منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع القران الكريم وعلومه (https://hwazen.com/vb/f28.html)
-   -   سلسلة قصص الأنبياء كاملة في صفحات شعاع (https://hwazen.com/vb/t23423.html)

عطر الجنة 11-24-2023 01:35 AM

سلسلة قصص الأنبياء كاملة في صفحات شعاع
 





https://www.babup.com/do.php?img=53508



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

للقصص القرآني طريقته الخاصة في عرض الحقائق، وتقديم الحقائق لإدخالها إلى القلوب في صورة حية؛
وذلك بتمثيل هذه الحقائق في صورتها الواقعية، وهي تجري في الحياة البشرية، كما يجري الماء بسبيله.

قال تعالى ( إن هـذا لهو القصص الحق وما من إلـهٍ إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم )
[ آل عمران: 62]

أخبر سبحانه تعالى { إن هذا } الذي قصه الله عز وجل على عباده هو { القصص الحق } وكل قصص يقص عليهم مما يخالفه ويناقضه فهو باطل

{ وما من إله إلا الله } فهو المألوه المعبود حقا الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولا يستحق غيره مثقال ذرة من العبادة

{ وإن الله لهو العزيز } الذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء { الحكيم }

الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة التامة في ابتلاء المؤمنين بالكافرين، يقاتلونهم ويجادلونهم ويجاهدونهم بالقول والفعل

أن الله أرسل الرسل –عليهم الصلاة والسلام– لأجله. لكي يعبدوه ويوحدوه لا شريك له

قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء، آية 25).


سوف يكون لنا سلسلة من صفحات شعاعية مع قصص الأنبياء عليهم السلام

.................................................. ....................


https://www.babup.com/do.php?img=53507

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القصه الاولى

آدم عليه السلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أبو البشر، خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة وعلمه الأسماء وخلق له زوجته وأسكنهما الجنة وأنذرهما أن لا يقربا شجرة معينة ولكن الشيطان وسوس لهما فأكلا منها فأنزلهما الله إلى الأرض ومكن لهما سبل العيش بها وطالبهما بعبادة الله وحده وحض الناس على ذلك، وجعله خليفته في الأرض، وهو رسول الله إلى أبنائه وهو أول الأنبياء.

..............................

خلق آدم عليه السلام:
..............................

أخبر الله سبحانه وتعالى الملائكة بأنه سيخلق بشرا خليفة له في الأرض. فقالت الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).

ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم تجارب سابقة في الأرض , أو إلهام وبصيرة , يكشف لهم عن شيء

من فطرة هذا المخلوق , ما يجعلهم يتوقعون أنه سيفسد في الأرض , وأنه سيسفك الدماء . .

ثم هم - بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق - يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له , هو وحده الغاية للوجود . .

وهو متحقق بوجودهم هم , يسبحون بحمد الله ويقدسون له, ويعبدونه ولا يفترون عن عبادته !



هذه الدهشة التي ثارت في الملائكة بعد معرفة خبر خلق آدم.. أمر جائز على الملائكة، ولا ينقص من أقدارهم شيئا، لأنهم، رغم قربهم من الله، وعبادتهم له، وتكريمه لهم، لا يزيدون على كونهم عبيدا لله،

لا يشتركون معه في علمه، ولا يعرفون حكمته الخافية، ولا يعلمون الغيب .

لقد خفيت عليهم حكمة الله تعالى , في بناء هذه الأرض وعمارتها , وفي تنمية الحياة , وفي تحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتها وتعديلها , على يد خليفة الله في أرضه . هذا الذي قد يفسد أحيانا , وقد يسفك الدماء أحيانا .

عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء , والخبير بمصائر الأمور: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).

وما ندري نحن كيف قال الله أو كيف يقول للملائكة . وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله ، فلا نعلم عنهم سوى ما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله . ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل وراء الخوض فيه .

إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن .

أدركت الملائكة أن الله سيجعل في الأرض خليفة.. وأصدر الله سبحانه وتعالى أمره إليهم تفصيلا، فقال إنه سيخلق بشرا من طين، فإذا سواه ونفخ فيه من روحه فيجب على الملائكة أن تسجد له،

والمفهوم أن هذا سجود تكريم لا سجود عبادة، لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله وحده.

جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر - ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة - ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون. تعفن الطين وانبعثت له رائحة..

وكان إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء يصير هذا الطين؟

ــــــــــــــــــــــــــــــ

سجود الملائكة لآدم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من هذا الصلصال خلق الله تعالى آدم .. سواه بيديه سبحانه ، ونفخ فيه من روحه سبحانه .. فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة.. فتح آدم عينيه فرأى الملائكة كلهم ساجدين له ..
ما عدا إبليس الذي كان يقف مع الملائكة، ولكنه لم يكن منهم، لم يسجد .. فهل كان إبليس من الملائكة ? الظاهر أنه لا . لأنه لو كان من الملائكة ما عصى . فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . .
وسيجيء أنه خلق من نار . والمأثور أن الملائكة خلق من نور . . ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود .

أما كيف كان السجود ? وأين ? ومتى ? كل ذلك في علم الغيب عند الله . ومعرفته لا تزيد في مغزى القصة شيئاً..

فوبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) .

فردّ بمنطق يملأه الحسد: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) . هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)

وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين. ولا نعلم ما المقصود بقوله سبحانه (مِنْهَا) فهل هي الجنة ? أم هل هي رحمة الله . . هذا وذلك جائز . ولا محل للجدل الكثير .

فإنما هو الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم .

قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) (ص)

هنا تحول الحسد إلى حقد . وإلى تصميم على الانتقام في نفس إبليس: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . واقتضت مشيئة الله للحكمة المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب ,

وأن يمنحه الفرصة التي أراد. فكشف الشيطان عن هدفه الذي ينفق فيه حقده: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ويستدرك فيقول: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فليس للشيطان أي سلطان على عباد الله المؤمنين .

وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه . إنه يقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين . لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان . لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم ! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين

من غوايته وكيده ; والعاصم الذي يحول بينهم وبينه . إنه عبادة الله التي تخلصهم لله . هذا هو طوق النجاة . وحبل الحياة ! . . وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره في الردى والنجاة . فأعلن - سبحانه - إرادته .
وحدد المنهج والطريق: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) .

فهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم , يخوضونها على علم . والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين . وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان .

وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين . فأرسل إليهم المنذرين .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليم آدم الأسماء:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم يروي القرآن الكريم قصة السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري , وهو يسلمه مقاليد الخلافة: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) . سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها -

وهي ألفاظ منطوقة - رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة .

وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض . ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى ,
لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات , والمشقة في التفاهم والتعامل ,
حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه . .
الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسم النخلة ! الشأن شأن جبل .

فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل ! الشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس . . . إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة !

وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .


أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية , لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم .
فلما علم الله آدم هذا السر , وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص . . وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم , والاعتراف بعجزهم ,

والإقرار بحدود علمهم , وهو ما علمهم . . ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء . ثم كان هذا التعقيب الذي

يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم: (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) .


أراد الله تعالى أن يقول للملائكة إنه عَـلِـمَ ما أبدوه من الدهشة حين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ما كتموه من الحيرة في فهم حكمة الله، كما علم ما أخفاه إبليس من المعصية والجحود.. أدرك الملائكة أن آدم

هو المخلوق الذي يعرف.. وهذا أشرف شيء فيه.. قدرته على التعلم والمعرفة.. كما فهموا السر في أنه سيصبح خليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكم فيها.. بالعلم والمعرفة.. معرفة بالخالق.. وهذا ما يطلق عليه اسم الإيمان أو الإسلام..

وعلم بأسباب استعمار الأرض وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها.. ويدخل في هذا النطاق كل العلوم المادية على الأرض.

إن نجاح الإنسان في معرفة هذين الأمرين (الخالق وعلوم الأرض) يكفل له حياة أرقى.. فكل من الأمرين مكمل للآخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سكن آدم وحواء في الجنة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اختلف المفسرون في كيفية خلق حواء. ولا نعلم إن كان الله قد خلق حواء في نفس وقت خلق آدم أم بعده لكننا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أسكنهما معا في الجنة. لا نعرف مكان هذه الجنة.

فقد سكت القرآن عن مكانها واختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه. قال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأن مكانها السماء.

ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليس ولما جاز فيها وقوع عصيان. وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدم وحواء. وقال غيرهم: إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع.

وذهب فريق إلى التسليم في أمرها والتوقف.. ونحن نختار هذا الرأي. إن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها.

لم يعد يحس آدم الوحدة. كان يتحدث مع حواء كثيرا. وكان الله قد سمح لهما بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة.

غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف. واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل
حقده في
صدره، واستغل تكوين آدم النفسي.. وراح يثير في نفسه يوما بعد يوم. راح يوسوس إليه يوما بعد يوم:

(هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) .

تسائل أدم بينه وبين نفسه. ماذا يحدث لو أكل من الشجرة ..؟ ربما تكون شجرة الخلد حقا، وكل إنسان يحب

الخلود. ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة. ثم قررا يوما أن يأكلا منها. نسيا أن الله حذرهما من الاقتراب منها. نسيا أن إبليس عودهما القديم. ومد آدم يده إلى الشجرة وقطف منها إحدى الثمار وقدمها لحواء. وأكل الاثنان من الثمرة المحرمة.

ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلها مسئولية الأكل من الشجرة. إن نص القرآن لا يذكر حواء. إنما يذكر آدم -كمسئول عما حدث- عليه الصلاة والسلام. وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم. أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.

لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية. وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري. وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هبوط آدم وحواء إلى الأرض:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهبط آدم وحواء إلى الأرض. واستغفرا ربهما وتاب إليه. فأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما
عندما يثوب إليها ويلوذ بها ... وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي..
يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث.

يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم

هناك. وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة،


وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله. كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض. أما تجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء

ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداء الشيطان.




عطر الجنة 11-24-2023 01:44 AM

رد: قصص الأنبياء كاملة من ادم عليه السلام الى محمد صل الله عليه وسلم
 


ــــــــــــــــــــــــ

هابيل وقابيل:
ــــــــــــــــــــــــ
يذكر لنا المولى عزّ وجلّ في كتابه الكريم الكثير عن حياة آدم عليه السلام في الأرض. لكن القرآن الكريم يروي قصة ابنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل. حين وقعت أول جريمة قتل في الأرض. وكانت قصتهما كالتالي.
كانت حواء تلد في البطن الواحد ابنا وبنتا. وفي البطن التالي ابنا وبنتا. فيحل زواج ابن البطن الأول من البطن الثاني.. ويقال أن قابيل كان يريد زوجة هابيل لنفسه.. فأمرهما آدم أن يقدما قربانا، فقدم كل واحد منهما قربانا، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل.

قال تعالى في سورة (المائدة):
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَإِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) (المائدة)

لاحظ كيف ينقل إلينا الله تعالى كلمات أحد الأخين ، ويتجاهل تماما كلمات أخوه الذي أراد قتله .

إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) (المائدة)


فقام إليه أخوه قابيل فقتله. قال رسول الله صل الله عليه وسلم "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول
كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل".

جلس هابيل أمام شقيقه الملقى على الأرض. كان هذا الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض.. ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد. وحمل الأخ جثة شقيقه و مشي بها..
ثم رأى القاتل غرابا حيا بجانب جثة غراب ميت. وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض وساوى أجنحته إلى جواره وبدأ يحفر الأرض بمنقاره ووضعه برفق في القبر وعاد يهيل عليه التراب..

اندلع حزن قابيل على أخيه هابيل كالنار فأحرقه الندم. اكتشف أنه وهو الأسوأ والأضعف، قد قتل الأفضل والأقوى. نقص أبناء آدم واحدا. وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم.

قال آدم عليه السلام (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ) وحزن حزنا شديدا على خسارته في ولديه.

مات أحدهما، وكسب الشيطان الثاني. صلى آدم على ابنه، وعاد إلى حياته على الأرض:
إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه. ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويحدثهم عن الله ويدعوهم إليه،
ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه. ويروي لهم قصته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه.

.................................................. ..
استمرار ذرية آدم والإشهاد بالربوبية لله
وولدت حواء أبناء آخرين، وكانت تلد في كل بطن توأم، على أن يتزوج الذكر من أنثى غير توأمه، وجعل الله ذرية آدم تخرج من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم قبل ميلادهم: ألست بربكم؟، قالوا: شهدنا، وبذلك يتعرف الإنسان على خالقه بفطرته، حتى لا يتبقى حجة للكافر يوم القيامة.

وانتشر الناس بعد ذلك وكثروا، وامتدوا في الأرض ونموا، وعهد آدم لأحد أبناءه ويدعى “شيث” أي هبة الله، وهو الذي حمل الرسالة من بعد آدم إلى من تبعه من نسل آدم عليه السلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

موت آدم عليه السلام:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكبر آدم. ومرت سنوات وسنوات.. وعن فراش موته، يروي أبي بن كعب، فقال: إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له،
فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟
قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل. فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره، ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.

وفي موته يروي الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح،

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم "لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة
هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم
فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه،
فقال: أي رب من هذا؟ قال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، قال: رب وكم جعلت عمره؟

قال ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت،
قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطىء آدم فخطئت ذريته".

لما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً.
ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قُتِلَ هابيل. فلما حانت وفاته أوصى إلى أبنه أنوش فقام بالأمر بعده، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل -
وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة، وأنه أول من قطع الأشجار، وبنى المدائن والحصون الكبار، وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى وأنه قهر إبليس وجنوده وشردهم عن الأرض
إلى أطرافها وشعاب جبالها وأنه قتل خلقاً من مردة الجن والغيلان، وكان له تاج عظيم، وكان يخطب الناس ودامت دولته أربعين سنة.

فلما مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ، وهو إدريس عليه السلام على المشهور.


................................

ما يستفاد من قصة آدم:
................................

ليعلم الإنسان تكريم الله للبشرية من آدم وذريته، فقد خلقه الله بيديه، وجعل خلقه من المواد الطاهرة التراب والماء، ونفخ الله فيه من روحه، وأمر الملائكة أن تسجد له، وعلمه ما لم تعلمه الملائكة.

ليعلم الإنسان أصل خلقه وفضل الله عليه فيتوجه إليه بالطاعة والعبادة والتزام أوامره وتجنب نواهيه.

ليدرك الإنسان عدوه، إبليس وذريته، فلا يتبع خطوات الشيطان، وينتبه لأكاذيبه وتزيينه المعاصي.

ليدرك الإنسان أن حياته في هذه الدنيا مؤقتة وليست خالدة، وعليه التزود من هذه الدنيا، والاستعداد ليوم الحساب ليفوز بنعيم الجنة ويتقي عذاب النار.

أن الله يتقبل من المتقين، الذين يتقربون إلى الله بأحسن ما عندهم.

الحذر من الحقد على الآخرين، وعصيان أوامر وشرائع الله.

هذه القصة ليعلم الإنسان أن الله أخرج ذرية آدم من ظهورهم وأشهدهم على ربوبية الله وأقروا بذلك،
وحتى لا يدعي أحد يوم القيامة أنه كان غافلا عن هذا.


