قرأتُ أن :
في اللغة القديمة ، لغة العرب العاربة ، عاد وثمود وغيرهما،
كان شهر رمضان يسمى " تاتل " ومعناها شخص يغترف الماء من بئر أو عين،
كما أن له اسماً آخر هو " زاهر " وقيل في هذه التسمية أن هلاله كان يوافق
مجيئه وقت ازدهار النبات في البادية في الجاهلية الأولى.
ثم تغيرت أسماء الشهور القمرية بفعل العرب المستعربة ،
قبل الإسلام بنحو مائتي عام ، حيث صارت أسماء الشهور مستمدة من واقع
الظروف الاجتماعية والمناخية ، تبعاً للأزمنة التي وقعت فيها هذه الشهور.
وكان مجيء رمضان وقت إطلاق هذه الأسماء في شدة الحر ورمضاءه
فسمّي رمضاناً.
ولأن رمضان قد ارتبط في الأذهان بمعنى الصوم
فقد تعددت التفسيرات الإسلامية فيه ..
فقيل : رمض الصائم ، إذا حرّ جوفه من العطش.
وقيل : سمي رمضان لأنه يحرق الذنوب
وقيل : لأن القلوب تأخذ فيه من الحرارة والموعظة والتفكير في أمر الآخرة
كما يأخذ الرمل والحجارة من حرّ الشمس .
وقيل أيضاً: رمضان من رمضت المكان ، يعني احتبست لأن الصائم يحتبس
عمّا نهى عنه .
وهناك بعض الآراء ترى أن لاعلاقة بين رمضان واشتداد الحر ؛
لأن رمضان لايثبت مجيئه في الصيف، بل يتعاقب في أوقات الأعوام
بين الفصول الأربعة ، وعلى هذا فاشتقاق اسم رمضان يكون من الرمضاء
بمعنى حرّ الظمأ لاحرّ الصيف . وحرّان في اللغة معناها ظمآن .
وهَجْ (*) سُئل سيدنا يوسف عليه السلام :
لم تجوع وأنت على خزائن الأرض حفيظ عليهم ؟
قال : أخاف أن أشبع فأنسى الجائع .
الصوم بين أديان السماء :
رمضان شهر فيوضات الحق ، معمورٌ نهاره بالصيام ، ومعمورة لياليه بالقيام .
هذا صومنافي الإسلام ، فهل للصوم تاريخ قبل الإسلام ؟
يقول الله تعالى : (( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام،
كما كتب على الذين من قبلكم )) البقرة 183
إذن هنالك صومٌ عند الأمم القديمة ،
فقد بعث الله تعالى إليهم من الأنبياء من ذكرهم القرآن ،
ومنهم من يقصصه علينا ، كما أخبرنا الله بهذا في كتابه الكريم .
فكان مما كتب عليهم من الفرائض .. فريضة الصيام !
ولكن تلك الأمم السابقة انحرفت إلى الوثنية بعد تقادم عهد نزول الأنبياء
واحتفظوا بالصوم وإن كان معناه وكيفيته يختلفان عن مفهومه لدينا.
فلنلقي نظرة على تاريخ الصيام من عهد الأنبياء ، وعند أهل الكتاب ..
فيذكر أن أول من صام رمضان هو نوح عليه السلام بعد نجاته والمؤمنين من الطوفان
كما كان إبراهيم عليه السلام يصوم ساعات كثيرة في اليوم والليلة،
وكان ذلك يتكرر منه كل شهر .
وداود عليه السلام أيضاً كان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
أما أهل الكتاب .. فاليهود فقد فرض عليهم الصيام
في اليوم العاشر من الشهر السابع ،واليوم التاسع من الشهر الثامن من السنة ،
ولكنهم يعتقدون أنه لم يفرض عليهم الصيام إلا صيام عاشوراء،
وفي سبب صيام عاشوراء بالذات هناك روايتان :
الرواية الأولى تقول أنهم يصومونه إحياء لذكرى نجاة موسى ومن معه من فرعون،
والرواية الثانية تقول أنه إحياءً لذكرى العفو عن خطيئة أجدادهم الذين عبدوا العجل،
وأما النصارى فقد ورد عندهم أن عيسى عليه السلام صام أربعين يوماً قبل بدء رسالته
وبعد أن بعث عيسى رسولاً فرض عليهم في الإنجيل صيام شهر،
ولكنهم غيروا فيه وبدلوا ، فجعلوه في الربيع ، وصار خمسين يوماً.
في نهاية المطاف :
نود أن نقول لهؤلاء : هَلّا صُمْتِمْ .. ؟
للذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويستحلون حرمات الله.
نقول : هلا صمتم عن الظلم ، وفطمتم أنفسكم عن الحرام ..؟
للمتكالبين على متاع الدنيا ،
للمهوسين بالشهرة ، للساعين أثر الشهوة ،
نقول : هلا استمديتم من هذا الشهر من قوة الإرادة وصدق العزيمة
مايعصمكم عن الانسياق في المزالق ؟
ومن الرشد مايمنعكم من الانحدار في الهفوات ؟