بسم الله الرحمن الرحيم


أكاديمية شبكة شعاع المعرفة التعليمية


تفسير سورة التين


يوم الاثنين 18/2/1437هـ


الحمد لله فاتحة كل خير وتمام كل نعمة والصلاة والسلام على خير من وطئ الثرى


وخير داعي الى الله تعالى وعلى آله وصحبه أجمعين .


اسال الله عز وجل بمنه وكرمه وفضله ان يجعل هذا اللقاء لقاء مباركا نافعا لنا اجمعين وان يجعله في موازين حسناتنا يارب العالمين.


بداية نتحدث عن علاقة سورة التين بسورة العلق التي سبقتها :


نجد أن سورة العلق تحدثت عن الخلق وسورة التين أيضا تحدثت عن الخلق .


وإذا كانت سورة ختمت عن الحكم بالخلق فإن سورة العلق قد فصلت ذلك من حيث المبدأ ومن حيث صور خلق الانسان على وجه الخصوص .

عدد آياتها : 8
موضوع السورة : دلائل الخلق
ونقصد بدلائل الخلق في هذه السورة أن هذه السورة احتوت من أول كلماتها على لفت النظر الى نوع من أنواع الخلق متمثل في الأشجار والثمار أو متمثل في الانسان وكلها تؤدي إلى هداية هذا الانسان إلى الله تعالى .
قال جل وعلا (( والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين ))
بدأت السورة بثلاث أقسام ولله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته وإذا أقسم الله تعالى بمخلوقاته فإن ذلك يدل على أمرين :
1-تشريف هذا الشئ من جانب .
2-لفت النظر اليه من جانب آخر.
فقد يكون الانسان غافل عن التأمل في هذا الأمر فعندما يقسم الله تعالى بهذا المخلوق يدل على أن هذا الأمر عظيم انتبه له انظر فيه وتأمل أيها الانسان .
أما المخلوق ليس له أن يقسم إلا بالله تعالى .
وجاءت الأقسام الثلاث بهذا الترتيب فبدأ القسم بالتين وثناه بالزيتون ,
معنى التين هو الثمرة المعروفة الأكولة وهذا أصح الأقوال وأظهرها وأقربها إلى الفهم المباشر ودائما الفاظ القرىن الكريم تؤخذ على ظاهرها .
معنى الزيتون : هو الثمرة المعروفة المعصورة التي يستخرج منها الزيت .
إذن يظهر من ذلك أن الله تعالى أقسم بالثمر لا بالشجر لكن لامانع أن يشمل الشجر لأنه هو سبب وجود الثمر .
لماذا قدم التين على الزيتون ؟؟؟

هذا من تقديم المفضول على الفاضل فقدم شئ فاضل لكن أتبعه بشئ أفضل منه فقالوا التين ثمر فاضل لكن الزيتون أفضل منه فإن الزيتون يؤكل ويعصر فهو من جهة ماكول ومن جهة ايدام بينما التين مأكول فقط قالوا وهذا يتناسب مع مابعده فالذي بعده إقسام بمكانين ( طور سينين ) و ( البلد الأمين ) .
طور سينين مكان فاضل ولكن أفضل منه البلد الأمين مكة .
فناسب هذا مع هذا فكان قسم بثمرتين وقسم بمكانين وقدم في كل منهما الفاضل ثم بعد ذلك ذكر الأفضل .
ايضا قدم طور سينين على البلد الأمين قالوا فيه تذكير بمواقع وآثار الأنبياء في منابت الزيتون وهي بلاد الشام وهم عيسى وابراهيم عليهما السلام .
أما الموطن الثاني فهو موطن موسى عليه السلام فإنه نودي من جبل الطور .
أما الموطن الثالث هو موطن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو البلد الأمين .
وعلى هذا تكون المناسبة بينهما هو التسلسل الزمني بحسب الأقدم .فيكون فيه إشارة إلى ابراهيم عليه السلام ونبوته ومكان مهاجره وهو بلاد الشام .
بعد ذلك يأتي ذكر موسى عليه السلام وهو كليم الله تعالى
ثم محمد عليه الصلاة والسلام .
فيكون في هذا نظر الى قضية التسلسل الزمني .
وأقسم سبحانه وتعالى بالتين والزيتون لأهميته وأثره على جمال خلق الانسان حيث ثبت ذلك طبيا خصوصا أنه جل وعلا قال (( لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم )) في أحسن هيئة وأعدل قامة وأجمل صورة .
وكل هذه الأشياء يسهمان التين والزيتون فيها صحيا بسبب البركة التي جعلها الله تعالى في هاتين الثمرتين .

