منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع اللغة العربية (https://hwazen.com/vb/f97.html)
-   -   أدبيات اللغة العربية (https://hwazen.com/vb/t21807.html)

عطر الجنة 07-01-2021 02:16 AM

أدبيات اللغة العربية
 





https://img0.liveinternet.ru/images/...3e5ed51b02.gif

أدبيات اللغة العربية



١) تقسيم الكلام العربي إلى منثور ومنظوم

كلام العرب نوعان: منثور، ومنظوم. فالمنظوم: هو الكلام الموزون المُقَفَّى، أي الذي تكون أوزانه كلها على رَوِيٍّ واحدٍ وهو القافية. والمنثور: هو الكلام غير الموزون، وينقسم إلى سَجْع ومُرْسَل. فالسجع: هو الذي يُؤْتى به قِطَعًا ويُلْتَزَم في كل كلمتين منه قافية واحدة. والمرسل: هو الذي يُطْلَق إطلاقًا ولا يُقَطَّع أجْزَاء، بل يُرْسَل إرسالًا من غير تقييد بقافية ولا غيرها، والقرآن الكريم — وإن كان من المنثور — خارج عن نوعيه السابقين، فلا يُسَمَّى مُرْسَلًا مطلقًا ولا مُسَجَّعًا، بل تفصيل آيات ينتهي إلى مقاطع يشهد الذوق بانتهاء الكلام عندها، ثم يُعاد الكلام في الآية الأخرى بعدها من غير التزام حرف يكون سجعًا ولا قافية.
قال ابن رَشِيق في «العُمْدة»: وكان الكلام كله منثورًا فاحتاجت العرب إلى الغِناء بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكْر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأنْجاد، وسُمَحَائها الأجْواد؛ لتَهُزَّ أنْفُسَها إلى الكرم، وتَدُلَّ أبناءَها على حسن الشِّيَم، فتوهَّموا أعارِيض جعلوها موازين الكلام، فلما تمَّ لهم وزْنُه سَمَّوه شعرًا؛ لأنهم شَعَروا به، أي فَطَنوا.
وزعم الرواة أن الشعر كله إنما كان رَجَزًا أو قِطَعًا، وأنه إنما قُصِّد على عهد هاشم بن عبد مناف، وكان أول من قصَّده مهلهِل وامرؤ القيس، وبينهما وبين مجيء الإسلام مئة ونيف وخمسون سنة.
وأوَّل من طوَّل الرَّجَز وجعله كالقصيد الأغْلَب العِجْلي شيئًا يسيرًا، وكان على عهد النبي ﷺ ثم أتى العَجَّاج في الدولة الأموية فافتنَّ فيه، فالأغلب والعجاج في الرجز كامرئ القيس ومهلهِل في القصيد.


وسئل أبو عمرو بن العلاء الحضرمي: هل كانت العرب تُطِيل؟ قال: نعم؛ لِيُسْمَع منها. قيل: هل كانت توجز؟ قال: نعم؛ ليُحْفَظ عنها. ويُستحب عندهم الإطالة عند الإعذار والإنذار، والترغيب والإرهاب، والإصلاح بين القبائل كما فعل زهير والحارث بن حِلِّزَة ومن شابههما، وإلَّا فالقِطَع أطْيَر في بعض المواضع والطوالُ للمواقف المشهورة.
(٢) الكلام على النظم والنثر في عصر الجاهلية

النظم

كان الشاعر العربي يقول الشعر بالبديهة؛ لحِدَّة خاطره، فيرتجل القول ارتجالًا، وقد يتعمد القول في بعض الأحيان ويُجهد خاطره فيه، فقد كان لزهير بن أبي سُلْمَى قصائد لُقِّبَت بالْحَوْلِيَّات، كان ينْظم الواحدة منها ثم يُهَذِّبها بنفسه ثم يَعْرِضها على أصحابه فلا يُشْهرها حتى يأتي عليها حَوْل.

وقد وَلَجَ الشعراء في عصر الجاهلية أبوابًا كثيرة من الشعر، فوصَفوا، ومَدَحوا، وهَجَوْا، وفَخَروا، ودوَّنوا الأخبار، وضربوا الأمثال، ورغَّبوا، وأرهبوا، ولم يتركوا شيئًا وقع تحت حسِّهم حتى تناولوه بمقالهم، فأجادوا وأبدعوا مع سهولة في اللفظ ومتانة في التركيب وتَوَخٍّ للحقيقة وبُعْدٍ عن الغُلُوِّ.

ولقد تركوا فيما تركوه من أشعارِهم ما يمكن أن يُستخرج منه

بيان لعاداتهم وسائر أحوالهم، ومع أن منهم من سكن البادية على خشونة في العيش قد أتوْا في كلامهم بالعجب العجاب من السهولة والانسجام ورائع الحِكم ودقيق الشعور والوِجْدَان، كما ترى ذلك فيما أوردناه في هذا الكتاب من كلامهم وجَيِّد أشعارهم.



وكان الشعر ديوان علمهم، ومستودع حكمتهم، والضابط لأيامهم، وقيد كلامهم، والحاكم لهم، والشاهد عليهم، وله من نفوسهم أسمى مكانة وأرفع قدر. ومما يدلُّك على علوِّ قدر الشعر أن القبيلة من العرب كانت إذا نبغ فيها شاعر أتتها القبائل فَهَنَّأَتْها بذلك، وصنعت الأطعمة، واجتمعت النساء يلعبن كما يصنعن بالأفراح، وتباشروا به؛ لأنه يحمي أعراضهم، ويدفع عن أحسابهم، ويُخَلِّد مآثرهم، ويُشِيد بذكرهم.



وكان للشعر تأثير في النفوس وسلطة عليها، حتى كانت تخشى بأسه الأمراء وتتحاماه الكبراء، وطالما وضع قومًا ورفع آخرين. قال الجاحظ في كتاب «البيان والتبيين»: ومما يدل على قدر الشعر عندهم بكاءُ سيد بني مازن مُخَارِق بن شهاب حين أتاه محمد بن المُكَعْبَر العنبري الشاعر فقال له: إن بني يربوع قد أغاروا على إبلي، فاسْعَ لي فيها، فقال: كيف وأنت جار بني ودَّان؟ فلما ولَّى عنه محمد حزِن مُخَارِق وبكى حتى
بلَّ لِحْيته، فقالت له ابنته: ما يبكيك؟ فقال: وكيف لا أبكي وقد استغاثني شاعر من شعراء العرب فلم أُغِثْه؟! والله لئن هجاني ليَقْضُمَنَّني قَوْلُه، ولئن كفَّ عني ليقتُلَنَّني شُكْره. ثم نهض فصاح في بني مازن؛ فردَّت عليه إبله.





ومما رواه صاحب «الأغاني» وغيره أن أعشى قيس كان يأتي سُوقَ عُكَاظ كل عام، فيتجاذبه الناس في الطريق للضيافة؛ طمعًا في مدحه إياهم والتنويه بهم في عكاظ، فمرَّ يومًا ببني كلاب وكان فيهم رجل يقال له المحلَّق وكان مِئْناثًا مُمْلِقًا له ثَمانِي بَنَات لا يَخْطُبهنَّ أحد لمكان أبيهنَّ من الفقر وخمول الذكر، فقالت له امرأته: ما يمنعك من التعرُّض لهذا الشاعر وإكرامه، فما رأيت أحدًا أكرمه إلا وأكسبه خيرًا؟ فقال: ويْحَك! ما عندي إلا ناقتي، فقالت: يُخْلِفها اللهُ عليك. فتلقَّاه قبل أن يسبقه أحد من الناس، وكان الأعشى كفيفًا يقوده ابنه، فأخذ المُحَلَّقُ بخِطام الناقة، فقال الأعشى: مَنْ هذا الذي غلبنا على خِطام ناقتنا؟ فقيل: المُحَلِّق، قال: شريف كريم، ثم قال لابنه: خَلِّه يقتادها، فاقتادها إلى منزله وأكرمه ونحر له الناقة وجعلت البنات يَدُرْنَ حوله ويبالغن في خدمته، فقال: ما هذه الجواري حولي؟ فقال المحلَّق: بنات أخيك، وهُنَّ ثَمَانٍ نصيبهنَّ قليل، فقال الأعشى: هل لك حاجة؟ فقال: تُشِيد بذِكْري؛ فلعلي أُشْهَر فتُخْطَب بَنَاتي، فنهض الأعشى من عنده ولم يقل شيئًا، فلما وافى عكاظ أنشد قصيدته التي أنشأها

في مَدْحه، وهي نَيْف وأربعون بيتًا، وفيها يقول:
لَعَمْرِي لَقَدْ لَاحَتْ عُيونٌ كَثِيرَةٌ
إلى ضَوْءِ نَارٍ بِاليَفَاعِ تُحَرَّقُ

تُشَبُّ لمَقْرورَيْنِ يَصْطِليَانِهَا
وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلَّق


فسارت القصيدة وشاعت في العرب، ولم تمضِ سنة على المحلَّق حتى زَوَّج بناته ويسرت حاله. ا.ﻫ.


وكان لشعراء العرب أَنَفَة من التكَسُّب بالشِّعر، حتى نشأ النابغة الذُّبْياني قُبَيْل الإسلام فمدح الملوك وقبِل الصِّلَة على الشعر، وجاء بعده الأعشى وقد أدرك الإسلام ولم يُسْلِم فجعل الشعر مَتْجَرًا وانتجع به أقاصي البلاد، وقصد ملك العجم فأثابه وأجزل عطيته، وكان زُهير بن أبي سُلْمَى ممن أفاد بشعره بمدائحه لهَرِم بن سنان. على أن شيئًا من ذلك لم يضَعْ مِن قدر الشعر ولم يَحُطَّ

من قيمته؛ لِقلة مَن كانوا يتكسبون بشعرهم في ذلك العصر.



ومدَّة العصر الجاهلي نحو مئة وخمسين سنة، ومن أشهر ما قيل فيه من الشعر المعلَّقات السبع، وهي سبع قصائد من أجود الشعر العربي، وأحسنه أسلوبًا، ويقال: إنها كُتبت بالذهب على الحرير وعُلِّقت على الكعبة؛ تنويهًا لها وتعظيمًا لشأنها، وكان العرب يتناشدونها في مجتمعاتهم مترنِّمين بما فيها من محاسن الشِّيَم، مُعْجَبين بما اشتملت عليه من المعاني الشريفة والتشبيه الحسن البديع وحسن الوصف ودقة المعنى وغير ذلك من المحاسن. وأصحابها هم: امرؤ القيس، وطَرَفَة بن العبد، وزهير، وعمرو بن كُلْثوم، ولبيد، وعنترة، والحارث بن حِلِّزَة، وكلهم من فحول شعراء الجاهلية.



وممن اشتُهر في العصر الجاهلي من الشعراء غير أصحاب المعلقات وكان من فحول الشعراء: النابغة الذُّبْيَاني، والأعشى، والمُهَلْهِل، وعَبِيد بن الأبْرص، والسَّمَوْءل، والشَّنْفَرَى، ودُرَيد بن الصِّمَّة، وأوْس بن حُجَر، وحاتم الطائي.

النثر

قد أُثِر عن العرب من منثورهم في العصر الجاهلي بعضُ الأمثال والحِكَم والخُطَب والوصايا مما عَلِق بالضمير لحسنه وحَرَصت عليه النفس لنفاسته.
  • الأمثال: جمع مَثَل، وهو جملة من القول مقتطعة من أصلها أو مرسلة بذاتها، فتُنْقَل عما وردت فيه إلى ما يصح قصده بها من غير تغيير يلحقها في لفظها.
  • والعرب من أكثر الأمم أمثالًا؛ للحكمة المُودَعة في نفوسهم، ولفصاحة ألسنتهم، وميلهم إلى الإيجاز في القول. وقد أُلِّفت مجموعات للأمثال وطُبِع بعضها، ومن ذلك مجموعة للميداني جَمع فيها أكثر من ستة آلاف مَثَل.

  • الحِكَم: جمع حِكْمة، وهي الكلام المعقول الموافق للحق المصون عن الحشو. والعرب من أكثر الأمم إيرادًا للحكمة في عبارات حسنة الأسلوب متينة التركيب، كلها من جوامع الكلم، صادرة عن خبرة ودراية وصفاء نفس.

  • الخُطَب والوصايا: الخُطب جمع خُطْبة، والوصايا جمع وصيَّة، وكلٌّ من الخطبة والوصية يُرادُ به جملة من القول يُقصد فيها إلى الترغيب فيما ينفع الناس من أمور معاشهم ومعادهم والتنفير مما يضرهم، وقد تشتمل على الفخر والمدح ونحو ذلك.
  • والفرق بين الخطب والوصايا أن الخطب
  • تكون في المَشَاهد والمَجَامع والأيام والمواسم والتفاخر والتشاجر ولَدَى الكُبَراء والأُمَراء، ومن الوفود في أمرٍ مُهِمٍّ وخطب مُلِمٍّ. وأما الوصايا فإنها تكون لقوم مخصوصين في زمن مخصوص على شيء مخصوص، وكثيرًا ما كانت تصدر من شخص لعشيرته أو سيد لقبيلته عند حلول مرض أو محاولة نُقْلة أو ما شابه ذلك.
وسيَرد عليك في هذا الكتاب أمثلة لكل ما تقدَّم تُفَصِّل لك مُجْمَلَه وتُوَضِّح لك مبهمَه.



السبب الذي دعا العرب إلى الخَطَابة وما يتعلق بذلك:١
لا يخفى ما كانت عليه العرب أيام جاهليتهم من الأنَفَة والتفاخر بالأحساب والأنساب والمحافظة على شرفهم وعلوِّ مجدهم وسؤددهم، حتى حدث ما حدث بينهم من الوقائع العظيمة،
ولا شك أن كل قوم يتفق لهم مثل ذلك هم أحوج الناس إلى ما يستنهض هممهم، ويوقظ أعينهم، ويقيم قاعدهم، ويشجع جَبَانهم، ويشدُّ جَنَانَهم، ويثير أشجانهم، ويستوقد نيرانهم؛ صيانة لعزهم
أن يُسْتَهان، ولشوكتهم أن تُسْتَلَان، وتَشَفِّيًا بأخْذ الثار، وتَحَرُّزًا

من عار الغلبة وذُلِّ الدَّمَار، وكل ذلك من مقاصد الخطب والوصايا، فكانوا أحوجَ إليها بعد الشعر لتخليد مآثرهم وتأييد مفاخرهم.



ولقد كان لكل قبيلة من قبائلهم خطيب كما كان لكل قبيلة شاعر على ما ذكره الجاحظ في كتاب «البيان». وقد أُلِّف في خطبهم كتب كثيرة، وذكر الجاحظ في «البيان والتبيين» نبذة صالحة من خطب الجاهلية والإسلام، وكذا ابن عبد ربه في «العقد الفريد».


وكان للعرب اعتناء بالخطيب في جاهليتهم، وللخطباء عناية بخطبهم، فكانوا يتخيرون لها أجزل المعاني وينتخبون لها أحسن الألفاظ؛ تحصيلًا لغرضهم، ونيلًا لمقصدهم، فإن الألفاظ الرائقة والمعاني الجزلة أوقع في النفوس وأشدُّ تأثيرًا في القلوب؛ ولذلك ورد: «إنَّ من البيان لسِحْرًا.»



والأُذُن للكلام البليغ أصْغَى وأوْعَى، والترغيب في العاجل والإرهاب في الآجل اللذان هما من أهم مقاصد الخَطابة ومطالبها العالية إن لم يكونا بعبارات تَخْلُب القلوب وتأخذ بمجامعها فلا تأثير فيهما ولا فائدة منهما.



