الفصل الخامس
القصور والدور
- الطريق إلى قصرك .
- أحدث تصميم لقصرك .
- المساكن الطيبة والغرفات .
- عالم الخيام .
- تفاضل القوم .
- جولة داخل القصر .
* عند أبواب القصر .
* السرر والآرائك العجيبة .
* أجود أنواع البسط والوسائد .
* الطريق إلى قصرك : .................................................. .....
هل تعرفين مكان قصرك ؟!
بِ الرغم أنك أختي المشتاقة لم تري الجنة إلا أنك لا تحتاجين إلى دليل أو مرشد سياحي يدلك على قصرك أيتها الملكة ..
لأن الحق تعالى يقول : " ويدخلهم الجنة عرّفها لهم " سورة محمد .
قال مجاهد : يهدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلوا عليها أحداً .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده أن أحدهم بمنزله في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا )
أخرجه البخاري .
فسبحان الله عرّف ودل التائهين وذلك فضل من رب العالمين .
* أحدث تصميم لقصرك : .................................................. ...................
تنفسي الآن بِ عمق .. واملئي صدرك بهذه الرائحة الطيبة .. أنها رائحة المسك تهب من ناحية
تلك القصور الشاهقة التي تنتشر في كل مكان ..
قصور ليست كقصور الدنيا .. بناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضة .
قال الأعمش : إن في الجنة قصوراً من ذهب وقصوراً من فضة وقصوراً من لؤلؤ , وقصوراً من زبرجد .
من الذي يقوى على وصف تلك القصور والدور , أو يحسن التعبير عن النعيم والسرور , والله يقول :
" وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً " سورة الإنسان .
قصورها ذهبٌ والمسك تربتها ** والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها
إن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يا أختي الغالية وحده يمكنه أن يحدثنا بعض الحديث عن تلك القصور ,
وما حوت من النعيم المقيم , فلنستمع إليه بأبي هو وأمي يحدث عن قصر آخر من يدخل الجنة ومنه تدركين
ما سيكون عليه قصور من سبقه وعلا بالجنة .
أطلقي العنان للخيال والبصر في الفضاء فلن تتخيلي هذا الوصف العجيب : ( هذا آخر رجل يدخل الجنة حتى إذا دنا
من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجداً , فيقال له : ارفع رأسك مالك ؟ فيقول رأيت ربي ! فيقال له : إنما هو
منزل من منازلك , ثم يلقى رجلاً فيتهيأ للسجود له . فيقال له : مه !! فيقول : رأيت أنك ملك من الملائكة . فيقول له :
إنما أنا خازن من خزانك , وعبد من عبيدك , فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر , وهو من درة مجوفة سقافها
وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها .. فيقال له أشرف فيشرف , فيقال له : ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصرك ) .
تأملي أيتها الملكة .. قصر من درة !! وهندسة فنية عجيبة كل تفاصيل القصر من نفس الدرة .
يا له من فضل عظيم .
من بعيد تستطيعين أن ترين نوعاً آخر من القصور ..
* المساكن الطيبة والغرفات : .................................................. ........
إنها المساكن الطيبة كما قال تعالى : " ومساكن طيبة في جنات عدن " سورة الصف .
وقد سمى الله في مواضيع من كتابه هذه المساكن بالغرفات , قال تعالى : " وهم في الغرفات آمنون " سورة سبأ ,
وقال أيضاً : " أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً " سورة الفرقان , وقال تعالى واصفا هذه الغرفات :
" لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد " سورة الزمر .
قال ابن الكثير : أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفا في الجنة وهي قصور الشاهقة " من فوقها غرف مبنية "
طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات .
يا له من تصميم وإبداع هندسي رائع فسبحان المبدع !!
وقد وصف لنا المبعوث رحمة للعالمين هذه الغرف , ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها , وباطنها من ظاهرها , أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان
الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام ) رواه الترمذي .
فكم لك وفقك الله من المساكن الطيبة والغرفات على أحدث طراز وأجمل تصميم ليس له مثيل يا من اتصفت بهذه الصفات .
* عالم الخيام : .................................................. ......................
هذه الخيام غير الغرف والقصور بل هي خيام في البساتين وعلى شواطئ الأنهار ..
نعم إنها أفضل من كل الاستراحات وأروع من كل الشاليهات التي يمكن لك أن تتخيليها !!
وكيف يمكن للعقل أن يتخيل مثل هذا النعيم ولكن اسمعي إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يصف خيمة من تلك الخيام :
( في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها سون ميلا ... الحديث ) رواه مسلم .
