منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع القران الكريم وعلومه (https://hwazen.com/vb/f28.html)
-   -   تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (https://hwazen.com/vb/t16399.html)

ام عبدالله وامنه 05-13-2017 02:49 PM

تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

http://store6.up-00.com/2017-05/149467210553691.jpg
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين
والصلاة على أشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين..
نبدأ بالله مستعينات في قراءة كتاب
تفسير السعدي المسمى ب( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ) .
تفسير الجزء الأول

 تفسير الفاتحة

وهي مكية ‏[‏1 ـ 7‏]‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ‏}‏

‏{‏بِسْمِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ أبتدئ بكل اسم لله تعالى‏,‏ لأن لفظ ‏{‏اسم‏}‏ مفرد مضاف‏,‏ فيعم جميع الأسماء ‏[‏الحسنى‏]‏‏.‏ ‏{‏اللَّهِ‏}‏ هو المألوه المعبود‏,‏ المستحق لإفراده بالعبادة‏,‏ لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال‏.‏ ‏{‏الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏ اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء‏,‏ وعمت كل حي‏,‏ وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله‏.‏ فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة‏,‏ ومن عداهم فلهم نصيب منها‏.‏

واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها‏,‏ الإيمان بأسماء الله وصفاته‏,‏ وأحكام الصفات‏.‏

فيؤمنون مثلًا‏,‏ بأنه رحمن رحيم‏,‏ ذو الرحمة التي اتصف بها‏,‏ المتعلقة بالمرحوم‏.‏ فالنعم كلها‏,‏ أثر من آثار رحمته‏,‏ وهكذا في سائر الأسماء‏.‏ يقال في العليم‏:‏ إنه عليم ذو علم‏,‏ يعلم ‏[‏به‏]‏ كل شيء‏,‏ قدير‏,‏ ذو قدرة يقدر على كل شيء‏.‏

‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ‏}‏ ‏[‏هو‏]‏ الثناء على الله بصفات الكمال‏,‏ وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل‏,‏ فله الحمد الكامل‏,‏ بجميع الوجوه‏.‏ ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ الرب‏,‏ هو المربي جميع العالمين ـ وهم من سوى الله ـ بخلقه إياهم‏,‏ وإعداده لهم الآلات‏,‏ وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة‏,‏ التي لو فقدوها‏,‏ لم يمكن لهم البقاء‏.‏ فما بهم من نعمة‏,‏ فمنه تعالى‏.‏

وتربيته تعالى لخلقه نوعان‏:‏ عامة وخاصة‏.‏

فالعامة‏:‏ هي خلقه للمخلوقين‏,‏ ورزقهم‏,‏ وهدايتهم لما فيه مصالحهم‏,‏ التي فيها بقاؤهم في الدنيا‏.‏

والخاصة‏:‏ تربيته لأوليائه‏,‏ فيربيهم بالإيمان‏,‏ ويوفقهم له‏,‏ ويكمله لهم‏,‏ ويدفع عنهم الصوارف‏,‏ والعوائق الحائلة بينهم وبينه‏,‏ وحقيقتها‏:‏ تربية التوفيق لكل خير‏,‏ والعصمة عن كل شر‏.‏ ولعل هذا ‏[‏المعنى‏]‏ هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب‏.‏ فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة‏.‏

فدل قوله ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ على انفراده بالخلق والتدبير‏,‏ والنعم‏,‏ وكمال غناه‏,‏ وتمام فقر العالمين إليه‏,‏ بكل وجه واعتبار‏.‏

‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ المالك‏:‏ هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى‏,‏ ويثيب ويعاقب‏,‏ ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات‏,‏ وأضاف الملك ليوم الدين‏,‏ وهو يوم القيامة‏,‏ يوم يدان الناس فيه بأعمالهم‏,‏ خيرها وشرها‏,‏ لأن في ذلك اليوم‏,‏ يظهر للخلق تمام الظهور‏,‏ كمال ملكه وعدله وحكمته‏,‏ وانقطاع أملاك الخلائق‏.‏ حتى ‏[‏إنه‏]‏ يستوي في ذلك اليوم‏,‏ الملوك والرعايا والعبيد والأحرار‏.‏

كلهم مذعنون لعظمته‏,‏ خاضعون لعزته‏,‏ منتظرون لمجازاته‏,‏ راجون ثوابه‏,‏ خائفون من عقابه‏,‏ فلذلك خصه بالذكر‏,‏ وإلا‏,‏ فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام‏.‏

وقوله ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ أي‏:‏ نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة‏,‏ لأن تقديم المعمول يفيد الحصر‏,‏ وهو إثبات الحكم للمذكور‏,‏ ونفيه عما عداه‏.‏ فكأنه يقول‏:‏ نعبدك‏,‏ ولا نعبد غيرك‏,‏ ونستعين بك‏,‏ ولا نستعين بغيرك‏.‏

وقدم العبادة على الاستعانة‏,‏ من باب تقديم العام على الخاص‏,‏ واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده‏.‏

و‏{‏العبادة‏}‏ اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال‏,‏ والأقوال الظاهرة والباطنة‏.‏

والاستعانة‏}‏ هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع‏,‏ ودفع المضار‏,‏ مع الثقة به في تحصيل ذلك‏.‏

والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية‏,‏ والنجاة من جميع الشرور‏,‏ فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما‏.‏ وإنما تكون العبادة عبادة‏,‏ إذا كانت مأخوذة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقصودا بها وجه الله‏.‏ فبهذين الأمرين تكون عبادة‏,‏ وذكر ‏{‏الاستعانة‏}‏ بعد ‏{‏العبادة‏}‏ مع دخولها فيها‏,‏ لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى‏.‏ فإنه إن لم يعنه الله‏,‏ لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر‏,‏ واجتناب النواهي‏.‏
الاسئلة :
1_ مامعنى الرحمن الرحيم ؟
2_ مامعنى الحمدلله ؟
3_ عرفي العبادة ؟ والاستعانة ؟

وفقك الله

ام بشري 05-13-2017 03:22 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
[postback=massy/images/backgrounds/3.gif]
http://i1333.photobucket.com/albums/...ps34a07856.gif
http://i1333.photobucket.com/albums/...ps34a07856.gif.......................................
لكم من الابداع رونقه
ومن الاختيار جماله
دام لنا عطائكم المميز والجميل


.......................................

http://i1333.photobucket.com/albums/...ps34a07856.gif
[/postback]

نوال 05-13-2017 08:32 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
موضوع رااائع يالغالية ام عبدالله

جزاك الله خيرا وكتب اجرك


ام عبدالله وامنه 05-14-2017 03:51 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع...

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين.والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين ...
نكمل سويا قراءة تفسير سورة الفاتحة

نسال الله لنا ولكم التوفيق

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏}‏ أي‏:‏ دلنا وأرشدنا‏,‏ ووفقنا للصراط المستقيم‏,‏ وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله‏,‏ وإلى جنته‏,‏ وهو معرفة الحق والعمل به‏,‏ فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط‏.‏ فالهداية إلى الصراط‏:‏ لزوم دين الإسلام‏,‏ وترك ما سواه من الأديان‏,‏ والهداية في الصراط‏,‏ تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا‏.‏ فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته‏,‏ لضرورته إلى ذلك‏.‏

وهذا الصراط المستقيم هو‏:‏ ‏{‏صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏}‏ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‏.‏ ‏{‏غَيْرِ‏}‏ صراط ‏{‏الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏}‏ الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم‏.‏ وغير صراط ‏{‏الضَّالِّينَ‏}‏ الذين تركوا الحق على جهل وضلال‏,‏ كالنصارى ونحوهم‏.‏

فهذه السورة على إيجازها‏,‏ قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن‏,‏ فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة‏:‏ توحيد الربوبية يؤخذ من قوله‏:‏ ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏

وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة‏,‏ يؤخذ من لفظ‏:‏ ‏{‏اللَّهِ‏}‏ ومن قوله‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ‏}‏ وتوحيد الأسماء والصفات‏,‏ وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى‏,‏ التي أثبتها لنفسه‏,‏ وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه‏,‏ وقد دل على ذلك لفظ ‏{‏الْحَمْدُ‏}‏ كما تقدم‏.‏ وتضمنت إثبات النبوة في قوله‏:‏ ‏{‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏}‏ لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة‏.‏

وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله‏:‏ ‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ وأن الجزاء يكون بالعدل‏,‏ لأن الدين معناه الجزاء بالعدل‏.‏

وتضمنت إثبات القدر‏,‏ وأن العبد فاعل حقيقة‏,‏ خلافا للقدرية والجبرية‏.‏ بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع ‏[‏والضلال‏]‏ في قوله‏:‏ ‏{‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏}‏ لأنه معرفة الحق والعمل به‏.‏ وكل مبتدع ‏[‏وضال‏]‏ فهو مخالف لذلك‏.‏

وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى‏,‏ عبادة واستعانة في قوله‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ فالحمد لله رب العالمين‏.‏
الاسئلة:
1_ مامعنى اهدنا؟
2_ من هم الذين انعم الله عليهم ؟
3_ من هم المغضوب عليهم؟


ام عبدالله وامنه 05-14-2017 03:55 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين ..نتابع معا القراءة في تفسير السعدي:
تفسير سورة البقرة (الجزء الأول)

وهي مدنية ‏[‏1 ـ 3 ] ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {‏الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏

تقدم الكلام على البسملة‏.‏ وأما الحروف المقطعة في أوائل السور‏,‏ فالأسلم فيها‏,‏ السكوت عن التعرض لمعناها ‏[‏من غير مستند شرعي‏]‏‏,‏ مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثًا بل لحكمة لا نعلمها‏.‏

وقوله ‏{‏ذَلِكَ الْكِتَابُ‏}‏ أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة‏,‏ المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم‏,‏ والحق المبين‏.‏ فـ ‏{‏لَا رَيْبَ فِيهِ‏}‏ ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه‏,‏ يستلزم ضده‏,‏ إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب‏.‏ وهذه قاعدة مفيدة‏,‏ أن النفي المقصود به المدح‏,‏ لا بد أن يكون متضمنا لضدة‏,‏ وهو الكمال‏,‏ لأن النفي عدم‏,‏ والعدم المحض‏,‏ لا مدح فيه‏.‏

فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال‏:‏ ‏{‏هُدًى لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ والهدى‏:‏ ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة‏.‏ وقال ‏{‏هُدًى‏}‏ وحذف المعمول‏,‏ فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية‏,‏ ولا للشيء الفلاني‏,‏ لإرادة العموم‏,‏ وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية‏,‏ ومبين للحق من الباطل‏,‏ والصحيح من الضعيف‏,‏ ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم‏,‏ في دنياهم وأخراهم‏.‏

وقال في موضع آخر‏:‏ ‏{‏هُدًى لِلنَّاسِ‏}‏ فعمم‏.‏ وفي هذا الموضع وغيره ‏{‏هُدًى لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق‏.‏ فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا‏.‏ ولم يقبلوا هدى الله‏,‏ فقامت عليهم به الحجة‏,‏ ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر‏,‏ لحصول الهداية‏,‏ وهو التقوى التي حقيقتها‏:‏ اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه‏,‏ بامتثال أوامره‏,‏ واجتناب النواهي‏,‏ فاهتدوا به‏,‏ وانتفعوا غاية الانتفاع‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا‏}‏ فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية‏,‏ والآيات الكونية‏.‏
ولأن الهداية نوعان‏:‏ هداية البيان‏,‏ وهداية التوفيق‏.‏ فالمتقون حصلت لهم الهدايتان‏,‏ وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق‏.‏ وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها‏,‏ ليست هداية حقيقية ‏[‏تامة‏]‏‏.‏

ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة‏,‏ والأعمال الظاهرة‏,‏ لتضمن التقوى لذلك فقال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏}‏ حقيقة الإيمان‏:‏ هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل‏,‏ المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس‏,‏ فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر‏.‏ إنما الشأن في الإيمان بالغيب‏,‏ الذي لم نره ولم نشاهده‏,‏ وإنما نؤمن به‏,‏ لخبر الله وخبر رسوله‏.‏ فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر‏,‏ لأنه تصديق مجرد لله ورسله‏.‏ فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به‏,‏ أو أخبر به رسوله‏,‏ سواء شاهده‏,‏ أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله‏,‏ أو لم يهتد إليه عقله وفهمه‏.‏ بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية‏,‏ لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم‏,‏ ومرجت أحلامهم‏.‏ وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله‏.‏

ويدخل في الإيمان بالغيب‏,‏ ‏[‏الإيمان بـ‏]‏ بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة‏,‏ وأحوال الآخرة‏,‏ وحقائق أوصاف الله وكيفيتها‏,‏ ‏[‏وما أخبرت به الرسل من ذلك‏]‏ فيؤمنون بصفات الله ووجودها‏,‏ ويتيقنونها‏,‏ وإن لم يفهموا كيفيتها‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ‏}‏ لم يقل‏:‏ يفعلون الصلاة‏,‏ أو يأتون بالصلاة‏,‏ لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة‏.‏ فإقامة الصلاة‏,‏ إقامتها ظاهرا‏,‏ بإتمام أركانها‏,‏ وواجباتها‏,‏ وشروطها‏.‏ وإقامتها باطنا بإقامة روحها‏,‏ وهو حضور القلب فيها‏,‏ وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ‏}‏ وهي التي يترتب عليها الثواب‏.‏ فلا ثواب للإنسان من صلاته‏,‏ إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ‏}‏ يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة‏,‏ والنفقة على الزوجات والأقارب‏,‏ والمماليك ونحو ذلك‏.‏ والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير‏.‏ ولم يذكر المنفق عليهم‏,‏ لكثرة أسبابه وتنوع أهله‏,‏ ولأن النفقة من حيث هي‏,‏ قربة إلى الله، وأتى بـ ‏"‏من‏"‏ الدالة على التبعيض‏,‏ لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم‏,‏ غير ضار لهم ولا مثقل‏,‏ بل ينتفعون هم بإنفاقه‏,‏ وينتفع به إخوانهم .
وفي قوله‏:‏ ‏{‏رَزَقْنَاهُمْ‏}‏ إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم‏,‏ ليست حاصلة بقوتكم وملككم‏,‏ وإنما هي رزق الله الذي خولكم‏,‏ وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده‏,‏ فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم‏,‏ وواسوا إخوانكم المعدمين‏.‏

وكثيرًا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن‏,‏ لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود‏,‏ والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود‏,‏ وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه‏,‏ فلا إخلاص ولا إحسان‏.‏
1_مامعنى ..لاريب فيه).
2_ الهداية نوعان ..وضحي ذلك؟
3_ لماذا قال ( ويقيمون الصلاة)ولم يقل يؤدونها..

ام عبدالله وامنه 05-17-2017 03:34 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 



يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين ..
نتابع معا القراءة في تفسير السعدي من سورة البقرة من آية4الى آية7
ثم قال‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏}‏ وهو القرآن والسنة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏ فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول‏,‏ ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه‏,‏ فيؤمنون ببعضه‏,‏ ولا يؤمنون ببعضه‏,‏ إما بجحده أو تأويله‏,‏ على غير مراد الله ورسوله‏,‏ كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة‏,‏ الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم‏,‏ بما حاصله عدم التصديق بمعناها‏,‏ وإن صدقوا بلفظها‏,‏ فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ‏}‏ يشمل الإيمان بالكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه‏,‏ خصوصًا التوراة والإنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏}‏ و ‏"‏الآخرة‏"‏ اسم لما يكون بعد الموت، وخصه ‏[‏بالذكر‏]‏ بعد العموم‏,‏ لأن الإيمان باليوم الآخر‏,‏ أحد أركان الإيمان؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل، و ‏"‏اليقين‏"‏ هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك‏,‏ الموجب للعمل‏.‏

‏{‏أُولَئِكَ‏}‏ أي‏:‏ الموصوفون بتلك الصفات الحميدة ‏{‏عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏ أي‏:‏ على هدى عظيم‏,‏ لأن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة، وهل الهداية ‏[‏الحقيقية‏]‏ إلا هدايتهم، وما سواها ‏[‏مما خالفها‏]‏، فهو ضلالة‏.‏

وأتى بـ ‏"‏على‏"‏ في هذا الموضع‏,‏ الدالة على الاستعلاء‏,‏ وفي الضلالة يأتي ب ـ ‏"‏في‏"‏ كما في قوله‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏ لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى‏,‏ مرتفع به‏,‏ وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ والفلاح ‏[‏هو‏]‏ الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم‏,‏ وما عدا تلك السبيل‏,‏ فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك‏.‏

‏[‏6 ـ 7‏]‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏

فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقًا‏,‏ ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم، المعاندين للرسول فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ يخبر تعالى أن الذين كفروا‏,‏ أي‏:‏ اتصفوا بالكفر‏,‏ وانصبغوا به‏,‏ وصار وصفًا لهم لازمًا‏,‏ لا يردعهم عنه رادع‏,‏ ولا ينجع فيهم وعظ، إنهم مستمرون على كفرهم‏,‏ فسواء عليهم أأنذرتهم‏,‏ أم لم تنذرهم لا يؤمنون، وحقيقة الكفر‏:‏ هو الجحود لما جاء به الرسول‏,‏ أو جحد بعضه، فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة إلا إقامة الحجة‏,‏ وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في إيمانهم‏,‏ وأنك لا تأس عليهم‏,‏ ولا تذهب نفسك عليهم حسرات‏.‏

ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الإيمان فقال‏:‏ ‏{‏خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان‏,‏ ولا ينفذ فيها، فلا يعون ما ينفعهم‏,‏ ولا يسمعون ما يفيدهم‏.‏

‏{‏وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ‏}‏ أي‏:‏ غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم‏,‏ وهذه طرق العلم والخير‏,‏ قد سدت عليهم‏,‏ فلا مطمع فيهم‏,‏ ولا خير يرجى عندهم، وإنما منعوا ذلك‏,‏ وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق‏,‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏}‏ وهذا عقاب عاجل‏.‏

ثم ذكر العقاب الآجل، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ وهو عذاب النار‏,‏ وسخط الجبار المستمر الدائم‏ .
الاسئلة :
1_ مامعنى اليقين.. ومامعنى الفلاح ؟
2_ ماهي الموانع التي منعتهم من الايمان ؟؟










ام عبدالله وامنه 05-25-2017 02:21 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه اجمعين ..نتابع معا القراءة في تفسير سورة البقرة..وفقكم الله.
8 ـ 10‏]‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ‏}‏

واعلم أن النفاق هو‏:‏ إظهار الخير وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي‏,‏ والنفاق العملي، كالذي ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله‏:‏ ‏(‏آية المنافق ثلات‏:‏ إذا حدث كذب‏,‏ وإذا وعد أخلف‏,‏ وإذا اؤتمن خان‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏وإذا خاصم فجر‏)‏‏.‏

وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام‏,‏ فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولم يكن النفاق موجودًا قبل هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏[‏من مكة‏]‏ إلى المدينة‏,‏ وبعد أن هاجر‏,‏ فلما كانت وقعة ‏"‏بدر‏"‏ وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم‏,‏ فأظهر بعضهم الإسلام خوفًا ومخادعة‏,‏ ولتحقن دماؤهم‏,‏ وتسلم أموالهم‏,‏ فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم‏,‏ وفي الحقيقة ليسوا منهم‏.‏

فمن لطف الله بالمؤمنين‏,‏ أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها‏,‏ لئلا يغتر بهم المؤمنون‏,‏ ولينقمعوا أيضًا عن كثير من فجورهم ‏[‏قال تعالى‏]‏‏:‏ ‏{‏يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏ فوصفهم الله بأصل النفاق فقال‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله بقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ لأن الإيمان الحقيقي‏,‏ ما تواطأ عليه القلب واللسان‏,‏ وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين‏.‏

والمخادعة‏:‏ أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئًا‏,‏ ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، فهؤلاء المنافقون‏,‏ سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك‏,‏ فعاد خداعهم على أنفسهم، فإن هذا من العجائب؛ لأن المخادع‏,‏ إما أن ينتج خداعه ويحصل له ما يريد أو يسلم‏,‏ لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعهم عليهم‏,‏ وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وإضرارها وكيدها؛ لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم ‏[‏شيئًا‏]‏ وعباده المؤمنون‏,‏ لا يضرهم كيدهم شيئًا، فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان‏,‏ فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم‏,‏ وصار كيدهم في نحورهم‏,‏ وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا‏,‏
‏ والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة‏.‏

ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع‏,‏ بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم‏,‏ والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏}‏ والمراد بالمرض هنا‏:‏ مرض الشك والشبهات والنفاق، لأن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله‏:‏ مرض الشبهات الباطلة‏,‏ ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع‏,‏ كلها من مرض الشبهات، والزنا‏,‏ ومحبة ‏[‏الفواحش و‏]‏ المعاصي وفعلها‏,‏ من مرض الشهوات ، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ‏}‏ وهي شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين‏,‏ فحصل له اليقين والإيمان‏,‏ والصبر عن كل معصية‏,‏ فرفل في أثواب العافية‏.‏

وفي قوله عن المنافقين‏:‏ ‏{‏فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا‏}‏ بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين‏,‏ وأنه بسبب ذنوبهم السابقة‏,‏ يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ‏}‏ فعقوبة المعصية‏,‏ المعصية بعدها‏,‏ كما أن من ثواب الحسنة‏,‏ الحسنة بعدها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى‏}‏
الاسئلة :
1_ ماالمقصود بالنفاق؟وماانواعه؟
2_ ماالمراد بالمرض المذكور في الايات؟

نوال 06-07-2017 03:16 AM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
جزاك الله خير يالغالية
وبارك فيك وفي عملك

نوال 06-07-2017 03:17 AM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
جزاك الله خير يالغالية
وبارك فيك وفي عملك

ام عبدالله وامنه 07-01-2017 09:14 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه .نتابع معا القراءة في تفسير السعدي سورةالبقرة.من الايات 11الى15.
[‏11 ـ 12‏]‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ‏}‏

أي‏:‏ إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض‏,‏ وهو العمل بالكفر والمعاصي‏,‏ ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين ‏{‏قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ‏}‏ فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض‏,‏ وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح‏,‏ قلبا للحقائق‏,‏ وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقًا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية‏,‏ مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة‏,‏ وأرجى لرجوعه‏.‏