ومن عاداتهم في الخطابة أن الخطيب إذا تفاخر أو تنافر أو تشاجر رفع يده ووضعها وأدَّى كثيرًا من مقاصده بحركات يده، فذاك أعون له على غرضه وأرهب للسامعين له وأوجب لتيقظهم.
ومن عاداتهم فيها أخْذ المِخْصَرة بأيديهم، وهي ما يُتوكأ عليه كالعصا ونحوها، وكانوا يعتمدون على الأرض بالعِصِيِّ ويشيرون بالعصا والقنا، وكانوا يستحسنون في الخطيب أن يكون جهير الصوت؛ ولذا مدحوا سعة الفم وذموا صغره.



ومن فحول خطباء الجاهلية قُسُّ بن ساعدة الإِيَادي، وأكْثَم بن صَيْفي التميمي، وذُو الإصْبَع العَدْواني، وعمرو بن كُلْثوم التَّغْلبي، وقيس بن زهير.




https://img0.liveinternet.ru/images/...3e5ed51b02.gif


عطر الجنة 07-01-2021 02:23 AM

رد: أدبيات اللغة العربية
 


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


(٣) أسواق العرب في الجاهلية واهتداؤهم إلى تهذيب لغتهم وتوحيدها وعنايتهم بذلك

كان للعرب أسواق يقيمونها في أوقات معينة وينتقلون من بعضها إلى بعض للبيع والشراء، وكان يحضرها العرب بما عندهم من المآثر والمفاخر ويتناشدون الأشعار ويلقون الخطب، وكانوا يتحاكمون إلى قضاة نصَّبوا أنفسهم لنقد الشعر وبيان غَثِّه من سمينه وتفضيل شاعر على آخر، فكانوا يُفَضِّلون من سَهُلت عِبَارَته وكان لها النصيب الأوفر من الفصاحة وحسن البيان مع التحرز من العيب والابتعاد عن النقص، ويتخيرون من لغات العرب ما حلا في الذوق وخف على السمع. فكانت هذه الأسواق أندية علمية ومجتمعات لغوية أدبية، اهتدى بها العرب إلى تهذيب لغتهم لفظًا وأسلوبًا وجَعْل لغة الشِّعر والخَطَابة لغة واحدة بين جميع القبائل باذلين في ذلك جهد المستطيع، منها مَجَنَّة وذو المَجَاز وعُكَاظ.

وأشهر هذه الأسواق سوق عُكَاظ مِنْ عَكَظَه يَعْكِظه عَكْظًا: عَرَكَه، وهي موسم للعرب من أعظم مواسمهم، وعكاظ نخل في وادٍ بين نخلة والطائف من بلاد الحجاز وبينه وبين الطائف عشرة أميال، وكانوا يتبايعون في هذه السوق ويتعاكظون ويتفاخرون ويَتَحَاجُّون وينشد الشعراء ما تجدَّد لهم، وقد كثر ذلك في أشعارهم كقول حسان:
سَأَنْشُرُ إنْ حَيِيتُ لَهُمْ كَلَامًh
يُنَشَّرُ في المَجَنَّة مَعْ عُكَاظ

وفيها كان يخطب كل خطيب مِصْقَع. وكان كل شريف إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ فإنهم كانوا يتواتَوْن بها من كل جهة، ومن كان له أسير سَعَى في فِدائه، ومن كانت له حكومة ارتفع إلى الذي يقوم بأمر الحكومة.

وكانت تقوم هذه السوق من أول ذي القَعْدة إلى العشرين منه على المشهور، واتُّخِذت عكاظ سُوقًا بعد عَامِ الفِيل بخمس عشرة سنة، وتُركت بعد أن نهبها الخوارج سنة تسع وعشرين ومئة.

ولعكاظ فضل على اللغة العربية في العصر الجاهلي، إذ لولاها لأصبحت لغة العرب لغات لا يتفاهم أصحابها وانفصلت كل منها عن الأخرى وقتًا ما؛ ذلك لأن لغات القبائل العربية كان بينها تفاوت في اللهجة والأسلوب واللفظ، وكان هذا التفاوت يقل ويكثر تبعًا لضعف وقوَّة العلاقات التي ترتبط بها قبيلتان أو عدَّة قبائل، وتبعًا لاختلاف عوامل المكان والزمان والاجتماع التي يؤثر اختلافها أعظم تأثير في اللغة. فلما عَظُم شأن عكاظ وأمَّها الشعراء والخطباء من كل مكان، كان معظم همهم انتقاء الألفاظ الفصيحة المشهورة عند أكثر القبائل لا سيما قريش؛
طمعًا في أن تنتشر أقوالهم بين العرب كافة.
قال قتادة: كانت قُرَيش تَجْتَبي — أي تختار — أفضلَ لغات العرب حتى صار أفضل لغاتها لغتها فنزل القرآن الكريم بها، ولو اتبع كل شاعر أو خطيب لهجة قومه ولغة قبيلته وحدها لم يجد من يستحسنها غيرهم ووقفت عن الشهرة ولم تروها القبائل الأخرى فيفوته الافتخار بها.

وبذلك كان الشعراء والخطباء يبثون وحدة اللغة في أشعارهم وخطبهم فيما بين القبائل
المختلفة متبعين في ذلك لغة قريش غالبًا، وإنما اختاروا هذه اللغة على غيرها لما كان لها من السيادة على لغات قبائل الحجاز ونجد، ولما كان لقريش من رفيع القدر وعلو المنزلة بين
جميع العرب.

(٤) تاريخ الكتابة والخط عند العرب

كان الغالب على العرب في بعض عصر الجاهلية الأمِّيَّة، والذين يعرفون الكتابة والقراءة منهم نفر قليل جدًّا. والزمن الذي ابتدئ فيه باستعمال الخط العربي قديم غير معيَّن. وأوَّل من كتب بالعربية على أشهر الأقوال أهل اليمن قوم هود — عليه السلام — وكانوا يسمون خَطَّهم ﺑ «المُسْنَد» وهو الخَطُّ الحِمْيَري، وكانوا يكتبونه حروفًا منفصلة ويمنعون العامَّة من تعلمه، حتى تعلمه ثلاثة نفر من طيئ فتصرفوا فيه وسموْه ﺑ «خط الجزم»؛ لأنه اقتُطع من خط حِمْيَر، ثم علَّموه أهل الأَنْبار ومن الأنبار انتشرت الكتابة العربية، فأخذها عنهم أهل الحِيرة وتداولوها، ولما قدم الحيرة حَرْب بن أمَيَّة القُرشِي جدُّ معاوية بن أبي سفيان نقل هذه الكتابة من الحيرة إلى الحجاز بعد أن عاد إلى مكة.

والصحيح أن أهل الحجاز إنما لُقِّنُوا الكتابة من الحيرة ولُقِّنها أهل الحيرة من التبابعة وحِمْيَر كما ذكره ابن خلدون، قال: وقد كان الخط العربي بالغًا مَبَالغه من الإتقان والإحكام والجودة في دولة التبابعة؛ لِمَا بلغت من الحضارة والتَّرَف، وانتقل منها إلى الحِيرة لِمَا كان بها من دولة آل المنذر نُسَبَاء التبابعة والمجدِّدين لملك العرب بأرض العراق.

(٥) العلوم والمعارف عند العرب في عصر الجاهلية

العرب غير البائدة يرجعون إلى أصلين، وهما: قحطان، وعدنان. أما قحطان — وهم عرب اليمن — فقد كانوا على جانب عظيم من المدنية والحضارة، والغالب منهم سكن البلاد المعمورة، وبنوا القصور، وشيدوا الحصون، وكانت لهم مدن عظيمة قد شرح حالها أهل الأخبار شرحًا وافيًا، وكان لهم ملوك وأَقْيَال دوَّخوا البلاد وأوغلوا في الأرض واستولوا على كثير من أقطارها شرقًا وغربًا. كل ذلك يدل على وقوفهم على العلوم التي لا بد منها في حفظ النظام وعليها مدار المعاش وسياسة المدن وتدبير المنازل والجيوش وتأسيس الأمصار وإجراء المياه، مما لا يمكن وجوده مع الجهل وعدم المعرفة.

وأما بنو عدنان ومن جاورهم من عرب اليمن بعد أن فرقتهم حادثةُ سيل العَرِم، فقد كانوا على شريعة موروثة وعلم منزَّل، وهو ما جاء به إبراهيم وإسماعيل — عليهما السلام — إلى أن اختل أمرهم وتغير حالهم فاشتغلوا بما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنْوَاء والنجوم أو من الحروب ونحو ذلك. وكان لهم حظ وافر من معرفة الطب المبني في غالب الأمر على التجربة، وكذلك التاريخ فقد تضمن شعرهم شيئًا كثيرًا منه. غير أن تدوين شيء من ذلك في عصر الجاهلين لم يكن؛ لغلبة الأمِّية والاعتماد على الذاكرة، وقد نُقل ما نُقل منه بالرواية والسَّماع، وكان يقال لهم «الأمَّة الأمِّية»، قال تعالى هُوَ الذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. ا.ﻫ. بتصرف من كتاب «بلوغ الأرب في أحوال العرب».

وقال ابن خلدون وياقوت: ما كان في القديم لأحد من الأُمَم في الخليقة ما كان للعرب من المُلْك، ودُوَلُ عادٍ وثمود والعَمَالِقة وحِمْيَر والتَّبَابعة شاهدةٌ بذلك، وقد ملكوا مصر والروم، واستعملوا عليها أحد القياصرة، وتوغلوا في الهند والصين وبلاد الفرس والترك والتُّبَّت، وأخذوا الأتَاوَى من القسطنطينية، وذكروا ذلك في أشعارهم، وغير ذلك مما لا نطيل به، ثم دولة مضر في الإسلام بني أمية وبني العباس.


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


عطر الجنة 07-01-2021 02:38 AM

رد: أدبيات اللغة العربية
 

https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


(٦) حالة اللغة العربية وآدابها من ابتداء ظهور الإسلام إلى الدولة العباسية

جاء الإسلام ولغات العرب ولهجاتهم متشعبة، غير أن لغتين منها كانت لهما السيادة على سائرها؛ الأولى: لغة قريش، وكانت في مكة وما جاورها، والثانية: لغة حِمْيَر، وكانت في بلاد اليمن.

وقد تقدَّم في الكلام على عكاظ أن الشعراء والخطباء كانوا يُؤْثِرون لغةَ قريش على سائر لغات العرب ويَبُثُّونها بين القبائل كافة في خطبهم وأشعارهم، وكان ذلك قبل ابتداء نزول القرآن الكريم بنحو خمس وعشرين سنة.

ولما كان القرآن الحكيم منزَّلًا بلغة قريش أصبحت السيادة لها على لغة حمير وغلبت عليها وعلى جميع لغات العرب، ودَانَ لها الخطباء والشعراء وسائر المتكلمين بالعربية، وصارت بعد ذلك هي اللغة المُتَداولة في المكاتبات والمؤلفات في جميع العلوم إلى يومنا هذا، والفضل في بقائها وحفظها إنما يرجع إلى الكتاب المجيد وحده، ولما فتح المسلمون بلاد الشام والعراق والفرس ومصر وأفريقية والمغرب وغير ذلك من البلاد، انتشرت اللغة العربية بانتشار العرب وتغلبت على لغاتها الأصلية، ولكنها لم تَعُمَّ جميع الناس دفعة واحدة شأن كل لغة جديدة في مبدأ انتشارها.

ولقد كان هذا الانتشار سببًا لظهور اللحن على لسان مَنْ تكلم بالعربية من غير أهلها، وكذا على لسان بعض أهلها من المخالطين لهؤلاء. وهذا أمر كان مُتَوَقَّع الحصول؛ لأن اللغة مَلَكة صناعية تؤخذ مفرداتها وأساليبها بالتلقين.

فالمتكلم من العرب حين كانت ملكة اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطبتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم، كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها، فيُلَقَّنها أوَّلًا ثم يسمع التراكيب بعدها فيُلقَّنها كذلك، ثم لا يزال سماعهم يتجدَّد في كل لحظة ومن كل متكلم، واستعماله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة ويكون كأحدهم. فلما خالط العرب غيرهم صار الناشئ منهم يسمع في العبارة عن المقاصد كيفيات أخرى غير الكيفيات التي كانت للعرب فيعبر بها عن مقصوده ويسمع كيفيات العرب أيضًا، فاختلط عليه الأمر وأخذ من هذه وهذه. ولقد وفَّى ابن خلدون في مقدمته هذا المقام حقه من البيان.

وإنك لترى اليوم من المتكلمين بلغتنا من الإفرنج ما يوضح لك ذلك من لهجتهم وأساليب عباراتهم، التي هي في الحقيقة أساليب لغتهم الأصلية صبغوها بصبغة عربية.

ولقد ظهر شيء من اللحن في كلام الموالي والمتعرِّبين من أوَّل عهد الإسلام، من ذلك
ما رُوي أن رجلًا لحن بحضرة النبي ﷺ فقال: «أرْشِدوا أخاكم فقد خَلَّ.» وكتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى عمر — رضي الله عنه — فلحن، فكتب عمر إلى أبي موسى أن «اضرب كاتبك سوطًا واحدًا.» غير أن اللغة في العصر الأوَّل كانت ملكتها مستحكمة وما ظهر من اللحن كان يسيرًا، وفي أوائل الدولة الأموية أخذ اللحن يفشو وينتشر وانتقل من الأعاجم إلى العرب أنفسهم من أبناء الخلفاء والأمراء والخاصة والعامَّة. ومن شواهد ذلك أن زِيَادًا لما أوْفَد ابنه عُبَيد الله إلى معاوية كتب إليه معاوية أن «ابنك كما وَصَفْتَ ولكن قَوِّمْ لِسانَه»، وجاء رجل إلى زياد — وهو أمير البصرة — فقال: «أصلح الله الأمير! تُوُفِّي أبانا وترك بَنُونًا»، فقال زياد متعجِّبًا مُنْكِرًا: «توفي أبانا وترك بنونًا!» وقالت ابنة أبي الأسود الدُّؤَلي له يومًا: «ما أحسنُ السماءِ؟» فقولي: ما أحسنَ السماءَ! وافتحي فاك.» وسمع أبو الأسود قارئًا يقرأ قوله تعالى: أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بجرِّ «رسوله»، فأكبر ذلك وقال: «عز وجه الله أن يبرأ من رسوله!» وكان هذا سببًا في وضع علامات الإعراب للمصحف بأمر زياد.

وقال الحجاج يومًا للشَّعْبي: «كم عطاءَك؟» فقال: «ألْفَين»، قال: «ويحك! كم عطاؤك؟» فقال: «ألفان»، قال: «كيف لحنت أوَّلًا؟» قال: «لحن الأمير فلحنت، فلما أعرب أعربت.» وقيل لعبد الملك بن مَرْوان: «لقد عَجِل إليك الشَّيْب يا أمير المؤمنين»، فقال: «شَيَّبَني ارتِقاءُ المَنَابر وتَوَقُّعُ اللحْن.» وكان الوليد بن عبد الملك كثير اللحن وله في ذلك نوادر كثيرة.
الكتابة والخط

كان انتشار الكتابة قبل الإسلام قليلًا بين العرب كما تقدَّم، ومنذ عصر النبي ﷺ انتشرت الكتابة للحاجة إليها في كتابة الوحي والرسائل التي كان يُنْفِذها رسول الله ﷺ إلى الملوك والأمراء، وقد أمر بعد غزوة بدر مَنْ لم يكن له فداء من الأسْرَى أن يُعَلِّمَ عشرة من أطفال المسلمين الكتابة.

ولما كثرت الفتوح في مدَّة أمير المؤمنين عمر — رضي الله عنه — وَضَع دِيوانَ الخَرَاج وديوان الجيش لضبط الأعمال، وكان ذلك في المحرم سنة عشرين.