الخيمة عبارة عن لؤلؤة واحدة مجوفة .. نعم لؤلؤة واحدة عرضها 60 ميلا .. أي ما يقارب 97 كيلو متراً فسبحان الله الخالق !!
فأي لؤلؤة في الدنيا بهذا الحجم !! إنها ليست كلآلئ الدنيا .
نعم لا تتعجبي ..
إنها الجنة نعيم المشتاقات , وخيامها اللؤلؤية على شواطئ أنهارها بهجة الناظرات , فلا تسمعي فيها صراخ
الأطفال أو ضجيج السيارات .. وإنما تسمعين صوت المياه المترقرقة في أنهار الجنة الأربعة .. قال تعالى :
" لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً * إلا قيلاً سلاماً سلاماً " سورة الواقعة .
وهذا وصف لخيمة من صنف آخر ..
فعن ابن عباس رضي الله عنهما : ( خيمة درة من لؤلؤة مجوفة طولها فرسخ وعرضها فرسخ ولها باب من
ذهب حولها سرادق دوره خمسون فرسخا يدخل عليه من كل باب منها ملك بهدية من عند الله عز وجل وذلك قوله تعالى :
" والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " ) .
وكما تنتقلين في الدنيا ما بين قصر إلى ناطحة سحاب وما بين استراحة إلى مزرعة وما بين شاليه وأعلى الجبل
وتقفين أمام النهر وهكذا , فإنك في الجنة تنتقلين من القصور والدور إلى الخيام والغرف والمساكن الطيبة في جنات عدن .
واعلمي أيتها الدرة المكنونة أن ما عند الله خير ولأبقى .
* تفاضل القوم : .................................................. ........................
إن صاحبات النعيم المقيم في جنات النعيم ليتفاةتن في منازلهن ودرجاتهن كما بين الأرض وأبعد
كوكب دريٍّ عنهما , ولذلك فَ المؤمنات المنعمات في الجنة لا يتساوين في حبورهن وسرورهن ,
ومكانتهن وكرامتهن , مع أن مُلك أقل واحدة فيهن مسيرة مائة عام ينفذه بصرها .
وانظري إلى إعجاز القرآن في بيان ذلك التفاوت فقد قال تعالى : " أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات
عند ربّهم ومغفرة ورزق كريم " سورة الأنفال .
فقوله عز وجل : " أولئك هم المؤمنون " الإشارة بالبعيد عن القريب لعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الشرف , وقوله :
" لهم درجات عند ربهم " استعار الدرجات للمراتب الرفيعة والمنازل العالية في الجنة .
والآن أخيتي الغالية تأملي الحديث التالي ..
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من
فوقهم كما يتراءون الكواكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم , قالوا يا رسول الله
تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم , قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ) رواه البخاري .
ويرى الذين بذيلها من فوقهم ** مثل الكواكب رؤية بعيان
سبحان الله ما أعظم تفاوت درجات القوم ..
وما أبعد ما بين قصورهم ومنازلهم تبعاً لكمال إيمانهم في الدنيا وكثرة أعمالهم الصالحة فيها .
* جولة داخل القصر : .................................................. ....................
- عند أبواب القصر
سبحان الله الخالق المبدع تأملي غاليتي إلى حلق الباب ليست كحلق أبواب الدنيا يعتريها الصدأ بفعل
العوامل الطبيعية إنما هي حلق من ياقوت أحمر على صفائح الذهب .. فلا يغركِ من جعلوا حلق أبوابهم
من ذهب في الدنيا .. فما هي بشيء مع أبواب مساكنك بالجنة .
عن قتادة قال : ( أبواب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها تتكلم وتكلم وتفهم ما يقال لها انفتحي انغلقي ) .
ليست تحتاج إلى ريموت أو جهاز تحكم حتى تفتحيها فسبحان الخالق مبدعها .
والآن انطلقي بنا أخيتي .. نتجول في أرجاء قصر من قصورك ..
لنلقي نظرة أخيتي على ..!!
- السرر والآرائك العجيبة
أتركك ـ يا رعاك الله ـ لكلمات القرآن الكريم يحدثنا عن أسرة المشتاقات وأرائكهن , قال تعالى :
" فيها سرر مرفوعة " سورة الغاشية , وقوله عز من قائل : " وفرش مرفوعة " سورة الواقعة .
فتأملي كيف وصف الله سبحانه وتعالى السرر والفرش بأنها مرفوعة , فرفع السرر والفرش دال على سمكها ولينها .
وقال الطبراني في قوله تعالى : " وفرش مرفوعة " : لو أن أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا .
الله أكبر .. ما هذا العلو والارتفاع أي مسيرة أربعين سنة تقريباً !!
