09-04-2014
|
#7 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 1 | تاريخ التسجيل : May 2006 | العمر : 52 | أخر زيارة : منذ يوم مضى (04:18 PM) | المشاركات : 14,443 [
+
] | التقييم : 59465 | الدولهـ | MMS ~ | SMS ~ | | لوني المفضل : Crimson | |
رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد 14- قال المصنِّف - رحمه الله -: فهذا وما أشْبَهه مما صَحَّ سَنَدُهُ، وعُدِّلت رواته، نُؤْمِنُ بِهِ، ولا نرده، ولا نَجْحَده، ولا نَتَأَوَّله بِتَأْوِيلٍ يُخالِفُ ظاهِرَه، ولا نُشَبِّهه بصفات المخلوقين، ولا بسمات المحدثين، ونعلَم أنَّ اللهَ - سبحانَه وتعالى - لا شبيه له ولا نظير؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[13]، وكلُّ ما تُخُيِّلَ في الذِّهن، أوْ خَطَرَ بالبَال، فإنَّ اللهَ - تعالى - بخلافه. الشرح المصنِّف - رحمه الله - بعدما سرد آيات وأحاديث الصفات التي تقدَّم بيانُها، رجع مرة أخرى ليُذَكِّر بطريقة السلَف - رحمهم الله - مع هذه الصفات، وأن الأحاديث الواردة في الصفات إذا صحَّ سندُها، وكان رواتها ثقاتٍ عدولاً؛ فإننا نؤمن بما جاء في هذه الأحاديث، قال: "ولا نرده، ولا نجحده"؛ أي: بلا تعطيل، "ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره"؛ أي: بلا تحريف عن ظاهر النص، "ولا نشبهه بصفات المخلوقين"؛ أي: بلا تمثيل أيضًا، فالله - عز وجل - لا شبيه له ولا نظير، هو القائل عن نفسه - جل وعلا -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، وبِنَاءً على هذا ذكر المصنف قاعدةً عظيمة، وهي: أن كل ما يتخيَّله الذهن أو يخطر على البال، فإن الله - تعالى - بخلافه؛ لماذا؟ لأنه سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، والإنسان لا يستطيع أن يتخيَّل شيئًا ويتصوَّره ويكون قريبًا مما يخطر بباله، إلا إذا رأى هذا الشيء، أو رأى مثيله، أو وصفت له كيفيَّتُه، وكل هذا ممتَنع في حقِّ الله - جل وعلا.
فائدة:
قول الله - تعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فيه عدَّة فوائد:
الأولى: هذه الآية منَ الأدلة على قاعدة عقدية معروفة في صفات الله - تعالى -: "أن النفي في الغالب يكون مجملاً، والإثبات مفصَّلاً"، ووجْه ذلك: أنَّ الله - عز وجل - حين النفي قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وهذا النفْي مُجمَل ليس فيه تفصيلٌ في نفي صفات معينة، وحين الإثبات قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فأثبت السمع والبصر بأن ذكرهما في هذه الآية، وذكر بقية الصفات في نصوص أخرى، فالإثبات فيه تفصيل.
الثانية: هذه الآية فيها ردٌّ على طائفتين ضالَّتين، ففيها ردٌّ على المشبهِّة وذلك بقوله - تعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وفيها ردٌّ على المعطلة الذين عطَّلوا صفات الله وأنكروها، وذلك بقوله - تعالى -: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
الفائدة الثالثة: قوله - تعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، معلومٌ في اللغة العربية أن الكاف حرفٌ يفيد التشبيه، وكلمة (مثل) أيضًا تفيد التشبيه، وسُبِقَتَا بنفيٍ، فصار المعنى نفي المثيل لله - تعالى - واختلف في (الكاف) هنا؛ لأنها هي و(مثل) بمعنى واحد:
فقيل: هي زائدة؛ أي: زائدة لفظًا، وإلا من حيث المعنى فإنها تفيد التوكيد، فذكرها له فائدة التوكيد، وهذا معروفٌ عند العرب، أنهم يزيدون حرفًا أو كلمة من أجل تأكيد الجملة، وهذا مثل قوله - تعالى -: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[14]، (لا) هنا زائدة، تُفيد معنى تأكيد القسم، والمعنى: أقسم بيوم القيامة، أقسم بيوم القيامة.
وقيل: إن الكاف هنا حرفٌ بمعنى: (مثل)، فيكون المعنى: ليس مِثلَ مثله شيء، وهذا يقْتَضي المبالَغة في نفي المثيل.
