03-07-2016
|
#2 |
إدارة قناة اليوتوب بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 426 | تاريخ التسجيل : Mar 2014 | أخر زيارة : منذ 2 ساعات (09:27 PM) | المشاركات : 16,181 [
+
] | التقييم : 9330 | MMS ~ | | لوني المفضل : Darkturquoise | |
رد: بحث عن نظرية تعريف التعبير الأدبي ..ومزاياه الهامة | | | | [formatting="font-family: Tahoma; font-size: 13px; color: rgb(0, 0, 0); font-weight: normal; font-style: normal; text-align: center; background-color: rgb(255, 255, 255); border-style: groove; border-width: 5px; border-color: rgb(4, 69, 181); width: 91%; background-image: url(http://b.top4top.net/p_66j8ej1.png);"]
يدخل التعبير في فن الإنشاء حينما يكون المنشئ والخطيب بمنزلة واحدة من حيث توجيه الكلام نحو الغير للإفهام لم تكن للخطيب حاجة إلى قواعد خاصة لتأدية مراده أكثر مما هو معلوم في فن الإنشاء. وسنذكر الآن ما يهم الخطيب منه، وهو أمور: الأول: التفنُّن وهو أن يأخذ بأنواعٍ منَ الكلام وأفانينَ منَ القول، ويذهب فيه إلى طُرُقٍ شَتَّى، وأساليبَ مُتَنَوِّعة، فيلبس المعنى الواحد عدة أثواب، ويكسو غرضه حللاً مختلفة من الجمل والتراكيب، فيكون قد أتى بشيء يجذب النفوس إلى استماعه، فإنها ميالة إلى حب الجديد، بخلاف ما إذا التزم أسلوبًا واحدًا من الكلام، فإنه بذلك يوقع السامعين في الملل والسآمة، فقد جبل الإنسان على الملال من الاستمرار على شيء واحد، فكلما انتقل من أسلوب إلى أسلوب انشرح صدره، وتجدَّدَ نشاطُه، وتَكامَلَ ذَوْقُه ولذَّتُه، وصار أقربَ إلى فهم معناه والعمل بِمُقتَضَاهُ، وكان كمنِ انْتَقَلَ من بلد إلى بلد، أو من بُستانٍ إلَى بُستان، أو فاكهةٍ لذيذةٍ إلَى أُخْرَى، وفي ذلك ما فيه من ترويح النفس وتنشيطها، قال أبو علي القالي: التفنن موجب لإيقاظ السامع وتحريكه للجد في الإصغاء، فإن تغيير الكلام المسوق لمعنى من المعاني وصرفه عن سننه المسلوك ينبئ عن اهتمام جديد بشأنه من المتكلم، ويستجلب مزيد رغبة فيه من المخاطب. والقرآن الكريم أعدل شاهد على التفنن مع متانة الأسلوب، وحسن السياق، وعذوبة الألفاظ، ودقة المعاني وبعدها عن مظنة التكرار، وذلك كما في قصة آدم عليه السلام وأكله من الشجرة، وهبوطه من الجنة، وكما في قصة إبراهيم عليه السلام مع ضيفه، ومع أبيه وقومه، وقصة موسى عليه السلام مع فرعون، فإن هذه القصص ذكرت في القرآن الحكيم في عدة مواضع مع تفنن في العبارة مما يظنه الجاهل بأساليب البلاغة تكرارًا وليس به، بل هو غاية في الإبداع ونِهاية في الإعجاز، واعلم أنَّ التَّفنُّن المذكور غيرُ الافتنان الذي هو نوع من أنواع البديع، وهو ارتكابُ فنَّيْن من الكلام في سياق واحد عند ذكر ما يَقْتَضِيهِ كالجمع بين التعزية والتهنئة في قول عبدالله بن همام السلولي حين مات معاوية رضي الله عنه وتولَّى الخلافة بعده ابنه يزيد، وقد حار الناس فيما يقولون، أيعزون أم يهنئون؟ فدخل عليه وجمع بين التعزية والتهنئة حيث قال: آجرك الله على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية، فقد رزئت جسيمًا، ورزقت عظيمًا، فاشكر الله على ما رزقت، واصبر على ما رزئت فقد فُقِد الخليفة، وأعطيت الخلافة،
