شعاع الأمومة والطفولة كل مايخص الحمل والولادة والعناية بالطفل - والمقالات التربوية |
الإهداءات |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||||||||||||||
| ||||||||||||||
يا بُنيتي: كوني كأمك خديجة.. أنموذج خير النساء، وأكملهن، رضي الله عنها. بقلم أ.د./ ناصر أحمد سنه كاتب وأكاديمي من مصر. يا بُنيتي: لعلكِ عاتبة عليّ إذ خصصت أخيك وأقرانه برسالة:”يا بني: هذا نبيُك يأمرك بإتقان لسانهم”. ولعل “الغيرة” قد دبت في نفسك ـ كما الحال في بعض شأنك ـ “لماذ لم يخصني وأترابي برسالة مماثلة؟”. لا عليكِ..خففي من حدتك تلك, فها قد جاء دورك، وحان أوان رسالتك ـ فاسمعي ولبي، فأمرُك، وأترابك، أعظم شأناً، ومهمتكن أعمق أثراً، وما يحيط بكن من تحديات، وما يترصدكن من سهام أكثر خطراً. لكن “الوقاية” منها جميعا ..كتاب الله تعالي، وسُنة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم، وعمل السلف الصالح من هذه الأمة. يابنيتي: إن “حصوننا الأسرية مُهددة” من الخارج والداخل في آن معاً. وبعيداً عن التفكير التآمري هناك من يريد لهذه “المواثيق الغليظة” أن تنفصم عراها، ولهذه الحصون العتيدة المتبقية من حصوننا أن تـتهدد، بل أن تتهدم، وفي هدمها هدم للمجتمع كله. فالتهديد ومحاولات الهدم مصدرها إما خارجي: كالترويج لأنماط من المعاشرة تصطدم مع ديننا الحنيف، وحملات مسعورة للإثارة والتحلل والإباحية وتجارة الجنس في عولمة ثقافية تجتاح الخصوصيات والحواجز الأخلاقية، و”صناعة للفقر وتكريسه” ينعكس في تدني معدلات التنمية، والتغييرات الاجتماعية العميقة، والبطالة، وتأخير سن الزواج، وإباحة الإجهاض، والترويج لما يسمى “الاستقلال الاقتصادي للمرأة” الخ••أو أسباب أخرى داخلية: مثل تدني الوعي بالمسؤوليات والواجبات الأسرية، وانقلاب نسق القيم المجتمعية، وتفشي أنماط التعليم والإعلام غير المنضبط بقيم المجتمع، وإهمال الزوجان للأسرة بحثاً عن المال، والتباين الحاد لأسلوبهما في تربية الأبناء، وخلافتهما المستمرة، والغيرة الشديدة، والعنف والعناد، ولهث الأسرة وراء الاستهلاك الترفي، والفراغ، والإحباط، والفساد، وانتشار المخدرات••الخ. ومع توالي الأيام تقف هذه الأسباب ـ فرادى أو مجتمعةـ فتؤدي إلى تزايد معدلات الطلاق والخُلع. أي بُنية: إنني أربأ بك ـ أيتها العاقلةـ أن تكوني سهما في كنانة أعداء الملة يرمون به الإسلام، وأنت لا تشعرين. وأربأ بكن أن يتخطفكن طوفان الباطل وبهرجته وصرعاته، وحملاته وهجماته البربرية الشرسة. فأنت، وأترابك، تتحدين هؤلاء الأعداء كل يوم بتمسككن والتزامكن بشرائع وشعائر دينكم، وإحتضانكن كتاب ربكم، وإهتدائكن بسنة نبيكم، وسيرة سلفكم الصالح. يا بُنيتي: لقد كانت أمك “خديجة”، رضوان الله عليها، غُرّة ناصعة في جبين التاريخ عامة، والعلاقات الأسرية خاصة. فهي شريفة قريش، ومن أعرق بيوتها نسباً، وحسباً، وشرفاً، وكانت ذات مال، وتجارة رابحة، ونجابة بادية. نشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة.. عقلاً وحزماً وفطنةً وحصافة وعفة وطهارة. فلُقِّبت في الجاهلية بـ(الطاهرة)، وكانت مضرب المثل في طهارتها، وحكمتها وحصافتها. كما لقب نبـُيك صلى الله عليه وسلم، في ذات البيئة، بـ”الصادق الأمين”. ولقد اختارتها العنايةُ الربّانيّة لتكون زوجةً