| اللغة العربية معناها ومبناها المؤلف: تمام حسان عمر وهكذا جاء منهج النحاة في دراسة الأصوات من حيث اتجاه الحركة عكس المنهج الحديث. ولقد رأى سيبويه -وهو رأي شيوخه وأصحابه كذلك- أن أصول حروف العربية -يقصد الأصوات الرئيسية لحروفها- تبلغ في عددها تسعة وعشرين حرفًا هي: 1- الهمزة ورمزها 2- الألف ورمزها ا 3- الهاء ورمزها هـ 4- العين ورمزها ع 5- الحاء ورمزها ح 6- الغين ورمزها غ 7- الخاء ورمزها خ 8- الكاف ورمزها ك 9- القاف ورمزها ق 10- الضاد ورمزها ض 11- الجيم ورمزها ج 12- الشين ورمزها ش 13- الياء ورمزها ي 14- اللام ورمزها ل 15- الراء ورمزها ر 16- النون ورمزها ن 17- الطاء ورمزها ط 18- الدال ورمزها د 19- التاء ورمزها ت 20- الصاد ورمزها ص 21- الزاي ورمزها ز 22- السين ورمزها س 23- الظاء ورمزها ظ 24- الذال ورمزها ذ 25- الثاء ورمزها ث 26- الفاء ورمزها ف 27- الباء ورمزها ب 28- الميم ورمزها م 29- الواو ورمزها وثم يضيف سيبويه إلى ذلك ستة فروع أصلها من التسعة والعشرين, وهي كثيرة -يقصد كثة ورودها في الكلام frequency- يؤخذ بها, وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار وهي: 30- النون الخفية: والذي في كتاب سيبويه هو وصفها بلفظ "الخفيفة", والمعروف أن النون الخفية غير النون الخفيفة؛ فالخفية هي نون الإخفاء قبل حروف الفم وهي التاء والثاء الجيم والدال والذال والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء والفاء والقاف والكاف, وأما الخفيفة فهي إحدى نوني التوكيد، ولها أحكام في الوقف تفردها بطابعٍ خاصٍّ حيث تصير في الوقف ألفًا نحو قفا = قفن. 31- الهمزة التي بين بين: وهي همزة متحركة تكون بعد ألف أو بعد حركة, فتصير في النطق مجرد خفقة صدرية لا يصاحبها إقفال للأوتار الصوتية نحو: "أأنت قلت للناس", فإذا كانت الهمزة مفتوحة مكسورًا ما قبلها قلبت ياء, أو مضمومًا ما قبلها قلبت واوًا. 32- الألف الممالة إمالة شديدة: والمقصود به الألف الجانحة نحو الياء, وهي التي يقرأ بها القراء مثلًا قوله تعالى: {وَالضُّحَى, وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} فيجعلون صوت الألف الأخيرة في "الضحى" و"سجى" كصوت الياء في نطق العامة في مصر لكلمة "بيت". 33- ألف التفخيم بلغة أهل الحجاز: وهي ألف تستدير في نطقها الشفتان قليلًا مع اتساع الفم نتيجة لحركة الفك الأسفل, ويرتفع مؤخر اللسان قليلًا فيصير الفم في مجموعه حجرة رنين صالحة لإنتاج القيمة الصوتية التي نسميها التفخيم على لغة أهل الحجاز, وهو أوغل في بابه من تفخيم القبائل الأخرى, حتى إن بعض الألفات المفخَّمة على لغة الحجازيين في مثل كلمتي: الصلاة والزكاة, لما جاورت أصواتًا غير مطبقة, فخشي مدونوا القرآن على تفخيم الألف، فلهذا السبب كتبوها في صورة الواو ليعلم القارئ أن هذه الألف مفخمة. 34- الشين التي كالجيم: وهي الشين المجهورة التي تشبه صوت الجيم في اللهجة السورية واللبنانية, فكان الناطقون بهذه الشين من العرب يجعلون كلمة أشدق كأنها أجدق, ومثل هذا ما نسمعه في لهجة القاهريين في كلمات مثل الأشغال والأشجار. 35- الصاد التي كالزاي: وهي صاد مجهورة مفخَّمة تشبه نطق العامة في مصر للظاء في كلمة "ظالم" مثلًا, والقاهريون ينطقون هذه الصاد المجهورة في كلمة "مصدر" كما كان العرب ينطقونها قديمًا, ولكن العرب كانوا ينطقونها من أجل الصاد في مثل: الصقر والصراط كذلك. ثم يضيف سيبويه إلى ذلك "حروفًا" ثمانية أخرى غير مستحسنة ولا كثيرة frequentفي لغة من تُرْتَضَى عربيته, ولا تستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر, ولم يحدد سيبويه بالنسبة لهذه الثمانية ما إذا كانت قاصرة على الكلمات المعرَّبة من اللغات الأجنبية دون الكلمات الأصيلة في العربية, أو أنها كانت توجد في الكلمات الأصيلة كذلك، ولم يذكر سيبويه أيضًا ما إذا كانت هذه الأصوات لحنًا مما أصاب ألسنة العرب بسبب مخالطتهم الموالي, أو أنها وردت على ألسنة الموالي فقط, ثم إنه لم يشر إلى تقدير ما زعمه من كثرة الكثير وقِلَّة القليل في كل ما أورده, وهذ الأصوات الثمانية هي: 36- الكاف التي بين الجيم والكاف: ولم يمثِّل سيبويه لهذا الصوت, ولكن ابن عصفور في كتابه المقرب1 قال: إن الفعل الماضي "كمل" يصير عند النطق على طريقة هذ الكاف "جمل", ولكن التمثيل الخطَّي بصورة الجيم غير دقيق؛ لأن الجيم مجهورة, وهذا الصوت من أصوات الكاف لم يفقد همسه وإن أصبح معطشًا كتعطيش الجيم, وهذا الصوت هو الذي يصفه النحاة باصطلاح الكشكشة, وهو شبيه لما في نطق العراقيين لكلمة "كيف". ويسمع المرء مثل هذه الكاف في كلام بعض سكان المنطقة التي تقع على الحدود بين محافطتي الشرقية والدقهلية في شرق الدلتا. __________ 1 ذكر إدغام المتقاربين. 