# كنز
الفقراء #
كان فيما مضى ، و لا أدري في أي أرض ، زوجان من أفقر الناس لا يمتلكان شيئا ، و لا شيئا من الشيء . لم يكن معهما خبز ليوضع في السلة ( القفة ) ، و لا قفة. لوضع الخبز ، و لم يكن لهما بيت يضعان فيهما قفتهما ، و لا لهما أرض يبنيان فيها بيتا . كانا بلا أرض و لا بيت و لا قفة و لا خبز .
إنهما تعيسان ...
كانا يشعران بفقد البيت أكثر من فقد الخبز ، إذ يستجديان المحسنين فواضل الخبز ،أما البيت ...
كانا يودان لو قضيا العمر صائمين في مقابل بيت يمكن لهما فيه أن يوقدا نارا ، يوقدانها من أغصان الأشجار ،يصطليان و يتحدثان على وميض لهيبهما .
في الحقيقة ،إن المهم في هذه الدنيا ،الألزم من الغذاء هو ملكية بيت يأوي ، إذ بدون هذه الأربعة حيطان يصبح الإنسان و الحيوان سواء ...
في ليلة حزينة ، ليلة حزينة في وجهيهما بالأخص ، أحسا فيها بتعاسة أكثر من ذي قبل .
ففي تلك الليلة ، كل الأدميين يوقدون نارا ، يصطلون على لظاها . و في تلك الليلة الظلماء و في الطريق العام ، كانا يرتعشان من شدة القر . و إصطدمت أقدامهما بقط ، و إحتج القط على معاملتهما له بعواء .
كان هذا القط بئيسا أكثر بؤسا منهما . لا يملك إلا جلدا يلم عظامه و قليلا من الشعر فوق هذا الجلد ....
و لو كانت فروته خصبة لكان أحسن مما هو الآن ، و لما إلتصق جلده بعظامه ، و لو لم يلتصق جلده بعظامه لأمكنه أن يصيد الفئران ، و لما بقي هزيلا كما هو الآن .
و لكنه لا يملك فروة ، و لا يملك جلدا أو عظاما . لهذا كان بئيسا ،كثيرا البؤس .
كل
الفقراء و البؤساء أسخياء ، و هم يتعاونون فيما بينهم ...
أمسكا القط ، لا ليأكلاه ،بل ليعطياه قليلا من خبز كانت إستجدته الزوجة . و لما أكل القط ذلك الخبز قصدا إلى كوخ متروك ...
لم يجدا في ذلك الكوخ سوى ثقب تنبثق منه أشعة البدر ، عندما يسمح السحاب بذلك ....
غابت أشعة البدر ، و غاب القط معها ، و بقيا هما جالسين في تلك الظلمة الحالكة ، في هذا الكوخ الحالك ، و الذي يزيده حلوكة فقد النار .
قال : لو أمكن لنا إيقاد نار في هذا البرد فنصطلي ، و نتسامر على ضوئها .
و لكن - و أسفاه - لا نار في الكوخ ، لأنهما تعسان كل التعاسة .
و أخيرا تفطنا إلى جمرتين تلمعان في طرف الكوخ ، جمرتان ذهبيتا اللون ... ففركا أيديهما سرورا ؛ و كان الرجل يقول لزوجته : - هل تحسين حلاوة الدفء التي أحس بها ؟ ...يقول ذلك ، وهي تبسط يديها فوق النار ...
-انفخ أنت قليلا .
-كلا ، تدوم الجمرات بلا نفخ أكثر .
و جعلا يتحدثان عن الماضي ، بلهجة ليس فيها أي حزن ، لأنهما شعرا بسعادة ، وهما يتدفآن على أنفاس هاتين الجمرتين .
و هكذا
الفقراء يكفيهم القليل يسعدون به .
و أتما ليلتهما بين الحديث و التدفئة ، و الجمرتان دائمتا الوميض في تلك الزاوية المظلمة من الكوخ .
و عند إنبثاق الفجر ، وجدا نفسيهما أمام عيني ذلك القط الذي أطعماه من خبزهما البارحة .
باتا في دفء من بريق عيني القط ...
و قال القط : كنز
الفقراء وهم !...
* علي الدوعاجي * عن قصته 《سهرت منه الليالي 》