__________________




عطر الجنة 11-24-2023 01:59 AM

رد: قصص الأنبياء كاملة من ادم عليه السلام الى محمد صل الله عليه وسلم
 



https://www.babup.com/do.php?img=53511



ـــــــــــــــــــــــــ
القصه الثانيه

إدريس عليه السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ

.....
نبذة:
.....
كان صديقا نبيا ومن الصابرين، أول نبي بعث في الأرض بعد آدم، وهو أبو جد نوح، أنزلت عليه ثلاثون صحيفة،
ودعا إلى وحدانية الله وآمن به ألف إنسان، وهو أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبسها،
وأول من نظر في علم النجوم وسيرها

.........
سيرته:
........
إدريس عليه السلام هو أحد الرسل الكرام الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابة العزيز،

وذكره في بضعة مواطن من سور القرآن، وهو ممن يجب الإيمان بهم تفصيلاً أي يجب اعتقاد نبوته ورسالته على سبيل القطع والجزم لأن القرآن قد ذكره باسمه وحدث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية.

.......
نسبه:
......
هو إدريس بن يارد بن مهلائيل وينتهي نسبه إلى شيث بن آدم عليه السلام واسمه عند العبرانيين (خنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ) وهو من أجداد نوح عليه السلام. وهو أول بني آدم أعطي النبوة بعد (آدم) و (شيث) عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم عليه السلام 308 سنوات لأن آدم عمر طويلاً زهاء 1000 ألف سنة.

......
حياته:
.......
وقد أختلف العلماء في مولده ونشأته، فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل، وقال آخرون إنه ولد بمصر والصحيح الأول،
وقد أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم، ولما كبر آتاه الله النبوة فنهي المفسدين من بني آدم
عن مخالفتهم شريعة (آدم) و (شيث) فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع خفير، فنوى الرحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل (بابل) فقال إذا هاجرنا رزقنا الله غيره، فخرج وخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فرأوا النيل فوقف على النيل وسبح الله، وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق. وكانت له مواعظ وآداب فقد دعا إلى دين الله، وإلى عبادة الخالق جل وعلا، وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة،
بالعمل الصالح في الدنيا وحض على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة، وأمرهم بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرم المسكر من كل شي من المشروبات وشدد فيه أعظم تشديد وقيل إنه كان في زمانه 72 لساناً يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالى منطقهم جميعاً ليعلم كل فرقة منهم بلسانهم. وهو أول من علم السياسة المدنية،
ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدناً في أرضها وأنشئت في زمانه 188 مدينة
وقد اشتهر بالحكمة فمن حكمة قوله (خير الدنيا حسرة، وشرها ندم) وقوله (السعيد من نظر إلى نفسه وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة) وقوله (الصبر مع الإيمان يورث الظفر).


...............................
آداب إدريس عليه السلام
...............................
يوجد بعض الآداب التي تميزت بها دعوة سيدنا إدريس عليه السلام، حيث حرص على توصيل هذه الآداب إلى قومه، ومنها ما يلي:

الزهد في الدنيا، لأنها فانية.
التركيز على ما عند الله سبحانه وتعالى في الآخرة لأنه الباقي.
كان نبي الله إدريس يبعد قومه عن المحرمات مثل الخمر.
أمر إدريس عليه السلام قومه بالتركيز على بعض الآداب مثل العدل، وعدم الجور.
كان سيدنا إدريس يأمر قومه بالصلاة، والصيام.



..........
وفاته:
.........
وقد أُخْتُلِفَ في موته.. فعن ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف
قال: سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر فقال له: ما قول الله تعالى لإدريس {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}؟ فقال كعب:
أما إدريس فإن الله أوحى إليه: أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم - لعله من أهل زمانه -

فأحب أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة، فقال "له": إن الله أوحى إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك.

فذلك قول الله عز وجل {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}. ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها.
وعنده فقال لذلك الملك سل لي ملك الموت كم بقي من عمري؟ فسأله وهو معه: كم بقي من عمره؟

فقال: لا أدري حتى أنظر، فنظر فقال إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين،
فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر. وهذا من الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة.

وقول ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى. إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففي هذا نظر، وإن أراد أنه رفع حياً إلى السماء ثم قبض هناك. فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار. والله أعلم.

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} : رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد. وقال الحسن البصري: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: إلى الجنة، وقال قائلون رفع في حياة أبيه يرد بن مهلاييل والله أعلم. وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح بل في زمان بني إسرائيل.

قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري
عن أنس في الإسراء: أنه لما مرّ به عليه السلام قال له مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما قال آدم و إبراهيم: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، قالوا: فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له.

وهذا لا يدل ولابد، قد لا يكون الراوي حفظه جيداً، أو لعله قاله على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتصب له
في مقام الأبوة كما انتصب لآدم أبي البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن،
وأكبر أولي العزم بعد محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

.............................................
المستفاد من قصة إدريس عليه السلام
..............................................
قصة إدريس عليه السلام فيها العديد من العبر في طياتها، ولكن يجب أن نؤكد على أن جميع الأنبياء
بداية من آدم عليه السلام.

حتى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام جاءوا من أجل تنفيذ شيء واحد وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده،
وفيما يلي العبر:

الشيء الأساسي الذي من أجله بعث جميع الأنبياء هو الدعوة عبادة الله وحده.

توضح هذه القصة أهمية الدعوة إلى التخلُّق بمكارم الأخلاق، والاتصاف بأفضل ما فيها ومحاسنها.

يجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى كرم الأنبياء في الدنيا والآخرة، وكان تكريم إدريس عليه السلام هو
أنه رفع إلى السماء الرابعة.

إذا تواجد الشخص في أرض كفر، وكان العيش فيها صعب وضيق، يفضل ويستحب أن يهاجر منها
إلى أرض إيمان، يوجد بها رغد عيش، وذلك لأن في القرآن الكريم ورد ذكر السعي في مناكب الأرض.

أن تحريم شرب الخمر التي من شأنها أن تذهب العقل من الأمور، التي أجمعت عليها جميع الأديان السماوية.

الإنسان هو خليفة الله في الأرض، يجب أن يعمرها تماماً، مثلما فعل سيدنا إدريس وأسس مدن ونظمها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ


عطر الجنة 11-25-2023 01:36 AM

رد: قصص الأنبياء كاملة من ادم عليه السلام الى محمد صل الله عليه وسلم
 



https://www.raed.net/img?id=499860


ـــــــــــــــــــــــــ
القصه الثالثه

نوح عليه السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ


نسبه

هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ (وهو إدريس) بن يرد بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام،

يقال عنه آدم الثاني؛ لأنّل جميع الباقين على الأرض من ذريته وذلك استنادًا لقوله تعالى

"وَجَعلْناَ ذُرّيتَهُ هُمُ الْباقيينَ" [سورة الصافات : ظ§ظ§] هو أول أولي العزم من المرسلين، ولأن أمته كانت أول أمة مشركة أتت على ظهر الأرض، فكان هو أول من أرسله الله تعالى ليحذر من الشرك وعبادة غير الله (عز وجل).

نبي الله نوح (عليه السلام) هو أحد أولى العزم من الرسل، وتعد دعوته عبرة وقصة عظيمة بها عظيم الدروس والعبر.

اختلف المؤرخون في تحديد المدة بين آدم (عليه السلام)

وبين نوح (عليه السلام) فيرى البعض أنّ نوحًا قد وُلد بعد موت آدم بمئة وست وأربعين سنة، ويرى البعض الآخر أنه وُلد بعد موت آدم بمئة وست وعشرين سنة.

كما قال عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) وورد في البخاري: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام"
وهذا يدل على قولنا فيما سبق أن أمة سيدنا نوح عليه السلام هي أولى الأمم المشركة على الأرض،
وقبلها ومنذ آدم عليه السلام كان البشر يحيون على الإسلام وعبادة الله واحد لا شريك له،
حتى وسوس الشيطان لقوم نوح بالكفر وعبادة الأصنام، ولهذا بعث الله لهم نوحًا رسولًا يهديهم إلى صراطهم المستقيم.

..........
كم عاش سيدنا نوح؟

ذُكِر في العديد من المؤلفات التي عرضت قصة سيدنا نوح لكثير من العلماء أنّ نوحًا (عليه السلام)

قد عاش ألفًا وسبعمئة وثمانين سنة (ظ،ظ§ظ¨ظ*) وكان أطول النبيين عمرًا، وذكر البعض الآخر من العلماء أنه عاش ألفًا ومئة

وخمسين سنة (ظ،ظ،ظ¥ظ*)، وقيل أيضًا أنه عاش ألفًا وأربعمئة وخمسين سنة.
بينما ابن عباس - رضي الله عنه - فقال أنّ نوحًا بُعث وكان عمره أربعين سنة، وبقي في قومه يدعوهم كما جاء في القرآن ألف سنة إلا خمسين، وعاش بعد الطوفان ستين سنة.

كثُرت الأقاويل في هذا الشأن وهو عدد السنين التي عاشها نوح (عليه السلام).

..............................
كيف عصى قوم نوح الله تعالى؟

كان قوم نوح (عليه السلام) يعبدون الأصنام وقد انصرفوا عن عبادة الله وتوحيده بإيعاز ووسوسة من الشيطان،

ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس (رضي الله عنه) في تفسيره لقوله تعالى في [سورة نوح: الآية ظ¢ظ£]

"وقالوا لا تَذَرُنّ ءالِهَتَكُم ولا تَذَرُنّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا ولَا يَغُوثَ ويَعوقَ ونَسْرًا"

أنّ هذه الأسماء لآلهة وأصنام اتخذها قوم نوح آلهة من دون الله، وترجع القصة إلى أنّ هذه الأسماء في الأصل
تعود لصالحين كانوا يعيشون في قوم نوح، فلما ماتوا وجدها الشيطان بابًا يوسوس لهم منه، فوسوس إليهم أن يقوموا بصنع أنصابًا في مجالسهم التي كانوا يجلسون بها ويسمون هذه الأنصاب بأسمائهم، ففعلوا وعبدوهم من دون الله. ليست هذه الآلهة الوحيدة التي عبدها قوم نوح بل عبدوا آلهة كثيرة.

.................................................. ..
إرسال الله تعالى نوح عليه السلام لهداية قومه

كان نوح رجلًا صالحًا لم يحد عن عبادة الله تعالى، كما كان كثير الحمد والشكر لله وحده، ووصفه الله تعالى في قوله: "كان عبدًا شكورًا"
اختار الله عز وجل نوحًا ليدعو أهله بالرجوع إلى الله وترك عبادة غيره، وكما ورد في قوله تعال في [سورة هود : ظ¢ظ¥-ظ¢ظ¦]
"ولَقَدْ أَرْسلْنا نُوحًا إلى قوْمِهِ إنّي لَكُمْ نذيرٌ مُبِينٌ - أَن لَّا تعبُدوا إلّا الله"

دعا نبي الله نوح قومه باللين والقول الطيب وحذرهم من عذاب الله في الدار الآخرة، وقد واجه نوح صعوبات كثيرة
في دعوته لهداية قومه، فقد سارع المستكبرون في إثارة الشُّبه ضد دعوته؛ ليضللوا من أراد اتباعه والحيد عن طريق الضلال

والكفر، وكان الذين أسرعوا إلى الكفر وصد دعوة نوح هم الملأ وهم رؤساء القوم خوفًا على مناصبهم في قومهم وهيبتهم
من أن يذهب بها الدين الجديد، واتجاه الناس إلى التوحيد وعبادة الله.

قال تعالى في كتابه الكريم: "فقالَ المَلَأُ الّذينَ كَفَرُوا من قَوْمِه - مَا نَرَاكَ إِلّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَام اتّبَعَكَ إِلَّا الّذين هُمْ أَراذِلُنَا بَادِيَ الرّأْيِ وَمَا نَرى لَكُمْ عَليْنَا مِنْ فضّلٍ بَلْ نَظُنُّكُم كَاذِبِين" [سورة هود: ظ¢ظ§]

في هذه الآية الكريمة يوضح الله الشُّبه التي أثارها الملأُ ضد نوع، فالشبهة الأولى كانت أنه بشر مثلهم، وأن جميع أتباعه
من الفقراء الضعفاء، والشبهة الثالثة متعلقة بالتكوين الجسدي وأنهم ليسوا مميزين ولا أفضل منهم في شيئ حتى يتبعوه.

اتّبع قوم نوح معه نفس الأسلوب الذي اتبعه الكفار على مر الأزمان مع جميع الرسل والأنبياء، بل إنهم كانوا أشد قسوة وظلم وإيذاء من غيرهم من الأقوام، اتهمه قومه بالجنون وأنه يقول ما لا يصدقه عاقل، وكانوا ينهالون عليه بالسب والترهيب والوعيد
استمر نبي الله نوح في دعوة قومه دون نتيجة ألف سنة إلا خمسين عامًا وهو زمن ليس بالقصير أبدًا،
ولما يأس نوح (عليه السلام) وقف يخطب بينهم ويقول كما جاء في [سورة يونس: ظ§ظ،]
"يَا قَوْم إِنْ كانَ كَبُرَ عَليْكُم مَقَامِي وَتَذْكِيري بآيَاتِ اللّه فعَلى اللهِ تَوكّلْتُ فَأجْمِعُوا أمْرَكُم وَشُرَكَاءَكُم ثُمّ لا يَكُنْ أمْرُكُم عليْكُم غُمّةً ثُمّ اقْضُوا إلىَّ ولا تُنّظِرونِ"
ولما ازداد يأسه خاطب ربه ودعاه، واستجاب له الله تعالى، فكما قال تعالى في سورة نوح: الآيات ظ¥ -ظ¦-ظ§

"قَالَ رَبِّ إنّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا - فَلَم يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارَا -
وإنّي كُلّما دَعَوْتَهُم لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أصَابِعَهُم في آذَانَهِم

واستغّشَوْا ثِيَابَهُمْ وأصَرُّوا واسْتكْبرُوا استِكْبارًا"
تحمل سيدنا نوح (عليه السلام) ألوانا من العذاب من الكفار فدعا الله بألا يترك الكافرين على هذه الأرض؛ لأنهم إذا تُركوا سوف يضلوا الناس عن سبيل الهدى.
الله تعالى يأمر نبيه نوح بصنع السفينة

قال تعالى( وُيصنعُ الفُلْكَ وَكُلّما مرّ عليه ملأٌ مِنْ قومِهِ سَخِرُوا منهُ قال إنْ تَسْخَرُوا منّا فإِنّا نَسخَرُ منْكُم كما تَسْخَرون)
[سورة هود : ظ£ظ¨]

إلى أن جاء يوم أوحى فيه الله تعالى لنوح "أنه لن يؤمنَ من قومِك إِلّا مَنْ قَدْ آمَنَ" وطلب منه الله ألّا يحزن وأن يصنع فلكًا
أي سفينةً وسوف تساعده الملائكة في صنعها وتوجيهه بالتعليمات، وساعده فيها من اتبعه من المؤمنين. وقد كانت هذه السفينة هي معجزة نوح.

