تكملة رسالة فاصلة في الروم والإشمام وبعد هذا العرض السريع لبعض المصطلحات سوف أشرع مستعينا بالله في الحديث عن الروم والإشمام ومن أراد المزيد عن السكون وعن أحوالها فارجع إلى بحث الرسالة الفاصلة في حكم التقاء الأحرف الساكنة . الروم الروم في اللغة : الطلب أو القصد أو الإرادة قال القائل بقدر الكد تعطى ما تروم***وتدرك ما تمناه الفهوم ، ما تروم : ما تقصد] وقال آخر إذا رمت العلوم بغير شيخ***ضللت عن الصراط المستقيم ــ أي إذا طلبت العلوم بغير شيخ ........ وفي الاصطلاح :قال الداني في التيسير : فأما حقيقة الروم فهو تضعيفك الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها فتسمع لها صوتا خفيا يدركه الأعمى بحاسة سمعه . أ.هـ صـ54 قال الشاطبى : هو الإشارة إلى الحركة مع صوت خفي . قال السخاوى والصحيح في تحديد الروم ما قاله شيخنا رحمه الله - يقصد الإمام الشاطبى رحمه الله - من أنه إسماع الحركة بصوت خفي لا أنه الإتيان ببعض صوتها." .ا.هـ فتح الوصيد في شرح القصيد صـ 1/547 قال ابن الجزرى :الروم هو النطق ببعض الحركة ، وقال بعضهم هو تضعيف الصوت بالحركة ،وكلا القولين واحد ، وهو عند النحاة عبارة عن النطق بالحركة بصوت خفي .أ.هـ النشر 2/121 و فائده الروم و الإشمام كما قال ا بن الجزري : فائدة الإشارة بالروم و الإشمام : هي بيان الحركه التي تثبت في الوصل للحرف الموقوف عليه ليظهر للسامع أو للناظر كيف تلك الحركة الموقوف عليها " النشر2/125 و قال ابن جني "... ولكن روم الحركة يكاد الحرف يكون به متحركا ، ألا تراك تفصل به بين المذكر والمؤنث في قولك في الوقف " أنت" بفتح التاء و"أنت " بكسرها ، فلولا أن هناك صوتا لما وجدت فصلا إلى هنا ..." الخصائص جـ 2 /330 فالروم،عند القراء غير الاختلاس وغير الإخفاء أيضا وهذان عندهم واحد ولذلك عبروا بكل منهما عن الآخر في نحو " وأرنا ـ ويهدَِى" و"يخصَِمون" وربما عبروا بالإخفاء عن الروم أيضا كما في " تأمنا" . قلت: الروم والاختلاس واحد عند النحاة ـ أي بمعنى واحد ـ وكذلك عند القراء قديما قال الداني في التيسير في ذكر الحرفين المتقاربين قال: " واعلم أن اليزيدى حكي عن أبي عمرو ـ ـ ـ ـ والإشارة تكون روما وإشماما والروم أكثر لما فيه من البيان عن كيفية الحركة ـ ـ ـ" أ.هـ وتبعه الشاطبى حيث قال : وأشمم ورم في غير باء وميمها مع الباء أو ميم و كن متأملا قال الضباع:" والروم هنا عبارة عن الإخفاء" أ.هـ إرشاد المريد صـ44 وقد تقدم أن الإخفاء والاختلاس بمعنى واحد ولا مشاحة في الاصطلاح إذا عرفت الحقائق. واستصوب بعضهم تعريف الداني على تعريف النحاة قال الشيخ الحصري : لأن هذا التعريف أوضح من سابقه و أولى منه على المقصود ، و هو تبعيض الحركة ، لأن ذهاب معظم صوت الحركة دال على تبعيضها قطعا بخلاف التعريف السابق – تعريف النحاه ـ فإن كونها بصوت خفى لا يدل على تبعيضها ، و يمكن الجمع بين التعريفين بأن المراد بالصوت في التعريف الأول صوت الحركة و المراد بخفائه نقصانه و إذا نقص صوت الحركة نقصت الحركة و ذلك يدل على تبعيضها ، و بهذا الاعتبار يتحد المعنيان أ.