الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
الله وبعد:
تباينت آراء كثير من الدعاة واختلفت وجهات نظرهم فيما يجب الإهتمام به أكثر في الدعوة إلىالله و ذلك في إطار ما أصبح يعرف في الآونة الأخيرة بفقه الأولويات و الحق أن هذه قضية أكبر من أن يتنازع حولها و أعظم من أن يختلف فيها فقد بينها الشارع الحكيم و لم يدعها لأذواقنا و عقولنا و اجتهاداتنا فجعل التوحيد أولى الأولويات وأهم المهمات وهذا هو الحق و الصواب بلا شك ولا ارتياب و إلى شيء من التفصيل في هذا الباب:
*1إن التوحيد أساس دعوة كل الرسل و الأنبياء عليهم السلام قال
الله تعالى "و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" (25 الانبياء) و قال تعالى "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا
الله و اجتنبوا الطاغوت" (36النحل). فما بعث
الله نبيا و لا رسولا إلا قال"يا قوم اعبدوا
الله ما لكم من اله غيره"كما كان التوحيد دائما محور الصراع و قطب رحى النزاع بين الأنبياء عليهم السلام وأقوامهم من كل الأمم.
*2 لقد كان جوهر دعوة الإسلام في سيرة النبي عليه الصلاة السلام هو
توحيد الملك العلام ففي الصحيحين أن النبي صلى
الله عليه و سلم لما بعث معاذا إلىاليمن قال له: "إنك تاتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه إلىأن يوحدوا الله...".
هذا مع أن أهل الجاهلية فشت فيهم معاص كبرىو موبقات عظمى كقتل النفس ووأد البنات و الزنى و الربا… فلم يكن الشرك هو الذنب الوحيد فيهم و إنما كان أعظم ذنوبهم.
*3إن قبول الأعمال كلها مترتب على التوحيد لقوله عز و جل : "لئن أشركت ليحبطن عملك".(65 الزمر). و ترك التوحيد ذنب لا يغفره
الله عز و جل لقوله "إن
الله لايغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء".بل إن تارك التوحيد توعده
الله عز وجل بقوله " من يشرك بالله فقد حرم
الله عليه الجنة و مأواه النار وما للظالمين من أنصار".(72 المائدة).
*4إن المتأمل لكتاب
الله عز وجل يجد أنه "إما خبر عن
الله و أسمائه و صفاته و هو التوحيد العلمي الخبري و إما دعوة إلى عبادة
الله و حده لا شريك له و خلع ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي و إما أمر ونهي و إلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد و مكملاته و إما خبر عن إكرامه لأهل توحيده و ما فعل بهم في الدنيا و ما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده و إما خبر عن أهل الشرك و ما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد". شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ًص:89
*5لقد بات لزاما على الأمة الإسلامية التي تسلط عليها أعدائها فاحتلوا أرضها و انتهكوا حرماتها، و استباحوا أعراضها أن تقبل على التوحيد اذ به نصرها و فيه سيادتها قال تعالى: "وعد
الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ".
*6لعل نظرة فاحصة لأحوال المسلمين تبين مدى انحراف غالبهم عن الفهم الصحيح لمفهوم كلمة التوحيد إذ مع كونهم يحتفلون بهذه الكلمة و يعظمونها ، نجد صنيع أكثرهم يتنافى وما تقتضيه هذه الكلمة فمن داع لغير
الله أو مستغيث به و من متعلق بالقبور وطائف بها أو مقدم لها الذبائح و النذور و من معلق لتميمة لجلب نفع أو دفع ضر ومن آت للكهنة و العرافين ومصد ق لهم... والله المستعان
.و مع هذا كله بل و غيره نجد من يرفعون أصواتهم منكرين على من جلس يعلم الأمة التوحيد و يزعمون إما بالجهل او التجاهل أن الشرك قد انقضى فليت شعري عن أي شرك يتحدثون و أي انقضاء يقصدون ...
فمما سبق يعلم أن أكبر دليل على انحراف دعوة أو فساد منهج هو عدم اهتمام أهله بالتوحيد أساس الدين و أعظم أوامره و خلاصة دعوة المرسلين فكل دعوة لا ترفع بالتوحيد رأسا فضلا عن أن تحتقره و تزدريه و تعتبره من القشور الجزئيات و الفتات والكمالات فهي دعوة باطلة لا ينبغي سلوكها أو لا يجوز انتهاجها أيا كان رموزها و مهما علا قادتها أو كثرت " منجزاتها".
فحقيق إذن بكل الدعاة الصادقين أن يجعلوا النصيب الأكبر و الحظ الأوفر من اهتمامهم لدعوة الأمة
إلى
توحيد ربها و نبذ الشرك بكل مظاهره و صوره فهذا هو السبيل القويم و الصراط المستقيم المؤدي إلى مرضات
الله عز وجل و الغلبة على أعدائه” و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله”..
أبو إسحاق نور الدين درواش