منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع القران الكريم وعلومه (https://hwazen.com/vb/f28.html)
-   -   تفسير سورة النساء للسعدي (https://hwazen.com/vb/t20961.html)

ام عبدالله وامنه 12-22-2020 08:59 PM

تفسير سورة النساء للسعدي
 



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة..
تفسير سورة النساء

وهي مدنية ‏[‏1‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كثيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‏}‏

افتتح تعالى هذه السورة بالأمر بتقواه، والحث على عبادته، والأمر بصلة الأرحام، والحث على ذلك‏.‏

وبيَّن السبب الداعي الموجب لكل من ذلك، وأن الموجب لتقواه لأنه ‏{‏رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏}‏ ورزقكم، ورباكم بنعمه العظيمة، التي من جملتها خلقكم ‏{‏مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا‏}‏ ليناسبها، فيسكن إليها، وتتم بذلك النعمة، ويحصل به السرور، وكذلك من الموجب الداعي لتقواه تساؤلكم به وتعظيمكم، حتى إنكم إذا أردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم، توسلتم بـها بالسؤال بالله‏.‏ فيقول من يريد ذلك لغيره‏:‏ أسألك بالله أن تفعل الأمر الفلاني؛ لعلمه بما قام في قلبه من تعظيم الله الداعي أن لا يرد من سأله بالله، فكما عظمتموه بذلك فلتعظموه بعبادته وتقواه‏.‏

وكذلك الإخبار بأنه رقيب، أي‏:‏ مطلع على العباد في حال حركاتهم وسكونهم، وسرهم وعلنهم، وجميع أحوالهم، مراقبا لهم فيها مما يوجب مراقبته، وشدة الحياء منه، بلزوم تقواه‏.‏

وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة، وأنه بثهم في أقطار الأرض، مع رجوعهم إلى أصل واحد ـ ليعطف بعضهم على بعض، ويرقق بعضهم على بعض‏.‏ وقرن الأمر بتقواه بالأمر ببر الأرحام والنهي عن قطيعتها، ليؤكد هذا الحق، وأنه كما يلزم القيام بحق الله، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق، خصوصًا الأقربين منهم، بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي أمر به‏.
وتأمل كيف افتتح هذه السورة بالأمر بالتقوى، وصلة الأرحام والأزواج عمومًا، ثم بعد ذلك فصل هذه الأمور أتم تفصيل، من أول السورة إلى آخرها‏.‏ فكأن ـها مبنية على هذه الأمور المذكورة، مفصلة لما أجمل منها، موضحة لما أبهم‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏وخلق مِنْهَا زَوْجَهَا‏}‏ تنبيه على مراعاة حق الأزواج والزوجات والقيام به، لكون الزوجات مخلوقات من الأزواج، فبينهم وبينهن أقرب نسب وأشد اتصال، وأقرب علاقة‏.‏

‏{‏وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا‏}‏ هذا أول ما أوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة‏.‏ وهم اليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافلين لهم، وهم صغار ضعاف لا يقومون بمصالحهم‏.‏

فأمر الرءوف الرحيم عباده أن يحسنوا إليهم، وأن لا يقربوا أموالهم إلا بالتي هي أحسن، وأن يؤتوهم أموالهم إذا بلغوا ورشدوا، كاملة موفرة، وأن لا ‏{‏تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ‏}‏ الذي هو أكل مال اليتيم بغير حق‏.‏ ‏{‏بِالطَّيِّبِ‏}‏ وهو الحلال الذي ما فيه حرج ولا تبعة‏.‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ مع أموالكم، ففيه تنبيه لقبح أكل مالهم بهذه الحالة، التي قد استغنى بها الإنسان بما جعل الله له من الرزق في ماله‏.‏ فمن تجرأ على هذه الحالة، فقد أتى ‏{‏حُوبًا كَبِيرًا‏}‏ أي‏:‏ إثمًا عظيمًا، ووزرًا جسيمًا‏.‏

ومن استبدال الخبيث بالطيب أن يأخذ الولي من مال اليتيم النفيس، ويجعل بدله من ماله الخسيس‏.‏ وفيه الولاية على اليتيم، لأن مِنْ لازم إيتاء اليتيم ماله، ثبوت ولاية المؤتي على ماله‏.‏

وفيه الأمر بإصلاح مال اليتيم، لأن تمام إيتائه ماله حفظه والقيام به بما يصلحه وينميه وعدم تعريضه للمخاوف والأخطار‏.‏
الأسئلة :
1_بم افتتح الله سورة النساء ومالسبب الموجب لذلك؟

