« النون الخفيفة ، والهمزة المخففة ، وألف التفخيم ، وألف الإمالة ، والشين التي كالجيم ، والصاد التي كالزاي . . . والحروف الفرعية المستقبحة ، هي فروع غير مستحسنة ، لا يؤخذ بها في القرآن ولا في الشعر ، ولا تكاد توجد إلا في لغة ضعيفة مرذولة ، غير متقبلة . وهي : الكاف التي بين الجيم والكاف ، والجيم التي كالكاف ، والجيم التي كالشين ، والضاد الضعيفة ، والصاد التي كالسين ، والطاء التي كالتاء ، والظاء التي كالثاء ، والباء التي كالميم » (1) . ثالثاً : ويحصر ابن جني مخارج الحروف في ستة عشر مخرجاً ، ناظراً إلى موقعها في أجهزة النطق ، ومنطلقاً معها في صوتيتها ، ويسير ذلك بكل ضبط ودقة وأناقة ، فيقول : « واعلم أن مخارج هذه الحروف ستة عشر ، ثلاثة منها في الحلق : 1 ـ فأولها من اسفله وأقصاه ، مخرج الهمزة والألف والهاء . 2 ـ ومن وسط الحلق : مخرج العين والحاء . 3 ـ ومما فوق ذلك من أول الفم : مخرج الغين والخاء . 4 ـ ومما فوق ذلك من أقصى اللسان : مخرج القاف . 5 ـ ومن أسفل من ذلك وأدنى إلى مقدم الفم : مخرج الكاف . 6 ـ ومن وسط اللسان ، بينه وبين وسط الحنك الأعلى : مخرج الجيم والشين والياء . 7 ـ ومن أول حافة اللسان وما يليها : مخرج الضاد . 8 ـ ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ، من بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى ، مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية : مخرج اللام . 9 ـ ومن طرف اللسان بينه وبين مافويق الثنايا : مخرج النون . ____________ (1) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : 1|51 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 62 ) 10 ـ ومن مخرج النون ، غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً لانحرافه إلى اللام : مخرج الراء . 11 ـ ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا : مخرج الطاء والدال والتاء . 12 ـ ومما بين الثنايا وطرف اللسان : مخرج الصاد والزاي والسين . 13 ـ مما بين اللسان وأطراف الثنايا : مخرج الظاء والذال والثاء . 14 ـ ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى : مخرج الفاء . 15 ـ وما بين الشفتين ، مخرج الباء والميم والواو . 16 ـ ومن الخياشيم ، مخرج النون الخفيفة ، ويقال الخفيفة أي : الساكنة ، فذالك ستة عشر مخرجاً » (1) . وحينما يتابع ابن جني مسيرته الصوتية في مخارج هذه الحروف ، نجده متمحضاً لها في دقة متناهية بما نعتبره أساساً لما تواضع عليه الأوروبييون باسم الفونولوجي phonology أي « التشكيل الأصواتي » أو هو النظام الصوتي في تسمية دي سوسور له وهو ما نميل إليه (2) . ومن خلال هذا النظام نضع أيدينا على عدة ظواهر صوتية متميزة في المنهج الصوتي عند ابن جني كشفنا عنها بصورة أولية في عمل أصواتي مستقل سبقت تغطيته (3) . وهنا نحاول فلسفتها بصورة متكاملة مقارنة بظروفها المماثلة في الفكر الصوتي الإنساني ، فيما حقق من نظام أصواتي حديث لا يختلف كثيراً عما أبداه ابن جني في الظواهر الآتية : 1ـ مصدر الصوت ومصطلح المقطع : يتحدث ابن جني عن مصدر الصوت ، وكيفية حدوثه ، وطريق ____________ (1) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : 1|52 ـ 53 . (2) ظ : دي سوسور ، علم اللغة العام : 51 . (3) ظ : المؤلف ، منهج البحث الصوتي عند العرب : بحث . -------------------------------------------------------------------------------- ( 63 ) خروجه ، وعوامل تقاطعه ، واختلاف جرسه بحسب اختلاف مقاطعه ، وبذلك يعطينا الفروق المميزة بين الأصوات والحروف فيقول : « إعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلاً متصلاً ، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته ، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفاً ، وتختلف أجراس الحروف بحسب مقاطعها ، وإذا تفطنت لذلك وجدته على ما ذكرته لك ، ألا ترى أنك تبتدىء الصوت من أقصى حلقك ، ثم تبلغ به أي المقاطع شئت ، فتجد له جرساً ما ، فإن انتقلت عنه راجعاً منه أو متجاوزاً له ثم قطعت ، أحسست عند ذلك صدى غير الصدى الأول ، وذلك نحو الكاف ، فإنك إذا قطعت بها سمعت هنا صدى ما ، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره ، وإن جزت إلى الجيم سمعت غير ذينك الأولين . . . (1) هذا العرض في إحداث الصوت كشف لنا عن مصطلح حديث عند الأوروبيين هو المقطع ، وأقف عنده لما استقطبه هذا الاصطلاح الذي سيره « ابن جني » من مناقشات وممارسات أصواتية متميزة ، كان هو الأساس فيها في الدلالة الدقيقة على المعنى المراد دون غيره عند الأصواتيين العالميين . الأصوات عادة تتجمع في وحدات ، تكون تلك الوحدات أكبر من الأصوات بالضرورة ، لأنها أطول مسافة صوتية ، فتشكل في أكثر من صوت وحدة صوتية معينة ، وأهم هذه الوحدات هو المقطع الذي تذوقه ابن جني ، فرأى فيه ما يثني الكلام عن استطالته وامتداده تارة ، وما تحس به صدى عند تغير الحرف غير الصدى الأول تارة أخرى . والتعريف البسيط للمقطع هو « تأليف أصواتي بسيط ، تتكون منه واحداً أو أكثر كلمات اللغة ، متفق مع إيقاع التنفس الطبيعي ، ومع نظام اللغة في صوغ مفرداتها » (2) . وقد جرى تأليف المقطع العربي على البدء بحرف صامت ، ويثنى ____________ (1) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : 1|6 . (2) عبد الصبور شاهين ، علم الأصوات ـ الدراسة : 164 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 64 ) بحركة ، ولا يبدأ بحركة إطلاقاً خلافاً للغات الأوروبية . ومن المبادىء الأساسية أن اللغة العربية تبدأ كلماتها بمتحرك واحد ، وتختمها إما بحركة ، فهو المقطع المفتوح . وإما بصامت ، فهو المقطع المقفل . ومن غير الممكن في العربية أن تبدأ الكلمة بمجموعة من الصوامت ، أو أن يتخلل الكلمة أكثر من صامتين متجاورين ، أو أن تختم الكلمة بمجموعة من الأصوات الصامتة (1) . إذن : حرف صامت + حركة = مقطع ، وهذا هو المقطع القصير ، وقد يضاف إلى هذا حرف صامت ، أو حركة أخرى ، فيكون المقطع طويلاً ، لأنه تجاوزالحد الأدنى من التكوين ، وهو الحرف والحركة ، وتخطاهما إلى ثالث ، حركة كان هذا الثالث أم حرفاً . والعربية عادة تتكون الغالبية العظمى من كلماتها من ثلاثة مقاطع في المادة دون اشتقاقها ، ففي الثلاثي خذ كلمة : « ذَهَب » في ثلاثة مقاطع هي : ذَ | هَـ | بَ ، وكل مقطع هنا مكوّن من حرف وحركة كما ترى . قال ابن جني ، مستفيداً بما قدمه الخليل (2) : « إن الأصول ثلاثة : ثلاثي رباعي وخماسي ، فأكثرها استعمالاً ، وأعدلها تركيباً الثلاثي ، وذلك لأنه : حرف يبتدأ به ، وحرف يحشى به ، وحرف يوقف عليه . وليس اعتدال الثلاثي لقلة حروفه حسب ، لو كان كذلك لكان الثنائي أكثر منه لأنه أقل حروفاً . . . فتمكن الثلاثي إنما هو لقلة حروفه لعمري ، ولشيء آخر هو حجز الحشو الذي هو عينه بين فائه ولامه ، وذلك لتعادي حاليهما . ألا ترى أن المبتدأ لا يكون إلا متحركاً وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكناً ، فلما تنافرت حالاهما وسطوا العين حاجزاً بينهما لئلا يفجأوا والحسّ بضد ما كان آخذاً فيه » (3) . لقد أدرك الأصواتيون العرب هذا التخطيط المقطعي من ذي قبل ____________ (1) ظ : عبد الصبور شاهين ، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي : 409 . (2) ظ : عبارة الخليل في