بارَّةً مخلصة لنبيك، فتزاوج الصدق والأمانة ثم النبوة والرسالة، بالطهر والعفة والفطنة والعقل والحزم.. فكان مزيجاً من القيم غير مسبوق.. لم ولن يكون. فأغترفي بنيتي واشربي من ذلك المَعين الذي لا ينضب، وتسربلي بسرابيل تلك القيم، وتأسي بتلكم الأسوة:“لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا”(الأحزاب:21). يا بُنيتي: لقد كانت أمك “خديجة”، رضي الله عنها، أول سيدة تزوجها نبيك، صلي الله عليه وسلم، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي يومئذ بنت أربعين سنة (سن الأشد والحكمة)، فعاشت معه إلى أن توفاها الله في الخامسة والستين من العمر. ومن بين فترات زواجه كانت تلك أطولها. وهي وإن كانت أسن منه صلى الله عليه وسلم، إلا أنها كانت أقرب الزوجات إليه، فلم يتزوج غيرها طيلة حياتها. وكانت أم ولده الذكور والإناث إلا إبراهيم عليه السلام، فكان له منها: القاسم وبه كان يُكنّى، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. وقبل زواجها لم تكن تعرفه ـ صلي الله عليه وسلم ـ عن قرب ليقال أنها ألفته، فبعثة تجارة الشام وحكاية ميسرة عنه هي التي عرفتها به، ويبقي حسن الإختيار، وسداد اتخاذ القرار(انظري: صفة الصفوة، ج1، ص74،و أسد الغابة، ج1، ص1337 بتصرف). إن معايير الزواج ـ بُنيتي ـ كفارق السن والحسب والمال والجاه والألفة، ليست مطلقة. إن المعيار الأساس هو الدين، والتربية الرشيدة، والتعقل والتبصر والحكمة، والتأهيل الواعي لتحمل المسئولية في ضوء معرفة الغاية من الحياة، وفي مضمار “توحيد القصد”: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”(الذاريات:56). وتبقي “العنوسة” مشكلة إجتماعية خطيرة لها أسبابها ولها أيضا حلولها، وأُحيلك ـ علي سبيل المثال ـ لمقال لكاتب هذه السطور: “تيسير المهور.. يقضي علي ظاهرتي العنوسة والطلاق المبكر”. يا بُنيتي: الفتاة ـ بصفة عامة ـ أسرع نموا من الفتي من النواحي الجسدية والنفسية والعاطفية بحيث نستطيع أن نضع فتاة السابعة عشرة ـ من حيث النضج الجسدي ـ في مستوي شاب تجاوز العشرين، فينبغي ألا يتأخر إعدادها وتميزها وتربيتها، فيجئ الشباب النضج وهي لما تُعد بعد لمهمتها. وإعدادها لتلك المهام ـ في البيت/ المدرسة/ الجامعة/ المجتمع/الأعلام ـ ليس بالأمر السهل أو الهين. فالجهد التربوي المبذول فيه قد يكون اكبر مما يُبذل مع الفتي (والذي لا يتسع المقام للحديث عنه، ويحتاج لمقام آخر)، وكذلك ثمرة الجهد اكبر واضخم.. زوجة وأما مسلمة واعية فاهمة وأنموذجا لاستقامة الفطرة الإنسانية. بُنيتي: يُقصد “بالتربية النسوية”: نشر المعارف والواجبات والمسئوليات والسلوكيات الخاصة ـ من منظور إسلامي ـ بإعداد الفتاة وتوعيتهما وتدريبها وتأهيلها كي تنجح في المشاركة الفعالة في تكوين أسرة هانئة ومستقرة. وإذا ما ذكرت كلمة “تربية” فذلك يعني أن ثمة عاملا خارجيا يقوم بها، وهذا هو دور الأسرة الكبير والهام، ثم الأدوار التالية للمدرسة/ الجامعة/ المجتمع/الأعلام. لقد ألزم الله تعالى الأب (أو من يتولى الأمر) بإعداد ابنته لتمارس دورها الحياتي، وجعله من أعظم الناس أجراً إن أعطاها حقوقها، ومن أشنعهم وزراً إن ضيعها، وكيفما يكون الأهل واستقرار وتماسك الأسرة ـ قدوة واقتداء وتقليداً ومحاكاة، وتأثيرا إيجابياً أو سلبياًـ تكون الفتاة، وزوجة المستقبل. وقد يبدأ دور الأسرة مع فتاتها منذ نعومة أظفارها بتعليمها الدين (القرآن والسنة) وحقائقه ومعانيه ومقاصده، ومعاملاته وفضائله، وقد تُكلف بداية ببعض الأمور الخفيفة، لتكتسب التعود (تربية بالعادة): وينشأ ناشئ الفتيان فينا علي ما كان عوده أبوه. ثم بمرور الأيام والسنين، يلزمها بما يصحح عقيدتها وعبادتها من أصول العقائد والفقه، ومعرفة ما أبيح لها وما يحـُظر عليها، وتعلم من العبادات والآداب والأخلاق، مالا تستغني عن معرفته، ولتكون علي وفاق معرفي تام بطبيعتها المتميزة، ووظيفتها، ودرايتها بمراحل البلوغ والحيض وأحكام الطهارة لأداء العبادات، وأعدادها نفسياً وعلميا لمراحل الحمل والولادة والنفاس والرضاع وغيرها. وينبغي إلحاق الفتيات بالتعليم، مع الوعي ـ النفسي والعقلي ـ بوظيفتهن الرئيسية، فتلتحق الفتيات بمراحل للتعليم المتوسط والثانوي، حيث مناهج تعني عناية فائقة بالتربية النسوية، فمعلمات هذه المراحل مؤهلات لتربيتهن وإعدادهن، فيعلمونهن: إذا كانت تريد أن تكون جميلة فجمال المسلمة الحقيقي يكمن في سمتها وخلقها وحياؤها وطهرها، وكيفية تحول مشاعر الجنس الفطرية إلي تهيؤ عملي لحياة زوجية مرتقبة، بدلا من تحولها تبذلا وسعيا وراء الإثارة والفتنة، فيعززن بذلك مفاهيم الأمومة لديهن. ويتعلمن التدبير المنزلي ـ علما وعملا ـ ربة بيت نشيطة ماهرة مدبرة متقنة لأعمالها الأسرية، وحسن إدارة نفسها وبيتها وبنيها، حسنة التصرف في إدارة اقتصاديات الأسرة، ميزانيتها المالية، وأساليب التوفيق بين مطالب البيت وقدرة الزوج المادية، دون إسراف أو تبذير أو تقتير، كذلك تعلم الطرق المثلي لتربية الأطفال، وتأديبهم. والتأكيد علي أن الرجل لن يحترم امرأة غير متسلحة بالعلم وغير ناضجة، عقلا وفكرا، فتراها مضطرة إلي الاعتماد عليه، وعلي جهوده في صغيرة وكبيرة طيلة حياتها معه، وقد يتجاهل الزوج أخطاء عروسه خلال عامها الأول، ولكن لن يستمر إغضائه عن تلك الأخطاء لمدة طويلة. بُنيتي: استرسالا مع هذا الموضوع الهام والحيوي.. يحرص جميع طالبات وطلاب التعليم العالي علي دراسة مقررات الإرشاد والتربية الأسرية كمنهج جامعي مشتملاً على الحقوق الشرعية والواجبات الأسرية، مع عقد مراكز النشاط الثقافي والاجتماعي الجامعي لدورات تدريبية متخصصة في هذا الشأن، وجلسات حوارية للجنسين لمناقشة القضايا الأسرية، كما يتعلمن كيفية أن يكن داعيات مسلمات في صفوف الفتيات ويساهمن في إعدادهن. كما تساهم أقسام الاجتماع والتربية وعلم النفسي والمعلمين وغيرها بتوجيه نتائج أطروحتهم وأبحاثهم العلمية تواصلا مع المجتمع ليستفيد منها، ولا تبقي حبيسة أرفف المكتبات. كما ينبغي ـ في البلدان التي لا تقوم بذلك ـ أن يدرج مقرر التربية الأسرية في جميع مراحل التعليم العام للجنسين، وبخاصة مهارات التواصل والحوار والتفاهم الأسري، والوعي بقيم ومفاهيم وتشريعات الأسرة الواقعية والتطبيقية وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء. وينبغي تعميم مشاريع وجمعيات ومراكز وطنية متخصصة للتوعية الأسرية الشاملة، يشارك فيها جميع القطاعات المعنية كل حسب اختصاصه، ونشر الوعي بوجود مؤسسات التوجيه والإرشاد الأسري ودورها الفعّال في تأسيس فهم عميق لفقه الأسرة، وثقافة الاتصال والحوار، وحل