ولما كان في قولهم‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ‏}‏ حصر للإصلاح في جانبهم ـ وفي ضمنه أن المؤمنين ليسوا من أهل الإصلاح ـ قلب الله عليهم دعواهم بقوله‏:‏ ‏{‏ألا إنهم هم المفسدون‏}‏ فإنه لا أعظم فسادًا ممن كفر بآيات الله‏,‏ وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه‏,‏ ووالى المحاربين لله ورسوله‏,‏ وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح‏,‏ فهل بعد هذا الفساد فساد‏؟‏ ولكن لا يعلمون علمًا ينفعهم‏,‏ وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله، وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادًا‏,‏ لأنه يتضمن فساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار‏,‏ والنبات‏,‏ بما يحصل فيها من الآفات بسبب المعاصي، ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به‏,‏ لهذا خلق الله الخلق‏,‏ وأسكنهم في الأرض‏,‏ وأدر لهم الأرزاق‏,‏ ليستعينوا بها على طاعته ‏[‏وعبادته‏]‏، فإذا عمل فيها بضده‏,‏ كان سعيا فيها بالفساد فيها‏,‏ وإخرابا لها عما خلقت له‏.‏

‏[‏13‏]‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏

أي‏:‏ إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس‏,‏ أي‏:‏ كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان‏,‏ قالوا بزعمهم الباطل‏:‏ أنؤمن كما آمن السفهاء‏؟‏ يعنون ـ قبحهم الله ـ الصحابة رضي الله عنهم‏,‏ بزعمهم أن سفههم أوجب لهم الإيمان‏,‏ وترك الأوطان‏,‏ ومعاداة الكفار، والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك‏,‏ فنسبوهم إلى السفه‏;‏ وفي ضمنه أنهم هم العقلاء أرباب الحجى والنهى‏.‏

فرد الله ذلك عليهم‏,‏ وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة‏,‏ لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه‏,‏ وسعيه فيما يضرها‏,‏ وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا‏,‏ معرفة الإنسان بمصالح نفسه‏,‏ والسعي فيما ينفعه‏,‏ و‏[‏في‏]‏ دفع ما يضره.
وهذه الصفة منطبقة على ‏[‏الصحابة و‏]‏المؤمنين وصادقة عليهم، فالعبرة بالأوصاف والبرهان‏,‏ لا بالدعاوى المجردة‏,‏ والأقوال الفارغة‏.‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏[‏14 ـ 15‏]‏ ‏{‏وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏}‏

هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، و‏[‏ذلك‏]‏ أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين‏,‏ أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم‏,‏ فإذا خلوا إلى شياطينهم ـ أي‏:‏ رؤسائهم وكبرائهم في الشر ـ قالوا‏:‏ إنا معكم في الحقيقة‏,‏ وإنما نحن مستهزءون بالمؤمنين بإظهارنا لهم‏,‏ أنا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة‏,‏ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏}‏ وهذا جزاء لهم‏,‏ على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة‏,‏ حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين‏,‏ لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم، ومن استهزائه بهم يوم القيامة‏,‏ أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا‏,‏ فإذا مشي المؤمنون بنورهم‏,‏ طفئ نور المنافقين‏,‏ وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين‏,‏ فما أعظم اليأس بعد الطمع، ‏{‏يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ‏}‏ الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَيَمُدُّهُمْ‏}‏ أي‏:‏ يزيدهم ‏{‏فِي طُغْيَانِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ فجورهم وكفرهم، ‏{‏يَعْمَهُونَ‏}‏ أي‏:‏ حائرون مترددون‏,‏ وهذا من استهزائه تعالى بهم‏.‏

ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة أحوالهم‏:‏
الاسئلة:
1_ ماهو السفه؟
2 _ مامعنى يمدهم؟ يعمهون ؟
الحل على الخاص بارك فيكم

ام عبدالله وامنه 07-01-2017 09:20 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه اجمعين..

نتابع معا القراءة في تفسير السعدي


16‏]‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ‏}‏

أولئك‏,‏ أي‏:‏ المنافقون الموصوفون بتلك الصفات ‏{‏الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى‏}‏ أي‏:‏ رغبوا في الضلالة‏,‏ رغبة المشتري بالسلعة‏,‏ التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة‏.‏ وهذا من أحسن الأمثلة‏,‏ فإنه جعل الضلالة‏,‏ التي هي غاية الشر‏,‏ كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن، فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة رغبة فيها، فهذه تجارتهم‏,‏ فبئس التجارة‏,‏ وبئس الصفقة صفقتهم وإذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا‏,‏ فكيف من بذل جوهرة وأخذ عنها درهما‏؟‏ فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة‏,‏ واختار الشقاء على السعادة‏,‏ ورغب في سافل الأمور عن عاليها ‏؟‏ فما ربحت تجارته‏,‏ بل خسر فيها أعظم خسارة‏.‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ‏}‏ تحقيق لضلالهم‏,‏ وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء‏,‏ فهذه أوصافهم القبيحة‏.‏

ثم ذكر مثلهم الكاشف لها غاية الكشف، فقال‏:‏

‏[‏17 ـ 20‏]‏ ‏{‏مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏

أي‏:‏ مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارًا، أي‏:‏ كان في ظلمة عظيمة‏,‏ وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره‏,‏ ولم تكن عنده معدة‏,‏ بل هي خارجة عنه، فلما أضاءت النار ما حوله‏,‏ ونظر المحل الذي هو فيه‏,‏ وما فيه من المخاوف وأمنها‏,‏ وانتفع بتلك النار‏,‏ وقرت بها عينه‏,‏ وظن أنه قادر عليها‏,‏ فبينما هو كذلك‏,‏ إذ ذهب الله بنوره‏,‏ فذهب عنه النور‏,‏ وذهب معه السرور‏,‏ وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة‏,‏ فذهب ما فيها من الإشراق‏,‏ وبقي ما فيها من الإحراق،
، فبقي في ظلمات متعددة‏:‏ ظلمة الليل‏,‏ وظلمة السحاب‏,‏ وظلمة المطر‏,‏ والظلمة الحاصلة بعد النور‏,‏ فكيف يكون حال هذا الموصوف‏؟‏ فكذلك هؤلاء المنافقون‏,‏ استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين‏,‏ ولم تكن صفة لهم‏,‏ فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم‏,‏ وسلمت أموالهم‏,‏ وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت‏,‏ فسلبهم الانتفاع بذلك النور‏,‏ وحصل لهم كل هم وغم وعذاب‏,‏ وحصل لهم ظلمة القبر‏,‏ وظلمة الكفر‏,‏ وظلمة النفاق‏,‏ وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها‏,‏ وبعد ذلك ظلمة النار ‏[‏وبئس القرار‏]‏‏.‏

فلهذا قال تعالى ‏[‏عنهم‏]‏‏:‏ ‏{‏صُمٌّ‏}‏ أي‏:‏ عن سماع الخير، ‏{‏بُكْمٌ‏}‏ ‏[‏أي‏]‏‏:‏ عن النطق به، ‏{‏عُمْيٌ‏}‏ عن رؤية الحق، ‏{‏فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ‏}‏ لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه‏,‏ فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال‏,‏ فإنه لا يعقل‏,‏ وهو أقرب رجوعا منهم‏.‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ‏}‏ يعني‏:‏ أو مثلهم كصيب، أي‏:‏ كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب‏,‏ أي‏:‏ ينزل بكثرة، ‏{‏فِيهِ ظُلُمَاتٌ‏}‏ ظلمة الليل‏,‏ وظلمة السحاب‏,‏ وظلمات المطر، ‏{‏وَرَعْدٌ‏}‏ وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، ‏{‏وَبَرْقٌ‏}‏ وهو الضوء ‏[‏اللامع‏]‏ المشاهد مع السحاب‏.‏

‏{‏كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ‏}‏ البرق في تلك الظلمات ‏{‏مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا‏}‏ أي‏:‏ وقفوا‏.‏

فهكذا حال المنافقين‏,‏ إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده‏,‏ جعلوا أصابعهم في آذانهم‏,‏ وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده‏,‏ فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم‏,‏ ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد‏,‏ ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت‏,‏ فهذا تمكن له السلامة‏.‏ وأما المنافقون فأنى لهم السلامة‏,‏ وهو تعالى محيط بهم‏,‏ قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه‏,‏ بل يحفظ عليهم أعمالهم‏,‏ ويجازيهم عليها أتم الجزاء‏.‏

ولما كانوا مبتلين بالصمم‏,‏ والبكم‏,‏ والعمى المعنوي‏,‏ ومسدودة عليهم طرق الإيمان، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ الحسية‏,‏ ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية‏,‏ ليحذروا‏,‏ فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم، ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ فلا يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئًا فعله من غير ممانع ولا معارض‏.‏
وفي هذه الآية وما أشبهها‏,‏ رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى‏,‏ لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏
الاسئلة:
1_ مامعنى صم ..بكم...عمي ؟
2_ مامعنى..كصيب من السماء؟

ام عبدالله وامنه 07-24-2017 06:51 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين ..
نواصل معا القراءة في تفسير السعدي .. آملة منكم التفاعل والحل .. فقد مرت الايام سريعة نسال الله منها العمل الصالح والاجر والثواب .

‏[‏21 ـ 22‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏

هذا أمر عام لكل الناس‏,‏ بأمر عام‏,‏ وهو العبادة الجامعة‏,‏ لامتثال أوامر الله‏,‏ واجتناب نواهيه‏,‏ وتصديق خبره‏,‏ فأمرهم تعالى بما خلقهم له، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏

ثم استدل على وجوب عبادته وحده‏,‏ بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم‏,‏ فخلقكم بعد العدم‏,‏ وخلق الذين من قبلكم‏,‏ وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة‏,‏ فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها‏,‏ وتنتفعون بالأبنية‏,‏ والزراعة‏,‏ والحراثة‏,‏ والسلوك من محل إلى محل‏,‏ وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم‏,‏ وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم‏,‏ كالشمس‏,‏ والقمر‏,‏ والنجوم‏.‏

‏{‏وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً‏}‏ والسماء‏:‏ ‏[‏هو‏]‏ كل ما علا فوقك فهو سماء‏,‏ ولهذا قال المفسرون‏:‏ المراد بالسماء ها هنا‏:‏ السحاب، فأنزل منه تعالى ماء، ‏{‏فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ‏}‏ كالحبوب‏,‏ والثمار‏,‏ من نخيل‏,‏ وفواكه‏,‏ ‏[‏وزروع‏]‏ وغيرها ‏{‏رِزْقًا لَكُمْ‏}‏ به ترتزقون‏,‏ وتقوتون وتعيشون وتفكهون‏.‏

‏{‏فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا‏}‏ أي‏:‏ نظراء وأشباها من المخلوقين‏,‏ فتعبدونهم كما تعبدون الله‏,‏ وتحبونهم كما تحبون الله‏,‏ وهم مثلكم‏,‏ مخلوقون‏,‏ مرزوقون مدبرون‏,‏ لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم ولا يضرون، ‏{‏وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ أن الله ليس له شريك‏,‏ ولا نظير‏,‏ لا في الخلق‏,‏ والرزق‏,‏ والتدبير‏,‏ ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك‏؟‏ هذا من أعجب العجب‏,‏ وأسفه السفه‏.‏

وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده‏,‏ والنهي عن عبادة ما سواه‏,‏ وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته‏,‏ وبطلان عبادة من سواه‏,‏ وهو ‏[‏ذكر‏]‏ توحيد الربوبية‏,‏ المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك‏,‏ فكذلك فليكن إقراره بأن ‏[‏الله‏]‏ لا شريك له في العبادة‏,‏ وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطلان الشرك‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ يحتمل أن المعنى‏:‏ أنكم إذا عبدتم الله وحده‏,‏ اتقيتم بذلك سخطه وعذابه‏,‏ لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى‏:‏ أنكم إذا عبدتم الله‏,‏ صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى‏,‏ وكلا المعنيين صحيح‏,‏ وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة‏,‏ كان من المتقين، ومن كان من المتقين‏,‏ حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏

‏[‏23 ـ 24‏]‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏

وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحة ما جاء به، فقال‏:‏ ‏{‏وإن كنتم‏}‏ معشر المعاندين للرسول‏,‏ الرادين دعوته‏,‏ الزاعمين كذبه في شك واشتباه‏,‏ مما نزلنا على عبدنا‏,‏ هل هو حق أو غيره‏؟‏ فها هنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم‏,‏ ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم‏,‏ لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله‏,‏ وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون‏,‏ فأتوا بسورة من مثله‏,‏ واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم‏,‏ فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصًا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة‏,‏ والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله‏,‏ فهو كما زعمتم‏,‏ وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز‏,‏ ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى‏,‏ ودليل واضح ‏[‏جلي‏]‏ على صدقه وصدق ما جاء به‏,‏ فيتعين عليكم اتباعه‏,‏ واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة ‏[‏والشدة‏]‏‏,‏ أن كانت وقودها الناس والحجارة‏,‏ ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب‏,‏ وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله‏.‏ فاحذروا الكفر برسوله‏,‏ بعد ما تبين لكم أنه رسول الله‏.‏

وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي‏,‏ وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى ‏{‏قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا‏}‏

وكيف يقدر المخلوق من تراب‏,‏ أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب‏؟‏ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه‏,‏ أن يأتي بكلام ككلام الكامل‏,‏ الذي له الكمال المطلق‏,‏
,‏ ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة ‏[‏بأنواع‏]‏ الكلام‏,‏ إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء‏,‏ ظهر له الفرق العظيم‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ‏}‏ إلى آخره‏,‏ دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة‏:‏ ‏[‏هو‏]‏ الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق‏.‏

وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه‏,‏ فهذا لا يمكن رجوعه‏,‏ لأنه ترك الحق بعد ما تبين له‏,‏ لم يتركه عن جهل‏,‏ فلا حيلة فيه‏.‏

وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق‏,‏ بل هو معرض غير مجتهد في طلبه‏,‏ فهذا في الغالب أنه لا يوفق‏.‏

وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم‏,‏ دليل على أن أعظم أوصافه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيامه بالعبودية‏,‏ التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين‏.‏

كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ‏}‏ وفي مقام الإنزال، فقال‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ‏}‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏ ونحوها من الآيات‏,‏ دليل لمذهب أهل السنة والجماعة‏,‏ أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضًا‏,‏ أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار‏,‏ لأنه قال‏:‏ ‏{‏أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏ فلو كان ‏[‏عصاة الموحدين‏]‏ يخلدون فيها‏,‏ لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة‏.‏

وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه‏,‏ وهو الكفر‏,‏ وأنواع المعاصي على اختلافها‏.‏
الاسئلة :
1_ مامعنى كل من ..أندادا..السماء..ريب..؟؟
2_ أية23و24 سميت آية التحدي اذكري السبب؟

ام عبدالله وامنه 07-24-2017 06:55 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاةوالسلام على اشرف الانبياء و المرسلين محمد واله وصحبه أجمعين .. نواصل القراء في تفسير السعدي رحمه الله ..
[‏25‏]‏ ‏{‏وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏

لما ذكر جزاء الكافرين‏,‏ ذكر جزاء المؤمنين‏,‏ أهل الأعمال الصالحات‏,‏ على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب‏,‏ ليكون العبد راغبا راهبا‏,‏ خائفا راجيا فقال‏:‏ ‏{‏وَبَشِّرِ‏}‏ أي‏:‏ ‏[‏يا أيها الرسول ومن قام مقامه‏]‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ بقلوبهم ‏{‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ بجوارحهم‏,‏ فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة‏.‏

ووصفت أعمال الخير بالصالحات‏,‏ لأن بها تصلح أحوال العبد‏,‏ وأمور دينه ودنياه‏,‏ وحياته الدنيوية والأخروية‏,‏ ويزول بها عنه فساد الأحوال‏,‏ فيكون بذلك من الصالحين‏,‏ الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته‏.‏

فبشرهم ‏{‏أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ‏}‏ أي‏:‏ بساتين جامعة من الأشجار العجيبة‏,‏ والثمار الأنيقة‏,‏ والظل المديد‏,‏ ‏[‏والأغصان والأفنان وبذلك‏]‏ صارت جنة يجتن بها داخلها‏,‏ وينعم فيها ساكنها‏.‏

‏{‏تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‏}‏ أي‏:‏ أنهار الماء‏,‏ واللبن‏,‏ والعسل‏,‏ والخمر، يفجرونها كيف شاءوا‏,‏ ويصرفونها أين أرادوا‏,‏ وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار‏.‏

‏{‏كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ هذا من جنسه‏,‏ وعلى وصفه‏,‏ كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة‏,‏ وليس لهم وقت خال من اللذة‏,‏ فهم دائما متلذذون بأكلها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا‏}‏ قيل‏:‏ متشابها في الاسم‏,‏ مختلف الطعوم وقيل‏:‏ متشابها في اللون‏,‏ مختلفا في الاسم، وقيل‏:‏ يشبه بعضه بعضًا‏,‏ في الحسن‏,‏ واللذة‏,‏ والفكاهة‏,‏ ولعل هذا الصحيح

ثم لما ذكر مسكنهم‏,‏ وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم‏,‏ ذكر أزواجهم‏,‏ فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه‏,‏ وأوضحه فقال‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ‏}‏ فلم يقل‏:‏ ‏"‏مطهرة من العيب الفلاني‏"‏ ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق‏,‏ مطهرات الخلق‏,‏ مطهرات اللسان‏,‏ مطهرات الأبصار، فأخلاقهن‏,‏ أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن‏,‏ وحسن التبعل‏,‏ والأدب القولي والفعلي‏,‏ ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني‏,‏ والبول والغائط‏,‏ والمخاط والبصاق‏,والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضًا‏,‏ بكمال الجمال‏,‏ فليس فيهن عيب‏,‏ ولا دمامة خلق‏,‏ بل هن خيرات حسان‏,‏ مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن‏,‏ وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح‏.‏

ففي هذه الآية الكريمة‏,‏ ذكر المبشِّر والمبشَّر‏,‏ والمبشَّرُ به‏,‏ والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر‏:‏ هو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر‏:‏ هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشَّر به‏:‏ هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك‏,‏ هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة‏,‏ إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة‏,‏ على يد أفضل الخلق‏,‏ بأفضل الأسباب‏.‏

وفيه استحباب بشارة المؤمنين‏,‏ وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها ‏[‏وثمراتها‏]‏‏,‏ فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان‏,‏ توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم‏.‏
س1..لماذا وصفت اعمال الخير بالصالحات ؟
س2..مامعنى ( وأتوا به متشابها) ؟

ام عبدالله وامنه 07-31-2017 11:22 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..
بسم الله الرحمن الرحمن
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين . ..
نتابع معا القراءة في تفسير السعدي.
[‏26 ـ 27‏]‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مثلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مثلًا يُضِلُّ بِهِ كثيرًا وَيَهْدِي بِهِ كثيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مثلًا مَا‏}‏ أي‏:‏ أيَّ مثل كان ‏{‏بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا‏}‏ لاشتمال الأمثال على الحكمة‏,‏ وإيضاح الحق‏,‏ والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا‏,‏ جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك‏.‏ فليس في ذلك محل اعتراض‏.‏ بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم‏.‏ فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏ فيتفهمونها، ويتفكرون فيها‏.‏

فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإلا علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة‏.‏

‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مثلًا‏}‏ فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يُضِلُّ بِهِ كثيرًا وَيَهْدِي بِهِ كثيرًا‏}‏ فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ‏}‏ فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة ‏[‏وضلالة‏]‏ وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة ‏[‏ورحمة‏]‏ وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده، وانفرد بالهداية والإضلال‏.‏

ثم ذكر حكمته في إضلال من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال‏:‏ ‏{‏وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ‏}‏ أي‏:‏ الخارجين عن طاعة الله‏;‏ المعاندين لرسل الله‏;‏ الذين صار الفسق وصفهم‏;‏
فلا يبغون به بدلا، فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى، كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة‏.‏

والفسق نوعان‏:‏ نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان‏;‏ كالمذكور في هذه الآية ونحوها، ونوع غير مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏[‏الآية‏]‏‏.‏

ثم وصف الفاسقين فقال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ‏}‏ وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق‏;‏ بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه‏;‏ وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق‏.‏

‏{‏وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ‏}‏ وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب‏;‏ وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها‏.‏

فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق، وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون، فقطعوها، ونبذوها وراء ظهورهم‏;‏ معتاضين عنها بالفسق والقطيعة‏;‏ والعمل بالمعاصي‏;‏ وهو‏:‏ الإفساد في الأرض‏.‏

فـ ‏{‏فَأُولَئِكَ‏}‏ أي‏:‏ من هذه صفته ‏{‏هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏ في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم‏;‏ لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم‏;‏ ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان‏;‏ فمن لا إيمان له لا عمل له‏;‏ وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا‏;‏ وقد يكون معصية‏;‏ وقد يكون تفريطا في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ‏}‏ فهذا عام لكل مخلوق‏;‏ إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح‏;‏ والتواصي بالحق‏;‏ والتواصي بالصبر‏;‏ وحقيقة فوات الخير‏;‏ الذي ‏[‏كان‏]‏ العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه‏.‏
الاسئلة :
1_ماانواع الفسق؟
2_لماذا يضرب الله الامثال؟

ام عبدالله وامنه 08-14-2017 05:36 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين..
نتابع القراءة في تفسير السعدي
[‏28‏]‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏

هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي‏:‏ كيف يحصل منكم الكفر بالله‏;‏ الذي خلقكم من العدم‏;‏ وأنعم عليكم بأصناف النعم‏;‏ ثم يميتكم عند استكمال آجالكم‏;‏ ويجازيكم في القبور‏;‏ ثم يحييكم بعد البعث والنشور‏;‏ ثم إليه ترجعون‏;‏ فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه‏;‏ وتدبيره‏;‏ وبره‏;‏ وتحت أوامره الدينية‏;‏ ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي‏;‏ أفيليق بكم أن تكفروا به‏;‏ وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة‏؟‏ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه‏;‏ وترجوا ثوابه‏.‏

‏[‏29‏]‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏

‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا‏}‏ أي‏:‏ خلق لكم‏,‏ برا بكم ورحمة‏,‏ جميع ما على الأرض‏,‏ للانتفاع والاستمتاع والاعتبار‏.‏

وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة‏,‏ لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث‏,‏ فإن ‏[‏تحريمها أيضًا‏]‏ يؤخذ من فحوى الآية‏,‏ ومعرفة المقصود منها‏,‏ وأنه خلقها لنفعنا‏,‏ فما فيه ضرر‏,‏ فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته‏,‏ منعنا من الخبائث‏,‏ تنزيها لنا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏

‏{‏اسْتَوَى‏}‏ ترد في القرآن على ثلاثة معاني‏:‏ فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها‏,‏ الكمال والتمام‏,‏ كما في قوله عن موسى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى‏}‏ وتارة تكون بمعنى ‏"‏علا‏"‏ و ‏"‏ارتفع‏"‏ وذلك إذا عديت ب ـ ‏"‏على‏"‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ ‏{‏لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ‏}‏ وتارة تكون بمعنى ‏"‏قصد‏"‏ كما إذا عديت ب ـ ‏"‏إلى‏"‏ كما في هذه الآية، أي‏:‏ لما خلق تعالى الأرض‏,‏ قصد إلى خلق السموات ‏{‏فسواهن سبع سماوات‏}‏ فخلقها وأحكمها‏,‏ وأتقنها‏,‏ ‏{‏وهو بكل شيء عليم‏}‏ فـ ‏{‏يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها‏}‏ و ‏{‏يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ‏}‏ يعلم السر وأخفى‏.‏
وكثيرًا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية‏,‏ وكما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ‏}‏ لأن خلقه للمخلوقات‏,‏ أدل دليل على علمه‏,‏ وحكمته‏,‏ وقدرته‏.‏

‏[‏30 ـ 34‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏

هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أن الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك‏,‏ وأن الله مستخلفه في الأرض‏.‏

فقالت الملائكة عليهم السلام‏:‏ ‏{‏أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا‏}‏ بالمعاصي ‏{‏وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ‏}‏ ‏[‏و‏]‏هذا تخصيص بعد تعميم‏,‏ لبيان ‏[‏شدة‏]‏ مفسدة القتل، وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك‏,‏ فنزهوا الباري عن ذلك‏,‏ وعظموه‏,‏ وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا‏:‏ ‏{‏وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ‏}‏ أي‏:‏ ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك، ‏{‏وَنُقَدِّسُ لَكَ‏}‏ يحتمل أن معناها‏:‏ ونقدسك‏,‏ فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص، ويحتمل أن يكون‏:‏ ونقدس لك أنفسنا، أي‏:‏ نطهرها بالأخلاق الجميلة‏,‏ كمحبة الله وخشيته وتعظيمه‏,‏ ونطهرها من الأخلاق الرذيلة‏.‏

قال الله تعالى للملائكة‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَعْلَمُ‏}‏ من هذا الخليفة ‏{‏مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ ؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم‏,‏ وأنا عالم بالظواهر والسرائر‏,‏ وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة‏,‏ أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك‏,‏ إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين‏,‏ والشهداء والصالحين‏,‏ ولتظهر آياته للخلق‏,‏ ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة‏,‏ كالجهاد وغيره‏,‏ وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان‏,‏ وليتبين عدوه من وليه‏,‏ وحزبه من حربه‏,‏ وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه‏,‏ واتصف به‏,‏ فهذه حكم عظيمه.,‏ يكفي بعضها في ذلك‏.‏

ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام‏,‏ فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض‏,‏ أراد الله تعالى‏,‏ أن يبين لهم من فضل آدم‏,‏ ما يعرفون به فضله‏,‏ وكمال حكمة الله وعلمه فـ ‏{‏عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا‏}‏ أي‏:‏ أسماء الأشياء‏,‏ وما هو مسمى بها، فعلمه الاسم والمسمى‏,‏ أي‏:‏ الألفاظ والمعاني‏,‏ حتى المكبر من الأسماء كالقصعة، والمصغر كالقصيعة‏.‏

‏{‏ثُمَّ عَرَضَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ عرض المسميات ‏{‏عَلَى الْمَلَائِكَةِ‏}‏ امتحانا لهم‏,‏ هل يعرفونها أم لا‏؟‏‏.‏

‏{‏فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ في قولكم وظنكم‏,‏ أنكم أفضل من هذا الخليفة‏.‏

‏{‏قَالُوا سُبْحَانَكَ‏}‏ أي‏:‏ ننزهك من الاعتراض منا عليك‏,‏ ومخالفة أمرك‏.‏ ‏{‏لَا عِلْمَ لَنَا‏}‏ بوجه من الوجوه ‏{‏إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا‏}‏ إياه‏,‏ فضلا منك وجودا، ‏{‏إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ‏}‏ العليم الذي أحاط علما بكل شيء‏,‏ فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السموات والأرض‏,‏ ولا أصغر من ذلك ولا أكبر‏.‏

الحكيم‏:‏ من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق‏,‏ ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئًا إلا لحكمة‏:‏ ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة‏:‏ وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا‏,‏ واعترفوا بعلم الله وحكمته‏,‏ وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم‏;‏ وتعليمه إياهم ما لا يعلمون‏.‏

فحينئذ قال الله‏:‏ ‏{‏يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة‏;‏ فعجزوا عنها، ‏{‏فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ‏}‏ تبين للملائكة فضل آدم عليهم‏;‏ وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة، ‏{‏قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات وَالْأَرْضِ‏}‏ وهو ما غاب عنا‏;‏ فلم نشاهده، فإذا كان عالما بالغيب‏;‏ فالشهادة من باب أولى، ‏{‏وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ‏}‏ أي‏:‏ تظهرون ‏{‏وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏}‏

ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم‏;‏ إكراما له وتعظيما‏;‏ وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله‏;‏ وبادروا كلهم بالسجود، ‏{‏إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى‏}‏ امتنع عن السجود‏;‏ واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، قال‏:‏ ‏{‏أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا‏}‏ وهذا الإباء منه والاستكبار‏;‏ نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه‏;‏ فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره‏.‏
وفي هذه الآيات من العبر والآيات‏;‏ إثبات الكلام لله تعالى‏;‏ وأنه لم يزل متكلما‏;‏ يقول ما شاء‏;‏ ويتكلم بما شاء‏;‏ وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالوجب عليه‏;‏ التسليم‏;‏ واتهام عقله‏;‏ والإقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة‏;‏ وإحسانه بهم‏;‏ بتعليمهم ما جهلوا‏;‏ وتنبيههم على ما لم يعلموه‏.‏

وفيه فضيلة العلم من وجوه‏:‏

منها‏:‏ أن الله تعرف لملائكته‏;‏ بعلمه وحكمته ، ومنها‏:‏ أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم‏;‏ وأنه أفضل صفة تكون في العبد، ومنها‏:‏ أن الله أمرهم بالسجود لآدم‏;‏ إكراما له‏;‏ لما بان فضل علمه، ومنها‏:‏ أن الامتحان للغير‏;‏ إذا عجزوا عما امتحنوا به‏;‏ ثم عرفه صاحب الفضيلة‏;‏ فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها‏:‏ الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن‏;‏ وبيان فضل آدم‏;‏ وأفضال الله عليه‏;‏ وعداوة إبليس له‏;‏ إلى غير ذلك من العبر‏.‏

الاسئلة :
1_ مامعنى الاستفهام في قوله ( كيف تكفرزن بالله)؟؟
2_ مامعنى الحكيم ؟
3_ اذكري 2من العبرة من الايات ؟

ام عبدالله وامنه 08-23-2017 05:06 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله واصحابه أجمعين.
نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله ..
35 ـ 36‏]‏ ‏{‏وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏

لما خلق الله آدم وفضله‏;‏ أتم نعمته عليه‏;‏ بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها‏;‏ ويستأنس بها‏;‏ وأمرهما بسكنى الجنة‏;‏ والأكل منها رغدا‏;‏ أي‏:‏ واسعا هنيئا، ‏{‏حَيْثُ شِئْتُمَا‏}‏ أي‏:‏ من أصناف الثمار والفواكه‏;‏ وقال الله له‏:‏ ‏{‏إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى‏}‏

‏{‏وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ‏}‏ نوع من أنواع شجر الجنة‏;‏ الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء ‏[‏أو لحكمة غير معلومة لنا‏]‏ ‏{‏فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ دل على أن النهي للتحريم‏;‏ لأنه رتب عليه الظلم‏.‏

فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه‏;‏ حتى أزلهما، أي‏:‏ حملهما على الزلل بتزيينه‏.‏ ‏{‏وَقَاسَمَهُمَا‏}‏ بالله ‏{‏إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏}‏ فاغترا به وأطاعاه‏;‏ فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد‏;‏ وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة‏.‏

‏{‏بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ‏}‏ أي‏:‏ آدم وذريته‏;‏ أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو‏;‏ يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق‏;‏ وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا‏,‏ تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى ‏{‏إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ‏}‏ ‏{‏أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا‏}‏

ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ‏}‏ أي‏:‏ مسكن وقرار، ‏{‏وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏ انقضاء آجالكم‏,‏ ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها‏,‏ وخلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة‏,‏ مؤقتة عارضة‏,‏ ليست مسكنا حقيقيا‏,‏ وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار‏,‏ ولا تعمر للاستقرار‏.‏

‏[‏37‏]‏ ‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ‏}‏

‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ‏}‏ أي‏:‏ تلقف وتلقن‏,‏ وألهمه الله ‏{‏مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ‏}‏ وهي قوله‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا‏}‏ الآية،
فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته ‏{‏فَتَابَ‏}‏ الله ‏{‏عَلَيْهِ‏}‏ ورحمه ‏{‏إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ‏}‏ لمن تاب إليه وأناب‏.‏

وتوبته نوعان‏:‏ توفيقه أولا‏,‏ ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيًا‏.‏

‏{‏الرَّحِيمِ‏}‏ بعباده‏,‏ ومن رحمته بهم‏,‏ أن وفقهم للتوبة‏,‏ وعفا عنهم وصفح‏.‏

‏[‏38 ـ 39‏]‏ ‏{‏قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏

كرر الإهباط‏,‏ ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله‏:‏ ‏{‏فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى‏}‏ أي‏:‏ أيَّ وقت وزمان جاءكم مني ـ يا معشر الثقلين ـ هدى‏,‏ أي‏:‏ رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني‏,‏ ويدنيكم مني‏;‏ ويدنيكم من رضائي، ‏{‏فمن تبع هداي‏}‏ منكم‏,‏ بأن آمن برسلي وكتبي‏,‏ واهتدى بهم‏,‏ وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب‏,‏ والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، ‏{‏فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏

وفي الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى‏}‏

فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء‏:‏

نفي الخوف والحزن والفرق بينهما‏,‏ أن المكروه إن كان قد مضى‏,‏ أحدث الحزن‏,‏ وإن كان منتظرًا‏,‏ أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا‏,‏ حصل ضدهما‏,‏ وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه‏,‏ حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه‏,‏ من الخوف‏,‏ والحزن‏,‏ والضلال‏,‏ والشقاء، فحصل له المرغوب‏,‏ واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه‏,‏ فكفر به‏,‏ وكذب بآياته‏.‏

فـ ‏{‏أولئك أصحاب النار‏}‏ أي‏:‏ الملازمون لها‏,‏ ملازمة الصاحب لصاحبه‏,‏ والغريم لغريمه، ‏{‏هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون‏.‏

وفي هذه الآيات وما أشبهها‏,‏ انقسام الخلق من الجن والإنس‏,‏ إلى أهل السعادة‏,‏ وأهل الشقاوة‏,‏ وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب‏,‏ كما أنهم مثلهم‏,‏ في الأمر والنهي‏.‏
الاسئلة:
1_ لماذا نهى الله عز وجل آدم من الاكل من الشجرة؟
2_ مامعنى( فتلقى آدم ) ؟
3_ ماذا ترتب على اتباع الهدى؟

ام عبدالله وامنه 08-23-2017 05:10 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين .والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين ..
نتابع معا القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تفسير سورة البقرة.
‏[‏40 ـ 43‏]‏ ‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏

‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ المراد بإسرائيل‏:‏ يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فرق بني إسرائيل‏,‏ الذين بالمدينة وما حولها‏,‏ ويدخل فيهم من أتى من بعدهم‏,‏ فأمرهم بأمر عام، فقال‏:‏ ‏{‏اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ‏}‏ وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافًا‏,‏ وباللسان ثناء‏,‏ وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه‏.‏

‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِي‏}‏ وهو ما عهده إليهم من الإيمان به‏,‏ وبرسله وإقامة شرعه‏.‏

‏{‏أُوفِ بِعَهْدِكُمْ‏}‏ وهو المجازاة على ذلك‏.‏

والمراد بذلك‏:‏ ما ذكره الله في قوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ‏}‏

ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده‏,‏ وهو الرهبة منه تعالى‏,‏ وخشيته وحده‏,‏ فإن مَنْ خشِيَه أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه‏.‏

ثم أمرهم بالأمر الخاص‏,‏ الذي لا يتم إيمانهم‏,‏ ولا يصح إلا به فقال‏:‏ ‏{‏وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ‏}‏ وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمرهم بالإيمان به‏,‏ واتباعه‏,‏ ويستلزم ذلك‏,‏ الإيمان بمن أنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم به، فقال‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب‏,‏ غير مخالف لها‏;‏ فلا مانع لكم من الإيمان به‏,‏ لأنه جاء بما جاءت به المرسلون‏,‏ فأنتم أولى من آمن به وصدق به‏,‏ لكونكم أهل الكتب والعلم‏.‏
وأيضًا فإن في قوله‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ‏}‏ إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به‏,‏ عاد ذلك عليكم‏,‏ بتكذيب ما معكم‏,‏ لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم‏.‏

وأيضًا‏,‏ فإن في الكتب التي بأيدكم‏,‏ صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به‏,‏ كذبتم ببعض ما أنزل إليكم‏,‏ ومن كذب ببعض ما أنزل إليه‏,‏ فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول‏,‏ فقد كذب الرسل جميعهم‏.‏

فلما أمرهم بالإيمان به‏,‏ نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ بالرسول والقرآن‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ‏}‏ أبلغ من قوله‏:‏ ‏{‏ولا تكفروا به‏}‏ لأنهم إذا كانوا أول كافر به‏,‏ كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به‏,‏ عكس ما ينبغي منهم‏,‏ وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم‏.‏

ثم ذكر المانع لهم من الإيمان‏,‏ وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا‏}‏ وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل‏,‏ التي يتوهمون انقطاعها‏,‏ إن آمنوا بالله ورسوله‏,‏ فاشتروها بآيات الله واستحبوها‏,‏ وآثروها‏.‏

‏{‏وَإِيَّايَ‏}‏ أي‏:‏ لا غيري ‏{‏فَاتَّقُونِ‏}‏ فإنكم إذا اتقيتم الله وحده‏,‏ أوجبت لكم تقواه‏,‏ تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل‏,‏ فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَلْبِسُوا‏}‏ أي‏:‏ تخلطوا ‏{‏الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ‏}‏ فنهاهم عن شيئين‏,‏ عن خلط الحق بالباطل‏,‏ وكتمان الحق؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم‏,‏ تمييز الحق‏,‏ وإظهار الحق‏,‏ ليهتدي بذلك المهتدون‏,‏ ويرجع الضالون‏,‏ وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته‏,‏ ليميز الحق من الباطل‏,‏ ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم‏,‏ فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم‏.‏

ومن لبس الحق بالباطل‏,‏ فلم يميز هذا من هذا‏,‏ مع علمه بذلك‏,‏ وكتم الحق الذي يعلمه‏,‏ وأمر بإظهاره‏,‏ فهو من دعاة جهنم‏,‏ لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم‏,‏ فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ‏}‏ أي‏:‏ ظاهرا وباطنا ‏{‏وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏ مستحقيها، ‏{‏وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏ أي‏:‏ صلوا مع المصلين، فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآيات الله‏,‏ فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة‏,‏وبين الإخلاص للمعبود‏,‏ والإحسان إلى عبيده، وبين العبادات القلبية البدنية والمالية‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏ أي‏:‏ صلوا مع المصلين‏,‏ ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها، وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة لأنه عبّر عن الصلاة بالركوع، والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها‏.‏
الاسئلة:
1_مالمقصود بذكر النعم؟؟
2 _ ماهوالايمان الخاص الذي لايتم ايمانهم ولايصح الا به؟؟
3_ مامعنى تلبسوا؟ اركعوا)؟

ام عبدالله وامنه 08-23-2017 05:14 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين .والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين ..
نتابع معا القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تفسير سورة البقرة.
‏[‏45 ـ 48‏]‏ ‏{‏وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شيئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏

أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها‏,‏ والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور‏,‏ ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان‏,‏ وتنهى عن الفحشاء والمنكر‏,‏ يستعان بها على كل أمر من الأمور ‏{‏وَإِنَّهَا‏}‏ أي‏:‏ الصلاة ‏{‏لَكَبِيرَةٌ‏}‏ أي‏:‏ شاقة ‏{‏إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ‏}‏ فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع‏,‏ وخشية الله‏,‏ ورجاء ما عنده يوجب له فعلها‏,‏ منشرحا صدره لترقبه للثواب‏,‏ وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك‏,‏ فإنه لا داعي له يدعوه إليها‏,‏ وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه‏.‏

والخشوع هو‏:‏ خضوع القلب وطمأنينته‏,‏ وسكونه لله تعالى‏,‏ وانكساره بين يديه‏,‏ ذلا وافتقارا‏,‏ وإيمانا به وبلقائه‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَظُنُّونَ‏}‏ أي‏:‏ يستيقنون ‏{‏أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ‏}‏ فيجازيهم بأعمالهم ‏{‏وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ‏}‏ فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات‏,‏ ونفس عنهم الكربات‏,‏ وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه‏,‏ كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه‏.‏

ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته‏,‏ وعظا لهم‏,‏ وتحذيرا وحثا‏.‏
وخوفهم بيوم القيامة الذي ‏{‏لَا تَجْزِي‏}‏ فيه، أي‏:‏ لا تغني ‏{‏نَفْسٌ‏}‏ ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين ‏{‏عَنْ نَفْسٍ‏}‏ ولو كانت من العشيرة الأقربين ‏{‏شيئًا‏}‏ لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه‏.‏

‏{‏وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا‏}‏ أي‏:‏ النفس‏,‏ شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له‏,‏ ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة، ‏{‏وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ‏}‏ أي‏:‏ فداء ‏{‏ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب‏}‏ ولا يقبل منهم ذلك ‏{‏وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏ أي‏:‏ يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله‏:‏ ‏{‏لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شيئًا‏}‏ هذا في تحصيل المنافع، ‏{‏وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏ هذا في دفع المضار‏,‏ فهذا النفي للأمر المستقل به النافع‏.‏

‏{‏ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل‏}‏ هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض‏,‏ كالعدل‏,‏ أو بغيره‏,‏ كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين‏,‏ لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع‏,‏ وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع‏,‏ ويدفع المضار‏,‏ فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته‏.‏
‏[‏49 ـ 57‏]‏ ‏{‏وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏

هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل فقال‏:‏ ‏{‏وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ‏}‏ أي‏:‏ من فرعون وملئه وجنوده وكانوا قبل ذلك ‏{‏يَسُومُونَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ يولونهم ويستعملونهم، ‏{‏سُوءَ الْعَذَابِ‏}‏ أي‏:‏ أشده بأن كانوا ‏{‏يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ‏}‏ خشية نموكم، ‏{‏وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ فلا يقتلونهن، فأنتم بين قتيل ومذلل بالأعمال الشاقة، مستحيي على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه فهذا غاية الإهانة، فمن الله عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون لتقر أعينهم‏.‏

‏{‏وَفِي ذَلِكم‏}‏ أي‏:‏ الإنجاء ‏{‏بَلَاءٌ‏}‏ أي‏:‏ إحسان ‏{‏مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ‏}‏ فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره‏.‏

ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده‏,‏ أي‏:‏ ذهابه‏.‏

‏{‏وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ‏}‏ عالمون بظلمكم‏,‏ قد قامت عليكم الحجة‏,‏ فهو أعظم جرما وأكبر اثما.
ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضًا فعفا الله عنكم بسبب ذلك ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ الله‏.‏

‏{‏وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً‏}‏ وهذا غاية الظلم والجراءة على الله وعلى رسوله، ‏{‏فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ‏}‏ إما الموت أو الغشية العظيمة، ‏{‏وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ‏}‏ وقوع ذلك‏,‏ كل ينظر إلى صاحبه، ‏{‏ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏

ثم ذكر نعمته عليكم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الأرزاق، فقال‏:‏ ‏{‏وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ‏}‏ وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب، ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك‏.‏

‏{‏وَالسَّلْوَى‏}‏ طائر صغير يقال له السماني، طيب اللحم، فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم ‏{‏كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ‏}‏ أي‏:‏ رزقا لا يحصل نظيره لأهل المدن المترفهين‏,‏ فلم يشكروا هذه النعمة‏,‏ واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب‏.‏

‏{‏وَمَا ظَلَمُونَا‏}‏ يعني بتلك الأفعال المخالفة لأوامرنا لأن الله لا تضره معصية العاصين‏,‏ كما لا تنفعه طاعات الطائعين، ‏{‏وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏ فيعود ضرره عليهم‏.‏
الاسئلة:
1_ مامعنى الصبر وماانواعه؟
2_ مامعنى الخشوع؟لاتغني؟
3_ ماهو المن؟ والسلوى؟

ام عبدالله وامنه 09-17-2018 06:16 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع ..