العين : 1|49 . (3) ابن جني ، الخصائص : 1|55 ـ 56 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 65 ) فأكدوا عليه حتى في تقطيع الوزن العروضي للشعر عند الخليل في حدود ، وهو ما أثبته ابن جني في برمجيته للمقاطع في تفصيله . ولقد أفاد الأوروبيون من هذا الملحظ إفادة تامة ، فقد كان المقطع ـ تبعاً للتفكير التقليدي عند الغربيين ـ يتكون من حركة تعتبر دعامة أو نواة ، يحوطها بعض الصوامت consonnes وعليه بني اسم consonne أي الذي يصوّت مع شيء آخر ، وهو الذي لا يصوت وحده ، وأطلق على الحركات اسم مصوتات sonnetes لأنها قادرة على التصويت دون الاعتماد على شيء آخر ، ومن هنا كان المفهوم الوظيفي للمقطع ، كما جاءت أفكار الحركات والصوامت (1) . وهو نفسه ما تحدث عنه ابن جني ، وهو الواقع في الفكر الصوتي عند العرب فالحرف لا ينطق وحده فيشكل صوتاً ، إلا بانضمام الحركة إليه ، فيتكون بذالك المقطع الصالح للتصويت . ويرى أتوجسبرسن otto Jespersen: أن الوحدات الأصواتية تتجمع حول الوحدة الأكثر إسماعاً ، بحسب درجة الوضوح السمعي ، والمقطع طبقاً لرأيه هو المسافة بين حدين أدنيين من الوضوح السمعي . إن نظرية جسبرسن من بين ما ارتضاه عالم الأصوات الانجليزي دانيال جونز ، فهي وصف جيد للمقطع المثالي ، ولكنها لا تقول شيئاً لنا عما هو جوهري في المقطع ، ولا تقول لنا : أين الحد بين المقاطع ، وهو ما يطلق عليه الحد المقطعي (2) . حقاً لقد كان البنيوي السويسري فرديناند دي سوسور أقرب إلى الفكر العربي في تصوره لحدود المقطع الصوتي على أساس درجة الانفتاح في الأصوات ، إذ تتجمع الصوامت حول الحركات تبعاً لدرجة الانفتاح ، فالحد المقطعي يوجد ويتوافر حين يكون التنقل من صوت أكثر انغلاقاً إلى صوت أكثر انفتاحاً (3) . ____________ (1) ظ : برتيل مالمبرج ، علم الأصوات : 155 . (2) ظ : المرجع نفسه بتصرف : 157 . (3) ظ : دي سوسور ، علم اللغة العام : 77 وما بعدها . -------------------------------------------------------------------------------- ( 66 ) إن هذا التوصل إلى حدود المقطع وتعريفاته عند الأوروبيين هو الذي ذهب إليه ابن جني ، وأضاف إليه ذائقة كل مقطع ، قال : « وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحروف أن تأتي به ساكناً لا متحركاً ، لأن الحركة تقلق الحرف عن موضعه ومستقره ، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي هي بعضه ، ثم تدخل عليه همزة الوصل مكسورة من قبله ، لأن الساكن لا يمكن الابتداء به ، فتقول : اك . اق . اج ؛ وكذلك سائر الحروف ، إلا أن بعض الحروف أشد حصراً للصوت من بعضها » (1) . وهذا ما نتعتبره ابتكاراً لم يسبق إليه ، إلا فيما عند الخليل في ذواقة للأصوات اب | ات | اع | اغ (2) . فإنها مقاطع طويلة مقفلة تكونت من ثلاثة عناصر في كل منها هي الألف والكسرة والحرف : ب | ت | ع | غ . والمدهش حقاً عند ابن جني أن يهتدي الى سر المقطع من خلال تصريفه لشؤون الحركات ، فهو يعتبر الحركة صوتياً تتبع الحرف ، فتجد بهما الصوت يتبع الحرف « وإنما هذا الصويت التابع لهذه الحروف ونحوها ما وقف عليها ، لأنك لا تنوي الأخذ في حرف غيرها ، فيتمكن الصويت فيظهر ؛ فأنما إذاوصلت هذه الحروف ونحوها فإنك لا تحس معها شيئاً من الصوت كما تجده معها إذا وقف عليها » (3) . 2 ـ جهاز الصوت المتنقل : يتحدث ابن جني عن جهاز الصوت الممتنقل ، أو مجموعة الأجهزة الصوتية في الحلق والفم ، وسماعنا تلك الأصوات المختلفة ، وذلك عند ذائقته للحرف العربي ، ووجدانه الاختلاف في أجراسه ، والتباين في أصدائه فشبه الحلق بالمزمار ، ووصف مخارج الحروف ومدارجها بفتحات هذا المزمار ، وتتوجه عنايه بمجرى الهواء في الفم عند إحداث الأصوات ، ____________ (1) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : 1|7 . (2) ظ : الخليل ، العين : 1|47 . (3) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : 1|7 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 67 ) ويشبهه بمراوحة الزامر أنامله على خروق الناي لسماع الأصوات المتنوعة والتشعبة بحسب تغييره لوضع أنامله لدى فتحتات المزمار ، « فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المسنوقة ، وراوح بين أنامله ، اختلفت الأصوات ، وسمع لكل منها صوت لايشبه صاحبه ، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم ، باعتماد على جهات مختلفة ، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة » (1) . وكذلك تعقيبه على هذا التمثيل في إحداث الصوت بالنسبة لأوضاع أجهزة الصوت ، بتشبيهه ذلك بوتر العود ، وكيفيية ضربه ببعض أصباع اليسرى أو جسة في اليمنى مما يحدث أصواتاً مختلفة عند تلقي الأذن لذلك فتتذوق من خلال ذلك جوهر الصوت ، كما تتذوقه في أصوات الحروف تبعاً للرقة والصلابة في الوتر ، وكذلك الحال بالنسبة للوترين الصوتيين في جهاز النطق الصوتي عند الإنسان ، يقول : « ونظير ذلك أيضاً وتر العود ، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل سمعت له صوتاً ، فإن حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه ، أدى صوتاً آخر ، فإن أدناها قليلاً ، سمعت غير الإثنين ، ثم كذلك كلما أذنى إصبعه من أول الوتر غفلاً غير محصور ، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور ، أملس مهتزاً ، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر صلابته ، وضعفه ورخاوته ، فالوتر في هذا التمثيل كالحلق ، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت في أقصى الحلق ، جريان الصوت فيه غفلاً غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة ، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع ، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا » (2) . إن ما أبداه ابن جني من تفصيل تمثيلي دقيق لجهاز النطق عند الإنسان وأثر انطلاق الهواء مضغوطاً وغير مضغوط في إحداث الأصوات مختلفة بحسب إرادة الناطق أو الموصوّت : هو ما تبناه علم الأصوات ____________ (1) ابن جني ، سر صناعة الإعراب : 1|9 . (2) المصدر نفسه : 1|9 ـ 10 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 68 ) الفيزيولوجي ( physiology ـ phonnetics ) في الحديث عن الجهاز التنفسي الذي يقدم الهواء المناسب لتكييف حدوث الأصوات ، وعن الحنجرة باعتبارها مفجرة الطاقة الصوتية ، وعن التجاويف فوق المزمارية التي تلعب دور عزف الرنين في إنتاج غالبية الضوضاء المستخدمة في الكلام ، وعن دور التنفس في مرحلتي الشهيق والزفير في اتساع القفص الصدري لدى الشهيق ، فيدعو الهواء الخارجي بسبب هبوط الحجاب الحاجز ، وارتفاع الأضلاع إلى الدخول من فتحتي الأنف أو الفم عبر القصبة الهوائية إلى الرئتين ، فتنتج أصواتاً استثنائية مسموعة عند الأطفال ، أو في حالتي النشيج والضحك . أما الزفير فيتشمل على ارتفاع الحجاب الحاجز ، وهبوط الأضلاع ، ونتيجة لهذا يندفع الهواء بكمية كبيرة من الرئتين ، هذا الهواء المندفع بالزفير هو الذي يستخدم في التصويت (1) . إن هذا التحليل الحديث في حدوث الأصوات من وجهة نظر علمية أو تشريحية هو الذي أراده ابن جني في عنايته بمجرى الهواء في عملية إحداث الأصوات ، ولكن بأسلوب يتجاوز مناخ بيئته إلى البيئات المعاصرة ، وتشبيهه لهذا الجهاز بمراوحة الزامر أنامله في خرو الناي لسماع الأصوات لم يعد اليوم