وقد كان ديوان الخراج والجِبَايات في بلاد العراق والشام ومصر يُكتب فيه بغير العربية إلى زمن عبد الملك بن مروان وابنه الوليد حين ظهر في العرب ومواليهم مَهَرة في الكتابة والحساب، فنُقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية، والذي نقله هو صالح بن عبد الرحمن كاتب الحجاج، وكان يكتب بالعربية والفارسية. ونُقل ديوان الشام من الرومية إلى العربية، والذي نقله هو سليمان بن سعد والي الأُرْدُنِّ، وأكمله لسنة من ابتدائه، ووقَف عليه كاتب عبد الملك فقال لِكُتَّاب الرُّوم: «اطلبوا العيش من غير هذه الصناعة، فقد قطعها الله عنكم.» ونُقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية، والذي نقله هو عبد الله بن عبد الملك بن مروان في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة سبع وثمانين، وأصبحت الدواوين الإسلامية بعد ذلك تكتب كلها بالعربية.

وأوَّل كتاب كُتب باللغة العربية هو القرآن الكريم، وقد كُتبت المصاحف العثمانية بخط الجزم (وسُمي بالخط الكوفي بعد إنشاء الكوفة)، واستُعمل في عهد بني أمية مع ترقيه في درجات الحسن تبعًا لحضارة الأمَّة. وقد كان المصحف خاليًا من الشَّكل والنقط، غير أنه لكثرة المسلمين بسرعة انتشار الدين وظهور اللحن والتحريف خُشيَ على القرآن الكريم من ذلك، فقام أبو الأَسْوَد الدُّؤلي وَوَضع له علامات الإعراب في أواخر الكلمات بصِبْغ يُخالِف لَون المِداد الذي كُتب به المصحف، وجعل علامة الفتح نُقْطة فوق الحرف، والضم نقطة إلى جانبه، والكسر نقطة في أسفله، والتنوين مع الحركة نقطتين، وذلك في خلافة معاوية. ثم إن الحجاج في مدَّة عبد الملك بن مروان أمر نصر بن عاصم أن يضع له النقط والشكل لأوائل الكلمات وأواسطها، وخالف في ذلك طريقة أبي الأسود لئلا يلتبس النقط بالشكل.

وبعد ذلك جاء الخليل بن أحمد فتمم بقية علامات الإعجام (الشكل) كالشَّدَّة والصِّلَة والقطعة، وهذَّب جميع العلامات فجعل الضمة واوًا صغيرة فوق الحرف، والكسرة ياء صغيرة تحته، والفتحة ألفًا مسطوحة فوقه، والشَّدة رأس سين، والصلة رأس صاد، وسمى كل هذه العلامات ﺑ «الشكل» أخْذًا من «شِكَال الدابة» الذي تُقيَّد به، فكأن شكل الكلمة يقيدها عن الاختلاف فيها.

وكان المعروف من الخط في ذلك العصر نوعين؛
أحدهما يستعمل في كتابة المصاحف ونحوها والمسكوكات مما يُحْتاج فيه إلى التَّأنُّق والإجادة وحُسْن النَّسَق، وثانيهما يُستعمل في كتابة الرسائل ونحوها مما يُطلَب فيه الإسراع ولا يُحتاج فيه إلى التأنق وزيادة التحسين. والنوع الأوَّل هو المعروف بالخط الكوفي، وأما النوع الثاني فإنه أصل خط النَّسْخ، ارتقى في الحُسْن والجَوْدة شيئًا فشيئًا حتى تحوَّل إلى ما هو عليه اليوم.

ثم إن الخط بنوعيه انتقل إلى الأمصار التي انتشر فيها الإسلام وتنوَّعت أشكاله ورسومه، فانتقل في عصر الأمويين إلى أفريقية وتولد منه الخط المغربي المستعمل الآن في المغرب الأقصى والجزائر وتونس وطَرَابُلس.

النثر والنظم وفضل القرآن الكريم على اللغة العربية في تهذيبها وترقيتها


قد أخذت اللغة العربية عند ظهور الإسلام وِجْهَةً دِينِيَّة من القيام بالدعوة إلى الدِّين والوعظ وتبيين العقائد الصحيحة وقواعد الإسلام وأصوله وأحكامه وحِكَمه وآدابه.

وإنك لترى في كلام الصدر الأول من أهل الإسلام الحَثَّ على اتِّباع الدين والتمسك به، وإعلاء كلمة الحق، والعمل للآخرة، والأخذ من الدنيا بنصيب، والتحذير من الاسترسال مع الشهوات والأهواء والنظرِ إلى خيرات الأقاليم التي فتحها المسلمون والتطلع إليها؛ خوفَ الوقوع في الزَّلَل، فترى رسائل هذا العصر المنير وخُطَبه تُرَدِّد صدى الكتاب العزيز حاثَّة على الفضيلة مُنَفِّرة من الرذيلة، وكُلُّها جاء فيه اللفظ تابعًا للمعنى لم يُتَعَمَّد فيه ضَرْب من ضروب الصنعة الكلامية، صادرة عن شعورٍ حَيٍّ ووجْدان صادق، ولذا نَفَذت إلى سُويداء القلوب وأصابت مواقع الوجدان. وإذا كان الكلام خارجًا من القلب فإنه يقع في القلب، وإذا لم يكن صادرًا إلا عن اللسان فإنه لا يتجاوز الآذان.

وقد قضت هذه الحكم والمواعظ والخطب والنصائح على الرذائل والأوهام بالزوال، وفَسَّحت للفضائل والحقائق فرأت أهلًا ومكانًا سهلًا، فتحلَّت بها النفوس والعقول، وقويت العزائم، وعَلَتِ الهِمَم فساد المسلمون جميع الأمم.

ويرى الناظر إلى حالة اللغة في عصر الدولة الأموية أنها انتقلت إلى حالة أجمل مما كانت عليه؛ لانتقال القوم من البداوة إلى الحضارة، ومن سكنى الخِيام إلى سكنى القصور، فاتسعت مداركهم وزادت تَجَارِبُهم، وقوِي فيه الخيال، وكثرت التصورات، وانتقلوا من حال إلى حال، فأشعر ذلك نفوسَهم معانيَ جديدة ووِجدانًا وعلمًا لم يكونا من قبل، فاحتاجوا إلى العبارة عن ذلك بما يلائمه من الألفاظ والتراكيب، وساعدهم على صوغ العبارات في القالَب اللائق بها قوة اللغة واتساعها وأخذهم بزمامها، وقد ظهر ذلك في خطبهم ورسائلهم ظهورًا بَيِّنًا.

وكانت موضوعاتها في الغالب الوَعْظ والإرشاد، والذَّوْد عن الحقوق، وإيقاف الأطماع عند حَدِّها، وكَبْت الخارجين، وتأليف الأحزاب، وتوحيد الكلمة.
وكانت العبارات لا تزال آخذة أسلوبًا حَيًّا مؤثِّرًا مع إحكام صنعةٍ وحسن عبارة وجودة مقاطع.


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


عطر الجنة 07-01-2021 03:06 AM

رد: أدبيات اللغة العربية
 


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


(٧) الخَطَابة

كانت خُطَب الصدر الأول من الإسلام في أسمى طبقات الفصاحة والبلاغة كما ترى ذلك في خطب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين، كمعاوية وزِيَاد وعبد الملك والحجَّاج وقَطَرِيِّ بن الفُجَاءة وأبي حمزة وواصل بن عطاء. والفضل في ارتقاء الخَطابة يرجع إلى الكتاب المبين من وجوه كما بَيَّن ذلك صاحب كتاب «أشهر مشاهير الإسلام»، قال في بيان هذه الوجوه:

(١) إن القرآن الكريم وإن نزل بلغة القوم التي بها يتخاطبون وبفصاحتها يتفاخرون،
إلَّا أن أساليبه العالية التي أعجزت خطباءهم وفصحاءهم وأخذت بمجامع قلوبهم ألْبَسَتْهم مَلَكة من البلاغة في تَخَيُّر الأساليب غَيَّرت مَلَكَتهم الأولى، وأطْلَقَت ألسنَتَهم من الوحشية والتعمُّق الذي كان دَيْدَن كثير من خطبائهم، حتى إنهم كانوا يعيبون الخطيب المِصْقَع إذا لم يكن في كلامه شيء من آي القرآن؛ روى الجاحظ أن العرب كانوا يستحسنون أن يكون في الخطب يوم الحفل وفي الكلام يوم الجمع آيٌ من القرآن، فإن ذلك مما يورث الكلام البهاء والوقار وحسن الموقع.

(٢: ما جاء في القرآن من الترغيب والإرهاب على الأسلوب البالغ حد الإيجاز، وما كان له من التأثير في الضمائر والأخذ بشكائم النفوس؛ أعانهم على التفنن في أسالب الوعظ الخطابي عند حلول الأزمات، أو الحاجة إلى تأليف قلوب الجماعات، حتى لقد كان الخطيب البليغ يدفع بالخطبة الواحدة من المُلِمَّات ما لا يُدْفَع بالبِيض المُرْهَفات، ويملك من قلوب الرجال ما لا يُمْلَك بالبِدَر والأموال.

(٣) إن الإسلام — بما هَذَّب مِن أخلاقهم، وألَانَ من طباعهم، وعَدَّل من شِيَمهم — أدخل من الرقة على عواطفهم ما رقَّ به كلامهم وكَثُر للمعاني المؤثرة في النفوس اختيارهم في مخاطبتهم وخطبهم.

(٤) إن الإسلام — بما مهد لهم من سبيل الفتح ومخالطة الأمم، وبما منحهم من سعة السلطان والسيادة على الشعوب — وفَّرَ لهم الأسباب الداعية إلى التوسع في الخطابة بما تتطلبه حاجة التوسع من الملك وتقتضيه عادات الأمم المحكومة وأخلاقها. ا.ﻫ. بتصرف يسير في العبارة.

وكان الخطباء في هذا العصر يمسكون بيدهم العصا أو المِخْصرة كما كان عليه خطباء الجاهلية، قال عبد الملك بن مروان: لو أَلْقَيْتُ الخَيْزُرانة من يدي لذَهَب شَطْر كلامي.

الرسائل
في صدر الإسلام كانوا يكتبون من فلان إلى فلان، وجرى على ذلك الصحابة والتابعون حتى وُلِّي الوَليد بن عبد الملك، فأمر ألا يكاتِبه الناس بمثل ما يكاتِب بعضهم بعضًا، وبقي الحال كذلك إلا ما كان من عمر بن عبد العزيز ويزيد بن الوليد حيث اتبعا السُّنة الأولى، وبعد ذلك رجع الأمر إلى ما كان عليه الوليد.

وفي أواخر الدولة الأموية أخذت الرسائل أسلوبًا غير الذي كانت عليه، ودخلتها الصنعة والقصد إلى تنميق اللفظ. وابتدأ ذلك الانقلاب بعبد الحميد بن يحيى الكاتب، وهو أوَّل الطبقة الثانية من الكُتاب، وكانت الرسائل قبل عبد الحميد موجزة غالبًا ثم طُوِّلت لاقتضاء المقام تطويلها.

النظم
قد انصرف العرب عن الشعر والمنافسة فيه في أوَّل عصر الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبوَّة والوحي وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه، فَأُخْرِسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض في النظم والنثر زمانًا، ثم استقر ذلك وأُونسَ الرُّشْد من المِلَّة ولم ينزل الوَحْي في تحريم الشعر وحَظْره، وسمعه النبي ﷺ وأثاب عليه فرجعوا حينئذ إلى دَيْدَنهم منه. وكان لعُمَر بن أبي ربيعة كبير قريش لذلك العهد مقامات فيه عالية وطبقة مرتفعة، وكان كثيرًا ما يَعْرِض شِعْره على ابن عباس، فيقف لاستماعه مُعْجَبًا به. ثم جاء من بعد ذلك المُلْك والدولة العزيزة، وتَقَرَّب إليهم العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها، ويجيزهم الخلفاء بأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهم ومكانهم من قومهم، ويَحْرِصون على استهداء أشعارهم يَطَّلِعون منها على الآثار والأخبار واللغة وشرف اللسان، والعرب يطالبون وليدهم بحفظها. ولم يزل هذا الشأن
أيام بني أمية وصدرًا من دولة بني العباس. ا.ﻫ. من المقدِّمة لابن خلدون، من الفصل الخمسين، من الكلام على العلوم.

وقال حَمَّاد الراوية: أمَرَ النُّعمانُ فنُسِخت له أشعار العرب في الطُّنُوج، أي الكراريس، فكُتِبت له ثم دَفَنها في قَصْره الأَبْيض.

فلمَّا كان المختار بن عُبَيد قيل له: إن تحت القصر كنْزًا؛ فاحتَفَره فأخرج تلك الأشعار،
فمِن ثَمَّ كان أهل الكُوفة أعلم بالأشعار من أهل البَصرة. وقال ابن خلدون أيضًا: إن كلام الإسلاميين من العرب أعلى طبقة في البلاغة من كلام الجاهلية في منثورهم ومنظومهم، فإنَّا نجد شعْر حَسَّان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحُطَيْئة وجَرِير والفَرَزْدق ونُصَيْب وغَيْلان ذي الرُّمَّة والأحْوص وبَشَّار، ثم كلام السَّلَف من العرب في الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، في تَرَسُّلهم وخُطَبهم ومُحَاوَرتهم للمُلُوك؛ أرفع طبقة في البلاغة من شعر النابِغة وعنترة وابن كُلْثوم وزُهَيْر وعَلْقمة بن عَبَدَة وطَرَفة بن العَبْد، ومن كلام الجاهلية في منثورهم ومحاورتهم.

والطبع السليم والذوق الصحيح شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلاغة، والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن الكريم والحديث الشريف اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثلهما؛ لكونها وَلَجَت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم، فنهضت طِبَاعهم، وارتقَت مَلَكاتهم في البلاغة على مَلَكات مَن قَبْلَهم من أهل الجاهلية مِمَّن لم يَسْمَع هذه الطَّبَقة ولا نشأ عليها، فكان كلامُهم في نَظْمهم ونَثْرهم أحسنَ دِيباجةً وأصفَى روْنقًا من أولئك، وأرْصَفَ مَبْنًى وأعْدَل تثقيفًا بما استفادوه من الكلام العالي الطبقة. ا.ﻫ.

والشعراء الذين أدركوا الجاهلية والإسلام يُسَمَّوْن المُخَضْرمِين (من الخَضْرمة وهي الخَلْط؛ لأنهم جَمَعوا بين العَصْرَين الجاهلي والإسلامي)، ومن أشهرهم: حسَّان بن ثابت، والنابغة الجَعْدي، وكَعْب بن زُهَير، والعَبَّاس بن مِرْداس، والحُطَيْئَة. وأما الذين لم يُدْرِكوا عصر الجاهلية بل نَشَئوا في الإسلام بعد هؤلاء المخضرمين، فإنهم يُسَمَّوْن بالإسلاميين، ومِن أشهرهم: جَرِير، والفَرَزْدق، والأخْطَل، وذو الرُّمَّة، والكُمَيت، وبَشَّار بن بُرْد آخرهم وهو ممن أدرك العصرين الأموي والعباسي.

وكلا الفريقين يُسْتَشْهد بكلامه في اللغة ويُحْتَجُّ به.

وقد امتاز الشعر في هذا العصر ببلاغة في المعنى، ومتانة في التعبير، وإحكام في التركيب، مع رقَّة وحُسْن تصرف في القول، وسَعة في التصوُّر فاق في كل منها الشعر الجاهلي.

ولم يزل للشعر من المكانة في النفوس في العصر الأموي وصدر من العصر العباسي مثل ما كان له في العصر الجاهلي، وإن كان بعض المخضرمين كالحُطَيْئة والإسلاميين كالأخطل وجرير اتَّخذوه صناعة للتكسب وطَلَب الرِّزْق من السادات والأمراء والخلفاء؛ فإن ذلك لم يَحُطَّ مِن قَدْره ولم يَخْضِد من شوكته، ومن شواهد ذلك ما رواه الجاحظ في البيان عن أبي عبيدة قال: كان الرجل من بني نُمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ يقول: نُمَيري كما ترى، فما هو إلَّا أنْ قال جرير:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّك من نميرٍ
فلا كعبًا بَلَغْتَ ولا كلابا

حتى صار الرجل من بني نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني عامر.

