علاقة التعثر الدراسي بنظام التقويم
إن النظام الحالي للتقويم يظلم التلميذ أكثر مما ينصفه و الحقيقة أن الامتحانات في أغلب أنظمة التعليم العربية تتخذ صيغة مباراة وليس صيغة التقويم الحقيقي حيث يفرض عدد المقاعد المتوفرة بالمستوى المقبل تطبيق نظام الكوطا في تحديد عدد الناجحين وكذا في تحديد معدل النجاح الذي يكون في بعض الأحيان أقل من المتوسط. و أمام هذا الواقع الذي لا يخدم مصلحة المجتمع، يبقى التساؤل مشروعا حول مستقبل هذا المتعلم الذي التحق بالمستوى الأعلى في ظل هذه الشروط التي تغذي التعثر الدراسي.
أثبتت استطلاعات الرأي أن جل المدرسين لم يختاروا مهنة التدريس عن اقتناع و حب ممارسة، و إنما لكونها أقصر الطرق إلى التوظيف، و لعدم وجود خيارات أخرى. إن هذه الدراسة تجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول مستقبل مجتمع وضع أمانة تعليم و تربية أبنائه على عاتق أناس تقلدوا هذه المسؤولية هربا من شبح البطالة. و إذا أضفنا لهذا الخلل البنيوي في التوجيه حقيقة الظروف الصعبة للممارسة وانعدام الحوافز المادية و المعنوية و المكانة الاجتماعية للمدرسين التي ما فتئت تنحط يوما بعد يوم… تتضح لدينا الرؤية حول أسباب ظاهرة التعثر الدراسي و الهدر المدرسي التي وصلت لنسب مخيفة في الوطن العربي.
إضافة إلى المعيقات السابقة التي تعاني منها مدارسنا، نذكر العوامل التالية :
-
ظاهرة الإكتضاض بالوسط الحضري، حيث يصل عدد التلاميذ ببعض الفصول إلى 50 تلميذا.
-
انتشار الأقسام المشتركة في الوسط القروي (المغرب مثلا) وما لهذه الظاهرة من أثر سلبي على تحصيل المتعلمين.
-
قلة الوسائل التعليمية وعدم ملاءمة المتوفر منها للمناهج الجديدة.
-
عدم مواكبة المدارس للتطور التكنولوجي المستمر للمحيط، وعدم استفادتها من التقنيات الحديثة في التدريس في غياب الربط بالكهرباء و الإنترنيت في الأوساط القروية، بل و حتى الحضرية أحيانا.
-
انعدام التكوين المستمر للمدرسين وتدبدب المدرسين بين مختلف الطرائق و البيداغوجيات.
-
عدم استقرار المدرسين بالعالم القروي و بعد عملهم عن مقر سكناهم و قلة المواصلات مما يؤثر سلبا على مردوديتهم.
-
بعد المدرسة عن البيت بالنسبة للتلاميذ وعدم فعالية نظام الإطعام المدرسي.
2-2 عــــلاج الظـاهرة إن التعثر الدراسي بالدول العربية ليس وليد الظروف الراهنة، بل هو في واقع الأمر نتاج لتراكمات تاريخية يكرسها الواقع الاجتماعي و التربوي الحاليان ، ذالك أن التطور التربوي في المجتمعات العربية رغم اعتماده على الجانب الكمي و شحن المتعلم بأكبر كم من المعارف فإنه كان يشق طريقه بخطى حثيثة و ثابتة حيث كان نظام المدرسة في القرن الثامن الهجري (6) من أولى هذه الخطوات الأصيلة.
إن تعميم التعليم حل كمي لا يحد من الظاهرة بل يساهم في استفحالها حيث أن تسريع وتيرة التعميم يؤدي إلى بناء مدارس لا تتوفر فيها أدنى شروط العمل و التحصيل. كما أن هذه المقاربة هي في الجوهر تهدف إلى محو الأمية وليس إلى بناء مجتمع المعرفة و التقدم.
و عندما نطرح قضية المجتمع العربي و بنيته، فإننا ننظر إليها من خلال النظريات الاجتماعية الغربية و الأجنبية، إذ أن التجربة بينت أن فلسفة التربية الصالحة هي التي تنبثق من المجتمع نفسه وليس من النظريات المستوردة. ففلسفة التربية نتاج فكري موضوعي يعبر عن واقع موضوعي معين و ليست سلعة تتداول في الأسواق الدولية .
1- التعليم الأولي
إن جل الدراسات المتقدمة حول ظاهرة التعثر الدراسي أثبتت أهمية التعليم الأولي (رياض الأطفال) الذي يتسم بالجودة في حل هذه المعضلة، و إذا كانت المدن تتمتع برياض الأطفال و المدارس الخصوصية التي تهتم بالطفل منذ سنواته الأولى، فإن البوادي تفتقر إلى هذا النوع من العناية.
يلتحق بالتعليم الأولي, الأطفال الذين يتراوح عمرهم بين أربع سنوات كاملة وست سنوات. وتهدف هذه الدراسة خلال عامين إلى تيسير التفتح البدني والعقلي والوجداني للطفل وتحقيق استقلاليته وتنشئته الاجتماعية وذلك من خلال (7) :
-
تيسير التفتح البدني و العقلي و الوجداني للطفل و تحقيق استقلاليته و تنشئته الاجتماعية و ذلك من خلال :
-
تنمية مهاراته الحسية و الحركية و المكانية و الزمانية و الرمزية و التخيلية و التعبيرية.
-
تعلم القيم الدينية و الخلقية و الوطنية الأساسية.
-
التمرن على الأنشطة العملية و الفنية(الرسم،التلوين،الإنشاد…).
-
الأنشطة التحضيرية للقراءة و الكتابة باللغة العربية.
2– تعميم المدارس الجماعاتية بالوسط القروي.
إن الباحث في واقع التعليم الابتدائي بالقرى ، يصطدم بمشاكل مركبة تعرقل إلى حد كبير عملية التحصيل الدراسي، ذلك أن واقع الأقسام المشتركة و عدم استقرار المدرسين، إضافة إلى ظروف العمل الصعبة و انعدام التتبع الأسري للتلميذ، كلها عوامل تدفعنا للتفكير الجدي في إقامة مدارس جماعاتية لإيواء التلاميذ وكذا المدرسين في جو يوفر الشروط الضرورية لإنجاح العملية التعليمية-التعلمية. و لقد أثبتت التجربة التاريخية نجاعة هذا الحل، حيث لا يخفى على أحد عدد الأطر ذوي الوزن على المستوى الوطني و الدولي و التي كانت و ما تزال تتخرج من المدارس الداخلية.