04-08-2015
|
|
كل ميسر لما خلق الله
| | | | عليك أن تتعرف على مواهبك التي منحك الله، فتوظفها في بابها، سواء علماً أو عملاً أو مهنة،
فإن لكلٍ مذهباً ومشرباً صنواناً وغير صنوان {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ
هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148] والناس أجناس، فحقٌ على العاقل أن يمهر فيما يجيد، وكلٌ ميسرٌ لما
خلق له، ومن يلاحظ حياة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يجد أن كل واحدٍ منهم أجاد في
بابه. إن الكتب تلقن الحكمة لكنها لا تخرج الحكماء، وإن الذين امتازوا في العلوم والفنون لم يتعلموا في
المدارس فحسب، بل تعلموا في مدرسة الحياة ومصنع الرجال.
إن كتاباً في فن السباحة يعطي مفاتيح في هذا الباب، لكنه لا ينجِّي الجاهل بالسباحة من الغرق،
إن أفضل طريقةٍ لمن أراد السباحة أن يهبط إلى النهر ليتعلم فيه مباشرة، ومثل الخطيب البارع
فإنه لم يمهر ويتميز لأنه قرأ مجلدات في فن الخطابة، بل لأنه صعد المنابر، وأخطأ وأصاب، وفشل
ونجح، وجرب وتدرب، حتى بلغ الغاية في هذه الموهبة.
فإذا أردت البراعة في أي علمٍ، أو عملٍ، أو موهبة، فاغمس نفسك فيه، وانصهر في معاناته،
واحترق بحبه والشغف به إلى درجة العشق: وللناس فيما يعشقون مذاهبُ، قال الشاعر:
إنما رجل الدنيا وواحدها *** من لا يعول في الدنيا على رجلِ فلا تظن أن النجاح سوف يقدم لك هبة، على طبقٍ من ذهب، فإن أقبح نصرٍ هو ما كان عن هبة. وأقبح النصر نصر الأغبياء بلا فهمٍ *** سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا لكن النجاح الغالي هو ما حصل بجهدٍ وعرقٍ ومشقةٍ ودموعٍ ودماءٍ وسهرٍ وتعبٍ ونصبٍ وتضحيةٍ
وفداء، كما قال أبو الطيب: لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتالُ وإن ألذ خبزٍ هو ما حصل بعد عرق الجبين، وإن أهنأ نومٍ ما كان بعد تعب، وإن أحسن شبع ما
سبقه جوع، وإن الورد لا يفوح حتى يعرك، وإن العود لا يزكو حتى يحترق: لولا اشتعال النار فيما جاورت *** ما كان يعرف نشر عرف العودِ مقتبس من
سلسلة القمم لأهل الهمم | | | | | آخر تعديل أم يعقوب يوم
04-08-2015 في 10:39 PM. |