هــــــ أحكام قراءه القران الكريم واعلم أخي الكريم أن الفرق بين الروم والاختلاس عند المحدثين في عدة أمور . أولها : أن الروم يؤتى فيه بثلث الحركة ** والاختلاس يؤتى فيه بثلثيهما ثانيها: أن الروم لا يكون إلا في الوقف ** والاختلاس يكون في الوقف والوصل ثالثها: أن الروم لا يكون إلا في المرفوع والمضموم والمجرور والمكسور ** والاختلاس في جميع الحركات بناء كانت أو إعرابا ... ا.هـ هداية القاري *فيما يكون فيه الروم. الروم يكون في المضموم والمرفوع و المكسور والمخفوض أو يقال المجرور قد تلحظ أخي القارئ أن المضموم هو عين المرفوع و كذا المكسور عين المخفوض فلم ذكر هذا التفصيل ؟ أقول :إن المضموم والمكسور والمفتوح إنما هي علامات بناء لأنها لا تتغير مادام اللفظ بحاله، تقول : مبنى على الضم ومبنى على الكسر و مبنى على الفتح. *أما ما كان حركة إعراب فإنك تقول : مرفوع بالضمة مجرور أو مخفوض بالكسرة، منصوب بالفتحة. فإن قال قائل لم لم يقتصر القراء على نوع واحد ـ أي المرفوع أو المضموم وهكذا؟ قال أبو شامة:" ولو اقتصر على ألقاب أحدهما لخيف أن يظن الآخر غير داخل في ذلك".أ.هـ إبراز المعاني صـ269 ـ يقصد بألقاب أحدهما حركات البناء والإعراب ـ ـ سؤال: هل الروم يدخل في جميع الحركات؟ أقول : ليس الأمر كذلك فقد منع القراء الروم في بعض الحالات،وإليك بيانها: لا يدخل الروم في المنصوب والمفتوح : قال النويرى"مظهر فائدة الخلاف في حقيقة الروم في المفتوح والمنصوب ـ غير المنون ـ فعلى قول القراء لا يدخل على حركة الفتح لخفتها فلو خرج بعضها خرج كلها، وأختاها يقبلان التبعيض لثقلها وعلى قول النحاة يدخل فيهما لأنه عندهم إخفاء الحركة فهو بمعنى الاختلاس و هو جائز في الحركات الثلاث ولذلك جاز عند القراء اختلاس فتحة " يخصمون" و" يهدَِى" ولم يجز عندهم روم "لا ريب" و"أن المساجد" وجاز الروم والاختلاس في نحو"أن يضرب" فالروم وقفا والاختلاس وصلا وكلاهما واحد قال سيبويه في كتابه "أما ما كان في موضع نصب أو جر فإنك تروم فيه الحركة،فأما الإشمام فليس إليه سبيل"أ.هـ. قال الجاربردي في شرح الشافية :"...والأكثر على منعه في المفتوح لخفة الفتحة و سرعتها في النطق لا تكاد تخرج إلا على حالها في الوصل وأيضا فإنه يشبه النوباء فيؤدي إلى تشويه صورة الفم ..." أ.هـ 1/169 قال المالقي :" فإن قيل : هذا تعليل غير بين ، لأن العادة في لسان العرب ترك الثقيل واستعمال الخفيف ، فكيف استعمل القراء الروم في الضمة والكسرة مع ثقلهما وتركوا روم الفتحة لكونها خفيفة ؟ فالجواب: أن مراده أن الفتحة لخفتها سهلت على من أراد النطق بها فيخاف أن يريد القارئ النطق ببعضها ،فيحصل النطق بكلها فرفضوا رومها محافظة واحتياطا لألفاظ القرءان ،ووقفوا بالسكون الذى هو أكثر استعمالا كما نص عليه سيبويه ،وأما الضمة والكسرة فقد يقصد القارئ النطق بكل واحدة منهما على التمام ،فيحصل النطق ببعضها ،وذلك لثقلهما ،فاذا قصد النطق ببعضهما كان ذلك ابعد من حصول تمامها وهذا بخلاف كسرة هؤلاء وضمة " قبل ُو بعدُ " فإن هذه الحركة وإن كانت لالتقاء الساكنين لكن لا تذهب الى الساكن قبلها فى الوقف لأنه من نفس الكلمة )ا0هـ بتصرف0،والله أعلم الثاني : هاء التأنيث واختلفوا في هاء التأنيث هل هي الأصل أم الهاء ؟ قال السخاوى في فتح الوصيد " ذهب جماعة من أئمة العربية إلى أن الهاء هي الأصل واستدلوا علىذلك بأشياء منها : أن أهل الحجاز وقريشا يقفون بالهاء ، وكذلك عامة القراء 0قال بعض العلماء:إنما جعلوها تاء في الوصل لئلا يلتبس( شجرة ) في حال النصب بقولهم : { شجرها **، وذلك أنهم لو تركوها هاء في الوصل لقالوا في حال النصب :" رأيت شجرها" كقولك :" رأيت زيدا" لأنها حرف إعراب كالدال من زيد فيؤدى ذلك إلى الإلباس فأبدلوها في حال الوصل تاء خشية الإلباس لأنها حال تعاقب الحركات ولما أمن الإلباس في الوقف تركت على حالها إذ لا حركة، وهذا مذهب ثعلب وغيره قالوا: الهاء هي الأصل في الأسماء المؤنثة وقصد بها الفرق بين الأسماء والأفعال لتكون الأفعال بالتاء، والأسماء بالهاء لئلا يلتبس تاء (شجرة بشجرت ) مثلا ، ودليل صحة ذلك أن أكثر هذا الباب في المصحف مكتوب بالهاء ، وأما في غير المصحف فيكتب جميعه بالهاء ولأنها تسمى هاء التأنيث و التي في نحو ضربت تسمى تاء التأنيث و مذهب سيبويه و الفراء و أبن كيسان و غيرهم أن التاء هي الأصل لأن الإعراب يلحقها دون الهاء 0 قال سيبويه: وإنما أبدلت هاء في الوقف لأن التاء قد تكون من نفس الحرف ـ [ كعفريت ـ ، وملكوت ] ففرقوا بينهما بإبدالها هاء . قال ابن كيسان إنما أبدلت لأن الوقف يلزمها السكون فلو قالوا : شجرت لأشبه ضربت وهذه التاء مخالفة لتاء ( ضربت ) لما يلحقها من الإعراب فأبدلوا منها الهاء لتكون فصلا بينهما، وقال الفراء: التاء هي الأصل والهاء داخلة عليها لأنك تقول: قامت فهذا هو الأصل الذي بني عليه ما فيه الهاء،قال: وعلى ذلك لغة طىء في الوقف يقولون:امرأت، وجاريت وصالحت، وشجرت، وكذلك حكي سيبويه عن أبى الخطاب عن العرب وأنشد أبو الخطاب شاهدا على ذلك: الله نجــــاك بكفي مسلمـــــــــــــات *** من بعدما وبعدمــــا وبعدمت صارت نفوس القوم عند الغلصمت *** وكادت الحرة أن تدعى أمت . ا. هـ ا/ 551، 552 المراد بهاء التأنيث الهاء التي يلحق الأسماء وقفا بدلا من التاء مثل (الجنة) وهي قسمان: قسم رسم بالهاء المربوطة (كالصلاة( وقسم رسم بالتاء مفتوحة. وهذا ما اختلف فيه القراء هل يوقف عليها بالتاء أم بالهاء؟ أما بالنسبة للتاء المقبوضة (المربوطة( فهذا لا يدخله روم ولا إشمام ألبتة وهذا بالإجماع . وعلة ذلك قال السخاوى في شرحه للشاطبية" وما وقف عليه بالهاء لم يدخل فيه روم ولا إشمام لأنها مشبهة في الوقف بألف التأنيث فالسكون لازم لها كما يلزم الألف ولأن الحركات التي بينها الروم والإشمام إنما هي في التاء لا في الهاء و التاء معدومة في الوقف ." فائدة : ما رسم بالتاء يكون بها روم وإشمام لأنها تاء محضة و هي التي كانت في الوصل لذلك قال الشاطبى :وفي هاء تأنيث ولم يقل : في تاء تأنيث.أ.هـ المنح الفكرية للملا على القارئ قلت : وهذا على مذهب من وقف من القراء بالتاء. المانع الثالث : ميم الجمع عند من يصلها بواو وصلا فلا يدخلها الروم والإشمام أيضا، وأما من يقرؤها بالسكون وصلا ووقفا فلا يتأتى فيها دخول الروم والإشمام عنده .أ.هـ.الوافي في شرح الشاطبية للقاضي. وعلة من وصلها بواو أنك لو ضممتها لظن أنها تضم لغير ذلك أي أن ضمها لأجل صلة الواو فقط فعند انتفاء الصلة تنتفي علة الضم.