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صل الله عليه وسلم
نتابع القراءة في تفسيرسورة البقرة كتاب السعدي رحمه الله.
[‏183 ـ 185‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏
يخبر تعالى بما منَّ به على عباده‏,‏ بأنه فرض عليهم الصيام‏,‏ كما فرضه على الأمم السابقة‏,‏ لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان‏.‏
وفيه تنشيط لهذه الأمة‏,‏ بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال‏,‏ والمسارعة إلى صالح الخصال‏,‏ وأنه ليس من الأمور الثقيلة‏,‏ التي اختصيتم بها‏.‏
ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى‏,‏ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه‏.‏
فمما اشتمل عليه من التقوى‏:‏ أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها‏,‏ التي تميل إليها نفسه‏,‏ متقربا بذلك إلى الله‏,‏ راجيا بتركها‏,‏ ثوابه، فهذا من التقوى‏.‏
ومنها‏:‏ أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى‏,‏ فيترك ما تهوى نفسه‏,‏ مع قدرته عليه‏,‏ لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها‏:‏ أن الصيام يضيق مجاري الشيطان‏,‏ فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم‏,‏ فبالصيام‏,‏ يضعف نفوذه‏,‏ وتقل منه المعاصي، ومنها‏:‏ أن الصائم في الغالب‏,‏ تكثر طاعته‏,‏ والطاعات من خصال التقوى، ومنها‏:‏ أن الغني إذا ذاق ألم الجوع‏,‏ أوجب له ذلك‏,‏ مواساة الفقراء المعدمين‏,‏ وهذا من خصال التقوى‏.‏
ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام‏,‏ أخبر أنه أيام معدودات‏,‏ أي‏:‏ قليلة في غاية السهولة‏.‏
ثم سهل تسهيلا آخر‏.‏ فقال‏:‏ ‏{‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏
وذلك للمشقة‏,‏ في الغالب‏,‏ رخص الله لهما‏,‏ في الفطر‏.‏
ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن‏,‏ أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض‏,‏ وانقضى السفر‏,‏ وحصلت الراحة‏.‏
وفي قوله‏:‏ ‏{‏فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ‏}‏ فيه دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان‏,‏ كاملًا كان‏,‏ أو ناقصا‏,‏ وعلى أنه يجوز أن يقضي أياما قصيرة باردة‏,‏ عن أيام طويلة حارة كالعكس‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ‏}‏ أي‏:‏ يطيقون الصيام ‏{‏فِدْيَةٌ‏}‏ عن كل يوم يفطرونه ‏{‏طَعَامُ مِسْكِينٍ‏}‏ وهذا في ابتداء فرض الصيام‏,‏ لما كانوا غير معتادين للصيام‏,‏ وكان فرضه حتما‏,‏ فيه مشقة عليهم‏,‏ درجهم الرب الحكيم‏,‏ بأسهل طريق، وخيَّر المطيق للصوم بين أن يصوم‏,‏ وهو أفضل‏,‏ أو يطعم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏
ثم بعد ذلك‏,‏ جعل الصيام حتما على المطيق وغير المطيق‏,‏ يفطر ويقضيه في أيام أخر ‏[‏وقيل‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ‏}‏ أي‏:‏ يتكلفونه، ويشق عليهم مشقة غير محتملة‏,‏ كالشيخ الكبير‏,‏ فدية عن كل يوم مسكين وهذا هو الصحيح‏]‏‏.‏
‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‏}‏ أي‏:‏ الصوم المفروض عليكم‏,‏ هو شهر رمضان‏,‏ الشهر العظيم‏,‏ الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم، وهو القرآن الكريم‏,‏ المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية‏,‏ وتبيين الحق بأوضح بيان‏,‏ والفرقان بين الحق والباطل‏,‏ والهدى والضلال‏,‏ وأهل السعادة وأهل الشقاوة‏.‏
فحقيق بشهر‏,‏ هذا فضله‏,‏ وهذا إحسان الله عليكم فيه‏,‏ أن يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام‏.‏
فلما قرره‏,‏ وبين فضيلته‏,‏ وحكمة الله تعالى في تخصيصه قال‏:‏ ‏{‏فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ‏}‏ هذا فيه تعيين الصيام على القادر الصحيح الحاضر‏.‏
ولما كان النسخ للتخيير‏,‏ بين الصيام والفداء خاصة‏,‏ أعاد الرخصة للمريض والمسافر‏,‏ لئلا يتوهم أن الرخصة أيضًا منسوخة ‏[‏فقال‏]‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏}‏ أي‏:‏ يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير‏,‏ ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله‏.‏
وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله‏,‏ سهَّله تسهيلا آخر‏,‏ إما بإسقاطه‏,‏ أو تخفيفه بأنواع التخفيفات‏.‏
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها‏,‏ لأن تفاصيلها‏,‏ جميع الشرعيات‏,‏ ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات‏.‏
‏{‏وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ‏}‏ وهذا ـ والله أعلم ـ لئلا يتوهم متوهم‏,‏ أن صيام رمضان‏,‏ يحصل المقصود منه ببعضه‏,‏ دفع هذا الوهم بالأمر بتكميل عدته، ويشكر الله ‏[‏تعالى‏]‏ عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده‏,‏ وبالتكبير عند انقضائه‏,‏ ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد‏.‏
الاسئلة/
1_ماهي الحكمة من الصيام.
2_متى يصوم الفرد.

ام عبدالله وامنه 09-17-2018 06:20 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صل الله عليه وسلم
نتابع القراءة في تفسيرسورة البقرة كتاب السعدي رحمه الله.

[‏186‏]‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ‏}‏
هذا جواب سؤال، سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض أصحابه فقالوا‏:‏ يا رسول الله‏,‏ أقريب ربنا فنناجيه‏,‏ أم بعيد فنناديه‏؟‏ فنزل‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ‏}‏ لأنه تعالى‏,‏ الرقيب الشهيد‏,‏ المطلع على السر وأخفى‏,‏ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور‏,‏ فهو قريب أيضًا من داعيه‏,‏ بالإجابة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‏}‏ والدعاء نوعان‏:‏ دعاء عبادة‏,‏ ودعاء مسألة‏.‏
والقرب نوعان‏:‏ قرب بعلمه من كل خلقه‏,‏ وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق‏.‏
فمن دعا ربه بقلب حاضر‏,‏ ودعاء مشروع‏,‏ ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء‏,‏ كأكل الحرام ونحوه‏,‏ فإن الله قد وعده بالإجابة، و خصوصًا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء‏,‏ وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية‏,‏ والإيمان به‏,‏ الموجب للاستجابة، فلهذا قال‏:‏ ‏{‏فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ‏}‏ أي‏:‏ يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة‏,‏ ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة‏.‏ ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره‏,‏ سبب لحصول العلم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا‏}‏
‏[‏187‏]‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ‏}‏
كان في أول فرض الصيام، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجماع، فحصلت المشقة لبعضهم، فخفف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع، سواء نام أو لم ينم، لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به‏.‏
‏{‏فتاب‏}‏ الله ‏{‏عليكم‏}‏ بأن وسع لكم أمرا كان ـ لولا توسعته ـ موجبا للإثم ‏{‏وعفا عنكم‏}‏ ما سلف من التخون‏.‏
‏{‏فالآن‏}‏ بعد هذه الرخصة والسعة من الله ‏{‏باشروهن‏}‏ وطأ وقبلة ولمسا وغير ذلك‏.‏
‏{‏وابتغوا ما كتب الله لكم‏}‏ أي‏:‏ انووا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله تعالى والمقصود الأعظم من الوطء، وهو حصول الذرية وإعفاف فرجه وفرج زوجته، وحصول مقاصد النكاح‏.‏
ومما كتب الله لكم ليلة القدر، الموافقة لليالي صيام رمضان، فلا ينبغي لكم أن تشتغلوا بهذه اللذة عنها وتضيعوها، فاللذة مدركة، وليلة القدر إذا فاتت لم تدرك‏.‏
‏{‏وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر‏}‏ هذا غاية للأكل والشرب والجماع، وفيه أنه إذا أكل ونحوه شاكا في طلوع الفجر فلا بأس عليه‏.‏
.‏
وفيه‏:‏ دليل على استحباب السحور للأمر، وأنه يستحب تأخيره أخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد‏.‏
وفيه أيضًا دليل على أنه يجوز أن يدركه الفجر وهو جنب من الجماع قبل أن يغتسل، ويصح صيامه، لأن لازم إباحة الجماع إلى طلوع الفجر، أن يدركه الفجر وهو جنب، ولازم الحق حق‏.‏
‏{‏ثم‏}‏ إذا طلع الفجر ‏{‏أتموا الصيام‏}‏ أي‏:‏ الإمساك عن المفطرات ‏{‏إلى الليل‏}‏ وهو غروب الشمس ولما كان إباحة الوطء في ليالي الصيام ليست إباحته عامة لكل أحد، فإن المعتكف لا يحل له ذلك، استثناه بقوله‏:‏ ‏{‏ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد‏}‏ أي‏:‏ وأنتم متصفون بذلك، ودلت الآية على مشروعية الاعتكاف، وهو لزوم المسجد لطاعة الله ‏[‏تعالى‏]‏، وانقطاعا إليه، وأن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد‏.‏
ويستفاد من تعريف المساجد، أنها المساجد المعروفة عندهم، وهي التي تقام فيها الصلوات الخمس‏.‏
وفيه أن الوطء من مفسدات الاعتكاف‏.‏
‏{‏تلك‏}‏ المذكورات ـ وهو تحريم الأكل والشرب والجماع ونحوه من المفطرات في الصيام، وتحريم الفطر على غير المعذور، وتحريم الوطء على المعتكف، ونحو ذلك من المحرمات ‏{‏حدود الله‏}‏ التي حدها لعباده، ونهاهم عنها، فقال‏:‏ ‏{‏فلا تقربوها‏}‏ أبلغ من قوله‏:‏ ‏"‏فلا تفعلوها‏"‏ لأن القربان، يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه، والنهي عن وسائله الموصلة إليه‏.‏
والعبد مأمور بترك المحرمات، والبعد منها غاية ما يمكنه، وترك كل سبب يدعو إليها، وأما الأوامر فيقول الله فيها‏:‏ ‏{‏تلك حدود الله فلا تعتدوها‏}‏ فينهى عن مجاوزتها‏.‏
‏{‏كذلك‏}‏ أي‏:‏ بيَّن ‏[‏الله‏]‏ لعباده الأحكام السابقة أتم تبيين، وأوضحها لهم أكمل أيضًاح‏.‏
‏{‏يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون‏}‏ فإنهم إذا بان لهم الحق اتبعوه، وإذا تبين لهم الباطل اجتنبوه، فإن الإنسان قد يفعل المحرم على وجه الجهل بأنه محرم، ولو علم تحريمه لم يفعله، فإذا بين الله للناس آياته، لم يبق لهم عذر ولا حجة، فكان ذلك سببا للتقوى‏.‏
الأسئلة '' '
1_ماانواع القرب ❓
2_كيف كان بداية فرض الصيام ❓
\

عطر الجنة 09-17-2018 07:29 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
اعجبني جدا الموضوع ..
عند انتهاء مقاطع من تفسير أيات سورة البقرة توجد أسئلة
ليت أحبائنا الأعضاء الكريمات والشعاعيات يتفاعلن في حل الأسئلة
للإستفادة والاستزادة للمعلومات الدينية
موضوع رااااائع وقيم
سلمت اناملك أختي
بوركت جزاك الله خيرا
بانتظاار مواضيعك الشيقه
ورودي وعطوري لمتصفحك


عطر الجنة 09-17-2018 07:32 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

حل أسئلة مقطع الآيات التي قدمت

***********
الأسئلة '' '
1ـ ماانواع القرب؟
2_كيف كان بداية فرض الصيام ؟
\
الإجابة
القرب نوعان‏:‏
قرب بعلمه من كل خلقه.
وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق‏.‏
/
كان في بداية فرض الصيام،
يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجماع،
فحصلت المشقة لبعضهم، فخفف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع، سواء نام أو لم ينم، لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به‏.‏

ام عبدالله وامنه 09-19-2018 07:53 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صل الله عليه وسلم...
نتابع القراءة في تفسير السعدي.. سورةالبقرة..
[‏188‏]‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏
أي‏:‏ ولا تأخذوا أموالكم أي‏:‏ أموال غيركم، أضافها إليهم‏,‏ لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏,‏ ويحترم ماله كما يحترم ماله؛ ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة‏.‏
ولما كان أكلها نوعين‏:‏ نوعا بحق‏,‏ ونوعا بباطل‏,‏ وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل‏,‏ قيده تعالى بذلك، ويدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية‏,‏ أو نحو ذلك، ويدخل فيه أيضًا‏,‏ أخذها على وجه المعاوضة‏,‏ بمعاوضة محرمة‏,‏ كعقود الربا‏,‏ والقمار كلها‏,‏ فإنها من أكل المال بالباطل‏,‏ لأنه ليس في مقابلة عوض مباح، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في البيع والشراء والإجارة‏,‏ ونحوها، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه، ويدخل في ذلك أخذ الأجرة على العبادات والقربات التي لا تصح حتى يقصد بها وجه الله تعالى، ويدخل في ذلك الأخذ من الزكوات والصدقات‏,‏ والأوقاف، والوصايا‏,‏ لمن ليس له حق منها‏,‏ أو فوق حقه‏.‏
فكل هذا ونحوه‏,‏ من أكل المال بالباطل‏,‏ فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه، حتى ولو حصل فيه النزاع وحصل الارتفاع إلى حاكم الشرع‏,‏ وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة‏,‏ غلبت حجة المحق‏,‏ وحكم له الحاكم بذلك، فإن حكم الحاكم‏,‏ لا يبيح محرما‏,‏ ولا يحلل حراما‏,‏ إنما يحكم على نحو مما يسمع‏,‏ وإلا فحقائق الأمور باقية، فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة‏,‏ ولا شبهة‏,‏ ولا استراحة‏.‏
فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة‏,‏ وحكم له بذلك‏,‏ فإنه لا يحل له‏,‏ ويكون آكلا لمال غيره‏,‏ بالباطل والإثم‏,‏ وهو عالم بذلك‏.‏ فيكون أبلغ في عقوبته‏,‏ وأشد في نكاله‏.‏
وعلى هذا فالوكيل إذا علم أن موكله مبطل في دعواه‏,‏ لم يحل له أن يخاصم عن الخائن كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا‏}‏
‏[‏189‏]‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ‏}‏ جمع ـ هلال ـ ما فائدتها وحكمتها‏؟‏ أو عن ذاتها، ‏{‏قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ‏}‏ أي‏:‏ جعلها الله تعالى بلطفه ورحمته على هذا التدبير يبدو الهلال ضعيفا في أول الشهر‏,‏ ثم يتزايد إلى نصفه‏,‏ ثم يشرع في النقص إلى كماله‏,‏ وهكذا‏,‏ ليعرف الناس بذلك‏,‏ مواقيت عباداتهم من الصيام‏,‏ وأوقات الزكاة‏,‏ والكفارات‏,‏ وأوقات الحج‏.‏
ولما كان الحج يقع في أشهر معلومات‏,‏ ويستغرق أوقاتا كثيرة قال‏:‏ ‏{‏وَالْحَجِّ‏}‏ وكذلك تعرف بذلك‏,‏ أوقات الديون المؤجلات‏,‏ ومدة الإجارات‏,‏ ومدة العدد والحمل‏,‏ وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق، فجعله تعالى‏,‏ حسابا‏,‏ يعرفه كل أحد‏,‏ من صغير‏,‏ وكبير‏,‏ وعالم‏,‏ وجاهل، فلو كان الحساب بالسنة الشمسية‏,‏ لم يعرفه إلا النادر من الناس‏.‏
‏{‏وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا‏}‏ وهذا كما كان الأنصار وغيرهم من العرب‏,‏ إذا أحرموا‏,‏ لم يدخلوا البيوت من أبوابها‏,‏ تعبدا بذلك‏,‏ وظنا أنه بر‏.‏ فأخبر الله أنه ليس ببر لأن الله تعالى‏,‏ لم يشرعه لهم، وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله‏,‏ فهو متعبد ببدعة، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم‏,‏ التي هي قاعدة من قواعد الشرع‏.‏
ويستفاد من إشارة الآية أنه ينبغي في كل أمر من الأمور‏,‏ أن يأتيه الإنسان من الطريق السهل القريب‏,‏ الذي قد جعل له موصلا، فالآمر بالمعروف‏,‏ والناهي عن المنكر‏,‏ ينبغي أن ينظر في حالة المأمور‏,‏ ويستعمل معه الرفق والسياسة‏,‏ التي بها يحصل المقصود أو بعضه، والمتعلم والمعلم‏,‏ ينبغي أن يسلك أقرب طريق وأسهله‏,‏ يحصل به مقصوده، وهكذا كل من حاول أمرا من الأمور وأتاه من أبوابه وثابر عليه‏,‏ فلا بد أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود‏.‏
‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ‏}‏ هذا هو البر الذي أمر الله به‏,‏ وهو لزوم تقواه على الدوام‏,‏ بامتثال أوامره‏,‏ واجتناب نواهيه‏,‏ فإنه سبب للفلاح‏,‏ الذي هو الفوز بالمطلوب‏,‏ والنجاة من المرهوب، فمن لم يتق الله تعالى‏,‏ لم يكن له سبيل إلى الفلاح‏,‏ ومن اتقاه‏,‏ فاز بالفلاح والنجاح‏.‏
‏[‏190 ـ 193‏]‏ ‏{‏وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ *
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏
هذه الآيات‏,‏ تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله‏,‏ وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة‏,‏ لما قوي المسلمون للقتال‏,‏ أمرهم الله به‏,‏ بعد ما كانوا مأمورين بكف أيديهم، وفي تخصيص القتال ‏{‏فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ حث على الإخلاص‏,‏ ونهي عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين‏.‏
‏{‏الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ الذين هم مستعدون لقتالكم‏,‏ وهم المكلفون الرجال‏,‏ غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال‏.‏
والنهي عن الاعتداء‏,‏ يشمل أنواع الاعتداء كلها‏,‏ من قتل من لا يقاتل‏,‏ من النساء‏,‏ والمجانين والأطفال‏,‏ والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى‏,‏ وقتل الحيوانات‏,‏ وقطع الأشجار ‏[‏ونحوها‏]‏‏,‏ لغير مصلحة تعود للمسلمين‏.‏
ومن الاعتداء‏,‏ مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها‏,‏ فإن ذلك لا يجوز‏.‏
‏{‏وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ‏}‏ هذا أمر بقتالهم‏,‏ أينما وجدوا في كل وقت‏,‏ وفي كل زمان قتال مدافعة‏,‏ وقتال مهاجمة ثم استثنى من هذا العموم قتالهم ‏{‏عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ وأنه لا يجوز إلا أن يبدأوا بالقتال‏,‏ فإنهم يقاتلون جزاء لهم على اعتدائهم، وهذا مستمر في كل وقت‏,‏ حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا‏,‏ فإن الله يتوب عليهم‏,‏ ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله‏,‏ والشرك في المسجد الحرام‏,‏ وصد الرسول والمؤمنين عنه وهذا من رحمته وكرمه بعباده‏.‏

ولما كان القتال عند المسجد الحرام‏,‏ يتوهم أنه مفسدة في هذا البلد الحرام‏,‏ أخبر تعالى أن المفسدة بالفتنة عنده بالشرك‏,‏
والصد عن دينه‏,‏ أشد من مفسدة القتل‏,‏ فليس عليكم ـ أيها المسلمون ـ حرج في قتالهم‏.‏
ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة، وهي‏:‏ أنه يرتكب أخف المفسدتين‏,‏ لدفع أعلاهما‏.‏
ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله‏,‏ وأنه ليس المقصود به‏,‏ سفك دماء الكفار‏,‏ وأخذ أموالهم، ولكن المقصود به أن ‏{‏يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ‏}‏ تعالى‏,‏ فيظهر دين الله ‏[‏تعالى‏]‏‏,‏ على سائر الأديان‏,‏ ويدفع كل ما يعارضه‏,‏ من الشرك وغيره‏,‏ وهو المراد بالفتنة، فإذا حصل هذا المقصود‏,‏ فلا قتل ولا قتال، ‏{‏فَإِنِ انْتَهَوْا‏}‏ عن قتالكم عند المسجد الحرام ‏{‏فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ فليس عليهم منكم اعتداء‏,‏ إلا من ظلم منهم‏,‏ فإنه يستحق المعاقبة‏,‏ بقدر ظلمه‏.‏
الأسئلة...
1_اذكري أنواع اكل الأموال؟
2_مافائدة الأهلة وماحكمتها؟
3_ماانواع الاعتداء؟

ام عبدالله وامنه 09-26-2018 08:00 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صل الله عليه وسلم
نتابع معا القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة
[‏194‏]‏ ‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ‏}‏ يحتمل أن يكون المراد به ما وقع من صد المشركين للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه عام الحديبية‏,‏ عن الدخول لمكة‏,‏ وقاضوهم على دخولها من قابل‏,‏ وكان الصد والقضاء في شهر حرام‏,‏ وهو ذو القعدة‏,‏ فيكون هذا بهذا، فيكون فيه‏,‏ تطييب لقلوب الصحابة‏,‏ بتمام نسكهم‏,‏ وكماله‏.‏
ويحتمل أن يكون المعنى‏:‏ إنكم إن قاتلتموهم في الشهر الحرام فقد قاتلوكم فيه‏,‏ وهم المعتدون‏,‏ فليس عليكم في ذلك حرج، وعلى هذا فيكون قوله‏:‏ ‏{‏وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ‏}‏ من باب عطف العام على الخاص، أي‏:‏ كل شيء يحترم من شهر حرام‏,‏ أو بلد حرام‏,‏ أو إحرام‏,‏ أو ما هو أعم من ذلك‏,‏ جميع ما أمر الشرع باحترامه‏,‏ فمن تجرأ عليها فإنه يقتص منه، فمن قاتل في الشهر الحرام‏,‏ قوتل، ومن هتك البلد الحرام‏,‏ أخذ منه الحد‏,‏ ولم يكن له حرمة، ومن قتل مكافئا له قتل به‏,‏ ومن جرحه أو قطع عضوا‏,‏ منه‏,‏ اقتص منه، ومن أخذ مال غيره المحترم‏,‏ أخذ منه بدله، ولكن هل لصاحب الحق أن يأخذ من ماله بقدر حقه أم لا‏؟‏ خلاف بين العلماء‏,‏ الراجح من ذلك‏,‏ أنه إن كان سبب الحق ظاهرا كالضيف‏,‏ إذا لم يقره غيره‏,‏ والزوجة‏,‏ والقريب إذا امتنع من تجب عليه النفقة ‏[‏من الإنفاق عليه‏]‏ فإنه يجوز أخذه من ماله‏.‏
وإن كان السبب خفيا‏,‏ كمن جحد دين غيره‏,‏ أو خانه في وديعة‏,‏ أو سرق منه ونحو ذلك‏,‏ فإنه لا يجوز له أن يأخذ من ماله مقابلة له‏,‏ جمعا بين الأدلة‏,‏ ولهذا قال تعالى‏,‏ تأكيدا وتقوية لما تقدم‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ هذا تفسير لصفة المقاصة‏,‏ وأنها هي المماثلة في مقابلة المعتدي‏.‏
ولما كانت النفوس ـ في الغالب ـ لا تقف على حدها إذا رخص لها في المعاقبة لطلبها التشفي‏,‏ أمر تعالى بلزوم تقواه‏,‏ التي هي الوقوف عند حدوده‏,‏ وعدم تجاوزها‏,‏ وأخبر تعالى أنه ‏{‏مَعَ الْمُتَّقِينَ‏}‏ أي‏:‏ بالعون‏,‏ والنصر‏,‏ والتأييد‏,‏ والتوفيق‏.‏
ومن كان الله معه‏,‏ حصل له السعادة الأبدية، ومن لم يلزم التقوى تخلى عنه وليه‏,‏ وخذله‏,‏ فوكله إلى نفسه فصار هلاكه أقرب إليه من حبل الوريد‏.‏
‏[‏195‏]‏ ‏{‏وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏}‏
يأمر تعالى عباده بالنفقة في سبيله‏,‏ وهو إخراج الأموال في الطرق الموصلة إلى الله، وهي كل طرق الخير‏,‏ من صدقة على مسكين‏,‏ أو قريب‏,‏ أو إنفاق على من تجب مؤنته‏.‏
وأعظم ذلك وأول ما دخل في ذلك الإنفاق في الجهاد في سبيل الله، فإن النفقة فيه جهاد بالمال‏,‏ وهو فرض كالجهاد بالبدن، وفيها من المصالح العظيمة‏,‏ الإعانة على تقوية المسلمين‏,‏ وعلى توهية الشرك وأهله‏,‏ وعلى إقامة دين الله وإعزازه، فالجهاد في سبيل الله لا يقوم إلا على ساق النفقة، فالنفقة له كالروح‏,‏ لا يمكن وجوده بدونها، وفي ترك الإنفاق في سبيل الله‏,‏ إبطال للجهاد‏,‏ وتسليط للأعداء‏,‏ وشدة تكالبهم، فيكون قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ كالتعليل لذلك، والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين‏:‏ ترك ما أمر به العبد‏,‏ إذا كان تركه موجبا أو مقاربا لهلاك البدن أو الروح، وفعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح‏,‏ فيدخل تحت ذلك أمور كثيرة، فمن ذلك‏,‏ ترك الجهاد في سبيل الله‏,‏ أو النفقة فيه‏,‏ الموجب لتسلط الأعداء، ومن ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة أو سفر مخوف‏,‏ أو محل مسبعة أو حيات‏,‏ أو يصعد شجرًا أو بنيانًا خطرًا‏,‏ أو يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك، فهذا ونحوه‏,‏ ممن ألقى بيده إلى التهلكة‏.‏
ومن الإلقاء باليد إلى التهلكة الإقامة على معاصي الله‏,‏ واليأس من التوبة، ومنها ترك ما أمر الله به من الفرائض‏,‏ التي في تركها هلاك للروح والدين‏.‏
ولما كانت النفقة في سبيل الله نوعا من أنواع الإحسان‏,‏ أمر بالإحسان عمومًا فقال‏:‏ ‏{‏وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ وهذا يشمل جميع أنواع الإحسان‏,‏ لأنه لم يقيده بشيء دون شيء، فيدخل فيه الإحسان بالمال كما تقدم‏.‏
ويدخل فيه الإحسان بالجاه‏,‏ بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك‏,‏ الإحسان بالأمر بالمعروف‏,‏ والنهي عن المنكر‏,‏ وتعليم العلم النافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس‏,‏ من تفريج كرباتهم وإزالة شداتهم‏,‏ وعيادة مرضاهم‏,‏ وتشييع جنائزهم‏,‏ وإرشاد ضالهم‏,‏ وإعانة من يعمل عملا‏,‏ والعمل لمن لا يحسن العمل ونحو ذلك‏,‏ مما هو من الإحسان الذي أمر الله به، ويدخل في الإحسان أيضًا‏,‏ الإحسان في عبادة الله تعالى‏,‏ وهو كما ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أن تعبد الله كأنك تراه‏,‏ فإن لم تكن تراه‏,‏ فإنه يراك‏)‏‏.‏
فمن اتصف بهذه الصفات‏,‏ كان من الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ‏}‏ وكان الله معه يسدده ويرشده ويعينه على كل أموره‏.‏
‏{‏ولما فرغ تعالى من ‏[‏ذكر‏]‏ أحكام الصيام فالجهاد‏,‏ ذكر أحكام الحج.
يتبع الأسبوع المقبل أن شاءالله..
الأسئلة؛
1_فسري الايه( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل مااعتدي عليكم )؟
2_مامعنى النفقه؟