استغرق بناء السفينة وقتًا طويلًا ولعلها كانت فرصة لهم، بدأ نوحٌ في تقطيع الأخشاب وصنع السفينة،
كان الكفار كلما مروا عليه وجدوه يصنع السفينة ومنهكًا في صنعها كانوا يستهزئون به وبصنعه لعدم وجود أنهار أو بحار قريبة من مكان عيشهم.

ويثبت أنّ السفينة كانت من الأخشاب قوله تعالى: "وحَمَلْناهُ على ذات ألواحٍ ودُسُر" [سورة القمر]

انتهى سيدنا نوح من بناء السفينة العظيمة وانتظر أمر ربه، وقد علّمه الله تعالى أنّ علامة حدوث الطوفان العظيم هي أن يفور التنّور، وأمره الله تعالى أن يأخذ على ظهر السفينة من كل حيوان وطير وأي من المخلوقات زوجين، صعد مع نوح (عليه السلام الكائنات التي أمره الله بتجميعها، وكذلك المؤمنون الذين اتبعوه وكان عددهم قليل.

كانت زوجة نوح (عليه السلام) من الكفار، فكانت تكذبه وتكفر بالله وتشرك بها، وعلى الرغم من محاولاته الكثيرة
معها لهدايتها إلا أنها كانت مع القوم الكافرين. وكان أيضًا من المكذبين لنوح ابنه كان عنده أمل في أن يلحق بأبيه على السفينة ويكون من الناجين لكنه رفض وتمسك بكفره ظنًا منه أنه سينجو إذا لجأ إلى قمة أعلى الجبال،
ولم يعرف أنه لا ملجأ له من الله إلا إليه.

.................
الطوفان العظيم
......................
وفي يوم الطوفان العظيم أمر الله الماء بإغراق الأرض كلها، فكل فتحة من فتحات الأرض خرج منها ماء منهمر،
ونزل من السماء أمطار لم تر مثلها الأرض، أخذت المياه في الازدياد والارتفاع حتى بلغت أعلى أطول الأشجار
وغطتها بالكامل هي وقمم أعلى الجبال.

وفي بداية الطوفان رأى النبي نوح عليه السلام ابنه وهو يحاول النجاة من الغرق، فقال له أن يأتي معه على السفينة
ويكون من المؤمنين الموحدين فأبى ابنه، وحالت الأمواج بينه وبين أبيه وغرق مع الكافرين.

.................................................. ..............
الدروس المستفادة من قصة نوح عليه السلام:

لم تختلف الرسل والأنبياء منذ إعمار الأرض وحتى جاء خاتم المرسلين والنبيين النبي محمد (صل الله عليه وسلم)،
فقد كان هدفهم واحد وهو دعوة البشر لعبادة الله الواحد الخالق، والقضاء على الشرك.

قصة دعوة نوح عليه السلام وما بها من الصبر على الأذى، وبذل كل ما بأيديه من أجل الدعوة إلى الله تعالى رغم الإيذاء
الذي تعرض له، واستخدامه كل الأساليب لترغيبهم في التوحيد بالله على طول مئات السنين تعلمنا الصبر والإصرار.

كان نوح عليه السلام رمزًا للإخلاص التام لله تعالى عند من جاء بعده من الأنبياء.

نتعلم من نبي الله نوح عليه السلام قيمة وأهمية الشكر والحمد دائمًا في السراء والضراء، وأنّ الله تعالى يقدّر عباده الشاكرين.

وأيضا ثمة درس مهم تنطوي عليه الآيات الكريمة التي تقص قصة نوح وابنه.

أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنبيه الكريم أن ابنه ليس من أهله، لأنه لم يؤمن بالله، وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس.

ابن النبي هو ابنه في العقيدة. هو من يتبع الله والنبي، وليس ابنه من يكفر به ولو كان من صلبه. هنا ينبغي أن يتبرأ المؤمن من غير المؤمن. وهنا أيضا ينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب. لا اعتبارات الدم أو الجنس أو اللون أو الأرض.

واستغفر نوح ربه وتاب إليه ورحمه الله وأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته. وهبط نوح من سفينته.

أطلق سراح الطيور والوحش فتفرقت في الأرض، نزل المؤمنون بعد ذلك.

ولا يقض لنا القرآن الكريم قصة من آمن مع نوح بعد نجاتهم من الطوفان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ


عطر الجنة 11-25-2023 06:08 PM

رد: سلسلة قصص الأنبياء كاملة من صفحات شعاع
 



https://www.raed.net/img?id=500941


ــــــــــــــــــــــ
القصه الرابعه

هود عليه السلام
ـــــــــــــــــــــــــــ
......
نبذة:
.....
نبي الله هود عليه السلام، هو من نسل نوح عليه السلام، وقد أرسله الله إلى قود عاد الأولى الذين
يسمون بــ “إرم ذات العماد”، الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان،

وقوم عاد الأولى هم أمة جعلهم الله أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش، وكانوا يسكنون اليمن جنوب الجزيرة العربية حيث الأودية بين جبال الرمال، وكانوا يجاورون البحر، وكانوا يبنون خياماً كبيرة ذات أعمدة ضخمة،

وسماهم القرآن “إرم ذات العماد”، لكنهم كفروا بالله وعبدوا الأصنام، وكانت أصنامهم ثلاثة: صدا، وصمودا، وهرا.

كانت عاد تعيش في حضارة ورفاهية لم يخلق مثلها في البلاد، فكانت تأتيهم الرياح محملة بالسحب والأمطار، وكانوا يمتلكون العيون والحدائق والأنعام، وعندهم الكثير من الذرية والأولاد، وقد أعطاهم الله بسطة في الجسم فكانوا عمالقة أقوياء أصحاب بطش شديد.

بلغت قوة ورفاهية قوم عاد أنهم كانوا يصنعون الخيام بأعمدة طويلة، وكانوا يبنون أبراجاً وقصوراً عالية في كل
مكان مرتفع كنوع من الرفاهية والعبث، وكانوا يصنعون كل ما يؤمن لهم استمرار الحياة والاستمتاع بها وكأنهم مخلدون.

لكن قوم عاد كفروا بالله فكانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، ولم يؤمنوا باليوم الآخر ولم يعتقدوا بوجود بعث
بعد الموت، ومن ثم حساب وجزاء وعقاب، وقد بلغ استكبارهم أنهم كانوا يظنون أنه ألا توجد قوة أكبر من قوتهم.

..........................
عبادة الناس للأصنام:
..........................
بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض. فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين. لم يكن بينهم كافر واحد. ومرت سنوات وسنوات. مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح، وعادت عبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.

قال أحفاد قوم نوح: لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان. وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها،
وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة مع الله.
وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية.

............................
إرسال هود عليه السلام:
............................

كان "هود" من قبيلة اسمها "عاد" وكانت هذه القبيلة تسكن مكانا يسمى الأحقاف.. وهو صحراء تمتلئ بالرمال،
وتطل على البحر. أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع،
وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام، والطول والشدة.. كانوا عمالقة وأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم.
فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم. ورغم ضخامة أجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة. كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها،

ويحاربون من أجلها، ويتهمون نبيهم ويسخرون منه. وكان المفروض، ما داموا قد اعترفوا أنهم أشد الناس قوة، أن يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.

قال لهم هود نفس الكلمة التي يقولها كل رسول. لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع. كلمة واحدة هي الشجاعة كلها، وهي الحق وحده (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).

وسأله قومه: هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك؟ وأي أجر تريده؟

أفهمهم هود أن أجره على الله، إنه لا يريد منهم شيئا غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة. حدثهم عن نعمة الله عليهم، كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح، كيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس، كيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع. كيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى به الأرض. وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض، وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد.

قالوا لهود: كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟
قال هود: كان آباؤكم مخطئين.
قال قوم هود: هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء، سنعود إلى الحياة؟
قال هود: ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.

.................................
موقف الملأ من دعوة هود:
................................
رفض سادة وأعيان قومه ما يقوله هود، وقالوا: إنا نراك في سفاهة، كيف نترك عبادة الأصنام التي يرتجى منها النصر والرزق، أنت تكذب ياهود، وتدعي أن الله أرسلك، ولا نظنك إلا من الكاذبين.


قال هود: ياقوم ليس بي سفاهة، ولكني رسول من رب العالمين، جئت أبلغكم رسالات ربي بإخلاص وأمانة، وأنا لا أبغي سوى نصحكم، وليس لي أي هدف غير هذا، فأنا لم أبتغ منكم أجراً، فأجري أطلبه ممن أرسلني إليكم، فهو الذي يملك خير الدنيا والآخرة، الله الذي أرسلني هو الذي يرزقكم هذه الخيرات التي تعيشون فيها، وهو الذي يبعث بعد الموت ويجزي المؤمنين على إيمانهم ويعاقب الكافرين على كفرهم.

قال قوم هود: ياهود أنت مجرد رجل عادي مثلنا، وكيف لرجل عادي أن يرسله الله؟،
وأنت ما جئتنا بمعجزة أو بينة تثبت لنا فيها صحة كلامك، يا قومنا لا تصدقوا هود فيما يدعيه،
إنما هو رجل مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون، وإذا أطعتم بشراً مثلكم تهلكون، إنه مجنون،
يوعدكم أنكم إذا متم وأصبحتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون مرة أخرى.

قال هود: أوعجبتكم أن يرسل الله إليكم رجل منكم، وهو سبحانه يفعل ما يشاء ويرسل من يشاء، ياقوم، ألا يعقل أحدكم ويميز
أنني أدعو بالحق المبين الذي تشهد به الفطرة، ألا يرى أحدكم أن ما أدعوكم إليه هو دين الحق الذي بعث الله به نوحاً من قبلنا وعاقب الذين خالفوه وأغرقهم بالطوفان؟، ألا يميز أحدكم أن هذه الأصنام ما هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباءكم
وليست آلهة وإنما هي حجارة جامدة لا تنفع ولا تضر؟، ياقومنا إن الكفر بالله هو الخسران المبين، وفي يوم القيامة
لن ينفع الندم وقتها.

قالوا: ياهود عد إلى رشدك، فقد أصابتك بعض آلهتنا بسوء، وغضبت عليك، أنت مصاب بالجنون،
ولا يمكن لنا أن نستجيب لادعاءاتك ونترك عبادة الأصنام.

قال هود: إن كنتم تزعمون أن هذه الأصنام تنصر وتنفع وتضر، فإني أُشهد الله واشهدوا أني برئ منها،
وأتحداكم أنها لا تملك أن تضرني، وها أنا أمامكم توكلوا على آلهتكم، وأجمعوا كيدكم ضدي ولا تتأخروا لحظة واحدة، أما أنا فأتوكل على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها.

عجز القوم أن يصيبوا هوداً بضرر أو يصلوا إليه بسوء رغم قوة بطشهم، وقالوا: ياهود، توقف عن ادعاءاتك،
فسواء وعظتنا أو لم تعظنا، لن نترك عبادة الأصنام التي ورثناها من سلفنا، واعلم أننا لن يصيبنا أي عذاب،
فلا يوجد من هو أشد منا قوة، وإذا كنت تصر على كذبك، فأتنا بما توعدنا من العذاب إن كنت صادقاً،
ولننظر من ينتصر منا.

لجأ هود شاكياً إلى الله قال: رب انصرني عليهم، فقد كذبوني ولم يستجب لدعوتي إلا بعض المؤمنين،
فقال الله عز وجل لهود: قد استجبنا دعوتك ياهود، وبعد قليل ليصبحن نادمين، وينزل عليهم الهلاك.

...........................
نزول العذاب والهلاك
............................

انقطعت السماء عن نزول المطر، ونزل القحط بالقوم، وراحوا يترقبوا السماء أن تأتي بالمطر، وبدأت تتدهور حالة الناس
من قلة المياه، وحاول هود للمرة الأخيرة أن يثنيهم عن عنادهم وكفرهم ويحذرهم من العذاب،

وقال: قد وقع عليكم رجس وغضب من ربكم، لا تجادلوني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم دون دليل أو برهان،
فالله وحده هو المعبود وحده لا شريك له، وإذ أبيتم قبول الحق وتماديتم في الباطل، فانتظروا الآن عذاب الله الواقع بكم، وبأسه الذي لا يرد ونكاله الذي لا يصد.

وجاء أمر الله، وأقبلت ريح من بعيد، فرآهم القوم وفرحوا بها، ظناً منهم أنها رياح خير وتحمل السحب الممطرة
التي ينتظرونها ويطلبونها بتعجل، وقالوا: هذا عارض ممطرنا، ولم يدروا أنها ريح فيها عذاب أليم، فهذه الريح تحمل سحابة سوداء، وكانت علامة بدء نزول العذاب.

اتخذ هود عليه السلام ومن معه من المؤمنين مكاناً للاعتزال به، وللوقاية من عذاب الله المقبل والذي يستمر
لعدة أيام، أما قوم هود الكافرين فراحوا يستقبلون الريح والسحب القادمة، حتى تجهمت الوجوه حين أقبلت ورأوها ريح سوء عقيمة.

كانت الريح عبارة عن إعصار شديد ينطلق بسرعة هائلة، وتطلق صريراً وصيحة مدوية ترعب السامعين، ودخلت الريح القرية تدمر كل شيء، فإذا القوم العمالقة أصحاب القوة يتطايرون في الهواء من شدة دفع الريح فتقذفهم لأعلى ثم يسقطون سقوطاً مدوياً على الأرض فتكسر رقابهم وتتطاير رؤسهم، فقد كانت الريح أقوى منهم وما نفعتهم قوتهم التي اتخذوها لحمايتهم.

استمرت الريح سبع ليالي وثمانية أيام مستمرة ومتتابعة لا تتوقف، وكانت أيام نحس على القوم، تدخل الريح المساكن وكهوف الجبال وتلتهم القوم، وتصرع العمالقة، وتدمر عليهم البيوت والقصور والأبراج المشيدة، وتقطع دابرهم، وتقطعهم أشلاء
من قوة الدفع، كانت الريح عذاباً غليظاً غير مسبوق على الأرض، لم تترك كافراً مستكبراً عنيداً إلا أخذته وأهلكته.

انتهت الريح وهلك القوم، أصبحت القرية خاوية إلا من آثار مساكن عاد، وأصبح الكافرون كأعجاز نخل خاوية،
أي بلا رأس، وجعلهم الله غثاء، ونجى الله هوداً والذين آمنوا معه ورحمهم من العذاب الغليظ،
وأهلك الله الذين جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد، فأصابهم الله باللعنة في الدنيا وفي الآخرة.

............................
ما يستفاد من القصة:
..........................

من رحمة الله أنه لا يعذب قوماً قبل أن يبعث لهم رسولاً يحظرهم من عقوبة مسلكهم.

جعل الله عقوبة قوم عاد من جنس القوة التي منحهم الله إياها، فجعل الرياح التي حملت المطر لقوم عاد ورزقهم بها العيون والزروع والدواب، جعلها ريحاً تدمرهم لما تكبروا وكفروا بالله.

قوم عاد كانت أكبر قوة عالمية في وقتها، كانت قوتهم عسكرية واقتصادية، وتحدوا خالقهم بأنه لا يوجد من أشد منهم قوة، فأهلكهم الله بذنوبهم وما أغنت عنهم قوتهم.