تشبيهاً بل عاد تسمية اصطلاحية في علم الأصوات الفيزيولوجي بالنسبة للتصويت ، إذ تطلق كلمة المزمار على الفراغ المثلث المحاط بالحبلين الصوتيين « فالمزمار يكون مفتوحاً في التنفس العادي ، كما يكون مفتوحاً خلال النطق ببعض الصوامت المهموسة ، أما خلال التصويت فإن المزمار يجب أن ينغلق ، على طول الخط الوسيط ، فإذا بقي الجزء الموجود بين الغضروفين الهرميين مفتوحاً ، بحيث يسمح للهواء بالمرور سمعنا صوتاً مستسراً هو صوت الوشوشة ، وإذا كان الإئتلاف كاملاً كان المزمار في وضع الاستعداد للتذبذب . . . ومن الممكن أيضاً أن نقصر التذبذب على جزء من الحبل الصوتي ، وبذلك نختصر طول الجسم المتذبذب ، وهو ما يعطينا نغمة أكثر حدة . هذه المعطيات الفيزيولوجية تتفق اتفاقاً كاملاً مع القوانين الفيزيقية التي تحكم التردد ____________ (1) ظ : برثيل مالمبرج ، علم الأصوات : 43 بتصرف . -------------------------------------------------------------------------------- ( 69 ) الخاص باسم التذبذب » (1) . أستطيع القول من خلال النص المتقدم دون مبالغة أو تردد : إن هذا النص يكاد أن يكون ترجمة عصرية لرأي ابن جني في تشبيهه جهاز الصوت لدى التذبذب في إخراج الأصوات بالمزمار ، الذي أصبح اليوم نقطة انطلاق الأصوات باعتباره فراغاً يحاط بالوترين الصوتين ، إذ لم يكن هناك بد عند ابن جني من تلمس جهاز ملموس للاستدلال من خلاله على قضية يصعب الاستدلال عليها في عصره دون النظر إلى ذلك الجهاز ، أما التشبيه الذي عاد اليوم مظنة لمساحة نطقية قرب الحنجرة ، فإنه قد لوّن بصبغة خاضعة لعلم التشريح ، وليس عصر ابن جني عصر تشريح ، ولا هو بمتخصص فيه مع فرض وجود أوليات الموضوع . لذلك جاءت هذه الترجمة معبرة عن رأيه ، أو كاشفة عن تخطيطه تلقائياً ، وحاكية لتشبيهه تمثيلياً ، والأمر المنتزع من الحس ، إذ أقيم عليه الدليل الفعلي ، كان مقارباً للأفهام ، ومسايراً لحركة التفكير . لقد كان ابن جني موضوعياً في صفة الجهاز المتنقل في الأصوات مما جعله في عداد المؤسسين . 3 ـ أثر المسموعات في تكوين الأصوات : ويتمرس ابن جني بعض الحقائق الصوتية ، ولكنه يعرضها بحذر ويقظة ، وقد ينسبها إلى بعض الناس ، وما يدرينا فلعلها له لأنه من بعضهم ، إلا أن له وجهة نظر قد تمنعه من التصريح بها لأسباب عقيدية ، قد لا يسيغها المناخ الاجتماعي في نظره وإن كانت واقعاً . فهو يتحدث عن صدى الصوت في بداية تكوين اللغة ، وأثر المسموعات الصوتية في نشوء الأصوات الإنسانية ، وهو ينقل ذلك عن بعضهم ، ولكنه يذهب إليه باعتباره مذهباً متقبلاً ، ووجهاً صالحاً للتعليل ، دعماً لنظريته الصوتية التي يربط بها الأشباه والنظائر ، ويحشد لها الدلائل والبراهين ، فيقول : ____________ (1) المرجع السابق : 47 وما بعدها باختصار . -------------------------------------------------------------------------------- ( 70 ) « وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات إنما هو من الأصوات المسموعات ، كدوي الريح ، وحنين الرعد ، وخرير الماء ، وشحيج الحمار ، ونعيق الغراب ، وصهيل الفرس ، ونزيب الظبي ونحو ذلك ، ثم ولدت اللغات عن ذلك . وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل » (1) . فهو يربط بين الأصوات الإنسانية ، وبين أصداء الطبيعة حيناً ، وأصوات الكائنات الحيوانية حيناً آخر ، مما هو من ظوهر الموجودات في الكون ، وبين تكوين اللغات التي نشأت من هذه الأصوات في بداياتها الأولى . « وقد ذهب إلى هذا الرأي معظم المحدثين من علماء اللغة وعلى رأسهم العلامة وتني Whitney » (2). وهذا ما يوقفنا على رأي الأوروبيين ، وتعليلهم الصوتي في أصل نشوء اللغات ؛ وأهمها في نظرنا ما يوافق ابن جني المنقول آنفاً ، والقائل بامتداد الصوت عند الأنسان عن الصوت الطبيعي للأشياء ، او الصوت الحيواني غير العاقل ، وأن جملة اللغات الإنسانية قد انحدرت من تلك الأصوات . وهذا لا يمانع أن يكون الله سبحانه وتعالى هو ملهم الأصوات ، ومنشىء اللغات ، ومعلم الكائنات ، فهذا هو الاعتقاد الصحيح الذي لا تشوبه شائبة ، فالكلام عن هذا شيء والبحث عن أصل اللغات في انطلاق الأصوات شيء آخر . على أن هناك رأياً آخر يذهب إلى أن أستعمال الإنسان لجهازه الصوتي كان عن طريق التأوهات والشهقات التي صدرت عنه بصورة لا إرادية ، وذلك حينما عبر عن آلامه حيناً ، وآماله حيناً آخر (3) . ____________ (1) ابن جني ، الخصائص : 1|46 ـ 47 . (2) علي عبد الواحد وافي ، علم اللغة : 95 . (3) ظ : في تفصيل هذه النظريات ، أبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ : 20 ـ 35 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 71 ) 4 ـ محاكاة الأصوات : وقد ذهب ابن جني مذهباً صوتياً فريداً يربط بين الصوت والفعل تارة ، وبين الصوت والاسم تارة أخرى ، ويبحث علاقة كل منهما بالأخر علاقة حسية ومادية متجسدة ، فجرس الألفاظ ووقعها فيما يحدثه من أصوات وأصداء سمعية قد يكون متجانساً ومقارباً لنوعية عنده فيقول : « فإن كثيرا من هذه اللغة وجدته مضاهياً بأجراس حروفه أصوات الأفعال التي عبر بها عنها ، ألا تراهم قالوا : قضم في اليابس ، وخضم في الرطب. وذلك لقوة القاف وضعف الخاء ، فجعلوا الصوت الأقوى للفعل الأقوى ، والصوت الأضعف للفعل الأضعف » (1) . وتجده يلائم بين الصوت اللغوي وعلاقته بصوت الطائر في الاستطالة والقطع ، فالراء مرددة مكررة مستطيلة ، وصوت الجندب مثلاً مستطيل ، فجعلت له « صرّ » مشددة ، وصوت البازي مثلاً متقطع ، فقطعت الراء فكانت « صرصر » وذلك ما رآه : « وكذلك قالوا «صر الجندب » فكرروا الراء لما هناك من استطالة صوته ، وقالوا « صرصر البازي » لما هناك من تقطيع صوته » (2) . وفي هذا المجال فإن ابن جني لا يقف عند هذا الحد من النظرية والتطبيق ، بل يربط أحياناً بين الأصوات وبين ما سمي به الشيء ، نظراً لمشابهته لذلك الصوت المنطلق من التسمية ، كالبط لصوته ، والواق للصرد لصوته ، وغاق للغراب لصوته (3) . وهو بهذا يذهب مذهب من يجد مناسبة ما بين الصوت والمعنى ، لا سيما عند البلاغيين في التماس علاقة اللفظ بالمعنى ، أو في الدلالة الحسية للفظ بالمعنى ، وهو من باب تسمية الشيء باسم صوته ، وتلك مقولة صحيحة في جملة من الأبعاد ، وحقيقة في كثير من المسميات والتسميات. ____________ (1) ابن جني ، الخصائص : 1|65 . (2) المصدر نفسه : 1|165 . (3) المصدر نفسه 2|165. -------------------------------------------------------------------------------- ( 72 ) وابن جني يؤكّد هذه الحقيقة في المفردات اللغوية ، ليعطيها صفة صوتية متمازجة ، فالعرب « قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبها ، وتقديم ما يضاهي أول الحديث ، وتأخير ما يضاهي آخره ، وتوسيط ما يضاهي أوسطه ، سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب ، وذلك كقولهم : بحث ، فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض ، والحاء لصلحها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب ونحوهما إذا غارت في الأرض ، والثاء للنفث والبث للتراب « (1) . ولا غرابة بعد هذا أن نجد صيغتين من صيغ العربية تدلان على الحدث الصوتي من جانبين : أ ـ فعال ، وتستعمل في جزء كبير منها للدلالة على الأصوات والضوضاء مثل : صراخ . ب ـ فعللة ، فإنها تستعمل في العربية في جزء كبير منها