((وطور سينين ))

الطور هو الجبل الذي رفعه الله تعالى فوق رؤؤس بني اسرائيل عندما كفروا وكذبوا برسالة موسى عليه السلام وتركوا كتابهم .
سينين قد يكون اسم مكان وقيل هو لفظ أعجمي غير أعجمي .


((وهذا البلد الأمين ))


وهذا الموضع الوحيد الذي أشير اليه قال وهذا وذلك لأن القران نزل في ذلك المكان والمخاطب به محمد صلى الله عليه وسلم والصحابه والعرب أجمعين واسم الإشارة يذكر للتحديد الدقيق للشئ , ولو قيل والبلد الأمين لربما ذهب الذهن الى بلد آخر غير مكة لكنه أشار اليه حتى لاينصرف إلا لها . وتعريف البلد بأل التعريف يتفق أيضا مع التحديد الموجود في اسم الإشارة .


إذن هنا للعهد الذكري البلد المعهود ذكره عندكم . والبلد كلمة تطلق على المكان المتسع وقيل تطلق على المكان المتسع الذي فيه ناس يسكنونه وعلى كل حال كلمة البلد ذكرت عن مكة كثيرا ,((اجعل هذا بلدا آمنا )) (( وأنت حل بهذا البلد )) وكلها تدل على مكة .


وهذا يدل على أن هذا المكان المتسع وهذه الأرض المنبسطة سيأتي من يعمرها ولذلك قوله (فاجعل هذا بلدا آمنا ) قالوا هذا قبل أن يكون بلد قبل أن يعمر بالناس ثم لما عمر قال (البلد آمنا) بأل التعريف لأن التعريف يكون بالشئ الظاهر الموجود لكن التنكير تدل على أنه غير موجود ,


وصف أمين هنا جاءت لغير العاقل والعادة أن الأمين يوصف به العاقل فنقول هذا رجل أمين وهذا تاجر أمين وهكذا . وجاء في آية أخرى آمن .


وجمعت كلمة البلد وصفين آمن وأمين .


آمن من الأمن .


أما كلمة أمين فإنها تعطي معنيان آمن وأمين يحفظ غيره . فجمع ذلك بين الأمن من جهة والأمانة من جهة أخرى .


(( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ))


هذا جواب القسم وقد جاء مؤكدا بثلاث مؤكدات : القسم ,اللام ,قد


وقد خلق الإنسان ولايوجد خلق يشبهه ,صحيح أن هناك مخلوقات لها عين وأنف لكن يختلف عنها الإنسان كثيرا .


والخلق هو الإيجاد ثم قال الإنسان ولم يقل الناس للفت النظر إلى أن المراد هو جنس الإنسان حتى يتأمل في نفسه وكيف ظهرت فيه بدائع خلق الله تعالى .


قال ( في أحسن تقويم ) ولم يقل على أحسن تقويم ,لأن في حرف يدل على الظرفية وكأن حسن التقويم يحيط به داخليا وخارجيا من كل جهة نظرت إليه فهو في أحسن تقويم حتى تصرفاته وعقله حتى فكره هو في أحسن وأعظم خلق فهو منغمس في الحسن من كل جهة .


لكن لو قال على أحسن تقويم لكان المعنى كأن هذا الإنسان مستولي على الحسن متمكن منه وكأن الحسن بيده هو وهو الذي يتصرف فيه وليس هذا المقصود إنما المقصود هو إظهار كثرة صور الحسن في هذا الإنسان .


وجاءت أحسن على صيغة أفعل تدل على أنه بلغ الغاية في الحسن .


تقويم من القوام أو من الاعتدال ومن التعديل والتسوية .