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : " وفرش مرفوعة " قال : ( ما بين الفراشين كما
بين السماء والأرض ) رواه أحمد .
وقال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ( ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة
ما بينهما خمسمائة عام ) رواه الترمذي .
وقال ابن عباس رضي الله عنه : ( وذلك أن ولي الله في الجنة على سرير والسرير ارتفاع خمسمائة عام
وهو قول الله عز وجل : " وفرش مرفوعة " ) .
وقال الكلبي : ( طول السرير في السماء مائة ذراع فإن أراد الرجل أن يجلس عليه تواضع له
حتى يجلس عليه فإن جلس عليه ارتفع إلى مكانه ) .
وللجمع بين الحديثين هو أن ارتفاع السرير خمسمائة عام وارتفاع الفرش التي على السرير أربعين سنة والله أعلم .
ثم ما هو حشو وبطائن تلم الفرش التي بهذا الارتفاع !! وأي حشو يكفي لفرش بهذا العلو !!
قال تعالى : " متكئين على فرش بطائنها من استبرق " سورة الرحمن , وهذا يدل على أمرين :
أحدهما : أن ظاهرها أعلى وأحسن وأجمل من بطائنها لأن ظاهرها للجمال والزينة والمباشرة ,
قال سفيان الثوري في قوله عز وجل : " بطائنها من استبرق " قال : هذه البطائن قد أخبرتم بها فكيف بالظهائر .
الثاني : يدل على أنها فرش عالية لها سمك وحشو بين البطانة والظهارة .
واسمعي إلى ترجمان القرآن ابن عباس ما يقول , قال رضي الله عنه : ( والسرير سبعون فراشا حشوها النور
وظواهرها السندس وبطائنها من إستبرق ولو دلى أعلاها فراشا ما وصل إلى آخرها مقدار أربعين عاما ) .
يعني أخيتي لو تأملنا بطائن فرشنا في الدنيا فقد تكون حشوة من ليف وقد تكون حشوة من ريش النعام وقد
تكون من أجود أنواع الإسفنج .. وقد تكون من أفخم أنواع الحرير ..
لكن تأملي في بطائن الفرش التي تتكئين عليها في جنات النعيم , إنها من إستبرق أي أرقى أنواع الديباج ليس
كديباج الدنيا .. وأي ديباج يكفي لفرش بسمك أربعين خريفا .
ثم ـ رحمك الله ـ تأملي في سورة الواقعة قول الحق جل وعلا : " على سرر موضونة * متكئين عليها متقابلين " سورة الواقعة .
والموضونة هي المنسوجة المشبكة بما يسر الناظر , وأضاف الاتكاء والتقابل على السرر للسابقين والسابقات فكان تنعمهم أكثر .
قال ابن عباس : ( سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت ) .
وأي ذهب وزبرجد وياقوت يكفي لنسج سرر في هذا الارتفاع وفي مثل هذا السُمك ولو أن خزائن الدنيا
ومناجمها من اذهب لم تكفي لسرير واحد فسبحان الخالق وحده .
وعلى السرير أريكة وهي من لؤلؤة عليها سبعون سترا من نور ويوق تعالى : " متكئين فيها على الأرائك
لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا " سورة الإنسان , يقول ابن كثير : ( ليس عندهم حر مزعج ولا برد
مؤلم بل هي مزاج واحد دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا ) .
أي أنه تكييف طبيعي لا يمكن لكِ أن تتخيليه ..!!
فسبحان المبدع
- أجود أنواع البسط والوسائد
قال تعالى : " متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان " سورة الرحمن . فالعبقري هي أجود أنواع البسط ,
وسئل الحسن البصري عن قوله تعالى : " وعبقري حسان " فقال : هي بسط أهل الجنة لا أبا لكم فاطلبوها .
وقال تعالى : " ونمارق مصفوفة * وزرابيّ مبثوثة " سورة الغاشية , والمنارق هي المخاد
والوسائد والمساند , والزرابي هي البسط .
وتأملي كيف وصف الله سبحانه وتعالى البسط بأنها مبثوثة والوسائد والمساند بأنها
مصفوفة فبث البسط دال على كثرتها وأنها في كل موضع لا يختص بها صدر المجلس دون مؤخره
وجوانبه وصف المساند يدل على أنها مهيأة للاستناد إليها دائماً مخبأة تصف في وقت دون وقت .
دعاء ..
اللهم اجعلنا من ورثة جنتك وأهلا لنعمتك
وأسكنا قصورها برحمتك
وارزقنا الفردوس الأعلى كرماً ورحمة منك
يا ذا الجلال والإكرام
قريباً ..
الفصل السادس : ( ما لذّ وطاب ) !!