للدلالة على حكايات الأصوات مثل : « الغرغرة » فإن صوتها من جنس تشكيل حروفها لفظياً ، وإن معناها صدى من أصداء صوتها . هذا نفسه هو ما ينجم عن التوليد الصوتي للألفاظ عند الأوروبيين ، كما في الكلمة ( قهقه ) والأصوات فيها دليل من دلائل المعنى ، وإذا أضفنا إلى ( قهقه ) ( تمايل ) فإننا سنجد في الكلمة الأولى حدث تقليد صوت لصوت آخر ، وفي الثانية ترجمت الحركة ترجمة بيانية بوسائل صوتية . والمصطلح الذي يغلب إطلاقه في حالة الكلمات التي من هذا النوع هو ( محاكاة الأصوات Onomatopeid ) (2) . هذه جولة قد تكون نافعة فيما أوجده لنا ابن جني من تأصيل صوتي لكثير من الملامح والخصائص والمكتشفات . ____________ (1) ابن جنيّ ، الخصائص : | 162 ـ 163 . (2) ظ : ستيفن أولمان ، دور الكلمة في اللّغة : 73 ـ 74 بتصرف . -------------------------------------------------------------------------------- ( 73 ) القرآن والصوت اللغوي اتخذت المباحث الصوتية عند العرب القرآن أساساً لتطلعاتها ، وآياته مضماراُ لاستلهام نتائجها ، وهي حينما تمازج بين الأصوات واللغة ، وتقارب بين اللغة والفكر ، فإنما تتجه بطبيعتها التفكيرية لرصد تلك الأبعاد مسخرة لخدمة القرآن الكريم ، فالقرآن كتاب هداية وتشريع لا شك في هذا ، ولكنه من جانب لغوي كتاب العربية الخالد ، يحرس لسانها ، ويقوّم أود بيانها ، فهي محفوظة به ، وهو محفوظ بالله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون ) (1) . لهذا بقيت العربية في ذروة عطائها الذي لا ينضب ، وظلت إضاءتها في قمة ألقها الذي لا يخبو ، فكم من لغة قد تدهورت وتعرضت لعوامل الانحطاط ، وانحسرت أصالتها برطانة الدخيل المتحكم من اللغى الأخرى ، فذابت وخمد شعاعها الهادي ؛ إلا العربية فلها مدد من القرآن ، ورافد من بحره المتدفق بالحياة ، تحسه وكأنك تلمسه ، وتعقله وكأنك تبصره ، فهو حقيقة مستطيلة لا تجحد ، مسك القرآن باللسان العربي عن الانزلاق ، وأفعم التزود اللغوي عن الارتياد في لغات متماثلة ، حتى عاد اللسان متمرساً على الإبداع ، والتزود سبيلاً للثقافات الفياضة ، لا يحتاج إلى لغة ما ، بل تحتاجه كل لغة . ورصد أية ظاهرة لغوية يعني العناية باللغة ذاتها ، ويتوجه إلى ترصين دعائمها من الأصل ، لأن الأصوات بانضمام بعضها إلى بعض تشكل مفردات تلك اللغة ، والمفردات وحدها تمثل معجمها ، وبتأليفها تمثل الكلام في تلك اللغة ، والقدرة على تناسق هذا الكلام وتآلفه ، من مهمة ____________ (1) الحجر : 9 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 74 ) الأصوات في تناسقها وتآلفها ، وتنافر الكلمات وتهافتها قد يعود على الأصوات في قرب مخارجها أو تباعدها ، أو في طبيعة تركيبها وتماسها ، أو من تداخل مقاطعها وتضامهّا ، ذلك أن اللغة أصوات . « ومصدر الصوت الإنساني في معظم الأحيان هو الحنجرة ، أوبعبارة أدق : الوتران الصوتيان فيها ، فاهتزازات هذين التوترين هي التي تنطلق من الفم أو الأنف ثم تنتقل خلال الهواء الخارجي » (1) . ولغتنا العربية كبقية لغات العالم ؛ عبارة عن أصوات متآلفة تنطلق من الوترين الصوتيين لتأخذ طريقها إلى الخارج . بيد أن العربية سميت باسم صوت متميز بين الأصوات فعاد معلماً لها ، ومؤشراً عليها ، فقيل : لغة الضاد . ومع أن ابن فارس ( ت : 395 هـ ) يقول : « ومما اختصت به لغة العرب الحاء والظاء » (2) . إلا أن الضاد يبقى صوتاً صارخاً في العربية لا مشابه له في اللغات العالمية ، بل وحتى في اللغات السامية القريبة الأصر من اللغة العربية ، وكان لهذا الصوت نصيبه من الالتباس بصوت « الظاء » فكانت الإشارة منا في عمل مستقل إلى الاختلاف فيما بين الضاد والضاء حتى عند العرب انفسهم ، وأن الالتباس بالضاد كان ناجماً عن مقاربتها للضاء في الآداء ، وعدم تمييز هذين الصوتين حتى لدى العرب المتأخرين عن عصر القرآن (3) . ومن عجائب القرآن الأدائية ، وضعه هذين الصوتين في سياق واحد ، وبعرض مختلف ، في مواضع عديدة من القرآن ، ذلك من أجل الدربة الدقيقة على التلفظ بهما ، والمران على استعمالهما منفصلين ، بتفخيم الضاد وترقيق الضاء ، قال تعالى : ( ... ولئن رجعت إلى ربى إنّ لي عنده للحسنى فلننبئنّ الّذين كفروا بما عملوا ولنذيقنّهم من عذاب غليظ * وإذا أنعمنا على ____________ (1) إبراهيم أنيس ، الأصوات اللغوية : 8 . (2) ابن فارس ، الصاحبي في فقه اللغة : 100 . (3) المؤلف ، منهج البحث الصوتي عند العرب : بحث . -------------------------------------------------------------------------------- ( 75 ) الإنسان اعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشّرّ ) (1) . فالظاء في ( غليظ ) والضاد في ( أعرض ) و في ( عريض ) مما تواضع الأوئل على قراءته بكل دقة وتمحيص ، وميزوا بذائقتهم الفطرية فيما بين الصوتين . والحاء بالعربية تنطق « هاء » في بعض اللغات السامية ، وكذلك صوتها في اللغات الأوروبية ، فهما من مخرج واحد « ولولا هتة في الهاء لأشبهت الحاء لقرب مخرج الهاء من الحاء » (2) . ولعمق التوجه الصوتي في القرآن لدى التمييز بين المقاربات نجده يضعهما في سياق واحد في كثير من الآيات ، من أجل السليقة العربية الخالصة ، قال تعالى : ( فسيحوا في الأرض اربعة أشهر واعلموا انكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكفرين * وأذن من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر . . . ) (3) . فالحاء من « فسيحوا » والهاء من «أشهر » في الآية الأولى إلى جنب الهاء من « الله ورسوله » والحاء من «الحج » في الآية الثانية ، جاءت جميعها بسياق قرآني متناسق في هدف مشترك للتمييز بين الصوتين حيناً ، وللحفاظ على خصائص العربية حيناً آخر ، ولبيان اختلاطهما عند غير العربي المحض ، فلا يستطيع أداء « الحاء » تأديته « الهاء » إذ قد يلتبسان عليه ، وهو جانب فني حرص القرآن على كشفه بعيداً عن الغرض الديني إلا في وجوب أداء القرآن قراءة كما نزل عربياً مبيناً . لهذا نرى أن القرآن هو القاعدة الصلبة للنطق العربي الصحيح لجملة أصوات اللغة ، ولا سيما الضاد والظاء أوالحاء والهاء ، في التمرس عليهما والتفريق الدقيق بينهما . ولقد كان سليماً جداً ما توصل إليه صديقنا المفضل الدكتور أحمد مطلوب عضو المجمع العلمي العراقي بقوله : ____________ (1) حم السجدة ( فصلت ) : 50 ـ 51 . (2) الخليل ، كتاب العين : 1|57 . (3) التوبة : 2ـ 3 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 76 ) « إن من أهم خصائص العربية ثبات أصوات الحروف فيها ، لأن جوهر الصوت العربي بقي واضحاً ، وهو ما يتمثل في قراءة القرآن الكريم وإخراج الحروف الصامتة إخراجاً يكاد يكون واحداً » (1) . لأن اللغة العربية تستمد أصولها من القرآن ، بل تبقى أصولها ثابتة في القرآن ، وأولويات هذه الأصول هي الأصوات لأن الأصوات أصل اللغات . ولا غرابة بعد هذا أن يكون استقراء ملامح الظاهرة الصوتية في التراث العربي الإسلامي يوصلنا إلى أن القرآن الكريم هو المنطلق الأساس فيها ، وأنه قد نبه بتأكيد بالغ على مهمة الصوت اللغوي في إثارة الإحساس الوجداني عند العرب ، وإيقاظ الضمائر الإنسانية للتوجه نحوه لدى استعماله الحروف الهجائية المقطعة في جمهرة من فواتح السور القرآنية ، وفي أسرار فواصل الآيات ، وفي قيم الأداء القرآني ، وفي الدلالة الصوتية للألفاظ في القرآن ، وهو ما خصصت له هذه الرسالة