2_ مااول مااوصي به الله من حقوق الخلق في هذه السورة؟

tgytgy

إسمهان الجادوي 12-23-2020 12:28 PM

رد: تفسير سورة النساء للسعدي
 
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
شكــــــــــ لك مني تحية ــــــرا لك

ام عبدالله وامنه 12-23-2020 02:00 PM

Re: تفسير سورة النساء للسعدي
 

يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير سورة النساء للشيخ السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة

[‏3 ـ 4‏]‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏

أي‏:‏ وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت حجوركم وولايتكم وخفتم أن لا تقوموا بحقهن لعدم محبتكم إياهن، فاعدلوا إلى غيرهن، وانكحوا ‏{‏مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء‏}‏ أي‏:‏ ما وقع عليهن اختياركم من ذوات الدين، والمال، والجمال، والحسب، والنسب، وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن، فاختاروا على نظركم، ومن أحسن ما يختار من ذلك صفة الدين كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ (‏تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يمينك‏)

وفي هذه الآية ـ أنه ينبغي للإنسان أن يختار قبل النكاح، بل وقد أباح له الشارع النظر إلى مَنْ يريد تزوجها ليكون على بصيرة من أمره‏.‏ ثم ذكر العدد الذي أباحه من النساء فقال‏:‏ ‏{‏مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ‏}‏ أي‏:‏ من أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل، أو ثلاثا فليفعل، أو أربعا فليفعل، ولا يزيد عليها، لأن الآية سيقت لبيان الامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى إجماعًا‏.‏

وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة، فأبيح له واحدة بعد واحدة، حتى يبلغ أربعًا، لأن في الأربع غنية لكل أحد، إلا ما ندر، ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن‏.‏

فإن خاف شيئًا من هذا فليقتصر على واحدة، أو على ملك يمينه‏.‏ فإنه لا يجب عليه القسم في ملك اليمين ‏{‏ذَلِك‏}‏ أي‏:‏ الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين ‏{‏أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏ أي‏:‏ تظلموا‏.‏
وفي هذا أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم، وعدم القيام بالواجب ـ ولو كان مباحًا ـ أنه لا ينبغي له أن يتعرض، له بل يلزم السعة والعافية، فإن العافية خير ما أعطي العبد‏.‏

ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن، خصوصًا الصداق الذي يكون شيئًا كثيرًا، ودفعة واحدة، يشق دفعه للزوجة، أمرهم وحثهم على إيتاء النساء ‏{‏صَدُقَاتِهِنَّ‏}‏ أي‏:‏ مهورهن ‏{‏نِحْلَةً‏}‏ أي‏:‏ عن طيب نفس، وحال طمأنينة، فلا تمطلوهن أو تبخسوا منه شيئًا‏.‏ وفيه‏:‏ أن المهر يدفع إلى المرأة إذا كانت مكلفة، وأنـها تملكه بالعقد، لأنه أضافه إليها، والإضافة تقتضي التمليك‏.‏

‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكُم عَنْ شَيْءٍ مِّنْهُ‏}‏ أي‏:‏ من الصداق ‏{‏نَفْسًا‏}‏ بأن سمحن لكم عن رضا واختيار بإسقاط شيء منه، أو تأخيره أو المعاوضة عنه‏.‏ ‏{‏فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏ أي‏:‏ لا حرج عليكم في ذلك ولا تبعة‏.‏

وفيه دليل على أن للمرأة التصرف في مالها ـ ولو بالتبرع ـ إذا كانت رشيدة، فإن لم تكن كذلك فليس لعطيتها حكم، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء، غير ما طابت به‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء‏}‏ دليل على أن نكاح الخبيثة غير مأمور به، بل منهي عنه كالمشركة، وكالفاجرة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏.
الأسئلة...
1_مالمراد بقوله تعالى( ذلك أدنى ان لا تعولوا )؟
2_مامعنى.. صدقاتهن/نحلة؟