1- التقدم العمراني والصناعي والعسكري لا ينفع أصحابه ما لم يكن على منهج الله: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا
كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس:24).

2- الرياح والأمطار جند لله لا ندري ماذا تحمل معها: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ:
(اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ)، قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ،
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: (لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الأحقاف:24) (رواه مسلم).

3- طريق هلاك الأمم الكافرة واحد متسلسل "الكفر بالله - ثم الاغترار بالقوة المادية - محاربة الدين - نزول العذاب والهلاك": (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الأنعام:11).

4- إهلاك الكافرين مقرون بالحال الإيمانية للمؤمنين: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:171-173)، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11)،
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) (الحج:40).

5- أن قصص الأنبياء للاتعاظ في كل زمان ومكان.

اللهم إنا نعوذ بك مِن زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ


عطر الجنة 11-25-2023 09:03 PM

رد: سلسلة قصص الأنبياء كاملة من صفحات شعاع
 


https://www.raed.net/img?id=501133



ــــــــــــــــــــــــــ
القصه الخامسة
صالح عليه السلام
ــــــــــــــــــــــــــــــ
.......
نبذة:
......


بعث الله عز وجل إلى قوم ثمود رجلاً منهم وهو صالح عليه السلام وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى الله صالحا والمؤمنين.

...................
سيرته مع قومه
.................
كانت ثمود لها حضارة وقوة، فاتخذت من السهول قصوراً بنتها من الحجارة، كما استطاعت أن تنحت داخل الجبال
وتصنع بيوتاً متينة وآمنة، وسماهم الله في القرآن “أصحاب الحجر” فقد تفننوا في العمارة باستخدام الحجر،
لكنهم لم يتعظوا بما حدث لقوم عاد، وكفروا بالله وصنعوا أصناماً من الحجارة وعبدوها، واستكبروا في الأرض،

وقال صالح لقومه:
(يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير،
كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.

ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، وتذكروا عاقبة من حدث لقوم عاد من غضب الله وهلاكهم، وجعلكم خلفاء في الأرض
من بعدهم، تذكروا آلاء الله ونعمه عليكم، وقد أنزلكم هذه الأرض وجعلكم تعمروها وتسكنون فيها وتبنون القصور والكهوف، وأعطاكم من الزروع والثمار، ياقوم لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، واستغفروا الله وتوبوا إليه،
فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم.

قال قوم ثمود:

ما هذا يا صالح؟

ما الذي حدث لعقلك؟

قد كنت فينا مرجواً وذو رجاحة في العقل قبل هذا الذي تدعونا إليه، أتأمرنا أن نترك دين آبائنا وأجدادنا،
ونعبد الله وحده، إن دعوتك مريبة، ومشكوك في صحتها، عد إلى رشدك، ودع هذا الذي تدعونا إليه.

قال صالح:

وماذا لو كان ما أدعوكم إليه هو الأمر الصحيح؟

وأن الله أرسلني إليكم برحمة منه، ما عذركم إذن عند الله؟

ومن يخلصكم من بين يديه؟

أما أنا فلا يمكنني أن أترك عبادة ربي وطاعته، فإن فعلت فإنني أكن من الخاسرين، وعندها من يجيرني من الله وينصرني؟

قالت ثمود:

يا صالح، إنك لا تدري ما تقول، إنك مسحور، فقد أصابك أحدهم بالسحر، لا ندري ما الذي ستسفيد منه بهذا الكلام، م
ا هو الأجر الذي ستحصل عليه مقابل القيام بدعوتك هذه؟

قال صالح:

يا قوم لا أبتغي منكم أجراً، فأجري على رب العالمين، وما أصابني سحر أو جنون، إنما أنا رسول من رب العالمين،
فاتقوا الله وأطيعون.

واستمر صالح يحاول دعوة القوم إلى عبادة الله، ودعا ضعفاؤهم إلى عدم الاستجابة لكبراءهم الذين أسرفوا
وجحدوا بالله وكفروا به، فاستجاب لصالح بعض القوم الضعفاء وآمنوا بالله، لكن سادة القوم لم يصمتوا أمام ذلك

وصاروا يثنون المؤمنين عن إيمانهم، ويردوهم إلى الكفر بالله، فقالوا لهم ساخرين: أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه؟

قال الضعفاء: نحن نؤمن به وبما أرسل، قال المستكبرون: إنا بالذي آمنتم به كافرون، وازدادت الخصومة والعداوة بين الفريقين.

اشتدت سخرية القوم من نبي الله صالح والذين آمنوا معه، واجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم صالح يدعوهم ويذكرهم
ويحذرهم ويوعظهم، لكنهم استمروا في السخرية، وقالوا له: إن كنت صادقاً فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء طويلة،

فقال صالح: أرأيتم إن فعلت ذلك، أتؤمنون؟ قالوا: نعم. فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك.

قام صالح فصلى ودعا الله أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء
كما وصفوا.

رأى القوم أمراً عظيماً، ومنظراً هائلاً، وقدرة باهرة، ودليلاً قاطعاً، وبرهاناً ساطعاً، فآمن أحد رؤساء القوم ومعه بعض القوم، لكن أكثرهم استمروا على كفرهم وضلالهم وعنادهم.

قال صالح لقومه:

هذه ناقة الله، آية ودليل على صدق ما دعوتكم به، وهي ناقة تأكل كيفما شاءت من أرض الله، ولها يوم تشرب فيه ماء البئر، ويوم آخر تتركه لكم لتشربوا فيه، ولا يمس أحدكم هذه الناقة بأي سوء فيأخذكم عذاب أليم، وهذا ابتلاء من الله لكم ليختبركم أيكم يؤمن به وأيكم يكفر؟

وكان أمر الناقة عجيباً، حيث كانت تعيش بينهم، ترعى من حيث شاءت، وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكان القوم يؤجلون حاجتهم من الماء في يومهم التالي خشية الاقتراب من الناقة فتؤذيهم.

فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع أمرهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشّيطان أعمالهم، وتولى قتل الناقة رئيس القوم، واستعان بتسعة شباب من أفسد شباب القوم الذين تولوا إقناع بقية القوم بضرورة قتل الناقة، وتزيين هذا الأمر بين الناس فاستجاب لهم آخرون.

قال صالح:

يا قوم، لم تستعجلون السيئة قبل الحسنة؟ أنتم تثيرون فتنة وسط الناس، أليس من الأولى أن تستغفروا الله لعلكم ترحمون؟

قالوا: يا صالح لم نعد نريد رؤيتك، نتشاءم كلما رأيناك.

................
عقر الناقة:
...................

وراح القوم يرصدون الناقة ويتتبعونها، فلما وردت الماء، فعرقبها فسقطت إلى الأرض، ثم ابتدرها بأسيافهم، وقتلوها.

عمت الفرحة قوم ثمود الكافرين وراحوا يحتفلوا بمقتل الناقة، ثم توجهوا لصالح قائلين: يا صالح ائتنا بما وعدتنا من العذاب، ها نحن أمامك وقد قتلنا الناقة، فقال نبي الله صالح: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ثم ينزل عليكم عذاب الله وغضبه مما فعلتموه.

اجتمع القوم للمكر بصالح واتفقوا على أن يلحقوه بالناقة ويقتلوه سراً في الليل ثم ينكرون أنهم قتلوه حتى لا يطالب أولياءه بدم

فقالوا: تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم نقول لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون. لكن الله من فوقهم يمكر
فوق مكرهم وهم لا يشعرون.

..............
هلاك ثمود
.............
عد مرور ثلاثة أيام راح القوم يتأهبوا ويترقبوا وينتظروا ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة، فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من أسفل منهم، فكانت صاعقة العذاب المهين، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق فأصبحوا في دارهم جاثمين، جثثاً لا أرواح فيها ولا حراك بها، وأصبحت بيوتهم خاوية بما ظلموا، ونجى الله المؤمنين، وتركها الله آية للعظة والعبرة.

ونظر صالح عليه السلام بما حل بقومه بعد هلاكهم قائلاً: يا قوم، لقد أبلغتكم رسالة ربي واجتهدت بكل ما أمكنني لهدايتكم، ونصحت لكم، ولكن لا تحبون الناصحين.

أما الذين آمنوا مع صالح،عليه السلام فقد نجوا مع نبيهم .

...........................................
مايستفاد من قصة صالح عليه السلام
...............................................

إن قصة قوم ثمود من القصص القرآنية الهامة والمعبّرة عن جحود الكفار والمشركين بالله تعالى،.

قدرة الله تعالى عليهم، والعقاب الشديد الذي ينتظر الأقزام الذين لا يعترفون بنعم الله عليهم،

ب تعتبر من القصص الرائعة التي تعبّر عن المجتمعات التي حادت عن مسار الله وأوامره ونواهيه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ


عطر الجنة 11-25-2023 10:55 PM

رد: سلسلة قصص الأنبياء كاملة من صفحات شعاع
 


https://www.babup.com/do.php?img=53674

ــــــــــــــــــــــــــ
القصه السادسة
إبراهيم عليه السلام
الجزء 1
ـــــــــــــــــــــــــــــ
........
نبذة:
........

نبي الله إبراهيم عليه السلام، هو خليل الله، من نسل نوح عليه السلام، أرسله الله لقومه الذين كفروا بالله وعبدوا الأصنام،
كان إبراهيم يعيش في قوم يعبدون الكواكب، فلم يكن يرضيه ذلك، وأحس بفطرته أن هناك إلها أعظم حتى هداه الله واصطفاه برسالته،

وأخذ إبراهيم يدعو قومه لوحدانية الله وعبادته ولكنهم كذبوه وحاولوا إحراقه فأنجاه الله من بين أيديهم،
جعل الله الأنبياء من نسل إبراهيم فولد له إسماعيل وإسحاق، قام إبراهيم ببناء الكعبة مع إسماعيل.

وهاجر من أرض لأرض لتبيلغ دعوة الله، وكلفه الله ببناء بيت الله الحرام، الكعبة المشرفة.

........
سيرته:
..........
منزلة إبراهيم عليه السلام:
هو أحد أولي العزم الخمسة الكبار الذين اخذ الله منهم ميثاقا غليظا، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد..
بترتيب بعثهم.
وهو النبي الذي ابتلاه الله ببلاء مبين. بلاء فوق قدرة البشر وطاقة الأعصاب. ورغم حدة الشدة، وعنت البلاء..
كان إبراهيم هو العبد الذي وفى. وزاد على الوفاء بالإحسان.

وقد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا، فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب.
وجعل العقل في جانب الذين يتبعون دينه.

وكان من فضل الله على إبراهيم أن جعله الله إماما للناس. وجعل في ذريته النبوة والكتاب. فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم
من نسله فهم أولاده وأحفاده. حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، جاء تحقيقا
واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم.

.................................................. .....
حال المشركين قبل بعثة إبراهيم عليه السلام:
.................................................. ......
تحدث القرآن عن ميلاده أو طفولته، ولا يتوقف عند عصره صراحة، ولكنه يرسم صورة لجو الحياة في أيامه،
فتدب الحياة في عصره، وترى الناس قد انقسموا ثلاث فئات:

فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية.

وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر.

وفئة تعبد الملوك والحكام.

.................................
نشأة إبراهيم عليه السلام:
..............................
ولد إبراهيم في أسرة من أسر ذلك الزمان البعيد. لم يكن رب الأسرة كافرا عاديا من عبدة الأصنام، كان كافرا متميزا

يصنع بيديه تماثيل الآلهة. وقيل أن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه، وكان له بمثابة الأب، وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة،

وقيل أن أباه لم يمت وكان آزر هو والده حقا، وقيل أن آزر اسم صنم اشتهر أبوه بصناعته..

ومهما يكن من أمر فقد ولد إبراهيم في هذه الأسرة.

رب الأسرة أعظم نحات يصنع تماثيل الآلهة. ومهنة الأب تضفي عليه قداسة خاصة في قومه، وتجعل لأسرته
كلها مكانا ممتازا في المجتمع. هي أسرة مرموقة، أسرة من الصفوة الحاكمة.

من هذه الأسرة المقدسة، ولد طفل قدر له أن يقف ضد أسرته وضد نظام مجتمعه وضد أوهام قومه وضد ظنون الكهنة وضد

العروش القائمة وضد عبدة النجوم والكواكب وضد كل أنواع الشرك باختصار.

مرت الأيام.. وكبر إبراهيم.. كان قلبه يمتلأ من طفولته بكراهية صادقة لهذه التماثيل التي يصنعها والده.

لم يكن يفهم كيف يمكن لإنسان عاقل أن يصنع بيديه تمثالا، ثم يسجد بعد ذلك لما صنع بيديه.

لاحظ إبراهيم إن هذه التماثيل لا تشرب ولا تأكل ولا تتكلم ولا تستطيع أن تعتدل لو قلبها أحد على جنبها.

كيف يتصور الناس أن هذه التماثيل تضر وتنفع؟!

......................................
مواجهة عبدة الكواكب والنجوم:
.....................................
قرر إبراهيم عليه السلام مواجهة عبدة النجوم من قومه، فأعلن عندما رأى أحد الكواكب في الليل، أن هذا الكوكب ربه.

ويبدو أن قومه اطمأنوا له، وحسبوا أنه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة الكواكب.

وكانت الملاحة حرة بين الوثنيات الثلاث: عبادة التماثيل والنجوم والملوك.

غير أن إبراهيم كان يدخر لقومه مفاجأة مذهلة في الصباح. لقد أفل الكوكب الذي التحق بديانته بالأمس.

وإبراهيم لا يحب الآفلين. فعاد إبراهيم في الليلة الثانية يعلن لقومه أن القمر ربه.

لم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا أنه يسخر منهم برفق ولطف وحب.

كيف يعبدون ربا يختفي ثم يظهر. يأفل ثم يشرق. لم يفهم قومه هذا في المرة الأولى فكرره مع القمر.

لكن القمر كالزهرة كأي كوكب آخر.. يظهر ويختفي.

فقال إبراهيم عليه السلام عدما أفل القمر (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)

نلاحظ هنا أنه عندما يحدث قومه عن رفضه لألوهية القمر.. فإنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف.

كيف يعبد الناس ربا يختفي ويأفل. (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي) يفهمهم أن له ربا غير كل ما يعبدون. غير أن اللفتة لا تصل إليهم.

ويعاود إبراهيم محاولته في إقامة الحجة على الفئة الأولى من قومه.. عبدة الكواكب والنجوم.

فيعلن أن الشمس ربه، لأنها أكبر من القمر. وما أن غابت الشمس، حتى أعلن براءته من عبادة النجوم والكواكب.

فكلها مغلوقات تأفل. وأنهى جولته الأولى بتوجيهه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا.. ليس مشركا مثلهم.
استطاعت حجة إبراهيم أن تظهر الحق.

وبدأ صراع قومه معه. لم يسكت عنه عبدة النجوم والكواكب. بدءوا جدالهم وتخويفهم له وتهديده.

ورد إبراهيم عليهم قال( أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) (الأنعام

بعد أن بين إبراهيم عليه السلام حجته لفئة عبدة النجوم والكواكب، استعد لتبيين حجته لعبدة الأصنام. آتاه الله الحجة في المرة الأولى كما سيؤتيه الحجة في كل مرة.