فصولاً مستقلة ، شكلت المادة الأولية للبنات الموضوع ، ونهضت بمفصّل حيثيات الصوت اللغوي في القرآن . ولا بد من الإشارة هنا إلى أن البداية في اعتماد الصوت اللغوي في القرآن ضمن الدراسات العربية قد جاء ضمن مجموعتين دراستين هما : الدراسات القرآنية والدراسات البلاغية ، ولا بد من الإشارة قبل ذلك إلى تردد جهود بعض الفلاسفة الموسوعيين لمجمل حياة الأصوات تمهيداً لخوضها في القرآن . فهذا ابن سينا ( ت : 428 هـ ) يضع رسالة متخصصة نادرة في الأصوات أسماها ( أسباب حدوث الحروف ) (2) . وقد كان متمرساً فيها للإشارات الصوتية وتمييزها في الأسماع ، وتحدث عن مخارج الأصوات وغضاريف الحنجرة ، وعرض للفم واللسان تشريحياً وطبياً وتركيبياً ، وعني عناية خاصة بترتيب مخارج الصوت العربي مقارناً باللغات الأخرى بحسب تركيب أجهزة الصوت الإنساني ، وبحث مميزات الحرف العربي صوتياً ، ____________ (1) أحمد مطلوب ، بحوث لغوية : 27 . (2) طبعت في القاهرة ، 1332 هـ + 1352هـ . وحكم جهازه السمعي في معرفة الأصوات وأثر تذبذبها . وأما الدراسات القرآنية ، فقد انطلقت إلى دراسة الأصوات من خلال الفصول القادمة في الرسالة ضمن موضوعاتها الدقيقة المتخصصة ، وكانت على نوعين كتب إعجاز القرآن وكتب القراءات . أما كتب إعجاز القرآن ، فقد كان المجلي فيها بالنسبة للصوت اللغوي علي بن عيسى الرماني ( ت : 386 هـ ) فهو أبرز الدارسين صوتياً ، وأقدمهم سبقاً إلى الموضوع ، وأولهم تمرساً فيه ، إلا أنه بالضرورة قد مزج بين دراسة الأصوات وعلم المعاني مطبقاً تجاربه في باب التلاؤم تارة ، ومتخصصاً لدراسة فواصل الآيات بلاغياً كما سيأتي في موضعه . أما التلاؤم الصوتي عند الرماني فهو نقيض التنافر ، والتلاؤم تعديل الحروف في التأليف ، لأن تأليف الكلام على ثلاثة أوجه : متنافر ، ومتلائم في الطبقة الوسطى ، ومتلائم في الطبقة العليا (1) . ويعود الرماني بالتلاؤم إلى تجانس الأصوات ، ولما كانت أصوات القرآن متجانسة تماماً ، فإن القرآن كله متلائم في الطبقة العليا ، وذلك بيّن لمن تأمله ، والفرق بين القرآن و بين غيره من الكلام في تلاؤم الحروف على نحو الفرق بين المتنافر والمتلائم في الطبقة الوسطى ، وبعض الناس أشد إحساساً بذلك وفطنة له من بعض (2) . ويبحث الرماني التلاؤم في أصوات القرآن من وجوه : 1 ـ السبب في التلاؤم ويعود به إلى تعديل الحروف في التأليف ، فكلما كان أعدل كان أشد تلاؤماً . 2 ـ والفائدة في التلاؤم ، يعود بها إلى حسن الكلام في السمع ، وسهولته في اللفظ ، وتقبل المعنى له في النفس لما يرد عليها من حسن الصورة وطريق الدلالة . 3 ـ وظاهرة التلاؤم ، ويعود بها إلى مخارج الحروف في اختلافها ، ____________ (1) الرماني ، النكت في إعجاز القرآن : 94 . (2) المصدر نفسه : 95 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 78 ) فمنها ما هو من أقصى الحلق ، ومنها ما هو من أدنى الفم ، ومنها ما هو في الوسط بين ذلك . « والتلاؤم في التعديل من غير بعد شديد أو قرب شديد . وذلك يظهر بسهولته على اللسان ، وحسنه في الأسماع ، وتقبله في الطباع ، فإذا انضاف إلى ذلك حسن البيان في صحة البرهان في أعلى الطبقات ؛ ظهر الإعجاز للجيد الطباع البصير بجواهر الكلام » (1) . و أما كتب القراءات ، فقد انتهى كثير منها بإعطاء مصطلحات صوتية اقترنت بالنحو تارة وباللغة تارة أخرى ، وتمحضت للصوت القرآني بينهما ، وكان ذلك في بحوث متميزة برز منها : الإدغام ، الإبدال ، الإعلال ، الإخفاء ، الإظهار ، الإشمام ، الإمالة ، الإشباع ، المدّ ، التفخيم ، الترقيق مما اصطنعه علماء الآداء الصوتي للقرآن كما سيأتي بحثه في حينه . الحق أن الصوت اللغوي في القرآن قد بحث متناثراً هنا وهناك في مفردات حية ، تتابع عليها جملة من الأعلام المبرزين الذين اتسمت جهودهم بالموضوعية والتجرد وبيان الحقيقة ، كان منهم : علي بن عيسى الرماني ( ت : 386 هـ ) وأبو بكر الباملاني ( ت : 403 هـ ) وأبو عمر الداني ( ت : 444 هـ ) ومحمد بن الحسن الطوسي ( ت : 460 هـ ) وجار الله الزمخشري ( ت : 538هـ ) وأبو علي الطبرسي ( ت : 548 هـ ) وعبدالله بن محمد النكزاوي ( ت : 683هـ ) وإبراهيم بن عمر الجعبري ( ت : 732 هـ ) وبدر الدين الزركشي ( ت : 794هـ ) وجلال الدين السيوطي ( ت : 911هـ ) . وأما الدراسات البلاغية التي اشتملت على خصائص الأصوات فقد بحثت على أيدي علماء متمرسين كالشريف الرضي ( ت : 406 هـ ) وعبد القاهر الجرجاني ( ت : 471 هـ ) وابن سنان الخفاجي ( ت : 466 هـ ) و أبي يعقوب السكاكي ( ت : 626 هـ ) وأضرابهم : وكانت مباحثهم طبقاً لتوجه علم المعاني ، وتزاحم الأصوات في قبول ذائقتها النطقية أو السّمعية ورفضها ، من خلال : تنافر الحروف ، تلاؤم الأصوات ، التعقيد اللفظي ، التعقيد المعنوي ، فصاحة اللفظ المفرد ؛ مما ____________ (1) الرماني ، النكت في إعجاز القرآن : 96 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 79 ) هو معلوم في مثل هذه المباحث مما يتعلق بالصوت منها ، وخلصت إلى القول بخلو القرآن العظيم من التنافر في الكلمات ، أو التشادق في الألفاظ ، أو العسر في النطق ، أو المجانبة للأسماع ، وكونه في الطبقة العليا من الكلام في تناسقه وتركيبه وتلاؤمه . أما ما يتعلق بالأصوات من مخارجها في موضوع التنافر فلهم بذلك رأيان : الأول : أن التنافر يحصل بين البعد الشديد أو القرب الشديد وقد نسب الرماني هذا الرأي إلى الخليل « وذلك أنه إذا بَعٌد الشديد كان بمنزلة الطفر ، وإذا قرب القرب الشديد كان بمنزلة مشي المقيد ، لأنه بمنزلة رفع اللسان ورده إلى مكانه ، وكلاهما صعب على اللسان ، والسهولة من ذلك في الاعتدال ، ولذلك وقع في الكلام الإدغام والإبدال » (1) . الثاني : أن التنافر يحصل في قرب المخارج فقط وهو ما يذهب إليه ابن سنان الخفاجي ( ت : 466 هـ ) بقوله : « ولا أرى التنافر في بعد ما بين مخارج الحروف وإنما هو في القرب . ويدل على صحة ذلك الاعتبار ، فإن هذه الكلمة « ألم » غير متنافرة ، وهي مع ذلك مبنية من حروف متباعدة المخارج ـ لأن الهمزة من أقصى الحلق ، والميم من الشفتين ، واللام متوسطة بينهما . فأما الإدغام والإبدال فشاهدان على أن التنافر في قرب الحروف دون بعدها ، لأنهما لا يكادان يردان في الكلام إلا فراراً من تقارب الحروف ، وهذا الذي يجب عندي اعتماده لأن التتبع والتأمل قاضيان بصحته » (2) . وقد يتبعه بالرد على هذا الرأي ابن الأثير ( ت : 637 هـ ) فقال : « أما تباعد المخارج فإن معظم اللغة العربية دائر عليه . . . ولهذا أسقط الواضع حروفاً كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقالاً واستكراهاً ، فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء والخاء والعين ، وكذلك لم يؤلف بين الجيم والقاف ، ولا بين اللام والراء ، ولا بين الزاي والسين ، وكل هذا دليل على عنايته ____________ (1) الرماني ، النكت في إعجاز القرآن : 96 . (2) ابن سنان الخفاجي ، سر الفصاحة : 91 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 80 ) بتأليف المتباعد المخارج ، دون المتقارب » (1) . وبعيداً عن هذا وذاك ، فان الطبيعة التركيبة في اللغة العربية قد تمرست في تعادل الأصوات وتوازنها ، مما جعل لغة القرآن في الذروة من طلاوة الكلمة ، والرقة في تجانس الأصوات ، لذلك فقد استبعد العرب جملة من الألفاظ لا تنسجم صوتياً في تداخل