منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع العلوم الشرعية (https://hwazen.com/vb/f38.html)
-   -   تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (https://hwazen.com/vb/t5914.html)

هوازن الشريف 09-04-2014 11:02 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (14)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح



ل المصنِّف - رحمه الله -: "والبَعْثُ بعْدَ الموْتِ حقٌّ، وذلك حين يَنْفُخُ إسرافيلُ - عليه السلام - في الصُّور: {فَإِذَا هُمْ مِنْ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}[1].


الشرح


خامسًا: النفْخُ في الصُّور:

الصور لغةً: القرن.
وشرعًا: قرن عظيم التَقَمَه إسرافيل، وينتظر الأمرَ بالنفخ فيه.



النفخ في الصور ثابتٌ بالكتاب والسُّنَّة والإجْماع:
فمنَ الكتاب: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُون}[2]، وقوله - تعالى -: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}[3]، والآيات في هذا كثيرةٌ.
ومن السُّنَّة: حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثم ينفخ في الصُّور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى لِيتًا، ورفع لِيتًا، ثم لا يبقى أحد إلا صُعِقَ))[4].

واللِّيت: بكسر اللام وهي صفحة العنق، وأصغى؛ أي: أمال.

وأجمع السلَف على إثبات النفخ في الصور، وأن إسرافيل - وهو أحد الملائكة - هو الموكَّل بالنفخ فيه.

عدد النفخات:
اختلفَ أهل العلم في عدد النفخات على قولين:
القول الأول: إنها نفختان: نفخة يصعق فيها الناس، ونفخة يبعثون من قبورهم، نفخة الصعق ونفخة البعث؛ واستدلوا:
1- بقول الله - تعالى -: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}[5].

ووجه الدلالة: أنَّ في الآية نفختين فقط:
الأولى: وهي نفخة الصعق في قوله: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ}[6].
والثانية: في قوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}[7]، وهذه نفخة البَعْث.

2- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما بين النفختين أربعون))، قالوا: يا أبا هريرة أربعين يومًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعين شهرًا؟ قال:أبيت، قالوا: أربعين سنة؟ قال: أبيت[8].

وموطن الشاهد: ((ما بين النفختين))، وهذا يدل على أنهما نفْختان فقط.

والقول الثاني: إنهما ثلاث نفخات: نفخة الفزَع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث.
واستدلوا: بقوله - تعالى -: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}[9]، فقالوا: هذه نفْخة الفزَع، وقوله - تعالى -: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[10]، ففي هذه الآية نفختان: نفخة الصعق، ونفخة البعث، ومجموع النفخات الثلاث، والله أعلم بالراجح.

صاحب الصور التَقَمَ القرن مُسْتَعِدٌّ للنفخ:
ويدل على ذلك: حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كيف أََنْعَم، وقد التقم صاحب القرنِ القرنَ، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يُؤمَرَ أن ينفُخَ فينْفُخَ؟!))[11].


قال المصنف - رحمه الله -: "والبَعْثُ بعْدَ الموت حقٌّ، وذلك حين يَنْفُخُ إسرافيلُ - عليه السلام - في الصُّور: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}[12]".


الشرح

سادسًا: البعث:
تعريفه:
البعْث لغةً: الإرسال، والنشر.
وشرعًا: إحياء الأموات يوم القيامة.

البعث دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب: قوله - تعالى -: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[13].
ومن السنَّة: حديث جابر عند مسلم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه)).
وأجمع السلَف على إثبات البعْث ليوم القيامة.

لعظم أمر البعث؛ جاء إثباتُه في القرآن والسنة بطُرُق كثيرة:
فتارةً بالتَّصْريح: كقوله - تعالى -: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[14]، وقوله: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ}[15].
وتارة بتذكير الإنسان بنشأته الأولى: كقوله - تعالى -: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ* إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}[16].
وتارة بالاستدلال بإنبات النبات على إحياء الأموات: كقوله - تعالى -: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[17].
وتارة بالإشارة والتأمُّل في خلْق السموات والأرض: كقوله - تعالى -: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[18].
وتارة بتَنْزيه الله عن العبث: إذ إنَّه لو لَم يكنْ هناك بعث، لكانتِ الأوامر والنواهي والجزاء من العبَث؛ كقوله - تعالى -: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[19].
وتارة بذِكْر القصص والوقائع التي تدل على البعث: كقصة الذي مرَّ على قرية، وهي خاويةٌ على عُرُوشِها، فأماتَهُ الله مائة عام ثم بَعَثَهُ، وقصة قتيل بني إسرائيل، وقصة الذين أُخْرِجُوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وقصة إبراهيم والطيور الأربعة، وقصة أصحاب الكهف.

لابُدَّ من الإيمان بأنَّ البَعْث جَمْع مُتَفَرِّق، لا إيجاد معدوم:
فبَعْثُ الخلْق إنما يُعيد الله خَلْقَ الإنسان الذي تفرَّق، وليس إيجادًا لخَلْقٍ جديدٍ.

ويدل على ذلك: قوله - تعالى -: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[20]، وقوله - تعالى -: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[21].

كل إنسان يُبعَثُ على ما مات عليه:
ويدل على ذلك: حديث جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يبعث كلُّ عبدٍ على ما مات عليه))[22].

قال النوَوي: "قال العلماء: معناه: يبعث على الحالة التي مات عليها"[23].

وقال ابن القَيِّم: "الرجل يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه"، ولهذا المعنى أدلَّة وشواهد؛ منها:
1- المحرم إذا مات بُعث يوم القيامة ملبِّيًا: لحديث ابن عباس في الصحيحَيْن في الرجل الذي وَقَصَتْه ناقته وهو مُحْرِمٌ مع النبي في حجة الوداع، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبين، ولا تُحَنِّطُوه، ولا تُخَمِّروا رأسَه؛ فإنه يُبْعَثُ يوم القيامة مُلَبِّيًا)).

2- الشهيد يُبْعَث يوم القيامة وجُرحه يثعب دمًا: اللون لون الدم، والرِّيح ريح المسك؛ دلَّ عليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتفق عليه: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يُكْلَم أحدٌ في سبيل الله - والله أعلم بمن يُكْلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة وجُرحه يَثْعَبُ دمًا، اللون لون دم، والرِّيح ريح مِسْك)).

3- الغالُّ من الغنيمة، يأتي يوم القيامة بما غلَّ: لقوله - تعالى -: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[24].

قال القرطبي: "{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ أي: يأتي به حاملاً له على ظهره ورقبته، معذبًا بحمْله وثقله، ومرعوبًا بصَوْته، ومُوَبخًا بإظهار خيانته على رُؤُوس الأشهاد"[25].
4- آكل الرِّبا: يبعث يوم القيامة على حال مُعَينة استحَقَّها لأكلِه الربا، فإنه يُبعث يوم القيامة كالمجنون الذي أصابَه المسّ؛ لقوله - تعالى -: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[26].

قال ابن كثير: "أي: لا يقومون مِن قُبُورهم يوم القيامة، إلا كما يقوم المصْرُوع حال صرعه، وتخبُّط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قيامًا منكرًا، وقال ابن عباس: آكلُ الرِّبا يُبْعَثُ يومَ القيامة مجنونًا يُخْنَقُ"؛ رواه ابن أبي حاتم، قال: وروي عن عوف بن مالك، وسعيد بن جبير، والسُّدِّي، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان نحو ذلك"[27].

5- الغادر: فإنه يوم القيامة تُرفَع له راية تُبَيِّن غدرته، لا سيما مَن كانتْ له ولاية عامة؛ بأن كان سُلطانًا على عامَّة الناس؛ لأنه إذا غدر فغدرته يتَعَدَّى ضرَرُها إلى خلْقٍ كبيرٍ؛ ويدل على ذلك حديث ابن عمر - المتَّفق عليه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرْفَعُ لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان ابن فلان))، وفي رواية لمسلم من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: ((ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير على عامَّة)).

فالغالُّ وآكلُ الربا والغادر، كلُّها أعمالٌ استمرَّ عليها أصحابها حتى ماتوا؛ فيُبعَثُون يوم القيامة على حالٍ تُنَاسِبُ ما ماتوا عليه؛ لأنهم لو تابوا قبل الموت لتابَ الله عليهم، وما تقدَّم بعض الشواهد التي دلَّت عليها النصوص وتبقى عمومُ الأعمال تدخل تحت قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يُبعَث كلُّ عبدٍ على ما مات عليه))؛ ولذا ينبغي على المسلم أن يحسنَ العمَل؛ لتحسن الخاتمة، فيحسن الحال التي يبعث عليها.

قال ابنُ القَيِّم: "وهذا من أعظم الفقه أن يخافَ الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنة".

وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي: "ولسوء الخاتمة - أعاذنا الله منها - أسبابٌ، ولها طُرُق وأبواب، وأعظمها الانكباب على الدُّنيا وطلبها والحِرْص عليها، والإعراض عن الآخرة، والإقدام والجُرْأة على معاصي الله"، والكلام على الخاتمة الحسَنة والسيئة باب تَطُول معه أخبار السلَف خوفًا، وعملاً، وضربًا لأروع الأمثال - والله المستعان.



60- قال المصنف - رحمه الله -: "ويُحْشَرُ النّاسُ يومَ القيامةِ حُفَاةً عُراةً غُرْلاً بُهْمًا، فيقفون في موْقفِ القيامةِ".


الشرح

سابعًا: الحشر:

تعريفه: لغة: الجمع.
وشرعًا: جَمْع الخلائق يوم القيامة؛ لحسابهم والقضاء بينهم.



والحشر الوارد في النصوص أربعة أنواع:

اثنان في الدنيا:
أحدهما: المذكور في سورة الحشر: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}[28].
والثاني: الحشر المذكور في أشراط الساعة، ويكون في آخر الدنيا؛ كما جاء في حديث حذيفة بن أسيد مرفوعًا: ((إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات))، وفي آخر الحديث: ((وآخر ذلك: نارٌ تخرج من اليمن، تَطرُد الناس إلى محشرهم))[29]، وعند البخاري من حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((أما أول أشراط الساعة فنارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب))، فهي ابتداءً تخرج من اليَمَن، ثم تنتشر من المشرق إلى المغرب، وقيل في الجمع غير ذلك، وجاءت آثار تدل أنها تحشرهم إلى أرض الشام.

واثنان في الآخرة:
أحدهما: حشر الأموات من قبورهم بعد البعث إلى موقف الغاية، وهو مراد المصنف، وسيأتي الاستدلال عليه.
والثاني: حشر الناس إلى الجنة أو النار؛ كما قال - تعالى -: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}[30]، وقوله {وَفْدًا}؛ الوافد: من يأتي إلى الملك في أمر عظيم ينتظر منه الكرامة والنعمة والضيافة - نسأل الله من فضله.

هذه الأربعة الأنواع هي الواردة في النصوص في الحشر، ومقصود المصنف هو الثالث، وذكر القرطبي هذه الأنواع الأربعة، ونقلها عنه ابن حجر في "الفتح"، وقال: "إنَّ الحشر الأول ليس حشرًا عامًّا، وإنما هو لفئة مخصوصة، فالحشر إنما يراد به كل من هو موجود في حينه"[31].

الحشر ثابت بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب: قوله - تعالى -: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[32].
ومن السُّنَّة: حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يُحشَر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقُرْصة النقي ليس فيها علمٌ لأحد))[33].

وأَجْمَع المسلمون على ثبوت الحشر يوم القيامة.

حتى البهائم تحشر يوم القيامة، دلَّ على ذلك الكتابُ والسُّنَّة:
فمن الكتاب: قوله - تعالى -: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[34]، وقوله - تعالى -: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}[35].
ومن السنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ الرَّسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: ((لَتُؤَدَّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء))[36].

قال النووي: "هذا تصريحٌ بحشْر البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة، كما يُعَادُ أهلُ التكليف من الآدميين، وكما يُعَادُ الأطفال والمجانين ومن لَم تبلغْه دعوة، وعلى هذا تظاهرتْ دلائل القرآن والسنة، قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب، وأما القِصَاصُ من القرناء للجلحاء فليس هو من قِصَاص التكليف؛ إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة"[37].

وأيضًا هو قصاصٌ يُبَيِّن مدى العدْل التامِّ في ذلك اليوم، حتى بين البهائم، وأنه كما قال الله - تعالى -: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[38].

يحشر الناس عراة حفاة غرلاً:
لحديث عائشة قالتْ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُحْشَرُ الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً))، قالتْ: يا رسول الله، الرِّجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: ((يا عائشة، الأمرُ أشدُّ مِنْ أنْ ينظُرَ بعضهم إلى بعض)).

وعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم تُحْشَرُون حفاة عراة غرلاً، ثم قرأ: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[39]، وأول من يُكْسَى إبراهيم))[40].

ودلَّ حديث ابن عباس: أن الناس يُحشرون عراة، وأنَّ أول مَن يُكسَى إبراهيم - عليه السلام.

واختُلفَ في الحكمة مِن ذلك؛ قال ابن حجَر: "قيل: الحكمة في كون إبراهيم أول من يُكسى: أنَّه جُرِّد حين أُلقِيَ في النار، وقيل: لأنه أول مَن استنَّ التَّسَتُّر بالسراويل، وقيل: إنه لَم يكنْ في الأرض أخوف لله منه، فجُعلَتْ له الكسوة؛ أمانًا له ليَطمئن قلبُه، وهذا اختيار الحليسي، والأول اختيار القرطبي"[41].