دلال إبراهيم 09-26-2018 08:28 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...ce78e0bf28.gif

ام عبدالله وامنه 10-03-2018 02:32 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله وصحبه اجمعين.. نتابع معا القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى الآية 196من سورةالبقرة...
196‏]‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏
يستدل بقوله ‏[‏تعالى‏]‏‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏}‏ على أمور‏:‏
أحدها‏:‏ وجوب الحج والعمرة‏,‏ وفرضيتهما‏.‏
الثاني‏:‏ وجوب إتمامهما بأركانهما‏,‏ وواجباتهما‏,‏ التي قد دل عليها فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقوله‏:‏ ‏(‏خذوا عني مناسككم‏)‏
الثالث‏:‏ أن فيه حجة لمن قال بوجوب العمرة‏.‏
الرابع‏:‏ أن الحج والعمرة يجب إتمامهما بالشروع فيهما‏,‏ ولو كانا نفلا‏.‏
الخامس‏:‏ الأمر بإتقانهما وإحسانهما‏,‏ وهذا قدر زائد على فعل ما يلزم لهما‏.‏
السادس‏:‏ وفيه الأمر بإخلاصهما لله تعالى‏.‏
السابع‏:‏ أنه لا يخرج المحرم بهما بشيء من الأشياء حتى يكملهما‏,‏ إلا بما استثناه الله‏,‏ وهو الحصر‏,‏ فلهذا قال‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ‏}‏ أي‏:‏ منعتم من الوصول إلى البيت لتكميلهما‏,‏ بمرض‏,‏ أو ضلالة‏,‏ أو عدو‏,‏ ونحو ذلك من أنواع الحصر‏,‏ الذي هو المنع‏.‏
‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏ أي‏:‏ فاذبحوا ما استيسر من الهدي‏,‏ وهو سبع بدنة‏,‏ أو سبع بقرة‏,‏ أو شاة يذبحها المحصر‏,‏ ويحلق ويحل من إحرامه بسبب الحصر كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه‏,‏ لما صدهم المشركون عام الحديبية، فإن لم يجد الهدي‏,‏ فليصم بدله عشرة أيام كما في المتمتع ثم يحل‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏ وهذا من محظورات الإحرام‏,‏ إزالة الشعر‏,‏ بحلق أو غيره‏,‏ لأن المعنى واحد من الرأس‏,‏ أو من البدن‏,‏ لأن المقصود من ذلك‏,‏ حصول الشعث والمنع من الترفه بإزالته‏,‏ وهو موجود في بقية الشعر‏.‏
وقاس كثير من العلماء على إزالة الشعر‏,‏ تقليم الأظفار بجامع الترفه، ويستمر المنع مما ذكر‏,‏ حتى يبلغ الهدي محله‏,‏ وهو يوم النحر، والأفضل أن يكون الحلق بعد النحر‏,‏ كما تدل عليه الآية‏.‏
ويستدل بهذه الآية على أن المتمتع إذا ساق الهدي‏,‏ لم يتحلل من عمرته قبل يوم النحر، فإذا طاف وسعى للعمرة‏,‏ أحرم بالحج‏,‏ ولم يكن له إحلال بسبب سوق الهدي، وإنما منع تبارك وتعالى من ذلك‏,‏ لما فيه من الذل والخضوع لله والانكسار له‏,‏ والتواضع الذي هو عين مصلحة العبد‏,‏ وليس عليه في ذلك من ضرر، فإذا حصل الضرر بأن كان به أذى من مرض‏,‏ ينتفع بحلق رأسه له‏,‏ أو قروح‏,‏ أو قمل ونحو ذلك فإنه يحل له أن يحلق رأسه‏,‏ ولكن يكون عليه فدية من صيام ثلاثة أيام‏,‏ أو صدقة على ستة مساكين أو نسك ما يجزئ في أضحية‏,‏ فهو مخير، والنسك أفضل‏,‏ فالصدقة‏,‏ فالصيام‏.‏
ومثل هذا‏,‏ كل ما كان في معنى ذلك‏,‏ من تقليم الأظفار‏,‏ أو تغطية الرأس‏,‏ أو لبس المخيط‏,‏ أو الطيب‏,‏ فإنه يجوز عند الضرورة‏,‏ مع وجوب الفدية المذكورة لأن القصد من الجميع‏,‏ إزالة ما به يترفه‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَمِنْتُمْ‏}‏ أي‏:‏ بأن قدرتم على البيت من غير مانع عدو وغيره، ‏{‏فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ‏}‏ بأن توصل بها إليه‏,‏ وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها‏.‏
‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏ أي‏:‏ فعليه ما تيسر من الهدي‏,‏ وهو ما يجزئ في أضحية، وهذا دم نسك‏,‏ مقابلة لحصول النسكين له في سفرة واحدة‏,‏ ولإنعام الله عليه بحصول الانتفاع بالمتعة بعد فراغ العمرة‏,‏ وقبل الشروع في الحج، ومثلها القِران لحصول النسكين له‏.‏
ويدل مفهوم الآية‏,‏ على أن المفرد للحج‏,‏ ليس عليه هدي، ودلت الآية‏,‏ على جواز‏,‏ بل فضيلة المتعة‏,‏ وعلى جواز فعلها في أشهر الحج‏.‏
{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ‏}‏ أي الهدي أو ثمنه ‏{‏فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ‏}‏ أول جوازها من حين الإحرام بالعمرة‏,‏ وآخرها ثلاثة أيام بعد النحر‏,‏ أيام رمي الجمار‏,‏ والمبيت بـ ‏"‏منى‏"‏ ولكن الأفضل منها‏,‏ أن يصوم السابع‏,‏ والثامن‏,‏ والتاسع، ‏{‏وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ‏}‏ أي‏:‏ فرغتم من أعمال الحج‏,‏ فيجوز فعلها في مكة‏,‏ وفي الطريق‏,‏ وعند وصوله إلى أهله‏.‏
‏{‏ذَلِكَ‏}‏ المذكور من وجوب الهدي على المتمتع ‏{‏لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ بأن كان عند مسافة قصر فأكثر‏,‏ أو بعيدًا عنه عرفات‏,‏ فهذا الذي يجب عليه الهدي‏,‏ لحصول النسكين له في سفر واحد، وأما من كان أهله من حاضري المسجد الحرام‏,‏ فليس عليه هدي لعدم الموجب لذلك‏.‏
‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ‏}‏ أي‏:‏ في جميع أموركم‏,‏ بامتثال أوامره‏,‏ واجتناب نواهيه، ومن ذلك‏,‏ امتثالكم‏,‏ لهذه المأمورات‏,‏ واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الآية‏.‏
‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ أي‏:‏ لمن عصاه‏,‏ وهذا هو الموجب للتقوى‏,‏ فإن من خاف عقاب الله‏,‏ انكف عما يوجب العقاب، كما أن من رجا ثواب الله عمل لما يوصله إلى الثواب، وأما من لم يخف العقاب‏,‏ ولم يرج الثواب‏,‏ اقتحم المحارم‏,‏ وتجرأ على ترك الواجبات‏.‏
الأسئلة :
1_بماذا يدل قوله تعالى ( واتموا الحج والعمرة)؟
2_اذكري محظورات الإحرام؟

ام عبدالله وامنه 10-14-2018 03:00 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. نتابع معا القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة..
.‏
‏[‏197‏]‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ‏}‏
يخبر تعالى أن ‏{‏الْحَجَّ‏}‏ واقع في ‏{‏أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏ عند المخاطبين‏,‏ مشهورات‏,‏ بحيث لا تحتاج إلى تخصيص، كما احتاج الصيام إلى تعيين شهره‏,‏ وكما بين تعالى أوقات الصلوات الخمس‏.‏
وأما الحج فقد كان من ملة إبراهيم‏,‏ التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم‏.‏
والمراد بالأشهر المعلومات عند جمهور العلماء‏:‏ شوال‏,‏ وذو القعدة‏,‏ وعشر من ذي الحجة‏,‏ فهي التي يقع فيها الإحرام بالحج غالبًا‏.‏
‏{‏فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ‏}‏ أي‏:‏ أحرم به‏,‏ لأن الشروع فيه يصيره فرضا‏,‏ ولو كان نفلا‏.‏
واستدل بهذه الآية الشافعي ومن تابعه‏,‏ على أنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهره، قلت لو قيل‏:‏ إن فيها دلالة لقول الجمهور‏,‏ بصحة الإحرام ‏[‏بالحج‏]‏ قبل أشهره لكان قريبا، فإن قوله‏:‏ ‏{‏فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ‏}‏ دليل على أن الفرض قد يقع في الأشهر المذكورة وقد لا يقع فيها‏,‏ وإلا لم يقيده‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏}‏ أي‏:‏ يجب أن تعظموا الإحرام بالحج‏,‏ و خصوصًا الواقع في أشهره‏,‏ وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه‏,‏ من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية‏,‏ خصوصًا عند النساء بحضرتهن‏.‏
والفسوق وهو‏:‏ جميع المعاصي‏,‏ ومنها محظورات الإحرام‏.‏
والجدال وهو‏:‏ المماراة والمنازعة والمخاصمة‏,‏ لكونها تثير الشر‏,‏ وتوقع العداوة‏.‏
والمقصود من الحج‏,‏ الذل والانكسار لله‏,‏ والتقرب إليه بما أمكن من القربات‏,‏ والتنزه عن مقارفة السيئات‏,‏ فإنه بذلك يكون مبرورا والمبرور‏,‏ ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان‏,‏ فإنها يتغلظ المنع عنها في الحج‏.‏
واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك المعاصي حتى يفعل الأوامر، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ‏}‏ أتى بـ ‏"‏من‏"‏ لتنصيص على العموم، فكل خير وقربة وعبادة‏,‏ داخل في ذلك، أي‏:‏ فإن الله به عليم‏,‏ وهذا يتضمن غاية الحث على أفعال الخير‏,‏ وخصوصًا في تلك البقاع الشريفة والحرمات المنيفة‏,‏ فإنه ينبغي تدارك ما أمكن تداركه فيها‏,‏ من صلاة‏,‏ وصيام‏,‏ وصدقة‏,‏ وطواف‏,‏ وإحسان قولي وفعلي‏.‏
ثم أمر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك‏,‏ فإن التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين‏,‏ والكف عن أموالهم‏,‏ سؤالا واستشرافا، وفي الإكثار منه نفع وإعانة للمسافرين‏,‏ وزيادة قربة لرب العالمين، وهذا الزاد الذي المراد منه إقامة البنية بلغة ومتاع‏.‏
وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه‏,‏ في دنياه‏,‏ وأخراه‏,‏ فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار‏,‏ وهو الموصل لأكمل لذة‏,‏ وأجل نعيم دائم أبدًا، ومن ترك هذا الزاد‏,‏ فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر‏,‏ وممنوع من الوصول إلى دار المتقين‏.‏ فهذا مدح للتقوى‏.‏
ثم أمر بها أولي الألباب فقال‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ‏}‏ أي‏:‏ يا أهل العقول الرزينة‏,‏ اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول‏,‏ وتركها دليل على الجهل‏,‏ وفساد الرأي‏.‏
[‏198 ـ 202‏]‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ‏}‏
لما أمر تعالى بالتقوى‏,‏ أخبر تعالى أن ابتغاء فضل الله بالتكسب في مواسم الحج وغيره‏,‏ ليس فيه حرج إذا لم يشغل عما يجب إذا كان المقصود هو الحج‏,‏ وكان الكسب حلالا منسوبا إلى فضل الله‏,‏ لا منسوبا إلى حذق العبد‏,‏ والوقوف مع السبب‏,‏ ونسيان المسبب‏,‏ فإن هذا هو الحرج بعينه‏.‏
وفي قوله‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ‏}‏ دلالة على أمور‏:‏
أحدها‏:‏ الوقوف بعرفة‏,‏ وأنه كان معروفا أنه ركن من أركان الحج، فالإفاضة من عرفات‏,‏ لا تكون إلا بعد الوقوف‏.‏
الثاني‏:‏ الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام‏,‏ وهو المزدلفة‏,‏ وذلك أيضًا معروف‏,‏ يكون ليلة النحر بائتا بها‏,‏ وبعد صلاة الفجر‏,‏ يقف في المزدلفة داعيا‏,‏ حتى يسفر جدا‏,‏ ويدخل في ذكر الله عنده‏,‏ إيقاع الفرائض والنوافل فيه‏.‏
الثالث‏:‏ أن الوقوف بمزدلفة‏,‏ متأخر عن الوقوف بعرفة‏,‏ كما تدل عليه الفاء والترتيب‏.‏
الرابع‏,‏ والخامس‏:‏ أن عرفات ومزدلفة‏,‏ كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها‏,‏ وإظهارها‏.‏
السادس‏:‏ أن مزدلفة في الحرم‏,‏ كما قيده بالحرام‏.‏
السابع‏:‏ أن عرفة في الحل‏,‏ كما هو مفهوم التقييد بـ ‏"‏مزدلفة‏"‏
{‏وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ‏}‏ أي‏:‏ اذكروا الله تعالى كما منّ عليكم بالهداية بعد الضلال‏,‏ وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون، فهذه من أكبر النعم‏,‏ التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم بالقلب واللسان‏.‏
‏{‏ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ‏}‏ أي‏:‏ ثم أفيضوا من مزدلفة من حيث أفاض الناس‏,‏ من لدن إبراهيم عليه السلام إلى الآن، والمقصود من هذه الإفاضة كان معروفا عندهم‏,‏ وهو رمي الجمار‏,‏ وذبح الهدايا‏,‏ والطواف‏,‏ والسعي‏,‏ والمبيت بـ ‏"‏منى‏"‏ ليالي التشريق وتكميل باقي المناسك‏.‏
ولما كانت ‏[‏هذه‏]‏ الإفاضة‏,‏ يقصد بها ما ذكر‏,‏ والمذكورات آخر المناسك‏,‏ أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد‏,‏ في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة‏.‏
وهكذا ينبغي للعبد‏,‏ كلما فرغ من عبادة‏,‏ أن يستغفر الله عن التقصير‏,‏ ويشكره على التوفيق‏,‏ لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة‏,‏ ومن بها على ربه‏,‏ وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة‏,‏ فهذا حقيق بالمقت‏,‏ ورد الفعل، كما أن الأول‏,‏ حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر‏.‏
ثم أخبر تعالى عن أحوال الخلق‏,‏ وأن الجميع يسألونه مطالبهم‏,‏ ويستدفعونه ما يضرهم‏,‏ ولكن مقاصدهم تختلف، فمنهم‏:‏ ‏{‏مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا‏}‏ أي‏:‏ يسأله من مطالب الدنيا ما هو من شهواته‏,‏ وليس له في الآخرة من نصيب‏,‏ لرغبته عنها‏,‏ وقصر همته على الدنيا، ومنهم من يدعو الله لمصلحة الدارين‏,‏ ويفتقر إليه في مهمات دينه ودنياه، وكل من هؤلاء وهؤلاء‏,‏ لهم نصيب من كسبهم وعملهم‏,‏ وسيجازيهم تعالى على حسب أعمالهم‏,‏ وهماتهم ونياتهم‏,‏ جزاء دائرا بين العدل والفضل‏,‏ يحمد عليه أكمل حمد وأتمه، وفي هذه الآية دليل على أن الله يجيب دعوة كل داع‏,‏ مسلمًا أو كافرًا‏,‏ أو فاسقًا، ولكن ليست إجابته دعاء من دعاه‏,‏ دليلا على محبته له وقربه منه‏,‏ إلا في مطالب الآخرة ومهمات الدين‏.‏
والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد‏,‏ من رزق هنيء واسع حلال‏,‏ وزوجة صالحة‏,‏ وولد تقر به العين‏,‏ وراحة‏,‏ وعلم نافع‏,‏ وعمل صالح‏,‏ ونحو ذلك‏,‏ من المطالب المحبوبة والمباحة‏.‏
وحسنة الآخرة‏,‏ هي السلامة من العقوبات‏,‏ في القبر‏,‏ والموقف‏,‏ والنار‏,‏ وحصول رضا الله‏,‏ والفوز بالنعيم المقيم‏,‏ والقرب من الرب الرحيم، فصار هذا الدعاء‏,‏ أجمع دعاء وأكمله‏,‏ وأولاه بالإيثار‏,‏ ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر من الدعاء به‏,‏ والحث عليه‏.‏
الأسئلة :
1_مالمراد بأشهر معلومات؟
2_مالمقصود من الحج؟
3_ماجزاء الحج المبرور؟


ام عبدالله وامنه 10-17-2018 09:42 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة..
203‏]‏ ‏{‏وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ‏}‏
يأمر تعالى بذكره في الأيام المعدودات‏,‏ وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد‏,‏ لمزيتها وشرفها‏,‏ وكون بقية أحكام المناسك تفعل بها‏,‏ ولكون الناس أضيافا لله فيها‏,‏ ولهذا حرم صيامها، فللذكر فيها مزية ليست لغيرها‏,‏ ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أيام التشريق‏,‏ أيام أكل وشرب‏,‏ وذكر الله‏)‏
ويدخل في ذكر الله فيها‏,‏ ذكره عند رمي الجمار‏,‏ وعند الذبح‏,‏ والذكر المقيد عقب الفرائض، بل قال بعض العلماء‏:‏ إنه يستحب فيها التكبير المطلق‏,‏ كالعشر‏,‏ وليس ببعيد‏.‏
‏{‏فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ‏}‏ أي‏:‏ خرج من ‏"‏منى‏"‏ ونفر منها قبل غروب شمس اليوم الثاني ‏{‏فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ‏}‏ بأن بات بها ليلة الثالث ورمى من الغد ‏{‏فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ وهذا تخفيف من الله ‏[‏تعالى‏]‏ على عباده‏,‏ في إباحة كلا الأمرين، ولكن من المعلوم أنه إذا أبيح كلا الأمرين‏,‏ فالمتأخر أفضل‏,‏ لأنه أكثر عبادة‏.‏
ولما كان نفي الحرج قد يفهم منه نفي الحرج في ذلك المذكور وفي غيره‏,‏ والحاصل أن الحرج منفي عن المتقدم، والمتأخر فقط قيده بقوله‏:‏ ‏{‏لِمَنِ اتَّقَى‏}‏ أي‏:‏ اتقى الله في جميع أموره‏,‏ وأحوال الحج، فمن اتقى الله في كل شيء‏,‏ حصل له نفي الحرج في كل شيء، ومن اتقاه في شيء دون شيء‏,‏ كان الجزاء من جنس العمل‏.‏
‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ‏}‏ بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ‏}‏ فمجازيكم بأعمالكم، فمن اتقاه‏,‏ وجد جزاء التقوى عنده‏,‏ ومن لم يتقه‏,‏ عاقبه أشد العقوبة، فالعلم بالجزاء من أعظم الدواعي لتقوى الله‏,‏ فلهذا حث تعالى على العلم بذلك‏.‏
.‏
‏[‏204 ـ 206‏]‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ‏}‏
لما أمر تعالى بالإكثار من ذكره‏,‏ و خصوصًا في الأوقات الفاضلة الذي هو خير ومصلحة وبر‏,‏ أخبر تعالى بحال من يتكلم بلسانه ويخالف فعله قوله‏,‏ فالكلام إما أن يرفع الإنسان أو يخفضه فقال‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ أي‏:‏ إذا تكلم راق كلامه للسامع، وإذا نطق‏,‏ ظننته يتكلم بكلام نافع‏,‏ ويؤكد ما يقول بأنه ‏{‏وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ‏}‏ بأن يخبر أن الله يعلم‏,‏ أن ما في قلبه موافق لما نطق به‏,‏ وهو كاذب في ذلك‏,‏ لأنه يخالف قوله فعله‏.‏
فلو كان صادقا‏,‏ لتوافق القول والفعل‏,‏ كحال المؤمن غير المنافق‏,‏ فلهذا قال‏:‏ ‏{‏وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ‏}‏ أي‏:‏ إذا خاصمته‏,‏ وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب‏,‏ وما يترتب على ذلك‏,‏ ما هو من مقابح الصفات‏,‏ ليس كأخلاق المؤمنين‏,‏ الذين جعلوا السهولة مركبهم‏,‏ والانقياد للحق وظيفتهم‏,‏ والسماحة سجيتهم‏.‏
‏{‏وَإِذَا تَوَلَّى‏}‏ هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك ‏{‏سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا‏}‏ أي‏:‏ يجتهد على أعمال المعاصي‏,‏ التي هي إفساد في الأرض ‏{‏وَيُهْلِكَ‏}‏ بسبب ذلك ‏{‏الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ‏}‏ فالزروع والثمار والمواشي‏,‏ تتلف وتنقص‏,‏ وتقل بركتها‏,‏ بسبب العمل في المعاصي، ‏{‏وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ‏}‏ وإذا كان لا يحب الفساد‏,‏ فهو يبغض العبد المفسد في الأرض‏,‏ غاية البغض‏,‏ وإن قال بلسانه قولًا حسنًا‏.‏
ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص‏,‏ ليست دليلا على صدق ولا كذب‏,‏ ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدق لها‏,‏ المزكي لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود‏,‏ والمحق والمبطل من الناس‏,‏ بسبر أعمالهم‏,‏ والنظر لقرائن أحوالهم‏,‏ وأن لا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم‏.‏
ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله‏,‏ إذا أمر بتقوى الله تكبر وأنف، و ‏{‏أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ‏}‏ فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين‏.‏
‏{‏فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ التي هي دار العاصين والمتكبرين، ‏{‏وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ‏}‏ أي‏:‏ المستقر والمسكن‏,‏ عذاب دائم‏,‏ وهم لا ينقطع‏,‏ ويأس مستمر‏,‏ لا يخفف عنهم العذاب‏,‏ ولا يرجون الثواب‏,‏ جزاء لجناياتهم ومقابلة لأعمالهم، فعياذا بالله من أحوالهم‏.‏
الأسئلة :
1_لماذاحرم الله صيام ايام التشريق؟
2_مامعنى أخذته العزة بالاثم؟

