أثر الصحبة الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد : فلا يستغني عاقل في حياته عن صداقة وصحبة ، فهي نافعة في الدنيا والآخرة إذا أسست على تقوى الله تعالى، وأما إذا بنيت على غيرذلك فلا تنفع أصحابها يقينًا في الآخرة، وإن أصابهم بعض نفع دنيوي من ورائها ؛ قال الله تعالى : ] الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [ [ الزخرف : 67 ] . ولا تخفى حاجة الناس لهذه العلاقة المبنية على التقوى،فإنها ضرورية لحياة طيبة، موصولة بحياة أطيب منها ؛ أما في الحياة الدنيا ، فقد قيل : الأخوَّة قرابةٌ مستفادة ؛ ويقال : الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين ؛ وقال الشاعر : ومـا الـمرء إلا بإخوانه ... كما يقبض الكف بالمعصمِ ولا خير في الكف مقطوعة ... ولا خير في الساعد الأجذمِ هذه العلاقة إذا تأسست على قاعدة ( الحب في الله والبغض في الله ) هي أنفع شيء للإنسان؛ قال ابن عباس - رضي الله عنهما:أحبب في الله،وأبغض في الله، وعاد في الله ، فإنه لا تنال موالاة الله إلا بذلك ، ولن يجد عبدٌ طعم الإيمان ولو كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك؛قال: ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا ، وذلك لايجدي على أهله، ثم قرأ ابن عباس: ] الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ[ [ الزخرف : 67 ]،وقرأ:] لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[[المجادلة:22].ا.هـ. فيجب على الإنسان أن لا يصحب إلا من له دين وتقوى ، فإن المحبة في الله تنفع في الدنيا والآخرة وما أحسن ما قال بعضهم : وكل محبة في الله تبقى ... على الحالين من فرج وضيق وكل محبة فيما سواه ... فكالحَلْفَاءِ في لهب الحـريق والحلفاء نوع من الأعشاب يشتعل سريعًا . وأما الاقتران بأهل السوء الذين لا يعرفون لله حقًّا ، ولا تجد لهم في معاملاتهم خُلُقًا ، ولا يُعرَف لهم في أنفسهم طيب الصفات ؛ فهم كالبهائم في قضاء شهواتهم ، أو كالسباع في الاعتداء على أعراض الناس وحرماتهم ، فهؤلاء أضر البشر على البشر ، وأفسد المخلوقات في الأرض ؛ وفسادهم يُعدي مقارنَهم وإن لم يفعل مثل أفعالهم ؛ فمن تعرض للتهمة بصحبتهم فلايلومن من أساء به الظن. وقد رأينا في واقع الناس شاهدًا على ذلك ، فمن خالط أهل الخيانة فإنه يصير خائنًا ؛ ذلك لأن القرين يقتدي بقرينه . فالعاقل يحذر هؤلاء حذره من المرض الخبيث ، ويفر منهم فراره من الأسد ، ولله در القائل : إذا لَمْ أجدْ خِلًّا تقيًّا فَوَحْدَتي ... أَلَذُّ وأَشَهَى مِنْ غَويٍّ أعاشرُه وأَجلسُ وحدي للعبادةِ آمِنًا ... أَقَرُّ لعيني مِنْ جَليسٍ أحـاذرُه