وإذا حُشِرَ الناس كان في ذلك الجمع هَمٌّ وغَمٌّ وكَرْبٌ ودُنُوُّ للشمس من الناس مقدار ميل؛ كما ثبَتَ في "صحيح مسلم"، من حديث سليم بن عامر، عن المقداد مرفوعًا: ((تُدنى الشمسُ يوم القيامة منَ الخلق، حتى تكون منهم مقدارَ ميل))، قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض، أم الميل الذي تُكحل به العين؟

وماذا يفعل الناس في ذلك الموقف؟

سيأتي بيان ذلك في حديث الشفاعة قريبًا.
يتبع





هوازن الشريف 09-04-2014 11:04 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (14)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح










قال المصنِّف - رحمه الله -: حتَّى يَشْفَعَ فيهم نبيُّنَا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم.



الشرح


ثامنًا: الشَّفاعة:
والشفاعة ذَكَرَها المصنِّف في هذا الفصْل مَرَّتَين، فذكر أولاً الشفاعة العُظمى، وهي شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل الموقف، وذَكَرَها مرة أخرى، وذكر بعدها شفاعة الأنبياء والمؤمنين والملائكة، وسنذكر هذه الشفاعات جميعًا في هذا الموْضِع.

معنى الشفاعة:
الشفاعة لغة: من الشفع ضد الوتْر، وهو ضَمُّ الشيء إلى مَثِيله.
واصطلاحًا: التَّوَسُّط للغير بِجَلْب منفعة، أو دفْع مضَرَّةٍ.

الشفاعة نوعان:
1- شفاعة شرعية (شفاعة مثبتة):
وهي الشفاعة المقبولة، ويدخل تحتها أنواع سيأتي بيانُها، وهذه الشفاعة لا بُدُّ فيها مِن توفُّر شرطَيْن:
الأول: الإذن للشافع أن يشْفع.
والثاني: الرضا عن المشفوع له.

ويدل عليهما: قوله - تعالى -: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}[42]، وقوله - تعالى -: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[43].

2- شفاعة شِرْكية (شفاعة منفية):
وهي الشفاعة للكافرين، فهؤلاء لا تنفعهم شفاعة، كما قال المصنِّف: "ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين".
ويدل على ذلك: قوله - تعالى -: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[44].

أنواع الشفاعة الشرعيَّة:
1- الشفاعة العُظمى:وهي أوَّل شفاعة ذَكَرَها المصنِّف بعدما ذكر البعث، والحشر، ووقوف الناس في موقف القيامة، حتى يشفع فيهم نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي شفاعة خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم.

ويدل عليها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتفق عليه، وهو حديث طويل، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "أُُتِيَ رسولُ الله يومًا بلحم، فَرُفع إليه الذراع - وكانت تُعْجِبُه - فَنَهَسَ منها نَهْسَةً، فقال: ((أنا سَيِّدُ الناس يوم القيامة، وهل تدرون بِمَ ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيُسْمِعُهم الدَّاعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمسُ فيبلغ الناس من الغمِّ والكرب ما لا يطيقون، وما لا يَحْتَمِلُون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا تَرَوْنَ ما أنتم فيه؟ ألا تَرَوْنَ ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون مَن يشفع لكم إلى ربِّكم؟ فيقول بعضُ الناس لبعض: ائتوا آدم...)) الحديث، وفيه يأتون آدم، ثم نوحًا، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، وكل واحد منهم يقول: إنَّ ربي قد غضِبَ اليوم غضبًا لَمْ يغضبْ قبله مثله، ولَم يغضب بعده مثله، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، وآخرهم عيسى - عليه السلام -فيقول: "اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فيأتوني فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وغفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، اشْفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فأنطَلِق فآتِي تحت العرش فأَقَعُ ساجدًا لربِّي، ثم يفتح الله عليَّ، ويلهمني من مَحَامِده وحُسْنِ الثناء عليه شيئًا لَم يفتحه لأحدٍ قبلي، ثم يُقَال: يا محمد، ارفع رأسك، سَلْ تُعْطَه، اشفع تُشَفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: ((يا رب، أمتي أمتي)) الحديث، فيشفع - صلى الله عليه وسلم – لأمته، وهذه تسمى الشفاعة العظمى.

2- شفاعته - صلى الله عليه وسلم - بدخول أهل الجنةِ الجنةَ:
دلَّ عليها حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أوَّل الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثرُ الأنبياء تبعًا))، وفي روايةٍ: ((فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمِرْتُ لا أفتح لأحد قبلك))[45].

3 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في عمِّه أبي طالب بأن يُخَفِّفَ عنه العذاب:
وذلك لأنَّ أبا طالب مات كافرًا فلا يخرج من النار، ولكن بشفاعة النبي يُخَفف عنه منَ العذاب.

ويدُلُّ على ذلك: حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: أن رسولَ الله ذُكِرَ عنده عمُّه أبو طالب فقال: ((لعلَّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيُجْعَل في ضَحْضَاحٍ من نار يغلي منه دماغُه))، وفي رواية: ((ولولا أنا، لكان في الدَّرْكِ الأسفل من النار))[46].
وهذا الأنواع الثلاثة السابقة خاصَّة بنبِيِّنا - صلَّى الله عليه وسلم.

4- الشَّفاعة في خُرُوج الموحِّدين من النار:
دلَّ عليها حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يخرج من النار مَن قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزْن شعيرة من خير، ويخرج من النار مَن قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزنُ بُرَّة من خير، ويخرج من النار مَنْ قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير))[47].

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((لكلِّ نبي دعوةٌ مُستَجابةٌ، فتعجَّل كلُّ نبيٍّ دعوتَه، وإنِّي اختبأتُ دعوتي؛ شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ - إن شاء الله - مَنْ مات من أمتي لا يُشرك بالله شيئًا))[48].

وحديث أنس - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي))[49]، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

والخوارج والمعتزلة يُنْكِرون هذا النوع منَ الشفاعة؛ لأنه كما تقدَّم من مذهبهم: أنَّ صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان؛ فالسارق، والزاني، وغيرهما من أهل الكبائر عندهم خرجوا من الإيمان، فلا تنفعهم الشفاعة، وقولهم قول باطلٌ مردودٌ بالأدلة الكثيرة التي تخالف مُعتقَدهم، ومن هذه الأدلة ما تقدَّم ذكره.

5- الشفاعة فيمَن استحق النار ألا يدخلها:
وهذه من أنواع الشفاعة التي يذكرها أهلُ العلم، وقد يُسْتَدَلُّ لها بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا، إلاَّ شفَّعهم الله فيه))[50].

6- الشفاعة في رَفْعِ درجات أقوام من أهْل الجنَّة:
وهذه قد تكون بفَضْل ما جعله الله مِن دُعاء المؤمنين بعضهم لبعض؛ كما في حديث أم سلمة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي سلمة، حين تُوفِّي؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم اغفرْ لأبي سلَمة، وارْفع درجته في المهْديِّين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفرْ لنا وله يا رب العالَمين، وأفْسح له في قبْرِه ونوِّر له فيه))[51].
وهذه الأنواع الثلاثة ليستْ خاصَّةً بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - بل لسائر الأنبياء والصِّديقين والمؤمنين.

7- شفاعة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قومٍ من أمته يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب:
كشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعُكاشة بن محصن أن يجعله من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في الصحيحين.

ومن أهل العلم من يزيد نوعًا ثامنًا، وهي الشفاعة فيمَن استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهم أهل الأعراف.

وكما ذكر المصنِّف وتقدَّم بيانه: أن هناك من الشفاعة مَن يشفع فيها الأنبياء والمؤمنون والشهداء والصالحون والملائكة، على قدر مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم، فالشهيد مثلاً يُشَفَّع في سبعين من أهل بيته؛ كما ورد عند أبي داود وابن حبان.

من الأعمال التي ينال بها المسلم الشفاعة ما يلي:
1- قول: "لا إله إلا الله" خالصة من القلب:
لحديث أبِي هريرة - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله، مَنْ أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: ((لقد ظننتُ يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّل منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة مَنْ قال: "لا إله إلا الله خالصًا من قلبه))[52].

2- قول الذكر الوارد بعد الأذان:
وهو ما جاء في حديث جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن قال حين يسمع النداء: اللهُمَّ ربِّ هذه الدعوة التامَّة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعَثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته - حلَّت له شفاعتي يوم القيامة))[53].

3- الصبر على شدة المدينة ولأوَائها:
لحديث أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يصبر على لأْواء المدينة وشدتها أحدٌ من أمتي إلا كنتُ له شفيعًا يوم القيامة أو شهيدًا))[54]، والمقصود بـ(لَأْوَائها)؛ أي: شدتها، وضيق العيش فيها.

4- الموت في المدينة:
لحديث ابن عمر - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن استطاع أن يموتَ بالمدينة فلْيَمُتْ بها؛ فإنِّي أشفع لمن يموت بها))[55].

فائدة:
هناك من الأعمال ما تمنعُ العبدَ أن يكون شفيعًا لأحدٍ يوم القيامة: ومن ذلك مَنْ يُكْثِرُ اللَّعْن؛ فقد جاء في "صحيح مسلم"، من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يكون اللَّعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة))، قال النووي: "وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء))؛ فمعناه: لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار، ((ولا شُهداء)): فيه ثلاثة أقوال: أصحها وأشهرها: لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات، والثاني: لا يكونون شهداء في الدنيا؛ أي: لا تُقبل شهادتهم لفِسْقهم، والثالث: لا يرزقون الشهادة؛ وهي: القتل في سبيل الله"[56].





الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح

ــــــــــــــــــــــــــ
[1] [يس: 51].
[2] [يس: 51].
[3] [الكهف: 99].
[4] رواه مسلم.
[5] [يس: 49- 51].
[6] [يس: 49].
[7] [يس: ٥١].
[8] متفق عليه.
[9] [النمل: 87].
[10] [الزمر: 68].
[11] رواه أحمد، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن".
[12] [يس: ٥١].
[13] [التغابن: 7].
[14] [التغابن: 7].
[15] [الأنعام: 36].
[16] [الطارق: 5 - 8].
[17] [الروم : 50].
[18] [الأحقاف: 33].
[19] [المؤمنون: 115].
[20] [القيامة: 3 - 4].
[21] [الروم: 27].
[22] رواه مسلم.
[23] انظر: "شرح مسلم"؛ النووي (13) كتاب الأشربة، باب الأمر بحُسْن الظَّن بالله - تعالى - عند الموت.
[24] [آل عمران: 161].
[25] انظر: تفسير الآية في "تفسير القرطبي".
[26] [البقرة: 275].
[27] انظر: تفسير الآية في "تفسير ابن كثير".
[28] [الحشر: 2].
[29] رواه مسلم.
[30] [مريم: 85 - 86].
[31] انظر: "الفتح" المجلد الحادي عشر، كتاب الرقاق، باب الحشر.
[32] [الواقعة: 49 - 50].
[33] متَّفق عليه، وعفراء: هي بيضاء المائلة إلى حمرة، والنقي: هو الدقيق.
[34] [التكوير: 5].
[35] [الأنعام: 38].
[36] رواه مسلم، والجلحاء: هي التي لا قرن لها.
[37] انظر: "شرح النووي لمسلم"، المجلد (16)، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم.
[38] [غافر: 17].
[39] [الأنبياء: 104].
[40] متَّفق عليه، وحُفاة؛ أي: غير منتعلين، عُراة؛ أي: ليس عليهم أثواب كما وَلدَتْهم أمَّهاتُهم، غُرلاً؛ أي: غير مختونين.
[41] انظر: "الفتح"، المُجَلَّد (11)، كتاب الرِّقاق، باب الحشر.
[42] [النجم: 26].
[43] [البقرة: 255].
[44] [المدثر: 48].
[45] رواه مسلم.
[46] متفق عليه.
[47] متفق عليه.
[48] رواه مسلم.
[49] رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.
[50] رواه مسلم.
[51] رواه مسلم.
[52] رواه البخاري.
[53] رواه البخاري.
[54] رواه مسلم.
[55] رواه أحمد، والتِّرمذي، وابن ماجَهْ، وصحَّحَه الألباني.
[56] انظر: "شرح مسلم"؛ للنووي، المجلد (16)، كتاب البر والصلة، باب النَّهي عن لَعْن الدواب وغيرها.








هوازن الشريف 09-04-2014 11:05 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (15)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح




قال المصنف - رحمه الله -: "ويُحاسِبُهُم اللهُ - تبارك وتعالى".


الشرح

تاسعًا: الحساب:

تعريفه لغة: هو العدد.
وشرعًا: إطْلاع الله عباده على أعمالهم.

الحساب ثابتٌ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع:
فمن الكتاب: قوله - تعالى -: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}[1].
ومن السنة: حديث عائشة المتفق عليه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس أحدٌ يُحَاسَب يوم القيامة إلا هَلَك))، قلت: أَوَليس يقول الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[2]؟ فقال: ((إنما ذلك العرض، ولكن من نُوقِشَ الحساب يهلك)).

والمقصود: أنَّ العبد إذا حُوسب حسابًا دقيقًا على إعماله التي لا بُدَّ لها من قبولٍ من الله - جل وعلا - هلك؛ لأن أعماله لا تُنْجِيه إلا برحمة الله - جل وعلا - ونسأل الله من واسع فضله.

وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة: ويُستثنى من ذلك السبعون ألفًا كما سيأتي.

صفة الحساب:
المؤمن يَخْلو بربِّه ويُقَرِّره بذنوبه، فكُلُّ شيء قَدَّمه في الدنيا سيُعْرِض عليه، ثم يسترها الله - عز وجل - ويغفرها له، بخلاف المنافق والكافر، فإنَّ حسابه حساب توبيخٌ على رؤوس الخلائق، فلا يُسْتَر.

عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((يُدنَى المؤمن يوم القيامة من ربِّه - عز وجل - حتى يضع عليه كَنَفَه، فيُقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإنِّي قد سَتَرْتُها عليك في الدنيا، وإنِّي أغفرها لك اليوم، فيُعْطَى صحيفة حسناته، وأما الكفَّار والمنافقون فيُنادَى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله))[3].