ام عبدالله وامنه 10-25-2018 12:14 AM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم '' 'نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة...
207‏]‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ‏}‏
هؤلاء هم الموفقون الذين باعوا أنفسهم وأرخصوها وبذلوها طلبا لمرضاة الله ورجاء لثوابه، فهم بذلوا الثمن للمليء الوفي الرءوف بالعباد، الذي من رأفته ورحمته أن وفقهم لذلك، وقد وعد الوفاء بذلك، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ‏}‏ إلى آخر الآية‏.‏ وفي هذه الآية أخبر أنهم اشتروا أنفسهم وبذلوها، وأخبر برأفته الموجبة لتحصيل ما طلبوا، وبذل ما به رغبوا، فلا تسأل بعد هذا عن ما يحصل لهم من الكريم، وما ينالهم من الفوز والتكريم
‏[‏208 ـ 209‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏
هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا ‏{‏فِي السِّلْمِ كَافَّةً‏}‏ أي‏:‏ في جميع شرائع الدين‏,‏ ولا يتركوا منها شيئًا‏,‏ وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه‏,‏ إن وافق الأمر المشروع هواه فعله‏,‏ وإن خالفه‏,‏ تركه، بل الواجب أن يكون الهوى‏,‏ تبعا للدين‏,‏ وأن يفعل كل ما يقدر عليه‏,‏ من أفعال الخير‏,‏ وما يعجز عنه‏,‏ يلتزمه وينويه‏,‏ فيدركه بنيته‏.‏
ولما كان الدخول في السلم كافة‏,‏ لا يمكن ولا يتصور إلا بمخالفة طرق الشيطان قال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ‏}‏ أي‏:‏ في العمل بمعاصي الله ‏{‏إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ‏}‏ والعدو المبين‏,‏ لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء‏,‏ وما به الضرر عليكم‏.‏
ولما كان العبد لا بد أن يقع منه خلل وزلل‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ‏}‏ أي‏:‏ على علم ويقين ‏{‏فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏
وفيه من الوعيد الشديد‏,‏ والتخويف‏,‏ ما يوجب ترك الزلل‏,‏ فإن العزيز القاهر الحكيم‏,‏ إذا عصاه العاصي‏,‏ قهره بقوته‏,‏ وعذبه بمقتضى حكمته فإن من حكمته‏,‏ تعذيب العصاة والجناة‏.‏

[‏[‏210‏]‏ ‏{‏هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ‏}‏
وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب، يقول تعالى‏:‏ هل ينتظر الساعون في الفساد في الأرض‏,‏ المتبعون لخطوات الشيطان‏,‏ النابذون لأمر الله إلا يوم الجزاء بالأعمال‏,‏ الذي قد حشي من الأهوال والشدائد والفظائع‏,‏ ما يقلقل قلوب الظالمين‏,‏ ويحق به الجزاء السيئ على المفسدين‏.‏
وذلك أن الله تعالى يطوي السموات والأرض‏,‏ وتنثر الكواكب‏,‏ وتكور الشمس والقمر‏,‏ وتنزل الملائكة الكرام‏,‏ فتحيط بالخلائق‏,‏ وينزل الباري ‏[‏تبارك‏]‏ تعالى‏:‏ ‏{‏فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ‏}‏ ليفصل بين عباده بالقضاء العدل‏.‏
فتوضع الموازين‏,‏ وتنشر الدواوين‏,‏ وتبيض وجوه أهل السعادة وتسود وجوه أهل الشقاوة‏,‏ ويتميز أهل الخير من أهل الشر، وكل يجازى بعمله، فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه‏.‏
وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة‏,‏ المثبتين للصفات الاختيارية‏,‏ كالاستواء‏,‏ والنزول‏,‏ والمجيء‏,‏ ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى‏,‏ عن نفسه‏,‏ أو أخبر بها عنه رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته‏,‏ من غير تشبيه ولا تحريف، خلافا للمعطلة على اختلاف أنواعهم‏,‏ من الجهمية‏,‏ والمعتزلة‏,‏ والأشعرية ونحوهم‏,‏ ممن ينفي هذه الصفات‏,‏ ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان‏,‏ بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله‏,‏ والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب، فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي‏,‏ بل ولا دليل عقلي، أما النقلي فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة‏,‏ ظاهرها بل صريحها‏,‏ دال على مذهب أهل السنة والجماعة‏,‏ وأنها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل‏,‏ أن تخرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص، وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان‏.‏
الأسئلة :
1_مامعنى (في السلم كافة)؟
2_اشتملت إحدى الآيات على وعيدشديد تنخلع له القلوب للمفسدين في الأرض المتتبعون لخطوات الشيطان '' '''اذكري تلك الآية؟

ام عبدالله وامنه 11-01-2018 07:45 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 

يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم '' نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة في سورة البقرة.
( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
البقرة (211)

سل -أيها الرسول- بني إسرائيل المعاندين لك: كم أعطيناهم من آيات واضحات في كتبهم تهديهم إلى الحق، فكفروا بها كلها، وأعرضوا عنها، وحَرَّفوها عن مواضعها. ومن يبدل نعمة الله -وهي دينه- ويكفر بها من بعد معرفتها، وقيام الحجة عليه بها، فإن الله تعالى شديد العقاب له.
( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )
البقرة (212)

حُسِّن للذين جحدوا وحدانية الله الحياةُ الدنيا وما فيها من الشهوات والملذات، وهم يستهزئون بالمؤمنين. وهؤلاء الذين يخشون ربهم فوق جميع الكفار يوم القيامة؛ حيث يدخلهم الله أعلى درجات الجنة، وينزل الكافرين أسفل دركات النار. والله يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب.
( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
البقرة (213)

كان الناس جماعة واحدة، متفقين على الإيمان بالله ثم اختلفوا في دينهم، فبعث الله النبيين دعاة لدين الله، مبشرين مَن أطاع الله بالجنة، ومحذرين من كفر به وعصاه النار، وأنزل معهم الكتب السماوية بالحق الذي اشتملت عليه؛ ليحكموا بما فيها بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اخْتَلَف في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه ظلمًا وحسدًا إلا الذين أعطاهم الله التوراة، وعرفوا ما فيها من الحجج والأحكام، فوفَّق الله المؤمنين بفضله إلى تمييز الحق من الباطل، ومعرفة ما اختلفوا فيه. والله يوفِّق من يشاء من عباده إلى طريق مستقيم.
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )
البقرة (214)

بل أظننتم -أيها المؤمنون- أن تدخلوا الجنة، ولمَّا يصبكم من الابتلاء مثل ما أصاب المؤمنين الذين مضوا من قبلكم: من الفقر والأمراض والخوف والرعب، وزُلزلوا بأنواع المخاوف، حتى قال رسولهم والمؤمنون معه -على سبيل الاستعجال للنصر من الله تعالى-: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب من المؤمنين.
( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )
البقرة (215)

يسألك أصحابك -أيها النبي- أي شيء ينفقون من أصناف أموالهم تقربًا إلى الله تعالى، وعلى مَن ينفقون؟ قل لهم: أنفقوا أيَّ خير يتيسر لكم من أصناف المال الحلال الطيب، واجعلوا نفقتكم للوالدين، والأقربين من أهلكم وذوي أرحامكم، واليتامى، والفقراء، والمسافر المحتاج الذي بَعُدَ عن أهله وماله. وما تفعلوا من خير فإن الله تعالى به عليم.
الأسئلة :
1_بماذا أجاب الله سبحانه وتعالى.. عندما سألو الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا ينفقون؟

ام عبدالله وامنه 11-11-2018 02:57 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى من سورة البقرة.
‏[‏216‏]‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏
هذه الآية‏,‏ فيها فرض القتال في سبيل الله‏,‏ بعد ما كان المؤمنون مأمورين بتركه‏,‏ لضعفهم‏,‏ وعدم احتمالهم لذلك، فلما هاجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة‏,‏ وكثر المسلمون‏,‏ وقووا أمرهم الله تعالى بالقتال، وأخبر أنه مكروه للنفوس‏,‏ لما فيه من التعب والمشقة‏,‏ وحصول أنواع المخاوف والتعرض للمتالف، ومع هذا‏,‏ فهو خير محض‏,‏ لما فيه من الثواب العظيم‏,‏ والتحرز من العقاب الأليم‏,‏ والنصر على الأعداء والظفر بالغنائم‏,‏ وغير ذلك‏,‏ مما هو مرب‏,‏ على ما فيه من الكراهة ‏{‏وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ‏}‏ وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة‏,‏ فإنه شر‏,‏ لأنه يعقب الخذلان‏,‏ وتسلط الأعداء على الإسلام وأهله‏,‏ وحصول الذل والهوان‏,‏ وفوات الأجر العظيم وحصول العقاب‏.‏
وهذه الآيات عامة مطردة‏,‏ في أن أفعال الخير التي تكرهها النفوس لما فيها من المشقة أنها خير بلا شك، وأن أفعال الشر التي تحب النفوس لما تتوهمه فيها من الراحة واللذة فهي شر بلا شك‏.‏
وأما أحوال الدنيا‏,‏ فليس الأمر مطردًا‏,‏ ولكن الغالب على العبد المؤمن‏,‏ أنه إذا أحب أمرا من الأمور‏,‏ فقيض الله ‏[‏له‏]‏ من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له‏,‏ فالأوفق له في ذلك‏,‏ أن يشكر الله‏,‏ ويجعل الخير في الواقع‏,‏ لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه‏,‏ وأقدر على مصلحة عبده منه‏,‏ وأعلم بمصلحته منه كما قال ‏[‏تعالى‏:‏‏]‏ ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره‏,‏ سواء سرتكم أو ساءتكم‏.‏
ولما كان الأمر بالقتال‏,‏ لو لم يقيد‏,‏ لشمل الأشهر الحرم وغيرها‏,‏ استثنى تعالى‏,‏ القتال في الأشهر الحرم فقال‏:‏
[‏217‏]‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏
الجمهور على أن تحريم القتال في الأشهر الحرم‏,‏ منسوخ بالأمر بقتال المشركين حيثما وجدوا، وقال بعض المفسرين‏:‏ إنه لم ينسخ‏,‏ لأن المطلق محمول على المقيد، وهذه الآية مقيدة لعموم الأمر بالقتال مطلقا؛ ولأن من جملة مزية الأشهر الحرم، بل أكبر مزاياها‏,‏ تحريم القتال فيها‏,‏ وهذا إنما هو في قتال الابتداء، وأما قتال الدفع فإنه يجوز في الأشهر الحرم‏,‏ كما يجوز في البلد الحرام‏.‏
ولما كانت هذه الآية نازلة بسبب ما حصل‏,‏ لسرية عبد الله بن جحش‏,‏ وقتلهم عمرو بن الحضرمي‏,‏ وأخذهم أموالهم‏,‏ وكان ذلك ـ على ما قيل ـ في شهر رجب، عيرهم المشركون بالقتال بالأشهر الحرم‏,‏ وكانوا في تعييرهم ظالمين‏,‏ إذ فيهم من القبائح ما بعضه أعظم مما عيروا به المسلمين‏,‏ قال تعالى في بيان ما فيهم‏:‏ ‏{‏وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ صد المشركين من يريد الإيمان بالله وبرسوله‏,‏ وفتنتهم من آمن به‏,‏ وسعيهم في ردهم عن دينهم‏,‏ وكفرهم الحاصل في الشهر الحرام‏,‏ والبلد الحرام‏,‏ الذي هو بمجرده‏,‏ كاف في الشر، فكيف وقد كان في شهر حرام وبلد حرام‏؟‏‏!‏ ‏{‏وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ‏}‏ أي‏:‏ أهل المسجد الحرام‏,‏ وهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه‏,‏ لأنهم أحق به من المشركين‏,‏ وهم عماره على الحقيقة‏,‏ فأخرجوهم ‏{‏مِنْهُ‏}‏ ولم يمكنوهم من الوصول إليه‏,‏ مع أن هذا البيت سواء العاكف فيه والباد، فهذه الأمور كل واحد منها ‏{‏أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ‏}‏ في الشهر الحرام‏,‏ فكيف وقد اجتمعت فيهم‏؟‏‏!‏ فعلم أنهم فسقة ظلمة‏,‏ في تعييرهم المؤمنين‏.‏
ثم أخبر تعالى أنهم لن يزالوا يقاتلون المؤمنين، وليس غرضهم في أموالهم وقتلهم‏,‏ وإنما غرضهم أن يرجعوهم عن دينهم‏,‏ ويكونوا كفارا بعد إيمانهم حتى يكونوا من أصحاب السعير، فهم باذلون قدرتهم في ذلك‏,‏ ساعون بما أمكنهم‏,‏ ‏{‏ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون‏}
وهذا الوصف عام لكل الكفار‏,‏ لا يزالون يقاتلون غيرهم‏,‏ حتى يردوهم عن دينهم، و خصوصًا‏,‏ أهل الكتاب‏,‏ من اليهود والنصارى‏,‏ الذين بذلوا الجمعيات‏,‏ ونشروا الدعاة‏,‏ وبثوا الأطباء‏,‏ وبنوا المدارس‏,‏ لجذب الأمم إلى دينهم‏,‏ وتدخيلهم عليهم‏,‏ كل ما يمكنهم من الشبه‏,‏ التي تشككهم في دينهم‏.‏
ولكن المرجو من الله تعالى‏,‏ الذي مَنّ على المؤمنين بالإسلام‏,‏ واختار لهم دينه القيم‏,‏ وأكمل لهم دينه، أن يتم عليهم نعمته بالقيام به أتم القيام‏,‏ وأن يخذل كل من أراد أن يطفئ نوره‏,‏ ويجعل كيدهم في نحورهم‏,‏ وينصر دينه‏,‏ ويعلي كلمته‏.‏
وتكون هذه الآية صادقة على هؤلاء الموجودين من الكفار‏,‏ كما صدقت على من قبلهم‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ‏}‏
ثم أخبر تعالى أن من ارتد عن الإسلام‏,‏ بأن اختار عليه الكفر واستمر على ذلك حتى مات كافرا، ‏{‏فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏}‏ لعدم وجود شرطها وهو الإسلام، ‏{‏وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏
ودلت الآية بمفهومها‏,‏ أن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام‏,‏ أنه يرجع إليه عمله الذي قبل ردته، وكذلك من تاب من المعاصي‏,‏ فإنها تعود إليه أعماله المتقدمة‏.‏
‏[‏218‏]‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏
هذه الأعمال الثلاثة‏,‏ هي عنوان السعادة وقطب رحى العبودية‏,‏ وبها يعرف ما مع الإنسان‏,‏ من الربح والخسران، فأما الإيمان‏,‏ فلا تسأل عن فضيلته‏,‏ وكيف تسأل عن شيء هو الفاصل بين أهل السعادة وأهل الشقاوة‏,‏ وأهل الجنة من أهل النار‏؟‏ وهو الذي إذا كان مع العبد‏,‏ قبلت أعمال الخير منه‏,‏ وإذا عدم منه لم يقبل له صرف ولا عدل‏,‏ ولا فرض‏,‏ ولا نفل‏.‏
وأما الهجرة‏:‏ فهي مفارقة المحبوب المألوف‏,‏ لرضا الله تعالى، فيترك المهاجر وطنه وأمواله‏,‏ وأهله‏,‏ وخلانه‏,‏ تقربا إلى الله ونصرة لدينه‏.‏
وأما الجهاد‏:‏ فهو بذل الجهد في مقارعة الأعداء‏,‏ والسعي التام في نصرة دين الله‏,‏ وقمع دين الشيطان، وهو ذروة الأعمال الصالحة‏,‏ وجزاؤه‏,‏ أفضل الجزاء، وهو السبب الأكبر‏,‏ لتوسيع دائرة الإسلام وخذلان عباد الأصنام‏,‏ وأمن المسلمين على أنفسهم وأموالهم وأولادهم‏.‏
فمن قام بهذه الأعمال الثلاثة على لأوائهاومشقتها كان لغيرها أشد قياما به وتكميلًا‏.‏
فحقيق بهؤلاء أن يكون…[٧:٠٦ ص، ٢٠١٨/١١/٧] ا حليمه هرشاني: هم الراجون رحمة الله‏,‏ لأنهم أتوا بالسبب الموجب للرحمة، وفي هذا دليل على أن الرجاء لا يكون إلا بعد القيام بأسباب السعادة، وأما الرجاء المقارن للكسل‏,‏ وعدم القيام بالأسباب‏,‏ فهذا عجز وتمن وغرور، وهو دال على ضعف همة صاحبه‏,‏ ونقص عقله‏,‏ بمنزلة من يرجو وجود ولد بلا نكاح‏,‏ ووجود الغلة بلا بذر‏,‏ وسقي‏,‏ ونحو ذلك‏.‏
وفي قوله‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ‏}‏ إشارة إلى أن العبد ولو أتى من الأعمال بما أتى به لا ينبغي له أن يعتمد عليها‏,‏ ويعول عليها‏,‏ بل يرجو رحمة ربه‏,‏ ويرجو قبول أعماله ومغفرة ذنوبه‏,‏ وستر عيوبه‏.‏
ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ غَفُورٌ‏}‏ أي‏:‏ لمن تاب توبة نصوحا ‏{‏رَحِيمٌ‏}‏ وسعت رحمته كل شيء‏,‏ وعم جوده وإحسانه كل حي‏.‏
وفي هذا دليل على أن من قام بهذه الأعمال المذكورة‏,‏ حصل له مغفرة الله‏,‏ إذ الحسنات يذهبن السيئات وحصلت له رحمة الله‏.‏
وإذا حصلت له المغفرة‏,‏ اندفعت عنه عقوبات الدنيا والآخرة، التي هي آثار الذنوب‏,‏ التي قد غفرت واضمحلت آثارها، وإذا حصلت له الرحمة‏,‏ حصل على كل خير في الدنيا والآخرة؛ بل أعمالهم المذكورة من رحمة الله بهم‏,‏ فلولا توفيقه إياهم‏,‏ لم يريدوها‏,‏ ولولا إقدارهم عليها‏,‏ لم يقدروا عليها‏,‏ ولولا إحسانه لم يتمها ويقبلها منهم، فله الفضل أولا وآخرا‏,‏ وهو الذي منّ بالسبب والمسبب‏.‏
الأسئلة :
1_ماسبب نزول الآية (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه)؟
2_ماهي الأعمال عنوان السعادة؟
3_عرفي الجهاد؟