وروى الجاحظ أيضًا عن أبي عبيدة قال: كان الرجل من بني أنْف الناقة إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني قُرَيْع، فما هو إلا أن قال الحطيئة:
قَوْمٌ هُمُ الأَنْفُ والأَذْنَاب غَيْرُهُمُ
ومَنْ يُسوِّي بأنفِ الناقة الذَّنَبا؟

حتى صار الرجل منهم إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني أنف الناقة.


العلوم والمعارف

جاء القرآن المجيد بحكمه السامية، وأحكامه العادلة، كافلًا لمن عمل به سعادة الدنيا والآخرة، فوجد فيه المسلمون غُنْيَتَهم، وجَعَلوه — هو والسُّنَّة النَّبَوية — عُمْدَتَهم ومَرْجعَهم مدَّة الخُلَفاء الراشدين والدولة الأموية.

وكان الصحابة — رضوان الله عليهم — يفهمون دقائق الكتاب، ويدركون حِكَمه وأسراره، ويعرفون أحكامه من غير احتياج إلى تعلم العلوم اللسانية كالنحو والصرف وعلوم البلاغة ومَتْن اللغة؛ لأن الكتاب كان مُتَنَزَّلًا بلُغَتهم التي هم بها يتخاطبون، وكانوا على علم تام بالحوادث التي نزل فيها القرآن وبأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ وأنواع النَّسْخ، والمحكم والمتشابه والمجمل والمفصل … إلى آخر علومه التي أفردها الأئمة بالتأليف. وغاية الاشتغال بهذه العلوم اللسانية إنما هو الوصول إلى معرفة اللغة كما كانت تعرفها العرب، ولم يكن لديهم من بقايا قدمائهم في العلوم الدنيوية إلا البعض كالطِّبِّ الذي ورثوه عن أسلافهم.

ولا يذهبن بك الوهم إلى أن الدين الإسلامي يصدُّ عن الاشتغال بالعلوم والفنون الدنيوية، إذ الكتاب العزيز جاء حاثًّا على النظر في ملكوت السموات والأرض، منبهًا إلى الانتفاع بكل ما يمكن الانتفاع به من هذه الخليقة بصريح العبارة في الآيات العديدة، غير أن المسلمين في أوَّل ظهور الإسلام كان يمنعهم عن الاشتغال بهذه العلوم انصرافهم إلى القيام بدعوته وتَصَدِّيهم لتهذيب جميع العالَم وترقيته وتخليص من حَوْلَهم منَ الأمَم مِن شوائب الأوهام والرذائل، فكانوا خَصَمَاء للعالَم كله. فلما تضمَّخ الخافِقانِ بطيب عبيره، وارْتَوَى الأُفُقانِ من عُذَيب نَميره، واستقرَّت من الدين دعوته، وعلت كَلِمته، ونَفَذَت شَوْكته؛ وُجِّهَت العناية إلى تلك العلوم الدُّنيوية في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، وقد ظهرت آثار العلوم العقلية في أوائل القرن الثاني، وتُرجمت جملة من الكتب العلمية والصناعية.

وكان الصحابة — رضوان الله تعالى عليهم أجمعين — يستظهرون الأحاديث النبوية ولا يكتبونها، وجرى التابعون على سنتهم حتى كانت خلافة عمر بن عبد العزيز — رضي الله عنه — فكتب إلى الآفاق: «انظروا حديث رسول الله ﷺ واجمعوه.» ودوَّنه بأمره محمد بن شهاب الزُّهْري المتوفَّى سنة ١٢٥، وكان ابتداء تدوين الحديث على رأس المئة، وبعد ذلك دُوِّنت كُتُب الحديث تِباعًا في عصر العباسيين، ووُجِّهت إليها العناية حتى ضُبطت ضبطًا محكمًا.

وأما البراعة في الآداب من العلم بوقائع العرب وتاريخهم، وقول الشعر، وإنشاء البليغ من النثر؛ فإنها قد بلغت في خلافة بني أمية مبلغًا لم تبلغه أمة قط في مثل مدَّتها. وقد كان الخلفاء من بني أمية يُعْلُون مَنْزِلتها ويرفعون مكانات الشعراء والخطباء والعلماء، وكذا الدولة العباسية، وأخبار المهدي مع المفضَّل وحَمَّاد وحديث الرشيد مع الأصمعيِّ حلية تلك القلادة. وقال الإمام أبو الحسن بن سعيد العسكري: «بلغ من عناية بني أمية وشغفهم بالعلم أنهم ربما اختلفوا وهم بالشام في بيتٍ من الشِّعر أو خَبَرٍ أو يوم من أيام العرب؛ فيُبرِدون فيه البَرِيد إلى العراق حتى قال أبو عبيدة: ما كنا نفقِد في كل يوم راكبًا من ناحية بني أميَّة يُنِيخ على باب قَتَادة يسأله عن خَبَرٍ أو نَسَب أو شِعر، فقدِم عليه رجل من عند أبناء الخلفاء من بني مروان، فقال له: مَن قَتَل عامرًا وعمرًا التغلِبيَّيْنِ يومَ قِضَّة؟ فقال: قتلهما جَحْدر بن ضُبَيْعَةَ بن قَيس بن ثَعْلَبة، فشخَصَ بها ثم عاد إليه فقال: أجَلْ، قَتَلهما جحدر، ولكن كيف قتلهما جميعًا؟ فقال: اعْتَوَرَاهُ، فطعَن هذا بالسِّنَان وهذا بالزُّجِّ فَعَادى بينهما، ثم قال: ولم يزل المأمون حين دخل العراق يراسل الأصمَعيَّ في أن يجيئه ويحرِص على ذلك، والشيخ يعتذر بضعفٍ وكِبَرٍ ولم يُجِب، فكان الخليفة يجمع المسائلَ ويُنْفِذها إليه إلى البصرة. ا.ﻫ. باختصار.

وقد كُتِب شيء من التاريخ في زمن معاوية — رضي الله عنه — وقال ابن خلكان إنه رأى تأليفًا لوهب بن منبه المتوفى سنة ١١٦ في أخبار ملوك حمير وأشعارهم.

وكان وَضْعُ علم العربية في آخر عهد الخلفاء الراشدين بسبب انتشار اللحن، وأول من وضعه وأسس قواعده أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب — كرم الله وجهه — وأخَذه عنه أبو الأسْوَد الدُّؤَلي وأتَمَّه.
قال أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري في كتابه «تاريخ الأدباء» بعد كلام، ما نصه:

وسبب وضع علي — كرَّم الله وجهه — لهذا العلم ما روى أبو الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فوجدت في يده رُقْعة، فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحَمْراء (يعني الأعاجم)، فأردت أن أضع شيئًا يرجعون إليه ويعتمدون عليه. ثم ألقى إليَّ الرقعة وفيها مكتوب: «الكلام كله: اسم وفعل وحرف، فالاسم: ما أنبأ عن المسمى، والفعل: ما أُنبئ به، والحرف: ما أفاد معنى»، وقال لي: انْحُ هذا النَّحْو، وأضِفْ إليه ما وقع إليك، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، واسم لا ظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهر ولا مضمر (وأراد بذلك الاسم المبهم). قال: ثم وضعت بابَي العطف والنعت، ثم بابَي التعجب والاستفهام، إلى أن وصلت إلى باب إنَّ وأخواتها، فكتبتها ما خلا «لكنَّ»، فلما عرضتها على أمير المؤمنين — عليه السلام — أمرني بضم «لكنَّ» إليها، وكنت كلما وضعت بابًا من أبواب النحو عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية، فقال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوتَ! فلذا سُمِّي «النحو». ا.ﻫ.

وأخذ عن أبي الأسود جَمْعٌ من الطُّلاب، من أشهرهم نصر بن عاصم المتوفى سنة ٨٩ بالبصرة، وهو واضع النقط والشكل للمصحف كما تقدم، وجاء بعده جمع من أئمة العربية أحكموا ترتيب القواعد وأكثروا من الأدلة والشواهد، وسيرد عليك ترجمة بعضهم في هذا الكتاب.

https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png



عطر الجنة 07-01-2021 03:17 AM

رد: أدبيات اللغة العربية
 


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png

(٩) الخط العربي

في عصر العباسيين توجهت العناية إلى تجويد الخط وتحسينه، وخالفت أوضاعه في بغداد أوضاعه في الكوفة في الميل إلى إجادة الرسوم وجمال الشكل. واختُرعت الأقلام المختلفة، فظهر قلم الثلث والثلثين والنصف نظرًا لاستقامة ثلث الحروف أو ثلثيها أو نصفها، وغير ذلك من الأقلام الأخرى. واستمر الخط آخذًا في الارتقاء والجودة حتى ظهر ببغداد الوزير الكاتب أبو علي محمد بن علي بن مقلة، المتوفى سنة ٣٢٨، واخترع نوعًا من الخط سُمي بالخط البديع، وقد اشتُهر بين الكُتاب أن هذا الخط البديع هو خط النسخ الشائع اليوم، نقله ابن مقلة على الخط الكوفي، ونفى ذلك بعض الباحثين مستدلين بوجود خط النسخ قبل زمن ابن مقلة، كما شاهدوا ذلك في بعض الصحف والرسائل التي كُتبت قبل ابن مقلة. والظاهر أن ابن مقلة
لم يخترع خط النسخ اختراعًا، ولكنه تصرف فيه تصرفًا بديعًا، ونقله إلى صورة امتاز بها عن أصله في الجودة والحسن، وهذا مقام لا يزال محتاجًا إلى البحث والتحقيق. وكان ابن مقلة يُضرب به المثل في حسن الخط، وتلاه في ذلك أبو الحسن علي بن هلال الكاتب الشهير المتوفى سنة ٤٢٣، وقد أقرَّ له أهل زمنه بالسابقة وعدم المشاركة في حسن الخط، وهو
الذي هذَّب الخط العربي ونقَّحه بعد ابن مقلة.

ثم إن الخط الكوفي أُهمل بتوالي الأيام وحل محله خط النسخ. وقد تفنن التُّرك في تحسين الخط وتنويعه، فاخترعوا خط التعليق، والرقعة، وأوصلوا النسخ والثلث إلى أقصى درجات الحسن والإتقان كما هو مشاهد الآن.

والخط العربي منتشر في البلاد الإسلامية كلها، تُكتب به العربية، والتركية، والفارسية، والأفغانية، ولسان أُردو بالهند، ولسان الملايو بجزيرة جاوة وما حولها.

العلوم والمعارف

قد اعتنى الخلفاء والعلماء في عصر الدولة العباسية بتدوين العلوم الإسلامية، فوضعوا أصول الفقه، وصنفوا في فروعه واستنبطوا أحكامه، ودوَّنوا الأحاديث النبوية، وتفسير القرآن الكريم، وعلوم العربية، واستُخرجت علوم البلاغة، ووُضعت لها القوانين والشواهد، ووُضع العَروض، وحُصرت أوزان الشعر العربية في دوائرها الخمس. وألَّفوا وترجموا كتبًا في الطب والهيئة والهندسة وسائر العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية وتقويم البلدان والتاريخ العام وتاريخ الأشخاص.

واعتنوا باللغة وضبطها، وتصرفوا فيما ترجموه فنقَّحوا وهذَّبوا وزادوا واستنبطوا وأصلحوا كثيرًا من أغلاطه. وقد وسعت اللغة العربية كل العلوم التي أُلِّفت بها أو نُقلت إليها، ولم يدخل من الألفاظ الأعجمية إلا شيء يسير، وأكثر ما وقع ذلك في الكتب التي عرَّبها بعض من لا يحسنون العربية. وتفصيل الكلام على هذه العلوم واشتغال المسلمين بها وعنايتهم بتهذيب ما ترجموه منها وجعله صالحًا لأن يُنتفع به؛ كل ذلك يحتاج إلى تأليف الأسفار الكبار ليُوفَّى حقه من البحث والشرح.

غير أنَّا ذاكرون مختصرًا وجيزًا مناسبًا للمقام مقتَطفًا مما كتبه كبار مؤرخي المسلمين ومحققو المؤرخين من الإفرنج المنصفين وأفاضل الكُتاب المعاصرين؛ في مآثر العرب وعلومهم ومعارفهم وما لهم من الفضل على العالم كله في ذلك كله، مازجين أحيانًا كلامهم بعضه ببعض أو مصرِّحين بنسبة القول إلى قائله حسب اقتضاء المقام ذلك، فنقول:

أوَّل من اعتنى بالعلوم وتدوينها من الخلفاء العباسيين أبو جعفر المنصور، وقد أخذ في إنشاء المدارس للطب وللشريعة، وكان مع براعته في الفقه وفرط شغفه به قد جعل جزءًا من زمنه خاصًّا بتعلم العلوم الفلكية، وتُرجم في زمنه كتاب أُوقْلِيدس في الهندسة والهيئة والحساب.

وأكمل حفيده الرشيد ما شرع فيه، وأمر بأن يُلحق بكل مسجد مدرسة لتعليم العلوم وأنواعها، وكان باذلًا جهده في إحياء العلوم والآداب ونشرها، وكُتب في أيامه مصنفات كثيرة في العلوم الإسلامية وغيرها مما تُرجم عن اليونانية، ومن ذلك كتاب «المَجَسْطِي» الذي ألفه بَطْلِيموس في الرياضة السماوية، وقيل: إن هذا الكتاب تُرْجم في زمن المأمون بأمره.

وكان المترجمون قومًا من السُّرْيَان غير مسلمين، وقد أحسن الخلفاء صِلَتهم، وأفاضوا عليهم النِّعَم، وكان أكثرهم غير متمكن من العلوم التي نقلوها إلى العربية فوقع فيها الغلط الكثير، فصحَّحه بعد ذلك الراسخون في العلم من العرب في عصر المأمون وما بعده، كما صححوا كثيرًا من غلط اليونانيين أنفسهم.

وكان اشتغال العرب بالعلم للعمل به، فتناولوا الكتب التي ترجموها من قومٍ كان حظهم منها حفظها على أنها من نفائس الذخائر ومآثر الجيل الغابر، وقد ظهر أثر العمل في عصر الرشيد، ومن ذلك الساعة الدَّقَّاقة المتحركة بالماء التي أرسلها إلى شارلمان ملك فرنسا وعظيم أوروبا لعهده، ففزع الأوروبيون منها لذلك العهد وتوهموا أنها آلة سحرية قد كمنت فيها الشياطين، وأن ملك العرب ما أرسلها إليهم إلَّا لتغتالهم وتوقع بهم شر إيقاع. وقد اجتمع في حضرة الرشيد كثير من أكابر العلماء، وكان يأتي بهم ويرفع منزلتهم، وكلما سافر لحج بيت الله الحرام استصحب معه مئة من العلماء.

ولما أفضت الخلافة إلى المأمون وجَّه عنايته إلى العلوم والآداب وشُغِف بالعلم كلَّ حياته، ولم يكن يجالس إلا العلماء، وقد جمع وترجم كثيرًا من كتب الفرس واليونان في الهيئة والطبيعيات وتخطيط الأراضي والموسيقى، وغرس للعلم والأدب جِنانًا ناضرة، فزكا نَبْتها، وتفتَّح نَوْرُها، وطاب ثمرها، ووصلت به دولة العلم إلى أوْج قوَّتها، ونالت به أكبر ثروتها، وكانت بغداد في عهده مدرسة علمية كما كانت دار خلافة، وكان من شروط صلحه مع ميشل الثالث أن يعطيه مكتبة من مكاتب الآستانة، وقد فعل. وقد ألف علماء العرب في زمنه أرصادًا وأزياجًا فلكية، وحسبوا الكسوف والخسوف وذوات الأذناب وغيرها، ورصدوا الاعتدال الربيعي والخريفي، وقدَّروا ميل منطقة فلك البروج، وقاسوا الدرجة الأرضية، وأصلحوا بأمره غلط بعض الكتب التي تُرجمت قبل زمنه.