قال الشيخُ ابن عثيمين عن حساب المؤمن: "ومع ذلك، فإنه - سبحانه وتعالى - يضع سِتْرَه، بحيث لا يراه أحدٌ، ولا يسمعه أحدٌ، وهذا من فضْل الله - عزَّ وجلَّ - على المؤمن؛ فإنَّ الإنسان إذا قرَّرك بجناياتك أمام الناس وإنْ سَمَحَ عنك، ففيه شيء من الفضيحة، لكن إذا كان ذلك لوحدك، فإن ذلك ستر منه عليك"[4].

الحساب يشمل الجن:
لأنهم مُكَلَّفُون، يدخل كافِرُهم النار بالنص والإجماع؛ كما قال - تعالى -: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}[5]، وقوله: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّار} [الأعراف: 38]، ويدخل مؤمنهم الجنة وهو قول جمهور العلماء؛ لقوله - تعالى -: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56]، ولعموم قوله - تعالى -: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46].

وهل تُحَاسَبُ البهائم؟تقدم في مباحث (الحشر) أنه يكون بين البهائم قصاصٌ فيُقَاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، وتقدَّم أن هذا القصاص ليس قصاصَ تكليفٍ وإنما هو قصاص مقابلة، وأما حساب التكليف فلا تُحَاسب؛ لأنه لا تكليف عليها، وتقدَّم أن هذا اختيار النووي، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله - تعالى. [انظر: المراجع السابق ص (512)].

أول ما يحاسب عليه العبد:
أما أول ما يحاسب عليه العبد من الحقوق التي عليه لله - جل وعلا - فهي الصلاة.
ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أول ما يُحاسب عليه العبدُ يوم القيامة الصلاة، فإن صلحتْ صلح سائر عملِه، وإن فسدتْ فسد سائر عملِه))[6].

وأما أول ما يُقضى فيه منَ الحُقُوق التي بين الناس هي الدِّماء.
ويدل على ذلك:حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أول ما يُقْضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء))[7].
وذلك لأنَّ الصلاة عَمُود الدين، وهي أفضل العبادات البدنية، والدماء هي أعظم ما يعتدى به في حقوق الآدميين.
وهناك أقوام لا تَمُر بهم هذه المرحلة مرحلة (الحساب):
وعددهم سبعون ألفًا، جاء ذكر هذا العدد في حديث ابن عباس؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عُرِضَتْ عليَّ الأمم، ثم عُرِضَتْ عليَّ أمتي، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب))، وفي آخر الحديث قال: ((هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يَتَطَيَّرُون، وعلى ربهم يَتَوكَّلون))[8].

وجاء في رواية عند مسلم زيادة: ((هم الذين لا يرقون))، وهي روايةٌ شاذة فلا تصح؛ لعدة وجوه منها: أنها مُخالفة لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يرقي أصحابه، ولأن في الرقية إحسانًا للغير؛ فإن الراقي مُحسن على غيره، فكيف يُمنَع هذا الفضل؟! ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في آخر الحديث: ((وعلى ربهم يَتَوَكَّلون))، وعمل الراقي لا مُنَافاة بينه وبين التوكُّل، بخلاف المسترقي والمكتوي والمتطير.
لا يسترقون؛ أي: لا يطلبون الرقية، ولا يكتوون؛ أي: لا يتعالَجون بالكَي، ولا يتطيرون، والتطيُّر هو: التشاؤُم.
وسُمِّي بذلك؛ لأنَّ أهل الجاهلية كانوا يتشاءَمون بالطير.

والجامع لهذه الأوصاف الثلاثة قوله: ((وعلى ربِّهم يَتَوَكلون))، والتوكُّل لا بد له من أمرين:
1- تفويض الأمر لله - جل وعلا - واعتماد القلب عليه مع صحة الإيمان والمعتقد.
2-فعل الأسباب التي أمر الله بها؛ سواء كانت دينية؛ كأداء الفرائض، والبُعد عن النواهي، أو كانت دنيويَّة؛ كالحرث، والزراعة، والتجارة، ونحوها؛ لأنَّ النصوص كثيرة في الأمر بالتوَكُّل، ولا بدَّ من فعل السبب.

وأما أن يقولَ الإنسان: لن أفعل السبب؛ لأنني مُتَوَكِّلٌ على الله - جل وعلا - فهذا فَهْمٌ خطأ، فهذا يُسَمَّى: (تَوَاكُلاً)، لا (تَوَكُّلاً).

ومما يدل على فعل السبب:
قول الله - عز وجل -: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[9]، فالعزيمة سببٌ لا بدَّ منه مع التوكُّل.
وأيضًا أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على فعله للسبب مع توكُّلِه، وهو إمام المتوكِّلين، فقد كان يَعُدُّ العُدَّة قبل خوضه للمعارك، ويُهَيِّئ أسبابها ويرفع يديه للسماء يدعو: ((اللهم مُنزل الكتاب، ومُجْرِي السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم))[10]، وأرشد في طلَب الرزق من الله - جل وعلا - التوكل عليه وفعل السبب؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لَأَنْ يأخذ أحدكم حبله، ثم يغدو فيحتطب، فيبع فيأكل ويتصدق، خيرٌ له من أن يسأل الناس))[11]، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة، وأيضًا دلالة العقل عليها، فليس من التوكُّل أن يترك الإنسان الأسباب في جلب الولد مثلاً؛ كالنكاح، ويقول: أريد بتَوَكُّلي على الله - جل وعلا - أن يرزقني ولدًا، وكذا في الرزق، وغيرها من الأمور، فلا بد من الشرطَيْن حقيقة؛ الاعتماد على الله - جل وعلا - مع فِعْل الأسباب.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "التحفة العراقية": "التوكُّل المأمور به هو ما اجتَمَع فيه مقتضى التوحيد، والعقل، والشرع، فالالتفاتُ إلى الأسباب شركٌ في التوحيد، ومحوُ الأسبابِ أن تكون أسبابًا نَقْصٌ في العقْل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدْح في الشرع".

فعدم طلب الرُّقية والاكتواء والتطيُّر مع التوكُّل على الله - جل وعلا - سببٌ في دخول الجنة، بغير حساب ولا عذاب.

والإنسان مع الرقية على ثلاث مراتب:
1 - أن يطلب الرقية: فهذا يدخل مع الذين (يسترقون)، فيفوته الفضل.
2- ألا يمنع الرقية إذ عُرِضَت عليه: فهذا لا يفوته الفضل؛ لأنه لَم يطلبها، وإنما عرضت عليه.
3-أن يمنعَ الرقية إذا عُرِضَت عليه: فهذا خلاف السنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَم يمنع عائشة حين رقته، وكذا الصحابة كان يرقي بعضهم بعضًا، فليس في الرقية حين تُعرض فيقبلها مخالفةٌ؛ فقد رقى جبريلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كما في "صحيح مسلم" من حديث عائشة قالت: "كان إذا اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقاه جبريل، قال: باسم الله يبريك، ومن كلِّ داء يشفيك، ومِنْ شرِّ حاسد إذا حسد، وشر كلِّ ذي عين".

لا بد من الإيمان بعدل الله - جل وعلا - التامِّ:
فذلك اليوم يُحاسب الله عباده، وهو سريع الحساب - جل وعلا - ولا يظلم عبده مثقال ذرة؛ قال - تعالى -: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[12]، قال - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}[13].
وقال - تعالى -: {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}[14]، وقال: {وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}[15]، والنصوص في إثبات هذا كثيرةٌ مُستَفِيضة[16].



قال المصَنِّف - رحمه الله-: "وتُنْصَبُ الموازين".



61- والميزانُ له كِفَّتانِ ولِسانٌ، تُوزَنُ به الأعمال: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[17].





الشرح

عاشرًا: الميزان: تعريفه لغة: ما تُقَدَّر به الأشياء خِفَّةً وثقلاً.
وشرعًا: هو ميزانٌ حقيقي له كفتان، يضعه الله - عز وجلَّ - يوم القيامة؛ لوَزْن أعمال العباد.

الميزان ثابت بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب:قوله - تعالى -: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[18].
ومن السنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتفق عليه؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))، وأجمع السلف على ثبوت ذلك.

الميزان حِسِّيٌّ له كفتان حسيتان:
ويدل على ذلك حديث البطاقة، حديث عبدالله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله سيُخَلِّصُ رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سِجلاًّ، كل سجل مدّ البصر، ثم يقول: أتُنْكِرُ من هذا شيئًا؟ أَظَلَمَكَ كتَبَتي الحافظون؟ قال: لا يا رب، فيقول: أَلَكَ عذرٌ أو حسنة؟ فيبهت الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنةً واحدةً، لا ظُلْم اليوم عليك، فتخرج له البطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: أحضروه، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تُظلم، قال: فتُوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، قال: فطاشت السجلات، وثَقُلَت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء))[19]، وموطن الشاهد من الحديث قوله: ((فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة)).

ما الذي يوزن؟
اختلف أهل العلم في ما الذي يوزن على أقوال:
القول الأول: أن الذي يوزن العمل؛ واستدلوا بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)).
وحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من شيء أثقل في الميزان من حُسن الخلق))[20].

القول الثاني: أن الذي يوزن العامل؛ واستدلوا: بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنه ليأتي على الرجل السمين يوم القيامة لا يَزِن عند الله جناح بعوضة))[21].
وحديث ابن مسعود: أنه كان دقيقَ الساقين، فجعلت الريح تلقيه؛ فضحك القوم منه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مِمَّ تضحكون؟))، قالوا: يا نبي الله، من دِقَّة ساقيه، قال: ((والذي نفسي بيده، لَهُمَا أثقل في الميزان من أُحُدٍ))[22].

والقول الثالث: أن الذي يوزن الصحف.
واستدلوا: بحديث البطاقة، وتقدم ذكرُه قريبًا.
والأظهر - والله أعلم -: أن كل ذلك يوزن: العمل والعامل والصحف؛ لدلالة الأدلة عليها جميعًا.
قال ابن كثير في تفسيره[23]: "وقد يُمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحًا؛ فتارة توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلُها - والله أعلم.

وهل هو ميزان واحد، أو موازين كثيرة؟

قال شيخُنا ابن عُثَيمين: "واختلف العلماء: هل هو ميزان واحد أو متعدد؟ فقال بعضهم: متعددٌ بحسب الأمم، أو الأفراد، أو الأعمال؛ لأنه لَم يرد في القرآن إلا مجموعًا، وأما إفراده في الحديث فباعتبار الجنس.
وقال بعضهم: هو ميزان واحد؛ لأنه ورد في الحديث مفردًا، وأما جمعه في القرآن فباعتبار الموزون، وكلا الأمرين محتمل، والله أعلم".





قال المصنِّف - رحمه الله -:
"وتُنْشَرُ الدَّواوين، وتَتَطايَرُ صُحُف الأَعْمال إلى الأَيْمان والشَّمائل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا}
24].


الشرح



الحادي عشر: نشر الدواوين:
تعريف نشر الدواوين:
النشر لغة: بَثُّ الشيء، وشرعًا: إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة وتوزيعها.
والدواوين لغة: جمع ديوان، وهو الكتاب الذي يُحصَى فيه الجند ونحوهم.
وشرعًا: هي الصحائف التي أحصيت فيها الأعمال التي كتبها الملائكة على العامل.

فنشر الدواوين: إظهارُ صُحُفِ الأعمال يوم القيامة التي كتبتْها الملائكةُ، بما فيها من أعمال العباد.

ونشر الدواوين ثابت بالنص والإجماع:
فمن النصوص: قوله - تعالى -: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا}[25].
وأجمع السلف على إثبات نشْر الدواوين في ذلك اليوم.

المجرمون مشفقون مما في هذا الكتاب؛ لأنه لا يُغادر شيئًا إلا وهو مكتوب؛ قال - تعالى -: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[26].

صفة أخد الكتاب:
فأما السعيد فسوف يأخذ كتابه بيمينه؛ فيفرح ويسْتَبْشِر، وبيَّن الله - جل وعلا - حاله فقال - تعالى -: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[27]، وأما الشقي فإنه يأخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، وبيَّن الله - عز وجل - حاله فقال - تعالى -: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا}[28].

كيف نجمع بين قوله - تعالى -: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}[29]، وقوله: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ}[30]؟

قال شيخُنا ابن عُثيمين: "الجمع بينهما أنْ يُقال: يأخذه بشماله لكن تخلع الشمال إلى الخلف من وراء ظهره، والجزاء من جنس العمل، فكما أن هذا الرجل جعل كتاب الله وراء ظهره، أُعْطِي كتابه يوم القيامة من وراء ظهره؛ جزاءً وفاقًا"[31].





الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
ــــــــــــــــــــــ
[1] [الغاشية: 25 - 26].
[2] [الانشقاق: 8].
[3] متفق عليه.
[4] انظر: "شرح العقيدة الواسطية" ص (513).
[5] [الأعراف: 179].
[6] رواه الترمذي.
[7] متفق عليه.
[8] متفق عليه.
[9] [آل عمران: 159].
[10] رواه مسلم من حديث عبدالله بن أبي أوفى.

[11] رواه البخاري من حديث أبي هريرة.
[12] [غافر: 17].
[13] [النساء: 40].
[14] [النساء: 49].
[15] [النساء: 124].
[16] والفتيل: هو الخيط الذي يكون في شِقِّ النواة، والنقير: هي النقرة الصغيرة التي تكون في ظهر النوة.
[17] [المؤمنون: 102 - 103].
[18] [الأنبياء: 47].
[19] رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وصحَّحه ابن حبان، والحاكم، ووافقَه الذهبي وحسَّنَه، والترمذي، وصححه الألباني في "الصحيحة" (135)، وقال: "والأحاديث في ذلك متضافرةٌ، إن لَم تَكُنْ متواترة".
[20] رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
[21] متفق عليه.
[22] رواه أحمد.

