بسم
الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته
مساء الورد مساء البرد
نكمل اخواتي دورتنا في فقه الأسماء
الحسنى :-
المقدِّم ،
والمؤخِّر
وقد ورد هذان الاسمان في بعض الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ منها :
- حديث أبي موسى الأشعري رضي
الله عنه ، عن النبي ﷺ أنه كان يدعو بهذا الدعاء : (( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وماأنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي جِدِّي وهزلي ، وخطأي وعمدي ، وكلُّ ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدَّمت وماأخَّرت ، وماأسررت وماأعلنت ، وماأنت أعلم به مني ، أنت
المقدِّم وأنت المؤخِّر ، وأنت على كلِّ شيءٍ قدير )) ..
- وحديث علي رضي
الله عنهما قال : كان النبي ﷺ وفيه يقول : (( ثم يكون من آخر مايقول بين التشهد والتسليم : اللهم اغفر لي ماقدمت وماأخرت وماأسررت وماأعلنت ، وماأسرفت وماأنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت )) رواه مسلم ..
- وحديث ابن عباس رضي
الله عنهما قال : كان النبي ﷺ إذا قام من الّليل يتهجّد قال : (( اللّهم لك الحمد أنت قيم السّموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ، ولك الحمد أنت الحقّ ، ووعدك الحقّ ، ولقاؤك حقّ ، وقولك حقّ ، والجنة حق ، والنار حقّ ، والنَّبيُّون حقّ ، ومحمد ﷺ حقّ ، والساعة حقّ ، اللهم لك أسلمتُ ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبتُ ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ماقدَّمت وماأخَّرت ، وماأسررت وماأعلنت ، أنت
المقدِّم وأنت المؤخِّر ، لا إلَّه إلا أنت )) متفق عليه ..
- وهذان الاسمان من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لايطلق واحد بمفرده على
الله إلا مقرونا بالآخر ، فإن الكمال من اجتماعهما ، والتقديم والتأخير وصفان لله عز وجل دالاّن على كمال قدرته ونفوذ مشيئته ، وكمال حكمته ، وهما من الصّفات الذاتية لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما ، ومن صفات الأفعال ؛ لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها وأفعالها وأوصافها ..
- وهذا التّقديم والتّأخير يكون كونيا كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها عن بعض ، وكتقديم الأسباب على مسبباتها ، والشروط على مشروطاتها ، إلى غير ذلك من أنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير ، ويكون شرعيًّا كما فضَّل الأنبياء على الخلق وفضل بعضهم على بعض ، وفضل بعض عباده على بعض ، وقدّمهم في العلم والإيمان والعمل والأخلاق وسائر الأوصاف ، وأخَّر من أخَّر منهم بشيء من ذلك ، وكل هذاتبع لحكمته سبحانه ، يقدِّم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه وفضله ، ويؤخر من يشاء عن ذلك بعدله ..
- وقد ورد هذان الاسمان في الثّلاثة أحاديث المتقدّمة في سياق طلب الغفران للذّنوب جميعها المتقدّم والمتأخّر والسّر والعلانية ، والخطأ والعمد ، وفي هذا أن الذنوب توبق العبد وتؤخره ، وصفح
الله عن عبده وغفرانه له يقدِّمه ويرفعه ، والأمر كله لله وبيده يخفض ويرفع ، ويعزّ ويذل ، ويعطي ويمنع مَنْ كتب
الله له عزًّا ورفعة وتقدّما لم يستطع أحد حرمانه من ذلك ، ومن كتب
الله له ذلًّا وخفضا وتأخرًا لم يستطع أحد عونه للخلاص من ذلك ، وفي الحديث : (( ما من قلبٍ إلاّ وهو بين أصبعين من أصابع ربّ العالمين إن شاء أن يقيمه أقامه ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه . وكان يقول : يامقلب القلوب ثبِّتْ قلوبَنا على دينك ، والميزان بيد الرحمن عز وجل يخفضه ويرفعه )) رواه أحمد ..
- وفي هذا بيان أنّ العبد ليس إليه شيءٌ من أمر سعادته أو شقاوته أو خفضه أو رفعه ، أو تقدّمه أو تأخره ، إن اهتدى فبهداية
الله إياه ، وإن ثبت على على الإيمان فبتثبيته، وإن ضلّ فبصرفه عن الهدى ، وأنَّ الذي يتولى قلوب العباد هو
الله يتصرَّف فيها بما شاء لا يمتنع عليه شيء منها ، يقلبها كيف يشاء ..
والعبد مع هذا محتاج إلى بذل المساعي النافعة ، وسلوك المسالك السيئة التي يكون بها تأخره ووقوعه في تقدمه ونيله رضا
الله ، والبعد عن المسالك السيئة التي يكون بها تأخره ووقوعه في سخط
الله ، كما قال تعالى : { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } [ المدثر : 37 ] ، أي : يتقدم بفعل مايقرّبه من ربه ويدنيه من رضاه ودار كرامته ، أو يتأخّر بفعل المعاصي واقتراف الآثام التي تباعده عن رضى
الله وتدنيه من سخطه ومن النار ، ولا غنى للعبد في فعل مافيه تقدمه والبعد عمَّا فيه تأخّره عن الرّب
المقدِّم والمؤخِّر سبحانه ، فهو محتاج إليه في كل شؤونه ، مفتقر إليه في جميع حاجاته ، لا يستغني عن ربِّه ومولاه طرفة عين ..
وقد فتح سبحانه أبوابه للرّاغبين السّائلين ، وهو سبحانه لا يردّ من دعاه ، ولا يخيب من ناداه ، القائل في الحديث القدسي : (( ياعبادي كلّكم ضالٌّ إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، ياعبادي كلّكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسُكم ، ياعبادي إنكم تخطئون باللّيل والنّهار ، وأنا أغفر الذّنوب جميعًا ، فاستغفروني أغفر لكم )) رواه مسلم ..
-
إنّ إيمان العبد بأن
الله وحده
المقدِّم والمؤخِّر لا شريك له يثمر كمال الذلّ بين يديه ، وقوَّةَ الطّمع فيما عنده ، والخوف منه سبحانه ، وعدمَ اليأس من روحه ، وعدمَ الأمن من مكره ، وحسن الالتجاء إليه رغبا ورهبا وخوفا وطمعا ، وحرصا ومسابقة إلى الخيرات والأعمال الصالحات { سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد : 21]
عن أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه ، أن رسول
الله ﷺ رأى في أصحابه تأخّرًا فقال لهم : (( تقدّموا فائتموا بي ، وليأتمّ بكم مَن بعدكم ، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم
الله )) رواه مسلم ..
ومن ثمار الإيمان بهذا الاسم الحرصُ على تقديم ما قدَّم
الله وتأخير ما أخَّر (( والنبي ﷺ كان شديد التحري لتقديم ما قدمه
الله والبداءة بما بدأ به ، فلهذا بدأ بالصّفا في السّعي ، وقال نبدأ بمابدأ
الله به ، وبدأ بالوجه ثم اليدين ثم الرأس في الوضوء ، ولم يخلّ بذلك مرة واحدة )) ..
وهكذا في جميع أمور الدِّين ، والواجب كذلك تقديم من قدَّمه
الله وتأخير من أخره ، ومحبة من أحبه
الله وبغض من أبغض ، فإن هذا أوثق عرى الإيمان ...
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا معرفة بك ياالله