وجاء الواثق بعد المأمون، وحذا حذوه في الاشتغال بالعلوم، واقتدى بالخلفاء الوزراءُ والأمراء في زمنهم وبعده، وأخذوا جميعًا بناصر العلماء، وشدُّوا أزرهم، ورفعوا منزلتهم.

فأخذ العلماء في الاشتغال بكل علم
وكل فنٍّ أمكن الاشتغال به في ذلك العصر، وبنوا علومهم على التجربة والمشاهدة. قال أحد فلاسفة الأوروبيين: «إن القاعدة عند العرب هي: جرِّبْ، وشاهدْ، ولاحظْ تكن عارفًا، وعند الأوروبي إلى ما بعد القرن العاشر من التاريخ المسيحي: اقرأْ في الكتب، وكرِّرْ ما يقول الأساتذة تكن عالمًا.» ا.ﻫ. فانظر الفرق وقارنه بما تجده الآن من فرط عنايتهم بالبحث وما ينجم عنه من إصلاحهم الخطأ فيما لا يُحصى مما كانوا أثبتوه، حتى إنَّ فطاحل منصفيهم لم يجدوا بدًّا من الاعتراف بإمكان أن يثبت لهم غدًا ضد ما أثبتوه اليوم كما ثبت لهم اليوم ضد ما أثبتوه أمس، ولا من الإقرار بعدم الوقوف على كُنْه الكثير من ظواهر الكون التي ينتفعون بخواصها.

ومن العلوم التي كان للعرب فيها اليد البيضاء: علم الهيئة، والهندسة، وسائر العلوم الرياضية، فإن ما زادوه عليها من مخترعاتهم وما أصلحوه
من أغلاط اليونانيين قبلهم جعل لهم الحظ الأوفر في هذه العلوم. قال دِيلَامْبِرْ في «تاريخ علم الهيئة»:«إذا عددت في اليونانيين اثنين أو ثلاثة من الراصدين، أمكنك أن تعدَّ من العرب عددًا كبيرًا غير محصور»، وعن العرب أخذ الإفرنج الأرقام الحسابية وعلم الجبر والمقابلة الذي
هو من وضع العرب، أخذوه باسمه ومسماه. وقال بعض المؤرخين إنَّ ديوفنتوس الإسكندري من أهل القرن الرابع للميلاد هو أول من ألف في الجبر، وكتبه لا تزال موجودة إلى الآن. والحق أن هذه الكتب ليس فيها إلا قواعد استخراج القوى وحل بعض المسائل، وليس فيها أصول الفنِّ وقواعده الأساسية التي امتاز بها وصار فنًّا مستقلًّا. ونظير ذلك علوم البلاغة، قالوا إن مؤسسها وواضعها هو الإمام عبد القاهر الجرجاني، مع أن العلماء قد سبقوه إلى الكلام في بعض مسائلها، ولكنهم لم يبلغوا بذلك أن جعلوها علمًا ذا أصول وقواعد كما جعلها.

وقد اكتشف العرب قوانين لثقل الأجسام، مائعها وجامدها، ووضعوا لها جداول في غاية الدقة والصحة، واخترعوا البندول للساعة، اخترعه ابن يونس المصري، والبوصلة البحرية، واخترعوا بيت الإبرة أيضًا، وهم أوَّل من استعمل الساعات الدقاقة للدلالة على أقسام الزمن، وأوَّل من أتقن استعمال الساعات الزوالية لهذا الغرض.

ومن علومهم التي وضعوها ولم يُسْبَقوا إليها علم الكيميا الحقيقية، فهي من اكتشاف العرب دون سواهم، وعنهم أخذها الأوروبيون، وإنك لا تستطيع أن تعدَّ مجرِّبًا واحدًا عند اليونانيين، ولكنك تعدُّ من المجرِّبين مئين عند العرب.

وقد اشتغلوا بالطب والصيدلة، ولهم في ذلك المؤلفات العديدة النافعة، ومُرَكَّبات الأدوية الصالحة. وهم أوَّل من استحضر المياه والزيوت بالتقطير والتصعيد، وأوَّل من استعمل السكر في الأدوية، وكان غيرهم يستعمل العسل. وكان حكام الأندلس يعتنون بإدارة الصيدليات فيفحصون أدويتها إزالةً للغش، ويُسَعِّرونها رفْقًا بالفقير، وفَضْلُهم في الطب على أوروبا لا يُنكر، وقد برعوا في الجراحة، وكان النساء بالأندلس يباشرن كثيرًا من العمليات الجراحية بغيرهنَّ من الإناث، وذلك ما يَحُثُّ عليه أهل أوروبا وأمريكا اليوم. ولهم في هذه الفنون مؤلفون، يعدُّون في الطبقة الأولى من علماء العالم في العلوم التي اشتغلوا بها، ولا تزال مؤلفات كثير منهم باقية إلى اليوم، كقانون ابن سينا، ومفردات ابن البيطار. وإذا رجَّحت القول بأن يونان أخو قحطان غاضَبه فرحل من اليمن، ونزل ما بين الإفرنجة والروم فاختلط نَسَبُه بهم؛ كانت تلك الكتب اليونانية إنما هي بضاعة العرب رُدَّت إليهم.

ولم يكن اشتغالهم بالجغرافية والتاريخ العام وتاريخ الأشخاص أقل من اشتغالهم بالعلوم السابقة، فلهم السياحات العديدة حول أفريقية وآسية وجانب من أوروبا، وقد رسموا ما اكتشفوه رسمًا حسنًا، ولهم في تقويم البلدان مؤلفات عديدة بعضها مطبوع وبعضها غير مطبوع؛ فمن الأول «تقويم البلدان» لأبي الفداء، و«معجم ياقوت»، طُبِعَا في أوروبا. ومن الثاني «نزهة المشتاق» للشريف الإدريسي محمد بن محمد الصقلي، كان في القرن السادس الهجري، وهو الذي صنع لرجار الفرنجي ملك صقلية سنة ١١٥٣ أوَّل كرة أرضية عُرفت في التاريخ، زنتها من الفضة ١٤٤ أُقَّة، رسم فيها جميع أنحاء الأرض في زمانه رسمًا غائرًا مشروحًا بالاستيفاء، وصنف له أيضًا كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» مرتبًا على الأقاليم السبعة، وصف فيه البلاد والممالك مستوفاة مع ذكر المسافات بالميل والفرسخ. ومؤلفاتهم في التاريخ تفوق الحصر. والفضل الأوَّل في الاشتغال بهذه العلوم يرجع إلى مدرسة بغداد التي كانت ينبوعًا أصليًّا استمدَّت منه سائر المدارس الإسلامية. قال بعض مؤرِّخي الإفرنج: إن العرب استقاموا عدَّة قرون على الطريقة التي وضعها علماء مدرسة بغداد، واتبعوا قواعدهم، وهي الانتقال من النظر في المسببات إلى اجتلاء الأسباب، لا يعوِّلون إلا على ما اتضحت صحته وعُرفت حقيقته.

وقد أُنشئت المدارس العديدة تباعًا، وجُمعت إليها العلماء، ولم يخلُ منها قطر من الأقطار الإسلامية، وازدانت بهذه المدارس بغداد والبصرة والكوفة وبُخَارى وسَمَرْقَنْد وبَلْخ وأصفهان ودمشق وحلب في قارَّة آسية، والإسكندرية والقاهرة ومراكش وفاس وسبتة والقيروان في قارَّة أفريقيا، وأشبيلية وقرطبة وغَرْناطة وغيرها من مدن الأندلس العديدة في قارة أوروبا. وكان بالقاهرة وحدها عشرون مدرسة في القرن الرابع، وفي قرطبة وحدها من بلاد الأندلس ثمانون مدرسة في مدَّة الحَكَم بن عبد الرحمن الناصر المتوفى سنة ٣٦٦.

وأصبحت الأندلس بعد ذلك في أواخر القرن الخامس غاصَّة بالمكاتب والمدارس الجامعة، ولم تَخْل مدينة من مدنها من مدارس متعدِّدة. قال جيون في كلامه على حماية المسلمين للعلم في الشرق والغرب: «إن ولاة الأقاليم والوزراء كانوا ينافسون الخلفاء في إعلاء مقام العلم والعلماء، وبسط اليد في الإنفاق على إقامة بيوت العلم ومساعدة الفقراء على طلبه. وكان عن ذلك أن ذَوْق العلم ووِجْدان اللذة في تحصيله انتشرا في نفوس الناس من سَمَرْقَنْد وبُخَارَى إلى فاس وقرطبة. أنفق وزيرٌ واحدٌ لأحد السلاطين (هو نظام الملك) مئتي ألف دينار على بناء مدرسة في بغداد، وجعل لها خمسة عشر ألف دينار تصرف في شئونها كل سنة، وكان الذين يُغَذَّوْن بالمعارف فيها ستة آلاف تلميذ، فيهم ابن أعظم العظماء في المملكة وابن أفقر الصناع فيها، غير أن الفقير يُنفَق عليه من الرِّيع المخصَّص للمدرسة وابن الغني يكتفي بمال أبيه، والمعلمون كانوا يُنْقَدون أجورًا وافرة.» ا.ﻫ.

وجميع المدارس الطبية في البلاد الإسلامية أخذت نظام امتحانها عن مدرسة الطب في القاهرة، وكان من أشدِّ النظامات وأدقها، ولم يكن لطبيب أن يمارس صناعته إلا على شريطة أن تكون بعد شهادةٍ بأنه فاز في الامتحان، على شدَّته. وأوَّل مدرسة طِبِّية أُنشئت في قارَّة أوروبا على هذا النظام المحكم هي التي أنشأها العرب في ساليرت من بلاد إيطاليا. وأوَّل مرصد فلكي أقيم في أوروبا هو الذي أقامه العرب في إشبيلية من بلاد الأندلس.

وقد تعدَّدت المراصد الفلكية في البلاد الإسلامية شرقًا وغربًا، ومن أشهرها مرصد بغداد المُنْشأ على قنطرتها، وقد رُصدت به عدَّة أرصاد وصُحِّحت جملة أزياج، ومرصد المراغة الذي أنشأه نصير الدين الطوسي بأمر هولاكو خان، ولما أتم كوپلاى خان أخو هولاكو فَتْحَ الصين نَقَل مؤلفات علماء بغداد إليها، ومرصد سَمَرْقَنْد الذي أنشأه تيمور لنك، ومرصد دمشق الذي أنشأه أُلوغ بك مرزا محمد حفيد تيمور لنك، وكان من أعلم علماء الفلك، وله زيج مشهور معتبر إلى هذا العصر، وكان بمصر مرصد جبل المقطم، أنشأه ابن يونس الفلكي الشهير صاحب الزيج الحاكمي.

وأما دور الكتب فلم تكن عناية الدول الإسلامية بها أقل من عنايتهم بالمدارس، فقد كان في القاهرة في أوائل القرن الرابع مكتبة تحتوي على مئة ألف مجلد منها ستة آلاف في الطب والفَلَك لا غير. ومكتبة الخلفاء في الأندلس بلغ ما فيها ستمئة ألف مجلد، وكان فهرسها أربعة وأربعين مجلدًا. وقد حققوا أنه كان ببلاد الأندلس وحدها سبعون مكتبة عمومية، وكان في هذه المكاتب مواضع خاصة للمطالعة والنَّسْخ والترجمة، وبعض الخاصة كانوا يولعون بالكتب ويجعلون ديارهم معاهد دراسة لما تحتوي عليه.

وأما ضخامة تآليفهم فما لا يحصره العَدُّ، وحسبك في المشرق كتاب «قَيْد الأوابد» للإمام البَنْجَذِيهي المتوفى سنة ٥٥٩ من قرى خراسان في ٤٠٠ مجلد، وفي الأندلس لأحمد بن أبان كتاب «العالَم» نحو ١٠٠ سفر، بدأ فيه بالفَلَك وختم بالذَّرَّة، والأعجب الأغرب كتاب «فلك الأدب» الذي تعاقب على تأليفه من جهابذة الأندلسيين ٦ في ١١٥ سنة آخرها سنة ٦٤٥ﻫ.

ولقد أحرق أهل إسبانيا من الكتب الإسلامية بعد جلاء المسلمين عنها ما يدهش لبيان عدده السامعُ، ويحار المتأمِّلُ، ويتوقف قلمُ الكاتب.
جاء في المجلد الثالث من «المقتطف» وجه ٧ ما نصه:

ليَقُلْ لنا أهل إسبانيا أين الثمانون ألف كتاب التي أمر كردينالهم شميتر بحرقها في ساحات غَرْناطة بُعَيد استظهارهم عليها، فأحرقوها وهم لا يعلمون ما يعملون، حتى أَفْنَوا — على ما قال مؤرخهم ربلس — ألف ألف وخمسة آلاف مجلد كلها خطها أقلام العرب؟ وليتهم يخبرون كم من كتاب لعبت به نيرانهم بعد ذلك حتى لم يُبقوا من معارف العرب ولم يذروا؟ وما يقولون عن السفن الثلاث التي ظفروا بها مشحونة بالمجلدات العربية الضخمة، وطالبة ديار سلطان مراكش، فسلبوها وألقوا كتبها في قصر الأسكوريال سنة ١٦٧١ ميلادية (الموافقة سنة ١٠٨٢ هجرية) حتى لعبت بها النيران فأكلت ثلاثة أرباعها، ولم يستخلصوا منها إلا الربع الأخير؟ حينئذٍ استفاقوا من غفلتهم، وعلموا كُبْرَ جَهَالتهم؛ ففوضوا إلى ميخائيل القصيري الطرابلسي الماروني ترتيبها وكتابة أسمائها، فكتب لهم أسماء ١٨٥١ كتابًا منها، فعلى ما في هذه الكتب وما بقي في أفريقية والمشرق قَصَر أهلُ هذه الأيام معارِفَ العَرَب، وحتى هذه لم يستوعبوا جميع ما فيها. ا.ﻫ.

وأما مكاتب بغداد فإنه لما فاجأها التتار بالهجوم بعد قتل الخليفة المستعصم آخر الخلفاء العباسيين، جعلوا دأبهم السلب والنهب، وأخذوا كتب العلم التي كانت في خزائنها، وأَلْقَوها بِدِجْلة، فَعَبرت عليها جنودهم.