ام عبدالله وامنه 01-11-2021 03:27 PM

Re: تفسير سورة النساء للسعدي
 
يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله...
[‏5‏]‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا‏}‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفًا‏}‏ السفهاء‏:‏ جمع ‏"‏سفيه‏"‏ وهو‏:‏ من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه، ونحوهما، وإما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد‏.‏ فنهى الله الأولياء أن يؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها، لأن الله جعل الأموال قياما لعباده في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها، فأمر الولي أن لا يؤتيهم إياها، بل يرزقهم منها ويكسوهم، ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية، وأن يقولوا لهم قولا معروفًا، بأن يعدوهم ـ إذا طلبوها ـ أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم، ونحو ذلك، ويلطفوا لهم في الأقوال جبرًا لخواطرهم‏.‏

وفي إضافته تعالى الأموال إلى الأولياء، إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في أموال السفهاء ما يفعلونه في أموالهم، من الحفظ والتصرف وعدم التعريض للأخطار‏.‏ وفي الآية دليل على أن نفقة المجنون والصغير والسفيه في مالهم، إذا كان لهم مال، لقوله‏:‏ ‏{‏وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ‏}‏

وفيه دليل على أن قول الولي مقبول فيما يدعيه من النفقة الممكنة والكسوة؛ لأن الله جعله مؤتمنا على مالهم فلزم قبول قول الأمين‏.‏
[‏6‏]‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا‏}‏

الابتلاء‏:‏ هو الاختبار والامتحان، وذلك بأن يدفع لليتيم المقارب للرشد، الممكن رشده، شيئًا من ماله، ويتصرف فيه التصرف اللائق بحاله، فيتبين بذلك رشده من سفهه، فإن استمر غير محسن للتصرف لم يدفع إليه ماله، بل هو باق على سفهه، ولو بلغ عمرا كثيرًا‏.‏

فإن تبين رشده وصلاحه في ماله وبلغ النكاح ‏{‏فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏ كاملة موفرة‏.‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا‏}‏ أي‏:‏ مجاوزة للحد الحلال الذي أباحه الله لكم من أموالكم، إلى الحرام الذي حرمه الله عليكم من أموالهم‏.‏

‏{‏وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا‏}‏ أي‏:‏ ولا تأكلوها في حال صغرهم التي لا يمكنهم فيها أخذها منكم، ولا منعكم من أكلها، تبادرون بذلك أن يكبروا، فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها‏.‏

وهذا من الأمور الواقعة من كثير من الأولياء، الذين ليس عندهم خوف من الله، ولا رحمة ومحبة للمولى عليهم، يرون هذه الحال حال فرصة فيغتنمونها ويتعجلون ما حرم الله عليهم، فنهى الله تعالى عن هذه الحالة بخصوصها‏.‏
الأسئلة؛
١_من هو السفيه؟
٢_مامعني الابتلاء ومتى تدفع إلي اليتامي اموالهم؟

ام عبدالله وامنه 01-11-2021 03:30 PM

Re: تفسير سورة النساء للسعدي
 


يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته..
[‏8‏]‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏

وهذا من أحكام الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب فقال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ‏}‏ أي‏:‏ قسمة المواريث ‏{‏أُولُو الْقُرْبَى‏}‏ أي‏:‏ الأقارب غير الوارثين بقرينة قوله‏:‏ ‏{‏الْقِسْمَةَ‏}‏ لأن الوارثين من المقسوم عليهم‏.‏ ‏{‏وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين‏}‏ أي‏:‏ المستحقون من الفقراء‏.‏ ‏{‏فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ‏}‏ أي‏:‏ أعطوهم ما تيسر من هذا المال الذي جاءكم بغير كد ولا تعب، ولا عناء ولا نَصَب، فإن نفوسهم متشوفة إليه، وقلوبهم متطلعة، فاجبروا خواطرهم بما لا يضركم وهو نافعهم‏.‏

ويؤخذ من المعنى أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان، ينبغي له أن يعطيه منه ما تيسر، كما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏إذا جاء أحدَكم خادمُه بطعامه فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين‏)‏ أو كما قال‏.‏

وكان الصحابة رضي الله عنهم ـ إذا بدأت باكورة أشجارهم ـ أتوا بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبرَّك عليها، ونظر إلى أصغر وليد عنده فأعطاه ذلك، علما منه بشدة تشوفه لذلك، وهذا كله مع إمكان الإعطاء، فإن لم يمكن ذلك ـ لكونه حق سفهاء، أو ثَم أهم من ذلك ـ فليقولوا لهم ‏{‏قَولًا مَعْرُوفًا‏}‏ يردوهم ردًّا جميلا، بقول حسن غير فاحش ولا قبيح‏.‏