المشكلات الأسرية، فالمؤسسات الاجتماعية والجمعيات النسائية تقع عليها مسئولية تثقيف المرأة بكيفية إدارة أسرتها وتنمية مهاراتها الذاتية والأسرية والاجتماعية، وحسن التعامل مع مشكلاتها الزوجية، فقد تكون المرأة مثقفة ومتعلمة، إلا أنها غير ملمة أبسط الأمور المتعلقة بالسعادة الأسرية. يا بُنيتي: ليس هناك من شك في أن الإشكالية ليس في تعليم الفتيات، فلا الإسلام أمر بتجهيل الفتاة، ولا شريعته تركتها جاهلة لا تتعلم بما تستقيم به أمور نصف المجتمع، وتعهدها برعاية النصف الثاني، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ”(سنن ابن ماجة: كتاب المقدمة، برقم:220)، وهاهو شوقي يقول: الأم مدرسة إذا أعدتها أعددت شعبا طيب الأعراق لكن تكمن المشكلة في نقص/ ضعف “التربية النسوية”، أسرياً وتعليمياً وثقافياً وإعلاميا، فلقد فاجأها الزواج فوجدت نفسها بلا عُـدة، ولا تدريب، ولا استعداد، ولا علم، ولا شعورا بالمسئولية، ولا تأكيد علي أهمية السكن والسكينة والتواصل والمودة الأسرية، التي جعلها الله تعالي آية في الزواج:“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”(الروم:21). يا بُنيتي: لقد قـُُدَّر لأمك “خديجة” رضي الله عنها ـ قبل تشرفها بالزواج من رسول الله، صلي الله عليه وسلم ـ أن تتزوج مرتين. بيد أنها لم تطلَّق مرتين، بل مات عنها زوجاها. ولعلك تعلمين أن نسب الطلاق ـ الآن ـ في مجتمعاتنا الإسلامية في إزدياد، وقد بلغت في بعض البلدان نحو 35% من الزيجات. وتلك مشكلة كبيرة وبخاصة أن أسبابها غير منسجمة مع ما أحله الشرع الحنيف عند “استحالة العشرة بين الزوجين” من فصم عري “الميثاق الغليظ”.. ميثاق الزواج، وعقد النكاح. هذا فضلا عن أن الأرامل والأيتام (هم بالملايين جراء الحروب والإعتداءات)، بحاجة ماسة لمساندة إجتماعية، يقول تعالي: “فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ”(الضحي:9)، ويقول تعالي:”وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا”(النساء:2)، ويقول النبي صلي الله عليه وسلم:” أنا وكافل اليتميم في الجنة هكذا، وقال باصبعيه السبابة والوسطي” (رواه البخاري، حديث رقم:5546). يا بُنيتي: لماذا يفتعل البعض مسببات للمضايقات والاستفزاز، و”العناد الأسري”؟، أليس ذلك عنوانا علي خلل كبير في منظومة كيانهم الأسري القائم؟. فكل منهما يعاند بفعل ما يضايق الآخر، فاللون الأصفر يكرهه، وأطعمة ما لا يستسيغها.. فتختار كل ملابسها صفراء، وكل أطعمتها هي تلك التي لا يستسيغها زوجها. بينما نجد أسلوبا ما يستفزها وتجاهلا ما يغيظها فيحرص ـ صاحبناـ كل مرة علي استعمال هذا الأسلوب وذلك التجاهل. ولكي يتم التعبير عن “ضرر” تلك المضايقات يعمد كل منهما ـ بغضب ودون رفق أو تروـ إلي محاولة الإصلاح فور الوقوع، وتحت تأثير” الأدرينالين.. هرمون الغضب والثورة” فيدخلان في دوامة مفرغة، تؤدي في نهايتها إلي الفشل في تحقيق السعادة الزوجية؟