ام عبدالله وامنه 11-17-2018 01:09 AM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة.
.‏
‏[‏219 ـ 220‏]‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ *
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏
أي‏:‏ يسألك ـ يا أيها الرسول ـ المؤمنون عن أحكام الخمر والميسر‏,‏ وقد كانا مستعملين في الجاهلية وأول الإسلام‏,‏ فكأنه وقع فيهما إشكال، فلهذا سألوا عن حكمهما، فأمر الله تعالى نبيه‏,‏ أن يبين لهم منافعهما ومضارهما‏,‏ ليكون ذلك مقدمة لتحريمهما‏,‏ وتحتيم تركهما‏.‏
فأخبر أن إثمهما ومضارهما‏,‏ وما يصدر منهما من ذهاب العقل والمال‏,‏ والصد عن ذكر الله‏,‏ وعن الصلاة‏,‏ والعداوة‏,‏ والبغضاء ـ أكبر مما يظنونه من نفعهما‏,‏ من كسب المال بالتجارة بالخمر‏,‏ وتحصيله بالقمار والطرب للنفوس‏,‏ عند تعاطيهما، وكان هذا البيان زاجرا للنفوس عنهما‏,‏ لأن العاقل يرجح ما ترجحت مصلحته‏,‏ ويجتنب ما ترجحت مضرته، ولكن لما كانوا قد ألفوهما‏,‏ وصعب التحتيم بتركهما أول وهلة‏,‏ قدم هذه الآية‏,‏ مقدمة للتحريم‏,‏ الذي ذكره في قوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏مُنْتَهُونَ‏}‏ وهذا من لطفه ورحمته وحكمته، ولهذا لما نزلت‏,‏ قال عمر رضي الله عنه‏:‏ انتهينا انتهينا‏.‏
فأما الخمر‏:‏ فهو كل مسكر خامر العقل وغطاه‏,‏ من أي نوع كان، وأما الميسر‏:‏ فهو كل المغالبات التي يكون فيها عوض من الطرفين‏,‏ من النرد‏,‏ والشطرنج‏,‏ وكل مغالبة قولية أو فعلية‏,‏ بعوض سوى مسابقة الخيل‏,‏ والإبل‏,‏ والسهام‏,‏ فإنها مباحة‏,‏ لكونها معينة على الجهاد‏,‏ فلهذا رخص فيها الشارع‏.
{‏وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏}‏
وهذا سؤال عن مقدار ما ينفقونه من أموالهم، فيسر الله لهم الأمر‏,‏ وأمرهم أن ينفقوا العفو‏,‏ وهو المتيسر من أموالهم‏,‏ الذي لا تتعلق به حاجتهم وضرورتهم، وهذا يرجع إلى كل أحد بحسبه‏,‏ من غني وفقير ومتوسط‏,‏ كل له قدرة على إنفاق ما عفا من ماله‏,‏ ولو شق تمرة‏.‏
ولهذا أمر الله رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وصدقاتهم‏,‏ ولا يكلفهم ما يشق عليهم‏.‏ ذلك بأن الله تعالى لم يأمرنا بما أمرنا به حاجة منه لنا‏,‏ أو تكليفا لنا ‏[‏بما يشق‏]‏ بل أمرنا بما فيه سعادتنا‏,‏ وما يسهل علينا‏,‏ وما به النفع لنا ولإخواننا فيستحق على ذلك أتم الحمد‏.‏
ولما بيّن تعالى هذا البيان الشافي‏,‏ وأطلع العباد على أسرار شرعه قال‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ‏}‏ أي‏:‏ الدالات على الحق‏,‏ المحصلات للعلم النافع والفرقان، ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏}‏ أي‏:‏ لكي تستعملوا أفكاركم في أسرار شرعه‏,‏ وتعرفوا أن أوامره‏,‏ فيها مصالح الدنيا والآخرة، وأيضًا لكي تتفكروا في الدنيا وسرعة انقضائها‏,‏ فترفضوها وفي الآخرة وبقائها‏,‏ وأنها دار الجزاء فتعمروها‏.‏
‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏
لما نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا‏}‏ شق ذلك على المسلمين‏,‏ وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى‏,‏ خوفا على أنفسهم من تناولها‏,‏ ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها‏,‏ وسألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك، فأخبرهم تعالى أن المقصود‏,‏ إصلاح أموال اليتامى‏,‏ بحفظها وصيانتها‏,‏ والاتجار فيها وأن خلطتهم إياهم في طعام أو غيره جائز على وجه لا يضر باليتامى‏,‏ لأنهم إخوانكم‏,‏ ومن شأن الأخ مخالطة أخيه‏,‏ والمرجع في ذلك إلى النية والعمل، فمن علم الله من نيته أنه مصلح لليتيم‏,‏ وليس له طمع في ماله‏,‏ فلو دخل عليه شيء من غير قصد لم يكن عليه بأس، ومن علم الله من نيته‏,‏ أن قصده بالمخالطة‏,‏ التوصل إلى أكلها وتناولها‏,‏ فذلك الذي حرج وأثم‏,‏ و‏"‏الوسائل لها أحكام المقاصد‏"‏
وفي هذه الآية‏,‏ دليل على جواز أنواع المخالطات‏,‏ في المآكل والمشارب‏,‏ والعقود وغيرها‏,‏ وهذه الرخصة‏,‏ لطف من الله ‏[‏تعالى‏]‏ وإحسان‏,‏ وتوسعة على المؤمنين، وإلا فـ ‏{‏لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ شق عليكم بعدم الرخصة بذلك‏,‏ فحرجتم‏.‏ وشق عليكم وأثمتم، ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ‏}‏ أي‏:‏ له القوة الكاملة‏,‏ والقهر لكل شيء، ولكنه مع ذلك ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ لا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته الكاملة وعنايته التامة‏,‏ فعزته لا تنافي حكمته، فلا يقال‏:‏ إنه ما شاء فعل‏,‏ وافق الحكمة أو خالفها، بل يقال‏:‏ إن أفعاله وكذلك أحكامه‏,‏ تابعة لحكمته‏,‏ فلا يخلق شيئًا عبثا‏,‏ بل لا بد له من حكمة‏,‏ عرفناها‏,‏ أم لم نعرفها وكذلك لم يشرع لعباده شيئًا مجردا عن الحكمة، فلا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة‏,‏ أو راجحة‏,‏ ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة‏,‏ لتمام حكمته ورحمته.
الأسئلة :
1_مالفرق بين الخمر واليسر؟
2_مالمقصود بإصلاح أموال اليتامى؟

ام عبدالله وامنه 11-25-2018 03:10 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع[SIZE="5"][COLOR="DarkRed"]

بسم الله الرحمن الرحيم.
. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم نتابع معا القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
[‏222 ـ 223‏]‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏
يخبر تعالى عن سؤالهم عن المحيض‏,‏ وهل تكون المرأة بحالها بعد الحيض‏,‏ كما كانت قبل ذلك‏,‏ أم تجتنب مطلقا كما يفعله اليهود‏؟‏‏.‏
فأخبر تعالى أن الحيض أذى‏,‏ وإذا كان أذى‏,‏ فمن الحكمة أن يمنع الله تعالى عباده عن الأذى وحده‏,‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ‏}‏ أي‏:‏ مكان الحيض‏,‏ وهو الوطء في الفرج خاصة‏,‏ فهذا هو المحرم إجماعا، وتخصيص الاعتزال في المحيض‏,‏ يدل على أن مباشرة الحائض وملامستها‏,‏ في غير الوطء في الفرج جائز‏.‏
لكن قوله‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ‏}‏ يدل على أن المباشرة فيما قرب من الفرج‏,‏ وذلك فيما بين السرة والركبة‏,‏ ينبغي تركه كما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أراد أن يباشر امرأته وهي حائض‏,‏ أمرها أن تتزر‏,‏ فيباشرها‏.‏
وحد هذا الاعتزال وعدم القربان للحُيَّض ‏{‏حَتَّى يَطْهُرْنَ‏}‏ أي‏:‏ ينقطع دمهن‏,‏ فإذا انقطع الدم‏,‏ زال المنع الموجود وقت جريانه‏,‏ الذي كان لحله شرطان‏,‏ انقطاع الدم‏,‏ والاغتسال منه‏.‏
فلما انقطع الدم‏,‏ زال الشرط الأول وبقي الثاني‏,‏ فلهذا قال‏:‏ ‏{‏فَإِذَا تَطَهَّرْنَ‏}‏ أي‏:‏ اغتسلن ‏{‏فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ في القبل لا في الدبر‏,‏ لأنه محل الحرث‏.‏
وفيه دليل على وجوب الاغتسال للحائض‏,‏ وأن انقطاع الدم‏,‏ شرط لصحته‏.‏
ولما كان هذا المنع لطفا منه تعالى بعباده‏,‏ وصيانة عن الأذى قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ‏}‏ أي‏:‏ من ذنوبهم على الدوام ‏{‏وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏}‏ أي‏:‏ المتنزهين عن الآثام وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث‏.‏
ففيه مشروعية الطهارة مطلقا‏,‏ لأن الله يحب المتصف بها‏,‏ ولهذا كانت الطهارة مطلقا‏,‏ شرطا لصحة الصلاة والطواف‏,‏ وجواز مس المصحف، ويشمل التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة‏,‏ والصفات القبيحة‏,‏ والأفعال الخسيسة‏.‏...
{‏نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ مقبلة ومدبرة غير أنه لا يكون إلا في القبل‏,‏ لكونه موضع الحرث‏,‏ وهو الموضع الذي يكون منه الولد‏.‏
وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر‏,‏ لأن الله لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث، وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تحريم ذلك‏,‏ ولعن فاعله‏.‏
‏{‏وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ من التقرب إلى الله بفعل الخيرات‏,‏ ومن ذلك أن يباشر الرجل امرأته‏,‏ ويجامعها على وجه القربة والاحتساب‏,‏ وعلى رجاء تحصيل الذرية الذين ينفع الله بهم‏.‏
‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ‏}‏ أي‏:‏ في جميع أحوالكم‏,‏ كونوا ملازمين لتقوى الله‏,‏ مستعينين بذلك لعلمكم، ‏{‏أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ‏}‏ ومجازيكم على أعمالكم الصالحة وغيرها‏.‏
ثم قال‏:‏ ‏{‏وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ لم يذكر المبشر به ليدل على العموم‏,‏ وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وكل خير واندفاع كل ضير‏,‏ رتب على الإيمان فهو داخل في هذه البشارة‏.‏
وفيها محبة الله للمؤمنين‏,‏ ومحبة ما يسرهم‏,‏ واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما أعد الله لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي‏.‏
‏[‏224‏]‏ ‏{‏وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏
المقصود من اليمين، والقسم تعظيم المقسم به‏,‏ وتأكيد المقسم عليه، وكان الله تعالى قد أمر بحفظ الأيمان‏,‏ وكان مقتضى ذلك حفظها في كل شيء، ولكن الله تعالى استثنى من ذلك إذا كان البر باليمين‏,‏ يتضمن ترك ما هو أحب إليه، فنهى عباده أن يجعلوا أيمانهم عرضة‏,‏ أي‏:‏ مانعة وحائلة عن أن يبروا‏:‏ أن يفعلوا خيرا‏,‏ أو يتقوا شرا‏,‏ أو يصلحوا بين الناس، فمن حلف على ترك واجب وجب حنثه‏,‏ وحرم إقامته على يمينه، ومن حلف على ترك مستحب‏,‏ استحب له الحنث، ومن حلف على فعل محرم‏,‏ وجب الحنث‏,‏ أو على فعل مكروه استحب الحنث، وأما المباح فينبغي فيه حفظ اليمين عن الحنث‏.‏

ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة‏,‏ أنه ‏"‏إذا تزاحمت المصالح‏,‏ قدم أهمها‏"‏ فهنا تتميم اليمين مصلحة‏,‏ وامتثال أوامر الله في هذه الأشياء‏,‏ مصلحة أكبر من ذلك‏,‏ فقدمت لذلك‏.‏
ثم ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ سَمِيعٌ‏}‏ أي‏:‏ لجميع الأصوات ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بالمقاصد والنيات‏,‏ ومنه سماعه لأقوال الحالفين‏,‏ وعلمه بمقاصدهم هل هي خير أم شر، وفي ضمن ذلك التحذير من مجازاته‏,‏ وأن أعمالكم ونياتكم‏,‏ قد استقر علمها عنده‏.‏
‏[‏225‏]‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ‏}‏
أي‏:‏ لا يؤاخذكم بما يجري على ألسنتكم من الأيمان اللاغية‏,‏ التي يتكلم بها العبد‏,‏ من غير قصد منه ولا كسب قلب‏,‏ ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه‏:‏ ‏"‏لا والله‏"‏ و‏"‏بلى والله‏"‏ وكحلفه على أمر ماض‏,‏ يظن صدق نفسه، وإنما المؤاخذة على ما قصده القلب‏.‏
وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال‏,‏ كما هي معتبرة في الأفعال‏.‏
‏{‏والله غفور‏}‏ لمن تاب إليه‏,‏ ‏{‏حليم‏}‏ بمن عصاه‏,‏ حيث لم يعاجله بالعقوبة‏,‏ بل حلم عنه وستر‏,‏ وصفح مع قدرته عليه‏,‏ وكونه بين يديه‏.‏
الأسئلة...
1_ مامعنى حتى (يطهرن)؟
2_ مالمقصود من اليمين؟

[/COLOR][/SIZE]

ام عبدالله وامنه 12-01-2018 11:52 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..

بسم الله الرحمن الرحيم
نتابع معا القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة.
‏[‏226 ـ 227‏]‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏
وهذا من الأيمان الخاصة بالزوجة‏,‏ في أمر خاص وهو حلف الزوج على ترك وطء زوجته مطلقا، أو مقيدا، بأقل من أربعة أشهر أو أكثر‏.‏
فمن آلى من زوجته خاصة، فإن كان لدون أربعة أشهر‏,‏ فهذا مثل سائر الأيمان‏,‏ إن حنث كفر‏,‏ وإن أتم يمينه‏,‏ فلا شيء عليه‏,‏ وليس لزوجته عليه سبيل‏,‏ لأنه ملكه أربعة أشهر‏.‏
وإن كان أبدًا‏,‏ أو مدة تزيد على أربعة أشهر‏,‏ ضربت له مدة أربعة أشهر من يمينه‏,‏ إذا طلبت زوجته ذلك‏,‏ لأنه حق لها، فإذا تمت أمر بالفيئة وهو الوطء، فإن وطئ‏,‏ فلا شيء عليه إلا كفارة اليمين، وإن امتنع‏,‏ أجبر على الطلاق‏,‏ فإن امتنع‏,‏ طلق عليه الحاكم‏.‏
ولكن الفيئة والرجوع إلى زوجته‏,‏ أحب إلى الله تعالى‏,‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَإِنْ فَاءُوا‏}‏ أي‏:‏ رجعوا إلى ما حلفوا على تركه‏,‏ وهو الوطء‏.‏ ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‏}‏ يغفر لهم ما حصل منهم من الحلف‏,‏ بسبب رجوعهم‏.‏ ‏{‏رَحِيمٌ‏}‏ حيث جعل لأيمانهم كفارة وتحلة‏,‏ ولم يجعلها لازمة لهم غير قابلة للانفكاك‏,‏ ورحيم بهم أيضًا‏,‏ حيث فاءوا إلى زوجاتهم‏,‏ وحنوا عليهن ورحموهن‏.‏
‏{‏وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ‏}‏ أي‏:‏ امتنعوا من الفيئة‏,‏ فكان ذلك دليلا على رغبتهم عنهن‏,‏ وعدم إرادتهم لأزواجهم‏,‏ وهذا لا يكون إلا عزما على الطلاق، فإن حصل هذا الحق الواجب منه مباشرة‏,‏ وإلا أجبره الحاكم عليه أو قام به‏.‏
{‏فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ فيه وعيد وتهديد‏,‏ لمن يحلف هذا الحلف‏,‏ ويقصد بذلك المضارة والمشاقة‏.‏
ويستدل بهذه الآية على أن الإيلاء‏,‏ خاص بالزوجة‏,‏ لقوله‏:‏ ‏{‏من نسائهم‏}‏ وعلى وجوب الوطء في كل أربعة أشهر مرة‏,‏ لأنه بعد الأربعة‏,‏ يجبر إما على الوطء‏,‏ أو على الطلاق‏,‏ ولا يكون ذلك إلا لتركه واجبًا‏.‏
‏[‏228‏]‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏
أي‏:‏ النساء اللاتي طلقهن أزواجهن ‏{‏يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ‏}‏ أي‏:‏ ينتظرن ويعتددن مدة ‏{‏ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ أي‏:‏ حيض‏,‏ أو أطهار على اختلاف العلماء في المراد بذلك‏,‏ مع أن الصحيح أن القرء‏,‏ الحيض‏,‏ ولهذه العدةِ عِدّةُ حِكَمٍ، منها‏:‏ العلم ببراءة الرحم‏,‏ إذا تكررت عليها ثلاثة الأقراء‏,‏ علم أنه ليس في رحمها حمل‏,‏ فلا يفضي إلى اختلاط الأنساب، ولهذا أوجب تعالى عليهن الإخبار عن ‏{‏مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ‏}‏ وحرم عليهن‏,‏ كتمان ذلك‏,‏ من حمل أو حيض‏,‏ لأن كتمان ذلك‏,‏ يفضي إلى مفاسد كثيرة، فكتمان الحمل‏,‏ موجب أن تلحقه بغير من هو له‏,‏ رغبة فيه واستعجالا لانقضاء العدة، فإذا ألحقته بغير أبيه‏,‏ حصل من قطع الرحم والإرث‏,‏ واحتجاب محارمه وأقاربه عنه‏,‏ وربما تزوج ذوات محارمه، وحصل في مقابلة ذلك‏,‏ إلحاقه بغير أبيه‏,‏ وثبوت توابع ذلك‏,‏ من الإرث منه وله‏,‏ ومن جعل أقارب الملحق به‏,‏ أقارب له، وفي ذلك من الشر والفساد‏,‏ ما لا يعلمه إلا رب العباد، ولو لم يكن في ذلك‏,‏ إلا إقامتها مع من نكاحها باطل في حقه‏,‏ وفيه الإصرار على الكبيرة العظيمة‏,‏ وهي الزنا لكفى بذلك شرًا‏.‏
وأما كتمان الحيض‏,‏ بأن استعجلت وأخبرت به وهي كاذبة‏,‏ ففيه من انقطاع حق الزوج عنها‏,‏ وإباحتها لغيره وما يتفرع عن ذلك من الشر‏,‏ كما ذكرنا، وإن كذبت وأخبرت بعدم وجود الحيض‏,‏ لتطول العدة‏,‏ فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه‏,‏ بل هي سحت عليها محرمة من جهتين‏:‏
من كونها لا تستحقه‏,‏ ومن كونها نسبته إلى حكم الشرع وهي كاذبة‏,‏ وربما راجعها بعد انقضاء العدة‏,‏ فيكون ذلك سفاحًا‏,‏ لكونها أجنبية عنه‏,‏ فلهذا قال تعالى‏:‏ ‏
{‏وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏
فصدور الكتمان منهن دليل على عدم إيمانهن بالله واليوم الآخر‏,‏ وإلا فلو آمن بالله واليوم الآخر‏,‏ وعرفن أنهن مجزيات عن أعمالهن‏,‏ لم يصدر منهن شيء من ذلك‏.‏
وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة‏,‏ عما تخبر به عن نفسها‏,‏ من الأمر الذي لا يطلع عليه غيرها‏,‏ كالحيض والحمل ونحوه
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ‏}‏ أي‏:‏ لأزواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة‏,‏ أن يردوهن إلى نكاحهن ‏{‏إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا‏}‏ أي‏:‏ رغبة وألفة ومودة‏.‏
ومفهوم الآية أنهم إن لم يريدوا الإصلاح‏,‏ فليسوا بأحق بردهن‏,‏ فلا يحل لهم أن يراجعوهن‏,‏ لقصد المضارة لها‏,‏ وتطويل العدة عليها، وهل يملك ذلك‏,‏ مع هذا القصد‏؟‏ فيه قولان‏.‏
الجمهور على أنه يملك ذلك‏,‏ مع التحريم‏,‏ والصحيح أنه إذا لم يرد الإصلاح‏,‏ لا يملك ذلك‏,‏ كما هو ظاهر الآية الكريمة‏,‏ وهذه حكمة أخرى في هذا التربص، وهي‏:‏ أنه ربما أن زوجها ندم على فراقه لها‏,‏ فجعلت له هذه المدة‏,‏ ليتروى بها ويقطع نظره‏.‏
وهذا يدل على محبته تعالى‏,‏ للألفة بين الزوجين‏,‏ وكراهته للفراق‏,‏ كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أبغض الحلال إلى الله الطلاق‏)‏ وهذا خاص في الطلاق الرجعي، وأما الطلاق البائن‏,‏ فليس البعل بأحق برجعتها، بل إن تراضيا على التراجع‏,‏ فلا بد من عقد جديد مجتمع الشروط‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ أي‏:‏ وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة‏.‏
ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف‏,‏ وهو‏:‏ العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة‏,‏ والأحوال‏,‏ والأشخاص والعوائد‏.‏
وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة‏,‏ والمعاشرة‏,‏ والمسكن‏,‏ وكذلك الوطء ـ الكل يرجع إلى المعروف، فهذا موجب العقد المطلق‏.‏
وأما مع الشرط‏,‏ فعلى شرطهما‏,‏ إلا شرطًا أحل حرامًا‏,‏ أو حرم حلالًا‏.‏
‏{‏وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ‏}‏ أي‏:‏ رفعة ورياسة‏,‏ وزيادة حق عليها‏,‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ‏}‏
ومنصب النبوة والقضاء‏,‏ والإمامة الصغرى والكبرى‏,‏ وسائر الولايات مختص بالرجال،وله ضعفا ما لها في كثير من الأمور‏,‏ كالميراث ونحوه‏.‏
‏{‏وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ له العزة القاهرة والسلطان العظيم‏,‏ الذي دانت له جميع الأشياء‏,‏ ولكنه مع عزته حكيم في تصرفه‏.‏
ويخرج من عموم هذه الآية‏,‏ الحوامل‏,‏ فعدتهن وضع الحمل، واللاتي لم يدخل بهن‏,‏ فليس لهن عدة، والإماء‏,‏ فعدتهن حيضتان‏,‏ كما هو قول الصحابة رضي الله عنهم، وسياق الآيات يدل على أن المراد بها الحرة‏.
الأسئلة :
1-مامعنى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )؟