حروفها ، وتنافر مخارجها ، سواء أكانت قريبة أم بعيدة « فإن الجيم لا تقارن الفاء ولا القاف ولا الطاء ولا الغين بتقديم ولا بتأخير . والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا تأخير » (2) . وفي هذا دلالة على « أمتياز اللغة العربية في مجموع أصوات حروفها بسعة مدرجها الصوتي سعة تقابل أصوات الطبيعة في تنوعها وسعتها ، وتمتاز من جهة أخرى بتوزعها في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات » (3) . وكان التنافر في أصوات الكلمة موضع عناية عند السكاكي ( ت : 626 هـ ) ومن بعده القزويني ( ت : 739 هـ ) عند مباحث فصاحة المفرد ، وهي خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ، ومخالفة القياس اللغوي ، وعند فصاحة الكلام ، وهي خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات ، والتعقيد بشقيه اللفظي والمعنوي ، وهي موضوعات جرى على إدراجها في الموضوع علماء المعاني والبيان بعد السكاكي والقزويني إدراجاً تقليدياً للقول بسلامة القرآن من التنافر (4) . ولا حاجة بنا إلى تأكيد هذا القول فهو أمر مفروغ عنه في القرآن ، وبقيت مفردات الصوت اللغوي فيه موضوع عناية البحث . ____________ (1) ابن الأثير ، المثل السائر : 152 . (2) الجاحظ ، البيان والتبيين : 1| 69 . (3) أحمد مطلوب ، بحوث لغوية : 28 . (4) ظ : القزويني ، الإيضاح في علوم البلاغة : 72 ـ 79 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 81 ) الفصل الثالث الصوت اللغوي في فواتح السور القرآنية 1 ـ القرآن يوجه اهتمام العرب للصوت اللغوي 2ـ أصناف الأصوات اللغوية في فواتح السور عند الباقلاني . 3ـ جدولة الصوت اللغوي في فواتح السور عند الزمخشري . 4 ـ الصدى الصوتي للحروف المقطعة عند الزركشي 5 ـ القرآن في تركيبه الصوتي من جنس هذه الأصوات -------------------------------------------------------------------------------- ( 82 ) -------------------------------------------------------------------------------- ( 83 ) يبدو أن القرآن الكريم قد وجه اهتمام العرب ـ منذ عهد مبكرـ ولفت نظرهم إلى ضرورة الإفادة من الزخم الصوتي في اللغة العربية وهو يستهل بعض السور القرآنية بجملة محددة من الحروف الهجائية التي تنطق بأصواتها أسماء ، لا بأدواتها حروفاً ، للإفادة من صوتيتها لدى الاستعمال دون حرفيتها . وكان القرآن العظيم قد افتتح عامة سوره بعشرة أنواع بيانية من فن القول شملت طائفة متميزة من معاني النحو وأساليب البلاغة حتى حصر أرباب علوم القرآن بذلك دون تزيّد عليها أو نقصان منها ، فلا يخرج شيء من فواتح السور عنها ، وقد يتداخل بعضها ببعض تارة (1) . ولعل من المفيد حقاً الإشارة على سبيل النموذج بأصل قرآني واحد لكل نوع تمهيداً بين يدي النوع المراد بحثه صوتياً ، وسنكتفي بإيراد هذا النموذج الواحد للدلالة عليه في النماذج الثرة المتوافر وجودها في أضراب أخرى لكل أصل . 1 ـ الاستفتاح بالثناء على الله تعالى ، كما في أول الفاتحة ، وذلك قوله تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ) ، ____________ (1) ظ : للتفصيل ، الزركشي ، البرهان في علوم القرآن : 1|164 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 84 ) 2 ـ الاستفتاح بالنداء ، كما في أول المدثر ، وذلك قوله تعالى: ( يا أيها المدثر ) . 3 ـ الاستفتاح بالقسم ، كما في أول سورة الفجر ، وذلك قوله تعالى : ( والفجر ) . 4 ـ الاستفتاح بالجملة الخيرية ، كما في أول سورة « المؤمنون » وذلك قوله تعالى : ( قد أفلح المؤمنون ) . 5 ـ الاستفتاح بصيغة الأمر ، كما في أول سورة العلق ، وذلك قوله تعالى : ( اقرأ باسم ربّك الذى خَلَقَ ) . 6 ـ الاستفتاح بصيغة الشرط ، كما في أول سورة النصر ، وذلك قوله تعالى : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) . 7 ـ الاستفتاح بصيغة الاستفهام ، كما في أول سورة النبأ ، وذلك قوله تعالى : ( عمَّ يتساءلون * عن النباء العظيم ) . 8 ـ الاستفتاح بالدعاء ، كما في أول سورة المطففين ، وذلك قوله تعالى : ( ويل للمطفّفين ) . 9 ـ الاستفتاح بالتعليل ، وقد ورد مرة واحدة في القرآن ، في أول سورة الإيلاف ، وذلك قوله تعالى : ( لإيلاف قريش ). 10 ـ الاستفتاح بحروف التهجي ، وهي موضوع هذا البحث في الصوت اللغوي ، إذ تم استفتاح تسع وعشرين سورة في المصحف الشريف بحروف هجائية مقطعة يمكن حصرها بالضبط في النحو الآتي : أ ـ ثلاثة حروف موحدة هي : ص . ق . ن . ب ـ عشرة حروف مثناة هي : طه ، طس ، يس ، وحم استعملت في افتتاح سبع سور، فهذه عشرة . ج ـ إثنا عشر مثلثة الحروف هي : آلم ، آلر ، طسم . وقد تكرر الأولان عدة مرات في المصحف دون طسم . د ـ إثنان حروفهما أربعة : آلمر . آلمص . -------------------------------------------------------------------------------- ( 85 ) هـ ـ إثنان حروفها خمسة : كهيعص . حمعسق . وقد اهتم علماء الإعجاز القرآني بالتصنيف الصوتي لهذه الحروف في فواتح هذه السور ، وبيان أسرارها التركيبية ، ودلائلها الصوتية ، وكان أبو بكر الباقلاني ( ت : 403 هـ ) في طليعة هؤلاء الاعلام ، فقال : « إن الحروف التي بني عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفاً ، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون (1) سورة ، وجملة ما ذكر من هذه [ الحروف ] في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة ، وهو أربعة عشر حرفاً ليدل بالمذكور على غيره ، والذي تنقسم إليه هذه الحروف أقساماً : فمن ذلك قسموها إلى حروف مهموسة وأخرى مجهورة ، فالمهموسة منها عشرة وهي : الحاء والهاء والخاء والكاف والشين والثاء والفاء والتاء والصاد والسين . وما سوى ذلك من الحروف فهي مجهورة ، وقد عرفنا أن نصف الحروف المهموسة مذكورة في جملة الحروف المذكورة في أوائل السور ، وكذلك نصف الحروف المجهورة على السواء لا زيادة ولانقصان » (2) . فالباقلاني يعدد حروف المعجم ، ويقارن ذلك بأعداد حروف السور المفتتحة بها ، ويضيف هذه الحروف ، وهي إما مجهورة ، وإما مهموسة ونصف هذه الحروف بتقسيمها مقسوم على السواء بين حروف هذه الفواتح القرآنية ، فنصف المهموسة مذكور في جملة هذه الحروف ، ونصف المجهورة مذكور أيضاً دون تزيّد عليها أو نقصان منها . وقد أيّد أهل اللغة المذهب الأول للباقلاني بما أورده الشيخ الطوسي ( ت : 460 هـ ) عنهم « فقال بعضهم : هي حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تمام ثمانية وعشرين حرفاً كما يستغنى بذكر : أ . ب . ت . ث . عن ذكر الباقي » (3) . ____________ (1) تقدم أنها تسع وعشرون سورة . (2) الباقلاني ، إعجاز القرآن : 66 . (3) الطوسي ، التبيان في تفسير القرآن : 1|48 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 86 ) ثم يعرض الباقلاني إلى تفصيل آخر : أن نصف حروف الحلق ( العين والحاء والهمزة والهاء والخاء والغين ) مذكور في جملة هذه الحروف ، وأن النصف المذكور هو : العين والحاء والهاء . وكذلك نصف عدة الحروف التي ليست من حروف الحلق مذكور في جملة هذه الحروف . وأن نصف الحروف الشديدة : ( الهمزة والقاف والكاف والجيم والتاء والدال والطاء والباء ) مذكور في جملة هذه الحروف ، والمذكور : الطاء والقاف والكاف والهمزة . وأن نصف الحروف المطبقة وهي ( الطاء والضاد والصاد والضاء ) مذكور في جملة هذه الحروف ، والمذكور هو الصاد والطاء (1) . والذي يخلص لنا من هذا الاهتمام المتكامل اشتمال فواتح السور القرآنية المبدوءة بالحروف الهجائية على نصف تقسيمات أصناف الحروف ، بل على أنصاف كل الأصناف على هذا النحو : 1 ـ نصف الحروف المجهورة . 