الفائدة الرابعة: قوله - تعالى -: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، قيل: منَ الحكَم النَّصُّ على صفَتي السمع والبصر في هذه الآية؛ لأن كثيرًا من المخلوقات تشترك في هاتين الصفتين، والمتأمِّل لهذه المخلوقات يجدها تتفاوَت في قوة وضعف هاتين الصفتين، فسَمْعُ الهِرَّة ليس كسمع الإنسان، وكذا البصر، وبصر الذباب ليس كبصر الكلب، وهكذا في بقيَّة المخلوقات، فإذا كان هذا التفاوت يكون بين المخلوقات التي فيها من النقص في حواسِّها وصفاتها الشيء الكثير، فكيف بما لله - جلَّ وعلا - من الصفات؟! فلا مثيل له - سبحانه - ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو - سبحانه - فنثبت له سمعًا وبصرًا يليقان بجلاله وعظمته - سبحانه. Ÿ Ÿ Ÿ
15- قال المصنف - رحمه الله -: "ومِنْ ذَلكَ قولُه - تعالى -: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[15]، وقولُه - تعالى -: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}[16]، وقولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((رَبُّنَا الله الذِي في السَّماءِ تَقَدَّسَ اسْمُكَ))، وقال للجارية: ((أيْنَ الله؟))، قالتْ: في السَّماءِ، قال: ((أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة))[17].
16- وقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِحُصَيْنٍ: ((كَمْ إلهًا تَعْبُدُ؟))، قال: سبْعة: سِتَّة في الأرض، وواحدًا في السَّماء، قال: ((مَنْ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِك؟))، قالَ: الذي في السَّماء، قال: ((فَاتْرُك السِّتَّة، وَاعْبُد الذي في السَّماء، وَأَنَا أُعَلِّمُكَ دَعْوَتَيْن))، فَأَسْلَمَ، وَعَلَّمَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقُول: ((اللَّهُمَّ ألْهِمْني رُشْدِي، وَقِني شَرَّ نَفْسِي)).
17- وَفيمَا نُقِلَ مِنْ عَلاماتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأصحابِه في الكُتُبِ المتقدِّمةِ: أنَّهم يَسْجُدون بالأرْضِ، ويَزْعُمون أنَّ إلههم في السَّماءِ". الشرح الصفة الرابعة عشرة: صفة الاستواء:
ومن هذه الصفة وما بعدها؛ كصفة الكلام، والعلو، وأن الله فعَّالٌ لما يريد، وأيضًا إثبات الرؤية، هي من الأمور التي أطال فيها المصنف؛ لأنها تحديدًا هي التي كثر النزاع والكلام عليها في زمن المصنف، لا سيما وقد كان يعيش - رحمه الله - في وسط الأشاعرة؛ ولذا أكثَرَ الاستدلالَ لهذه الأمور، بخلاف ما تَقَدَّمَ، فإنَّه اكتفى بدليلٍ واحد من الكتاب أو السنة، وأوَّلُ صفة أطال فيها صفةُ العُلُو والاستواء، وتحت هذه الصِّفة عدة مباحث:
المبحث الأول: معتَقَد أهل السنَّة والجماعة في صفة الاستواء:
أهلُ السنَّة والجماعة يُثبتون صفة الاستواء على العرْش لله - تعالى - كما يليق بعظمته وجلاله، من غير تَحْريف ولا تكييف، ومن غير تمثيل ولا تعطيل، وهي صفة فعليَّة خبرية. المبحث الثاني: صفة الاستواء على العرش دلَّ عليها الكتاب والسنة والإجماع:
Ÿ فمن الكتاب: ما استدل به المصنف، وهو قوله - تعالى -: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[18]، وجاء إثباتُ صفة الاستواء على العرْش في سبعِ آياتٍ مِنْ كتاب الله - تعالى.
Ÿ ومن السنة: حديث قتادة بن النعمان - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله يقول: ((لما فرغ الله من خلقه، استوى على عرشه))[19].