سبحانه.. كان يريه لإبراهيم ملكوت السماوات والأرض. لم يكن معه غير إسلامه حين بدأ صراعه مع عبدة الأصنام.
هذه المرة يأخذ الصراع شكلا أعظم حدة. أبوه في الموضوع.. هذه مهنة الأب وسر مكانته وموضع تصديق القوم..
وهي العبادة التي تتبعها الأغلبية.


.....................................
إبراهيم عليه السلام يدعو أبيه
....................................

اتصف إبراهيم عليه السلام بالرشد ورجاحة العقل في صغره، وابتعثه الله رسولاً، واتخذه خليلاً في كبره،
وكان أبوه آزر كافراً يعبد الأصنام مع قومه، فكانت أول دعوة إبراهيم لأبيه.

سأل إبراهيم أبيه: يا أبت ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ فقال: هذه آلهة نعبدها ونقدم لها القرابين.

فقال إبراهيم: وكيف تكون آلهة وقد صنعتموها بأيديكم، وهي حجارة لا تسمع ولا ترى ولا تنفع ولا تضر؟

قال: يا بني إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون.

قال إبراهيم عليه السلام: يا أبت، إن الله قد آتاني علماً، وبعثني رسولاً لهداية الناس بعد أن أضلهم الشيطان بعبادة هذه الأصنام، وإني أدعوك يا أبي أن تعبد الله، ولا تطع الشيطان فهو للرحمن عصياً.

قال آزر: أتمزح يا إبراهيم أم أنت من اللاعبين؟ لا تتحدث بهذا، وتوقف عن إساءتك للآلهة،
لا يغرنك عقلك بالخروج عن طريق آباءنا وأجدادنا.

قال إبراهيم: يا أبتي إني جاد فيما أقول، هذا طريق الشيطان، وهل تتبع طريق الآباء وهم في ضلال مبين؟

إن ما تعبدون وآباءكم الأقدمون عدو لي، فلا إله إلا رب العالمين، الذي خلقني وهداني، وأطعمني وأسقاني،
وإذا مرضت يشفني، وهو الذي يميتني ثم يحييني، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك، وإن اتبعتني أهدك الطريق السوي والصراط المستقيم، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن.

قال آزر غاضباً: أترغب عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته عن ذلك لأرجمنك واهجرني ملياً.

وقاطع آزر ابنه إبراهيم بسبب دعوته ورسالة ربه، فخرج إبراهيم قائلاً: سلام عليك، وأعدك أني سأستغفر لك ربي، لكني سأعتزلكم وما تدعون من دون الله، وأدعو ربي عسى ألا أكون من الأشقياء.

واستغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه في دعاءه كما وعده، ويكثر في ذلك رجاء أن يمن الله عليه بالهداية،

وليوفي بوعده الذي قطعه على نفسه براً بوالده، لكن الله أوحى إليه أن “آزر” هذا عدو لله وهو من الأشقياء،
فلما تبين ذلك لإبراهيم تبرأ منه، فكان إبراهيم عليه السلام مثالاً للعبد الخاضع لله، الذي قدم حب الله وطاعته على حبه لأبيه.

.................................................. ..............
إبراهيم عليه السلام يحطم الأصنام، والقوم يعاقبوه بالنار
.................................................. ..............
راح إبراهيم يدعو قومه ويطالبهم أن يعبدوا الله ويتقوه، ويحببهم لذلك وأن هذا هو الخير لهم، وتحدث مع القوم
بجرأة عن الأصنام وأنها ليست آلهة ولكنها إفك مبين للتضليل عن سبيل الله.

وخاطب إبراهيم القوم بالعقل والإقناع، فقال لهم بأي منطق تطلبون من الأصنام أن ترزقكم، هل هي من تنزل الأمطار
وتخرج الثمار؟ أنسيتم أن الله هو الخالق والرازق، إن ابتغاء الرزق يكون من الله وليس من حجارة صنعتموها بأيديكم،
فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له.

لكن القوم كذبوا إبراهيم، فذكرهم بعاقبة الأمم من قبلهم فقال: إن أنتم كذبتموني، فقد كذبت أمم من قبلكم،

وعلمتم ما نزل بهم من عذاب الله، أتذكرون كيف هلك قوم نوح وعاد وثمود؟

ألم تروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده بكل يسر، ثم ينشئ النشأة الآخرة ويحاسب الناس على أعمالهم،

فيعذب من عصوه ويرحم من أطاعوه؟ إننا راجعون إلى الله وليس لأحد من دون الله ولي ولا نصير، إنني أخاف عليكم، و
قد جئتكم ناصحاً لكم، وليس لي غاية غير ذلك، فما على الرسول إلا البلاغ المبين.

لكن القوم لم يستجيبوا لإبراهيم، واستمروا في كفرهم وعبادتهم للأصنام، وكان للقوم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة
إلى ظاهر البلد، وكان من عادة القوم أن يخرجوا جميعاً للاحتفال، فأعد إبراهيم مكيدة لفضح فساد عبادة هذه الأصنام.

لما هم القوم بالخروج سألوا إبراهيم ألن تخرج معنا؟ فنظر إبراهيم في النجوم وبها نجم طالع ثم قال: إني سقيم،
فأوهم القوم أنه مريض حتى لا يذهب معهم، فانصرفوا عنه مدبرين إلى احتفالهم،

فقال: والله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين.

فلما خرجوا إلى عيدهم، أسرع إبراهيم مستخفياً وحمل قدوماً وانطلق إلى معبد الأصنام وهو بهو عظيم وبه صنم كبير
وبجواره العديد من الأصنام وقد وضعوا أمامها أنواعاً من الأطعمة قرباناً إليها، ونظر إبراهيم للأصنام والأطعمة

فقال متهكماً: ألا تأكلون؟ ما لكم لا تنطقون؟ ثم بدأ يكسر الأصنام الصغيرة ويحطمها واحداً تلو الآخر،
ثم ترك الصنم الكبير ووضع في يده القدوم ثم انصرف.

ولما عاد القوم ورأوا ما حل بالأصنام صرخوا مستنكرين: من الذي فعل هذا بآلهتنا؟

إنه من الظالمين، يا وليه مما فعل، وتساءلوا: من هذا الذي يمكنه أن يتجرأ ويرتكب هذا الفعل؟

قال بعضهم: سمعنا فتى يسمى إبراهيم يتوعد هذه الآلهة بالسوء،

وقال آخرون: إنه لم يخرج معنا، ونظن أنه فعل هذا لارتكاب هذا السوء، فهو الوحيد الذي يعلن رفضه للأصنام ويذكرها دائماً

بالعيب والتنقص والازدراء، وقرر القوم محاسبة إبراهيم أمام حشود الناس وعقوبته عقاباً شديداً ليكون عبرة لكل من يتطاول على الأصنام، فأسرع القوم إلى إبراهيم يجرون ويستعجلون للإمساك به وهو غاضبون ليأخذونه إلى المحاكمة والعقاب.

واجتمعت حشود القوم، وجاءوا بإبراهيم، وعقدوا محاكمته أمام أعين الناس ليشهدوا على جريمته وعقابه،

قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟
فرد إبراهيم بدهاء: بل فعله هذا الصنم الكبير،
ألا ترون القدوم بيديه؟ واسألوا الأصنام إن كانوا ينطقون.

نظر بعضهم إلى بعض في حيرة وقالوا: أنت تعلم أن هذه الأصنام لا تنطق.

فقال إبراهيم: وهل يعقل أن تعبدوا ما لا يستطيع النطق أو الدفاع عن نفسه، هل هذه آلهة؟

أليس من الظلم أن تعبدوا تلك التي تنحتونها بأيديكم والله خلقكم وما تعملون؟

أي عاقل هذا الذي يعبد من دون الله ما لا ينفع أو يضر بأي شيء؟

عجز القوم عن جدال إبراهيم، فقد غُلبوا وأصبحوا صاغرين نتيجة قوة حجة إبراهيم وسلامة منطقه،

لكنهم عادوا للفتنة مرة أخرى،

وقالوا: نحن أخطأنا لأننا لم نترك حارساً مع الأصنام، أما إبراهيم فاحرقوه في النار وانصروا آلهتكم.

.........................................
نجاة إبراهيم عليه السلام من النار:
..........................................
و بدأ الاستعداد لإحراق إبراهيم عليه السلام . انتشر النبأ في المملكة كلها. وجاء الناس من القرى والجبال والمدن
ليشهدوا عقاب الذي تجرأ على الآلهة وحطمها واعترف بذلك وسخر من الكهنة.

وحفروا حفرة عظيمة ملئوها بالحطب والخشب والأشجار. وأشعلوا فيها النار.
وأحضروا المنجنيق وهو آلة جبارة ليقذفوا إبراهيم فيها فيسقط في حفرة النار..

ووضعوا إبراهيم بعد أن قيدوا يديه وقدميه في المنجنيق. واشتعلت النار في الحفرة وتصاعد اللهب إلى السماء.
وكان الناس يقفون بعيدا عن الحفرة من فرط الحرارة اللاهبة. وأصدر كبير الكهنة أمره بإطلاق إبراهيم في النار.

جاء جبريل عليه السلام ووقف عند رأس إبراهيم وسأله: يا إبراهيم.. ألك حاجة؟

قال إبراهيم: أما إليك فلا.

انطلق المنجنيق ملقيا إبراهيم في حفرة النار. كانت النار موجودة في مكانها، ولكنها لم تكن تمارس وظيفتها في الإحراق.
فقد أصدر الله جل جلاله إلى النار أمره بأن تكون (بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).

جلس الكهنة والناس يرقبون النار من بعيد. كانت حرارتها تصل إليهم على الرغم من بعدهم عنها.

وظلت النار تشتعل فترة طويلة حتى ظن الكافرون أنها لن تنطفئ أبدا.

لم يكن في قلبه مكان خال يمكن أن يمتلئ بالخوف أو الرهبة أو الجزع. كان القلب مليئا بالحب وحده. ومات الخوف.
وتلاشت الرهبة. واستحالت النار إلى سلام بارد يلطف عنه حرارة الجو.

أمر الله سبحانه وتعالى النار أن كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، فإذا بالنار لم تحرق إلا القيود التي وثقت به، وكانت معجزة أزهلت القوم،

أحرقت النار قيوده فقط. وجلس إبراهيم وسطها كأنه يجلس وسط حديقة. كان يسبّح بحمد ربه ويمجّده.

وجعلهم الله خاسرين وأسفلين، وخرج إبراهيم من النار منتصراً، ( وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) (الأنبياء)


فلما انطفأت فوجئوا بإبراهيم يخرج من الحفرة سليما كما دخل. ووجهه يتلألأ بالنور والجلال. وثيابه كما هي لم تحترق.
وليس عليه أي أثر للدخان أو الحريق.

وآمن له ابن أخيه لوطاً والذي أصبح رسولاً مع إبراهيم عليه السلام.

.................................................. ........
مناظرة إبراهيم عليه السلام مع الملك النمرود
.................................................. ........

الملك النمرود، هو ملك بابل، وكان أحد ملوك الدنيا، وهو ملك الآراميين بالعراق. لكنه كان كافراً بالله، وادعى لنفسه الربوبية، وطغى وتجبر في الأرض، وسمع بمعجزة إبراهيم وخروجه من النار سالماً، وذهب إبراهيم عليه السلام يدعوه إلى عبادة الله وحده لا شريك له،

فأنكر النمرود دعوة إبراهيم، وقال: إنما أنا الرب العظيم، مالك هذه الدنيا.

الله تعالى في كتابه الحكيم أخبرنا بالحجة الأولى التي أقامها إبراهيم عليه السلام على الملك الطاغية،
فقال إبراهيم عليه السلام (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ)

قال الملك: (أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أستطيع أن أحضر رجلا يسير في الشارع وأقتله، وأستطيع أن أعفو عن محكوم عليه بالإعدام وأنجيه من الموت.. وبذلك أكون قادرا على الحياة والموت.

قال إبراهيم: ، إن ربي هو خالق هذا الكون، وهو الذي يحيي ويميت.

قال النمرود: أنا أحيي وأميت. وأمر النمرود باستدعاء سجينين محكوم عليهما بالقتل، وقتل أحدهما وعفى عن الآخر،

وقال: أنا أمت هذا وأحييت هذا.

فقال إبراهيم عليه السلام (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)

فبهت الذي كفر " الملك النمرود "وعجز عن الرد، لكنه لم يستجب لدعوة إبراهيم، فعاقبه الله بحشرة صغيرة يقال لها الهسهسه دخلت من أنف النمرود،

ومكثت الحشرة في منخر النمرود تعذبه، فكان يُضرَبُ رأسُه بالمرِازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها. ‏

إن للكون نظما وقوانين يمشي طبقا لها.. قوانين خلقها الله ولا يستطيع أي مخلوق أن يتحكم فيها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عطر الجنة 11-26-2023 12:58 AM

رد: سلسلة قصص الأنبياء كاملة من صفحات شعاع
 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قصه إبراهيم عليه السلام
الجزء 2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
...............................
هجرة إبراهيم عليه السلام:
................................

انطلقت شهرة إبراهيم في المملكة كلها. تحدث الناس عن معجزته ونجاته من النار، وتحدث الناس عن موقفه مع الملك
وكيف أخرس الملك فلم يعرف ماذا يقول. واستمر إبراهيم في دعوته لله تعالى. بذل جهده ليهدي قومه، حاول إقناعهم
بكل الوسائل، ورغم حبه لهم وحرصه عليهم فقد غضب قومه وهجروه،

ولم يؤمن معه من قومه سوى امرأة ورجل واحد. امرأة تسمى سارة، وقد صارت فيما بعد زوجته، ورجل هو لوط،
وقد صار نبيا فيما بعد. وحين أدرك إبراهيم أن أحدا لن يؤمن بدعوته. قرر الهجرة.

قبل أن يهاجر، دعا والده للإيمان، ثم تبين لإبراهيم أن والده عدو لله، وأنه لا ينوي الإيمان، فتبرأ منه وقطع علاقته به.

للمرة الثانية في قصص الأنبياء نصادف هذه المفاجأة. في قصة نوح كان الأب نبيا والابن كافرا،
وفي قصة إبراهيم كان الأب كافرا والابن نبيا، وفي القصتين نرى المؤمن يعلن براءته من عدو الله رغم كونه ابنه أو والده،

وكأن الله يفهمنا من خلال القصة أن العلاقة الوحيدة التي ينبغي أن تقوم عليها الروابط بين الناس، هي علاقة الإيمان لا علاقة الميلاد والدم.

خرج إبراهيم عليه السلام من بلده وبدأ هجرته. سافر إلى مدينة تدعى أور. ومدينة تسمى حاران. ثم رحل إلى فلسطين
ومعه زوجته، المرأة الوحيدة التي آمنت به. وصحب معه لوطا.. الرجل الوحيد الذي آمن به.

بعد فلسطين ذهب إبراهيم إلى مصر. وطوال هذا الوقت وخلال هذه الرحلات كلها، كان يدعو الناس إلى عبادة الله، ويحارب في سبيله، ويخدم الضعفاء والفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحقيقة والحق.

وتأتي بعض الروايات لتبين قصة إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة وموقفهما مع ملك مصر.

وصلت الأخبار لملك مصر بوصول رجل لمصر معه أمرأة هي أجمل نساء الأرض. فطمع بها.
وأرسل جنوده ليأتونه بهذه المرأة. وأمرهم بأن يسألوا عن الرجل الذي معها، فإن كان زوجها فليقتلوه. فجاء الوحي لإبراهيم عليه السلام بذلك.

فقال إبراهيم -عليه السلام- لسارة إن سألوك عني فأنت أختي -أي أخته في الله-، وقال لها ما على هذه الأرض مؤمن غيري وغيرك -فكل أهل مصر كفرة، ليس فيها موحد لله عز وجل.
فجاء الجنود وسألوا إبراهيم: ما تكون هذه منك؟ قال: أختي.

لنقف هنا قليلا.. قال إبراهيم حينما قال لقومه (إني سقيم) و (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوه) و (هي أختي).
كلها كلمات تحتمل التاويل. لكن مع هذا كان إبراهيم عليه السلام خائفا جدا من حسابه على هذه الكلمات يوم القايمة.

فعندما يذهب البشر له يوقم القيامة ليدعوا الله أن يبدأ الحساب يقول لهم لا إني كذب على ربي ثلاث مرات.

ونجد أن البشر الآن يكذبون أمام الناس من غير استحياء ولا خوف من خالقهم.

فلما عرفت سارة أن ملك مصر فاجر ويريدها له أخذت تدعوا الله قائلة: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك
وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر.

فلما أدخلوها عليه. مد يده إليها ليلمسها فشلّ وتجمدت يده في مكانها، فبدأ بالصراخ لأنه لم يعد يستطيع تحريكها،
وجاء أعوانه لمساعدته لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء. فخافت سارة على نفسها أن يقتلوها بسبب ما فعلته بالملك.
فقالت: يا رب اتركه لا يقتلوني به. فاستجاب الله لدعائها.

لكن الملك لم يتب وظن أن ما حدث كان أمرا عابرا وذهب. فهجم عليها مرة أخرى. فشلّ مرة ثانية.
فقال: فكيني. فدعت الله تعالى فَفَكّه. فمد يده ثالثة فشلّ. فقال: فكيني وأطلقك وأكرمك. فدعت الله سبحانه وتعالى فَفُك.
فصرخ الملك بأعوانه: أبعدوها عني فإنكم لم تأتوني بإنسان بل أتيتموني بشيطان.

فأطلقها وأعطاها شيئا من الذهب، كما أعطاها أَمَةً اسمها "هاجر".

هذه الرواية مشهورة عن دخول إبراهيم -عليه السلام- لمصر.

وكانت زوجته سارة لا تلد. وكان ملك مصر قد أهداها سيدة مصرية لتكون في خدمتها، وكان إبراهيم قد صار شيخا،
وابيض شعره من خلال عمر أبيض أنفقه في الدعوة إلى الله، وفكرت سارة إنها وإبراهيم وحيدان، وهي لا تنجب أولادا،
ماذا لو قدمت له السيدة المصرية لتكون زوجة لزوجها؟
وكان اسم المصرية "هاجر". وهكذا زوجت سارة إبراهيم من هاجر، وولدت هاجر ابنها الأول فأطلق والده عليه اسم "إسماعيل". كان إبراهيم شيخا حين ولدت له هاجر أول أبنائه إسماعيل.

..................
إحياء الموتى:
.................
ملأ اليوم الآخر قلب إبراهيم بالسلام والحب واليقين. وأراد أن يرى يوما كيف يحيي الله عز وجل الموتى.
قال الله تعالى هذا الموقف في سورة (البقرة)..
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)

لا تكون هذه الرغبة في طمأنينة القلب مع الإيمان إلا درجة من درجات الحب لله.

قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

فعل إبراهيم ما أمره به الله. ذبح أربعة من الطير وفرق أجزاءها على الجبال. ودعاها باسم الله فنهض الريش يلحق بجناحه، وبحثت الصدور عن رؤوسها، وتطايرت أجزاء الطير مندفعة نحو الالتحام، والتقت الضلوع بالقلوب، وسارعت الأجزاء الذبيحة للالتئام، ودبت الحياة في الطير، وجاءت طائرة مسرعة ترمي بنفسها في أحضان إبراهيم. اعتقد بعض المفسرين إن هذه التجربة كانت حب استطلاع من إبراهيم. واعتقد بعضهم أنه أراد أن يرى يد ذي الجلال الخالق وهي تعمل، فلم ير الأسلوب وإن رأى النتيجة. واعتقد بعض المفسرين أنه اكتفى بما قاله له الله ولم يذبح الطير. ونعتقد أن هذه التجربة كانت درجة من درجات الحب قطعها المسافر إلى الله. إبراهيم

.................................................. ..........
رحلة إبراهيم مع هاجر وإسماعيل لوادي مكة:
.................................................. ...........

أمر إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر أن تحمل ابنها وتستعد لرحلة طويلة. وكان الطفل رضيعا لم يفطم بعد.
وظل إبراهيم عليه السلام يسير وسط أرض مزروعة تأتي بعدها صحراء تجيء بعدها جبال. حتى دخل إلى صحراء الجزيرة العربية،

وقصد إبراهيم عليه السلام واديا ليس فيه زرع ولا ثمر ولا شجر ولا طعام ولا مياه ولا شراب. كان الوادي يخلو تماما
من علامات الحياة. وصل إبراهيم إلى الوادي، وهبط من فوق ظهر دابته. وأنزل زوجته وابنه وتركهما هناك،
ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار.

ونادته زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟

لم يرد عليها إبراهيم. عليه السلام ظل يسير. عادت تقول له ما قالته وهو صامت.أدركت أن الله أمره بذلك وسألته:

هل الله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم عليه السلام: نعم.

قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا.

وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء يدعو الله:
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).

لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في هذه التصرفات الغامضة،

فقد كان إسماعيل الطفل الذي ترك مع أمه في هذا المكان، كان هذا الطفل هو الذي سيصير مسؤولا مع والده عن بناء الكعبة

فيما بعد. وكانت حكمة الله تقضي أن يمتد العمران إلى هذا الوادي، وأن يقام فيه بيت الله الذي نتجه جميعا إليه أثناء الصلاة بوجوهنا.

ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء وعاد راجعا إلى كفاحه في دعوة الله. أرضعت أم إسماعيل ابنها وأحست بالعطش. كانت الشمس ملتهبة وساخنة وتثير الإحساس بالعطش. بعد يومين انتهى الماء تماما، وجف لبن الأم. وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش.. كان الطعام قد انتهى هو الآخر.

.................
ماء زمزم:
..............
بدأ إسماعيل يبكي من العطش. وتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا". فصعدت إليه وراحت تبحث بهما عن بئر أو إنسان أو قافلة.

لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة"، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا.

وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين. سبع مرات وهي تذهب وتعود. و
لهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل.

عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.

وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.
وفار الماء من البئر. أنقذت حياتا الطفل والأم. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله. وشربت وسقت طفلها
وبدأت الحياة تدب في المنطقة. وصدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا.

وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة. وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس.
وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان.

.................................

الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام:
.....................................

كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب.
فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي.

انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض.
اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب.
استسلم إبراهيم عليه السلام للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره.

أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية.
لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره.

انتهى الأمر وذهب إبراهيم عليه السلام إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى).
انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه..

فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).

تأمل رد الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله..
ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه الصابر.


ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح.

وإذا إبراهيم عليه السلام يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير..

(فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.

عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره،

وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون.

صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.

ومضت قصة إبراهيم. ترك ولده إسماعيل وعاد يضرب في أرض الله داعيا إليه، خليلا له وحده. ومرت الأيام.

كان إبراهيم عليه السلام قد هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق وعبر الأردن وسكن في أرض كنعان في البادية.

ولم يكن إبراهيم ينسى خلال دعوته إلى الله أن يسأل عن أخبار لوط مع قومه، وكان لوط أول من آمن به، وقد أثابه الله بأن بعثه نبيا إلى قوم من الفاجرين العصاة.

......................
البشرى بإسحاق:
......................

وردت فى القرآن الكريم قصة إبراهيم عليه السلام ولقائه مع الملائكة الكرام، حيث قال الله سبحانه وتعالى فى سورة هود
فى الآية رقم 69 «وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ».

قال تعالى: «ولقد جاءت رسلنا» وهم الملائكة، إبراهيم بالبشرى، قيل: تبشره بإسحاق،

وقيل: بهلاك قوم لوط، ويشهد للأول قوله تعالى: «فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا فى قوم لوط»،
«قالوا سلاما قال سلام» أى: عليكم.

«فما لبث أن جاء بعجل حنيذ» أى ذهب سريعا، فأتاهم بالضيافة، وهو عجل: فتى البقر، حنيذ «مشوى» شيا ناضجا على الحجارة المحماة.

ما روى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك، والسدى وغير واحد، كما قال فى الآية الأخرى،
ويقصد بها الآيات 26 و27 من سورة الذاريات «فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون».

إلى قوله فى الآية 70 من سورة هود «فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم» تنكرهم، «وأوجس منهم خيفة»،
وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه، فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به ،
فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم، «وأوجس منهم خيفة».


قال السدى: لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشى فى صور رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه، فلما رآهم إبراهيم أجلهم، «فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين» فذبحه ثم شواه فى الرضف، فهو الحنيذ حين شواه،
وأتاهم به فقعد معهم، وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول: «وامرأته قائمة وهو جالس» فى قراءة ابن مسعود

«فلما قربه إليهم قال ألا تأكلون قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن، قال فإن لهذا ثمنا، قالوا وما ثمنه؟


«فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم» يقول: فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم، وأوجس منهم خيفة،

وقوله تعالى إخبارا عن الملائكة: «قالوا لا تخف» «إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت»

أى قالوا: لا تخف منا، إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم. فضحكت سارة استبشارا منها بهلاكهم، لكثرة فسادهم،
وغلظ كفرهم وعنادهم، فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس.

وقال قتادة: ضحكت «امرأته» وعجبت من أن قوما يأتيهم العذاب وهم فى غفلة «فضحكت من ذلك وعجبت فبشرناها بإسحاق».

وقوله: «ومن وراء إسحاق يعقوب» قال العوفى، عن ابن عباس: «فضحكت» أى: حاضت.

قالت الملائكة: يا سارة، إن الله يبشرك أنك ستلدي ولداً يكون نبياً يسمى إسحاق ومن بعده نبي آخر وهو يعقوب.

صكت سارة وجهها وقالت: يا ويلتى أألد وأنا عجوز عقيم، وهذا زوجي شيخاً كبيراً، إن هذا لشئ عجيب!

قالت الملائكة: أتعجبين من أمر الله، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد.

قالت الملائكة لإبراهيم عليه السلام لا تخف فنحن رسل ربك، ولسنا ضيوفاً، جئنا نخبرك بأن الله قد كتب العذاب على القوم المجرمين الذين عصوا لوطاً ورفضوا دعوته، وأن الله سيدمر القرية عليهم.

قال إبراهيم: إن فيها لوطاً

قالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله، إلا امرأته كانت من الغابرين

وأن الأمر قد قضي. وإن مشيئة الله تبارك وتعالى قد اقتضت نفاذ الأمر وهلاك قوم لوط. أفهموا إبراهيم أن عليه أن يعرض عن هذا الحوار. ليوفر حلمه ورحمته. لقد جاء أمر ربه. وتقرر عليهم (عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)

.......................................

إبراهيم وإسماعيل و يبنيان الكعبة
......................................
قال إبراهيم لولده إسماعيل: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك به ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك.
قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً للطائفين والقائمين والركع السجود، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها.

ورفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، ويقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

ولما ارتفع البناء، جاء بالحجر الأسود ووضعه، فكان البيت هو أول مسجد وضع لعموم الناس في الأرض،
وكان مباركاً وهدى للعالمين، وجعل الله فيه آيات واضحة، ففيه مقام إبراهيم وهي الحجارة التي كان يقف عليها إبراهيم أثناء
رفع البناء، وتركت آثار قدمه حافياً ليرى الناس من بعده هذا الأثر، وكتب الله الأمان لكل من دخل هذا البيت، وكتب على الناس في كل جيل أن يحجوا إلى هذا البيت ما استطاعوا.

...........................................
منزلة إبراهيم عليه السلام عند الله
.........................................

قد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا، فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب.

وكان من فضل الله على إبراهيم أن جعله الله إماما للناس. وجعل في ذريته النبوة والكتاب.

فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله فهم أولاده وأحفاده. حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صل الله عليه وسلم،
جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم.

نبي هو أول من سمانا المسلمين. نبي كان جدا وأبا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده. نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب.
قال الله عز وجل في محكم آياته{ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا(125) } النساء


................................................
مايستفاد من قصة إبراهيم عليه السلام
.................................................

أنَّ تكذيب الأنبياء وابتلاءهم سنة وقانون.

أي تضحية في سبيل الله تعوَّض في الدنيا وفي الآخرة.

إنَّ التمكين في الأرض والنصر لا يأتي إلا بعد الابتلاء والجهد والمعاناة.

دعوة الأنبياء مستجابة حيث استجاب الله -عز وجل- لدعوة ابراهيم -عليه الصلاة والسلام-، حيث ما زلنا نستشعر صدى هذه الدعوة إلى يومنا هذا، فالناس في شوق متصل لزيارة الكعبة المشرفة، يرتون من نبع زمزم.

ذكرت قصة إبراهيم في القرآن الكريم على سبيل المثال لا الحصر لأن كل مشهد من مشاهد القصة القرآنية
جاء في مكانه ليعالج حالة معينة في واقع الحياة ويحقق أكثر من هدف وأكثر من مقصد.


الله -سبحانه وتعالى- لا يترك أنبياءه وأوليائه الذين يصدعون بالحق؛ بل ينصرهم، ويبطل كيد أعدائهم مهما بلغ.

جرأة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في قول الحق أمام قومه، تدعو كل صاحب حق أن يجهر بحقه.

استخدام الحجة والبرهان المنطقي؛ في الدعوة إلى الحق ودحض الباطل.

عندما يعجز الباطل عن مقابلة الحجة بالحجة يلجأ إلى استخدام القوة والعنف.

تسليم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لقضاء ربه -سبحانه وتعالى-؛ بتحمل أعباء قول الحق، والدعوة إليه.

استخدام العقل السليم والذي يوصل بالإنسان إلى أن ربه -سبحانه وتعالى- هو المستحق للعبادة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ


عطر الجنة 11-27-2023 09:04 PM

رد: سلسلة قصص الأنبياء كاملة من صفحات شعاع
 


https://www.babup.com/do.php?img=53802


ــــــــــــــــــــــــ
القصة السابعة
لوط عليه السلام
ــــــــــــــــــــــــــ

.......
نبذة:
......

قوم لوط تم تسميتهم بهذا الاسم نسبة إلى نبي الله لوط عليه السلام، الذي أرسله الله لهدايتهم، إلا أنهم كانوا قوم فواحش، فعاقبهم الله عز وجل، وأخرج لوط عليه السلام من هذه القرية الظالم أهلها .