[23] "تفسير ابن كثير" (3/202).
[24] [الانشقاق: 7 - 12].
[25] [الإسراء: 13].
[26] [الكهف: 49].
[27] [الحاقة: 19 - 24].
[28] [الانشقاق: 10- 12].
[29] [الحاقة: 25].
[30] [الانشقاق: 10].
[31] انظر: "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/ 42).










هوازن الشريف 09-04-2014 11:06 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (16)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح


قال المصنف - رحمه الله -: "ولنبيِّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - حوْضٌ في القِيامَة، ماؤُهُ أشَدُّ بياضًا مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلَى مِنَ العَسَل، وأَبَارِيقُهُ عَدَدَ نُجُوم السَّمَاء، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بعْدَها أبدًا".



الشرح


الثاني عشر: الحوض:
تعريفه لغة: الجمع، ويطلق على مجتمع الماء.
وشرعًا: هو حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مجمع ماء عظيم يَرِدُه المؤمنون في عرصات القيامة.
والعَرَصات: جمع عرصة، وهو المكان الواسع الذي لا بناء فيه ولا شجر.

الحوض ثابت بنص السنة والإجماع:
فمن الأدلَّةِ على ثبوته: حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا فرطكم على الحوض، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ، ومَنْ شَرِبَ لا يظمأ أبدًا، وليردن عليَّ أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم))[1].

وحديث جندب - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا فَرَطُكم على الحوض))[2]، والفَرَطُ: هو الذي يسبق إلى الحوض.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة، قال ابن القيم: "قد روى أحاديث الحوض أربعون من الصحابة، وكثيرٌ منها أو أكثرها في الصحيح"، وقال السيوطي: "ورد ذكر الحوض من بضعة وخمسين صحابيًّا؛ منهم الخلفاء الأربعة الراشدون، وحُفَّاظ الصحابة المكثرون - رضوان الله عليهم أجمعين".

وأجمع أهل السنة على إثبات الحوض:
وهو حوض يَرِدُه المؤمنون حينما يَشْتَدُّ عليهم الكرب في الموقف، وتدنو الشمس من رؤوس الخلائق مقدار ميل، فيعرق الناس، ويشتدُّ بهم العطش، فيا رب ارزقنا شربة هنيّة من حوض نبيك - صلى الله عليه وسلم - تروي عطشنا في ذلك اليوم الشديد الكرب والخطب، ولا تجعلنا من الذين أحدثوا في الدين فصُدُّوا عن الحوض.

أَنْكَرَت المعتزلة الميزان والحوض، فلم يقولوا بثبوتهما، وأيضًا ممن أنكر الحوض الخوارج، ويُرَدُّ عليهم بدلالة النص والإجماع على ثُبُوت الحوض.

الحوض موجود الآن:
فالحوض مخلوقٌ الآن، يدل على ذلك ما رواه البخاري من حديث عقبة بن عامر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا فصلَّى على أهل أُحُدٍ صلاته على الميت، ثم انصرف على المنبر فقال: ((إني فَرَطٌ لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن)).

قال ابن حجر: "((والله، إنِّي لأنظر إلى حوضي الآن))، يحتمل أنه كُشِفَ له عنه لما خَطَب، وهذا هو الظاهر، ويحتمل أنه يريد رؤية القلب"[3].

صفة الحوض:
جاءت أحاديثُ تُبَيِّن صفة الحوض؛ فممَّا ورد:
حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حوضي: مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكِيزانه كنجوم السماء، مَنْ شرب منه لَم يظمأ أبدًا))[4]، وفي لفظ: ((حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورق)).

ولمسلم من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -مرفوعًا: ((ماؤه أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل)).
ولمسلم أيضًا من حديث ثوبان - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((يَغُتُّ فيه ميزابان من الجنة: أحدهما من ذهب، والآخر من وَرِق))، ويغت؛ أي: يصب.

وجاء عند أحمد في بيان مقداره أنه: ((كما بين عدن وعَمَّان))، وفي رواية أخرى: ((كما بين أيلة[5] إلى مكة))، وفي أخرى: ((كما بين المدينة وصنعاء))، ولمسلم من حديث عقبة: ((وإنَّ عرضه كما بين أَيْلة إلى الجحفة))، وعند مسلم من حديث ابن عمر: ((ما بين ناحيتيه كما بين جربا وأذرح)).

والمسافات المُحَدَّدة في الرِّوايات السابقة بين هذه البلدان كلها متقاربة توافق رواية: ((مسيرة شهر)).

إذًا؛ يَتَلَخَّص في صفة الحوض من الأحاديث السابقة ما يلي:
سعته: مسيرة شهر، وهذا تحديد بالزمان، ومَن أراد التحديد بالمسافة فليتأمل المسافة بين البلدان السابقة.
لونه: أبيض من اللبن، وأبيض من الوَرِق؛ أي: الفضة.
طعمه: أحلى من العسل، ومَنْ يشرب منه لا يظمأ أبدًا.
رائحته: أطيب من ريح المسك.
آنيته: كنجوم السماء في العدد والنور واللمعان.
يصب فيه ميزابان: أحدهما من ذهب، والآخر من فضة.

يُحرَم من الحوض أقوام: بدَّلوا وغيَّروا في دين الله:
عن أبي مُلَيْكَة، عن أسماء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إني على الحوض حتى أنظر مَنْ يَرِدُ علىَّ منكم، وسيؤخذ ناسٌ دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي))، فيقال: "هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم"، وكان ابن أبي مليكة يقول: "اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع أعقابنا، أو نفتن في ديننا"[6].

وفي لفظ لمسلم عن أم سلمة: ((فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سُحقًا)).

قال النووي: "قال الإمام الحافظ أبو عمرو بن عبدالبر: كلُّ من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض؛ كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظَّلَمة المسرفون في جَوْرِ وطَمْسِ الحق، والمُعْلِنُون بالكبائر، قال: وكل هؤلاء يُخَاف عليهم أن يكونوا ممن عُنُوا بهذا الخبر - والله أعلم"[7].

ونقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا بعد إذ هديتنا، أو نفتن في ديننا، أو نحدث فيه ما ليس على أمْرِ رسولِنا - صلى الله عليه وسلم.


الفرْق بين الكَوْثر والحَوْض:
أ- أنَّ الكوثر في الجنة، والحوض في أرض المحشر.

ب- الكوثر نهرٌ عظيمٌ جارٍ، فهو أصل، والحوض مجمع ماء فرعٌ عن الكوثر؛ لأنه يصب في الحوض ميزابان؛ فقد جاء في "صحيح مسلم" من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن الكوثر: ((هو نهر وَعَدَنيه ربي - عز وجل - في الجنة عليه الحوض)).


يتبع


هوازن الشريف 09-04-2014 11:08 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (16)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح



63- قال المصنف - رحمه الله -: "والصِّراطُ حقٌّ يَجُوزُهُ الأَبْرارُ، ويَزِلُّ عنْهُ الفُجَّارُ".
64- ويَشْفَعُ نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - فيمَنْ دخلَ النّارَ مِنْ أُمَّتِهِ مِنْ أَهْلِ الكَبَائِرِ؛ فيَخْرُجونَ بِشفاعَتِهِ بَعْدَمَا احْتَرَقُوا وصاروا فَحْمًا وحِمَمًا، فيدخلونَ الجنَّةَ بشفاعَتِه.
65- ولسائِرِ الأنبياءِ والمؤمنين والملائكةِ شفاعاتٌ؛ قال - تعالى -: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون}
[8].
- ولا تَنْفَعُ الكافِرَ شفاعةُ الشافعين".



الشرح


الثالث عشر: الصِّراط:
تعريف الصراط:
الصراط لغة: الطريق الواضح الواسع.
وشرعًا: جسرٌ ممدود على جهنم، يعبر الناس عليه إلى الجنة.
الصراط ثابت بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب: قوله - تعالى -: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}[9]، فقد فسَّرها عبدالله بن مسعود، وقتادة، وزيد بن أسلم: بالمرور على الصراط، وفسرها جماعةٌ - منهم ابن عباس - بالدخول في النار، لكن ينجون منها.

ومن السنة: حديث أبي سعيد الخدري الطويل وفيه: ((ثم يُضْرَبُ الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلِّم سلِّم))[10].

وأجْمَع أهل السنة على إثبات الصراط.
وهل الصراط واسع أو ضيق؟

اختُلف في سعة الصراط على قولَيْن:
القول الأول: أن الصراط طريق واسع:
واستدلوا:
1- بأن الصراط في اللغة هو: الطريق الواسع.
2- وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة الصراط: ((مَدْحَضةٌ مَزلَّة عليه خطاطيف وكلاليب))[11].
ووجه الدلالة: أنَّ الدحض والمزلة والكلاليب لا تكون إلا في طريق واسع.

والقول الثاني: أنَّ الصراط طريق دقيق ضيق جدًّا:
واستدلوا بما رواه مسلم من حديث أبي سعيد، قال: بلغني أن الجسر أدقُّ من الشعر، وأَحَدُّ من السيف، وبنحوه عند أحمد جاء مرفوعًا من حديث عائشة - رضي الله عنها.

وجاء عند الحاكم من حديث سلمان مرفوعًا: أنه كحَدِّ الموسى - والله أعلم بالراجح - ومن خلال الخلاف السابق تَبَيَّن لنا صفةُ الصراط، وأنه ممدود فوق جهنم، عليه كلاليب وخطاطيف تخطف الناس بحسب أعمالهم - نسأل الله السلامة والتجاوز.

حال الناس على الصراط وعبورهم عليه:
جاء في "صحيح مسلم"، من حديث أبي هريرة وحذيفة - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديث الشفاعة وفيه: ((فيأتون محمدًا، فيقوم، فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق))، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أيُّ شيء كمرِّ البرق؟ قال: ((أَلَم تَرَوْا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟ ثم كَمَرِّ الرِّيح، ثم كَمَرِّ الطير، وشَدِّ الرجال، وتجري بهم أعمالهم، ونبيُّكم قائم على الصراط يقول: ربِّ سَلِّم سَلِّم، حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا، قال: وفي حافَّتي الصراط كلاليبُ مُعَلَّقة، مأمورة بأخذ من أُمِرَتْ به؛ فمخدوشٌ ناج، ومكدوسٌ في النار)).

قال شيخ الإسلام في "عقيدته الواسطية": "يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجَوَاد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عَدْوًا، ومنهم من يَمْشي مَشْيًا، ومنهم من يزحف زَحْفًا، ومهم من يُخْطَف ويلقى في جهنم".

نسأل الله حسن التجاوز عن ذنوبنا في الدنيا، وعلى الصراط يوم الفرار.

قال ابن حجر عند ذكر الأمانة والرحم في الحديث السابق: "أي: يقفان في ناحية الصراط؛ والمعنى: أن الأمانة والرحم - لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقِّهما - يوقفان هناك للأمين والخائن، والواصل والقاطع، فيحاجَّان عن المُحِقِّ، ويشهدان على المُبْطل"[12].

أول من يعبر الصراط من الأنبياء محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن الأمم أمته:
لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذٍ إلا الرسل، ودعاء الرسل يومئذٍ: سَلِّم، سلِّم))[13].

قال النووي: "((ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل))؛ معناها: لشدة الأهوال، والمراد: لا يتكلم في حال الإجازة، وإلا ففي يوم القيامة مواطن يتكلم الناس فيها، وتُجَادِل كل نفسٌ عن نفسها، ويسأل بعضهم بعضًا، ويتلاوَمون، ويخاصم التابعون المتبوعين - والله أعلم.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ودعوى الرسل يومئذ: سَلِّم، سَلِّم))، هذا من كمال شفقتهم ورحمتهم للخلق، وفيه أنَّ الدعوات تكون بحسب المواطن، فيُدعى في كل موطن بما يليق به - والله أعلم"[14].

والمرور على الصراط عامٌّ للمؤمنين، ومن ادَّعى الإيمان كالمنافقين؛ ولكن المنافقين لا يجاوزون الصراط، بل الصراط آخر محطة لهم إلى النار - والعياذ بالله.

ثم بعد الصراط يقف المؤمنون في القنطرة:
والقنطرة مكانٌ خاصٌّ بالمؤمنين ولا يسقط أحد منهم في النار؛ بل هو مكان يُقْتَصُّ لبعضهم من بعض اقتصاصًا، يكون به تهذيب نفوسهم، وإزالة ما في القلوب من الغِلِّ والحسد قبل أن يدخلوا الجنة، وهذا اقتصاصٌ غير الاقتصاص الأول، فيُهَذَّبُون من الشوائب قبل دخول الجنة؛ كما قال - تعالى -: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}[15]، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "إذا خلص المؤمنون من الصراط حُبِسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فاقتصَّ لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا، أُذِنَ لهم بدخول الجنة، فَلَأَحَدُهم أهدى إلى منزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا"[16].




67- قال المصنف - رحمه الله -: "والجنَّةُ والنّارُ مخلوقتان لا تفْنيان، فالجنَّةُ مأوى أوليائه، والنّارُ عِقابٌ لأعدائِه، وأهلُ الجنَّةِ فيها مُخَلَّدونَ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[17]".
68- قال المصنف - رحمه الله -:
"ويُؤْتَى بالموْتِ في صورَةِ كَبْشٍ أَمْلَح، فيُذبَحُ بين الجنَّة والنارِ، ثم يُقال: يا أهل الجنَّة، خلودٌ ولا موْتَ، ويا أَهْلَ النَّارِ، خلودٌ ولا موْتَ".


