مرض النرجسية
-Narcissism
احد الاضطرابات النفسية التي من الممكن ان يصاب بها الانسان
وتؤثر على حياته عموما وحياته الزوجية خصوصا عقدة النرجسية.
وهي حب الذات ، من النرجس وهو الزهر المعروف ، له قصة اسطورية
عند الاغريق مفـا دها ان فتاة تدعى صدى هامت بحب الفتى نرجس ، واصابها
من ذلك السقام حتى ذبلت وماتت، فاغضب موتها الالهة نقمة ، فانزلت
به عقابا بان جعلته يعشق صورة نفسه التي راها منعكسة على صفحة الماء
، وشغل بها عن كل ما عداه حتى ارهق نفسيا واضطرب عقله ، فنزل الى الماء
يريد ان يحتضن صورته فغرق ونبتت مكانه زهرة النرجس التي تظهر
كل ربيع وتنمو على الماء .
والنرجسية تعني ان الشخص المصاب بها غير ناضج انفعاليا .
وحن نبدأ في الصغر بان نحب انفسنا ، ثم نكبر فنحب غيرنا وتكون لنا
اهتمامات موضوعية بخلاف حاجاتنا وملذاتنا الشخصية، فاما الانسان غير
الناضج فانه الذي يتثبت نفسيا عند المرحلة الاولى التي كان عليها وهو طفل ،
ويظل نشاطه محصورا في نفسه فيضيق افقه المعرفي ، ويتسبب له ذل في
الكثير من الفشل ، فيستشعر القصور ، ويحاول ان يتجنب هذا الشعور بان يتنصل
من المسؤولية ، ويكتفى بان يكون لنفسه دور الناس ، ويغالي في تقدير نفسه
وصفاته ليعوض عن الشعور بالقصور و لانه قليل الخبرة واناني .
والنرجسية من مصطلحات التحليل النفسي
،
ومنها نرجسية اولية تتحصل اولا للاطفال فيكون توجههم لانفسهم ، ولان
حاجاتهم تلبي دائما لهم و الكل موظف لخدمتهم فان شعورا بالقوة او بالقدرة
يعتريهم ، وهذا الشعور هو سمة المرحلة النرجسية الاولية ، إلا انهم
مع استمرار النمو والترقي بالتعليم يتاتى لهم ان يدركوا قصورهم ، وفي نفس
الوقت يتاتى لهم ايضا بالمقارنة ان يلمسوا هذه القدرة المطلقة لابويهم ،
ومن ثم يحاول الاطفال من بعد ان يتعينوا بالابوين لتكون لهم قدراتهما .
وتتوجه بعض الطاقة النفسية التي للطفل الى الابوين والى الناس والاشياء
من حوله ، إلا انه قد يعود فيوجه هذه الطافة النفسية الى نفسه فيحب نفسه
اكثر من حبه لابويه او اية موضوعات اخرى من الحياة ، ويتمثل نفسه تمثلا
عاليا وهذا هو المقصود بالنرجسية الثانوية، وهي هذا النوع من النرجسية
الذي يمكن ان يكون للكبار ، بخلاف النرجسية الاولية التي تخص الاطفال دون سواها .
والنرجسية الثانوية يصاب بها المذهنون
وخاصة المرضى بالفصام ، فتتقطع بالمريض اسباب التواصل بالعلام الخارجي
، ويعيش داخل عالم من اوهام العظمة يترضى بها حاجاته ، وعالم المريض
الداخلي يكون ذاتيا ، موغلا في الذاتية ، فيوصف لذلك نوع الذهان الذي
يشكو منه بانه اضطراب نرجسي .
ويتحدث البعض عن نرجسية سالبة ، قيل إن المريض بها يبخس نفسه
حقها من التقدير ويبالغ في ذلك ، وغالبا ما تلاحظ امثال هذه الحالات
عند المرضى بالمانخوليا ، فيتهم المريض نفسه باتهامات ليست فيه ، ولايعيش
الواقع ، ويستشعر النقص ، ويحملها المسؤولية ، ويتحاشى كل فعل
يمكان ان تكون له عواقب يخشاها .
ويستخدم فيرينزي اصطلاح نرجسية المرض ليصف هذا النوع من النرجسية
الذي تظهر اعراضه مصاحبة لمرض عضوي يصيب الشخص ، فيتصرف
بانانية شديدة ، ويصرف باهتمامه وحبه ومخاوفه الى صحته واحوال جسمه .
والنرجسية بخلاف الانانية Egoism
حيث الانانية تتوجه الى تقدير الاشياء ولاناس بحسب قيمتهم واهميتهم
للاناني او ما يفيده منهم ، بينما النرجسية هي حب الذات ، وقد يقال انها
تعشق الذات ، وكثيرا ما يكون العنصر الجنسي من معانيها ، ويحكي كرافت
إيبنج عن مرضى كانوا لا يستمنون إلا إذا نظروا الى انفسهم في المرآة .
والنرجسية ايضا بخلاف العُجب ( بضم العين ) Egotism ،
حيث العجب نوع من التقدير المبالغ فيه للذات ،والعجاب بها وبما يصدر
عنها الى حد الصلف والادعاء ، ومن ذلك ان المرء قد يؤله نفسه كما هو
عند المرضى بالفصام ، بمعنى انه يصل في حبه لنفسه ان يتعبد نفسه
، ويحيط كل مايقوله اويفعله بهالة من القداسة ويعتد به ، فلايقبل مناقشة
او نقدا ، وهو المقصود باصطلاح ” تأليه الذات Ego theism “.