‏[‏9 ـ 10‏]‏ ‏{‏وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا‏}‏

قيل‏:‏ إن هذا خطاب لمن يحضر مَنْ حضره الموت وأجنف في وصيته، أن يأمره بالعدل في وصيته والمساواة فيها، بدليل قوله‏:‏ ‏{‏وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا‏}‏ أي‏:‏ سدادا، موافقا للقسط والمعروف‏.‏ وأنهم يأمرون من يريد الوصية على أولاده بما يحبون معاملة أولادهم بعدهم‏.‏

وقيل‏:‏ إن المراد بذلك أولياء السفهاء من المجانين والصغار والضعاف أن يعاملوهم في مصالحهم الدينية والدنيوية بما يحبون أن يعامل به مَنْ بعدهم من ذريتهم الضعاف ‏{‏فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ‏}‏ في ولايتهم لغيرهم، أي‏:‏ يعاملونهم بما فيه تقوى الله، من عدم إهانتهم والقيام عليهم، وإلزامهم لتقوى الله‏.‏
الاسئلة
١_مامعنى.. وليقولوا قولا سديدا؟
٢_من هم أولى القربى؟

ام عبدالله وامنه 01-11-2021 03:44 PM

Re: تفسير سورة النساء للسعدي
 
يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته....
[‏11 ـ 12‏]‏ ‏{‏يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا *وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ‏}‏

هذه الآيات والآية التي هي آخر السورة هن آيات المواريث المتضمنة لها‏.‏ فإنها مع حديث عبد الله بن عباس الثابت في صحيح البخاري ‏(‏ألْحِقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر‏)‏ ـ مشتملات على جل أحكام الفرائض، بل على جميعها كما سترى ذلك، إلا ميراث الجدات فإنه غير مذكور في ذلك‏.‏ لكنه قد ثبت في السنن عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعطى الجدة السدس، مع إجماع العلماء على ذلك‏.‏

فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ أولادكم ـ يا معشر الوالِدِين ـ عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ‏}‏ فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب‏.‏
وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين، حيث أوصى الوالدين مع كمال شفقتهم، عليهم‏.‏

ثم ذكر كيفية إرثهم فقال‏:‏ ‏{‏لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ أي‏:‏ الأولاد للصلب، والأولاد للابن، للذكر مثل حظ الأنثيين، إن لم يكن معهم صاحب فرض، أو ما أبقت الفروض يقتسمونه كذلك، وقد أجمع العلماء على ذلك، وأنه ـ مع وجود أولاد الصلب ـ فالميراث لهم‏.‏ وليس لأولاد الابن شيء، حيث كان أولاد الصلب ذكورًا وإناثا، هذا مع اجتماع الذكور والإناث‏.‏ وهنا حالتان‏:‏ انفراد الذكور، وسيأتي حكمها‏.‏ وانفراد الإناث، وقد ذكره بقوله‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ‏}‏ أي‏:‏ بنات صلب أو بنات ابن، ثلاثا فأكثر ‏{‏فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَة‏}‏ أي‏:‏ بنتا أو بنت ابن ‏{‏فَلَهَا النِّصْفُ‏}‏ وهذا إجماع‏.‏

بقي أن يقال‏:‏ من أين يستفاد أن للابنتين الثنتين الثلثين بعد الإجماع على ذلك‏؟‏

فالجواب أنه يستفاد من قوله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ‏}‏ فمفهوم ذلك أنه إن زادت على الواحدة، انتقل الفرض عن النصف، ولا ثَمَّ بعده إلا الثلثان‏.‏ وأيضًا فقوله‏:‏ ‏{‏لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ إذا خلَّف ابنًا وبنتًا، فإن الابن له الثلثان، وقد أخبر الله أنه مثل حظ الأنثيين، فدل ذلك على أن للبنتين الثلثين‏.‏

وأيضًا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها ـ وهو أزيد ضررًا عليها من أختها، فأخذها له مع أختها من باب أولى وأحرى‏.‏

وأيضًا فإن قوله تعالى في الأختين‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ‏}‏ نص في الأختين الثنتين‏.‏

فإذا كان الأختان الثنتان ـ مع بُعدهما ـ يأخذان الثلثين فالابنتان ـ مع قربهما ـ من باب أولى وأحرى‏.‏ وقد أعطى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابنتي سعد الثلثين كما في الصحيح‏.‏