وأمَّا ما أَوْرَدَهُ المصنِّف من حديثٍ رواه أبو داود: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا))، وذكر الخبَر إلى قوله -: ((وفوق ذلك العرْش، والله - سبحانه - فوق ذلك))، فهو حديثٌ رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسَن غريب، وضعَّفه الألباني[20]. Ÿ Ÿ Ÿ
18- قال المصنف - رحمه الله -:
فَهَذَا وَمَا أشْبَهه مِمَّا أَجْمَعَ السَّلَفُ - رَحِمَهم اللهُ - على نَقْلِهِ وقَبُولِه، ولَم يَتَعَرَّضُوا لِرَدِّهِ ولا تَأْويله، ولا تشبيهه ولا تمثيله. الشرح وأجمع السلف على إثبات صفة الاستواء لله - تعالى -: ونقل الإجماعَ المُصَنِّفُ في هذه العقيدة؛ حيث قال بعد إيراده الحديث السابق: "فهذا وما أشبهه مما أجْمَع السلَف - رحمهم الله - على نقله وقبوله...".
ونقل الإجماعَ غيرُ واحدٍ من أهل العلم على ذلك؛ منهم الأئمة الأربعة في عصر تابعي التابعين وهم: "مالك" إمام أهل الحجاز، و"الأوزاعي" إمام أهل الشام، و"اللَّيث" إمام أهل مصر، و"الثَّوْري" إمام أهل العراق[21].
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة: "مع أنَّ أصلَ الاستواء على العرش ثابتٌ بالكتاب والسنة، واتِّفاق سلَف الأمة، وأئمة السنة، بل ثابت في كلِّ كتاب أنزل على كل نبي أرسل"[22].
المبحث الثالث: معنى الاستواء:
الاستواء في اللغة: العُلُو والاستقرار[23]. وجاء معنى الاستواء في كلام السلَف - رحمهم الله - على أربعة معانٍ:
العلو، والارتفاع، والصعود، والاستقرار، والمعاني الثلاث الأُول - وهي: العلو، والارتفاع، والصعود - بمعنى واحد، وأما الاستقرار: فهو يختلف عنها، فيتحصل مما سبق أن الاستواء هو العُلُو والاستقرار.
Ÿ قال الله - عز وجل -: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}[24]، قال بعض السلَف: إن معنى (استوى) هنا: (قصد)، وهذا التفسير يُسمى تفسير باللازم؛ فإنه - سبحانه - في قوله: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}، مع ما أفادَه لفظ (استوى) من العلُو، فإنه مُتَضمِّنٌ للقَصْد أيضًا، والمعاني الأربعة السابقة هي المشهورةُ عند السلَف، وهناك معانٍ أخرى قال بها بعضُ السلَف، وكلها تُفيد العُلُو والاستقرار. Ÿ Ÿ Ÿ 19- قال المصنف - رحمه الله -:
"وروى أبو داود في سُننه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ مَا بَيْنَ سمَاءٍ إلىَ سَمَاءٍ مَسِيرَة كذا وكذا - وذَكَرَ الخَبَرَ إلى قَوْلهِ -: وَفوق ذلك العَرْشُ، وَالله - سُبْحَانَه - فَوْقَ ذَلِكَ))". الشرح المبحث الرابع: معنى العرش:
العرش في اللغة: هو سرير الملك[25]؛ قال - تعالى - عن يوسف: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ}[26]، وقال عن ملكة سبأ: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}[27].
وعرش الرحمن: مَخْلوقٌ عظيمٌ، له قوائمُ تحمله الملائكة، وهو أعظمُ المخْلوقات، فهو سقفُ العالم؛ لأنه محيطٌٌ بالمخْلوقات، خلَقَهُ الله - جلَّ وعلا - ثم استوى عليه، ولَم يبيِّن اللهُ - جل وعلا - ممَّا خُلق هذا العرْش، ولم يَرِد دليلٌ صحيح عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - يبيِّن ذلك؛ فالله أعلم بذلك، والكرسي غير العرش؛ لأن العرش هو ما استوى عليه الله - جل وعلا - والكرسي موْضع القدَمَيْن؛ كما صَحَّ موقوفًا على ابن عباس عند الحاكم في "مستدركه"، والكرسيُّ خلق صغير بالنسبة للعرش، والله أخبرنا عن كرسيه فقال: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ}[28]، فهو أعظمُ منَ السموات والأرض، فكيف بالعرش ووصفه؟!
وتحت هذا المبحث عدة فوائد:
أولاً: وُصِف هذا العرْش بأنه عظيم؛ قال - تعالى -: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[29]، وبأنه كريم؛ قال - تعالى -: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[30].
ثانيًا: مدح الله نفْسه بأنه ذو العرْش؛ فقال - تعالى -: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ}[31].
