الموضوع
:
ديناميكية البناء اللغوي في القران
عرض مشاركة واحدة
09-15-2014
#
2
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
1
تاريخ التسجيل :
May 2006
العمر :
52
أخر زيارة :
03-12-2024 (09:02 PM)
المشاركات :
14,442 [
+
]
التقييم :
59465
الدولهـ
MMS ~
SMS ~
يرحل الجميع ويبقى شعاع المحبة
لوني المفضل :
Crimson
رد: ديناميكية البناء اللغوي
أولا: التشبيه،
وهو:
(الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى)، وهو كثير في القرآن كما هو الحال في اللغة أيضا، وتشبيهات القرآن جميعها سواء كانت مفردة أو مركبة، تمثيلية أو غير تمثيلية تدفع بالفكر في آفاق عليا، وتحرك الخيال في اتجاهات متعددة وعوالم مختلفة، خذ مثلا قوله تعالى:
﴿ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ﴾
(القارعة: 4) وتأمل كيف ربط في هذا التشبيه بين حركة الناس وما يصحبها من تدافع وتصادم وهول واقتحام بحركة الفراش المتطاير المتدافع المقتحم، فقد تحدث عن المستقبل كما لو كان حاضرا، وربط بين الدنيا والآخرة في آية واحدة، ثم أعقبها بقوله:
﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾
(القارعة: 5)، والعهن هو الصوف والمنفوش: الذي شرع في الذهاب والتمزق، فانظر إلى ثبات الجبال وقوتها كيف صار هباء، ففي آيتين اثنتين تبين ما تؤول إليه صورة العالم من التبدل والمغايرة يوم القيامة، وذلك من خلال التشبيه الذي يثري الخيال تدفقا وحيوية وإثارة. ولنتأمل من التشبيه المركب قوله تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
(البقرة: 261) فانظر إلى صورة الإنفاق ﴿ يُنْفِقُونَ ﴾ استحضارا للحالة الراهنة وتحريضا على البذل، ومقارنته مع صورة متأنقة بديعة من متحف الطبيعة، تبدأ بحبة أنبتت وصيغة الماضي مقصودة هنا، وكأن الثواب أسبق من العمل، وذلك دفعا لما يتوهمه الكافرون من أن الإنفاق هدر للمال، فما هو في الحقيقة إلا نماء وزيادة، هذه الحبة نمت وأعطت سبعة سنابل، في كل سنبلة مئة حبة!! ويأتي بعد ذلك الكرم الإلهي الممدود: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾، هكذا ينقلك القرآن في رحلة عجيبة بين الإنفاق الذي هو في حقيقته زرع للحياة بالمحبة والتواصل والتكافل، وزرع للآخرة أيضا، يحصده المرء هناك، وبين نتيجة هذا الزرع وما يعقبه من نماء دنيوي وأخروي متمثلة بصورة هذه الحبة النموذجية المعطاءة، وبين الصورتين يتحرك فكر المؤمن بحركة ديناميكية تجمع بين الدنيا والآخرة والزرع والحصاد. ومن التشبيه المركب أيضا قوله تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
(الجمعة: 5)، وهي صورة دقيقة مفعمة بالحركة لأولئك الذين حملوا وهنا استخدم صورة الماضي ثم أعقبها بصورة المضارع ﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ ﴾ استحضارا للذهن وتشخيصا للصورة أمام الناظرين، وماذا حمل هؤلاء؟ لقد حملوا التوراة التي هي نور الله، بيد أنهم رفضوا الحمل، وناءوا به، فتلاعبوا كي يتخلصوا منه، فمثل هؤلاء كالحمار الذي يحمل أسفار لا ينتفع بها، ولا ينال منها إلا مؤونة الثقل، ووجه الشبه عقلي، وهو: (حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه)، فانظر كيف نقلك التشبيه بين أمور متعددة أعطت الفكر صورة حية نابضة لحقيقة بني إسرائيل الذين لم يستفيدوا من مصاحبة كتاب ربهم شيئا سوى العناء والمقت الإلهي. لنتأمل أيضا قوله تعالى في صفة شجرة الزقوم:
﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾
(الصافات: 65)، وهو من التشبيه الوهمي عند البلاغيين، كيف ربط القرآن من خلال التشبيه بين الطلع وبين رؤوس الشياطين وبين الزقوم في ديناميكية عجيبة جمعت بين الدنيا والآخرة والغواية وسببها ونتيجتها، فرؤوس الشياطين هي التي ضللت الكافرين وساقتهم إلى هذا الغذاء الذميم، في عملية مدارها كله على القبح، فرأس الشيطان قبيح، والضلال قبيح، وعقابه قبيح، وشجرة الزقوم قبيحة، والأكل من هذه الشجرة قبيح.. وهكذا نجد أن التشبيه أداة من أدوات الديناميكية التي استفاد القرآن من طاقتها التعبيرية في بيان أغراضه.