بقي أن يقال‏:‏ فما الفائدة في قوله‏:‏ ‏{‏فَوْقَ اثْنَتَيْن‏}‏‏؟‏‏.‏ قيل‏:‏ الفائدة في ذلك ـ والله أعلم ـ أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان لا يزيد بزيادتهن على الثنتين بل من الثنتين فصاعدًا‏.‏ ودلت الآية الكريمة أنه إذا وجد بنت صلب واحدة، وبنت ابن أو بنات ابن، فإن لبنت الصلب النصف، ويبقى من الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات أو بنات الابن السدس، فيعطى بنت الابن، أو بنات الابن، ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين‏.‏
الاسئلة :
1_ماهي وصية الله لعباده في الاولاد في قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم )؟

2_مالفائدة في قوله تعالى( فوق اثنتين)؟


ام عبدالله وامنه 01-11-2021 03:46 PM

Re: تفسير سورة النساء للسعدي
 
يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة تكملة تفسير اية ١١و١٢ من سورة النساء..
ومثل ذلك بنت الابن، مع بنات الابن اللاتي أنزل منها‏.‏

وتدل الآية أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين، أنه يسقط مَنْ دونهن مِنْ بنات الابن لأن الله لم يفرض لهن إلا الثلثين، وقد تم‏.‏ فلو لم يسقطن لزم من ذلك أن يفرض لهن أزيَد من الثلثين، وهو خلاف النص‏.‏

وكل هذه الأحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد‏.‏

ودل قوله‏:‏ ‏{‏مِمَّا تَرَكَ‏}‏ أن الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار وأثاث وذهب وفضة وغير ذلك، حتى الدية التي لم تجب إلا بعد موته، وحتى الديون التي في الذمم

ثم ذكر ميراث الأبوين فقال‏:‏ ‏{‏وَلِأَبَوَيْهِ‏}‏ أي‏:‏ أبوه وأمه ‏{‏لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ‏}‏ أي‏:‏ ولد صلب أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو متعددًا‏.‏

فأما الأُم فلا تزيد على السدس مع أحد من الأولاد‏.‏

وأما الأب فمع الذكور منهم، لا يستحق أزيد من السدس، فإن كان الولد أنثى أو إناثا ولم يبق بعد الفرض شيء ـ كأبوين وابنتين ـ لم يبق له تعصيب‏.‏ وإن بقي بعد فرض البنت أو البنات شيء أخذ الأب السدس فرضًا، والباقي تعصيبًا، لأننا ألحقنا الفروض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر، وهو أولى من الأخ والعم وغيرهما‏.‏

‏{‏فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏ أي‏:‏ والباقي للأب لأنه أضاف المال إلى الأب والأُم إضافة واحدة، ثم قدر نصيب الأُم، فدل ذلك على أن الباقي للأب‏.‏

وعلم من ذلك أن الأب مع عدم الأولاد لا فرض له، بل يرث تعصيبا المال كله، أو ما أبقت الفروض، لكن لو وجد مع الأبوين أحد الزوجين ـ ويعبر عنهما بالعمريتين ـ فإن الزوج أو الزوجة يأخذ فرضه، ثم تأخذ الأُم ثلث الباقي والأب الباقي‏.‏

وقد دل على ذلك قوله‏:‏ ‏{‏وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏ أي‏:‏ ثلث ما ورثه الأبوان‏.‏ وهو في هاتين الصورتين إما سدس في زوج وأم وأب، وإما ربع في زوجة وأم وأب‏.‏ فلم تدل الآية على إرث الأُم ثلثَ المال كاملًا مع عدم الأولاد حتى يقال‏:‏ إن هاتين الصورتين قد استثنيتا من هذا‏.‏

ويوضح ذلك أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغرماء، فيكون من رأس المال، والباقي بين الأبوين‏.‏

ولأنا لو أعطينا الأُم ثلث المال، لزم زيادتها على الأب في مسألة الزوج، أو أخذ الأب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصفَ السدس، وهذا لا نظير له، فإن المعهود مساواتها للأب، أو أخذه ضعفَ ما تأخذه الأم‏.‏

