11-09-2016
|
#3 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 69 | تاريخ التسجيل : May 2013 | العمر : 76 | أخر زيارة : 03-10-2024 (11:47 AM) | المشاركات : 8,131 [
+
] | التقييم : 9284 | | لوني المفضل : Cadetblue | |
رد: التّرابط بين الإيمان و العمل : الدّين اتِّصال بالخالق وإحسان إلى الخلق :
أيها الأخوة الكرام ؛ حقيقة أساسيّة أضعها بين أيديكم ، الله سبحانه وتعالى
لمْ يجْعل الجنّة حِكْرًا لفئة دون أخرى ، ولم يجعل الجنّة التي وعدَ بها المتّقين
لِمُجرّد الانتماء الشكلي إلى دين أو إلى آخر ، قال تعالى : ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾
[ سورة الكهف : 110]
القرآن كلّه لُخِّصَ بهذه الآية : ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف : 110]
قال علماء التفسير : إنّ الله سبحانه وتعالى ربطَ الرجاء بِرَحمتهِ ، ربط
هذا الرجاء بالعمل الصالح ، قال تعالى : ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف : 110] وقال تعالى : ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى
تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [ سورة البقرة : 111]
والله سبحانه وتعالى لا يتعاملُ مع عباده بالأمانيّ قال تعالى :
﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ
هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾
[ سورة البقرة : 111]
ما برهانكم على انتمائكم لهذا الدّين أو ذاك ؟ إنّه العمل الصالح
، قال تعالى : ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾
[ سورة البقرة : 111]
أرأيتم إلى هذه الآية أيها الأخوة ؟ كيف أنّ الله سبحانه وتعالى لخَّصَ
الدِّين كلّه الذي يؤهِّلُ صاحبه إلى الجنّة ، لخَّصَهُ بِكَلمتين ؛
إسلام الوجه لله عز وجل ، الوِجْهة إلى الله والاتّصال به ، وهو مُحسنٌ ،
هذه الآية تقابلها آية أخرى ، قال تعالى : ﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ
والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾
[ سورة مريم : 31]
إذا أردْتم ضغط الدِّين في كلمتين ؛ إنَّه اتِّصال بالخالق ، وإحسان
إلى الخلق ، إنّه صلاة في الوِجهة ، وزكاة في العمل ، إنَّه إسلام
الوجه لله عز وجل ، والإحسان في العمل ، قال تعالى : ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ
إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾
[ سورة البقرة : 111] ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي :
أيها الأخوة الكرام ؛ روى المفسّرون أنّ مَجْلسًا ضمَّ جماعةً من اليهود ،
وجماعة من النصارى ، وجماعة من المسلمين في عهْد
رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فزعَمَتْ كلّ جماعةٍ أنّها أوْلى بِدُخول الجنّة ، فقال اليهود :
نحن أتْباعُ موسى ، اصطفاه الله برِسالاته وبِكلامه ، وقال النصارى :
نحن روح الله وكلمته ، وقال المسلمون : نحن أتباع محمد خاتم النبيّين ،
وخير أمّة أخرجت للناس ، عندئذٍ نزلَت آيات من القرآن
على النبي صلى الله عليه وسلّم حاكمةً فاصلة ، قاضِيَةً عادِلَة ، خاطَبَت
المسلمين في صراحةٍ واضحة ، قال تعالى :
﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ
مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
[ سورة النساء : 123-124]
آيةٌ حاكمةٌ فاصلة ، واضحة عادلة ، قاضية مفصّلة ، ليس بأمانيّكم
ولا أمانيّ أهل الكتاب ، أيْ أيها المسلم لا تقل : أنا مسلم ، مصيري
إلى الجنّة ، ولا تقل : أنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلّم سيّد الأنبياء
والمرسلين ، ولا تقل : أنا من أمّ وأبٍ مسلمَين ، لا تقل: أنا من الأمّة التي
فضَّلها الله على العالمين ، من الأمّة التي هي خير أمّة أخرجت للناس ،
لا تقل هذا الكلام ، قال تعالى : ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ
مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾
[ سورة النساء : 123] كُنْ مَن تَكُن ، كنْ من أيّ دينٍ شئت ، قال تعالى : ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
[ سورة النساء : 123-124]
الإيمان والعمل الصالح ، ليس الإيمان بالتحلّي ، ولا بالتمنّي ،
ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل .
إتقان العمل جزءٌ لا يتجزَّأ من الدّين :
أيها الأخوة الكرام ؛ متى ينجحُ العمل ؟ نجاح العمل في إتقانه ،
وكلّكم يرى أنّ الشيء المُتقن لا تبور سوقه ، ولا يفتقد من يرغبُ
فيه ، وأنّ الشيء غير المتقن هو الذي يكسد، فلذلك يجب أن نؤمن نحن
المسلمين أنّ إتقان العمل جزءٌ من الدّين بل جزءٌ أساسيّ من الدّين ، وكأنّي
بهذا القانون لو طبّقَهُ الكفار لقطفوا ثمارهُ ، لو طبّقه من أنكر وُجود الله
لقطف ثماره ، إتقان العمل جزءٌ لا يتجزَّأ من الدّين ، بل هو من صُلْب الدِّين
، لأنّ الله سبحانه وتعالى كما أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام :
((إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء ، يجب أن تحسن حتى لو ذبحْت
شاةً ، فإذا ذبح أحدكم ذبيحته فلْيُحِدَّ شفرتهُ ولْيُرِح ذبيحته ))
[مسلم عن شداد بن أوس]
الآن ما سرّ الإحسان ؟ ما دام الله سبحانه وتعالى كتب الإحسان
على كلّ شيء، أي يجب أن تحسن في كلّ شيءٍ ، في عملك المهني ،
في علاقاتك الخاصة والعامّة ، في كلّ شيء ، معنى ذلك أنّ الطريق
إلى الإحسان ، قال عليه الصلاة والسلام الإحسان أن تعبد الله كأنّك
تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ، أصحاب الحرف ؛ لو أنّ كلّ صاحب حِرْفةٍ
وهو يعمل شعر أنّ الله مطّلعٌ عليه ، يراقبُه ، الطبيب في عيادته
، والمحامي في مكتبه ، والتاجر في دكانه، والموظّف في دائرته ،
وربّ البيت في أسرته ، والمرأة في بيت زوجها ، والخادم في معمل سيّده ،
إذا شعر كلّ مؤمن أنّ الله يراقبهُ ، ويطَّلِعُ عليه فهذا أحد أسباب الإحسان ،
من أين يأتي الغشّ ؟ حينما يشعر هذا الإنسان أنّ أحدًا لا يراقبهُ
، وأنّ هذا الإنسان ضعيف ليس بإمكانه أن يكشف الغشّ ، أما حينما
يشعر كلّ إنسان أنّ الله معه يراقبهُ ، وأنّ حرْفَتهُ أمانةٌ في عنقه ،
وأنّ هؤلاء الذين وثقوا به وكيلهم الله عز وجل ، وسوف يحاسبه الله عز وجل
عنهم ، لم أهْمل ؟ لم دلّس ؟ لم أوْهم ؟ لم غشّ ؟ لم وصف وصفًا
غير صحيح للبضاعة حتى بيعَتْ بأسعار غالية ؟ حينما يشعر الإنسان
أنّ الله مُطّلعٌ عليه ويراقبهُ ، النتيجة الحتميّة الطبيعيّة أن يحْسِنَ في عمله
، الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ، لذلك
قال عليه الصلاة والسلام : (( إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ))
[ الطبراني عن عائشة]
وفي آية أخرى تلفت نظر المؤمنين ، قال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا
بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾
[ سورة النساء : 58]
لمَ جاءتْ الأمانات جمعًا ؟ لأنّ هناك عشرات الأمانات في حياة الإنسان ،
ابنك أمانة في عنقك ، زوجتك أمانة في عنقك ، هذا المريض أمانة
في عنق الطبيب ، هل أخلص له؟ هل دلّهُ على اختِصاصيّ ينفعُه في