الشرح

الرابع عشر: الجنة والنار:
تعريفهما:
الجنة لغة: البستان كثير الأشجار.
وشرعًا: هي الدار التي أعدَّها الله في الآخرة للمتقين؛ وهي: دار الثواب.

والنار لغة: معروفةٌ، فلا ينصرف الذهن إلا لها، حتى في التعريف اللغوي.
وشرعًا: هي الدار التي أعدها الله في الآخرة للكافرين، وهي دار العقاب.

والجنة والنار كل واحدة منهما حقٌّ ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فالأدلة في إثباتهما كثيرة مستفيضة.

الجنة والنار موجودتان الآن بدلالة الكتاب والسنة والإجماع:
ويدل على ذلك: من الكتاب: قوله - تعالى - عن الجنة: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين}[18]، وعن النار: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[19]، ومعنى {أُعِدَّتْ}؛ أي: هُيِّئَت.

ومن السنة: حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسُ محمد بيده، لو رأيتُم ما رأيتُ، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا))، قالوا: وما رأيتَ يا رسول الله؟ قال: ((رأيتُ الجنة والنار))[20]، وهناك أدلة أخرى.
وأجمع السلف - رحمهم الله - على وجودهما الآن.

هل الجنة والنار تَفْنَيَان؟

أما الجنة، فلا تَفْنَى باتِّفاق العلماء، ولم يخالف في ذلك إلا المُبْتَدِعة، وإنما الخلاف في النار: هل تفنى؟ والخلاف في هذه المسألة خلافٌ قديمٌ، كان على عهد الصحابة ثم السلف - رضي الله عنهم ورحمهم - وخلاصة المسألة ما يلي:
القول الأول: أن النار تَفْنَى:
واستدلوا:
1- بقوله - تعالى -: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[21].

ووجه الدلالة:
أن الله - عز وجل - أخبر أن أهل النار سَيَبْقَون فيها إلى مدةٍ يشاؤها الله - جل وعلا - ثم بعد ذلك تفنَى، ولم يأتِ بعد هذه الآية ما يدلُّ على عدم انقطاع النار، بخلاف ما بعدها في حال الذين سُعدوا، فإن الله - عز وجل - قال في بقائهم: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[22]؛ أي: غير مقطوع.

ونوقش هذا الاستدلال: بأن قوله - تعالى -: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، لا يدلُّ على انقطاع النار وفنائِها؛ بل إن معناه: أنهم خالدون في النار أكثر من مدة بقاء السموات والأرض بمدة لا انقطاع لها، مع ما شاء الله لهم من الخلود، فمعنى (إلا)؛ أي: مع ما شاء الله من الخلود أزمانًا متتابعة إلى ما لا نهاية لها، أو يقال: إن الاستثناء في الآية إنما هو لبيان قدرة الله - جل وعلا - وهذا هو الذي يتوافق مع الأدلة الكثيرة المثبِتة لبقاء النار وخلود أهلها فيها.

2- واستدلوا بقوله - تعالى -: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}[23].

ووجه الدلالة:
أن الحقب هو المدة من الزمن، وهذا يدل على أنهم سيلبثون مُدَّةً معينةً، قد تطول؛ لكنها تنتهي.

ونُوقش هذا الاستدلال: بأن الحُقُب – بضمتين - هو الدهر، والكفار يلبثون في جهنم دهورًا متواصلة لا تنتهي، أو يقال - كما قال بعض المفسرين -: إنهم يلبثون في نوعٍ من أنواع العذاب أحقابًا، ثم ينتقلون إلى نوع آخر، لا أنه ينقطع عنهم العذاب بعد مدة معينة.

3- واستدلوا بما رواه عبد بن حميد في "تفسيره": حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حمَّاد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لو لَبِثَ أهل النار عَدَدَ رَمْل عالج، لكان لهم يومٌ يخرجون فيه".

ونوقش هذا الاستدلال: بأنه أثرٌ ضعيف؛ لأن الحسن البصري لم يُدْرِكْ عمرَ بن الخطاب، كما ذكر الألباني في تخريجه لأحاديث "العقيدة الطحاوية"، وقال بعد أن ضعَّف الأثر: "وجملة القول: أن هذا الأثر لا يصح عن عمر، كما لا يصح عن غيره مرفوعًا، والله ولي التوفيق".

هذا هو أشهر ما استدل به أصحابُ القول الأول، ولهم أدلةٌ أخرى، ولكن أدلتهم بالجملة ليست صريحة في الدلالة على فناء النار؛ بل لا بد من حملها على معنًى يوافق الأدلة الكثيرة التي تدل على خلودهم في النار إلى ما لا نهاية له.

واختار هذا القول ونصَرَه ابنُ تيمية، ومال إليه تلميذُه ابنُ القيم؛ كما في "حادي الأرواح"، و"شفاء العليل"، وردَّ الإمامُ السبكيُّ على شيخ الإسلام ابن تيمية بردٍّ سمَّاه: "الاعتبار ببقاء الجنة والنار"، وكذا ردَّ عليه الألبانيُّ في كتاب أسماه: "رفع الأستار".

والقول الثاني: أن النار لا تفنى؛ بل هي مؤبَّدة:
وهو قول جمهور السلف - رحمهم الله - وهو الصحيح.

واستدلوا بعِدَّةِ أدلة، أشهرها ثلاث آياتٍ صريحاتٍ في أَبَدِيَّة النار، وأنها لا تفنى، وهي:
أولها: في سورة النساء؛ قال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}[24].
ثانيها: في سورة الأحزاب؛ قال - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}[25].
ثالثها: في سورة الجن؛ قال - تعالى -: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[26].

وأيضًا يُسْتَدَلُّ بأحاديثَ كثيرةٍ؛ منها ما ذَكَرَه المصنِّف وختم به هذا الفصل، وهو حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عند البخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يؤتَى بالموت كهيئةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فيُنَادِي منادٍ: يا أهل الجنة، فيَشْرَئِبُّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت - وكلهم قد رآه - ثم ينادى: يا أهل النار، فيَشْرَئِبُّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت - وكلهم قد رآه - فيُذْبَح، ثم يقول: يا أهل الجنة، خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار، خلودٌ فلا موت))، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[27].

ففي هذا الحديث بيانٌ أنه لا موت؛ لأن الموت يأتي بصورة كبش فيُذبح، وفيه خلود أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، واختار القولَ الثاني شيخُنا ابن عثيمين في "فتاواه"[28]، واللجنة الدائمة[29].

فائدة:
لا يُبدَّع من قال بفناء النار؛ لأنه قول مأثور عن بعض السلف، بخلاف من قال بفناء الجنة؛ فإنه مبتدع ولا شك؛ كالجهم بن صفوان القائل بفناء الجنة والنار.

الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
ــــــــــــــــــــــــ
[1] متفق عليه.
[2] متفق عليه.
[3] انظر: "فتح الباري" المجلد (11)، كتاب الرقاق، باب في الحوض.
[4] متفق عليه.
[5] وأَيْلَة - بفتح الهمزة، وإسكان الياء، وفتح اللام -: اختلف في تحديدها، وذكر ابن حجر: أن جمهور العلماء على أنها في طريق الحاج القادم من مصر إلى مكة، واختار النووي: أنها مدينةٌ على ساحل البحر متوسطة بين المدينة النبوية ودمشق ومصر، بينها وبين المدينة خمس عشرة مرحلة، وعدن وصنعاء: بلدتان في اليمن، وعَمَّان - بفتح العين، وفتح الميم مع تشديدها - بلدة في الشام، والجُحْفَة: بلدةٌ بالقُرْبِ من المدينة على سبع مراحل وهي على طريق مكة، وجربا وأذرح: قريتان في الشام، بينهما مسيرة ثلاث ليال.
[6] رواه البخاري.
[7] انظر: "شرح النووي لمسلم"، المجلد الثالث، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء.
[8] [الأنبياء: 28].
[9] [مريم: 71].
[10] متفق عليه.
[11] متفق عليه من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه.
ومدحضة مزلة؛ أي: زلق تزلق فيه الأقدام، كلاليب: جمع كلُّوب؛ وهي: حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم ويرسل إلى التنور، خطاطيف: والخطف: استلاب الشيء وأخذه بسرعة.
[12] انظر: "الفتح"، المجلد (11)، كتاب الرقاق، باب: الصراط جسر جهنم.
[13] رواه البخاري.
[14] انظر: "شرح النووي لمسلم"، المجلد الثاني، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية.
[15] [الأعراف: 43].
[16] رواه البخاري.
[17] [الزخرف: 74 - 75].
[18] [آل عمران: 133].
[19] [البقرة: 24].
[20] رواه مسلم.
[21] [هود: 106، 107].
[22] [هود: 108].
[23] [النبأ: 23].
[24] [النساء: 168، 169].
[25] [الأحزاب : 64، 65].
[26] [الجن: 23].
[27] [مريم: 39].
[28] (2/ 55- 56).
[29] (3/ 486- 491).






هوازن الشريف 09-04-2014 11:09 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (17)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح





فصلٌ: في حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه











69- قال المصنف - رحمه الله -: "ومحمدٌ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خاتَمُ النَّبِيِّينَ، وسَيِّدُ المرسلينَ، لا يَصِحُّ إيمانُ عبدٍ حَتَّى يُؤمِنَ برسالته، ويشهَدَ بنبوتِه، ولا يُقْضَى بيْنَ النَّاسِ في القيامَةِ إلاَّ بشفاعَتِهِ، ولاَ يَدْخُلُ الجنّةَ أُمَّةٌ إلاّ بعْدَ دُخولِ أُمَّتِه.
70- صاحِبُ لِواءِ الحمْد، والمقامِ المحمود، والحوْضِ الموْرود، وهوَ إمامُ النَّبِيِّينَ، وخَطِيبُهم، وصاحِبُ شفاعتِهم.
71- أمَّتُه خيْرُ الأممِ، وأصحابُه خيْرُ أصحابِ الأنبياءِ - عليهم السلامُ".








الشرح


في هذا الفصلِ ذَكَرَ المصنِّفُ حقوقًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك بعدما ذكر فيما تقدَّم ما يتعلَّق بحق الله - جل وعلا - ذكر المُصَنِّفُ حقوقًا وخصائصَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
1- (خاتم النبيين)؛ أي: ختم اللهُ به النبيين، وختم الله به الرسل، وختم الله به الشرائع، فلا نبيَّ بعد نبينا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - حتى إن عيسى - عليه السلام - ينزل في آخر الزمان يحكم بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وبما نُبِّئَ به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - لأنه خاتم النبيين.

بدلالة الكتاب: قال - تعالى -: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[1].



وبدلالة السنة:فعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلي ومثلُ الأنبياء كمثلِ رجلٍ بنى دارًا فأكملها وأحسنها، إلا مَوْضِعَ لَبِنَة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون: لولا موضع اللبنة، فأنا موضع اللبنة، جئتُ فخَتَمْتُ الأنبياء))[2].



وعن جبير بن مُطْعِم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لي خمسةُ أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحْشَرُ الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبيٌّ))[3].

وعن ثَوْبَان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه سيكون في أمتي كذَّابون ثلاثون، كلُّهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، ولا نبي بعدي))[4].



وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((فُضِّلْتُ على الأنبياء بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جوامعَ الكَلِم، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وأُحِلَّتْ لي الغنائمُ، وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهُورًا، وأُرْسِلْتُ إلى الخلق كافَّةً، وخُتِمَ بي النبيُّون))[5].

2- (سيد المرسلين): فهو - صلى الله عليه وسلم - سيِّدُ وَلَدِ آدمَ، سيِّدُ الأوَّلين والآخرين.



يدل على ذلك: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا سَيِّدُ ولد آدم))[6]، فكل من كان من ذرية آدم فهو سيِّدُه - صلى الله عليه وسلم - وفي الرواية الأخرى - كما تقدم في حديث الشفاعة -: ((أنا سَيِّدُ الناس يوم القيامة))، ومن كان سيِّدًا يوم القيامة، فهو سَيِّدٌ في الدنيا؛ فالمقدَّم يوم الجزاء هو المقدَّم في الدنيا.

ظهرت سيادتُه - صلى الله عليه وسلم - حين أَمَّ الأنبياءَ ليلةَ الإسراء والمعراج، ومَرَّ بهم واحدًا واحدًا، كلٌّ في سمائه، وكلٌّ يُرَحِّب به ويسلِّم عليه - صلى الله عليه وسلم.



وفي يوم القيامة سَتَظْهَر سيادتُه حين يتدافع الشفاعةَ أُولو العزم من الرسل، وهم الخمسة الذين جاء ذِكرهم في قوله - تعالى -: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[7]، حين يَتَدَافَع الرُّسُل ونبيُّ الله آدمُ الشفاعةَ وتصيرُ إليه - صلى الله عليه وسلم - فيقول: ((أنا لها، أنا لها))؛ كما في الصحيحين، فيشفع للناس حينئذٍ؛ فهذا يدل على سيادته، وشرفه، وعلوِّ مكانته.

3- (لا يَصِحُّ إيمانُ عبدٍ حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته): فمَنْ لم يؤمن برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويشهد بنبوته، فليس بمؤمن؛ لأن مفتاح الدخول في الإسلام شهادةُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أُمِرْتُ أن أقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله))[8].

ولا بد أن يؤمن بأنه - صلى الله عليه وسلم - رسولٌ لجميع الناس، وأن شريعته نَسختْ ما قبلها من الشرائع.
ويدل على ذلك: قوله - تعالى -: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[9].

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه – السابق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فُضِّلْتُ على الأنبياء بسِتٍّ))، وذكر منها: ((وأُرْسِلْتُ إلى الخلق كافَّة))[10].