أرسله الله عز وجل ليهدي قومه ويدعوهم إلى عبادة الله، وكانوا قوما ظالمين يأتون الفواحش ويعتدون على

الغرباء وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فلما دعاهم لوط عليه السلام لترك المنكرات أرادوا أن

يخرجوه هو وقومه فلم يؤمن به غير بعض من آل بيته، أما امرأته فلم تؤمن ولما يئس لوط دعا الله

أن ينجيهم ويهلك المفسدين فجاءت له الملائكة وأخرجوا لوط ومن آمن به وأهلكوا الآخرين بحجارة مسومة.

...........
سيرته:
............

لوط عليه السلام، هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام، وقد آمن لوط مع إبراهيم وهاجر معه إلى الأرض المقدسة (فلسطين)،

عاش لوط عليه السلام في نفس زمن إبراهيم عليه السلام مرسلاً إلى بعض الأقوام المجاورة لإبراهيم،

وقد أمر إبراهيم لوطاً أن ينزل بمدينة تسمى سدوم (عند البحر الميت)، حيث كان قومها من أفجر الناس وأكفرهم

وأسوأهم طوية، وقد ابتدعوا فاحشة الشذوذ الجنسي، وذهب لوط وزوجته وابنتيه إلى هذه القرية ليدعوهم إلى

الله ولينتهوا عن هذه الفواحش.

كانت القرية تمارس الشذوذ الجنسي، حيث يأتي الرجال الرجال، ويتركون ما خلق الله لهم من الزوجات،

فأصيبوا بانحراف

في فطرتهم، وكفروا بالله وما أحل الله لهم، وراحوا يفعلون هذا الفعل القبيح، ويجهرون به علناً دون حياء،
وكانوا أول من فعلوا هذا الشذوذ، وما سبقهم بها من أحد من العالمين.

..................................
لوط يدعو قومه لتقوى الله
...................................

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

دعا لوط قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن كسب السيئات والفواحش.

كان القوم الذين بعث إليهم لوط عليه السلام يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، و لم يسبقهم بها أحد من العالمين.

‏و كانوا قوما ظالمين يأتون الفواحش ويعتدون على الغرباء وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فلما دعاهم لوط لترك المنكرات أرادوا أن يخرجوه هو وقومه فلم يؤمن به غير بعض من آل بيته، أما امرأته فلم تؤمن
ولما يئس لوط عليه السلام دعا الله أن ينجيهم ويهلك المفسدين فجاءت له الملائكة وأخرجوا لوط ومن آمن به وأهلكوا الآخرين بحجارة مسومة.

كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء. قال تعالى في سورة النمل

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ

فهذه القلوب القاسية جازت هذه النصيحة الصادقة بالحكم على لوط وآله بالطرد من قريتهم.

(فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)

إن الفطرة السوية عند قوم لوط اختلت.. فصار الرجال أهدافا مرغوبة بدلا من النساء، وصار النقاء والطهر
جريمة تستوجب الطرد..

كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في ناديهم.. وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أو ضيف لم ينقذه من أيديهم أحد..
وكانوا يقولون للوط: استضف أنت النساء ودع لنا الرجال.. واستطارت شهرتهم الوبيلة، وجاهدهم لوط عليه السلام جهادا عظيما، وأقام عليهم حجته،

وهو ماض في دعوته بغير أن يؤمن له أحد.. لم يؤمن به غير أهل بيته عدى زوجته كانت زوجته كافرة مثل زوجة نوح

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا

عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)

إن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين صالحين فخانتاهما، وذلك على أن الخيانة هنا ليس مقصودا بها الخيانة الزوجية

فزوجات الأنبياء منزهات عن هذا، ولكنهما خالفتاهما فيما يدعون إليه، مضيفا أن الكفر بالله أخف من الزنا؛

لكون المسائل العقدية لزوجة النبي لا تقدح في فطنة النبي، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولكن زوجات الانبياء منزهات عن الانحراف وهذا باتفاق العلماء.

وإذا كان بيت الإنسان هو راحته التي يسكن إليها، فقد كان لوط معذبا خارج بيته وداخله.. كانت حياته عذابا متصلا، وعنتا شديدا، وكان صابرا على قومه .

فلم يؤمن أحد ا بدعوة لوط عليه السلام ، بل راحوا يهزؤون برسالته ويقولون له فيما يقولون )ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
فيئس لوط عليه السلام منهم، فدعا الله أن ينصره ويهلك المفسدين


............................
نزول الهلاك على القوم
...........................
استجاب الله لدعوة لوط، وأنزل ملائكة في هيئة بشر، وكانوا في هيئة شباب حسني الهيئة والجمال، وقد ذهبت الملائكة
أولاً إلى إبراهيم عليه السلام لتبشره بإسماعيل ومن وراء إسماعيل يعقوب وتخبره أن الله سينزل الهلاك على قوم لوط.
فقال إبراهيم: وكيف ينزل الهلاك على قوم وفيهم مؤمن، إن فيها لوطاً، قالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله
إلا امرأته كانت من الغابرين.

وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن

قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ

قد تحققت نبوءة لوط عليه السلام و بدأ اليوم العصيب..

(وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ).. جاءوا محمومين مسرعين..

قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ

(هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ).. ما الذي تعنيه هذه العبارة؟

أراد أن يقول لهم: أمامكم النساء في الأرض.. هن أطهر بمعاني الطهر النفسي والحسي..

هن يلبين الفطرة السوية.. ويثرن مشاعر كذلك نظيفة.. ثم هن أطهر حسيا، حيث أعدت القدرة الخالقة للحياة الناشئة مكمنا طاهرا.

(فَاتَّقُواْ اللّهَ).. يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة.. اتقوا الله وتذكروا أن الله يسمع ويرى.. ويغضب ويعاقب وأجدر بالعقلاء اتقاء غضبه.

(وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي).. هي محاولة يائسة للمس نخوتهم وتقاليدهم. و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه.

(أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ).. أليس فيكم رجل عاقل؟.. إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون..

والعقل أولى بكم وأفضل.. إن الأمر أمر رشد وسفه.. إلى جوار أنها قضية فطرة ودين ومروءة ونخوة.

لم تلمس كلماته الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجامد الميت، ولا العقل المريض الأحمق.. ظلت الفورة الشاذة على اندفاعها المحموم.

قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ

أحس لوط عليه السلام ضعفه وهو غريب بين القوم..

نازح إليهم من بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكور يدافعون عنه.. ودخل لوط بيته غاضبا..

عندما بلغ الضيق ذروته .. تكلم ضيوفه و أفهموه أن يأوي إلى ركن شديد)قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ)

فلا تجزع ولا تخف.. نحن رسل ربك من الملائكة.. ولن يصل إليك هؤلاء القوم..

قال تعالى( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ

قال الله تعالى (كَذَّبَتْ قَومُ لُوطٍ بالنُّذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْناَ عَلَيْهِمْ حَاصِباً إلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ* نِّعْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ
نَ
جْزِيْ مَنْ شَكَرَ* وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بالنُّذُر) (القمر: 33-36).

في العهد القديم يشار إلى المنطقة التي أقام فيها لوط على أنها سدوم، وحيث إن هذه المنطقة تقع إلى الشمال من

البحر الأحمر، فقد كشفت الأبحاث أن الدمار قد لحق بها تماماً كما جاء في القرآن الكريم،

تدل الدراسات الأثرية أن تلك المدينة كانت في منطقة البحر الميت التي تمتد على طول الحدود الأردنية الفلسطينية.

قبل أن نقوم بفحص آثار هذه الكارثة، يمكننا أن نتأمل السبب وراء عقاب آل لوط،
يروي لنا القرآن كيف أنذر لوطٌ قومَه وبماذا أجابوه:

( كَذَّبَتْ قَومُ لُوطٍ المُرْسَلِيْنَ * إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِيْنٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيْعُونِ

* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِيْنَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِيْنَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ

ربُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المُخْرَجِيْنَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ

القَالِيْن ) (الشعراء: 160-168)

هدد القومُ لوطاً عندما دعاهم إلى اتباع الطريق الصحيح، لقد أبغضوه لأنه يدعوهم إلى الحق والطهر، وعزموا على طرده هو والذين آمنوا معه كما تعرض لنا الآيات الآتية:

( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّنْ دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون ) (الأعراف: 80-82).

عرض لوط عليه السلام على قومه الحقيقة واضحة وأنذرهم بشكل واضح وصريح، إلا أنهم لم يكترثوا لأي تهديد أو وعيد، واستمروا في نكرانهم وتكذيبهم بالوعيد الذي جاء به:

( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتقْطَعُونَ

السَّبِيْلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيْكُمُ المُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوابَ قَومِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِيْن) (العنكبوت: 28-29) .

وهنا وبعد أن تلقى لوط عليه السلام هذا الجواب توجه إلى الله يسأله العون( قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِيْنَ) (العنكبوت: 30).

( رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُون) (الشعراء: 169).

وهكذا استجاب الله لرسوله، فأرسل ملائكة في صورة رجال

( قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّها المُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِيْنَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهمْ حِجَارَةً مِّنْ طِيْنٍ* مُّسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلمُسْرِفِيْنَ ) (الذاريات: 31،34).

( وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيْءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيْبٌ ) (هود:77).

( قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِماَ كَانُوا فِيْه يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ *

فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ
أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِيْنَ ) (الحجر: 62-66).

في هذا الوقت عرف القوم أن لوطاً يستضيف ضيوفاً، فلم يترددوا في إيذائهم بممارساتهم البشعة،

فطوقوا منـزل لوط ينتظرون خروجهم، خاف لوط على ضيوفه من أن يلحق بهم الأذى فخاطب قومه قائلاً:

( قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِيْ فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوْا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ ) (الحجر: 68-69) .

فأجابه القوم:(قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالَمِيْنَ ) (الحجر: 70).

ظن لوط أنه أصبح وضيوفه مُعَرَّضِين إلى تلك الممارسة الشيطانية فقال:
(قَالَ لَو أَنَّ لِيْ بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيْدٍ ) (هود: 80) .

إلا أن ضيوفه ذَكَّروه بأنهم رسل الله إليه وقالوا ( قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوآ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيْبُها مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيْبٍ )
(هود: 81).

وعندما وصل شذوذ القوم الذُّرْوَةَ، أنقذ الله لوطاً بمساعدة الملَكين، وفي الصباح أُهلك القوم بالكارثة المدمرة
التي أنذرهم بها لوط من قبل (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً
عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ ) (القمر: 37-38) .


..................................
وتصف لنا الآيات دمار القوم:

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِيْنَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيْلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِيْنَ* وَإِنَّها لَبِسَبِيْلٍ مُّقِيْمٍ ) (الحجر: 73-76) .

(فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارةً مِّنْ سِجِّيْلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِنْد رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِيْنَ بِبَعِيْدٍ ) (هود: 82-83).

(ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِيْنَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المُنْذَرِيْنَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِيْنَ *

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيْزُ الرَّحِيْمُ ) (الشعراء: 172-175) .

وعندما دُمِّرَ القوم لم ينج منهم إلا لوط ومن آمن معه، وهؤلاء جميعاً لم يكونوا يتعدون عدد أفراد الأسرة الواحدة.
وهكذا نجا لوط عليه السلام ومن معه من المؤمنين وعائلته

إلا امرأته كانت من الغابرين. وكما ورد في التوراة : هاجر لوط مع إبراهيم عليهما السلام بعد أن هلك القوم الضالون ومسحت منازلهم وجه الأرض.

قال تعالى ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ

خرج لوط مع بناته وزوجته.. ساروا في الليل وغذوا السير.. واقترب الصبح.. كان لوط قد ابتعد مع أهله..

ثم جاء أمر الله تعالى(فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)
..............

قال العلماء:

اقتلع جبريل، عليه السلام، بطرف جناحه مدنهم السبع من قرارها البعيد.. رفعها جميعا إلى عنان السماء
حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، قلب المدن السبع وهوى بها في الأرض..
أثناء السقوط كانت السماء تمطرهم بحجارة من الجحيم.. حجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم، ومقدرة عليهم.. استمر الجحيم يمطرهم.. وانتهى قوم لوط تماما.. لم يعد هناك أحد..
نكست المدن على رؤوسها، وغارت في الأرض، حتى انفجر الماء من الأرض.. هلك قوم لوط ومحيت مدنهم.

قال تعالى ( فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)

هي آية لم تندثر.. ذلك قوله تعال(وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ)

أي بطريق مسلوك إلى الآن.
وقوله تعالى في سورة الصافات) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
يعني أنها آية ظاهرة.. قال العلماء: إن مكان المدن السبع.. بحيرة غريبة.. ماؤها أجاج..
وكثافة الماء أعظم من كثافة مياه البحر الملحة.. وفي هذه البحيرة صخور معدنية ذائبة..
توحي بأن هذه الحجارة التي ضرب بها قوم لوط كانت شهبا مشعلة. يقال إن البحيرة الحالية التي نعرفها باسم "البحر الميت" في فلسطين.. هي مدن قوم لوط السابقة.

انطوت صفحة قوم لوط.. انمحت مدنهم وأسمائهم من الأرض..
سقطوا من ذاكرة الحياة والأحياء.. وطويت صفحة من صفحات الفساد.. وتوجه إلى إبراهيم عليه السلام
وقص عليه نبأ قومه.. وأدهشه أن إبراهيم عليه السلام كان يعلم..
ومضى لوط في دعوته إلى الله.. مثلما مضى الحليم الأواه المنيب إبراهيم في دعوته إلى الله..
ومضى الاثنان ينشران الإسلام في الأرض.

..................................
العبر والعظات من القصة ...
......................................
أولا:
أن مهمة الداعية الأولى هي الدعوة إلى تقوى الله، والأخذ بالأساليب الحكيمة لإخراج الناس مما هم فيه
من فساد وضلال، وأن يكون عمل الداعية ليس تحصيلا لأجر أو كسبا لسمعة،
بل الالتزام بأمر الله في الدعوة إلى دينه الحق، وإخراج الناس من حمأة الظلمات.

ثانيا:
أن أصحاب الإيمان العميق، والخلق القويم، والغيورين على طهارة النفوس وأعراض الناس، يستميتون
في الذب عن دينهم، وعن كل ما أمر الله تعالى بالدفاع عنه، وهذا ما رأيناه في قصة لوط عليه السلام،
فلم يترك وسيلة من وسائل الترغيب أو الترهيب إلا طرقها، فهو تارة يأمرهم بتقوى الله {فاتقوا الله} (هود:78)،
وتارة ينكر عليهم فعلتهم الشنعاء: {إنكم لتأتون الفاحشة} (العنكبوت:28)، وتارة يرغبهم بسلوك جادة الصواب: {قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} (الحجر:71).
وتارة يلتجئ إلى الله بالدعاء: {قال رب انصرني على القوم المفسدين} (العنكبوت:30).

ثالثا:
أن لوطا عليه السلام على الرغم من قوة إيمانه، وعلو همته، وعظيم غيرته، تمنى أن تكون له قوة باطشة،
تردع قومه عن منكرهم، وتردهم عن باطلهم. وأنه لا بأس على المسلم أن يستعين بغيره لنصرة الحق
الذي يدعو إليه، ولخذلان الباطل الذي ينهى عنه، هذا ما نفهمه من قوله سبحانه {قال لو أن لي بكم قوة
أو آوي إلى ركن شديد} (هود:80).