2 ـ نصف الحروف المهموسة . 3 ـ نصف حروف الحلق . 4 ـ نصف حروف غير الحلق . 5 ـ نصف الحروف الشديدة . 6 ـ نصف الحروف المطبقة . وجميع هذه الحروف المثبتة في جدولة الباقلاني لها تمثل نصف حروف المعجم العربي ، وهذا التصنيف بعامة يمثل بعداً استقرائياً في حصر اوائل السور ذات الحروف الهجائية المقطّعة على أساس مخارج الصوت اللغوي . ولا يكتفي الباقلاني بهذه البرمجة حتى يضيف إليها تصوراً صوتياً منظّماً ، ويعلل ظاهرة استعمال بعض الحروف دون سواها للتأكيد على المناخ الصوتي المتميز في وضع الحروف بموقعها المناسب بحسب ____________ (1) ظ : للتفصيل ، الباقلاني ، إعجاز القرآن : 67 ـ 68 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 87 ) تسلسلها في النطق مترددة بجهاز النطق من مبتداه إلى منتهاه ، وذلك حينما يبدأ القرآن الكريم بـ ( ألم ) في أول سورة قرآنية ضمن الترتيب المصحفي وهي سورة البقرة التي استعملت هذه الأصوات متقاطرة ، فيعطي التعليل الصوتي الآتي : « لأن الألف المبدوءة بها هي أقصاها مطلقاً ، واللام متوسطة ، والميم متطرفة ، لأنها تأخذ في الشفة ، فنبه بذكرها على غيرها من الحروف ، وبيّن أنه إنما أتاهم بكلام منظوم مما يتعارفون من الحروف التي تردد بين هذين الطرفين » (1) . وسيأتي فيما بعد إفادة الزركشي ( ت : 794 هـ ) من هذا المنحنى لهذه الأصوات وتوسعه فيه وفي سواه على أس صوتي مكثف . وقد أفاض جار الله الزمخشري ( ت : 538 هـ ) في تعقب هذه الوجوه ، وذكر هذه الملاحظ ، وأفاد مما أبداه الباقلاني وزاد عليه متوسعاً ، وفصل ما ذكره مجملاً بما نحاول برمجته باختصار على النحو التالي : أولاً : قال الزمخشري : « اعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عزّ سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء ، وهي : الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم ، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف » (2) . والملاحظ من هذا النص أن الزمخشري قد جعل أسامي حروف المعجم ثمانية وعشرين ، بينما ينص على أن عدد حروف المعجم تسعة وعشرون حرفاً ، مما قد يتصور معه التناقض وعدم الدقة ، وليس الأمر كذلك ، لأن الألف اسم يتناول عندهم جزئين من الحروف هما رسماً (ا) و (ء) أي المدة والهمزة ، لهذا قالوا الألف إما ساكنة أو متحركة ، والألف الساكنة هي المدة ، والألف المتحركة هي الهمزة ، ومن ثم بدأ التفريق الدقيق بينهما ، فأطلقت (ا) على الألف اللينة ، وأطلقت (ء) على الهمزة ، ____________ (1) الباقلاني ، إعجاز القرآن : 68 ـ 69 . (2) الزمخشري ، الكشاف : 1|101 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 88 ) فنبه بقوله الألف على هذين الملحظين ، وتذرع بقوله : « الهمزة والألف حرف واحد عند الفقهاء وحرفان في عرف العامة » (1) . و سواء أكانا حرفاً أم حرفين فإنهما صوتان لا شك في هذا . ثانياً : أوضح الزمخشري تبعاً للباقلاني أن في هذه الحروف من المهموسة نصفها وعدّدها ، ومن المجهورة نصفها وعدّدها ، ومن الشديدة نصفها وعدّدها ، ومن الرخوة نصفها وعدّدها ، ومن المطبقة نصفها وعددها ، ومن المنفتحة نصفها وعدّدها ، ومن المستعلية نصفها وعدّدها ، ومن المنخفضة نصفها وعدّدها ، ومن حروف القلقلة نصفها ، ويمكن جدولة هذه الحروف في منهج الزمخشري على النحو التالي : (2) 1ـ الحروف المهموسة : الصاد ، الكاف ، الهاء ، السين ، الحاء . 2 ـ الحروف المجهورة : الألف ، اللام ، الميم ، الراء ، العين ، الطاء ، القاف ، الباء ، النون . 3 ـ الحروف الشديدة : الأف ، الكاف ، الطاء ، القاف . 4 ـ الحروف الرخوة : اللام ، الميم ، الراء ، الصاد ، الهاء ، العين ، السين ، الحاء ، الياء ، النون . 5 ـ الحروف المطبقة : الصاد ، الطاء . 6 ـ الحروف المنفتحة : الألف ، اللام ، الميم ، الراء ، الكاف ، الهاء ، العين ، السين ، الحاء ، القاف ، الياء ، النون . 7 ـ الحروف المستعلية : القاف ، الصاد ، الطاء . 8 ـ الحروف المنخفضة : الألف ، اللام ، الميم ، الراء ، الكاف ، الهاء ، الياء ، العين ، السين ، الحاء ، النون . 9 ـ حروف القلقلة : القاف ، الطاء . ____________ (1) الزمخشري ، الكشاف : 1|101 . (2) ظ : المصدر نفسه : 1|102 وما بعدها . -------------------------------------------------------------------------------- ( 89 ) ويلاحظ أن الزمخشري قد استدرك على الباقلاني في جدولته لأنصاف الحروف الواردة في فواتح السورة استدرك عليه : الحروف الرخوة ، والمنفتحة ، والمستعلية ، والمنخفضة ، وحروف القلقلة ، ولكنها داخلة عند الباقلاني في جملة حروف الحلق وغير الحلق ، إلا أن الزمخشري قد وسعها تفصيلاً ، وترك الاجمال ، وأورد المسميات . ثالثاً : وبعد هذا التقسيم الدقيق تعقب الزمخشري حكمة هذا التركيب ، وغاية هذا الذكر ، وفلسفة هذه الأصوات ، فقال : « ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها ، رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكور منها ، فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته . وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله ، وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته ، فكأن الله عزّ اسمه عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم ، إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم ، وإلزام الحجة إياهم » (1) . رابعاً : ورصد الزمخشري مواطن استعمال هذه الأصوات وكثرتها ، بحسب الجاري على ألسنة العرب في تكاثر بعض الحروف دون بعض ، وعرض لفائدة التكرار في جملة منها ، وتناول مسألة تفريقها على السور دون جمعها في أول القرآن ، وكأنه يشير إلى الحكمة المتوخاة من كل جانب فقال : « ومما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعاً في تراكيب الكلم : أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين ، وهي : فواتح سورة البقرة ، وآل عمران ، والروم ، والعنكبوت ، ولقمان ، والسجدة ، والأعراف ، والرعد ، ويونس ، وإبراهيم ، وهود ، ويوسف ، والحجر . فإن قلت : فهلا عدّدت بأجمعها في أول القرآن ، وما لها جاءت مفرقة على السور؟ قلت : لأن إعادة التنبيه على أن المتحدى به مؤلف منها لا غير ، وتجديده في غير موضع واحد ، أوصل إلى الغرض ، وأقوله في الأسماع والقلوب ، من أن يفرد ذكره مرة ، وكذلك مذهب كل تكرير جاء في القرآن فمطلوب به تمكين المكرر في النفوس ____________ (1) الزمخشري ، الكشاف : 1|103 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 90 ) وتقريره . فإن قلت : فهلا جاءت على وتيرة واحدة ، ولم اختلفت أعداد حروفها ؟ قلت : هذا على عادة افتنانهم في أساليب الكلام وتصرفهم فيه على طرق شتى ومذاهب متنوعة ، وكما أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف لم تتجاوز ذلك ، سلك بهذه الفواتح ذلك المسلك (1) . ووقف بدر الدين الزركشي ( ت : 794 هـ ) عند الصدى الصوتي للحروف المقطعة في فواتح هذه السور من عدة وجوه صوتية ، يمكن رصد أبعادها بالخطوط الآتية : أولاً : عرض الزركشي لأعداد هذه الأصوات في فواتح السور ، ووقف عندما أبتدىء به بثلاثة حروف ، واعتبر لذلك سراً صوتياً بارزاً علّله بقوله عن « ألم » في تركيبها : « وذلك أن الألف إذا بدىء بها أولاً كانت همزة ، وهي أول المخارج من أقصى الصدر ، واللام من وسط مخارج الحروف ، وهي أشد الحروف اعتماداً على اللسان ، والميم آخر الحروف ، ومخرجها من الفم . وهذه الثلاثة هي أصل مخارج الحروف أعني الحلق واللسان والشفتين ، وترتبت في التنزيل من البداية إلى الوسط ، إلى النهاية . فهذه الحروف تعتمد المخارج الثلاثة ، التي يتفرع منها ستة عشر مخرجاً ، ليصير منها تسعة وعشرون حرفاً ، عليها مدار الحلق أجمعين ، مع تضمنها سراً عجيباً ، وهو أن الألف للبداية ، واللام للتوسط ، والميم للنهاية ، فاشتملت هذه الأحرف الثلاثة على البداية والنهاية والواسطة بينهما » (2) . وهذه الإنارة في استعمال مصطلحات الصوت في المخارج إلى الحلق واللسان والشفتين يضطلع فيها الزركشي بحسّ صوتي رفيع قد سبق إليه الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت : 175 هـ ) وسيبويه ( ت : 180هـ ) وأبو الفتح عثمان بن جني ( ت : 392 هـ ) يؤكده الخط الثاني في تذوقه الحروف ، وتأكيده على مسافتها ومكانها وزمانها . ثانياً : والزركشي بطلق لفظ الحروف ويريد بذلك الأصوات كما هو ____________ (1) الزمخشري ، الكشاف : 1|104 وما بعدها . (2) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن : 1|168 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 91 ) شأن الخليل في بدايات العين . وكأن قدماء العرب كانوا ينظرون الحرف والصوت بمنظار واحد ، فيطلقون اسم أحدهما على الآخر، لا سيما في إطلاق الحرف وإرادة الصوت ، وهذا ما نهجه الزركشي لدى بحثه أسرار صوت الهمزة ، واللام ، والميم من وجه آخر غير الوجه الصوتي الأول فقال : « وأيضاً من أسرار علم الحروف أن الهمزة من الرئة ، فهي أعمق الحروف ، واللام مخرجها من طرف اللسان ملصقة بصدر الغار الأعلى من الفم ، فصوتها يملأ ما وراءها من هواء الفم ، والميم مطبقة ، لأن مخرجها من الشفتين إذا أطبقا ، ويرمز بهن إلى باقي الحروف » (1) . ثالثاً : وتعقب الزركشي ملائمه صوت الطاء للسين في ( طس ) ومجانسته للهاء في ( طه ) ، وهو يعمم هذه الملائمة وتلك المجانسة صوتياً على القرآن فيقول : « وتأمل اقتران الطاء بالسين والهاء في القرآن ، فإن الطاء جمعت من صفات الحروف خمس صفات لم يجمعها غيرها وهي : الجهر ، والشدة ، والاستعلاء ، والإطباق ، والإصمات ، والسين : مهموس ، رخو ، مستفل ، صفير ، منفتح ، فلا يمكن أن يجمع إلى الطاء حرف يقابلها ، كالسين والهاء ، فذكر الحرفين اللذين جمعا صفات الحروف » (2) . وهذا التعقب خالص الصوتية في الاستقراء والاستنتاج معاً ، فإن ما ذكره اهتمام صوتي ليس غير ، وإن ما عدده من المصطلحات : الجهر ، الشدة ، الاستعلاء ، الإطباق ، الأصمات ، المهموس ، الرخو ، المستفل ، الصفير ، المنفتح ، مصطلحات صوتية في الصميم ، وهو وإن سبق إلى التسمية وسبق إلى الضبط ، إلا أنه طبقها تنظيراً صوتياُ على فواتح السور . رابعاً : وتنبه الزركشي أيضاً إلى اشتمال سورة ( ق ) على ذات الحرف ، لما في صوت القاف من القلقلة والشدة من جهة ، ولاشتماله على ____________ (1) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن : 1|168 . (2) المصدر نفسه : 1|169 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 92 ) الجهر والانفتاح من جهة أخرى . « وتأمل السورة التي اجتمعت على الحروف المفردة : كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف ، ممن ذلك ( ق والقرآن المجيد ) (1) فإن السورة مبنية على الكلمات القافية : من ذكر القرآن ، ومن ذكر الخلق ، وتكرار القول ومراجعته مراراً ؛ والقرب من ابن آدم ، وتلقي الملكين ، وقول العتيد ، وذكر الرقيب ، وذكر السابق ، والقرين ، والإلقاء في جهنم ، والتقدم بالوعد ، وذكر المتقين ، وذكر القلب ، والقرآن ، والتنقيب في البلاد ، وذكر القتل مرتين ، وتشقق الأرض ، وإلقاء الرواسى فيها ، وبسوق النخل ، والرزق ، وذكر القوم ، وخوف الوعيد ، وغير ذلك » (2) . والحق أنني تتبعت سورة (ق) فوجدت ذكر هذا الحرف قد تكرر بعده أربعاً وخمسين مرة في خمس وأربعين آية زيادة على الحرف الاستفتاحي . فما هذا السر الصوتي لهذا الحرف ؟ وما علاقة تسمية السورة به من خلال هذا البناء عليه ؟ وما هو موقع القلقلة في القاف ، والشدة في صوتها ، والجهر بأدائها ، والانفتاح عند نطقها بهذا التكرار في شتى الكلمات ، مما ذكره الزركشي ومما لم يذكره . الجواب عن هذا وذاك بعد إدراك العناية الصوتية : الله أعلم . خامساً : وأشار الزركشي إلى خصوصية للدلالة الصوتية في سورة (ص) للإبانة بهذا الحرف وصوتيته على أصداء الخصومات النازلة ، والمحاكمات الشديدة الوقع ، بما يتناسب واصطكاك الصاد في الحلحلة ، وصداها الواقع على الأذن ، واشتمالها على ما حدث من مجريات أحاديث السورة نفسها محاكاة في الأصوات الشديدة لما نشب من الأحداث الجسيمة ، فقال مؤكداً وجهة نظره الصوتية ، في تذوق الشدة والوقعة والخصومة من خلال صوت الصاد ، ومصاقبته لما ورد في السورة ذاتها من إشارات موحية بذلك : « وإذا أردت زيادة إيضاح فتأمل ما أشتملت عليه سورة (ص) من ____________ (1) سورة ق : 1 . (2) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن : 1|169 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 93 ) الخصومات المتعددة ، فأولها خصومة الكفار مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقولهم : ( أجعل الآلهة إلاهاً واحدًا ) (1) إلى آخر كلامهم . ثم أختصام الخصمين عند داود ، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم ، وهو الدرجات والكفارات ، ثم تخاصم ابليس واعتراضه على ربه وأمره بالسجود ، ثم اختصامه ثانياً في شأن بنيه ، وحلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم » (2) . وهكذا نجد الزركشي في تنبيهاته الصوتية ـ سواء أكان ناقلاً لها ، أم مجمعاً لشتاتها ، أم مبرمجاً لخططها ، أم مبتدعاً لبعضها ـ ، يؤكد العمق الصوتي لدى علماء العربية في إبراز حقيقة الصوت اللغوي فيما اتسمت به فواتح السور القرآنية ذات الحروف الهجائية المقطّعة. والحق أن استقرار المراد من هذه الحروف المقطعة ـ وإن لم تدرك أسراره ـ لا يخرجها عن حقيقة واقعها الصوتي في الأسماع ، ولا جوهرها الأنصاتي لدى الإطلاق ، فهي من جنس أصوات العرب في لغتهم ، ومن سنخ حروف معجمهم ، ومن روح أصداء لغة القرآن العظيم ، ولا يمانع هذا الاستقراء على اختلاف وجهات النظر فيه من شموخ الصوت اللغوي في أضوائها ، وبروز الملحظ الصوتي في تأويلاتها ـ توصل إلى الواقع أو لم يتوصل ـ على أن السلف الصالح مختلف في المراد من هذه الحروف المقطعة ، أو الأصوات المنطوقة على قولين : الأول : ان هذه الحروف في دلالتها وإرادتها من العلم المستور والسر المحجوب الذي استأثر به الله تعالى . وادعى الشعبي : أنها من المتشابه ، نؤمن بظوواهرها ، ونكل العلم فيها إلى الله عزّ وجل (3) . وقد روى الشيخ الطوسي ( ت : 460 هـ ) أنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ، واختاره الحسين بن علي المغربي (4) . ____________ (1) سورة ص : 5 . (2) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن : 1|170 . (3) (4) ظ : الطوسي ، التيبان في تفسير القرآن : 1|48 .