تفسير السعدي - سورة الإنسان
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ( 1 )
قد مضى على الإنسان وقت طويل من الزمان قبل أن تنفخ فيه الروح, لم يكن شيئا يذكر, ولا يعرف له أثر.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ( 2 )
إنا خلقنا الإنسان من نطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة, نختبره بالتكاليف الشرعية فيما بعد, فجعناه من أجل ذلك ذا سمع وذا بصيرة ليسمع الآيات, ويرى الدلائل,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ( 3 )
إنا بينا له, وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر; ليكون إما مؤمنا شاكرا, وإما كفورا جاحدا.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا ( 4 )
إنا أعدنا للكافرين قيودا من حديد تشد بها أرجلهم, وأغلالا تغل بها أيديهم إلى أعناقهم, ونارا يحرقون بها.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ( 5 )
إن أهل الطاعة والإخلاص الذين يؤدون حق الله, يشربون يوم القيامة من كأس فيها خمر ممزوجة بأحسن أنواع الطيب, وهو ماء الكافور.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ( 6 )
هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب منها عباد الله, يتصرفون فيها, ويجرونها حيث شاؤوا إجراء سهلا.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ( 7 )
يوفون بما أوجبوا على أنفسهم من طاعة الله, ويخافون عقاب الله في يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيرا, وشره فاشيا منتشرا على الناس, إلا من رحم الله,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ( 8 )
ويطعمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه, فقيرا عاجزا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئا, وطفلا مات أبوه ولا مال له, وأسيرا أسر في الحرب من المشركين وغيرهم,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ( 9 )
ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله, وطلب ثوابه, لا نبتغي عوضا ولا نقصد حمدا ولا ثناء منكم.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ( 10 )
إنا نخاف من ربنا يوما شديدا تعبس فيه الوجوه, وتتقطب الجبال من فظاعة أمره وشدة هوله.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ( 11 )
فوقاهم الله من شدائد ذلك اليوم, وأعطاهم حسنا ونورا في وجوههم, وبهجة وفرحا في قلوبهم,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ( 12 )
وأثابهم بصبرهم في الدنيا على الطاعة جنة عظيمة يأكلون منها ما شاؤوا, ويلبسون فيها الحرير الناعم,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ( 13 )
متكئين فيها على الأسرة المزينة بفاخر الثياب والستور, لا يرون فيها حر شمس ولا شدة برد,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ( 14 )
وقريبة منهم أشجار الجنة مظللة عليهم, وسهل لهم آخذ ثمارها تسهيلا.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ( 15 )
ويدور عليهم الخدم بأواني الطعام الفضية, وأكواب الشراب من الزجاج,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ( 16 )
زجاج من فضة, قدرها السقاة على مقدار ما يشتهي الشاربون لا تزيد ولا تنقص,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا ( 17 )
ويسقى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسا مملوءة خمرا مزجت بالزنجبيل,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا ( 18 )
يشربون من عين في الجنة تسمى سلسبيلا لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا ( 19 )
ويدور على هؤلاء الأبرار لخدمتهم غلمان دائمون على حالهم, إذا أبصرتهم ظننتهم- لحسنهم وصفاء ألوانهم إشراق وجوههم- اللؤلؤ المفرق المضيء.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ( 20 )
وإذا أبصرت أي مكان في الجنة رأيت فيه نعيما لا يدركه الوصف؟ وملكا عظيما واسعا لا غاية له.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ( 21 )
يعلوهم ويجمل أبدانهم ثياب بطائنها من الحرير الرقيق الأخضر, وظاهرها من الحرير الغليظ, ويحلون من الحلي بأساور من الفضة, وسقاهم ربهم فوق ذلك النعيم شرابا لا رجس فيه ولا دنس.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ( 22 )
ويقال لهم, إن هذا أعد لكم مقابل أعمالكم الصالحة, وكان عملكم في الدنيا عند الله مرضيا مقبولا.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا ( 23 )
إنا نحن نزلنا عليك- يا محمد- القرآن تنزيلا من عندنا لتذكرهم بما فيه من الوعيد والوعيد والثواب والعقاب.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ( 24 )
فاصبر لحكم ربك القدري واقبله, ولحكمه الديني فامض عليه, ولا تطع من المشركين من كان منغمسا في الشهوات أو مبالغا في الكفر والضلال,
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ( 25 )
ودوام على ذكر اسم ربك ودعائه في أول النهار وآخره.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ( 26 )
ومن الليل فاخضع لربك, وصل له, وتهجد له زمنا طويلا من الليل.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ( 27 )
إن هؤلاء المشركين يحبون الدنيا, وينشغلون بها, ويتركون خلف ظهورهم العمل للآخرة, ولما فيه نجاتهم في يوم عظيم الشدائد.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا ( 28 )
نحن خلقناهم, وأحكمنا خلقهم, وإذا شئنا أهلكناهم, وجئنا بأطوع لله منهم.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ( 29 )
إن هذه السورة عظة للعالمين, فمن أراد الخير لنفسه في الدنيا والآخرة اتخذ بالإيمان والتقوى طريقا يوصله إلى مغفرة الله ورضوانه.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 30 )
وما تريدون أمرا من الأمور إلا بتقدير الله ومشيئته إن الله كان عليما باحوال خلقه, حكيما في تدبيره وصنعه.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 31 )
ويدخل من يشاء من عباده في رحمته ورضوانه, وهم الموفون, وأعد للظالمين المتجاوزين حدود الله عذابا موجعا.