رابعا:
اقتضت حكمة الله سبحانه أن تكون عقوبته العادلة للمجرمين متناسبة مع جرائمهم وقبائحهم،،
يؤكد ذلك، أن قوم لوط عليه السلام حين قلبوا الأوضاع، وتركوا ما أحله الله لهم، وانغمسوا فيما حرمه سبحانه، كانت العقوبة متسقة مع قبائحهم، حيث عاقبهم بأن جعل ما هو الأعلى من قريتهم هو الأسفل.
خامسا: وصف القرآن الكريم قوم لوط عليه السلام لفعلهم الشنيع بأوصاف ثلاثة:
أولها: قوله تعالى: {بل أنتم قوم مسرفون} (الأعراف:81).
ثانيها: قوله سبحانه: {بل أنتم قوم عادون} (الشعراء:166).
ثالثها: قوله عز وجل: {بل أنتم قوم تجهلون} (النمل:55).
ومجموع هذه الأوصاف يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل، وانحراف الفطر، وتجاوز الحدود التي ترتضيها النفوس. وهذا يفيد أن النفوس البشرية عندما تنتكس وترتكس، تصل في مجاهرتها بإتيان الفواحش إلى ما لم تصل إليه بعض الحيوانات.

.............................................


عطر الجنة 11-27-2023 11:55 PM

رد: سلسلة قصص الأنبياء كاملة من صفحات شعاع
 



https://www.raed.net/img?id=505215


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصة الثامنة
إسماعيل عليه السلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

نبذة:


هو إسماعيل ابن إبراهيم البكر وولد السيدة هاجر، سار إبراهيم عليه السلام بهاجر - بأمر من الله -
حتى وضعها وابنها في موضع مكة وتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولما نفد الزاد جعلت السيدة هاجر تطوف هنا وهناك حتى هداها الله إلى ماء زمزم.

نشأ الغلام الحليم وتَرَعرع في مكَّة المكرَّمة شبهَ يتيم تَحت جَناح أمِّه هاجر عليها السلام، بعيدا عن كَنَف أبيه؛

بعدَ أن أمرَ الله تعالى إبراهيمَ عليه السلام بأن ينقلَه عندما كان رضيعا بصُحبة أمِّه إلى تلك الدِّيار المقدَّسة؛ حفاظا عليهما
من غيرة سارةَ.

وكانت مكَّة المكرَّمة وقتها أرضا جَرداءَ خاليةً من أيِّ أثرٍ للحياة، ودعا ربَّه سبحانه أن يميل إليهم أفئدةً من الناس ليكونوا لهم

عونا على شَظَف العيش، واستجاب الله تعالى له؛ فكانت قصَّة بئر زَمزم وسُكنى قبيلة جرهم بقُربه ضيوفا ثمَّ أعوانا وأنصارا

للسيِّدة هاجر وابنها عليهما السلام، وكان إبراهيم عليه السلام يزورهما بين الحين والآخر ليطمئنَّ على أحوالهما.

حتى جاء أمر الله لإبراهيم عليه السلام بناء الكعبة ورفع قواعد البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجر وإبراهيم يبني حتى أتما البناء ثم جاء أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه فعرض عليه ذلك

فقال "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"
ففداه الله بذبح عظيم، كان إسماعيل فارسا فهو أول من استأنس الخيل وكان صبورا حليما، يقال إنه أول من تحدث بالعربية البينة وكان صادق الوعد، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان ينادي بعبادة الله ووحدانيته.

..............
سيرته:
...................
إسماعيل عليه السلام في اليهودية والمسيحية عبارة عن شخصية تاريخية تم ذكرها في العهد القديم، وهو يعتبر أب النسب للعرب الإسماعيليين

أي العرب القيدرايون والنبط والعدنانيون، وجد في عمود نسب النبي محمد. و إسماعيل ربِّيَ في البادية، و كان راميًا بالقوس شأن أهل البادية العربية؛ وأنه خلف اثني عشر ولدًا أسماؤهم تطابق أسماء بعض القبائل العربية

الشمالية وأن أولاده و نسله هم آباء القبائل العربية التي أقامت ما بين "حويلة" إلى "شورة"، وكانت شورة عند برزخ السويس وحويلة عند خولان في شمال اليمن وبينهما الحجاز، ونجد وتهامة وجزيرة سيناء.


.....................
الاختبار الأول:
.....................
ذكر الله في كتابه الكريم، ثلاث مشاهد من حياة إسماعيل عليه السلام. كل مشهد عبارة عن محنة واختبار لكل من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. أول هذه المشاهد هو أمر الله سبحانه وتعالى

لإبراهيم بترك إسماعيل وأمه في واد مقفر، لا ماء فيه ولا طعام. فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا الاستجابة لهذا الأمر الرباني. وهذا بخلاف ما ورد في الإسرائيليات من أن إبراهيم حمل ابنه وزوجته لوادي مكة

لأن سارة -زوجة إبراهيم الأولى- اضطرته لذلك من شدة غيرتها من هاجر. فالمتأمل لسيرة إبراهيم عليه السلام، سيجد أنه لم يكن ليتلقّى أوامره من أحد غير الله.

أنزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار.

أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟

لم يرد عليها سيدنا إبراهيم وظل يسير.. عادت تقول له ما قالته وهو صامت.. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه.. أدركت أن الله أمره بذلك فسألته: هل الله أمرك بهذا؟

فقال إبراهيم عليه السلام: نعم.

قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا.

وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله:

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) (إبراهيم)

لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في أمر الله سبحانه لإبراهيم، فقد كان إسماعيل -الطفل الذي تُرِكَ مع أمه في هذا المكان- ووالده من سيكونان المسؤولان بناء الكعبة فيما بعد..
وكانت حكمة الله تقضي أن يسكن أحد في هذا الوادي، لميتد إليه العمران.

بعد أن ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء بأيام نفد الماء وانتهى الطعام، وجف لبن الأم..
وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش.

بدأ إسماعيل يبكي من العطش.. فتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء.. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا".. فصعدت إليه وراحت تبحث به عن بئر أو إنسان أو قافلة.. لم يكن هناك شيء.

ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت
إلى جبل "المروة"، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه..

وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه.. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين.. سبع مرات وهي تذهب وتعود - ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل. عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث.. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.

وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.. وفار الماء من البئر.. أنقذت حياتا الطفل والأم.. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله.. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة.. صدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا.

وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة.. وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس.. وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان.

كانت هذه هي المحنة الاولى.. أما المحنة الثانية فهي الذبح.

الاختبار الثاني:
كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب.
فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي.

انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره.

أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية. لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره.

فضل إبراهيم عليه السلام أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه ويذبحه فذهب إلى ولده

(قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى).

انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. فالأمر مقضي في نظر إبراهيم عليه السلام
لأنه وحي من ربه..
فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟

أجاب إسماعيل (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). نتأمل هنا رد الابن..
إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).

هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن
أن يموت ذبحا بأمر من الله.. وهنا يكتشف إبراهيم عليه السلام
أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه الصابر.

ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح.
وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإ أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.
عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون.
صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.

.............................
خبر زوجة إسماعيل:
...............................
عاش إسماعيل في شبه الجزيرة العربية ما شاء الله له أن يعيش.. روض الخيل واستأنسها واستخدمها، وساعدت مياه زمزم على سكنى المنطقة وتعميرها. استقرت بها بعض القوافل.. وسكنتها القبائل.. وكبر إسماعيل وتزوج، وزاره إبراهيم فلم يجده في بيته ووجد امرأته.. سألها عن عيشهم وحالهم، فشكت إليه من الضيق والشدة.
قال لها إبراهيم: إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه.. فلما جاء إسماعيل، ووصفت له زوجته الرجل.. قال: هذا أبي وهو يأمرني بفراقك.. الحقي بأهلك.
وتزوج إسماعيل امرأة ثانية.. زارها إبراهيم عليه السلام ، يسألها عن حالها، فحدثته أنهم في نعمة وخير..
فطاب صدر إبراهيم بهذه الزوجة لابنه.

..............................
الاختبار الثالث:
.............................

وها نحن الآن أمام الاختبار الثالث.. اختبار لا يمس إبراهيم وإسماعيل فقط. بل يمس ملايين البشر من بعدهم إلى يوم القيامة..
إنها مهمة أوكلها الله تعالى لهذين النبيين الكريمين.. مهمة بناء بيت الله تعالى في الأرض.

فبعدما كبر إسماعيل وبلغ أشده.. جاءه إبراهيم عليه السلام
وقال له: يا إسماعيل.. إن الله أمرني بأمر. قال إسماعيل: فاصنع ما أمرك به ربك.. قال إبراهيم: وتعينني؟ قال: وأعينك.
فقال إبراهيم: فإن الله أمرني أن ابني بيتا.

وهو أول بيت وضع للناس في الأرض..
وإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا غ– إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا غ– إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

أي: واذكر إبراهيم وإسماعيل, في حالة رفعهما القواعد من البيت الأساس, واستمرارهما على هذا العمل العظيم، وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء, حتى إنهما مع هذا العمل دعوا الله أن يتقبل منهما عملهما, حتى يحصل فيه النفع العميم.
وهو أول بيت عبد فيه الإنسان ربه.. ولما كان آدم هو أول إنسان هبط إلى الأرض.. فإليه يرجع فضل بنائه أول مرة..

قال العلماء: إن آدم بناه وراح يطوف حوله مثلما يطوف الملائكة حول عرش الله تعالى.
بنى آدم خيمة يعبد فيها الله.. شيء طبيعي أن يبني آدم -بوصفه نبيا- بيتا لعبادة ربه.. وحفت الرحمة بهذا المكان..
ثم مات آدم ومرت القرون، وطال عليه العهد فضاع أثر البيت وخفي مكانه.. وها هو إبراهيم عليه السلام يتلقى الأمر ببنائه مرة ثانية.. ليظل في المرة الثانية قائما إلى يوم القيامة إن شاء الله.
وبدأ بناء الكعبة..

هدمت الكعبة في التاريخ أكثر من مرة، وكان بناؤها يعاد في كل مرة.. فهي باقية منذ عهد إبراهيم إلى اليوم..
وحين بعث رسول الله، صل الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوة إبراهيم.. وجد الرسول الكعبة حيث بنيت آخر مرة،
وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفره إبراهيم.

نفهم من هذا إن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بذلا فيها وحدهما جهدا استحالت -بعد ذلك- محاكاته على عدد كبير من الرجال.. وتعليتها.. وكان الأمر يستوجب جهد جيل من الرجال، ولكنهما بنياها معا.

لم يحدثنا الله عن زمن بناء الكعبة.. حدثنا عن أمر أخطر وأجدى.. حدثنا عن تجرد نفسية من كان يبنيها.. ودعائه وهو يبنيها:
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129) البقرة.

إن دعوة إبراهيم وإسماعيل تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن.. إنه يبني لله بيته، ومع هذا يشغله أمر العقيدة..
ذلك إيحاء بأن البيت رمز العقيدة. ثم يدعوان الله أن يريهم أسلوب العبادة الذي يرضاه، وأن يتوب عليهم فهو التواب الرحيم.

بعدها يتجاوز اهتمامها هذا الزمن الذي يعيشان فيه.. يجاوزانه ويدعوان الله أن يبث رسولا لهؤلاء البشر. وتحققت هذه الدعوة الأخيرة..
حين بعث محمد بن عبد الله، صل الله عليه وسلم.. تحققت بعد أزمنة وأزمنة

انتهى بناء البيت، وأراد إبراهيم حجرا مميزا، يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة.. أمر إبراهيم إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة.

سار إسماعيل ملبيا أمر والده.. حين عاد، كان إبراهيم قد وضع الحجر الأسود في مكانه.. فسأله إسماعيل:
من الذي أحضره إليك يا أبت؟ فأجاب إبراهيم: أحضره جبريل عليه السلام.
انتهى بناء الكعبة.. وبدأ طواف الموحدين والمسلمين حولها..
ووقف إبراهيم عليه السلام يدعو ربه نفس دعائه من قبل..
أن يجعل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى المكان..

انظر إلى التعبير.. إن الهوى يصور انحدارا لا يقاوم نحو شيء..
وقمة ذلك هوى الكعبة. من هذه الدعوة ولد الهوى العميق في نفوس المسلمين، رغبة في زيارة البيت الحرام.
وصار كل من يزور المسجد الحرام ويعود إلى بلده..

يحس أنه يزداد عطشا كلما ازداد ريا منه، ويعمق حنينه إليه كلما بعد منه، وتجيء أوقات الحج في كل عام..
فينشب الهوى الغامض أظافره في القلب نزوعا إلى رؤية البيت، وعطشا إلى بئر زمزم.

قال تعالى حين جادل المجادلون في إبراهيم وإسماعيل.
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) (آل عمران)
عليه الصلاة والسلام.. استجاب الله دعاءه.. وكان إبراهيم أول من سمانا المسلمين.


................................
العبر المستفادة من القصة
..................................

أولا :
أن إبراهيم عليه السلام بلغ في محبته لله تعالى مرتبة الخلة، وهي مرتبة من الحب لا تقبل الشراكة فيه،

وقد جاء البلاء اختبارا لخلة ابراهيم فيا اذا تغيرت بمجيء الولد البار فصار يحبه مع الله، ام ان حب الله هو الغالب،
ومن هنا جاء امر الله تعالى بذبحه، فكان حب ابراهيم لله اكثر من حبه لولده. «فخَلَصَتِ الخلة حينئذٍ من شوائب المشاركة، ولم يبق في الذبح مصلحة».

ثانيا:
التسليم المطلق لأمر الله تعالى، فشأن المسلم مع ربه شأن عبودية لله تعالى، ومن مقتضى العبودية ان لا يعلو على امر الله تعالى شيء وقد كان من قولهما (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 128) والإسلام انقياد لما امر الله تعالى به وخضوع لما نهى عنه

تالثا:
أن المحن تعقبها المنح، إذ لَمَّا انقَضَت محنة البلاء المبين، وتجلَّت عن تَمام الطاعة، كافأ الله تعالى لإبراهيم عليه السلام بأن بشَّره بإسحاق عليه السلام نبيّا صالحا، نافلةً وزيادةً على ابنِه الصالح الأوَّل؛
فقال سبحانه بعدَ قصَّة الذبيح: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 113]،

أمَّا إسماعيل عليه السلام؛ فقد خصَّه الله تعالى بتسجيل ذِكره في القرآن الكريم بامتيازٍ ظاهرٍ؛ فقال سبحانه )وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54-55

رابعا:

أن الله سبحانه فضَّله بأن جعل خاتم الأنبياء محمَّدا صلَّ الله عليه وسلَّم من ذرِّيته،
فقال رسولنا الكريم صلَّ الله عليه وسلَّم: "ُعثتُ من خَير قُرون بني آدم، قَرنا فقرنا، حتَّى كنتُ من القَرن الذي كنتُ فيه"
أيْ: إنَّ الأبناء إذا كانوا اثنَين أو أكثر كان عليه الصلاة والسلام في صُلب خيرهم وأفضلهم، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ



الساعة الآن 07:43 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)