فهو رسولٌ لكل مخلوق؛ يهوديًّا كان، أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا، أو غير ذلك، فهو رسولهم، ويجب عليهم الإيمانُ برسالته؛ لأنه أُرْسِل للخلق كافَّة، ففي الآية والحديث ردٌّ على من قال: إنه رسول العرب، أو رسولٌ لفئة من الناس دون غيرهم، وردٌّ على من قال: دينكم صحيح، وديننا صحيح، أو سَعَى لتقارب الأديان؛ بل على كل يهوديٍّ ونصراني ومجوسي، وغيرهم من أطياف الكفرِ - الإيمانُ برسالته، وإلا فهو كافر، وعلى دينٍ باطل، إن مات على ذلك مأواه جهنمُ وبئس المصير؛ يدل عليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌّ ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرْسِلْتُ به، إلا كان من أصحاب النار))[11].

4- (لا يُقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته): وتقدم الكلام على الشفاعة، وتلك الشفاعة العظمى هي المقام المحمود - كما سيأتي بيانه.

5- (ولا يدخل الجنةَ أمةٌ إلا بعد دخول أُمَّتِه): ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نحن الآخِرُون الأوَّلون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة))[12].

فدلَّ هذا الحديث على أن أمة محمد، وإن كانوا الآخرين في الدنيا، إلا أنهم هم الأولون يوم القيامة؛ وذلك بأنهم أول من يدخل الجنة، فلا تدخل أمةٌ الجنةَ إلا بعد أمة محمد - صلى الله عليه وسلم.

قال النووي: "قال العلماء: معناه: الآخِرُون في الزمان والوجود، السابقون بالفضل ودخول الجنة، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم"[13].

6- (صاحب لواء الحمد): واللِّواء: هو الراية التي يحملها قائدُ الجيش، ويدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب لواء الحمد حديثُ أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذٍ - آدم فمن سواه - إلا تحت لوائي، وأنا أوَّل من تنشقُّ عنه الأرض ولا فخر))[14].

واختلف في لواء الحمد: هل هو لواء حقيقي؟
القول الأول: إنه لواء معنوي.
القول الثاني: إنه لواء حقيقي، وهذا هو الأقرب - والله أعلم - لأن الأصل فيما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - الحقيقةُ لا المجاز، فهو لواءٌ حقيقي - والله أعلم - والحمد يشمل ما يفتحه الله - عز وجل - على نبيِّه من المحامد؛ كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - حديث الشفاعة، وفيه: ((فأنطَلِق، فآتي تحتَ العرش، فأَقَع ساجدًا لربي - عز وجل - ثم يفتحُ الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحدٍ قبلي)).

ويشمل ما للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم من الفضائل والمكانة؛ كالشفاعة العظمى، وافتتاح الجنة، وكون أمته أولَ الداخلين إلى الجنة - والله أعلم.

7- (والمقام المحمود)؛ أي: وصاحب المقام المحمود.
ويدل عليه: قول الله - تعالى -: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في حديث جابر - رضي الله عنه - عند البخاري: ((مَنْ قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه - حلَّتْ له شفاعتي يوم القيامة)).

والمقام المحمود جاء بيانه في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه هو الشفاعة العظمى للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد جاء في روايةٍ معلَّقة عند البخاري بعد ذكر الشفاعة، قال: "ثم تلا: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]، قال: ((وهذا المقام المحمود الذي وُعِده نبيُّكم - صلى الله عليه وسلم))، ويدخل في المقام المحمود مناقبُه - صلى الله عليه وسلم - الأخرى غير الشفاعة.

8- (والحوض المورود)؛ أي: وصاحب الحوض المورود، الذي تَرِدُ عليه أمَّتُه، وتقدم الكلام على الحوض ومباحثه.

9- (وهو إمام النبيين وخطيبهم): أما إمامته - صلى الله عليه وسلم - للأنبياء، فهي إمامته في الدنيا والآخرة، ويقال فيها ما قيل في سيادته - صلى الله عليه وسلم.

ظهرت إمامته للأنبياء في الدنيا حين أمَّهم ليلة الإسراء والمعراج، وتظهر إمامته لهم في الآخرة حين يتدافع أولو العزم من الرسل الشفاعةَ، ثم تصير إليه - صلى الله عليه وسلم - فيشفع.

وأما كونه خطيبَ الأنبياء، فلِمَا رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أنا أول الناس خروجًا إذا بُعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا...))[15]، وجاء حديثٌ آخر رواه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وقال الألباني: إسناده حسنٌ من حديث أُبَيِّ بن كعب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا كان يوم القيامة كنتُ إمام النبيين وخطيبَهم، وصاحب شفاعتهم غيرَ فخر)).

10- (وصاحب شفاعتهم)؛ أي: الذي تصير إليه الشفاعة في ذلك الموقف، وتقدم الكلام عن الشفاعة ومباحثها.

11- (أمته خير الأمم)؛ أي: إن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خيرُ الأمم، وهذه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - وأيضًا هي من خصائص أمته - صلى الله عليه وسلم - حيث جعلها الله خيرَ الأمم.
ويدل على ذلك:
1- قوله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[16]، وذكر ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية بأنها نص في أن أمة محمد خير الأمم.
2- ما رواه أحمد في "مسنده" من حديث علي في بيان ما خص الله به نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - وفيه: ((وجُعِلَت أمتي خيرَ الأمم))[17].
وخيرية أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من وجوهٍ كثيرة في الدنيا والآخرة على سائر الأمم؛ فخيريَّتُها في العمل، وفي الثواب، وفي الشريعة؛ بأن شرع لها من التيسير ما لم يشرع لغيرها، وفي الآخرة بتقدُّمِهم إلى فضائل كثيرة، أبرزها: أن أمته أوَّل الداخلين للجنة، وأكثر الأمم دخولاً الجنة؛ فخيريتها في الدنيا والآخرة.

12- (وأصحابه خير أصحاب الأنبياء - عليهم السلام): وهذه من خصائصه بأن أصحابه - صلى الله عليه وسلم - خيرُ الأصحابِ، وسيأتي في الفصل القادم ما يبين فضْلَهم على التفصيل، وأما في الجملة، ففضلهم جاء في نصوص كثيرة، منها:
1- قوله - تعالى -: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[18].
2- قوله - تعالى -: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[19].
3- حديث أبي بردة عن أبيه - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((النجوم أَمَنَةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم، أتى السماءَ ما تُوعَد، وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ، أتى أصحابي ما يُوعَدون، وأصحابي أَمَنَةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي، أتى أمتي ما يُوعَدون))[20].
4- حديث البراء - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الأنصار لا يُحِبُّهم إلا مؤمنٌ، ولا يُبغِضهم إلا منافقٌ، من أحبَّهم أحبَّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله))[21].
5- حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُ القرون قرني، ثم الذين يَلُونهم))[22].
6- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَسُبُّوا أصحابي، لا تَسُبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما أدرك مُدَّ أَحَدِهم ولا نَصِيفَه))[23].

والأحاديث في فضلهم كثيرة، وهم بالجملة ليسوا على مرتبة واحدة.

قال اللَّقَّاني - وهو أَحَدُ شيوخ المالكية - في "شرح جوهرة التوحيد": "أفضل الصحابة: أهلُ الحديبية، وأفضل أهل الحديبية: أهل أُحُد، وأفضل أهل أُحُد: أهل بدر، وأفضل أهل بدر: العشرة، وأفضل العشرة: الخلفاء الأربعة، وأفضل الخلفاء الأربعة: أبو بكر الصديق - رضي الله عنهم أجمعين".

وسيأتي بيان فضل الخلفاء الأربعة - رضي الله عنهم أجمعين - وأما جملة الصحابة فهم يتفاضلون:
فالمهاجرون أفضل من الأنصار:
يدل على ذلك:
1- أن المهاجرين جَمَعوا بين الهجرة والنُّصرة، بخلاف الأنصار الذين أَتَوا بالنصرة فقط، وللتعريف بهم يقال: المهاجرون: هم الذين هاجروا إلى المدينة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة، والأنصار: هم الذين هاجر إليهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في المدينة.
2- تقديم الله - جل وعلا - المهاجرين على الأنصار في قوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 100]، وقوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 117].

أهل بدر مرتبتهم أعلى من مراتب كل الصحابة:
يدل على ذلك: حديث علي - رضي الله عنه - وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وما يُدْرِيك؟ لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتُم فقد غفرتُ لكم))[24].

مَنْ أَنْفَق وقَاتَل قبل صلح الحديبية، أفضل ممن أنفق وقاتل بعد الصلح:
ويدل على ذلك: قوله - تعالى -: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[25]، ويُعْرَف ذلك بمعرفة تاريخ إسلامهم؛ كأنْ نرجع للكتب كـ"الإصابة"؛ لابن حجر.





الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] [الأحزاب: 40].
[2] رواه مسلم.
[3] رواه مسلم.
[4] متفق عليه.
[5] رواه مسلم.
[6] متفق عليه.
[7] [الأحزاب: 7].
[8] متفق عليه.
[9] [الأعراف: 158].
[10] رواه مسلم.
[11] رواه مسلم.
[12] والحديث رواه مسلم.
[13] انظر: "شرح النووي لمسلم"، المجلد (6)، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة.
[14] رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"، ورواه ابن ماجه، وصححه الألباني؛ انظر: "الصحيحة" (1571).
[15] الحديث رواه الترمذي، وقال: حسنٌ غريبٌ، وضعَّفه الألباني.
[16] [البقرة: 143].
[17] ذكره الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (3939)، وقال: أخرجه أحمد، والبيهقي في "السنن".
[18] [التوبة: 100].
[19] [الحشر: 8].
[20] رواه مسلم.
[21] متفق عليه.
[22] متفق عليه.
[23] متفق عليه.
[24] متفق عليه.
[25] [الحديد: 10].














هوازن الشريف 09-04-2014 11:10 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (18)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح


فصلٌ: في حقوق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضائلهم

قال المصنف - رحمه الله -:
"وأفضلُ أمَّتِه أبو بكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُم عمرُ الفاروقُ، ثُم عثمانُ ذو النُّورَينِ، ثُم عَليٌّ المُرْتَضَى - رَضِيَ الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ - لِمَا رَوى عبداللهِ بنُ عُمَرَ - رَضِي الله عنهما - قال: كنَّا نقولُ والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ: أَفْضَلُ هذه الأمَّةِ بعْدَ نبيِّها أبو بكرٍ، ثمَّ عمرُ، ثم عثمانُ، ثم عليٌّ، فيبلغَ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فلا يُنْكرُه.
72- وصحَّتِ الرِّوايَةُ عنْ عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّهُ قالَ: خَيْرُ هذهِ الأمةِ بعد نبيِّها أبو بكرٍ ثم عمرُ، ولو شئْتُ لسميْتُ الثَّالثَ.
73- وروى أبو الدَّرْدَاء عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ((مَا طَلَعَتِ الشَمْسُ وَلاَ غَربَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ))".


هذا فصلٌ ذكر فيه المصنِّف فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيَّما الخلفاء الراشدين منهم، وذكر فيه ما يجب على المؤمن اعتقادُه فيهم، والحديثُ عن فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحقوقهم مما ذَكَره المصنف، يتضمن عدةَ مباحث:
المبحث الأول: فضائل الخلفاء الراشدين:
عن العِرْبَاض بن سارية قال: "صلى بنا رسولُ الله ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعَظَنا موعظةً بليغة، ذَرَفَتْ منها العيون، ووَجِلَتْ منها القلوبُ، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مُوَدِّع، فما تعهد إلينا؟ فقال: ((أُوصِيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يَعِشْ منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديِّين الراشدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))"[1].

أولاً: أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -:
وهو - كما قال المصنف - أفضل الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم.

ويدل على ذلك:
1- قول ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كنَّا نخيِّر بين الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنخيِّر أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان"[2] ، وعند أبي داود قال ابن عمر: "كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ: أفضلُ أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان"، زاد الطبراني في رواية: "فيسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فلا ينكره"[3].

2- وعن محمد بن الحنفية - وهو ابن علي بن أبي طالب، وأمه خَوْلَةُ بنت جعفر الحنفية، ونُسِبَ إلى أمه؛ تمييزًا عن أخويه الحسن والحسين - قال: "قلتُ لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أبو بكر"، قلت: ثم من؟ قال: "ثم عمر"، وخَشِيتُ أن يقول: عثمان؛ قلتُ: ثم أنت؟ قال: "ما أنا إلا رجلٌ من المسلمين"[4].

من فضائله:
جاءت نصوص كثيرة تُبَيِّنُ فضله ومصاحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - منها:
قوله - تعالى -: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[5]؛ والمراد بصاحبه: أبو بكر - رضي الله عنه.
حديث أنس - رضي الله عنه - عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: قلتُ للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنا في الغار: لو أنَّ أحدهم نَظَر تحت قدميه لأبصرنا؟ فقال: ((ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما؟!))[6].
حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو كنتُ مُتَّخِذًا خليلاً لاتَّخَذْتُ أبا بكر))[7]، وفي رواية عند البخاري: ((ولكن أخي وصاحبي))، وفي روايةٍ أخرى له: ((لو كنتُ مُتَّخِذًا خليلاً، لاتَّخَذْتُه خليلاً، ولكن أُخُوَّة الإسلامِ أفضل)).
حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقتَ، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟! فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟!))، فما أُوذِي بعدها"؛[8] ولذا سمي بالصِّدِّيق؛ لأنه صدَّق النبي - صلى الله عليه وسلم - حين كذَّبه الناس.
حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عائشة))، فقلتُ: مِن الرجال؟ قال: ((أبوها))، قلت: ثم مَنْ؟ قال: ((ثم عمر بن الخطاب))، فعَّد رجالاً"[9].
حديث أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صَعدَ أُحُدًا، وأبو بكر، وعمرُ، وعثمانُ، فَرَجَف بهم، فقال: ((اثْبُت أُحُد؛ فإنما عليك نبيٌّ، وصدِّيق، وشهيدان))[10]، والأحاديث في فضله - رضي الله عنه - كثيرة.