مرضه أم أبقاهُ عنده ليبْتزّ مالهُ ؟ هذا المحامي هل نصحَ موكِّلَهُ
أم ابْتزّ مالهُ ؟ هذا الصانع هل غشّ بِصَنعتِهِ فجمَّعَ ثرْوةً طائلة أم
نصح المسلمين في بضاعتهم ؟ قال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ
نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾
[ سورة النساء : 58]
فأيّ شيءٍ في حياتك هو أمانةٌ في عنقك ، إما أن تغشّ الناس وإما أن
تنصحهم، إما أن تحسن وإما أن تسيء ، إما أن تصدق وإما أن تكذب .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ وتكفينا هذه الآية الكريمة ، قال تعالى :
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة التوبة : 105]
يا أيها الأخوة الكرام ؛ نجاح العمل في إتقانه ، وإتقان العمل يحتاج
إلى مراقبة الله عز وجل ، فإذا عبدْت الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه
فإنّه يراك قادكَ هذا الإيمان إلى إتقان عملك ونجاح عملك ، فلذلك
قال عليه الصلاة والسلام : (( أفضل إيمان المرء أن يعلم أنّ الله معه حيث كان ))
[ البيهقي عن عبادة بن الصامت]
والإنسان لا يستقيم على أمر الله إلا إذا شعر أنّ الله يراقبه ، وأنّ كلّ
من حوله أمانةٌ في عنقه ، وسوف يسأَلُ عنه ، وأنّ الله سبحانه وتعالى
وكيلُ كلّ الخلق ، فإذا جاءك طفلٌ صغير ليَشْتري حاجةً ، هذا الطّفل
الصغير من الجهل ومن السذاجة بحيث لا يستطيع كشف ما في
البضاعة من غشّ أنت كمُؤْمِن يجب أن تشعر أنّ الله وكيل عنه .
الفرق بين النّظام الديني والنّظام المدني :
لذلك قالوا : بين النّظام الديني والنظام المدني فرْق كبير جدًّا ،
هو أنّ النِّظام الدّيني الله سبحانه وتعالى بين كلّ شخصين ، وأما النظام
المدني فالأقوى يأكل الأضعف ، النِّظام الدّيني الله سبحانه وتعالى بين
كلّ شخصين ، على مستوى الأسرة ربّما تقرَّب الزوج إلى الله عز وجل
بِصَبْره على زوجته وخِدمته لها ، وربّما تقرّبت الزوجة إلى الله عز وجل بِصَبْرها
على زوجها وخدمتها له ، إذًا بين الزوجين ربّ العالمين ، وبين البائع
والشاري ربّ العالمين ، وبين الطبيب والمريض ربّ العالمين، وبين
المحامي والموكّل رب العالمين ، وبين المواطن والموظّف رب العالمين
، فإذا ضعف الإيمان أكل الأقوى الأضعف ، هذا سرُّ نجاح النظام الدّيني ،
وسرّ إخفاق الأنظمة الوَضْعِيَّة ، في الأنظمة الوضْعِيَّة الأقوى يأكل الأضعف ،
والأذكى يأكل الأغبى ، ولكن في النظام الدّيني مهما كنت ضعيفًا فالله وكيلك ،
ومهما كنت ذكيّا فالله يراقبك .
يتبع |
|
حين تستيقظ يوماً لتجد الأرجاء خاوية من الأحبة,
وقد تفلتت منا سبُلُ" اللقاء " .
فلا تحزن وتضيق بك الأكوان , واعمل للغد حتى
لا نفترق عند أعتاب الجنان
فرُب فراق غـــدٍ لاينفعه البكاء ولا شفعاء !" ،
وحين الرحيل للوجه الآخر من الحياة ."
لا تحزنوا فبرحمت الله اللقاء عند أعتاب الجنان |