ثانيا: الاستعارة:
وهي إحدى وسائل التعبير الديناميكية، وهي عند البلاغيين: (اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي، لعلاقة المشابهة)، وقد وردت في آيات كثيرة، منها:
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
(الفاتحة: 6) أي: (الدين الحق)، فانظر إلى حيوية الأسلوب القرآني كيف جعل الدين الحق الموصل إلى الله صراطا مستقيما، والمستقيم كما هو معلوم في الهندسة أقرب مسافة بين نقطتين، فأقرب الطرق إلى الله هو هذا الدين القويم. ووردت الاستعارة في قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
(البقرة: 257). فانظر كيف جعل الكفر على تعدد مناهجه وصوره ظلمات، وكيف جعل الهدى نورا، وكيف جعل النقلة من الكفر إلى الإيمان نقلة من الظلمات إلى النور، والنقلة من الإيمان إلى الكفر نقلة من النور إلى الظلمات، وتأمل البون الشاسع بين النقلتين من خلال استعارة موحية فعالة مؤثرة وهي استعارة النور للتوحيد والظلمات للشرك. ومن ألوان الاستعارة قوله تعالى:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
(النحل: 112). تأمل في تعبير (أذاقها) وما فيه من الاتحاد والاندماج، فالإنسان عندما يذوق شيئا ويبتلعه، يصبح جزءا لا يتجزأ منه، فالعذاب متغلغل في كيان القرية كله تغلغل الغذاء في جسم الإنسان، فلا يمكن أن ينفصم عنه. ثم تأمل الاستعارة الموحية الموحية: ﴿ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ﴾ وما في اللباس من الستر والغطاء للجسم، وكأن الجوع والخوف فصل لباسا لتلك القرية، فلا تستطيع أن تنفك عنه، إنه تعبير موحي للمصاحبة والملازمة الدائمة التي تعبر عن انهماك تلك القرية في ألوان من العذاب الحسي الغليظ. كما عبر القرآن عن حياة الشرك بالموت، وعن الإيمان بالحياة، قال تعالى:
﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
(الأنعام: 122)، فالنقلة إلى الدين الحق هي نقلة من الموت إلى الحياة. وفي صورة أخرى يعبر القرآن عن عملية تمكن الضلال في نفوس المنافقين وتمسكهم به ونبذهم للهدى بعملية الشراء، قال تعالى:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾
(البقرة: 16) وتصوير أخذ الضلالة ونبذ الهدى بالبيع والشراء دليل على صفقة خاسرة في عملية تجارية فاسدة ولذلك قال: ﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾، ومقابل هذه التجارة هنالك تجارة أخرى رابحة وهي تجارة المؤمنين، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
(الصف: 10) وهنا يتجلى جمال التعبير القرآني الذي جعل عملية الإيمان والكفر كعملية البيع والشراء، تشبيها للمعقول بالمحسوس، وتقريبا للمجرد إلى الأذهان بع/بارات موحية فعالة من خلال الاستعارة.
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا
قال ابن عون:
"ذكر الناس داء،وذكر الله دواء"
قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى :
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له"
السير6 /369
قال العلامة السعدي:"
وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم
فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم
ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة
والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره"
الفتاوى السعدية 461
فترة الأقامة :
6574 يوم
الإقامة :
ارض الحرمين
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
3466
مواضيعي ~
•
ركني الهادي
•
شعاع الترحيب والضيافة
•
شعاع الإعلانات الإدارية
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
2.20 يوميا
هوازن الشريف
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى هوازن الشريف
زيارة موقع هوازن الشريف المفضل
البحث عن كل مشاركات هوازن الشريف