ثانيًا: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - دلَّ على ذلك أدلَّةٌ كثيرة، منها حديثُ عمرو بن العاص السابق، وكذا حديثُ محمد بن الحنفيَّة، وقبله حديث ابن عمر، وجاء عند البخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كثيرًا ما يقول: ((كنتُ وأبو بكر وعمر، وفعلتُ وأبو بكر وعمر، وانطلقتُ وأبو بكر وعمر)).

من فضائله:
وأيضًا في عمر بن الخطاب فاروق هذه الأمة - رضي الله عنه - جاءتْ نصوصٌ كثيرة تُبَيِّن فضله، منها:
حديث أنس - رضي الله عنه - الذي تقدَّم قريبًا، وفيه: ((اثْبُت أُحُد؛ فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان)).
قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ما زلنا أَعِزَّةً مند أسلم عمرُ"[11].
حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((بَيْنَا أنا نائمٌ، إذ رأيتُ الناس عُرِضُوا عليَّ وعليهم قُمُصٌ، فمنها ما يبلغ الثديَ، ومنها ما يبلغ دُون ذلك، وعُرض عليَّ عمرُ وعليه قميصٌ يجرُّه))، قالوا: فما أوَّلْتَ ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الدِّين))[12].
حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بَيْنَا أنا نائم، إذ رأيتُ قَدحًا أُتِيتُ به، فيه لبنٌ، فشربتُ منه حتى إني لأرى الرِّيَّ يخرج في أظفاري، ثم أَعْطَيتُ فَضْلِي عمرَ بن الخطاب))، قالوا: ماذا أَوَّلتَ ذلك يا رسول الله؟ قال: ((العلم))[13].
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: ((بينا أنا نائم رأيتُنِي في الجنة، فإذا امرأةٌ تتوضأ إلى جانب قصرٍ، فقلتُ: لِمَنْ هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرتُ غَيْرَتَه؛ فولَّيتُ مُدْبِرًا))، فبكى عمرُ، وقال: أعَلَيك أَغَارُ يا رسول الله؟!"[14].
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد كان فيمن قبلكم مُحَدَّثون، فإن يَكُن من أمَّتي أحدٌ، فعمرُ))[15].
حديث سعد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إيهٍ يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لَقِيَك الشيطانُ سالكًا فَجًّا قطُّ إلا سلك فَجًّا غيرَ فَجِّك))[16].

والأحاديث في فضله - رضي الله عنه - كثيرة.

ثالثًا: عثمان بن عفان - رضي الله عنه -:
وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر الصديق وعمر - رضي الله عنهما - دلَّ على ذلك حديثُ ابن عمر السابق، ويُلَقَّبُ بذي النورين؛ لأنه تزوَّج ابنتي النبي - صلى الله عليه وسلم - رقية حتى ماتت، ثم أم كلثوم، حتى قيل: إنه لا يُعلم أحدٌ تزوج بابنتَيْ نبيٍّ غير عثمان.
يتبع



هوازن الشريف 09-04-2014 11:10 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (18)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح



من فضائله:
وردت أحاديث في فضائله، منها:
حديث أنس - رضي الله عنه - الذي تقدم، وفيه: ((اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان)).
حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وفيه تخلُّف عثمان عن بيعة الرضوان؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - بعثه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم.
بيده اليمنى: ((هذه يد عثمان))، فضرب بها على يده[17].
قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ يحفِر بئر رُومَة وله الجنة؟))، فحفرها عثمان[18]، وعند النسائي موصولاً: ((مَنْ ابتاع بئر رُومَة، غفر الله له))[19].
قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ جهَّز جيشَ العسرة، فله الجنة))[20]، وعند أحمد والنسائي موصولاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم.
نظر في وجوهِ القوم يوم جيش العسرة، فقال: ((مَنْ يجهِّز هؤلاء، غَفَرَ الله له))، فجهزهم عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وعند الترمذي من حديث عبدالرحمن بن سَمُرة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ضَرَّ عثمانَ ما عمل بعد اليوم)).
حديث عائشة وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في عثمان - رضي الله عنه -: ((ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة؟!))[21].

رابعًا: علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:
ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجُ ابنته فاطمة - رضي الله عنها - وأبو سيِّدَيْ شباب أهل الجنة: الحسن، والحسين.

من فضائله:
وردت أحاديث تبيِّن فضائله، منها:
حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر: ((لأعطينَّ الرايةَ غدًا رجلاً يحبُّ اللهَ ورسوله، ويحبُّه اللهُ ورسوله، يفتح الله على يديه))، فدعا عليًّا فأعطاه الراية[22].
حديث سعد - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ: ((أمَا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟!))[23].
والأظهر أن المصنِّف قال: (علي المرتضى)؛ لهذا الحديث، من التَّرَضِّي.
حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "والذي فَلَق الحبَّة وبرأَ النسمة، إنه لعهد النبي الأمِّيِّ إليَّ: "ألاّ يحبني إلا مؤمنٌ، ولا يبغضني إلا منافق"[24].

هذه بعض فضائل الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - الذين بشَّرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة كما في حديث أبي موسى - رضي الله عنه - عند البخاري وغيره، والحديث عن فضائلهم يطول به المقام، وما تقدَّم نزرٌ من بحر، وغَيْضٌ من فَيْض، وإلا ففضلُهم أُلِّفت فيه مجلدات، وابن كثير أحدهم، كما ذكر هو أنه كتب كتابًا بلغ ثلاثة مجلدات في فضل الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - والمصنفات كثيرة في فضلهم - رضي الله عنهم.





74- قال المصنف - رحمه الله -:
"وَهُو أَحَقُّ خَلْقِ اللهِ بالخِلافَةِ بعْدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لفَضْلِهِ وسَابِقَتِه، وتَقْدِيمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - له في الصَّلاةِ على جميع الصَّحابةِ - رضي الله عنهم - وإجماعِ الصَّحابة على تقْديمِه ومُبايَعَتِه، ولم يكنِ اللهُ ليَجْمَعَهم على ضَلالةٍ.
75- ثم مِنْ بعده عمرُ - رضي الله عنه - لفضْلِه وعَهْدِ أَبي بكرٍ إليه.
76- ثم عثمانُ - رضي الله عنه - لتقْديم أهلِ الشُّورى له.
77- ثم عليٌّ - رضي الله عنه - لفَضلِه، وإجماعِ أهلِ عصْرِه عليه.
78- وهؤلاءِ الخلفاءُ الرَّاشدون المهديُّون الذين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم: ((عَلَيْكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِن بَعْدِي، عضُّوا عَلَيْها بِالنَّوَاجِذ)).
79- وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الخِلاَفَةُ مِن بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً))، فكان آخرُها خلافةَ عليٍّ - رضي الله عنه".


المبحث الثاني: أحقية الخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم".


الشرح

الأحق بالخلافة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -:
فأبو بكر الصديق أحقُّ الأمة بالخلافة عند أهل السنة والجماعة، يدل على ذلك:
1- حديث عائشة وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه: ((مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس))[25].
2- حديث جبير بن مُطْعِم قال: أتت امرأةٌ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأمَرَها أن ترجع إليه، فقالتْ: أرأيتَ إن جئتُ فلم أَجِدْك؟ كأنها تريد الموت، قال: ((إن لم تجديني، فأتي أبا بكر))[26].
3- حديث عائشة وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لها: ((ادعي لي أباك وأخاك؛ حتى أكتب لأبي بكر كتابًا))، ثم قال: ((يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر))[27].
4- حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اقتَدُوا باللَّذَيْنِ من بعدي: أبي بكر، وعمر))[28].
5- والإجماع: فقد أجمع الصحابة - رضي الله عنهم - على مبايعته - رضي الله عنه - في سَقِيفَة بني ساعدة، حين اجتمعوا فيها، كما جاء في "صحيح البخاري" من حديث عائشة.

واختلف أهل العلم، هل كانت خلافة أبي بكر وأحقيَّتُه بالخلافة ثابتة بالنص أو الإجماع؟
القول الأول: أنها ثابتة بالنص، واستدلوا بالأحاديث السابقة.
القول الثاني: أنها بالإجماع، واستدلوا بالإجماع السابق.

والأظهر - والله أعلم - القول الثاني، وأنها ثابتة بالإجماع تصريحًا، ولكن النصوص السابقة دالَّة على أحقيته بها، ولكن الاستخلاف إنما ثَبَتَ بالإجماع.

ويدل على ذلك:
حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "حضرتُ أبي حين أُصِيبَ، فأثْنَوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيرًا، فقال: راغبٌ وراهبٌ، قالوا: اسْتَخْلِف، فقال: أتحمَّل أمرَكم حيًّا وميتًا؟! لوددتُ أنَّ حظِّي منها الكفاف، لا عليَّ ولا لي، فإن أستَخْلِف فقد اسْتَخلَف مَنْ هو خيرٌ مِنِّي - يعني: أبا بكر - وإن أتركُكم فقد تركَكُم من هو خيرٌ مني؛ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابنُ عمر: فعرفتُ أنه حين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مستخلِف"[29].

فهذا الحديث يؤخذ منه ما يلي:
أولاً: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف؛ لقول عمر - رضي الله عنه -: "وإن أترككم، فقد ترككم مَنْ هو خير مِنِّي؛ رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، فهذا نصٌّ في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّي ولم يستخلف أحدًا، فدلَّ ذلك على أن ثبوت خلافة أبي بكر وأحقيَّته بها كان بإجماع الصحابة، الذين فَهِمُوا أحقيته بالخلافة من النصوص الكثيرة الدالة على فضله وأحقيَّتِه.

ثانيًا: أن أحقية عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالخلافة بعد أبي بكر كانت بالنَّص، حيث استخلفه أبو بكر - رضي الله عنه - يدلُّ على ذلك قول عمر - رضي الله عنه -: "فإن أستخلِف، فقد استخلَف مَنْ هو خيرٌ مني - يعني: أبا بكر"، وهذا يدل على أن أبا بكر استخلف عمرَ بعده على الخلافة، وأيضًا أجمع الصحابة على عمر - رضي الله عنه.

ثالثًا: أن أحقيَّةَ عثمان بالخلافة بعد عمر كانت بإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - لا سيَّما أهل الشورى منهم، دَلَّ على ذلك الحديثُ السابق، حيث لم يستخلِف عمرُ، حتى قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "فعرفتُ أنه حين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مستخلِف"، فأحقيَّة عثمان بالخلافة ثبتتْ بإجماع الصحابة ابتداءً من أهل الشورى؛ لِمَا رواه البخاري من حديث عمرو بن ميمون - وهو حديثٌ طويل - وفيه: "فقالوا لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أَوْصِ يا أمير المؤمنين، استخلف، قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النَّفَر الذين تُوُفِّي رسولُ الله وهو عنهم راضٍِِ، فسمَّى: عليًّا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدًا، وعبدالرحمن، وقال: يَشْهَدُكُم عبدالله بن عمر، وليس له من الأمر شيء..." الحديث، وفيه مبايعةُ النَّفَر الذين عدَّهم عمرُ لعثمان، والنصُّ على مبايعة عليٍّ لعثمان - رضي الله عن الجميع - ومن ثَمَّ بَايَعَ الناسُ عثمانَ بعد مبايعة أهل الشورى له.

وبعد وفاة عثمان، أجمع الصحابة على مبايعة علي - رضي الله عنه - بالخلافة؛ فكان أحقَّ بها بعد عثمان - رضي الله عنه.

فترتيب الخلفاء الراشدين بالأحقيَّة في الخلافة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي - رضي الله عنهم أجمعين - هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وإجماعهم على ذلك، ولم يخالف في ذلك إلا المبتدعة.

رابعًا: في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - السابق ردٌّ على الرافضة، الذين يَرَوْنَ أن أحقية الخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ - رضي الله عنه - والردُّ عليهم من وجوه عِدَّةٍ، منها:
1- ما تقدَّم من إجماع الصحابة على أبي بكرٍ، وكان مع مَنْ أجمع على ذلك عليٌّ - رضي الله عنه - أفلا يَسَعُهم ما وَسِعَ عليًّا - رضي الله عنه - الذي هو صاحب الشأن فيما يَرَوْنه، وعليٌّ - رضي الله عنه - دخل في إجماع الصحابة في استخلاف أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان قبله؟!

2- قول ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كُنَّا نخيِّر بين الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنخيِّر أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان"[30]، وفي رواية أبي داود: "أفضل أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان"، زاد الطبراني: "فيسمع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فلا ينكره".

3- أن عليًّا - رضي الله عنه، وهو صاحب الشأن في الخلافة على حدِّ زعمهم - خَطَب الناس على المنبر في الكوفة فقال: "أفضل هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكر، ثم عمرُ، ولو شئتُ لسميت الثالث"[31].

4- حديث محمد بن الحنفية السابق، حيث قال لعلي: "أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله؟ قال: أبو بكر، قلتُ: ثم مَنْ؟ قال: ثم عمر، وخَشِيتُ أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجلٌ من المسلمين"[32].

وهذه بعض الوجوه في الرد على من أعمى الله بصيرتَه من المبتدعة الرافضة، وهناك وجوه أخرى نكتفي بما سبق، ولم يخالف أحدٌ من أهل السنة والجماعة في أن أحقَّ الناسِ بالخلافة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي - رضي الله عنهم أجمعين.

