[formatting="font-family: Courier new; font-size: 15px; color: Rgb(0, 0, 0); font-weight: Bold; font-style: Normal; text-align: Center; background-color: Rgb(255, 255, 255); border-style: Solid; border-width: 7px; border-color: Rgb(0, 0, 0); width: 91%; background-image: Url(http://store2.up-00.com/2016-03/14572023364911.jpg);"]54
ها، لا تقود إلى أيِّ مكان – ماعدا الألم والشقاء.
فقط حين يتعالى الذهنُ على الزمن تكف الحقيقة عن كونها تجريدًا. إذ ذاك فإن الغبطة ليست فكرة مشتقة من اللذة، بل واقع فعلي ليس لفظيًّا.
إفراغ الذهن من الزمن هو صمت الحقيقة؛ ورؤية هذا هي الفعل. إذ ذاك يزول التقسيم بين الرؤية والفعل. ففي الفاصلة بين الرؤية والفعل يولد النزاعُ والبؤس والتشويش. أما ما لا زمن له فهو الدائم أبدًا.
55
أبطأ الفجر في المجيء. كانت النجوم ما تزال متلألئة، والأشجار ما تزال غافية منسحبة. ما من طائر كان ينادي، ولا حتى الأبوام الصغار التي تنعب مبعبعة طوال الليل من شجرة إلى أخرى. كان هدوء عجيب مخيمًا – ما خلا زمجرة البحر. وكان الجو عابقًا برائحة أزهار عديدة وأوراق شجر متعفنة والتراب البليل. كان الهواء ساكنًا جدًّا جدًّا، والرائحة تفوح في كلِّ مكان. الأرض كانت في انتظار الفجر والنهار الآتي، وكان ثمة لهفة وصبر وسكينة غريبة. والتأمل تواصَل مع تلك السكينة، وتلك السكينة كانت المحبة. لم تكن محبة شيء أو أحد ما – الصورة والرمز، الكلمة والرسوم. كانت محبة وحسب، بلا عاطفة، بلا شعور. كانت شيئًا تامًّا في ذاته، عاريًا، شديدًا، بلا جذور ولا اتجاه. صوت ذلك الطائر البعيد كان تلك المحبة. كانت الاتجاه والمسافة. كانت حاضرة، بلا زمن ولا كلمات. لم تكن انفعالاً قاسيًا، لا يلبث أن يزول. الرمز أو الكلمة قابلة لأن تُستبدَل بها كلمةٌ أخرى، لكن الشيء لا. وإذ كانت عارية، كانت مشرعة تمامًا، وبالتالي لا يُفنيها شيء. كانت تتصف بالقوة العصيَّة لتلك الآخَرية، لذلك الغير قابل للعلم، القادم عبر الأشجار وفيما يتعدى البحر. التأمل كان صوت ذلك الطائر يصدح من قلب ذلك الفراغ، وكان زمجرة البحر الراعد في مواجهة الشاطئ. المحبة لا تكون إلا في الفراغ التام. كانت الفجر المائل إلى الرمادي هناك، بعيدًا فوق الأفق، والأشجار كانت أشد دكنة وكثافة حتى. في التأمل لا تكرار ثمة، لا استمرارية للعادة، بل موتٌ لكلِّ ما هو معلوم وتفتحٌ للمجهول. كانت النجوم قد توارت والغيوم صَحَتْ مع الشمس القادمة.
56
التأمل حالُ ذهن ينظر إلى كلِّ شيء في انتباه كامل، في تمامه، وليس في مجرد أجزاء منه.
57
التأمل تدمير للأمان. وثمة في التأمل جمال عظيم، ليس جمال الأشياء التي رَصَفَها الإنسانُ أو الطبيعة بعضها إلى بعض، بل جمال الصمت. وهذا الصمت فراغ، فيه ومنه تفيض الأشياء كلُّها وتستمد وجودها. إنه غير قابل للعلم، والعقل والشعور لا يمكن لهما أن يشقَّا طريقًا إليه؛ إذ لا سبيل إليه، وكل منهج إليه هو من مبتكرات دماغ جَشِع. سُبُل الذات التي تحسب حسابًا ووسائلها كلها ينبغي أن تُدمَّر عن آخرها. كل تقدم أو تقهقر – طريق الزمن – يجب أن يوضَع له حدٌّ، بلا غد مأمول. التأمل هو التدمير؛ وهو خطر على أولئك الذين يمنُّون النفسَ بحياة سطحية، بحياة قوامها بنات المخيِّلة والخرافة.
58
الموت الذي يجلبه التأمل إنما هو خلود الجديد أبدًا.
59
ثمة شيء على غاية من الروعة إذا اتفق لك أن تقع عليه. في إمكاني أن أخوض فيه، لكن الوصف ليس هو الموصوف. يتعين عليك أنت أن تتعلم هذا كلَّه بأن تنظر إلى نفسك – فما من كتاب، ما من معلِّم في وسعه أن يعلِّمك عن هذا الأمر. لا تتكل على أحد، لا تنتسب إلى تنظيمات روحية – إذ على المرء أن يتعلَّم هذا كلَّه اعتبارًا من نفسه. وبذلك سوف يكتشف الذهنُ أشياء مذهلة. لكن ذلك يتطلب انعدام التجزئة، وبالتالي، استقرارًا وتجاوبًا ومرونة لا حدود لها. في مثل هذا الذهن ينعدم الزمن، وبهذا يحيا معنى مختلفًا تمامًا.
جزاكم الله خيرا على المتابعة
[/formatting]