‏{‏فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏}‏ أشقاء، أو لأب، أو لأم، ذكورًا كانوا أو إناثًا، وارثين أو محجوبين بالأب أو الجد ‏
الجد ‏[‏لكن قد يقال‏:‏ ليس ظاهرُ قوله‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ‏}‏ شاملا لغير الوارثين بدليل عدم تناولها للمحجوب بالنصف، فعلى هذا لا يحجبها عن الثلث من الإخوة إلا الإخوة الوارثون‏.‏ ويؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث لأجل أن يتوفر لهم شيء من المال، وهو معدوم، والله أعلم‏]‏ ولكن بشرط كونهم اثنين فأكثر، ويشكل على ذلك إتيان لفظ ‏"‏الإخوة‏"‏ بلفظ الجمع‏.‏ وأجيب عن ذلك بأن المقصود مجرد التعدد، لا الجمع، ويصدق ذلك باثنين‏.‏

وقد يطلق الجمع ويراد به الاثنان، كما في قوله تعالى عن داود وسليمان ‏{‏وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ‏}‏ وقال في الإخوة للأُم‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ‏}‏

فأطلق لفظ الجمع والمراد به اثنان فأكثر بالإجماع‏.‏ فعلى هذا لو خلف أمًّا وأبًا وإخوة، كان للأُم السدس، والباقي للأب فحجبوها عن الثلث، مع حجب الأب إياهم ‏[‏إلا على الاحتمال الآخر فإن للأم الثلث والباقي للأب‏]‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ‏}‏ أي‏:‏ هذه الفروض والأنصباء والمواريث إنما ترد وتستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله أو للآدميين، وبعد الوصايا التي قد أوصى الميت بها بعد موته، فالباقي عن ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة‏.‏

وقدم الوصية مع أنها مؤخرة عن الدين للاهتمام بشأنها، لكون إخراجها شاقًّا على الورثة، وإلا فالديون مقدمة عليها، وتكون من رأس المال‏.‏

وأما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل للأجنبي الذي هو غير وارث‏.‏ وأما غير ذلك فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا‏}‏

فلو ردَّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم، لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن، في كل زمان ومكان‏.‏ فلا يدرون أَيُّ الأولادِ أو الوالِدين أنفع لهم، وأقرب لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية‏.‏

‏{‏فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}‏ أي‏:‏ فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحكم ما شرعه وقدَّر ما قدَّره على أحسن تقدير لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة لكل زمان ومكان وحال‏.‏

الاسئلة...
لماذا قدم الوصية على الدين؟

ام عبدالله وامنه 02-20-2021 02:28 PM

Re: تفسير سورة النساء للسعدي
 
يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة
13 ـ 14‏]‏ ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ‏}‏

أي‏:‏ تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها، وفي ذلك دليل على أن الوصية للوارث منسوخة بتقديره تعالى أنصباء الوارثين‏.‏

ثم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ‏}‏ فالوصية للوارث بزيادة على حقه يدخل في هذا التعدي، مع قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏"‏لا وصية لوارث‏"‏ثم ذكر طاعة الله ورسوله ومعصيتهما عمومًا ليدخل في العموم لزوم حدوده في الفرائض أو ترك ذلك فقال‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏ بامتثال أمرهما الذي أعظمه طاعتهما في التوحيد، ثم الأوامر على اختلاف درجاتها واجتناب نهيهما الذي أعظمُه الشرك بالله، ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها ‏{‏يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا‏}‏ فمن أدى الأوامر واجتنب النواهي فلا بد له من دخول الجنة والنجاة من النار‏.‏ ‏{‏وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ الذي حصل به النجاة من سخطه وعذابه، والفوز بثوابه ورضوانه بالنعيم المقيم الذي لا يصفه الواصفون‏.‏

‏{‏وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ‏}‏ ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصي، فلا يكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر أهل المعاصي فإن الله تعالى رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله‏.‏ ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله، فمن أطاعه طاعة تامة دخل الجنة بلا عذاب‏.‏

ومن عصى الله ورسوله معصية تامة يدخل فيها الشرك فما دونه، دخل النار وخلد فيها، ومن اجتمع فيه معصية وطاعة، كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية‏.‏ وقد دلت النصوص المتواترة على أن الموحدين الذين معهم طاعة التوحيد، غير مخلدين في النار، فما معهم من التوحيد مانع لهم من الخلود فيها‏.‏

15 ـ 16‏]‏ ‏{‏وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا‏}‏

أي‏:‏ النساء ‏{‏اللاتي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ‏}‏ أي‏:‏ الزنا، ووصفها بالفاحشة لشناعتها وقبحها‏.‏