فحذار حذار ـ بُنيتي ـ والبعد البعد عن تلك المشاغبات والمضايقات وتلافيها، وتلاقي مع زوجك علي قواسم مشتركة والنظر باتجاه واحد، مع الرفق واللين في معالجة تلك الأمور. يا بُنيتي: لقد “اصطفي” الله تعالي السيدة “خديجة” رضي الله عنه لهذ المنزلة وتلك المكانة لما لها من صفاء الروح، والاستعداد لتقبل الحق، وتشرب أنوار الإيمان، وبدايات نزول القرآن (وما أصعب البدايات، وأثقلها). فكانت أول من آمنت وأسلمت من الناس، وشهدت أن الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم الحق من ربه، فخفف الله بذلك عن رسوله صلى الله عليه وسلم. وكأن الله اختصها بشخصها لتكون سنداً وعوناً في حمل هذه الدعوة في مهدها الأول، ومن ثم إبلاغ رسالة رب العالمين للناس كافة. لقد آنسته وواسته وآزرته بنفسها ومالها في وقت كان صلى الله عليه وسلم في حاجة ماسة لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة. فحين نزل “جبريل” عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء رجع يرتجف حتى دخل عليها فقال: “زملوني، زملوني..”، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. وقال لخديجة: “أي خديجة، ما لي لقد خشيت على نفسي”، وأخبرها الخبر، فردت عليه فقالت: “كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”(رواه البخاري، برقم: 4572)، ثم انطلقت ـ برباطة جأش قل نظيرها في مثل هذه الأحوال ـ تمشي به إلى ورقة بن نوفل – وكان عالمًا بالأديان، فسمع من الرسول- واستبان الأمر، وهدأت النفوس واطمئنت لأمر النبوة العظيم (الحديث في صحيح البخاري، ج4، ص1894، وأنظري: عيون الأثر، ج1، ص165، وسيرة ابن هشام، ج2، ص74، وتاريخ الإسلام، ج1، ص31، وسيرة ابن اسحاق، ج1، ص113، وتاريخ الطبري، ج1، ص533، وأسد الغابة، ج1، ص1339). فعليك ـ بُنيتي ـ أن تهتمي لشأن زوجك واسرتك، متحلية بالحكمة ورجاحة العقل. ودوماً ـ كوني ـ معوانا في الخير، مغلاقاُ للشر، رابطة الجأش مع ابتلاءات الدهر، مشيرة بالرأي السديد. يا بُنيتي: لقد أسست أمك “خديجة” تفسيرها لهذا الأمر الجلل “أمر النبوة” علي حقائق وليس أوهام. فترينها استنتجته، بعقليتها الفذة وحكمتها، بناء علي مقدمات: “إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقّ”. فمن وفقه الله لتخلق بمثل هذه الأخلاق فلن يخزيه أبدًا. ثم تبقي تلك الشهادة الرائعة من زوجة لزوجها.. تقريراً بشكر العشير، وليس “كفرانه”، وإنَّ كُفر العشير لمن نساء بمكان. فعليك ربط الأسباب بمسبباتها، والأخذ بالأسباب في كل شأنك ثم التوكل علي الله تعالي، وترك الشكاية، و”شكر العشير”..كما هدتنا سنة المعصوم صلي الله عليه وسلم لذلك. يا بُنيتي: تكرار ذكر هفوات، واجترار مواقف سلبية قديمة وربطها بأخرى حديثة يجدد المشاكل والأحزان ولا يحلها، بل تتراكم فتنفجر ـ يوماً ـ بركاناً من الغضب والشقاق فالفراق. فلنحاول عدم إحياء المشاكل والأحزان القديمة.. تقوي وعفوا وصفحا، مع الاهتمام بعظائم الأمور.. عدلا ومعروفاً..، ولنتجاهل بعض الأخطاء والسفاسف، ثم لنلق بهما بعيدا في سلة النسيان. يا بُنيتي: لقد عاشت أمك “خديجة” رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حلو الحياة ومرها، (إذ أن أكثر الناس بلاءً الأنبياء) فكانت حصنه الداخلي، وركنه الشديد، ومثابة وزيره الصادق الأمين، والرفيق الأنيس والنصير. نافحت ودافعت وتحدت وآزرت وساندت وشاركت وتفانت وواست الرسول في دعوته بكل ما لديها، وفي ظروف قلما يوجد فيها نصيرا أو مؤازرا أو معينا. فلم يكن، صلي الله عليه وسلم، يسمع شيئاً من استهزاء وسباب وتكذيب إلا فرج الله عنه بها، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس. فسرعان