37- الجيم التي كالكاف: ولم نجد في كلام سيبويه تمثيلًا لهذه الجيم, ولكن ابن عصور جاء بمثال لها في المقرب أيضًا, إن كلمة "رجل" تصير بهذه الجيم إلى "ركل" ragul, وهو بهذا يجعل هذه الجيم أختًا للجيم القاهرية ومطابقة لها تمامًا. 38- الجيم التي كالشين: ولم يمثل لها سيبويه, ولكن الواضح أن هذه المشبهة للشين كانت صوتًا من أصوات الجيم لا يرد إلّا في موقع خاصٍّ هو موقعه قبل تاء الافتعال, وقد مثَّل ابن عصفور له بكلمة "اجتمعوا" التي تصير إلى "اشتمعوا", ونحن نعرف أن الكلمة الفصيحة "اجتر" قد أصبحت بفضل هذا الصوت من أصوات الجيم على صورة "اشتر", وهكذا شاعت على ألسنة الفلاحين في ريف مصر شمالًا وجنوبًا. 39- الضاد الضعيفة: ولسنا نجد تمثيلًا لها في كتاب سيبويه, ولم نر فيه شرحًا لطابع ضعفها, ولكننا نعرف أن الضاد الفصيحة كانت تنطق بواسطة احتكاك هواء الزفير المجهور بجانب اللسان والأضراس المقابلة لهذا الجانب, ومن ثَمَّ يكون صوت الضاد الفصيحة من بين أصوات الرخاوة, مثله في ذلك مثل الثاء. ومن هناء وجدنا بعض العرب حين ينطقون كلمة تشتمل على صوت الثاء متلوًّا بحرف مفخم مجهور يحدث في نطق الثاء شيء من عدوى التفخيم والجهر الضعيفة, فتصير الثاء بذلك ضادًا ضعيفة, وقد مثَّل ابن عصفور لها بكلمة "أثر" التي تعتبر "أضر", مع ملاحظة ما سبق من وصف نطق الضاد. 40- الصاد التي كالسين: ومع أن سيبويه لم يمثل لهذه الصاد لا نجد صعوبة في تصوّر المراد من هذا الشبه؛ إذ أن الصاد والسين تشتركان في المخرج وفي الصفات كلها إلّا التفخيم والترقيق, فالصاد مفخَّمة والسين مرقَّقة, وهذا هو الفارق الوحيد بينهما, ومن ثَمَّ فإن إحداهما إذا أشبهت الأخرى فلا بُدَّ أن يكون معنى ذلك مشاركتها في الصفة الوحيدة التي فارقتها من جهتها, فإذا أشبهت الصاد السين فإن معنى أن تترك الصاد تفخيمها إلى ترقيق السين وقد مثَّل ابن عصفور لهذا الصوت من أصوات الصاد بكلمة "صابر" التي تصير "سابر", ومثل هذه الصاد ما نسمعه اليوم على ألسنة النساء ولا سيما المتشبهات منهن بالأجنبيات. 41- الطاء التي كالتاء: ولم يمثِّل سيبويه لهذه الطاء أيضًا, ولكن كلامًا شبيهًا بما قيل في وجه الشبه بين الصاد والسين يمكن أن يقال هنا أيضًا في وجه الشبه بين الطاء والتاء, فالمعروف أن التفخيم والترقيق هو أوضح ما يفرق بين الطاء والتاء الآن, فإذا أشبهت الطاء التاء فقدت تفخيمها, وقد مثَّل ابن عصفور1 لهذا الصوت بكلمة "طال" التي تصير إلى صورة "تال", ونحن نسمع من النساء السابق ذكرهن مثل هذه الطاء في وقتنا الحاضر. 42- الظاء التي كالثاء: ولم نر مثالًا لها في كتاب سيبويه, ولكن النظر إلى الفارق بين الظاء والثاء يوضح أنهما يختلفان من وجهتين؛ أولاهما: الجهر والهمس, والثانية: التفخيم والترقيق, فإذا أشبهت الظاء الثاء فسيكون معنى ذلك أنها فقدت إما الجهر وإما التفخيم وإما هما معًا. ولقد جاء ابن عصفور بمثال لهذا الصوت فقال: إن كلمة "ظالم" تصير "ثالم", ونحن قادرون على أن نفهم من مثاله هذا أن الظاء فقدت جهرها وهمست كهمس الثاء, أما التفخيم فمن الصعب في هذا المثال أن نقرر أن الظاء فقدته أو احتفظت به؛ لأن الكتابة العربية لا تصطنع رموزًا للدلالة على التفخيم والترقيق, ومن ثَمَّ لا نستطيع الجزم بأن "ثالم" السابق ذكرها مفخَّمة "الظاء" أو مرققتها. 43- الباء التي كالفاء: لقد فهمت من كلام سيبويه في هذا الصوت أن الباء التي يعنيها هي ما يسمونه الباء الفارسية, وهي باء مهموسة مثل صوت "P" في اللغات الأجنبية, والمعروف أن العرب كانوا يعربون هذه الباء بقلبها فاء, ومن ثَمَّ أصبحت كلمة "برزده" عند تعريبها "فرزدق", وكلمة "بالوزه" فالوذج, ولكن ابن عصفور يزعم أن هذه الباء "على ضربين __________ | |