فأضِف هذه النفائس إلى ما أحرقه أهلُ إسبانيا، وتَصوَّرْ مقدار ذلك كله، ثم انْسُبْ ما بقي من الكتب الإسلامية إلى ما أُتْلِف منها، وتفكَّرْ بعد ذلك في أن هذه الملايين من الكتب إنما خُطَّت بالقَلَم قبل أن تُعْرَف المطبعة، واحكمْ بعد ذلك — وأنت منصف في حكمك — بأن العرب لم تسبقهم أمَّة اعتنت بالعلم اعتناءهم واهتمت به اهتمامهم.
وتتميمًا للفائدة نذكر ما ورد في مجلة المقتطف في سنتها الثالثة في صفحة ٩١ و٩٢ تحت عنوان «فضل العرب»، وهو خاتمة مقال نُشر في تلك السنة في بيان مآثر العرب وعلومهم وبعض علمائهم، وقد اقتطفنا من هذا المقال الجامع شذرات ضمَّنَّاها مقالنا السابق، وها هو ما ذُكر تحت هذا العنوان:

في القرون الوسطى قصد أهل أوروبا مدارس الأندلسيين، وكانت على غاية الإتقان، وقرءوا العلم فيها ثم تزوَّدوه منها إلى بلادهم. ففي سنة ٨٧٣ للمسيح أمر هرتموت — رئيس دير ماري غالن — جماعةً من رهبانه بدرس اللغة العربية لتحصيل معارفها. وكان الرهبان البندكتيون يطلبون العلوم العربية بشوق لا مزيد عليه، وأشهر من تعلم العلم من العرب البابا سلڤستر الثاني، وأصله رجل فرنسي يسمى جربرت طاف على قسم كبير من أوروبا طالبًا المعارفَ حتى دبت قدمه في الأندلس، فرتع في مدارس إشبيلية وقرطبة، وصرف إلى العلوم رغبته، فلما ساغها هنيئًا عاد إلى دياره، وما زال يسمو على أقرانه حتى تنصَّب بابا فشاد للعلم مدرستين؛ الأولى في إيطاليا، والأخرى في ريمز، وأدخل إلى أوروبا معارف العرب والأرقام الهندية التي نقلها عنهم. ثم ثارت الحمية في أهل إيطاليا وفرنسا وجرمانيا وإنجلترا، فطلبوا الأندلس من كل فج عميق، وتناولوا المعارف من أهلها.
قال مونتكلا في «تاريخ العلوم الرياضية»:

ولم يقم من الإفرنج عالم بالرياضيات إلا كان علمه من العرب مدَّة قرون عديدة. فمن جملة من نقل عنهم المعارف من أهل إيطاليا دوكريمونا، قرأ علم الهيئة والطب والفلسفة بطليطلة، وترجم عنهم المجسطي وكتب الرازي والشيخ الرئيس إلى اللاتينية، وليوندار البيزى نقل عنهم الحساب والجبر، وأرنولد الڤيلانوڤى نقل عنهم الهيئة والطبيعيات والطب. وممن نقل عنهم من الإنجليز راهب اسمه بلارد، وآخر اسمه مورلى، وآخر اسمه سكوت، وكذلك روجر باكون الشهير، فإن ما حصَّله من المعارف في الكيميا والفلسفة والرياضيات إنما استخلصه من كتبهم، وقد اقتبس من أقوال الحسن في البصريات، ومثله فيتليو الذي اشتُهر بالبصريات؛ فإنه أخذ كثيرًا عن الحسن. ولما عرف ملوك الإفرنج قيمة معارف العرب، أمروا بترجمة كتبهم، ومنهم نقل شارلمان وفردريك الثاني الجرماني وألفونس الثاني القسطلي.

والخلاصة
أن الإفرنج نقلوا عن العرب، مما نقله العرب عن غيرهم أو استنبطوه بأنفسهم، الفلسفة، والهيئة، والطبيعيات، والرياضيات، والبصريات، والكيمياء، والطب، والصيدلة، والجغرافية، والزراعة، والفراسة. وأخذوا عنهم عمل الورق، والبارود، والسكر، والخزف، وتركيب الأدوية، ونسج كثير من المنسوجات. وأدخلوا منهم إلى بلادهم دود القز وكثيرًا من الحبوب والأشجار كالأرز، وقصب السكر، والزعفران، والقطن، والسبانخ، والرمان، والتين. ونقلوا عنهم دبغ الأديم وتجفيفه، وقد استردَّ الإنجليز هذه الصناعة بعد فقدها من الأندلس بجلاء العرب عنها، ولا يزالون يسمون الجلود المدبوغة بها «موركو وكردوفان» نسبة إلى مراكش وقرطبة.

ولا تزال الألفاظ العربية مستعملة في أكثر مباحث الإفرنج الطبيعية كالسمت والنظير والسموت والمقنطرات وأسماء النجوم والكحول والقلى والجبر والقطن والشراب والكيمياء وغيرها. ولولا لغة العرب لبقيت لغة أهل إسبانيا قاصرة كما كانت، فأسماء أوزانهم وأقيستهم أكثرها عربي محرَّف كالقنطار والربع والشبر، وكذلك أسماء قطع الماء ونحوها كالبحيرة والبركة والجب والكهف وغيرها كثير.
فالمُوَلَّدون كانوا في زمانهم حلقة من سلسلة العلوم اتصلت بها علوم الأوَّلين بالمتأخرين، ولولاهم لفقد أكثر المعارف إن لم نقل كلها، وما أحسن قول جريدة مدرسة إدنبرج الكلية في هذا المعنى:

إنَّا لمدينون للعرب كثيرًا ولو قال غيرنا خلاف ذلك، فإنهم الحلقة التي وصلت مدنية أوروبا قديمًا بمدنيتها حديثًا، وبنجاحهم وسموِّ همتهم تحرَّك أهل أوروبا إلى إحراز المعارف واستفاقوا من نومهم العميق في الأعصار المظلمة. ونحن لهم مدينون أيضًا بترقية العلوم الطبيعية والفنون الصادقة النافعة، وكثير من المصنوعات والمخترعات التي نفعت أوروبا كثيرًا علمًا ومدنيةً. ا.ﻫ.
أما تاريخ العلوم والآداب العربية من ابتداء الدولة العباسية إلى الآن، فإنه ينقسم إلى أربع مدد كبيرة:

المدَّة الأولى:
تبتدئ بخلافة أبي جعفر المنصور وتنتهي بمنتصف القرن الرابع تقريبًا، فهي نحو ٢٠٠ سنة، وهي المدَّة التي صعدت فيها العلوم والآداب إلى ذروة مجدها وأوج عزها، وفاضت فيها ينابيع المعارف على جميع البلاد الإسلامية، فأَيْنَعَتْ جنانها، ودَنَتْ للقاطفين أفْنانها. وفيها أشرقت شموس الأئمة المجتهدين وأجلَّاء المحدِّثين وكبار علماء الدين وأئمة العربية وفحول الشعراء وأعاظم الكتَّاب ورجال الأدب، وغيرهم من أساطين العلماء.

المدَّة الثانية: تتلاقى مع المدَّة الأولى في نهايتها، وتنتهي بسقوط الدولة العباسية سنة ٦٥٦، وفي هذه المدَّة ضَعُف أمر الخلافة العباسية باستيلاء الديْلم والسلجوقيين على السلطة، ولم يكن هؤلاء الأعاجم يعرفون من قدر العلم كما كان يعرف الخلفاء من العرب؛ فَفَتَرت الهِممُ بعضَ الفُتور، واقتصر كثير من أهل العلم على النظر في كتب مَن قَبْلهم وَوشُّوها بالحواشي. غير أنه نبغ في هذه المدَّة عدد كبير في كل علم وفن لا سيما العلوم الرياضية والفلسفية، وكان ذلك من أثر تلك الجَذْوَة التي اشتعلت في المدَّة الأولى، ولم يُخْمِدْها ضعفُ الخلفاء بل بقيت بعدهم زمنًا يقتبس منها المقتبس حتى أطفأها التتار في بغداد والبلاد التي استولوا عليها من آسية، ثم دخلوا في الإسلام فتألَّق بعض وميضها كما سبق.

المدَّة الثالثة: تبتدئ بسقوط الدولة العباسية وتنتهي باستيلاء محمد على باشا على مصر سنة ١٢٢٠، وفي أوَّل هذه المدَّة أُعدمت المعارف العربية في بلاد فارس وما وراء النهر، وبقيت زاهية في مصر قليلًا بفضل الجامع الأزهر كل هذه المدَّة، وكذلك في بلاد المغرب في دولة السعديين والأشراف بعدهم، وفي أواخر هذه المدَّة كانت العلوم العربية في آخر رمق من حياتها، ولكن كان يلوح في أثناء ذلك الزمن بصيص من نور العلم والعرفان ثم يختفي، فقد ظهر من أكابر العلماء أبو الفداء وابن خلدون والمقريزي وابن حجر والسيوطي وابن منظور صاحب «لسان العرب» والمجد صاحب «القاموس» وابن الوردي الفقيه.

المدَّة الرابعة: تبتدئ باستيلاء محمد علي باشا على مصر، وفي هذه المدَّة أخذت المعارف والآداب تدب فيها الحياة وتنمو في مصر والشام بفضل ما طُبع وأُلِّف من الكتب المختلفة النافعة.


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png

عطر الجنة 07-01-2021 03:22 AM

رد: أدبيات اللغة العربية
 



https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png

(١٠) امرؤ القيس (المتوفى سنة ٥٦٦م)
هو امرؤُ القَيس بن حُجْر الكِنْدِي، وأمُّه فاطمة، وقيل: تَمْلِك بنت رَبيعة بن الحَارِث أخت كُليب ومُهَلْهِل، وقد ذكرها في قوله:
ألَا هَلْ أَتَاهَا وَالحَوَادِثُ جَمَّةٌ
بأنَّ امْرَأَ القَيْس بنَ تَمْلِك بَيْقرا


أي أقام بالحَضَر وتَرَك أهْلَه بالبادية. ومعنى «امرئ القيس» رَجُل الشِّدَّة، وقيل: القَيس اسم صَنَم، وقد وُلد ببلاد بني أسَد، ولما شبَّ تعلق بالشعر ونبغ فيه، وهو أوَّل من استوقف على الطُّلول وشبَّه النساء بالظباء والمهَا، وأجاد الاستعارة والتشبيه. وكان أبوه مَلِكَ بني أسَد فعَسَفَهم عَسْفًا شديدًا فتمالئوا عليه وقتلوه، وقد كان طرَدَ ابنَه امرَأ القيس لتشبيبه بالنساء في شعره وتنقُّله في أحياء العرب يستتبِع صَعَاليكهم وذُؤْبانَهم، وبينما هو يشرب الخمر بأرض اليمن بَلَغه قَتْلُ أبيه، فقال: ضيعني صغيرًا وحَمَّلني ثِقل الثار كبيرًا، لا صَحْوَ اليوم ولا سُكْر غَدًا، اليَومَ خَمْرٌ وغدًا أمْرٌ، ثم إنه استنصر ببعض أقْيَال العَرَب ورؤساء القبائل، وما زال يتتبع بني أسَد حتى ظفِر بهم، وحصلت له بعد ذلك وقائع كثيرة، ثم مات بجبل يقال له عَسِيب،
ودُفن بأَنْقِرة سنة ٥٦٦م. وأشهر شعره المعلقة الطائرة الصيت، التي مطلعها:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبيبٍ ومنزلِ
بِسَقْطِ اللَّوَى بين الدَّخولِ فَحَوْمَلِ


(١١) النَّابغة الذُّبْيَاني (توفي سنة ٦٠٤م)

اسمُه زِيَاد بن معاوية بن ضِبَاب، ينتهي نَسَبه إلى ذُبْيان ثم لمُضَر، ويُكْنَى أبا أُمَامة، وإنما سُمِّي النَّابغة لقوله:
وحَلَّتْ في بَني القَيْن بن جَسْرٍ
وَقَدْ نَبَغَت لَهُمْ مِنَّا شُئون


وهو أحد الأشراف المقدَّمين على سائر الشعراء.

وقال عبد الملك بن مَرْوان لَمَّا دَخَل عليه وَفْد الشام: أيُّكم يَروِي من اعتذار النابغة إلى النعمان:
حَلَفْتُ فَلَمْ أتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبةً
ولَيْسَ وَرَاءَ اللهِ للمَرءِ مَذْهَبُ؟

فلم يَجِد فيهم مَن يرويه، فأقبل على عمر بن المُنْتَشر وقال له: أتَرْوِيه؟ قال: نعم. فأنشده القصيدة كلها، فقال: هذا أشعر العرب.

والنابغة هذا كان خاصًّا بالنعمان ومن ندمائه وأهل أنسه، ثم إنه وُشِيَ به إلى النعمان فهرب منه، ولم يرجع إليه إلا بعد أن بلغه أنه عليل لا يُرْجَى فأقْلَقه ذلك، ولم يَمْلك الصَّبْر على البُعْد عنه مع عِلته، فسار إليه فألفاه محمولًا على سرير يُنْقل ما بين العُمران وقُصُور الحِيرة، فقال لعِصام حاجبه:
أَلمْ أُقْسِمْ عَلَيكَ لتُخْبِرَنِّي
أَمَحْمُولٌ على النَّعشِ الهُمامُ؟
فإنِّي لا أُلامُ على دُخولٍ
ولكنْ ما وراءَكَ يا عِصَامُ؟
فإنْ يَهْلِكْ أبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ
رَبيعُ النَّاسِ والبَلَد الحَرامُ
ونُمْسِك بعدَهُ بِذنَابِ عَيشٍ
أَجَبِّ الظَّهْرِ لَيسَ لهُ سَنَامُ

ومات النابغة الذبياني على جاهليته ولم يُدْرِك الإسلام سنة ٦٠٤ ميلادية.


(١٢) زُهَير بن أبي سُلْمَى (توفي سنة ٦٣١م)

هو أبو كَعْب وبُجَيْر، واسم أبي سُلْمى رَبِيعة بن رِيَاح، ينتهي نسبه لنِزارٍ، وهو أحد الثلاثة المُقَدَّمِين على سائر الشعراء، وهم: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة الذُّبْياني، وعن عمر بن عبد الله الليثي قال: قال عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — في مسيره إلى الجابية بعد قصة طويلة: هل تروي لشاعر الشعراء شيئًا؟ قلت: ومَن هو؟ قال: الذي يقول:
فَلَوْ كَانَ حَمْدٌ يُخْلِدُ النَّاسَ لَمْ تَمُتْ
وَلَكِنَّ حَمْدَ النَّاسِ لَيْسَ بِمُخْلِدِ

قلت: ذاك زهير بن أبي سُلْمَى، قال: هو شاعر الشعراء، قلت: وبمَ كان شاعر الشعراء؟ قال: لأنَّه كان لا يُعَاظِلُ في الكلام، وكان يَتَجَنَّبُ وَحْشِيَّ الشِّعْر، وكان لا يمدح أحدًا إلا بما هو فيه. ولما سأل معاويةُ الأحنف بن قيس عن أشعر الشعراء، قال: هو زهير، قال: وكيف ذاك؟ قال: بقوله:
فَمَا يَكُ مِنْ خَيْرٍ أتَوْهُ فإنَّما
تَوَارَثَهُ آبَاءُ آبَائِهِم قَبْلُ

وقال ابن الأعرابي: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره: كان أبوه شاعرًا، وهو شاعر، وخاله شاعر، وابناه شاعران، وهما كَعْب وبُجَير، وأخته سُلْمَى شاعرة، وأخته الخنْساء شاعرة. وكان زهير يُضْرب به المَثَل في التنقيح فيقال «حَوْلِيَّات زهير» لأنه كان يعمل القصيدة ويَعْرِضها في سنة كاملة.
(١٣) أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت (توفي سنة ٩ﻫ)

ينتهي نَسَبُه إلى ثَقِيف، وأمُّه رُقَيَّة بنت عبد شمس، وهو من أهل الطائف، ومن أكبر شعراء الجاهلية، وكان ينظر في الكتب ويقرؤها، ويقال إنه حرَّم الخمرَ، وشكَّ في الأوثان، والتمس الدين، وطمِع في النُّبُوَّة لأنه قرأ في الكتب أن نَبيًّا يُبعث من العرب، وكان يطمع أن يكون هو، فلما بُعِث النبي ﷺ حسده، وقال: كنت أرجو أن أكونه، ويُنسب إليه أنه هو القائل:
كُلُّ دِينٍ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ الله
إلَّا دِينَ الْحَنِيفَة زُورُ

وأغلب شعره متعلق بذكر الآخرة، حتى قال الأصْمَعيُّ: ذهب أمَيَّة في شعره بعامَّة ذكر الآخرة. ولكن يقال إنه مات ولم يُسْلم، ومما قال في مرض موته:
كلُّ عَيْشٍ وإنْ تَطاوَلَ دَهْرًا
مُنْتَهى أمْره إلى أنْ يَزولا
ليْتَني كنْتُ قبْل ما قدْ بَدَا لي
في رُءوس الجِبالِ أرْعَى الوُعُولا


ويقال: إنه قضى نَحْبَه في قصر من قصور الطائف سنة ٩ هجرية. ومن شعره قصيدته في الفخر التي يقول فيها:
وَرِثْنَا المَجْدَ عن كُبْرَى نِزَار
فأَوْرَثْنا مآثِرَنَا بَنِينَا



(١٤) الخنساء (توفيت سنة ٢٤ﻫ)

اسمها تُمَاضِرُ بنت عمرو بن الشَّريد، ينتهي نسبها لمُضَرَ، والخنساء لَقَبٌ غَلَبَ عليها، وقد أجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قطُّ قبلها ولا بعدها أشعر منها، ووفدت على رسول الله ﷺ مع قومها فأسلمت معهم، وكان رسول الله ﷺ يستنشدها ويُعجِبه شعرها، وكانت تُنْشِده وهو يقول: هِيه يا خُنَاس. ولما بَلَغَها استشهاد بنيها الأربعة يوم القادسية بعد تحريضها لهم على القتال قالت: الحمد لله الذي شرَّفني بقتلهم، وأرْجُو من ربي أن يَجْمَعَني معهم في مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ!


