08-12-2013
|
#10 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 34 | تاريخ التسجيل : May 2013 | أخر زيارة : 11-09-2016 (09:29 PM) | المشاركات : 531 [
+
] | التقييم : 6511 | SMS ~ | | لوني المفضل : Cadetblue | | * الفصل السابع *
دفاتر محاضرات عصام مشهورة في كلية الطبّ شهرة عصام نفسه،
ويعتمدها طلاب صفّه كما يعتمدون كتب أساتذتهم المقررة، ويتمنون أن
يحصلوا عليها أو على صورة عنها ليدرسوا محاضراتهم منها، ذلك أنَّ عصاما كان يعتني بدفاتره اعتناءً فائقاً، وينتهج في إعدادها منهجاً ذكياُ بارعاً، فهو
ينقل المحاضرات من أفواه الأساتذة المحاضرين فلا تفوته فكرة أو ملاحظة
مهما كانت بسيطة إلاّ دونها، ثم يمضي إلى بيته فيقرأ المحاضرة إياها في
الكتاب المقرر، ثم يراجع موضوعاتها في المراجع الطبية الم وسعة، ثم يصيغ
المحاضرة من جديد بأسلوبه الأدبي القوي المتميز، فينسق بين أفكار الأستاذ
المحاضر ومعلومات الكتاب المقرر ومعارف المرجع المناسب، ويرتهبا بشكل
واضح مترابط ويدعمها بالرسوم الملونة المعبرة، ويخرجها إخراجاً أنيقاً
جذاب اً ... وبالرغم من اعتزاز عصام بمحاضراته تلك وحرصه البالغ عليها، فإنه لم
يحدث يوماً أن امتنع عن إعارتها لطالب من زملائه أيّاً كان... فكان الطلبة
يستعيرون منه المحاضرات فينسخونها أو يصورونها ثم يعيدونها إليه
شاكرين ... وكان صفوان كغيره من الطلبة يعرف قيمة محاضرات عصام ويدرك - -
فائدتها ويتمنى أن يحصل عليها لافتقاره إلى محاضرات وافية بسبب بطء نقله
للمحاضرات من أفواه المحاضرين وانشغاله بالثرثرة والشغب أثناء المحاضرات،
لكنه بالرغم من حاجته إلى محاضرات عصام وميله لاستعارتها فإنه لم يلجأ
يوماً إلى طلبها من عصام مباشرة، يمنعه كبر واستعلاء واعتزاز مفرط بالذات
يأبى عليه أن يطلب شيئاً من إنسان يكرهه ويحسده على التفوق والشهرة
والاحترام الذي يتمتع به في أوساط الكلية، لذلك فقد كان يلجأ إلى
((مجدي ))الذي تربطه علاقة مزدوجة مع الطرفين، فيحرجه بأسلوبه الماكر
السمج، ويكرهه على إعارته محاضرات عصام كلما استعارها مجدي من
عصام، وكان عصام يعرف أسلوب صفوان هذا فلا يأبه له، فما يهمه
بالمقام الأول أن تعود إليه محاضراته سليمة ليدرس فيها ويحافظ عليها .
وذات يوم استعار صفوان محاضرات عصام من مجدي ومضى بها إلى
شقته بصحبة شلته العابثة التي تلتف حوله، وما إن وصلوا إلى الشقة حتى
ألقوا كتبهم ودفاترهم ونثروها في كل مكان، ثم هرعوا إلى الثلاجة فأخرجوا
منها زجاجات ((الويسكي)) وجلسوا يحتسونه وسط جو صاخب هازل
تتعالى فيه الضحكات المجلجلة وتشيع فيه الدعابات السخيفة وتسود فيه
الكلمات والعبارات البذيئة وتتخلله النوادر القذرة.. ودارت بينهم الكؤوس
تلو الكؤوس فدارت معها الرؤوس وغادرت عقولهم دائرة الوعي إلى عالم
الوهم واللامعقول، وهاموا بخواطرهم المخمورة في دنيا مزيفة فشعروا أنهم في
عالم خاص يملكونه وحدهم ويتربعون على عرشة بلا منازع فلا ينافسهم
عليه أحد..
واستبدت الخمرة بعقولهم فربط أحدهم حول خصره منديلاً،
وأخذ يرق في خلاعة الراقصات بينما التف الجميع من حوله يغنون
ويصفقون ويضحكون ..
وحانت من صفوان التفاتة إلى دفتر محاضرات عصام الذي استعاره من
مجدي فقرأ عليه اسم عصام فذكره عقله الباطن بحقده على هذا الخصم
اللدود الذي يكرهه فتناول الدفتر في اشمئزاز ونظر إليه في بلاهة وقلّبه في
قرف، ثم رفعه في مشقة وقال والكلمات تترنج على شفتيه :
هل تعلمون لمن..
