11-07-2014
|
|
قسوة القلب :الأعراض والعلاج
أعراض هذا المرض
كثيرة هي الأعراض التي تشير إلى قسوة قلب المسلم , فتجعله بعيدا عن الله تعالى قريبا من المعصية , ولعل من أهم هذه الأعراض :
1- جمود العين عن البكاء من خشية الله : فإن من علامات القلب السليم اللين و الخشوع من ذكر الله , وسرعة دمع العين والبكاء لمجرد تلاوة آياته وذكره سبحانه , قال تعالى : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ...} الزمر/23 وقد حذر الله تعالى المؤمنون أن يشابهوا أهل الكتاب وبنو إسرائيل في قسوة القلب وشدته فقال تعالى : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } الحديد /16
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من القلب الذي لا يخشع فيقول " ... اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها " . صحيح مسلم برقم 2722
يقول ابن القيم رحمه الله : "ومتى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى فاعلم أن قحطها من قسوة القلب ، وأبعد القلوب من الله : القلب القاسي " وكان كثير من السلف يحب أن يكون من البكائين ، ويفضلونه على بعض من الطاعات ، كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " لأن أدمع من خشية الله أحب إليَّ من أن أتصدق بألف دينار" . بدائع الفوائد 3/743 وكم أضحت عيون بعض المسلمين اليوم جامدة لا تذرف من خشية الله ولا من ذكره , وكم أصبح البكاء من خشيته سبحانه اليوم عزيزا , الأمر الذي يشير إلى وجود هذا المرض وانتشاره بين المسلمين . 2- ظلم الناس وسوء معاملتهم : وهذا ما نراه يزداد يوما بعد يوم وللأسف الشديد , فرب العمل لا يرحم العامل الذي يعمل عنده ولا يعطيه حقه , ومن عنده خادم - أو خادمة - لا يعامله كما أمر الإسلام , بل يقسو عليه ويشتد ولا يرحم ضعفه وفقره .....فسوء معاملة القوي من المسلمين للضعيف والغني للفقير من أكثر مظاهر وأعراض قسوة القلب وضوحا وظهورا . 3- حب الدنيا وكراهية الموت : فقسوة القلب تزيد من تعلق المسلم بالدنيا , وتنسيه لقاء الله والدار الآخرة , ومن المعلوم أن "حب الدنيا وكراهية الموت" هو سبب الوهن الذي يصيب الأمة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم . سنن أبي داود برقم 4299 وصححه الألباني .
ولا يخفى على أحد مدى انتشار حب الدنيا بين قلوب المسلمين , وشدة تعلقهم بها وبزخرفها وزينتها وأهوائها , وابتعادهم بنفس هذا الحب والتعلق عن الآخرة ونعيمها والقيام بحقوقها وواجباتها , الأمر الذي يعتبر مقياسا لمرض قسوة القلب . 4- عدم التأثر بالموعظة وتلاوة القرآن : فكثير من المسلمين اليوم يسمعون المئات من المواعظ عبر وسائل الاتصال الحديثة , بل إن آيات القرآن الكريم تتلى في كل بيت ومصنع ومركب , إلا أن التأثر بكل ذلك قليل ونادر , الأمر الذي يشير إلى قسوة في القلب وضعف في الإيمان . 5- استسهال ارتكاب المعصية واستثقال أداء الطاعة : فلا يجد المصاب بمرض قسوة القلب في نفسه وازعا يمنعه عن ارتكاب المعصية , ولا يشعر بالندم بعد ارتكابها , بينما يستثقل القيام بأداء الفرائض , فضلا عن السنن والنوافل .
ولعل من أسوأ عواقب استسهال ارتكاب الذنوب بسبب قسوة القلب , حصول الران الذي ذكره الله تعالى بقوله : { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } المطففين/14 , والذي نبه إلى خطره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صُقل قلبه ، وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } سنن الترمذي برقم 3334 و حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" برقم 3422 . علاج قسوة القلب
إن من يدرك خطر مرض قسوة القلب في الدنيا والآخرة , ويشعر بعظم فداحة الآثار المترتبة عليه , لا شك أنه سيسارع إلى معالجته ومداواته , يقول مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ قَلْبٍ ، وَمَا غَضِبَ الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم .
وإذا كانت وسائل العلاج كثيرة ومتنوعة , فإن من أكثر الوسائل المعينة للاستشفاء من هذا المرض والبرء منه :
1- تلاوة القرآن بخشوع : فتلاوة القرآن بتدبر وحضور تلين القلب القاسي , وتستدر الدمع من خشية الله تعالى , قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } الإسراء/107-109 وقد كان هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابة مع كتاب الله , فعن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ عليَّ القرآن , قال : قلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أشتهي أن أسمعه من غيري , قال : فقرأت النساء حتى إذا بلغت { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرأيت دموعه صلى الله عليه وسلم تسيل . صحيح البخاري برقم 4306
وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } فلما بلغ : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } بكى حتى خرَّ وامتنع عن قراءة ما بعده . و قرأ رجلُ عند عمر بن عبد العزيز - وهو أمير على المدينة - قوله تعالى : { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً } الفرقان / 13 فبكى حتى غلبه البكاء ، وعلا نشيجه ! فقام من مجلسه ، فدخل بيته ، وتفرَّق الناس .
2- الإكثار من ذكر الله تعالى : فهو من أسباب لين القلب وإزالة القسوة منه , خاصة إذا صاحبه بكاء من خشية الله , قال ابن القيم رحمه الله : إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى ، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى . وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي ، قال : أذبه بالذكر. وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل. الوابل الصيِّب ص 99 .
3- الإكثار من ذكر الموت : لأن قسوة القلب تأتي من تعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة , فإذا أكثر المسلم من ذكر الموت وحضور الجنائز , فربما أذهب عنه ذلك تلك القسوة أو خفف من وطأتها . كان سعيد بن جبير يقول : " لو فارق ذكر الموت قلوبنا ساعة لفسدت قلوبنا " .
لم يعد مرض قسوة القلب إذن مرضا استثنائيا أو نادرا كما كان عليه الأمر في زمن السلف الصالح , وإنما أضحى اليوم وباء يجتاح القلوب ويفسد الأرواح , ويحتاج بإلحاح إلى العلماء والدعاة الربانيين المختصين بعلاج أمراض القلوب والأرواح . |