(١٥) سيدنا حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه

جدُّه المُنْذر الخَزْرَجيُّ، ويُكْنَى أبا الوليد، وهو من فحول الشعراء، وقد قيل إنه أشعر أهل المَدَر، وكان أحد المُعَمَّرِين المُخَضْرَمِين، عُمِّر مئة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام، وكذا أبوه وجدُّه وأبو جدِّه، لا يُعرف في العَرَب أربعة تَنَاسلُوا من صُلْبٍ واحِدٍ وعاشَ كلٌّ منهم ١٢٠ سنة غَيْرهم. وعن أبي عُبَيدة قال: فَضَل حَسَّان بن ثابت الشُّعَراء بثلاثةٍ: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي ﷺ في النُّبوة، وشاعر اليَمَن كُلها في الإسلام، وفَضْلُه أوسع من أنْ تحيط به التآليف، وكانت وفاته بالمدينة المنورة قبل الأربعين من الهجرة في خلافة سيدنا عليٍّ — رضي الله تعالى عنه.

https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png

عطر الجنة 07-01-2021 03:26 AM

رد: أدبيات اللغة العربية
 

https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


(١٦) الأخطل (توفى سنة ٧١٢م)
هو أبو مالك غِيَاث بن غوث بن الصَّلت، من تَغْلِب. قال أبو عبيدة: إن سبب تلقيبه بالأخطل أنه هجا رجلًا من قومه فقال له: يا غلام، إنك لأخطل (أي سفيه). وكان نصرانيًّا من أهل الجزيرة، ومات على دينه مع مخالطته لملوك المسلمين وأمرائهم وحُظْوَته لديهم. وهو وجرير والفرزدق من طبقة واحدة وإن اختلف الناس في التفضيل بينهم، وقد عاشوا كلهم في زمن واحد، وإن كان الأخطل أكْبَرَهم سِنًّا، وقد كان يفضِّل الأعشى في الشعر على نَفْسه. وقال جَرِير وقد سأله ابنه عن الأخطل: أدْرَكْتُه وله نَابٌ واحد، فلو أدركت له نَابين لأَكَلَني. ومما يُحكى عن الأخطل أنه طلَّق امرأته وتزوج بمُطَلَّقَة أَعْرَابِيٍّ، فَبَيْنَا هي معه إذ ذكرت زَوْجَها الأول فتنفست، فقال:
كِلَانَا عَلَى هَمٍّ يَبِيتُ كَأَنَّمَا
بِجَنْبَيْهِ مِنْ مَسِّ الفِراشِ قُرُوحُ
عَلى زَوْجِها الماضِي تَنُوحُ وإِنَّنِي
عَلَى زَوْجتي الأُخْرَى كَذَاكَ أنُوحُ


وقد كانت منزلة الأخطل عند عبد الملك بن مروان رفيعة، يذكره إذا غاب ويقربه إذا حضر، وله كثير من النوادر يضيق المقام عن ذكرها. وكانت وفاته سنة ٧١٢ ميلادية.

(١٧) جَرير (توفى سنة ١١٠ﻫ)
هو ابن عطية بن الخَطَفي، وهو لقبه، واسمه حُذَيفة بن بدر بن عوف بن كُلَيب، ينتهي نَسَبه لِنِزار، ويُكْنَى أبا حَزْرَة، وهو والفَرَزْدَق والأخْطل المقدَّمون على شعراء الإسلام الذين لم يُدْرِكُوا الجاهلية، ولم يَتَعرَّض لهم أحد من شعراء عصرهم إلا سَقَط وافتُضح، وكان أبو عمرو يُشَبِّه جَريرًا بالأعْشَى، والفرزدق بزُهَير، والأخْطل بالنابِغة، وقد حَكَم مَرْوانُ بن أبي حَفْصة بين الثلاثة بقوله:
ذَهَبَ الفَرَزْدقُ بالفَخَارِ وَإِنَّمَا
حُلْوُ الْكَلَامِ ومُرُّهُ لجَرِير
وَلَقَدْ هَجَا فَأمَضَّ أَخْطَلُ تَغْلِبٍ
وحَوَى اللُّهَى بمديحه المشهورِ

فهو كما تراه حَكَم للفرزدق بالفَخَار، وللأخطل بالمدح والهجاء، وبجميع فنون الشعر لجرير. ومن كلامه في الفخر:
إذَا غَضِبَتْ عَلَيْكَ بَنُو تَميمٍ
لَقيتَ النَّاسَ كُلَّهُمُ غِضَابَا

وقال يَهْجُو بَني نُمَير:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيرٍ
فلا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلا كِلاَبَا


تُوُفِّيَ سنة ١١٠ هجرية.

(١٨) الفرزدق (توفي سنة ١١٠ﻫ)

هو هَمَّام بن غالب بن صَعْصَعَة التَّميمي، وكان أبوه من سَراة قومه. ورَوَى الفَرَزْدَق — رحمه الله — عن علي بن أبي طالب وأبي هُرَيرة والحُسَين وابن عُمَر وأبي سعيد الخُدْري، ووَفَد على الوليد وسليمان ابنيْ عبد الملك ومدحهما.

رَوَى معاوية بن عبد الكريم عن أبيه قال: دخلت على الفرزدق فتحرَّك فإذا في رجليه قَيْد، قلت: ما هذا يا أبا فِراس؟! قال: حَلَفْتُ أنْ لا أُخْرِجه من رِجْلي حتى أحفَظَ القرآن. واختلفت الناس في المفاضلة بينه وبين جرير، والأكثرون على أن جريرًا أشعرُ منه، وقد أنصف الأصفهاني حيث قال: من كان يميل إلى جودة الشعر وفخامته وشدَّة أسْره يُقَدِّم الفرزدق، ومن كان يميل إلى الكلام السَّمْح الغزِل يقدِّم جريرًا. وله القصائد الغرَّاء في الرثاء والفخر والهجو والمدح، فمن ذلك قصيدته المشهورة في مدح زين العابدين التي مطلعها:
هَذَا الذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ
وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ

تُوُفِّي سنة ١١٠ هجرية.

(١٩) عبد الحميد الكاتب (توفي سنة ١٣٢ﻫ)

هو أبو غالب عبد الحميد بن يحيى الكاتب البليغ المشهور، وبه يُضْرَب المَثَل في البلاغة
حتى قيل: فُتِحت الرسائل بعبد الحميد وخُتِمت بابن العَمِيد، وكان في الكتابة وفي كل فن من العلم والأدب إمامًا، وهو من أهل الشام، وكان أوَّلًا مُعَلِّم صِبْية ينتقل في البُلْدان، وعنه أخَذَ المُتَرسِّلون ولطريقته لزموا ولآثاره اقْتَفَوْا، وهو الذي سهَّل سبيل البلاغة في التَّرَسُّل، وهو أول من أطال الرسائل واستعمل التحميدات في فصول الكتب فاستعمل الناس ذلك بعده، وكان كاتِبَ مَرْوان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي آخر ملوك بني أُمَيَّة المعروف بالجَعْدِي،
فقال له يومًا وقد أهدَى له بعض العُمَّال عَبْدًا أسْوَدَ فاستقلَّه: اكتُبْ إلى العامل كتابًا مختصرًا وذُمَّه على ما فعل، فكتب إليه: لو وَجَدْت لونًا شرًّا من السَّواد وعددًا أقل من الواحد لأَهْدَيْته، والسلام. ومن كلامه أيضًا: القَلَم شجرة ثَمَرَتُها الألْفاظ، والفِكْر بَحْرٌ لُؤْلُؤه الحكمة. وله رسائل بليغة، وكان حاضرًا مع مروان في جميع وقائعه عند آخر أمره، وقُتِل معه سنة ١٣٢ بقرية يقال لها بُوصِير من أعمال الفيوم بمصر.

(٢٠) الإمام أبو حنيفة النعمان (٨٠–١٥٠ﻫ)

هو ابن ثابت، كان خَزَّازًا يبيع الخَزَّ. وقال الخطيب في تاريخه إن أبا حنيفة أدرك أربعة من الصحابة — رضوان الله عليهم أجمعين — وهُمْ: أنَسُ بن مالك، وعبد الله بن أبي أوْفَى بالكوفة، وسَهْل بن سَعْد الساعدي بالمدينة، وأبو الطُّفَيْل عامِرُ بن وَاثلَةَ بمكة، ولم يأخذ عن أحد منهم ولم يَلْقَه كما قرَّر ذلك أهلُ النَّقل. وذكر الخطيب في «تاريخ بغداد» أنَّه أخذ الفِقْه عن حمَّاد بن أبي سليمان، وروى عنه عبد الله بن المبارك والقاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشَّيباني وغيرهم.

وكان — رحمه اللهُ — عالمًا عاملًا زاهدًا عابدًا وَرِعًا كثير الخُشوع دائم التَّضَرُّع إلى الله تعالى، ونَقَله أبو جعفر المنصور من الكوفة إلى بغداد على أن يُوَلِّيَه القضاءَ، فأبَى وهو يقول له: اتَّقِ الله ولا تُرْعِ في أمانتك إلا مَنْ يَخاف الله، والله ما أنا مَأمون الرِّضا فكيف أكون مأمونَ الغضب؟ فقال له المنصور: كذبتَ، أنْتَ تصلح، فقال له: قد حَكَمْتَ لي على نَفْسك، كيف يَحِل لك أن تُوَلِّي قاضيًا على أمانتك وهو كذَّاب؟! وقيل إنه تولى القضاء أيامًا قليلة بعد إهانةٍ لحِقَتْه بسبب امتناعه ثم تُوُفي عَقبها. وكان رضي الله عنه شديدَ الكَرَم، حَسَن المواساة لإخوانه، ومن أحسن الناس منطقًا وأحلاهم نغمة، وُلِدَ سنة ٨٠ هجرية، وتوفي سنة ١٥٠.

وكانت وفاته ببغداد في السِّجن لِيَلِي القضاء، وقيل إنه لم يمت في السجن. وتُوفِّي في اليوم الذي وُلِدَ فيه الإمام الشافعي — رضي الله عنه.


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png

عطر الجنة 07-01-2021 03:29 AM

رد: أدبيات اللغة العربية
 


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


(٢١) بشَّار بن برد (توفي سنة ١٦٧ﻫ)
هو أبُو معاذ بَشَّار بن بُرْد الشاعر المشهور، بَصْريٌّ، قدم بغداد، وأصله من طُخَارِسْتَانَ من سَبْي المُهَلَّب بن أبي صُفْرة، وكان أكْمَه؛ وُلِدَ أعمى، وهو في أوَّل مرتبة المُحْدَثِين من الشعراء المجيدين، فمن شعره في المشورة قصيدته المشهورة التي مطلعها:
إِذا بَلَغَ الرَّأْيُ المشورَةَ فَاسْتَعِنْ
بحَزْمِ نصيحٍ أَو نصيحة حَازِم

ومن شعره أيضًا قوله:
يَا قَومُ أُذْنِي لبَعض الحَيِّ عاشقة
وَالْأُذْنُ تعشَق قبل العين أَحْيَانَا
قَالُوا: بِمن لَا تَرَى تَهذِي؟ فَقلتُ لَهُم:
الأُذْن كَالعَيْنِ تُوفِّي القَلْبَ مَا كَانَا


وكان يمدح المهدي بن المنصور أمير المؤمنين، ورُمِي عنده بالزَّنْدقة فأمر بضربه فضُرب سبعين سوطًا، فمات من ذلك بالقرب من البصرة فجاء بعض أهله فحمله إلى البصرة ودفنه بها، وذلك سنة ١٦٧، وقد نيَّف على تسعين سنة.

(٢٢) الإمام مالك (٩٠–١٧٩ﻫ)
هو الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصْبَحِيُّ نسبة لذي أصْبَح من الأذْواء ملوك اليمن، إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأعلام، أخذ القراءة عن نافع بن أبي نُعيم، وأخذ العلم عن ربيعة الرأي وأفتى معه عند السلطان، وقال مالك: قَلَّ رجل كنت أتعلمُ منه ما مات حتى يَجيئني ويستفتيني، وقال ابن وهب: سمعت مناديًا ينادي بالمدينة: ألَا لا يُفْتي الناس إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب.

وكان مالك — رضي الله عنه — إذا أراد أن يُحَدِّث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرَّح لحيته وتمكَّن في جلوسه بوقار وهيبة ثم حدَّث، فقيل له في ذلك، فقال: أحبُّ أن أُعظِّمَ حديث رسول الله ﷺ، ولا أُحَدِّث به إلا متمكنًا على طهارة. وكان يكره أن يُحدِّث على الطريق أو قائمًا أو مُسْتعجلًا، وكان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه، ويقول: لا أركب في مدينة بها جثَّة رسول الله ﷺ مدفونة. وقال الواقدي: كان مالك يأتي المسجدَ ويَشْهد الصلوات والجمعة والجنائز ويَعُود المرضى ويقضي الحقوق ويجلس في المسجد ويجتمع إليه أصحابه، وكانت ولادته سنة ٩٠ هجرية وتوفي سنة ١٧٩ بالمدينة ودُفن بالبقيع.


(٢٣) سِيبَوَيْهِ (١٢١–١٦١ﻫ)
وُلد ونشأ بقرية من قُرى شِيرَاز تُعرف بالبيضاء، وكان ميلاده سنة ١٢١، وقيل: بعد ذلك، ثم قَدِم البصرة لتلقِّي الحديث وروايته، ويقال إنه بينما هو يَسْتملي على حمَّاد قولَ النبي ﷺ: «ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئتُ لأخذتُ عليه ليس أبا الدَّرداء» (وأخذتُ: من المؤاخذة، أي المعاتبة)، قال سيبويه: أبو الدرداء بالرفع ظانًّا أنه اسم ليس، فقال حمَّاد: لَحَنْتَ يا سيبويه، ومن ثمَّ عَكَفَ على الاشتغال على الخليل بن أحمد وغيره، وأخذ اللغة عن الأخْفَش الأكبر، ولم يزل مشتغلًا حتى صار إمام الأئمة في علوم اللغة، ووَضَع كتابه في النحو الذي هو مَرْجع علماء النحو، وتوفي سنة ١٦١ على المشهور.