هذا الدفتر؟
فأجابه أكثر من صوت : - إنه لك
. فضحك صفوان طويلا ثم قال :
- لا (( إنها للسيد عصام.. إنها للسيد كومبيوتر ))
((..قال كمبيوتر قال ... انفجر الجميع ضاحكين بينما تابع صفوانوهو يحك رأسه بيد ثقيلة وأصابع
ضعيفة تميل نحو الإسترخاء : - لماذا لا يسكر عصام مثلنا؟ ..
أجابه أحدهم وهو مستلق على الأرض
- لأنَّه.. لأنهه أهبل ... ضحك الكل في صفاقة بينما أردف صفوان ورأسه يترنح على إيقاع
كلماته : - حسنا..
ما رأيكم لو.. جعلته يسكر معنا؟ !..
تعالت الأصوات من حوله : - وكيف؟.. كيف ذلك؟ ..
أجاب صفوان وهو يتناول زجاجة ((الويسكي )): - بسيطة.. هذا دفتر عصام، وهذه زجاجة ((الويسكي ))...
ثم أردف وهو يريق الزجاجة على الدفتر : - وهكذا سوف يسكر عصام ...
وتعالت الصيحات والضحكات بينما انساح السائل الأصفر الكريه فوق
الدفتر الأنيق، فابتلت أوراقه وماعت حروفه وتداخلت الألوان على أوراقه
النظيفة وأصيب الدفتر بالتلف والفساد، وحمله صفوان برؤوس أصابعه وهو
مستغرق في الضحك ثم ألقاه وراء ظهره وكأنّه يرمي شيئاً وسخاً يخشى أن
يلوثه، ثم تابع سه رته الصاخبة مع أصدقائه .. وفي اليوم التالي استيقظ صفوان وقد عاوده وعيه فرأى دفتر عصام ملقى
على الأرض وقد أتلفه البلل وأفسد محتواه فحركته بقدمه باحتقار ورفع كتفيه
في لا مبالاة غير مكترث بما حدث وعندما جاءت الخادمة التي تنظف له
الشقة كل يوم وترتبها، سألته عن قيمة هذا الدفتر الملقي على الأرض وماذا
تفعل به، فضحك في شماتة وأوصاها أن ترميه في سلة المهملات . وذهب صفوان إلى الكلية فاستقبله مجدي بالسؤال : -أين دفتر المحاضرات يا صفوان.. إن عصاماً يسأل عنه!..
ابتسم صفوان
ابتسامة باهتة وقال في برود :
- لقد ضاع .
- ضاع؟.
. كيف ضاع؟ ..
- ضاع والسلام ..
- صفوان لعلك تمزح !..
- أنا لا أمزح.. هذه هي الحقيقة .
فقال مجدي غاضباً وهو يشعر بالإحراج الشديد؟
- والآن!..
ماذا سأقول لعصام؟
- قل له إنَّه ضاع ..
هتف مجدي محتد اً :
- بهذه البساطة!..
يا لبرودة أعصابك يا أخي..
اسمع..
أنا لا أتحمل
مسؤولية ما حدث فلا تحرجني مع عصام . قال صفوان في سخرية وحنق : - حسناً.. حسناً.. أنا سأخبره بذلك؟
ومضى الاثنان إلى عصام فاستقبلهما بالبشاشة والترحيب فقال له صفوان
في تعالٍ ساخر : - عصام.. لقد استعربت دفتر محاضراتك من مجدي وقد ضاع مني فلا
أدري أين ذهب؟
ثم تابع متضاحكاً وقال كالهازئ : -بسيطة.. أنت طالب مجدّ ولا تحتاج إلى دفتر.. لا بد أنك تحفظ
المحاضرات عن ظهر قلب.. أليس كذلك؟
- لم ينزعج عصام لفقدان دفتره العزيز على نفسه بقدر ما ساءته تلك
اللهجة الوقحة المتكبرة التي خاطبه بها صفوان، لكنه تمالك أعصابه وكظم
غيظه وقال في ابتسام : - وماذا في ذلك؟ المهم أن تكون قد استفدت منه . (( - مرسي)).. ((مرسي)) يا عزيزي.. إن معلوماته رائعة ..
قال عصام وهو يرميه بنظرة ذات معنى :
- على أية حال إن احتجت لدفاتري فلا تتأخر.. إنها جاهزة في كل وقت
. ومضى عصام وهو يخفي تحت هدوئه الذي صفع به صفوان ثو رةً وألماً أراد
أن يعلمه بكبتهما درساً في المعاملة والسلوك سرعان ما وجد طريقه إلى
نفس صفوان بالرغم من كل سدود الحقد والحسد والكراهية التي تقوم فيها
إزاء عصام، لكنه قال لمجدي متظاهراً بالسخرية حتى لا يعترف بإعجابه بهذا
التسامح الذي أبداه عصام :
- إن صاحبك هذا أبله!..
أقسم أنَّه أبله !!
رمقه مجدي بنظرات ثائرة مستاءة وراودته نفسه أن يلكمه، لكنه تمالك
أعصابه وألجم قبضته المكورة في غيظ ومضى غاضباً وقد شاع في صدره
إحساس من يشعر بميل جارف إلى الإقياء ... * * * يتبـــــــــــــــع |
| |