ثالثًا: أخبَرَ الله - عز وجل - أنَّ للعرش حَمَلَة، وأن عددهم ثمانية؛ فقال: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[32].
رابعًا: أخبر الله - سبحانه - أنَّ عرْشَه كان على الماء قبل خلْق السموات الأرض؛ فقال - تعالى -: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}[33]، وجاء في "صحيح البخاري"، من حديث عمران بن حصين: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كان الله ولَم يكن شيء غيره، وكان عَرْشه على الماء)).
خامسًا: أخْبَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ للعرش قوائمَ؛ فعن أبي سعيد الخدري: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تخيِّروني من بين الأنبياء، فإن الناس يُصْعَقُون يوم القيامة؛ فأكون أول من يُفيق، فإذا أنا بموسى آخذٌ بقائمة من قوائم العرش...))[34].
سادسًا: أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ العرش فوق الفِرْدَوْس؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن...))[35].
سابعًا: أخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أن الشمس كلما غربتْ تسجد تحت العرْش؛ فعن أبي ذر- رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر حين غربت الشمس: ((أتدري أين تذهب؟))، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنها تذهب حتى تسجدَ تحت العرش، فتستأذن فيؤذَن لها))[36].
المبحث الخامس: المخالفون لأهل السُّنَّة:
المخالفون لأهل السنة من المبتدعة؛ كالجهمية، والمعتزلة، ومتأخري الأشاعرة - يؤوِّلون صفة الاستواء بالاستيلاء، ويفَسِّرون العرش بالملك، فيقولون: (استوى على العرش)؛ أي: استولى على الملك، وهذا تأويل باطل.
واستدلوا ببيتٍ نسبوه للأخطل النصراني، وليس هذا البيت بمشهورٍ عنه، بل قُدِحَ في هذا البيت، وأنه مختلق مصْنوع لا يُعرف في اللغة، وهذا البيت هو قول الشاعر - إن صح -: [size=px"px"5""] قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاْقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ أَوْ دَمٍ مُهْرَاقِ[/size] فقالوا: استوى هنا بمعنى استولى بِشْر، وهو الملك على العراق، وليس المعنى: أن بشْرًا اعتلى وارتفع على العراق، كما يظن مَن يُفَسِّر الاستواء بالعلُو والارتفاع، فقالوا: هذا بيتٌ عربيٌّ دلَّ على معنى الاستيلاء، فنحن نستدلُّ بلغة العرب، هذا البيت هو حجتهم.
والرد عليهم من عده وجوه منها:
1- أن تأويلَكم مخالف لطريقة السلف وإجماعهم.
2- أنه مخالفٌ لظاهر النصوص.
3- أنه لا دليل عليه، فقد جاء إثبات الاستواء في سبع آيات من القرآن، ليس في واحدة منها أن استوى بمعنى استولى، ولو كان كذلك لبيَّن الله - عزَّ وجل - ذلك، ولو في آية واحدة.
4- أن استدلالكم في البيت نوقش بعدة أمور منها:
أ- أن هذا البيت مصنوعٌ ومختلقٌ على اللغة؛ فلا يعرف له سنَدٌ يَثْبُت، وهو غير معروفٍ في ديوان الأخْطل، وأنكره غيرُ واحد من أئمة اللغة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة[37].
ب- أنه لو صحَّ فيحتمل أن يكون قيل بعد تغيُّر اللسان العربي، وشيوع اللحن فيه؛ وحينئذ لا يصلح أن يكونَ حجة في لغة العرب، ودخل اللحن في اللغة بعدما اتسعت الفتوح، ودخل الأعاجم في الإسلام، واختلطوا مع المسلمين.
ج - أنه لو صح قوله قبل شيوع اللحن، فإنَّ القرينة في البيت تعضد أن يكون "استوى" بمعنى "استولى"؛ لأنه ليس من الممكن أن يكون بشْر اعتلى العراق وصعد فوقها.
4- أنه لو جاز تفسير "الاستواء" بـ"الاستيلاء"، لجاز أن نقول: إن الله - عز وجل - مستوٍ على السموات والأرض، وأنه مستوٍ على الهواء والبحار والجبال والإنسان والبعير وغيره من الحيوانات؛ لأن الله مستولٍ عليها؛ فهي تحت قهره وأمره، ولا شك أن المؤولة لا يقولون بهذا الاستواء - فتعالَى الله عمَّا يَقُولون عُلُوًّا كبيرًا.