(٢٤) الكسائي (توفي سنة ١٨٩ﻫ)
هو أبو الحسن عليُّ بن حمزة الكُوفي المعروف بالكسائي أحد القراء السبعة، كان إمامًا في النحو واللغة والقراءات، ولم يكن له في الشعر يَدٌ حتى قيل: ليس في علماء العربية أجهل من الكسائي في الشعر. وكان يؤدِّبُ الأمين بن هارون الرشيد ويعلِّمه الأدب. وروى الكسائي عن أبي بكر بن عيَّاش وحمزة الزَّيَّات وابن عُيَيْنة وغيرهم، وروى عنه الفرَّاء وأبو عُبَيد القاسم بن سلَّام وغيرهما. وتوفي سنة ١٨٩ بالرَّيِّ، وكان قد خرج إليها صُحْبة هارون الرشيد، ويقال: إن الرشيد كان يقول: دَفَنْتُ الفقه والعربية بالرَّيِّ، لوفاة محمد بن الحسن الفقيه الحنفي يومئذٍ.


(٢٥) أبو نُوَاس (١٤٥–١٩٨ﻫ)

هو أبو علي الحسن بن هانئ الشاعر المشهور، كان جَدُّه مَوْلى الجَرَّاح بن عبد الله الحكَمي والي خُراسان، قيل إنه ولد بالبصرة ونشأ بها ثم خرج إلى الكوفة، ورُوي أن الخَصِيب صاحب مصر سأل أبا نُواس عن نَسَبه، فقال: أغنْاني أدبي عن نسبي. وما زالت العلماء والأشراف يروون شعره ويتَفَكَّهون به ويُفضِّلونه على أشعار القدماء، وكان من أجود الناس بديهة وأرقِّهم حاشية حتى قال الجاحظ: لا أعرف بعد بَشَّار مُوَلَّدًا أشعرَ من أبي نواس.

وكان أبو نواس يعجبه شعر النابغة ويُفَضِّله على زهير تفضيلًا شديدًا، وكان المأمون يقول: لو وَصَفَت الدنيا نفسها لما وصفت بمثل قول أبي نواس:
ألَا كُلُّ حَيٍّ هالِكٌ وابنُ هالكٍ
وذُو نَسَبٍ في الهالِكِين عَريقِ
إذَا امْتَحَنَ الدُّنْيا لَبيبٌ تَكَشَّفَتْ
لَهُ عن عَدُوٍّ في ثِيابِ صَديقِ


وكانت وفاته سنة ١٩٨ ببغداد.

https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


عطر الجنة 07-01-2021 03:33 AM

رد: أدبيات اللغة العربية
 


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png




(٢٦) الإمام الشافعي (١٥٠–٢٠٤ﻫ)
هو الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس القُرشي، يجتمع مع رسول الله ﷺ في عبد مَنَاف. وكان — رحمه الله — كثير المناقب، جمَّ المفاخر، منقطع القَرين، اجتمع فيه من العلوم بكتاب الله وسنة الرسول ﷺ وكلام الصحابة — رضي الله عنهم — وآثارهم وغير ذلك من معرفة كلام العرب واللغة العربية والشعر حتى إن الأصْمَعيَّ مع جلالة قدره في هذا الشأن قرأ عليه أشعار الهُذَليِّين ما لم يجتمع في غيره، حتى قال أحمد بن حنبل، رضي الله عنه: ما عرفتُ ناسخ الحديث من منسوخه حتى جالستُ الشافعي.

وقال، رضي الله عنه: قدمْت على مالك بن أنس وقد حفظتُ المُوَطَّأ، فقال لي: أحضر من يقرأ لك، فقلت: أنا قارئ، فقرأت عليه الموطَّأ حفظًا، فقال: إن يكُ أحدٌ يُفْلح فهذا الغلام. وكان سفيان بن عُيَيْنة إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا التفتَ إلى الشافعي فقال: سلُوا هذا الغلام. وقال أحمد بن حنبل: ما أحدٌ ممن بيده مَحْبَرةٌ أو ورقٌ إلَّا وللشافعي في رقبته مِنَّة. ففضائله أكثر من أن تُعَدَّ. وولد سنة ١٥٠، وقيل إنه وُلد في اليوم الذي توفِّي فيه الإمام أبو حنيفة. وكانت ولادته على الأصحِّ بمدينة غَزَّة، وحُمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين، فنشأ بها وقرأ القرآن الكريم، وقدِمَ بغداد سنة ١٩٥ فأقام بها سنتين، ثم خرج إلى مكة ثم عاد إلى بغداد، ثم خرج إلى مصر ولم يزل بها إلى أن توفِّي سنة ٢٠٤.


(٢٧) الفَرَّاء (١٤٤–٢٠٧ﻫ)
هو أبو زكرياء يحيى بن زياد الأَسْلَميُّ المعروف بالفرَّاء، الدَّيْلَمي الكوفي، كان أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، وحُكي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: «لولا الفرَّاء لما كانت عربية» لأنه خلَّصها وضبطها، ولولاه أيضًا لسقطت؛ لأنها كانت تُتَنازع ويدَّعيها كلُّ من أراد، وتتكلم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب. أخذ النحو عن أبي الحسن الكسائي، ولما اتصل بالمأمون أمَره أن يُؤَلِّف ما يجمع أصولَ النحو وما سُمع من العربية، فصنَّف «الحدود» وأمر المأمون بكَتْبه بالخزائن، ثم ألف كتاب «المعاني»، وله كتابان في الشَّكْل، وله كتاب «اللغات»، وكتاب «الجَمْع والتثنية في القرآن»، وكتاب «الوقف والابتداء» وغير ذلك من الكتب، وتوفي سنة ٢٠٧ في طريق مكة وعمره ٦٣ سنة.

(٢٨) أبو العتاهية (١٣٠–٢١١ﻫ)

هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم المعروف بأبي العتاهية، الشاعر المشهور، وُلد سنة ١٣٠ ببلدة تُسمَّى عَيْنَ التَّمْر بالحجاز قُربَ المدينة المنورة، ونشأ بالكوفة، وسكن بغداد، ومن شعره في حضرة الخليفة المهدي:
أتَتْه الخِلَافةُ مُنْقَادَةً
إليه تُجَرِّرُ أَذْيَالهَا
فَلَمْ تَكُ تَصْلُحُ إلَّا لَهُ
ولَمْ يَكُ يَصْلُحُ إلَّا لَهَا
وَلَوْ رَامَهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ
لَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالهَا
وَلَوْ لَمْ تُطِعْهُ نِيَاتُ القُلُوبِ
لَمَا قَبِلَ اللهُ أَعْمَالَهَا


وله في الزهد أشعار كثيرة، وهو من مُقدَّمي المُوَلَّدين في طبقة بشَّار وأبي نُوَاس، وتوفِّي سنة ٢١١ ببغداد، وقبل وفاته قال: أشتهي أن يجيء مَخَارِقُ المُغنِّي ويغني عند رأسي بهذين البيتين:
إِذَا مَا انْقَضَتْ عَنِّي مِنَ الدَّهْرِ مُدَّتِي
فَإِنَّ عَزَاءَ البَاكِيَاتِ قَلِيلُ
سَيُعْرَضُ عَنْ ذِكْرِي وَتُنْسَى مَوَدَّتِي
ويَحْدُثُ بَعْدِي للخَلِيلِ خَلِيلُ



(٢٩) الأَصْمَعِي (١٢٢–٢١٦ﻫ)
هو أبو سعيد عبد الملك بن قُرَيْب، وأَصْمَعُ جَدُّه الخامس، وينتهي نسبه إلى مُضَرَ بن نِزَار بن مَعَدٍّ، وهو من أهل البصرة، وقَدِم بغداد في خلافة هارون الرشيد ثم عاد إلى البصرة، ولما كانت خلافة المأمون دعاه إليه فلم يُجِب، واحتجَّ بكبر سنه وضعْف قوته، فكان المأمون يجمع المُشْكِل من المسائل ويرسلها إليه ليجيب عنها.

وقد كان الأصمعيُّ إمامًا في اللغة والغرائب والمُلَح، كثير الحفظ قويَّ الذاكرة حتى قال بعضهم: إنه كان يحفظ ستة عشر ألف أُرْجوزة، وقد ألف نحو الأربعين كتابًا أغلبها في اللغة وما يختص بها.

ومما يُحكى عنه أنه اجتمع مع أبي عبيدة عند الفضل بن الربيع وقد ألف كلٌّ منهما كتابًا في الخيل، فسُئل الأصمعيُّ عن كتابه، فقال: هو مُجَلد واحد، وسُئل أبو عبيدة عن كتابه، فقال: خمسون مُجَلدًا، فقيل له: قُمْ إلى هذا الفرس وأمسك كل عضو منه وسَمِّه، فقال: لَسْتُ بَيْطارًا وإنما أخذت هذا عن العرب، فقيل للأصمعي: قُمْ أنت وافعلْ، فقام وجعل يضع يده على كلِّ عضو ويُسَمِّيه وينشد ما قالت العرب فيه، فلما فرغ أُعْطِي الفرس، ويقال إنه كان إذا أراد إغاظة أبي عبيدة يأتي إليه راكبًا تلك الفرس. وتوفِّي سنة ٢١٦ بالبصرة.



(٣٠) أبو تمَّام (١٨٨–٢٣١ﻫ)

اسمه حَبيب بن أَوْس بن الحارث، ينتهي نسبه إلى طيئ، وُلد سنة ١٨٨، ونشأ بمصر، وقد قيل إنه كان يَسْقِي الماء بالجَرَّة في جامع مصر، وقيل: كان يخدم حائكًا ويعمل عنده، ثم اشتغل وتنقَّل إلى أن صار واحد عصره في ديباجة لفظه وفصاحة شعره وحُسْن أُسْلُوبه، وكان له من المحفوظات ما لا يلحقه فيه غيره، حتى قيل إنه كان يحفظ أربعة عشر ألف أُرْجُوزة للعرب غير المَقَاطيع والقصائد، وله كتاب «الحماسة» الذي دل على غزارة فضله وإتقان معرفته وحُسن اختياره، وله مجموع سمَّاه «فحول الشعراء» جمع فيه طائفة كثيرة من شعراء الجاهلية والمُخَضْرَمِين والإسلاميين. وتوفي سنة ٢٣١ هجرية.

https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png

عطر الجنة 07-01-2021 03:35 AM

رد: أدبيات اللغة العربية
 


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


(٣١) الإمام أحمد بن حنبل (١٦٤–٢٤١ﻫ)

هو أحمد بن محمد بن حَنْبَل، ينتهي نسبه إلى عدنان، وُلِدَ في بغداد سنة ١٦٤، وكان إمام المُحدِّثين، صنَّف كتابه «المُسْنَد» وجمع فيه من الحديث ما لم يتفق لغيره، وكان يحفظ أحاديثَ كثيرةً، وكان صاحب الإمام الشافعي — رضي الله عنه — ومن خواصِّه، ولم يَزَل مُصَاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر، وقال في حقه: خرجتُ من بغداد وما خَلَّفت بها أتْقى ولا أفقه من ابن حنبل. ودُعي إلى القول بخلق القرآن فلم يجب؛ فضُرب وحُبِس وهو مُصرٌّ على الامتناع. أَخَذَ عنه الحديث جماعة من الأماثل، منهم محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النَّيْسابوري، ولم يكن في آخر عصره مثلُه في العلم والورع. توفي سنة ٢٤١ ببغداد.

(٣٢) البخاريُّ (١٩٤–٢٥٦ﻫ)

هو أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن البخاريُّ، الحافظ الإمام في علم الحديث صاحب «الجامع الصحيح» و«التاريخ»، رَحَل في طلب الحديث إلى أكثر مُحدِّثي الأمصار، وكتب بخُراسان والجبال ومدن العراق والحجاز والشام ومصر، وقدِمَ بغداد واجتمع إليه أهلها، واعترفوا بفضله، وشهدوا بتفرُّده في علم الرواية والدراية. وحكى أبو عبد الله الحُمَيدي في كتاب «جَذْوة المُقْتَبِس» والخطيب في «تاريخ بغداد» أن البخاري لما قدم بغداد سمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وأعطوها لعشرة أنفس، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يُلْقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، وقد حضره كثير من أصحاب الحديث، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه واحد من العشرة فسأله عن حديثٍ من تلك الأحاديث، فقال: لا أعرفه، ثم سأله عن آخر، فقال: لا أعرفه أيضًا، وهكذا حتى انتهى الجميع، فلمَّا علم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم وقال له: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الوَلاء حتى أتمَّ العشرة، وفعل بالآخرين كذلك وردَّ مُتُون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدَها إلى متونها، فأقرَّ له الناس بالحفظ وأَذْعَنوا له بالفضل، وروى عنه أبو عيسى التِّرْمِذِي. ووُلِدَ سنة ١٩٤ وتوفي سنة ٢٥٦.


(٣٣) مسلمٌ (٢٠٦–٢٦١ﻫ)

هو أبو الحُسين مُسْلِم بن الحَجَّاج بن مسلم القُشَيْري النَّيْسَابوري صاحب «الصحيح»، أحد الأئمة الحُفَّاظ وأعلام المُحدِّثين، رحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري وأحمد بن حنبل وغيرهما، وقدِم بغداد غير مرَّة فروى عنه أهلُها، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء أصحُّ من كتاب مسلم في علم الحديث. وتُوُفِّي مسلم المذكور سنة ٢٦١ بنيسابور وعُمْره خمس وخمسون سنة، وقال ابن الصلاح إنه وُلد سنة ٢٠٢.
(٣٤) ابن الرُّومي (٢٢١–٢٨٤ﻫ)

هو أبو الحسن عليُّ بن العباس الشاعر المشهور، صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويُبْرزها في أحسن قالَب، وكان إذا أخذ المعنى لا يزال يستقصي فيه حتى لا يدع فيه فَضْلة ولا بقية. ومن كلامه وهو في مرض موته، وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة فزعم أنه غلط في بعض العقاقير، قوله:
غَلِطَ الطَّبِيبُ عَلَيَّ غَلْطَةَ مُورِدٍ
عَجَزَتْ مَوَارِدُهُ عَنِ الإصْدَارِ
والنَّاسُ يَلْحَوْنَ الطَّبِيبَ وَإِنَّمَا
غَلَطُ الطَّبِيبِ إصَابَةُ الأَقْدَارِ


وكانت ولادته ببغداد سنة ٢٢١، وتوفي سنة ٢٨٤.

(٣٥) ابن دريد (٢٢٣–٣٢١ﻫ)

هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دُرَيد بن عَتَاهِيَة، ينتهي نسبه إلى قحطان، كان إمام عصره في اللغة والأدب والشعر، وقال المسعودي في كتاب «مروج الذَّهب» في حَقِّه:
كان ابن دريد ببغداد ممن برع في زماننا في الشعر وانتهى في اللغة، وقام مقام الخليل بن أحمد فيها، وكان يذهب في الشعر كل مذهب، وله تصانيف مشهورة منها كتاب «الجَمْهَرَة» وهو من الكتب المعتبرة في اللغة، وكتاب «الاشتقاق»، وكتاب «السَّرْج واللِّجَام» إلى غير ذلك من الكتب الجليلة. وكانت ولادته بالبصرة سنة ٢٢٣، ونشأ بها، وتعلَّم فيها، وأخذ عن أبي حاتم السِّجِسْتاني والرياشي وغيرهما، ثم انتقل مع عمه الحسين إلى عُمَان وأقام اثنتي عشرة سنة ثم عاد إلى البصرة، ثم خرج إلى نواحي فارس، ثم إلى بغداد ومات بها سنة ٣٢١، ورثاه أحد البرامكة وهو جَحْظة بقوله:
فَقَدْتُ بِابنِ دُرَيْدٍ كُلَّ فَائِدةٍ
لَمَّا غَدَا ثَالثَ الأَحْجَارِ وَالتُّرَب
وكُنْتُ أَبْكِي لِفَقْدِ الجُودِ مُنْفَرِدًا
فَصِرْتُ أَبْكِي لِفَقْدِ الجُودِ وَالأَدَب


https://k.top4top.io/p_2007qrxtc1.png


الساعة الآن 01:30 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)