‏{‏فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ‏}‏ أي‏:‏ من رجالكم المؤمنين العدول‏.‏ ‏{‏فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ‏}‏ أي‏:‏ احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة‏.‏ وأيضًا فإن الحبس من جملة العقوبات ‏{‏حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ‏}‏ أي‏:‏ هذا منتهى الحبس‏.‏ ‏{‏أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا‏}‏ أي‏:‏ طريقا غير الحبس في البيوت، وهذه الآية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت، فكان الأمر في أول الإسلام كذلك حتى جعل الله لهن سبيلا، وهو رجم المحصن وجلد غير المحصن‏.‏

‏{‏و‏}‏ كذلك ‏{‏الَّلذَانِ يَأْتِيَانِهَا‏}‏ أي‏:‏ الفاحشة ‏{‏مِنْكُمْ‏}‏ من الرجال والنساء ‏{‏فَآذُوهُمَا‏}‏ بالقول والتوبيخ والتعيير والضرب الرادع عن هذه الفاحشة، فعلى هذا يكون الرجال إذا فعلوا الفاحشة يؤذون، والنساء يحبسن ويؤذين‏.‏

فالحبس غايته إلى الموت، والأذية نهايتها إلى التوبة والإصلاح، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَابَا‏}‏ أي‏:‏ رجعا عن الذنب الذي فعلاه وندما عليه، وعزما على أن لا يعودا ‏{‏وَأَصْلَحَا‏}‏ العمل الدال على صدق التوبة ‏{‏فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا‏}‏ أي‏:‏ عن أذاهما ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا‏}‏ أي‏:‏ كثير التوبة على المذنبين الخطائين، عظيم الرحمة والإحسان، الذي ـ من إحسانه ـ وفقهم للتوبة وقبلها منهم، وسامحهم عن ما صدر منهم‏.‏

ويؤخذ من هاتين الآيتين أن بينة الزنا، لا بد أن تكون أربعة رجال مؤمنين، ومن باب أولى وأحرى اشتراط عدالتهم؛ لأن الله تعالى شدد في أمر هذه الفاحشة، سترًا لعبا…
[١:١٩ م, ٨‏/٧‏/١٤٤٢ هـ] أم عبدالله🍃: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة...
[‏17 ـ 18‏]‏ ‏{‏إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا‏}‏

توبة الله على عباده نوعان‏:‏ توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد، فأخبر هنا ـ أن التوبة المستحقة على الله حق أحقه على نفسه، كرما منه وجودا، لمن عمل السوء أي‏:‏ المعاصي ‏{‏بِجَهَالَةٍ‏}‏ أي‏:‏ جهالة منه بعاقبتها وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه بنظر الله ومراقبته له، وجهل منه بما تئول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه، فكل عاص لله، فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالما بالتحريم‏.‏ بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية معاقبا عليها ‏{‏ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ‏}‏ يحتمل أن يكون المعنى‏:‏ ثم يتوبون قبل معاينة الموت، فإن الله يقبل توبة العبد إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا‏.‏ وأما بعد حضور الموت فلا يُقبل من العاصين توبة ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ‏}‏ الآية‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ‏}‏

وقال هنا‏:‏

‏{‏وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ‏}‏ أي‏:‏ المعاصي فيما دون الكفر‏.‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا‏}‏ وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار‏.‏
قَرِيبٍ‏}‏ أي‏:‏ قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة، فيكون المعنى‏:‏ أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه، بخلاف من استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة‏.‏

والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون بنظر الله إليه، فإنه سد على نفسه باب الرحمة‏.‏

نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة ‏[‏التي‏]‏ يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب، ولهذا ختم الآية الأولى بقوله‏:‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}‏

فمِن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقَه للتوبة، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدمَ توفيقه‏.‏ والله أعلم‏.‏

‏الاسئلة
١_اذكري أنواع التوبة مع الشرح
؟

ام عبدالله وامنه 02-20-2021 02:31 PM

Re: تفسير سورة النساء للسعدي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة...
[‏17 ـ 18‏]‏ ‏{‏إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا‏}‏

توبة الله على عباده نوعان‏:‏ توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد، فأخبر هنا ـ أن التوبة المستحقة على الله حق أحقه على نفسه، كرما منه وجودا، لمن عمل السوء أي‏:‏ المعاصي ‏{‏بِجَهَالَةٍ‏}‏ أي‏:‏ جهالة منه بعاقبتها وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه بنظر الله ومراقبته له، وجهل منه بما تئول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه، فكل عاص لله، فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالما بالتحريم‏.‏ بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية معاقبا عليها ‏{‏ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ‏}‏ يحتمل أن يكون المعنى‏:‏ ثم يتوبون قبل معاينة الموت، فإن الله يقبل توبة العبد إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا‏.‏ وأما بعد حضور الموت فلا يُقبل من العاصين توبة ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ‏}‏ الآية‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ‏}‏