ما ينسى الألم والحزن، إذا تمسح بيدها الحانية على قلبه . وكانت – رضي الله عنها – امرأة حاذقة صَنَاعٌ في إدخال السرور على زوجها والتخفيف عنه، لقد آمنت حين كفر الناس، وصدقت حين كذّب الناس، وآوت حين طرد الناس، وواست بالنفس والمال حين نفر الناس (راجعي: البداية والنهاية، ج3، ص23،و سيرة ابن هشام، ج2، ص77، وأسد الغابة، ج1، ص1339). يابُنيتي: كيان الأسرة (من الأسر والشد والربط) “رباط مقدس” والتحام وتوافق وانسجام بين شخصيتين، وتجربة حياة غنية وثرية وسعيدة.. وإدراك معانيها “فهم”، وإدراك مراميها “فقه”، ومن الفهم معرفة أن العواطف تفتر، ولكن من “الفقه” معرفة أن أساليب إحيائها عديدة ومتنوعة. ومن “الفهم” معرفة أن المعوقات والمشكلات الحياتية متعددة، ولكنها لا تستعصي علي الحل بالتعاون والتكاتف والتعاطف، ومن “الفهم” معرفة أن المواقف ووجهات النظر تتباين، ولكن رأب الصدع فيها وحسن النوايا هين ووارد، فالجانب الممتلئ من الكأس لاشك أكبر من الفارغ، والسنوات الحلوة كثيرة تفوق تلك المرة، وبجهد ميسور يتم ارتقاء أسباب البناء، وإذا ما كانت هنالك من معاول هدم فلن تنال من الحصون الأسرية المنيعة العصية علي الانهيار بإذن الله تعالي:“فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا” (الكهف: 97). يابُنيتي: لقد كنت في البيت مشغولة في استذكار دروسك ومنها “أصول التربية الإسلامية ونظرياتها وسبلها(راجعي: محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، دار الشروق، 1408هـ) ومقارنتها بفلسفات وأساليب تربوية غربية. وعهدتك تتحملين مسئولياتك. لا تعيرين بالاً للواتي سيتضاحكن من تعلم شئون الأسرة، وكيفية تحسين مسئولياتك المنزلية، ومهاراتك الأسرية. ولا لإعلام يُروج: “المتعلمة/ أو ذات الوجاهة لا تقوم بذلك، إنما عليها تحطيم “التقاليد البالية”، لتعظيم:” تحرر المرأة، مساواتها بالرجل”، وما “التربية النسوية” وغيرها إلا “تمييز” ضدها من المجتمع “الذكوري”، و”ردة عن تحررها”، فالفتاة “العصرية” المثقفة ذات التجربة والأفق الأوسع، و”النيو لوك” لن تكون بحال كصورة “التقليدية الساذجة المحدودة الأفق”، فهي “متحررة” من ذلك، فبضغطة زر.. تنوفر “الخادمات الأجنبيات”، ويتم “توصيل الطلبات”. آخر تعديل إسمهان الجادوي يوم
06-22-2021 في 12:59 AM. |
مواقع النشر (المفضلة) |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 2 : | |
, |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
كوني له الأربع أنواع من النساء | ام بشري | شعاع القفص الذهبي | 7 | 08-13-2014 09:24 PM |
لآلئ حول الرسول صل الله عليه وسلم:خديجة بنت خويلد رضي الله عنها و ارضاها | أم الخير | شعاع السيرة النبوية، الصحابة و السلف الصالح | 6 | 05-30-2014 10:42 PM |
لآلئ حول الرسول صل الله عليه وسلم:عائشة أم المؤمنيين رضي الله عنها | أم الخير | شعاع السيرة النبوية، الصحابة و السلف الصالح | 3 | 05-29-2014 10:50 AM |
من مواقف الرسول صلى الله عليه و سلم مع زوجته عائشة رضي الله عنها | ام بشري | شعاع السيرة النبوية، الصحابة و السلف الصالح | 2 | 05-28-2014 01:27 PM |
ام حبيبة رضى الله عنها | هوازن الشريف | شعاع السيرة النبوية، الصحابة و السلف الصالح | 3 | 03-26-2014 10:44 PM |