فأبو بكر - رضي الله عنه - كانت خلافتة سنتين وثلاثة أشهر، وكانت وفاته وعمره (63) عامًا، سنة (13) من الهجرة النبوية.
وعمر - رضي الله عنه - كانت خلافته عشر سنوات وستة أشهر، وكانت وفاته وعمره (63) عامًا، سنة (23) من الهجرة النبوية.
وعثمان - رضي الله عنه - كانت خلافتة ثِنْتَيْ عشرة سنة، وكانت وفاتُه وقد تجاوز عمره (82) عامًا، سنة (35) من الهجرة النبوية.
وعلي - رضي الله عنه - كانت خلافته أربع سنوات وتسعة أشهر، وكانت وفاتة وعمره (63) عامًا، سنة (40) من الهجرة النبوية.

ومجموع خلافتهم - رضي الله عنهم - تسعٌ وعشرون سنة وستة أشهر، ثم بُويِع بعد ذلك للحسن بن علي بعد موت أبيه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ستة أشهر، فتمَّت ثلاثون سنة، وهذا مِصْدَاقُ ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره المصنف، وهو حديث سفينة أبي عبدالرحمن مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الخلافة من بعدي ثلاثون سنة))[33].
يتبع






هوازن الشريف 09-04-2014 11:11 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (18)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح



مسألة:
تقدَّم معرفةُ ترتيب الخلفاء الراشدين في الخلافة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، فهل ترتيبهم في الأفضلية كذلك؟

بالإجماع أن أفضلهم: أبو بكر، ثم عمر، ولم يخالف في ذلك أحدٌ، وإنما الخلاف في الثالث والرابع من حيث الأفضلية، لا من حيث الخلافة؛ فالخلافة سبق الإجماعُ عليها.

القول الأول: أن الثالث في الأفضلية عثمان ثم علي، فيكون الترتيب في الأفضلية على هذا القول كالترتيب في الخلافة، وهذا قول جمهور السلف؛ وذلك لما يلي:
1- أن عثمان من المهاجرين الأوَّلين، وكذلك هاجر إلى الحبشة.
2- أنَّه تزوج بابنتين من بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - فلُقِّب بذي النورين.
3- جهَّز جيش العسرة على نفقته الخاصة.
4- اشترى بئر رومة من اليهود، وجعله سبيلاً للمسلمين.
5- الآثار التي سبقتْ في تقديم عثمانَ على عليٍّ، بالإضافة إلى فضائله الأخرى.

والقول الثاني: أن الثالث علي، ثم عثمان، من حيث الأفضلية، مع تقديم عثمان في الخلافة، وهذا قولُ قلَّةٍ من السلف في الكوفة؛ وذلك لفضائله، ومنها:
1- أنَّه قريب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجتمع معه في الجد الأول عبدالمطلب.
2- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - له: ((أَمَا تَرْضَى أن تكون مِنِّي بمنزلة هارون من موسى؟!))، إلى غير ذلك من فضائله.

وهناك من يفضل أبا بكر، ثم عمر، ثم يسكت عن الثالث والرابع.
كان هذا الخلافُ موجودًا في القرن الأول، ثم استقرَّ قول أهل السنة بقول عامَّتهم بأن عثمان أفضل من عليٍّ، وهو الصواب؛ أي: إن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة.

تنبيه:
ينبغي التفريق بين مسألة الخلافة ومسألة التفضيل؛ فالخلافة ليس فيها خلافٌ في ترتيبهم، ومن قدَّم عليًّا على عثمانَ في الخلافة، فهو مبتدِع، وأما الأفضليَّة، فهي مسألة اجتهادية سبق بيانُها، وأن الصحيح أن ترتيبهم في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة.

الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه أبو داود، والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"، والحديث حسَّنه البغوي في "شرح السنة" (1/ 18)، وصحَّحه ابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله"، والمنذري في "الترغيب والترهيب"، وأثبته ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (11/ 622 )، وصححه أيضًا في (20/ 309) وفي "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 579)، وصححه ابن باز، والألباني في "صحيح الجامع الصغير" 2/ 346 - رحم الله الجميع.
[2] رواه البخاري.
[3] وصحَّح إسناده الألباني في "تخريج السنة" (2/ 567).
[4] رواه البخاري.
[5] [التوبة: 40].
[6] متفق عليه.
[7] متفق عليه.
[8] رواه البخاري.
[9] رواه البخاري.
[10] متفق عليه.
[11] رواه البخاري.
[12] متفق عليه.
[13] متفق عليه.
[14] متفق عليه.
[15] رواه البخاري.
[16] رواه البخاري.
[17] رواه البخاري.
[18] رواه البخاري معلَّقًا.
[19] رواه أحمد موصولاً في مسنده والترمذي.
[20] رواه البخاري معلَّقًا.
[21] رواه مسلم.
[22] متفق عليه.
[23] متفق عليه.
[24] رواه مسلم.
[25] متفق عليه.
[26] متفق عليه.
[27] متفق عليه.
[28] رواه الترمذي وحسَّنه، وصحَّحه الألباني؛ انظر: "السلسلة الصحيحة"، رقم (1261).
[29] متفق عليه.
[30] رواه البخاري.
[31] رواه أبو داود، والترمذي وقال: "هذا حديث حسن".
[32] رواه البخاري.
[33] رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسَّنه، وله شواهد؛ ولذا قوَّاه غيرُ واحدٍ من أهل العلم؛ منهم: الإمام أحمد، والترمذي، والطبري، والحاكم، وابن تيمية، والذهبي، وابن حجر، والألباني؛ انظر: "السلسلة الصحيحة"؛ للألباني (459)، ففيها بحث ورد على من ضعَّف الحديث.







هوازن الشريف 09-04-2014 11:12 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (19)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح




80- قال المصنف - رحمه الله -:








"ونَشْهَدُ للعشَرةِ بالجنَّةِ، كما شَهِدَ لهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وعُمَرُ فِي الجنَّةِ، وعُثْمَانُ في الجنَّةِ، وعَلِيٌّ في الجنَّةِ، وطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ، والزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وسَعْدٌ فِي الجنَّةِ، وسَعِيدٌ في الجنَّةِ، وعبدُالرحمن بنُ عوفٍ في الجنَّةِ، وأبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ في الجَنَّةِ)).
81- وكُلُّ مَنْ شَهِدَ له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالجنَّةِ، شَهِدْنَا له بها، كقوله: ((الحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ))، وقولِه لثابِتِ بنِ قيْسٍ: ((إنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ)).
82- ولا نَجْزِمُ لأَحَدٍ مِنْ أهلِ القِبْلَةِ بجنَّةٍ ولا نَارٍ، إلاَّ مَنْ جَزَمَ لَهُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - لَكِنَّا نَرجو للمُحْسِنِ، ونَخَافُ على المُسيءِ".


المبحث الثالث: الشهادة بالجنة:
الشهادة بالجنة على نوعين: شهادة عامة، وشهادة خاصة.
أما الشهادة العامة، فهي شهادة لكلِّ مؤمن بأنه في الجنة؛ كما قال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}[1].
وأما الشهادة الخاصة، وهي التي أرادها المصنف، فإننا نشهد لمن شهد له رسولُ الله بالجنة، وذكر بعضًا منهم المصنفُ، وممن شهد له رسول الله:
1- العشرة المبشرون بالجنة: وهم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعهم: سعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة عامر بن الجراح - رضي الله عنهم أجمعين.

إذًا؛ هم الخلفاء الأربعة، ومعهم الستة الذين جاء ذكرهم في قول الناظم:

سَعِيدٌ وسَعْدٌ وَابْنُ عَوْفٍ وطَلْحَةُ وعَامِرُ فِهْرٍ والزُّبَيْرُ المُمَدَّحُ

ويدُلُّ على تبشيرهم بالجنة: حديث سعيد بن زيد، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أبو بكرٍ في الجنَّة، وعمرُ في الجنة، وعثمانُ في الجنة، وعليٌّ في الجنة، وطلحةُ في الجنة، والزبيرُ في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعدُ بن أبي وقاص في الجنة، وسعيدُ بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة))[2].

2- الحسن والحسين: لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة))[3].

3- ثابت بن قيس: لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "لمَّا نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ...} إلى آخر الآية[4]، جَلَسَ ثابتُ بن قيس في بيته، وقال: أنا من أهل النار، واحتبس ثابت بن قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سعدَ بن معاذ، فقال: ((يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ أَشْتَكَى؟))، قال سعد: إنه لجاري، وما علمتُ له بشكوى، وقال: فأتاه سعدٌ فذَكَر له قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ثابتٌ: أُنْزِلَت هذه الآيةُ، ولقد علمتُم أني من أرفعكم صوتًا على رسول الله؛ فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعدٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بل هو من أهل الجنة))[5].

4- بلال بن رباح:لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلالٍ عند صلاة الفجر: ((يا بلال، حدِّثني بأرجى عملٍ عملتَه في الإسلام؛ فإني سمعتُ دفَّ نعليك بين يدي في الجنة))، قال: "ما عملتُ عَمَلاً أَرْجَى عندي أني لم أَتَطَهَّر طهورًا في ساعةِ ليلٍ أو نهار، إلا صلَّيتُ بذلك الطُّهور ما كُتِبَ لي أن أصلي"[6].

5- عكاشة بن محصن:لحديث ابن عباس في السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ففي آخره قال عُكَّاشة بن مِحْصَن للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ادْعُ الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنت منهم))[7].

6- عبدالله بن سلام:لحديث سعد - رضي الله عنه - قال: "ما سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحدٍ يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة، إلا لعبدالله بن سلام"[8].

7- حارثة بن سُرَاقَة:لحديث أنس - رضي الله عنه -: أن أم حارثة أَتَتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا نبيَّ الله، أَلاَ تحدثني عن حارثة؟ - وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة، صبرتُ، وإن كان غير ذلك، اجتهدتُ عليه في البكاء، قال: ((يا أمَّ حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوسَ الأعلى))[9].

8- سعد بن معاذ:لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: أُهْدِي للنبي جُبَّة سندس، وكان يَنْهَى عن الحرير، فعجب الناس منها، فقال: ((والذي نفسُ محمدٍ بيده، لَمَناديلُ سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا))[10].

9- خديجة بنت خويلد:لحديث عائشة، قالت: "بَشَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خديجةَ بنتَ خويلد ببيتٍ في الجنة"[11]، وغير ما تقدم، كأمَّهات المؤمنين عامة.

وهل نشهد لأحدٍ غير الذين شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة؟
قال شيخنا ابن عثيمين بعدما ذكر من شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة: "نشهد لهم بالجنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد لهم، وألحق شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - من اتَّفقتِ الأمة - أو جُلُّ الأمة - على الثناء عليه، مثل: الأئمة الأربعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا مَرَّت جنازةٌ وأَثْنَوْا عليها خيرًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وَجَبَتْ))؛ أي: وجبت له الجنة، ومرت جنازة أخرى فأَثْنَوْا عليها شرًّا، فقال: ((وَجَبَتْ))، ثم قال لهم: ((أنتم شهداء الله في أرضه))، وعلى هذا فنشهد لهؤلاء الأئمة الذين أجمعت الأمة - أو جُلُّها - على الثناء عليهم بالجنة، لكن ليست شهادتُنا لهم بالجنة، كشهادتنا لمَنْ شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم"[12].

وكذلك الشهادةُ بالنار، فإنها على نوعين: شهادة عامة، وشهادة خاصة:
أما الشهادة العامة، فهي شهادةٌ لكل كافر يموت على كفْره بالنار؛ كما قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ}[13]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا}[14].
وأما الشهادة الخاصة، فإننا نشهد لمن شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه في النار، أو دلَّت النصوص عليه، ومنهم:
1- أبو لهب وامرأته أم جميل:لقوله - تعالى -: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}[15].
وأبو لهب هو عَمُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه عبدالعُزَّى بن عبدالمطلب، وامرأته أم جميل أَرْوَى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان.

2- أبو طالب:لحديث العباس بن عبدالمطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعتَ أبا طالبٍ بشيء؛ فإنه كان يَحُوطُك ويَغْضَبُ لك؟ قال: ((نعم، هو في ضَحْضَاح من نار، ولولا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل من النار))[16].
وأبو طالب هو عَمُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه عبدمناف بن عبدالمطلب.

3- عمرو بن عامر بن لُحَيٍّ الخُزَاعي:لحديث عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رأيتُ جهنم يَحْطِم بعضُها بعضًا، ورأيتُ عَمرًا يجرُّ قُصْبَه، وهو أوَّل من سيَّب السَّوَائِب))[17].

وهناك غيرُهم جاءت النصوصُ في بيان استحقاقهم للنار على الخصوص.

وأما المسيء في الدنيا من أهل الإيمان، فإننا نخاف عليه، كما نرجو للمحسن، والإيمان لا يكون إلا بشرطين:
1- شرطُ إيجاب: وهو أن يأتي بالتوحيد، يأتي بالشهادتين وما يتعلق بهما.
2- شرط سَلْب: وهو ألاَّ يأتي بناقض من نواقض الإسلام.

فمَنْ لم يَأْتِ بالتوحيد، فليس بمؤمن؛ لأنه لم يدخل دائرةَ الإسلام، ومَنْ كان على التوحيد ثم أتى بناقضٍ من نواقض الإسلام، فقد خرج من دائرة الإسلام، بعد انتفاء الموانع، وتحقُّق الشروط.

وأما المؤمنون الذين معهم معاصٍ وذنوبٌ لا تصل لحدِّ الكفر، فإننا لا نكفِّرهم بهذه الذنوب، ولا نجزم لهم بالنار، كما أن أصحاب الطاعات لا نجزم لهم بالجنة، وإنما نرجو للمحسنين، ونحاف على المذنبين.


يتبع









الساعة الآن 03:11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)