وقال هنا‏:‏

‏{‏وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ‏}‏ أي‏:‏ المعاصي فيما دون الكفر‏.‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا‏}‏ وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار‏.‏
قَرِيبٍ‏}‏ أي‏:‏ قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة، فيكون المعنى‏:‏ أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه، بخلاف من استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة‏.‏

والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون بنظر الله إليه، فإنه سد على نفسه باب الرحمة‏.‏

نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة ‏[‏التي‏]‏ يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب، ولهذا ختم الآية الأولى بقوله‏:‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}‏

فمِن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقَه للتوبة، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدمَ توفيقه‏.‏ والله أعلم‏.‏

‏الاسئلة
١_اذكري أنواع التوبة مع الشرح
؟

ام عبدالله وامنه 02-20-2021 02:34 PM

Re: تفسير سورة النساء للسعدي
 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا نتابع القراءة في تفسير السعدي رحمه الله
[‏19 ـ 21‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كثيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شيئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا‏}‏

كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبُه كأخيه وابن عمه ونحوهما أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره، أحبت أو كرهت‏.‏

فإن أحبها تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها عضلها فلا يزوجها إلا من يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئًا من ميراث قريبه أو من صداقها، وكان الرجل أيضًا يعضل زوجته التي ‏[‏يكون‏]‏ يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها، فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الأحوال إلا حالتين‏:‏ إذا رضيت واختارت نكاح قريب زوجها الأول، كما هو مفهوم قوله‏:‏ ‏{‏كَرْهًا‏}‏ وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها، عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال‏.‏

{‏فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كثيرًا‏}‏ أي‏:‏ ينبغي لكم ـ أيها الأزواج ـ أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا‏.‏ من ذلك امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة‏.‏

ومنها أن إجباره نفسَه ـ مع عدم محبته لها ـ فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة‏.‏ وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك‏.‏ وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة‏.‏ وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور‏.‏

فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم‏.‏

بل متى ‏{‏أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ‏}‏ أي‏:‏ تطليقَ زوجة وتزوجَ أخرى‏.‏ أي‏:‏ فلا جناح عليكم في ذلك ولا حرج‏.‏ ولكن إذا ‏{‏آتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ‏}‏ أي‏:‏ المفارقة أو التي تزوجها ‏{‏قِنْطَارًا‏}‏ أي‏:‏ مالا كثيرًا‏.‏ ‏{‏فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شيئًا‏}‏ بل وفروه لهن ولا تمطلوا بهن‏.‏

وفي هذه الآية دلالة على عدم تحريم كثرة المهر، مع أن الأفضل واللائق الاقتداءُ بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تخفيف المهر‏.‏ ووجه الدلالة أن الله أخبر عن أمر يقع منهم، ولم ينكره عليهم، فدل على عدم تحريمه ‏[‏لكن قد ينهي عن كثرة الصداق إذا تضمن مفسدة دينية وعدم مصلحة تقاوم‏]‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا‏}‏ فإن هذا لا يحل ولو تحيلتم عليه بأنواع الحيل، فإن إثمه واضح‏.‏

وقد بين تعالى حكمة ذلك بقوله‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا‏}‏ وبيان ذلك‏:‏ أن الزوجة قبل عقد النكاح محرمة على الزوج ولم ترض بحلها له إلا بذلك المهر الذي يدفعه لها، فإذا دخل بها وأفضى إليها وباشرها المباشرة التي كانت حراما قبل ذلك، والتي لم ترض ببذلها إلا بذلك العوض، فإنه قد استوفى المعوض فثبت عليه العوض‏.‏
فكيف يستوفي المعوض ثم بعد ذلك يرجع على العوض‏؟‏ هذا من أعظم الظلم والجور، وكذلك أخذ الله على الأزواج ميثاقا غليظا بالعقد، والقيام بحقوقها‏

الاسئلة
ماهي طريقة الجاهليين في الأرملة؟
2_مامعني عاشروهن بالمعروف؟


الساعة الآن 08:29 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)