ففارقت خليلاً ووهبت جليلاً: اصْبِرْ يَزِيدُ فَقَدْ فَارَقْتَ ذَا مِقَةٍ وَاشْكُرْ حِبَاءَ الَّذِي بِالمُلْكِ أَصْفَاكَ لاَ رُزْءَ أَصْبَحَ فِي الأَقْوَامِ نَعْلَمُهُ كَمَا رُزِئْتَ وَلاَ عُقْبَى كَعُقْبَاكَ وكالجمع بين الفخر والهجاء في قصيدة السموأل المشهورة، فقد جمع بين الفخر لنفسه وقومه، والهجاء لقبيلتي عامر وسلول في قوله: لَنَا جَبَلٌ يَحْتَلُّهُ مَنْ نُجِيرُهُ مَنِيعٌ يَرُدُّ الطَّرْفَ وَهْوَ كَلِيلُ رَسَا أَصْلُهُ تَحْتَ الثَّرَى وَسَمَا بِهِ إِلَى النَّجْمِ فَرْعٌ لاَ يُنَالُ طَوِيلُ وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نَرَى القَتْلَ سُبَّةً إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُولُ يُقَرِّبُ حُبُّ المَوْتِ آجَالَنَا لَنَا وَتَكْرَهُهُ آجَالُهُم فَتَطُولُ الثاني: متانة الأسلوب ومما ينبغي رعايته أن يعمد الخطيب بعد استحضار المعاني إلى الألفاظ التي يريد أداءها بها، فيفرغ المعنى في قالب يناسبه، فالمعاني الجزلة لا بد لها من جمل وتراكيب في غاية الضخامة والفخامة، والمعاني الرقيقة المستملحة لا بد لها من ألفاظ تناسبها رقة وسلاسة؛ ليحصل التشاكل بين النوعين، وتكون المعاني مع الألفاظ كالعروس المجلوَّة في الثوب القشيب، والحلي الفاخر، مع إعطاء كل موضوع حقه من شدة العبارة ولينها في النطق ليكون ذلك أدل على المعنى المقصود، كما سيأتي، وأصدق شاهد على ذلك ما تراه في قوارع القرآن الكريم من جزالة المعاني، وفخامة التراكيب عند ذكر مفارقة الدنيا والحساب والعذاب وأهوال يوم القيامة. وما تراه أيضًا عند ذكر الرحمة والمغفرة، وما يدل على البشارة والملاطفات في خطابات الأنبياء والمرسلين والتائبين والمنيبين من العباد، وغير ذلك مما استعمل فيه رقيق العبارة مع تمام الانسجام بين المعاني والألفاظ، فالأوَّل كقوله تعالى:
﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [1]. هذه الآيات الكريمة المتضمنة ذكر المحشر على تفاصيل أحواله، وشديد أهواله وذكر النار والعذاب لا تجد فيها كلمة إلا وهي جزلة مستعذبة على ما فيها من الضخامة الملائمة لجزالة المعنى المقصود منها، وكذلك كل آية سيقت للإرهاب والتخويف، والإنذار والوعيد، تراها في منتهى الجزالة، وضخامة التراكيب، ومتانة الأساليب البالغة حد الإعجاز. والثاني: كقوله تعالى:
﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ [2]. فإنها لاشتمالها على دخول الجنة والتمتع بما فيها من النعيم المقيم، والحصول على ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين قد اشتملت على رقيق الألفاظ ولطيف المعاني المسوقة للتشويق إلى نيل تلك المنزلة العالية والمرتبة السامية. وانظر إلى حسن الملاطفة ولطف الملاينة في أدق معانيها، وأرق مبانيها في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:
﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [الضحى: 1 - 3].