ويمكن ان يدرج كل ماسبق ضمن مايسمى بالشخصية النرجسية،
فصاحب هذه الشخصية محب لنفسه وشديد الاعتزاز بها وبما يقوم به
، ولديه اوهام بقيمته وتفوقه تعمل عملها فيه دون ان يشعر ، ويعتبر ان
من حقه ان تكون له امتيازات وان يأخذ دون ان يعطى ، وفلسفته في الحياة
ان رغبته في الشيء هي المبرر له على ان يحاول ان يحوزه، والناس
عنده وسائل لتحقيق ما يصبو اليه ،وهذا هو مايجعله موضوعا لكثير من الروائين
والمسرحيين ،وقد ينفر منه الناس على انه رغم نفورهم يفلح في الحصول
منهم على ما يحصل على ،فتقوى ثقته بنفسه ويتفاءل مهما كانت الظروف
على عكس ما يدعوه الى التفاءل , وهو دائما يقول إن كل شيء سيكون على
مايرام في النهاية ، ولعل ذلك من تاثير خبراته الباكرة في الحياة. وغالبا ما
يكون الوالدان قد جعلاه يركن الى فكرةانه محبوب وموهوب وانه مهما يفعل
فالناس ستقبل ما يفعل بصدر رحب ، وكثيرا ما تقسو عليه الحياة لان ذلك
لا يتكرر معه بنفس الطريقة من بعد ، وتشق عليه المسؤولية لهذا السبب
ويحاول ان يتحاشاها ، ولا يهمه الناس ومايقولونه او يتقولونه عليه ، فهو
دائما الاقوى وفوق المساءلة والنقد ، والنرجسي لهذا السبب لا يميل ان
يسأل الاطباء علاجا الحالته فصلفه واعتزازه بنفسه يجعلانه يرفض فكرة عرض
نفسه على الاطباء ، لان طلب العلاج معناه انه مريض وهو يرفض فكرة المرض
لانه يعتقد انه الاصح وانه الكامل ، فإذا رضخ ان يذهب الى الطبيب فلا يسلم
له نفسه ويظل بمنأى عنه ويقاوم ان يجيب على اسئلته بالطريقة التي
ترضي الطبيب ، وقد يتحول الموقف بينه وبين المعالج الى صراح فيحاول
ان يظهر انه الاكثرفهما وادراك للامور.
والنرجسي في بيته ومع زوجته يسلك مع الجميع بإعتباره انه ولي نعمتهم
،وهو يريدهم على ما يتصور الاشياء التي يملكها ، وهو في الفراش لايعطى
ولكنه يأخذ ، وطلب ما يسعده وليس ما يسعد إمراته ، ونادرا ما تتحقق
لها الهزة ، وجماعه بها قليل لانه ضيئن بمنيه ، فاذا رغب فيها فرغباته ينجزها
على حساب رغباتها هي ،تدوم مضاجعته الا بقدر مايرغب ، فاذا حاول
ان يبلغ معها الهزة فذلك فقط لبرهن لها انه قوي جنسيا , ولانه يريد ان
يحافظ عليها كشيء من ممتلكاته . وهو يختار زوجته الاجمل ويجعل
منها اكثر النساء اناقة لانه يقصد الى المباهاة بها ، على انه غلبا ملا
تستقيم امور صاحب الشخصية النرجسية في الزواج ، وقد تصدقه زوجته
مرة ومرات الا انها في النهاية تطلب الطلاق ،وربما قد يفيده ان تناقشه
الزوجة او الطبيب في احواله، الا ان مناقشته حو لنفسه قد تتفتح بها اشياء
مجهولة وكشف عن مواضع ضعف وفصور،فاذا اعترف بها فربما يكون
ذلك مؤشرا الى نجاح المناقشة معه ، وربما تتصحح فكرته عن نفسه
ولكن ذلك يحتاج الى اصبر من الزوجة او من الطبيب .
ومن الاشياء التي تشكو منها الكثير من زوجات النرجسيين ما يقال له
التطلع الذاتي النرجسي ، وهو ان يحب ان يطالع النرجسي نفسه عاريا
في المرآ ة ، او ان يحب ان يرى عورته او ان يراها الاخرون ، ويبدأ معه ذلك
منذ الصغر ، وبعض الاطفال من هذا النوع نجدهم في نشوة غريبة وحالة
هياج قصوى عندما يتعرون ، ويجرون هنا وهناك ضاحكين مهللين ، غير انه
حبه لان يطالع عريه ويطالعه الناس يزيد وينمو معه فيصير حبا لان يطالع
ايضاعري الناس وخاصة ابويه والمحيطين به ، ويزعم بعض علماء النفس ان
هذه المطالعة لعرى الاخرين هي اساس اختبار البعض للتمثيل كمهنة ،
وتفسير ذلك ان الابوين إذ ينهيان الطفل عن ان يتعرى فانه ينتهي ولكنه ينقل
اهتمامه بعريه الى عري من حوله ويسره لذلك ان يرى ابون يتغازلان ،فاذا
استشعر الحرج من ذللك ايضا لان ابويه عنه فقد يستعلي برغبته في مطالعة
غيره الى ان يطالعه غيره بطريقة لاتصادمه بهم ، بان يتقمص شخصيات ويجيد
التمقص والتمثيل حتى ليشد الجمهورالىمطالعته , وتتحصل له اللذة من رؤيته
لتأثير تمثيله على الناس .