ام عبدالله وامنه 12-06-2018 01:32 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة..
[‏229‏]‏ ‏{‏الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شيئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏
كان الطلاق في الجاهلية‏,‏ واستمر أول الإسلام‏,‏ يطلق الرجل زوجته بلا نهاية، فكان إذا أراد مضارتها‏,‏ طلقها‏,‏ فإذا شارفت انقضاء عدتها‏,‏ راجعها‏,‏ ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك أبدًا‏,‏ فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم، فأخبر تعالى أن ‏{‏الطَّلَاقَ‏}‏ أي‏:‏ الذي تحصل به الرجعة ‏{‏مَرَّتَانِ‏}‏ ليتمكن الزوج إن لم يرد المضارة من ارتجاعها‏,‏ ويراجع رأيه في هذه المدة، وأما ما فوقها‏,‏ فليس محلا لذلك‏,‏ لأن من زاد على الثنتين‏,‏ فإما متجرئ على المحرم‏,‏ أو ليس له رغبة في إمساكها‏,‏ بل قصده المضارة، فلهذا أمر تعالى الزوج‏,‏ أن يمسك زوجته ‏{‏بِمَعْرُوفٍ‏}‏ أي‏:‏ عشرة حسنة‏,‏ ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم‏,‏ وهذا هو الأرجح‏,‏ وإلا يسرحها ويفارقها ‏{‏بِإِحْسَانٍ‏}‏ ومن الإحسان‏,‏ أن لا يأخذ على فراقه لها شيئًا من مالها‏,‏ لأنه ظلم‏,‏ وأخذ للمال في غير مقابلة بشيء‏,‏ فلهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شيئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ‏}‏ وهي المخالعة بالمعروف‏,‏ بأن كرهت الزوجة زوجها‏,‏ لخلقه أو خلقه أو نقص دينه‏,‏ وخافت أن لا تطيع الله فيه، ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ لأنه عوض لتحصيل مقصودها من الفرقة، وفي هذا مشروعية الخلع‏,‏ إذا وجدت هذه الحكمة‏.‏
‏{‏تِلْكَ‏}‏ أي ما تقدم من الأحكام الشرعية ‏{‏حُدُودُ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ أحكامه التي شرعها لكم‏,‏ وأمر بالوقوف معها، ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال‏,‏ وتعدى منه إلى الحرام‏,‏ فلم يسعه ما أحل الله‏؟‏
والظلم ثلاثة أقسام‏:‏
ظلم العبد فيما بينه وبين الله‏,‏ وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك‏,‏ وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق، فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة‏,‏ وحقوق العباد‏,‏ لا يترك الله منها شيئًا، والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك‏,‏ تحت المشيئة والحكمة‏.‏
‏[‏230 ـ 231‏]‏ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا‏}‏ أي‏:‏ الطلقة الثالثة ‏{‏فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ أي‏:‏ نكاحا صحيحا ويطؤها‏,‏ لأن النكاح الشرعي لا يكون إلا صحيحا‏,‏ ويدخل فيه العقد والوطء‏,‏ وهذا بالاتفاق‏.‏
ويشترط أن يكون نكاح الثاني‏,‏ نكاح رغبة، فإن قصد به تحليلها للأول‏,‏ فليس بنكاح‏,‏ ولا يفيد التحليل، ولا يفيد وطء السيد‏,‏ لأنه ليس بزوج، فإذا تزوجها الثاني راغبا ووطئها‏,‏ ثم فارقها وانقضت عدتها ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا‏}‏ أي‏:‏ على الزوج الأول والزوجة ‏{‏أَنْ يَتَرَاجَعَا‏}‏ أي‏:‏ يجددا عقدا جديدا بينهما‏,‏ لإضافته التراجع إليهما‏,‏ فدل على اعتبار التراضي‏.‏
ولكن يشترط في التراجع أن يظنا ‏{‏أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ‏}‏ بأن يقوم كل منهما‏,‏ بحق صاحبه، وذلك إذا ندما على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق‏,‏ وعزما أن يبدلاها بعشرة حسنة‏,‏ فهنا لا جناح عليهما في التراجع‏.‏
ومفهوم الآية الكريمة‏,‏ أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله‏,‏ بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية‏,‏ والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحا‏,‏ لأن جميع الأمور‏,‏ إن لم يقم فيها أمر الله‏,‏ ويسلك بها طاعته‏,‏ لم يحل الإقدام عليها‏.‏
وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للإنسان‏,‏ إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور‏,‏ خصوصًا الولايات‏,‏ الصغار‏,‏ والكبار‏,‏ نظر في نفسه ، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك‏,‏ ووثق بها‏,‏ أقدم‏,‏ وإلا أحجم‏.‏
ولما بين تعالى هذه الأحكام العظيمة قال‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ شرائعه التي حددها وبينها ووضحها‏.‏
‏{‏يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏}‏ لأنهم هم المنتفعون بها‏,‏ النافعون لغيرهم‏.‏
وفي هذا من فضيلة أهل العلم‏,‏ ما لا يخفى‏,‏ لأن الله تعالى جعل تبيينه لحدوده‏,‏ خاصا بهم‏,‏ وأنهم المقصودون بذلك، وفيه أن الله تعالى يحب من عباده‏,‏ معرفة حدود ما أنزل على رسوله والتفقه بها‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ‏}‏ أي‏:‏ طلاقا رجعيا بواحدة أو ثنتين‏.‏
‏{‏فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ أي‏:‏ قاربن انقضاء عدتهن‏.‏
‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ أي‏:‏ إما أن تراجعوهن‏,‏ ونيتكم القيام بحقوقهن‏,‏ أو تتركوهن بلا رجعة ولا إضرار‏,‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا‏}‏ أي‏:‏ مضارة بهن ‏{‏لِتَعْتَدُوا‏}‏ في فعلكم هذا الحلال‏,‏ إلى الحرام، فالحلال‏:‏ الإمساك بمعروف والحرام‏:‏ المضارة، ‏{‏وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏ ولو كان الحق يعود للمخلوق فالضرر عائد إلى من أراد الضرار‏.‏
‏{‏وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا‏}‏ لما بين تعالى حدوده غاية التبيين‏,‏ وكان المقصود‏,‏ العلم بها والعمل‏,‏ والوقوف معها‏,‏ وعدم مجاوزتها‏,‏ لأنه تعالى لم ينزلها عبثا‏,‏ بل أنزلها بالحق والصدق والجد‏,‏ نهى عن اتخاذها هزوا‏,‏ أي‏:‏ لعبا بها‏,‏ وهو التجرؤ عليها‏,‏ وعدم الامتثال لواجبها، مثل استعمال المضارة في الإمساك‏,‏ أو الفراق‏,‏ أو كثرة الطلاق‏,‏ أو جمع الثلات، والله من رحمته جعل له واحدة بعد واحدة‏,‏ رفقا به وسعيا في مصلحته‏.‏
{‏وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏}‏ عمومًا باللسان ثناء وحمدا، وبالقلب اعترافا وإقرارا‏,‏ وبالأركان بصرفها في طاعة الله، ‏{‏وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ‏}‏ أي‏:‏ السنة اللذين بيّن لكم بهما طرق الخير ورغبكم فيها‏,‏ وطرق الشر وحذركم إياها‏,‏ وعرفكم نفسه ووقائعه في أوليائه وأعدائه‏,‏ وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بالحكمة أسرار الشريعة‏,‏ فالكتاب فيه‏,‏ الحكم، والحكمة فيها‏,‏ بيان حكمة الله في أوامره ونواهيه، وكلا المعنيين صحيح، ولهذا قال ‏{‏يَعِظُكُمْ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ بما أنزل عليكم‏,‏ وهذا مما يقوي أن المراد بالحكمة‏,‏ أسرار الشريعة‏,‏ لأن الموعظة ببيان الحكم والحكمة‏,‏ والترغيب‏,‏ أو الترهيب‏,‏ فالحكم به‏,‏ يزول الجهل، والحكمة مع الترغيب‏,‏ يوجب الرغبة، والحكمة مع الترهيب يوجب الرهبة‏.‏
‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ‏}‏ في جميع أموركم ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ فلهذا بيّن لكم هذه الأحكام بغاية الإحكام والإتقان التي هي جارية مع المصالح في كل زمان ومكان‏,‏ ‏[‏فله الحمد والمنة‏]‏‏.‏
الأسئلة :
1-مالحكمة من جعل الطلاق مرتان؟
2-مامعنى حدود الله؟
3-مالمراد بالحكمة؟

ام عبدالله وامنه 12-12-2018 03:27 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..

بسم الله الرحمن الرحيم... الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة.
[‏232‏]‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏

هذا خطاب لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث إذا خرجت من العدة‏,‏ وأراد زوجها أن ينكحها‏,‏ ورضيت بذلك‏,‏ فلا يجوز لوليها‏,‏ من أب وغيره‏;‏ أن يعضلها‏;‏ أي‏:‏ يمنعها من التزوج به حنقا عليه‏;‏ وغضبا‏;‏ واشمئزازا لما فعل من الطلاق الأول‏.‏

وذكر أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإيمانه يمنعه من العضل، فإن ذلك أزكى لكم وأطهر وأطيب مما يظن الولي أن عدم تزويجه هو الرأي‏:‏ واللائق وأنه يقابل بطلاقه الأول بعدم التزويج له كما هو عادة المترفعين المتكبرين‏.‏

فإن كان يظن أن المصلحة في عدم تزويجه‏,‏ فالله ‏{‏يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ فامتثلوا أمر من هو عالم بمصالحكم‏,‏ مريد لها‏,‏ قادر عليها‏,‏ ميسر لها من الوجه الذي تعرفون وغيره‏.‏

وفي هذه الآية‏,‏ دليل على أنه لا بد من الولي في النكاح‏,‏ لأنه نهى الأولياء عن العضل‏,‏ ولا ينهاهم إلا عن أمر‏,‏ هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق‏.‏

ثم قال تعالى‏:‏

‏[‏233‏]‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏
هذا خبر بمعنى الأمر‏,‏ تنزيلا له منزلة المتقرر‏,‏ الذي لا يحتاج إلى أمر بأن ‏{‏يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ‏}‏

ولما كان الحول‏,‏ يطلق على الكامل‏,‏ وعلى معظم الحول قال‏:‏ ‏{‏كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ‏}‏ فإذا تم للرضيع حولان‏,‏ فقد تم رضاعه وصار اللبن بعد ذلك‏,‏ بمنزلة سائر الأغذية‏,‏ فلهذا كان الرضاع بعد الحولين‏,‏ غير معتبر‏,‏ لا يحرم‏.‏

ويؤخذ من هذا النص‏,‏ ومن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا‏}‏ أن أقل مدة الحمل ستة أشهر‏,‏ وأنه يمكن وجود الولد بها‏.‏

‏{‏وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ‏}‏ أي‏:‏ الأب ‏{‏رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ وهذا شامل لما إذا كانت في حباله أو مطلقة‏,‏ فإن على الأب رزقها‏,‏ أي‏:‏ نفقتها وكسوتها‏,‏ وهي الأجرة للرضاع‏.‏

ودل هذا‏,‏ على أنها إذا كانت في حباله‏,‏ لا يجب لها أجرة‏,‏ غير النفقة والكسوة‏,‏ وكل بحسب حاله‏,‏ فلهذا قال‏:‏ ‏{‏لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ فلا يكلف الفقير أن ينفق نفقة الغني‏,‏ ولا من لم يجد شيئًا بالنفقة حتى يجد، ‏{‏لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ‏}‏ أي‏:‏ لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها‏,‏ إما أن تمنع من إرضاعه‏,‏ أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة‏,‏ والكسوة أو الأجرة، ‏{‏وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ‏}‏ بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له‏,‏ أو تطلب زيادة عن الواجب‏,‏ ونحو ذلك من أنواع الضرر‏.‏

ودل قوله‏:‏ ‏{‏مَوْلُودٌ لَهُ‏}‏ أن الولد لأبيه‏,‏ لأنه موهوب له‏,‏ ولأنه من كسبه، فلذلك جاز له الأخذ من ماله‏,‏ رضي أو لم يرض‏,‏ بخلاف الأم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ‏}‏ أي‏:‏ على وارث الطفل إذا عدم الأب‏,‏ وكان الطفل ليس له مال‏,‏ مثل ما على الأب من النفقة للمرضع والكسوة، فدل على وجوب نفقة الأقارب المعسرين‏,‏ على القريب الوارث الموسر، ‏{‏فَإِنْ أَرَادَا‏}‏ أي‏:‏ الأبوان ‏{‏فِصَالًا‏}‏ أي‏:‏ فطام الصبي قبل الحولين، ‏{‏عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا‏}‏ بأن يكونا راضيين ‏{‏وَتَشَاوُرٍ‏}‏ فيما بينهما‏,‏ هل هو مصلحة للصبي أم لا‏؟‏ فإن كان مصلحة ورضيا ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا‏}‏ في فطامه قبل الحولين، فدلت الآية بمفهومها‏,‏ على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر‏,‏ أو لم يكن مصلحة للطفل‏,‏ أنه لا يجوز فطامه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ تطلبوا لهم المراضع غير أمهاتهم على غير وجه المضارة ‏{‏‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ أي‏:‏ للمرضعات‏,‏ ‏{‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ فمجازيكم على ذلك بالخير والشر‏.‏

‏[‏234‏]‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏

أي‏:‏ إذا توفي الزوج‏,‏ مكثت زوجته‏,‏ متربصة أربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا، والحكمة في ذلك‏,‏ ليتبين الحمل في مدة الأربعة‏,‏ ويتحرك في ابتدائه في الشهر الخامس، وهذا العام مخصوص بالحوامل‏,‏ فإن عدتهن بوضع الحمل، وكذلك الأمة‏,‏ عدتها على النصف من عدة الحرة‏,‏ شهران وخمسة أيام‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ أي‏:‏ انقضت عدتهن ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ‏}‏ أي‏:‏ من مراجعتها للزينة والطيب، ‏{‏بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ أي‏:‏ على وجه غير محرم ولا مكروه‏.‏

وفي هذا وجوب الإحداد مدة العدة‏,‏ على المتوفى عنها زوجها‏,‏ دون غيرها من المطلقات والمفارقات‏,‏ وهو مجمع عليه بين العلماء‏.‏

‏{‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏ أي‏:‏ عالم بأعمالكم‏,‏ ظاهرها وباطنها‏,‏ جليلها وخفيها‏,‏ فمجازيكم عليها‏.‏

وفي خطابه للأولياء بقوله‏:‏ ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ‏}‏ دليل على أن الولي ينظر على المرأة‏,‏ ويمنعها مما لا يجوز فعله ويجبرها على ما يجب‏,‏ وأنه مخاطب بذلك‏,‏ واجب عليه‏.‏
الأسئلة :
1- كم أقل مدة الحمل؟ وكم مدة الرضاعة؟
2_ بيني عدة المرأة المتوفى زوجها في كل أحوالها؟

ام عبدالله وامنه 12-26-2018 04:59 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم.... الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة..
235‏]‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ‏}‏
هذا حكم المعتدة من وفاة‏,‏ أو المبانة في الحياة، فيحرم على غير مبينها أن يصرح لها في الخطبة‏,‏ وهو المراد بقوله‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ وأما التعريض‏,‏ فقد أسقط تعالى فيه الجناح‏.‏
والفرق بينهما‏:‏ أن التصريح‏,‏ لا يحتمل غير النكاح‏,‏ فلهذا حرم‏,‏ خوفا من استعجالها‏,‏ وكذبها في انقضاء عدتها‏,‏ رغبة في النكاح، ففيه دلالة على منع وسائل المحرم‏,‏ وقضاء لحق زوجها الأول‏,‏ بعدم مواعدتها لغيره مدة عدتها‏.‏
وأما التعريض‏,‏ وهو الذي يحتمل النكاح وغيره‏,‏ فهو جائز للبائن كأن يقول لها‏:‏ إني أريد التزوج‏,‏ وإني أحب أن تشاوريني عند انقضاء عدتك‏,‏ ونحو ذلك‏,‏ فهذا جائز لأنه ليس بمنزلة الصريح‏,‏ وفي النفوس داع قوي إليه‏.‏
وكذلك إضمار الإنسان في نفسه أن يتزوج من هي في عدتها‏,‏ إذا انقضت، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ‏}‏ هذا التفصيل كله في مقدمات العقد‏.‏
وأما عقد النكاح فلا يحل ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏ أي‏:‏ تنقضي العدة‏.‏
‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ فانووا الخير‏,‏ ولا تنووا الشر‏,‏ خوفا من عقابه ورجاء لثوابه‏.‏
‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‏}‏ لمن صدرت منه الذنوب‏,‏ فتاب منها‏,‏ ورجع إلى ربه ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ حيث لم يعاجل العاصين على معاصيهم‏,‏ مع قدرته عليهم.
[‏236‏]‏ ‏{‏لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏}‏
أي‏:‏ ليس عليكم يا معشر الأزواج جناح وإثم‏,‏ بتطليق النساء قبل المسيس‏,‏ وفرض المهر‏,‏ وإن كان في ذلك كسر لها‏,‏ فإنه ينجبر بالمتعة، فعليكم أن تمتعوهن بأن تعطوهن شيئًا من المال‏,‏ جبرا لخواطرهن‏.‏ ‏{‏عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ‏}‏ أي‏:‏ المعسر ‏{‏قَدَرُهُ‏}‏
وهذا يرجع إلى العرف‏,‏ وأنه يختلف باختلاف الأحوال ولهذا قال‏:‏ ‏{‏مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ فهذا حق واجب ‏{‏عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ليس لهم أن يبخسوهن‏.‏
فكما تسببوا لتشوفهن واشتياقهن‏,‏ وتعلق قلوبهن‏,‏ ثم لم يعطوهن ما رغبن فيه‏,‏ فعليهم في مقابلة ذلك المتعة‏.‏
فلله ما أحسن هذا الحكم الإلهي‏,‏ وأدله على حكمة شارعه ورحمته ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون‏؟‏ فهذا حكم المطلقات قبل المسيس وقبل فرض المهر‏.‏
ثم ذكر حكم المفروض لهن فقال‏:‏
‏[‏237‏]‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏
أي‏:‏ إذا طلقتم النساء قبل المسيس‏,‏ وبعد فرض المهر‏,‏ فللمطلقات من المهر المفروض نصفه‏,‏ ولكم نصفه‏.‏
هذا هو الواجب ما لم يدخله عفو ومسامحة‏,‏ بأن تعفو عن نصفها لزوجها‏,‏ إذا كان يصح عفوها‏,‏ ‏{‏أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ‏}‏ وهو الزوج على الصحيح لأنه الذي بيده حل عقدته؛ ولأن الولي لا يصح أن يعفو عن ما وجب للمرأة‏,‏ لكونه غير مالك ولا وكيل‏.‏
ثم رغب في العفو‏,‏ وأن من عفا‏,‏ كان أقرب لتقواه‏,‏ لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر‏,‏ ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف‏,‏ وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة‏,‏ لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين‏:‏ إما عدل وإنصاف واجب‏,‏ وهو‏:‏ أخذ الواجب‏,‏ وإعطاء الواجب‏.‏ وإما فضل وإحسان‏,‏ وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق‏,‏ والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة‏,‏ ولو في بعض الأوقات‏,‏ و خصوصًا لمن بينك وبينه معاملة‏,‏ أو مخالطة‏,‏ فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم،
ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏‏.‏.
الأسئلة :
1-مالفرق بين التعريض والتصريح؟
2-ماالحكم لمن طلقت قبل المسيس وفرض المهر؟

امي فضيلة 12-26-2018 10:19 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 



حياك الله


جزاك الله خيرا على الموضوع القيم المضمون



أسأل الله لكم راحة تملأ أنفسكم ورضى يغمر قلوبكم


وعملاً يرضي ربكم وسعادة تعلوا وجوهكم


ونصراً يقهر عدوكم وذكراً يشغل وقتكم


وعفواً يغسل ذنوبكم و فرجاً يمحوا همومكم


اللهم اجعلنا من ورثة جنتك وأهلا لنعمتك وأسكنا


قصورها برحمتك وارزقنا فردوسك الأعلى


حنانا منك ومنا و إن لم نكن لها أهلا فليس لنا من العمل ما يبلغنا




هذا الأمل إلا حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين


ودمتم على طاعة الرحمن


وعلى طريق الخير نلتقي دوما




ام عبدالله وامنه 01-16-2019 01:15 PM

Re: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 
يتبع..

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم '' نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى سورة البقرة قال تعالى‏:‏ ‏[‏238 ـ 239‏]‏ ‏{‏حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ‏}‏
يأمر بالمحافظة على الصلوات عمومًا وعلى الصلاة الوسطى، وهي العصر خصوصًا، والمحافظة عليها أداؤهابوقتها وشروطها وأركانها وخشوعها وجميع ما لها من واجب ومستحب، وبالمحافظة على الصلوات تحصل المحافظة على سائر العبادات، وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر خصوصًا إذا أكملها كما أمر بقوله ‏{‏وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ أي‏:‏ ذليلين خاشعين، ففيه الأمر بالقيام والقنوت والنهي عن الكلام، والأمر بالخشوع، هذا مع الأمن والطمأنينة‏.‏
‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ‏}‏ لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كافر وظالم وسبع، وغير ذلك من أنواع المخاوف، أي‏:‏ إن خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها ‏{‏رِجَالًا‏}‏ أي‏:‏ ماشين على أقدامكم، ‏{‏أَوْ رُكْبَانًا‏}‏ على الخيل والإبل وغيرها، ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل بل أوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت ‏{‏فَإِذَا أَمِنْتُمْ‏}‏ أي‏:‏ زال الخوف عنكم ‏{‏فَاذْكُرُوا اللَّهَ‏}‏ وهذا يشمل جميع أنواع الذكر ومنه الصلاة على كمالها وتمامها ‏{‏كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون‏}‏ فإنها نعمة عظيمة ومنة جسيمة، تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر ليبقي نعمته عليكم ويزيدكم عليها‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏[‏240‏]‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏
أي‏:‏ الأزواج الذين يموتون ويتركون خلفهم أزواجا فعليهم أن يوصوا ‏{‏وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج‏}‏ أي‏:‏ يوصون أن يلزمن بيوتهم مدة سنة لا يخرجن منها ‏{‏فإن خرجن‏}‏ من أنفسهن ‏{‏فلا جناح عليكم‏}‏ أيها الأولياء ‏{‏فيما فعلن في أنفسهم من معروف والله عزيز حكيم‏}‏ أي‏:‏ من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك وأكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة بما قبلها وهي قوله‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏ وقيل لم تنسخها بل الآية الأولى دلت على أن أربعة أشهر وعشر واجبة، وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج، ومراعاة للزوجة، والدليل على أن ذلك مستحب أنه هنا نفى الجناح عن الأولياء إن خرجن قبل تكميل الحول، فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينف الحرج عنهم‏.‏
.‏
‏[‏241 ـ 242‏]‏ ‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏
أي‏:‏ لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على كل متق، جبرا لخاطرها وأداء لبعض حقوقها، وهذه المتعة واجبة على من طلقت قبل المسيس، والفرض سنة في حق غيرها كما تقدم، هذا أحسن ما قيل فيها، وقيل إن المتعة واجبة على كل مطلقة احتجاجا بعموم هذه الآية، ولكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيّد، وتقدم أن الله فرض المتعة للمطلقة قبل الفرض والمسيس خاصة‏.‏
ولما بيّن تعالى هذه الأحكام العظيمة المشتملة على الحكمة والرحمة امتن بها على عباده فقال‏:‏ ‏{‏كذلك يبين الله لكم آياته‏}‏ أي‏:‏ حدوده، وحلاله وحرامه والأحكام النافعة لكم، لعلكم تعقلونها فتعرفونها وتعرفون المقصود منها، فإن من عرف ذلك أوجب له العمل بها،
الأسئلة :
1-ماهي الصلاة الوسطى وكيف المحافظة عليها؟

امي فضيلة 01-22-2019 02:52 PM

رد: تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
 








حياك الله


جزاك الله خيرا على الموضوع القيم المضمون

أسأل الله لكم راحة تملأ أنفسكم ورضى يغمر قلوبكم

وعملاً يرضي ربكم وسعادة تعلوا وجوهكم

ونصراً يقهر عدوكم وذكراً يشغل وقتكم

وعفواً يغسل ذنوبكم و فرجاً يمحوا همومكم

اللهم اجعلنا من ورثة جنتك وأهلا لنعمتك وأسكنا

قصورها برحمتك وارزقنا فردوسك الأعلى

حنانا منك ومنا و إن لم نكن لها أهلا فليس لنا من العمل ما يبلغنا


هذا الأمل إلا حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين

ودمتم على طاعة الرحمن

وعلى طريق الخير نلتقي دوما


http://s4.picofile.com/file/8169246434/28057710.gif


الساعة الآن 11:04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)