5- أنَّ تفسير الاستواء بالاستيلاء يدلُّ على أن هناك مغالبة ومنازَعة في الاستيلاء على العرش، إذ يفهم منه أنَّ العرش قبل ذلك ليس تحت ملك الله - تعالى - ثم إنَّ الله - تعالى - استولى عليه وملكه، ولا يقول هذا عاقل - فتعالى ربُّنا عما يقولون. 6- أنه لا يُعرف في اللغة أن استوى بمعنى استولَى، فلم يَقُلْه أحد من أئمة اللغة المعتبَرين؛ قال ابن القيِّم: "ولفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله به وأنزل به كلامه نوعان: مُطلقٌ، ومقيَّدٌ؛ فالمطلق: ما لَم يوصل معناه بحرْف؛ مثل قوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}[38]، وهذا معناه: كَمُلَ وتَمَّ، يُقال: استوى الزَّرع، واستوى الطعام.
وأما المقَيَّد: فثلاثة أَضْرُبٍ:
أحدها: مقيد بـ(إلى)؛ كقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}[39]، وهذا بمعنى: العُلُو والارتفاع بإجماع السلَف.
الثاني: مقيد بـ(على)؛ كقوله - تعالى -: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ}[40]، وقوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}[41]، وقوله: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ}[42]، وهذا معناه أيضًا: العُلُو والارتفاع والاعتدال، بإجماع أهل اللغة.
الثالث: المقرون بواو المعية التي تُعَدِّي الفعْل إلى المفعول معه؛ نحو: استوى الماء والخشَبة، بمعنى: ساواها.
فهذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم، ليس فيها "استولى" ألبتة، ولا نقله أحدٌ من أئمة اللغة الذين يعتمد قولهم، وإنما قاله متأخِّرُو النحاة، ممن سلك طريق المعتزلة والجهمية.
والذين قالوه لَم يقولوه نقلاً، فإن ذلك مجاهرةٌ بالكذب، ولكن قالوه استنباطًا وحملاً منهم للفظة "استوى" على "استولى"؛ ولذلك لما سمع أهل اللغة ذلك أنْكَرُوه غاية الإنكار.
قال ابن الأعرابي وقد سُئل: هل يصح أن يكون "استوى" بمعنى "استولى"؟ فقال: لا تعرف العرب ذلك، وهو من أكابر أئمة اللغة"[43]، وردَّ ابنُ القيم على مَن يفسر الاستواء بالاستيلاء باثنين وأربعين وجهًا[44].
Ÿ وخلاصة الكلام: أن هؤلاء المبتدعة حرَّفوا في هذه الصفة، وزادوا لامًا فقالوا: (استوى) بمعنى: (استولى)، وهذا تحريفٌ لفظيٌّ ومعنويٌّ، وشابهوا اليهود بذلك حينما زادوا نونًا، لَمَّا قيل لهم: قولوا: (حطَّة)، فقالوا: (حنطة)، وفي هذا يقول ابن القيم: نُونُ الْيَهُودِ وَلامُ جَهْمِيٍّ هُمَا فِي وَحْيِ رَبِّ الْعَرْشِ زَائِدَتَانِ Ÿ Ÿ Ÿ 20- قال المصنف - رحمه الله -: "سُئِلَ الإمامُ مالك بن أنس - رحمه الله - فقيل: يا أبَا عبدالله، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[45]، كيْف استوى؟ فقال: الاسْتِواءُ غيْرُ مجهولٍ، والكيْفُ غيْرُ معْقولٍ، والإيمانُ به واجبٌ، والسُّؤالُ عنْه بدعةٌ، ثُمَّ أَمَرَ بالرَّجُلِ فأُخْرِجَ". الشرح المبحث السادس: وقفةٌ مع كلام الإمام مالك في الاستواء:
قال الإمام مالك - رحمه الله - عندما جاءه رجل فقال: يا أبا عبدالله، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[46]، كيف استوى؟ قال الراوي: فما رأينا مالكًا وَجَدَ من شيءٍ كوَجده من مقالته، وعلاه الرُّحَضَاء، وأَطْرَقَ، وجعلنا ننظر ما يأمر به فيه، قال: ثم سُرِّي عن مالك، فقال: "الكيفُ غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني لأخاف أن تكون ضالاًّ، ثم أمر به فأخرج"[47].