فإنك تجدها تشفُّ عن تمام العطف عليه، والرضا عنه صلوات الله وسلامه عليه
وانظر إلى تقديم العفو قبل العتاب في قوله تعالى:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [3].
فإنها على وجازتها دلت على عدم المؤاخذة، وكمال الملاطفة، وتمام الرضا عنه صل الله عليه وسلم وبالتأمل ترى سبيل القرآن الكريم في كلتا الحالتين من الجزالة والرقة على هذا الأسلوب الحكيم الذي أعجز أساطين البلاغة عن معارضته، والإتيان بأقصر سورة من مثله. الثالث: الاقتباس وهو أن يأخذ المتكلِّم شيئًا من كلام غيره فيدرجه في كلام نفسه بعد التمهيد له لتأكيد ما أتى به من المعنى، فإن كان قليلاً فهو إيداع، وإن كان كثيرًا فهو تضمين، وعلى كل فإنه يكون من كلام الله عز وجل أو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من كلام البلغاء وغيرهم، وقد رخَّص بعض العلماء في تضمين بعض آيات القرآن في الخطب والمواعظ من غير إفراط حتى استعمله كثير من الناس ما لم يخرج القرآن في التضمين عن الغرض المسوق له، وكان يعطي الكلام حلاوة وطلاوة وإلا منع منه، فمن الجائز قول بعضهم: اغْتَنِمْ فَوْدَكَ الفَاحِمَ قَبْلَ أَنْ يَبْيَضّْ ♦♦♦ فَإِنَّمَا الدُّنْيَا جِدَارٌ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّْ وقوله: رُبَّ بَخِيلٍ لَوْ رَأَى سَائِلاً لَظَنَّهُ رُعْبًا رَسُولَ المَنُونْ لا تَطْمَعُوا فِي النَّزْرِ مِنْ نَيْلِهِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونْ أَيُّهَا السَّائِلُ قَوْمًا مَا لَهُمْ فِي الخَيْرِ مَذْهَبْ اتْرُكِ النَّاسَ جَمِيعًا وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ اعْبُدِ اللَّهَ وَدَعْ عَنْ كَ التَّوَانِي بِالهُجُودْ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ السُّجُودْ وقول الحريري في صفة عبد أراد شراءه: "وقد لبس ثوبًا من الجمال وحلة من الكمال، فلما تأملت خلقه القويم، وخلقه الصميم، خلته من ولدان جنة النعيم، وقلت: ما هذا بشرًا، إن هذا إلا ملك كريم" وما إلى ذلك؛ مما لا إفراط فيه، ولا خروج عن الغرض المسوق له. ومن الممنوع: قول عبدالله بن طاهر لابن السري حين ملك مصر، وقد ردَّ رسوله وهديَّتَهُ إليه: لو قَبِلْتُ هديَّتَكَ نَهارًا لقبِلْتُها ليلاً، بل أنتم بهديتكم تفرحون، وقال لرسوله:
﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [4]. وكقول رجلٍ لآخر جاء في وقت حاجته إليه: ﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ [5]. وكقول الحجاج لمن في سجنه:
وقد طلبوا الإفراج عنهم، والرحمة بهم: ﴿ اخْسَؤوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [6].
وعلة المنع ما فيه من صرف كلام الله تعالى عن وجهه، وإخراجه عن المعنى الذي سيق لأجله، ولما فيه من الإخلال بإجلال كلام الله وتعظيمه. هذا؛ والتضمين لا غنى للخطابة عنه، لكن على الخطيب أن يكون فيه حكيمًا يضع كل شيء في محله، والله الهادي إلى سواء السبيل.
"يتبع بإذن الله" [/formatting] | | | | | |
| |