يَتَراصّ الحَجيج على الرّواحل ؛ ويَتدفّقون إلـى عَرفـه !
فاليومُ ..
سَتُتلى لهم فاتِحة البَدء مِن حَكاية فضلٍ ؛ لن تَنتهي !
يَمدُّ الحَجيج الخُطى ..
ومـا بيـن النّبضة والنّبضة ؛ تَخفِقُ أرواح !
مَْا بينَ النّبضة والنّبضة ؛ يَطيرُ حمامُ القلبُ إلى عَرفه !
فاليومُ ..
المَوعـِد مـَعَ الله !
فيا مَكـّةَ الله ..
يـا بَلدةَ اللهِ فاضَ الفَضلُ فانْهَمِري !
يَلتَفِتُ الحَجيج اليوم إلى ثِيابهم :
هل اكْتَمَل الإحرامُ مِن بياضِ الحَلال ؟!
يَتمضْمَضون تاريخاً مِن الشّوك ..
فقد ابْتَلَّـت الأفواهُ كثيراً مِن أعراضِ النّاس !
ينتَحي حـَاجٌّ ويَبكي :
( يـا رَبّـي ..
احْـدَودَبَت أرواحُنا مـِن ثِقَـل مـا فِيها .
يـا َربّي ..
إنّ علَينا مِن شَعَث الجَاهِلية هُموما وهُموما .
يـا رَبّي ..
أدْعوكَ ؛ وشَـوكُ المَعاصـي على شَفتَيّ .
َ
يـا رَبّي ..
لا تَجعل رُجوعي مِن هُنا مُرّاً ) !
يغرَق الحَجيج في أسرارِ صَمت تُنبؤُك َ؛ أنَّ في الخَوابي دَمعٌ يُخفيه القَوم !
يُداري شابٌ اخْتِنَاقه ..
مَـا أصدق الدّمع وهـوَ يفضَح ُصاحِبه !
يَنتَبِذ رجلٌ عَن خَيْمَتِه فـي نَـوْحٍ شَهِـيّ :
( يـا رَبِّ .. هَبْ ضَعفي يداً بَيضاءَ مِن غيرِ سُوء تَمتَدّ إليكَ .. و ادَّخِرني لَدَيك ) !
تَرْتَجّ البِقاع ..
ويَشتَدّ النّاس في الوَجَل ..
وتَسمعُ هَمْس تَائِب :
( يـا رَبّي سُفُني مَثقوبة ..
وأشْتَهي الإبحار إليكَ ..
وليسَ معي إلا أشْرِعة مُمَزّقة !
يـا رَبِّ ..
تُذكي خَطيئتي ناراً أنتَ تَعْلّمُها .. فأطْفِئ أُوار النّار ) !
تَلْمَحُ عبْداً ؛ يَتأرْجَح بينَ احتراقٍ وَرغبةٍ في انْعِتاق .
فيـَا للهِ ..
كيفَ يَهتَزّ العَرشُ لِبَعض الدّعـوات ؟!
تطرُق الأرواحُ ، ويَفيض وَهْجٌ خَفِيّ ، ويَهتَزُّ عابدٌ مِن شِدَّة الوَجْد ويَصيح :
( يا عافِية العَليل يا عَرَفه ..
يا الله .. لا تَترُكني مُلقىً دونَ طَريـق !
يـا ربِّ ..
لا مَسافةَ بينَ الكافِ والنُّون ..
لا مسَافةَ إلا في وَهْمِي ..
لا مَسافةَ إلا مِن ذَنْبِي .
فيا مَـولْاي ..
أنتَ الحَبيبُ وأنتَ الحُبّ يا أمَلي
مَـن لي سِـواكَ ومَن أرجوهُ يا ذُخري ) !
يـا رَبِّ ..
في مَوِقفِ عرَفه ؛ أعمارٌ هي ثلاثونَ ، أو أربَعون ، أو سِتُّون انتظاراً .. فامْنُن عليها بِدَهشةِ الفَضْل !
في نَاحِيةٍ بَعيدة ..
تَسيلُ عينُ حاجٍّ وهُوَ يقولُ :
( يا رَبِّ قَد كََبُرتُ فأعْتِقني ..
يـا وَيـلاهُ ؛ كيفَ قَيَّدْتُ فـي الهَباء طَريقـي ) !
فيا لازدحام ِالدّعوات ..
ويـا لازدحام الدَّمَعات ؛ تُرَتِّل أسماءَ أصحابِها ..
(وَ دَمَعاتُ أهل العِشق تَرتِيل ) !
يقومُ عاشِقٌ في عرَفه يَشتهي أن تَقع قَدَمٌ على قَدم .. وهـو يقـولُ :
( قليلٌ مِن يـَدِ اللهِ كَوْثَر ) ..
فكيفَ واليومُ هو يومُ الكَثير !
صَدَق الثّورِيُّ إذْ قالَ :
" أخْسَرُ النّاس صَفقةً ؛ مَن ظنَّ أنّ اللهَ لا يَغْفِرُ لِهَؤُلاء " !
تلوحُ خُيوط النّعيم ؛ تَنْسِجُ للحَجيجِ بُردة المَغفرة ..
عَبَقٌ شَهيٌّ يَغمُر المَكـان ..
تُظَلّل السّكينة غُربة التّائهين ..
لا قَلَقَ بَعدَ اليوم ولا سَـراب !
يَخِفّ وَجيبُ القُلوب لحظةَ الاقتراب الإلهيّ ..
وتُمسُّ الأحلام ..
فَقد استُجيبَ الدُّعاء !
يَبكي لاجِئٌ يَمَنِيٌّ :
يـا رَبّ ..
مُنّ عَلينا بِزَمنٍ { فيهِ يُغاثُ النَّاسُ وفيهِ يَعصرُون } !
فَيَردُّ عَليه صَبِيّ مِن الشّام :
يـا رَبّ آمِين !
يَمنحُ رِجلٌ مِن القُدسِ مِنديلَ شَهيد ؛ لِسَيّدة مِن العِراق ويقولُ لَها :
لَنْ يَجِفّ زَمنٌ فيهِ عرَفَه !
لولا دُعاءُ عرَفَه ..
لصارَ العَالَمُ خراْبـاً !
تَصْفرُّ الشّمس ..
وتُصبح عَرَفه ؛ ساحةَ عُـرسٍ مُبَلَّلة بالنّـدى ..
الغُيومُ في أيدِي الحَجيج ..
وفي قُلوبهم مَطَر ..
يَبتَسِمون للسَّماء ..
ثَمَّة ضوءٍ يُعيدُ تَرتِيبهم ..
فَقد اكْتَملَ الشَّفَقْ !
(أيُّها الطّيبون ..
لا تَنسونا اليومَ مـِن صالـح الدُعــاء ) .
🔹د.كِفَاح أَبو هَنّوْد 🔹