قوله: "الكيف غير معقول"؛ أي: إن كيفية استواء الله - تعالى - غير مُدْرَكَة بالعقل؛ لأن الله - تعالى - أعظمُ من أن تدركَ العقول كيفية صفاته، فهذا مما استأثر الله - تعالى - به.
وقوله: "والاستواء منه غير مجهول"؛ أي: إنه معلوم معنى الاستواء، فهو العُلُو والاستقرار.
وقوله: "والإيمان به واجب"؛ أي: إن الإيمان بالاستواء واجبٌ؛ لدلالة الكتاب والسنة والإجماع عليه.
وقوله: "والسؤال عنه بدعة"؛ أي: إن السؤال عن كيفية الاستواء بدعةٌ؛ لأن السؤال لَم يكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
ثم أمر بالسائل فأخرج؛ لئلا يَفْتِنَ الناس في عقيدتهم، وتأديبًا له بمنعه من مجالس العلم، وعبارة الإمام مالك عبارة عظيمة، يتَوَجَّه قولها في كلِّ صفة لله - تعالى - بأن نقول: كيفية الصفات لا تدركها عقولنا، فهي مما استأثر الله بعلمه، وأما معناها فغير مجهول بل نعلم معناها، ويجب أن نؤمن بما دلَّ عليه الكتابُ والسنة من صفات الله، والسؤال عن كيفيتها بدعةٌ؛ لأنه لَم يسأل عن ذلك من هم خيرٌ منَّا، وهم السلف من الصحابة والتابعين.
الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
ــــــــــــــــــــــ
[1] متفق عليه.
[2] متفق عليه.
[3] [الشورى: 11].
[4] [الزمر: 67].
[5] [الشورى: 11]. [6] [الصافات: 12].
[7] [الرعد: 5].
[8] [الرعد: 5].
[9] متفق عليه.
[10] وهو حديث أخرجه أحمد في "مسنده"، وهو حديثٌ ضعيفٌ، في سَنَده ابنُ لَهِيعَة، والحديثُ ضعَّفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (2426).
[11] متفق عليه.
[12] كتاب "التوحيد" (2/ 563).
[13] [الشورى: 11].
[14] [القيامة: 1].
[15] [طه: 5].
[16] [الملك: 16].
[17] رواه مالكُ بنُ أنَسٍ، ومسلمٌ، وغيرُهما مِنَ الأئمة.
[18] [طه: 5].
[19] رواه الخلال في كتاب "السنة"، بإسناد صحيح على شرط البخاري، كما قال ابن القيم؛ انظر: "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص 107.
[20] انظر "السلسة الضعيفة" رقم (1247).
[21] انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميَّة" (5/ 39).
[22] انظر: "مجموع الفتاوى" (2/ 188).
[23] انظر: "الصحاح" (6/ 2385).
[24] [فصلت: 11].
[25] انظر: "الصحاح" (3/ 1009).
[26] [يوسف: 100].
[27] [النمل: 23].
[28] [البقرة: 255].
[29] [التوبة: 129].
[30] [المؤمنون: 116].
[31] [غافر: 15].
[32] [الحاقة: 17].
[33] [هود: 7].
[34] الحديث رواه البخاري، ورواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
[35] الحديث رواه البخاري.
[36] الحديث رواه البخاري، ومسلم.
[37] انظر: "مجموع الفتاوى" 5/ 146.
[38] [القصص: 14].
[39] [فصلت: 11].
[40] [الزخرف: 13].
[41] [هود: 44].
[42] [الفتح: 29].
[43] انظر: "مختصر الصواعق المرسلة"؛ لابن القيم، ص 320.
[44] وانظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية"، فقد ردَّ على هذا التأويل الباطل باثني عشر وجهًا، انظره (5/ 144 - 149).
[45] [طه: 5].
[46] [طه: 5].
[47] رواه البيهقي في "الاعتقاد"، ونقلَه الذهبي في "العلُو" عن البيهقي، وقال: "إسناده صحيح"، وقال ابن حجر - في "الفتح" (13/ 417) -: "سنده جيد"، وقال نحو هذه العبارة شيخ الإمام مالك، وهو ربيعةُ بن أبي عبدالرحمن. |
|
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا قال ابن عون:
"ذكر الناس داء،وذكر الله دواء"
قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى :
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له"
السير6 /369 قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم
فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم
ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة
والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره"
الفتاوى السعدية 461 |