(( ثم رددناه أسفل سافلين ))


مجئ ثم هنا دون غيرها من أدوات العطف للدلالة على أن مابعدها فيه تراخي زمني وهذا يتناسب مع الخلق الظاهري للإنسان فالإنسان في أول عمره في أبهج وأجمل وأحسن شكل وهيئة ثم بعد ذلك يأتيه الخرف والمرض والكبر فيعود ويعود الى أرذل العمر .


وقد جاء هذا في القرآن الكريم (( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ))


ثم رددناه اسفل سافلين قد يكون هذا يوم القيامة أنه يرد الكافر الى أسفل سافلين وهي كلمة تدل على أنه يرد منزلة من أنزل المنازل وجاءت كلمة أسفل سافلين على صيغة أفعل وهناك أحسن تقويم فكلاهما تدل على بلوغ الغاية في الحسن من جهة وفي السفل من جهة أخرى .


والإنسان يعلم أنه اذا كان مع ربه فهو في أعلى صورة وأجمل حال حتى صحته تكون في أحسن حال فالذين يصلون صحتهم غير الذين لايصلون والذين يطبقون السنة هم في أحسن حال من كثير من غيرهم حتى في صحتهم وإن كنا لانفعل هذا من أجل الصحة لكن نحن نعلم أن الله يحفظ من أطاعه وتقرب منه .


((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ))


هذا فيه استثناء للمؤمنين ,فالكفار يردون إلى أرذل العمر ويهرمون ويزدادون بلاء على بلاء وتذهب نظارة أجسادهم .


أما المؤمنون حتى إن ردوا إلى أرذل العمر لكن الله يكتب لهم أعمالهم التي كانوا يعملونها وهم أصحاء فهم في خير .


كلمة آمنوا وعملوا فالإيمان مرتبط بالعمل الصالح وهذا يدل على أنه لايوجد إيمان بدون عمل ينتج عن هذا الإيمان .ولذلك نجد دائما الربط بينهما .


(الصالحات )


لماذا جاءت بصيغة الجمع ولم تأتي بالمفرد وعملوا صالحا ؟؟


الجواب : لأن السياق هنا سياق بركة بذكر أرض الأنبياء والسير على نهجهم وتكثير كل شئ فيه خير فناسب أن تذكر الصالحات لأنها أكثر دلالة على الأجر وكلما عملت صالحات فأنت على خير وأجر عظيم ز


((فلهم أجر غير ممنون ))


أي أن أجرهم مستمر حتى وإن هرموا وكبروا والله تعالى يذكر كلمة الأجر لا لأننا نستحق ثواب من أجل أعمالنا فالثواب كرم من الله جل وعلا ومنة منه سبحانه ومهما كثرت أعمالنا لايمكن أن نصل إلى أننا نستحق الجنة كما في الحديث :


قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ " قَالُوا : وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " وَلا أنا , إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ))


لكن الله تعالى جعلها في صورة عمل وأجر حتى ينشط الإنسان للعمل الخير ويقدم عليه فكلما أقدم علم أنه حصل مقابل عمله هذا أجر فيتشجع .


(أجر) جاءت نكرة لتعظيم هذا الأجر ولايعرف سعته غير الله تعالى .


(غير ممنون )


ليس عليك فيه منة


وكلمة ممنون تدل على :


أنه غير مقطوع وغير ناقص وهذا الأليق بالله تعالى فهو غير ناقص بل هو الى الزيادة أقرب


هل الله تعالى يمن على عباده ؟؟


نعم فهو يمن على عباده ويتفضل عليهم من باب تعظيم وتكثير أجرهم .


(فما يكذبك بعد بالدين )


فما يكذبك أيها الانسان مالذي يجعلك تكذب أيها الانسان لماذا تكذبون ياكفار قريش النبي صلى الله عليه وسلم بعدما تلبس بالدين وكنتم تصفونه بالصدق والأمانة .


(أليس الله بأحكم الحاكمين )

أما هو أحكم الحاكمين ، الذي لا يجور ولا يظلم أحدا ، ومن عدله أن يقيم القيامة فينصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه .

المصدر: منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد