منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع العلوم الشرعية (https://hwazen.com/vb/f38.html)
-   -   تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (https://hwazen.com/vb/t5914.html)

هوازن الشريف 09-04-2014 11:13 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (19)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح




83- قال المصنف - رحمه الله -:

"ولاَ نُكفِّرُ أحدًا مِنْ أهلِ القِبلةِ بذَنْبٍ، ولاَ نُخْرِجُهُ عَنِ الإسلامِ بِعَمَلٍ".




الشرح



المبحث الرابع: تكفير أهل القبلة بالمعاصي:
أهل القبلة هم المسلمون الذين يصلُّون إليها، قال المصنف مبيِّنًا عقيدة أهل السنة والجماعة: "ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل"، وهذه مسألةٌ من مسائل الإيمان المهمة، وهي مسألة التكفير، فبيَّن المصنف عقيدةَ أهل السنة والجماعة، وأنهم لا يكفِّرون أحدًا بذنب، ولكن لا بد أن نعرف أن مقصود المصنف هنا هو الذنب الذي دون الشرك والكفر، وليس كلَّ ذنب، فليس معناه أن أهل السنة والجماعة لا يكفرون أحدًا ولو فعل مُكَفِّرًا؛ لأن هذه عقيدة المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان عمل؛ أي: ولو كان مُكَفِّرًا، فمقصود المصنف أنهم لا يكفرون بذنب؛ أي: من المعاصي والكبائر دون الكفر والشرك، فمن فعل كبيرةً من كبائر الذنوب دون الكفر، لا يُحْكَم بكفره؛ لأن هذه عقيدة الخوارج.

فأهل السنة والجماعة وَسَطٌ بين طائفتين:
الأولى: المرجئة: الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان عملٌ، فلو جاء بأي عمل، ولو كان ناقضًا من نواقض الإسلام؛ كأن يسبَّ اللهَ - تعالى - أو يسجد لغيره عالمًا، وغير ذلك من نواقض الإسلام، فلا يقولون بكفره، لا سيما الغلاة من المرجئة، وأما أهل السنة والجماعة، فإنهم يُكَفِّرون من جاء بمكفِّرٍ، وتحقَّقتْ فيه الشروط، وانتفتْ عنه الموانع.

والثانية: الخوارج:وهم الذين يكفِّرون صاحبَ الكبيرة، فمَنْ سَرَقَ، أو زنى، أو شرب الخمر، أو نحو ذلك من الكبائر، فالخوارج يحكمون بكفره وخروجه عن دائرة الإسلام، وكذلك المعتزلة الذين يحكمون بخروجه عن دائرة الإسلام، وأما مُعْتَقَد أهل السنة والجماعة، فإنهم لا يُكَفِّرون أحدًا بذنب أو بكبيرة من كبائر الذنوب، سواء كان قولاً أو عملاً، ما دام أنه دون الكفر والشرك، وهذا ما أراده المصنف، أن يبيِّن عقيدة أهل السنة والجماعة في صاحب الكبيرة دون الكفر، فإنه لا يخرج عن دائرة الإسلام، فلا نكفِّره، والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
1- قوله - تعالى -: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}[18].
ووجه الدلالة: أن القتل من كبائر الذنوب، ومع ذلك فإن الله أمَرَ بالإصلاح بينهما، وأبقى عليهم اسم الإيمان والأخُوَّة؛ مما يدل على أن صاحب الكبيرة لا يكفر بارتكابه الكبائر.

2- حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أن رجلاً كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبدالله، وكان يُلقَّب حمارًا، وكان يُضحِك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وقد جَلَدَه في الشراب، فأُتي به يومًا فأمر به فجُلد، فقال رجلٌ من القوم: اللهم الْعَنْه، ما أكثرَ ما يؤتى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلعنوه؛ فوالله ما علمتُ إلا أنه يحب الله ورسوله))[19].
ووجه الدلالة: أن شرب الخمر من كبائر الذنوب، ومع ذلك أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - له بقاء محبته لله ورسوله، التي هي من أعظم دلائل الإيمان القلبي.
قال ابن حجر: "وفيه الرَّدُّ على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافرٌ؛ لثبوت النهي عن لعنه، والأمر بالدعاء له"[20].

3- حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتاني جبريل - عليه السلام - فبشَّرني أنه مَنْ مات من أمَّتِك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، قلتُ: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق))[21].
ووجه الدلالة: أن الزنا والسرقة من كبائر الذنوب، ومع ذلك أثبت لمن فعل ذلك الجنةَ؛ مما يدل على أن صاحب الكبيرة لا يكفر؛ لأن الجنة محرَّمة على الكافرين.
قال النووي: "((وإن زنى وإن سرق)): فيه دلالة لمذهب أهل الحق أنه لا يخلد أصحاب الكبائر في النار، خلافًا للخوارج والمعتزلة"[22].

والأدلة في بيان أن أصحاب الكبائر دون الكفر لا يكفرون كثيرةٌ، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، الذين هم وَسَطٌ بين:
1- المرجئة الذين أخذوا بنصوص الوعد؛ كحديث: ((مَنْ مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة))[23]، فقالوا: لا يضر مع الإيمان معصية.
2- والخوارج والمعتزلة الذين أخذوا بنصوص الوَعِيد؛ كحديث: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))[24]، فقالوا: نُخْرِجه من الإيمان، ونحكم بخلوده في النار إذا فعل كبيرة من كبائر الذنوب؛ كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وغيرها من الكبائر؛ والمعنى: أنه لا يكون كامل الإيمان حين فعل هذه الكبائر، وكلا الطائفتين - المرجئة والخوارج - ومعهم المعتزلة، ضَلُّوا في هذه المسألة من الإيمان.




84- قال المصنف - رحمه الله -:
"ونَرَى الحَجَّ والجِهَادَ ماضيًا مع طاعَةِ كلِّ إمامٍ، بَرًّا كان أو فَاجِرًا، وصلاةُ الجمعةِ خلفَهم جائزةٌ".


الشرح


المبحث الخامس: طاعة ولي الأمر في غير معصية:
وهذه مسألة ذَكَرها المصنف تتعلَّق بالإمامة، حيث قال: "ونرى الحج والجهاد ماضِيَيْن مع كل إمام، برًّا كان أو فاجرًا"، وجاء بالحج والجهاد وصلاة الجمعة؛ لأنها غالبًا لا تُفْعَل إلا مع الأئمة، لا سيما في الزمن السابق، فقد كانوا لا يحجُّون وحدهم؛ لأنهم يخافون من قطَّاع الطريق، فإذا ذهبوا مع الإمام أَمِنُوا على أنفسهم؛ لأن الإمام معه قوةٌ ومَنَعَةٌ وجماعة، والإمام الذي ذكره المصنف هو إمام المسلمين؛ لأن الأئمة ثلاثة: بَرٌّ، وفاجرٌ، وكافرٌ؛ فالبَرُّ: هو إمام المسلمين الصالح التقي، والفاجر: هو إمام المسلمين الفاسق، وقد يكون فسقُه على نفسه؛ كالذي يشرب الخمر، ويَزْني، ويأكل الربا، ونحوها، وقد يكون فِسْقُه متعديًا؛ كأئمة الظلم والجور للناس في الأموال والأحكام، والثالث: هو الإمام الكافر، فهذا لا طاعة له؛ ولذا لم يذكره المصنف؛ لأنه لا طاعة له؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إلا أن تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عندكم من الله فيه برهان)).

ومذهب أهل السنة والجماعة: وجوب السمع والطاعة للإمام المسلم؛ سواءً كان برًّا أو فاجرًا، وطاعته إنما هي في المعروف، وأما في المعصية، فلا طاعة له.

ومما يدل على طاعة الإمام:
1- قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
2- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني))[25].
3- حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدًا حبشيًّا مُجَدَّعَ الأطراف))[26]، وعند البخاري: ((ولو لحبشيٍّ كأن رأسه زبيبة)).
4- حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ رأى من أميره شيئًا يكرهه، فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شِبرًا فمات، فَمِيتَتُه جاهلية))[27].
5- حديث عَوْف بن مالك - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خِيَار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتُصَلُّون عليهم ويصلون عليكم، وشِرَارُ أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم))، فقلنا: يا رسول الله، أفلا نُنَابِذُهم بالسيف عند ذلك؟ قال: ((لا؛ ما أقاموا الصلاة فيكم، أَلاَ من ولي عليه والٍ، فرآه يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعة))[28].
6- حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: دعانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فكان مما أخذ علينا: أن بايعَنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعُسْرنا ويُسْرنا، وأَثَرة علينا، وألاّ ننازع الأمرَ أهلَه، قال: ((إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان))[29].
7- حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأَطِع))[30].

وأهل السنة والجماعة يُصَلُّون خلف الأمراء ويحجُّون، ولو كانوا فُجَّارًا، وكذلك يجاهدون معهم؛ ويدل على ذلك:
1- فعل جمعٍ من الصحابة - رضوان الله عليهم - ففي "صحيح البخاري": أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يُصَلِّي خلف الحَجَّاج ين يوسف الثَّّقَفي، وكذلك أنس بن مالك - رضي الله عنه - وكان الحَجَّاج فاسقًا ظالمًا، وكذلك ابن مسعود - رضي الله عنه - صلى خلف الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيْط، وكان يشرب الخمر.
2- لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يصلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم))[31].

ولكن لا طاعة لهم في معصية الله، ويدل على ذلك:
1- حديث علي - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشًا وأمَّر عليهم رجلاً، فأوقد نارًا، وقال: ادخلوها، فأرادوا أن يدخلوها، وقال آخرون: إنما فررْنا منها، فذَكَروا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: ((لو دخلوها، لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة))، وقال للآخرين: ((لا طاعة في المعصية؛ إنما الطاعة في المعروف))[32].

2- حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أَحَبَّ وكَرِه، ما لم يُؤْمَر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة)) [33].




85- قال المصنف - رحمه الله -:
"قال أنَسٌ: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((ثَلاَثٌ مِنْ أصْلِ الإيمَانِ: الكَفُّ عمَّن قَالَ: لاَ إلَهَ إلاَّ الله، وَلاَ نُكَفِّرهُ بِذَنْبٍ، وَلاَ نُخْرِجُهُ مِنَ الإسْلاَمِ بِعَمَلٍ، وَالجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَني الله - عز وجل - حتى يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدجالَ، لاَ يُبْطِلُه جَوْرُ جَائِرٍ، وَلاَ عَدْلُ عَادِلٍ، وَالإيمَانُ بالأقْدَارِ))؛ رواه أبو داود".



فائدة:
استدلَّ المصنفُ بحديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثٌ من أصل الإيمان: الكفُّ عمَّن قال: لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله - عز وجل - حتى يُقَاتِل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جَوْرُ جائر، ولا عَدْلُ عادل، والإيمان بالأقدار))؛ وهو حديث ضعيفٌ، رواه أبو داود بسند ضعيف؛ لأن فيه يزيد بن أبي نشبة، وهو مجهول كما في "التقريب"، وضعَّف إسناده المنذري في "مختصر أبي داود" (3/ 380)، وضعَّفه الألباني في "ضعيف الجامع" رقم (2532).






الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح

ــــــــــــــــــــــــ
[1] [لقمان : 8].
[2] رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (4010)، وله شاهدٌ من حديث عبدالرحمن بن عوف بنفس اللفظ رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، والبغوي في "شرح السنة".
[3] رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" (796) بعد ذكر طرق له عن جَمْعٍ من الصحابة: "وبالجملة فالحديث صحيح بلا ريب؛ بل متواتر كما نقله المناوي".
[4] [الحجرات: 2].
[5] رواه مسلم.
[6] متفق عليه، ودفّ نعليك؛ أي: تحريك نعليك.
[7] متفق عليه.
[8] رواه البخاري.
[9] رواه البخاري.
[10] متفق عليه.
[11] متفق عليه.
[12] انظر: "الممتع" 5/ 299، 300.
[13] [فاطر: 36].
[14] [البينة : 6].
[15] [المسد: 1- 5].
[16] متفق عليه.
[17] رواه البخاري، وبنحوه روى مسلم من حديث جابر في حديث الكسوف الطويل.
[18] [الحجرات: 9، 10].
[19] رواه البخاري.
[20] انظر: "الفتح"، المجلد (12)، كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة.
[21] متفق عليه.
[22] انظر: "شرح النووي لمسلم"، المجلد (7)، كتاب الزكاة، باب الترغيب بالصدقة.
[23] رواه مسلم من حديث عثمان.
[24] متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
[25] متفق عليه.
[26] رواه مسلم.
[27] متفق عليه.
[28] رواه مسلم.
[29] متفق عليه.
[30] رواه مسلم.
[31] رواه البخاري.
[32] متفق عليه.
[33] متفق عليه.









هوازن الشريف 09-04-2014 11:16 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (20)
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح








86- قال المصنف - رحمه الله -:
"ومِنَ السُّنَّةِ: تَوَلِّي أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ومحبَّتُهُم، وذِكْرُ محاسنِهم، والتَّرَحُّمُ عليهم، والاستغفارُ لهم، والكَفُّ عن ذِكْرِ مسَاوئِهِم، ومَا شَجَرَ بَيْنَهُم، واعتِقادُ فَضْلِهِم، ومعرِفةُ سابِقَتِهم؛ قال الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا}
[1]، وقال - تعالى -: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[2]".





















الشرح




المبحث السادس: ما ينبغي على المسلم للصحابة وما جرى بينهم:




تعريف الصحابي:
الصحابة: جمع صحابي، واختُلِف في تعريف الصحابي، وأصح ما قيل، وهو المعتمد عند المحدثين، وذكره ابن حجر، حيث قال: وأصح ما وقفتُ عليه من ذلك أن الصحابي: من لَقِيَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا به، ومات على ذلك.

فيدخل فيمن لقيه: من طالتْ مجالستُه له أو قَصرتْ، ومن روى عنه أو لم يَرْوِ عنه، ومن غزا معه أو لم يَغْزُ، ومن رآه رؤيةً ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارضٍ كالعمى.
ويخرج بقيد الإيمان: من لقيه كافرًا ولو أسلم بعد ذلك، إذا لم يجتمع معه مرة أخرى.

وقولنا: مؤمنًا به: يخرج من لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة.
وخرج بقولنا: ومات على الإسلام: من لَقِيَه مؤمنًا به، ثم ارتدَّ، ومات على ردَّتِه - والعياذ بالله - وقد وُجِدَ من ذلك عددٌ يسير؛ كعُبَيِدالله بن جحش، وعبدالله بن خَطَل.

ويدخل فيه - أي: في مفهوم الصحابي - من ارتدَّ وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت، سواء اجتمع به - صلى الله عليه وسلم - مرة أخرى أم لا.
وهذا هو القول المعتمد، وهذا التعريفُ مبنيٌّ على الأصحِّ المختار عند المحققين؛ كالبخاري، وشيخه أحمد بن حنبل، ومن تبعهما، ووراء ذلك أقوال أخرى شاذَّة"، انتهى كلام ابن حجر - رحمه الله[3].
ما ينبغي للصحابة على المسلم:
ينبغي على المسلم أن يُدْرِك فضْلَ الصحابة، وعِظَم شأنهم، وتقدَّم بعضُ النصوص في فضلهم، فللصحابة فضلٌ عظيم على هذه الأمة؛ حيث قاموا بنصرة الله ورسوله، والجهاد في سبيله بأموالهم وأنفسهم، حَفِظوا الدين بحفظ الكتاب والسنة، فكانت حياتهم على الكتاب والسنة، عِلمًا وعَمَلاً ونقلاً حتى بلَّغوا الأمة؛ ولذا أثنى الله عليهم بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}[4]، ودافع عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدُكم مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أَحَدِهم ولا نَصِيفَه))[5].
ولذا فإن حقوقهم تتلخص فيما يلي:1- محبتهم بالقلب، والثناء عليهم باللسان بما قدموه من معروف، وبيان فضلهم.
2- الترحُّم عليهم، والتَّرَضِّي عنهم، والاستغفار لهم؛ لقول الله - جل وعلا -: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[6]، وقوله - تعالى -: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}[7]، ففي هذه الآية بيانُ رِضا الله - جل وعلا - عليهم، وتزكية بواطنهم وما في قلوبهم، وهذه لا يقدر عليها إلا اللهُ - جل وعلا - قال جابر - كما عند البخاري -: "كُنَّا ألفًا وأربعمائة".
3- الكف عمَّا جرى بينهم من خلاف، وكذا الكف عن مساوئهم التي تُعْتَبَرُ قليلةً جدًّا، تغيب في ظل محاسنهم وفضائلهم، وما صدر عنهم من خطأ، فهو صادرٌ عن اجتهادٍ مغفورٍ، وعملٍ معذورٍ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَسُبُّوا أصحابي)).

وبيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية في "العقيدة الواسطية" أن الآثار الواردة في مساوئ الصحابة على ثلاثة أقسام:
1- قسم كذب محض لم يقع منهم، وإنما اتُّهِموا به، كما يوجد في بعض مرويات الرافضة.
2- وقسم له أصلٌ، ولكن زِيدَ فيه، ونقص منه، وغُيِّر عن وجهه الصحيح.
3- وقسم صحيح كما نُقِلَ، وهم فيه معذورون؛ لأنهم مجتهدون، والمجتهد في دائرة الأجر والثواب؛ إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجرٌ واحد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر))[8]، وهذا مِثْل ما حدث بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - في وقعة صِفِّين، وكذا في وقعة الجمل بين عائشة وعلي - رضي الله عنهما.

ونوع هم فيه غير معذورين؛ أي: إنها أخطاء ليست عن اجتهاد ولا تأويل، فأهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصومٌ عن كبائر الإثم وصغائره؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوَّابون))[9].
ومثل هذا ما حصل من مِسْطَح بن أَثَاثه، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش في قصة الإفك، ولكنهم تطهَّروا بإقامة الحد عليهم.

فالذي يهمنا القسم الصحيح، ويقال فيه: إنه على نوعين:
النوع الأول: ما وقع منهم من خطأ وهم فيه غير معذورين؛ أي: ليس عن اجتهاد ولا تأويل:
فأهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصومٌ عن كبائر الإثم وصغائره؛ لأن كل بني آدم خطَّاء، ولكن لهم من السوابق والفضائل ما يُوجِبُ مغفرةَ ما يصدر عنهم - إن صَدَر - وليس لكل واحد منهم العصمةُ عن الخطأ، ولكن العصمة في إجماعهم، فلا يمكن أن يُجْمِعوا على ذنب فيستحلوه أو يفعلوه، سواء كان كبيرة أو صغيرة.

الثاني
:
ما وقع منهم من خطأ وهم فيه معذورون لاجتهادهم:
فأهل السنة والجماعة يُمْسِكون عما شجر بينهم، فلا يخوضون فيما وقع بينهم من حروب وخلافات على سبيل التَّوَسُّع والتفصيل، ونشر ذلك بين العامَّة، والتعرض بالتنقُّص من فئةٍ، والانتصار لأخرى؛ بل يُمسِكون عما شَجَر بينهم، وهم مأجورون؛ فالمصيب له أجران، والمخطئ له أجر؛ لأنهم مجتهدون.

ولا بد أن يُعْلَم عدة أمور:
الأمر الأول: أن جمهور الصحابة، وجمهور أفاضلهم لم يدخلوا ويشاركوا في الفتن بين الصحابة؛ ويدل على ذلك ما يلي:
1- في وقعة صِفِّين: عن إسماعيل بن عُلَيَّة قال: حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين قال: "هاجت الفتنةُ وأصحاب رسول الله عشرة آلاف، فما حضر فيها مائة؛ بل لم يبلغوا ثلاثين"[10].
2- في وقعة الجمل: عن ابن عُلَيَّة، عن منصور بن عبدالرحمن، عن الشعبي قال: "لم يشهد الجملَ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار إلا عليٌّ وعمار وطلحة والزبير، فإن جاؤوا بخامس، فأنا كذَّاب"[11].

والأمر الثاني: أن مَنْ شارك من الصحابة حَزِنَ ونَدِمَ على ما جرى؛ ويدل على ذلك:
1- ما رواه الزهري قال: قالت عائشة: "إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتالٌ، ولو عَلِمتُ ذلك، لم أقف ذلك الموقف أبدًا"[12].
وكانت إذا قرأت: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[13]، تبكي حتى يبتل خمارُها[14].

2-
ما رواه الشعبي قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: لما قُتِل طلحةُ ورآه مقتولاً، جعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: عزيزٌ عليَّ أبا محمد أن أراك مجندلاً تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عُجَرِي وبُجَرِي - أي: همومي وأحزاني - وبكى عليه هو وأصحابه، وقال: يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة[15].
وكان عليٌّ - رضي الله عنه - يقول: "لله درُّ مقام عبدالله بن عمر، وسعد بن مالك - وهم ممن اعتزل الفتنة - إن كان بدًّا - أي: لا بد منه حين اعتزلوا - إن أجره لعظيم، وإن كان إثمًا، إن خطره ليسير"[16].
فهذا هو قول علي - رضي الله عنه - وهو الذي كان أقرب إلى الحق في القتال؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وَيْحَ عمَّار، تقتله الفئة الباغية))[17]، والباغية الخارجة على الإمام لكنهم متأوِّلون، والذي قتل عمارًا أصحابُ معاوية، ومع ذلك قال عليٌّ ما تقدم.

3- وهذا معاوية - رضي الله عنه - لما جاءَه نعي عليِّ بن أبي طالب، جلس وهو يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وجعل يبكي، فقالت امرأته: أنت بالأمس تقاتله، واليوم تبكيه؟ فقال: وَيْحَك، إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله، وسوابقه وخيره"، وفي رواية: "وَيْحَك، إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم"[18].

الأمر الثالث: أن ما حصل بين الصحابة من قتال في صِفِّين والجمل، لم يكن على الإمامة؛ فكلهم متَّفقون على إمامة علي - رضي الله عنه - وإنما كان القتال فتنةً - على قول كثير من العلماء - بسبب اختلافهم في كيفية القصاص من قاتلي عثمان - رضي الله عنه.

ويدل على ذلك:
ما قاله عمر بن شبة: "إن أحدًا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليًّا في الخلافة، ولا دعوا أحدًا ليُوَلُّوه الخلافة، وإنما أَنْكروا على عليٍّ منعه من قتال قَتَلَةِ عثمان، وترك الاقتصاص منهم"[19].

ومما يؤكد ذلك:
ما رواه ابن كثير قال: "جاء أبو مسلم الخولاني وأناسٌ إلى معاوية، وقالوا: أنت تنازع عليًّا أم أنت مثله؟ فقال: لا والله، إني لأعلمُ أنه أفضل مني، وأحقُّ بالأمر مني، ولكن أَلَسْتُم تعلمون بأن عثمان قُتِلَ مظلومًا، وأنا ابن عمه، والطالب بدمه؟ فائتوه فقولوا له، فليدفع إليَّ قَتَلَة عثمان، وأسلم له، فأتَوْا عليًّا، فكلَّموه، فلم يدفعهم إليهم"[20].
وفي رواية: "فعند ذلك صمَّم أهل الشام على القتال مع معاوية"[21].

وبناءً على ما تقدم؛ فإنه يجب على المسلم أن يمسك عما شَجَر بين الصحابة - رضي الله عنهم - فإنَّ هذا هَدْي السلف - رحمهم الله - روى ابنُ بَطَّة عن بكير بن الأَشَجِّ قال: "أَمَا إن رجالاً من أهل بدرٍ لَزِموا بيوتهم بعد قتل عثمان - رضي الله عنه - فلم يخرجوا إلا لقبورهم، إلا ما كان لصلاة الفريضة، والجمعة، والعيدين".

وسُئِلَ أحمد بن حنبل - رحمه الله -: "ما تقول فيما كان من أمر طلحة والزبير وعلي ومعاوية - رضي الله عنهم؟ فقال: مَنْ أنا؟! أقول في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بينهم شيء؟! الله أعلم".

وكان عمر بن عبدالعزيز إذا سُئِل عن صفِّين والجمل يقول: "ذاك أمرٌ أخرج الله يدي منه، لا أدخل لساني فيه".

ولكن إذا اختُلِق على أصحاب رسول الله من الآثار والأفعال والأقوال ما لم يعملوه، ودعت الحاجة إلى ذكر ما شَجَر بينهم، فلا بأس، ولا بُدَّ من التحقُّق والتثبُّت في ذلك، فيُنْظَر في الروايات المذكورة الصحيحة حول الفتن بين الصحابة؛ ليتبيَّن ما كان صوابًا ويُرَدّ على من اختلق وحرَّف؛ لقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[22]، فلا بُدَّ من التحقُّق والنظر فيها، خصوصًا ونحن نعلم أن كثيرًا من هذه الروايات دخلها اختلاقٌ وتحريف، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعدما ذكر نحوًا مما سبق، قال: "وأكثر النقول من المطاعن الصريحة، هو من هذا الباب، يرويها الكذَّابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى، ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وأمثالهما"[23].

إذًا؛ الأصل فيما شجر بينهم الإمساكُ، إلا إذا دعتِ الحاجة كما سبق، ولله دَرُّ القحطاني حيث يقول في نونيته:



قُلْ خَيْرَ قَوْلٍ فِي صَحَابَةِ أَحْمَدٍ وَامْدَحْ جَمِيعَ الآلِ والنِّسْوَانِ
دَعْ مَا جَرَى بَيْنَ الصَّحابَةِ فِي الوَغَى بِسُيُوفِهِمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ
فَقَتِيلُهُمْ مِنْهُمْ وَقَاتِلُهُمْ لَهُمْ وَكِلاَهُمَا فِي الحَشْرِ مَرْحُومَانِ
وَاللَّهُ يَوْمَ الحَشْرِ يَنْزِعُ كُلَّ مَا تَحْوِي صُدُورُهُمُ مِنَ الأَضْغَانِ







87- قال المصنف - رحمه الله -:
"وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فلو أنَّ أحدَكم أنفقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه))".

المبحث السابع: سب الصحابة - رضي الله عنهم - وتكفيرهم:
والكلام على هذا المبحث من وجهين:
أولهما: ماذا يستلزم سب الصحابة وتكفيرهم؟
وثانيهما: حكم من سب الصحابة.

ماذا يستلزم سب الصحابة وتكفيرهم؟
سبُّ الصحابة - رضي الله عنهم - وتكفيرهم كما يفعل بعض الرَّوافض ومَنْ سار في نهجهم - يستلزم عدة أمور، منها:
أوَّلاً: القدح والطعن في الصحابة الذين نقلوا لنا الدين بأقوالهم وأفعالهم.

ثانيًا: نسبة الجهل أو العبث لله - جل وعلا - تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
ووجه ذلك:
أن الله - تعالى - أثنى عليهم، فكيف يثني عليهم ويَعِدُهم الحسنى وهم سيكفرون؟! فإما أن يكون الله - جل وعلا - لا يعلم بكفرهم؛ لأنه أثنى عليهم، وفي هذا نسبة الجهل إليه - تعالى الله عن ذلك - وإما أنه يعلم - سبحانه - أنهم سيكفرون، وأثنى عليهم ووعدهم الحسنى، وهذا عبثٌ - وتعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا - ولكن الحماقة عند مَنْ يسبُّهم أَعْيَت من يُدَاوِيها.

ثالثًا: الطعن في حكمة الله - جل وعلا - حيث إن الله - جل وعلا - اختارهم أنصارًا لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - فنصروه وجاهدوا معه، وصاهرهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فزوَّج ابنتيه لعثمان، وتزوَّج هو ابنتي أبي بكر وعمر، فكيف يختار لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أنصارًا وأصهارًا مع علمه أنهم سيكفرون؟!

رابعًا: الطعن في حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((خير القرون قَرْني))، فأيُّهما أصح: قولهم، أو قول نبينا - صلى الله عليه وسلم؟!

خامسًا: الطعن في الشريعة والقرآن والسنة؛ لأنهم هم الذين نقلوه إلينا، ومن طعن في النقلة فهو طعن في المنقول؛ إذ كيف نَثِقُ بكتابٍ وسنةٍ نقلها إلينا مُرْتَدُّون وفسقة؟ - نسأل الله السلامة والعافية من عَمَى البصيرة.

وهناك أوجهٌ أخرى يستلزمها الطعن فيهم - رضي الله عنهم - وتقدَّم بعضُها.

حكم سب الصحابة - رضي الله عنهم -:
سب الصحابة - رضي الله عنهم - على عدَّة أنواع:
1- أن يسب جميع الصحابة أو أكثرهم، أو يتَّهمهم بالنفاق والردة، أو بالفسق، فهذا كَفَرَ وارْتَدَّ بإجماع العلماء، وقد حكى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحد من العلماء؛ منهم: ابنُ حزمٍ، والقاضي أبو يَعْلَى، وابنُ تيمية، وابنُ كثير، وغيرهم؛ لأن من يعتقد ذلك في الصحابة فقد تضمَّن سبه إياهم ما تقدَّم، فلا شَكَّ في كفره؛ بل لا شَكَّ في كفر من لم يُكَفِّره، أو شك في كفره.

2- أن يسبَّهم بسبٍّ مصحوبٍ بأمرٍ كُفْريٍّ، فهذا لا شك أنه كُفْرٌ أيضًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما من اقترن بسبه دعوى أن عليًّا إله، أو أنه كان هو النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما غلط جبريلُ في الرسالة، فهذا لا شكَّ في كفره؛ بل لا شك في كفر من تَوَقَّف في تكفيره".

3- أن يَسُبَّ بعض الصحابة سبًّا يطعن في دينهم؛ كاتهامهم بالكفر، أو الفسق، وكان الذي وقع عليه السبُّ من الصحابة مما تواترت النصوص في فضله؛ كالخلفاء الراشدين، فهذا كفر أيضًا على القول الصحيح؛ لأن في سبهم تكذيبًا لأمرٍ متواتر، وذهب بعض العلماء إلى عدم تكفيره؛ وإنما اعتبروا فعله من كبائر الذنوب التي يستحق عليها التأديب والتعزير.

4- أن يسُبَّ من الصحابة مَنْ لم يتواتر النقل بفضله على وجه الخصوص، سبًّا يقدح في دينه، فجمهور العلماء على عدم تكفيره؛ وذلك لأنه لم يُنْكِر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة، ولكن وقع في كبيرة لا بد أن يؤدَّب عليها.

5- أن يسب بعضَهم سبًّا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، فهذا محرَّمٌ وليس بكفر؛ كاتهام بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، ونحو ذلك، ولكن قائل ذلك يستحق التأديب والتعزير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما من سبَّهم سبًّا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، فهذا محرَّمٌ وليس بكفر؛ كاتهام بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك، فهذا الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يُحْمَلُ كلامُ مَنْ لم يكفرهم من العلماء".


الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح

ـــــــــــــ
[1] [الحشر: 10].







[2] [الفتح: 29].
[3] انظر: "الإصابة في تمييز الصحابة"؛ لابن حجر (1/ 158، 159).


[4] [الفتح: 29].
[5] متفق عليه من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه.


[6] [الحشر: 10].

[7] [الفتح: 18].

[8] متفق عليه.

[9] متفق عليه.

[10] رواه أحمد في "العلل"، والخلال في "السنة"، وقال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" (6/ 36): "وهذا الإسناد من أصحِّ الإسناد على وجه الأرض".
[11] رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وقال الحافظ ابن كثير في "اختصار علوم الحديث" (2/ 500): "يقال: لم يكن في الفريقين مائة من الصحابة، وعن أحمد: ولا ثلاثون"؛ وللاستزادة راجع كتاب "السنة"؛ للخلال ص (460) فما بعده، وكتاب "منهاج السنة"؛ لابن تيمية (6/ 237) وما بعده.


[12] انظر: "سير أعلام النبلاء"، 2/ 177.

[13] [الأحزاب: 33].

[14] انظر: "أسد الغابة"؛ لابن الأثير، 3/ 88، 89.

[15] انظر: "منهاج السنة"، 6/ 209.
[16] انظر: "فتح الباري"، 12/ 67.
[17] متفق عليه.


[18] انظر: "البداية والنهاية"، 8/ 14- 30.

[19] انظر: "سير أعلام النبلاء"، 3/ 186.
[20] انظر: "البداية والنهاية"، 8/ 129.


[21] انظر: "منهاج السنة"، 3/ 186؛ انظر في الأمور الثلاثة السابقة بحث: "الإمساك عما شجر بين الصحابة"؛ للشيخ محمد الوهيبي، عرضته "مجلة البيان"؛ فقد نقلت منه بتصرف واختصار.

[22] [الحجرات: 6].
[23] انظر: "منهاج السنة"، 3/ 17- 19.



تم النقل بحمد الله

وفقكم الله اخواتي

لاتنسونا من دعائكم











عطر الجنة 09-04-2014 11:25 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 

ماشاء الله تبارك الله

موضوع قيم ثمين بمحتواه

سلمت يمناك وجهودك الرائعة غاليتنا

لا حرمنا كل جديد وقيم



http://www.karom.net/up/uploads/13262641861.gif

هوازن الشريف 09-05-2014 12:33 AM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
ملحق بالجزء لاول

اقتباس:


القاعدة الرابعة: أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعَقْل فيها:
فلا نثبت من أسمائه إلا ما جاء في الكتاب والسنة، فلا يُزَادُ ولا يُنقَصُ، إنما نثبت ما جاء به النَّص؛ ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[53] ، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[54].


القاعدة الخامسة: اجتناب الإِلْحاد في أسماء الله تعالى:
والإلحاد فيها: هو المَيْل بها عما يجب فيها، وهو على أنواع:
1- إنكار شيء مما دلَّت عليه وتضمنته الأسماء من صفات وأحكام، كما فعل أهل التعطيل.
2- جعْل أسماء الله تعالى متضمنة لصفات تُشابه صفات المخلوقين، كما فعل أهل التشبيه.
3- إطلاق اسم على الله لَم يُسَمِّ به نفسه، كتسمية النصارى له: (الأب)، وتسمية الفلاسفة له: (العلة الفاعلة)، فهذا إلحادٌ في أسمائه، وعدم تنزيه الله عما لا يليق به - سبحانه.
4- اشتقاق أسماء للأصنام والمعبودات من دونه من أسمائه - جل وعلا - كما فعل المشركون في اشتقاقهم العُزَّى من (العزيز)، واللات من (الله).


والإلحاد بأسمائه - جل وعلا - مُحَرَّمٌ، وأوعد الله الذي يُلْحِدُون في أسمائه؛ فقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[55]، ومن هذا الإلحاد ما يكون شركًا أو كُفرًا، حسب الأدلة المقتضية له.

ثانيًا: صفات الله تعالى:
القاعدة الأولى: صفات الله تعالى كلُّها صفات كمال، لا نقص فيها بأيِّ وجْه من الوجوه:

ويدل على هذه القاعدة قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}[56]، والمثل الأعلى: هو الوصْفُ الأعلى، فصِفات الله تعالى صفات كمال لائقة به - سبحانه - لا نقص فيها ألْبَتَّة.


وصفات النقْص على نوعَيْن:
1- صفات نقصٍ لا كمال فيها، فهذه مُمتنعةٌ في حقِّ الله تعالى، لا تُثبَتُ بأيِّ وجْه كان؛ كالموت؛ قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ}[57]، والجَهْلوالنسيان؛ قال تعالى: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}[58]، والعَجْز، والعمى، والصمَم، ونحوها.
2- صفات نقْص فيها كمال، فهي صفات نقْص من وجْهٍ، وصفات كمال من وجهٍ آخر، فهذه الصفات لا تُثبَت لله إثباتًا مطْلقًا، ولا تُنْفَى عنه نفيًا مطلقًا، وإنما تُثْبَتُ في حال الكمال، وتُنْفَى في حال النقص؛ مثال ذلك: صفة المكْر، والكيد، والخداع، فهذه صفات نقصٍ، لكنها صفات كمال من وجْه آخر، وذلك إذا كانت في مقابلة مثلها؛ لأنها حينئذٍ تدل على أن فاعلها ليس بعاجز عن مقابلة عدوِّه بمثل فعله، وتكون نقصًا في غير هذه الحال؛ ولذا أثبتها الله - عزَّ وجلَّ - لذاته حال الكمال، وهي حال المقابلة.
مثال ذلك: قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[59]؛ قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}[60]، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[61]، قال تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم}[62].


القاعدة الثانية: ليس كلُّ صفةٍ تكون اسمًا لله تعالى؛ فباب الصفات أَوْسَعُ مِن باب الأسماء:
تقدَّم في القاعدة الثانية من قواعد الأسماء: أنَّ كلَّ اسم يتضَمَّن صفةً لله تعالى ولا عكس في ذلك، فليس كل صفةٍ تكون اسمًا؛ لأنَّ باب الصفات أوسعُ، فمِن صفات الله ما يتعَلَّق بأفعال الله تعالى، وأفعالُه لا منتهى لها؛ مثال ذلك: صفة الله تعالى (المجيء)؛ قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[63]، وصفة (الإتيان)؛ قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}[64]، وصفة (الأَخْذ)؛ قال تعالى: {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[65]، وصفة (البطْش)؛ قال تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}[66]، وصفة (النزول)؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ينزل ربُّنا إلى السَّماء الدُّنيا))[67]، وغيرها منَ الصِّفات الواردة.


هذه الصِّفاتُ نُؤمِنُ بها، ونثبتها لله تعالى، فنصفه بها على الوَجْه الوارد اللائق، ولكن لا نُسميه بها، فلا نقول مثلاً: إنَّ مِن أسماء الله تعالى: الجائي، والآتي، والآخِذ، والباطش، والنازل، وإن كنُّا نصفه بها، فبابُ الصفات أوْسَعُ من باب الأسماء؛ فكلُّ اسم يتضَمَّن صفةً، وليس كلُّ صفة نأخذ منها اسمًا له - سبحانه[68].

القاعدة الثالثة: صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثُبُوتيَّة، وسلبيَّة:
فالثُّبُوتيَّة: ما أثبتها الله لنفسه في كتابه، أو على لسان رسولِه - صلى الله عليه وسلم - كالحياة، والعلم، والقُدْرة، فيجب إثباتُها على الوَجْه اللائق به - سبحانه.
والسلبيَّة: ما نفاها الله عنْ نفسِه في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - كالظُّلْم، والمَوْت، والنوم، فيجب نفيُها عن الله تعالى، مع وجوب إثبات ضدها على الوجه الأكْمَل؛ مثال ذلك:

قال تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[69]، فيجب نفيُ الظلْم عن الله تعالى، مع وُجُوب إثبات العدْل لله على الوَجْه الأَكْمل.
قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ}[70]، فيجب نفْيُ المَوْت عن الله تعالى، مع وُجُوب إثبات الحياةِ لله على الوَجْه الأكمل.


القاعدة الرابعة: صفات الله الثبوتيَّة تنقسم إلى قسمَيْن: ذاتيَّة، وفعليَّة:
فالصِّفات الذَّاتية: هي التي لا تَنفَكُّ عن الموصوف مُطلقًا، وهي في حقِّ الله تعالى لَم يزلْ ولا يزال الله - جلَّ وعلا - مُتَّصِفًا بها؛ يعني: أنه لا يتَّصِف بها في وقتٍ دون وقتٍ، بل هي مُلازمة له - سبحانه - مثال ذلك: صفة الوَجْه؛ قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ}[71]، صِفة اليدَيْن: قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[72]، وكذا السمْع والبَصَر، والعُلُو والعَظَمة.

والصِّفات الفعليَّة: هي التي تتعلَّق بمشيئته - سبحانه - فهي صفاتٌ قد تنفكُّ عنه، إن شاء فَعَلَهَا، وإن شاء لَم يفعَلْها، قد يتَّصف بها في حينٍ دون حين؛ كالنزول إلى السماء الدُّنيا، والاستواء على العَرْش، والمَجِيء.

القاعدة الخامسة: إثبات صفات الله تعالى يلزم منه التَّخَلِّي عن التمثيل والتكييف:
التخلِّي عن التمثيل يكون بعدَم مُماثَلة صفات المخلوقين بصفات الله، ولو تشابَهَتْ أسماء الصفات؛ كالوَجْه، واليدَيْن، ونحوها، فالله - عزَّ وجلَّ - لا تُماثِلُ صفاتُه صفات المخلوقين، تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
يدلُّ على ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[73]، وقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[74].


والتخلِّي عن التكييف يكون بعدَم التعرُّض لكيفية صفات الله تعالى، ولو لَم يذكر مُمَاثِلاً لها؛ لأنه لا يُحِيطُ بكيفيتها أحدٌ؛ ولأنَّ الله تعالى أخْبَرَنا عن صفاته ولَم يُخبرْنا عن كيفيتها، ولأنَّ عُقُولَنا قاصرة عن إدراك كيفيتها؛ قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[75].

وأيضًا لا بُدَّ من الحذَر منَ التعطيل والتحريف:
التعطيل: هو إنكار ما يجب لله منَ الأسماء والصفات، إما كلها أو بعضها، والواجب التخلِّي عن هذا، والتعطيل ينافِي الإثبات، فيجب إثباتُ ما أثْبَتَه الله لنفْسه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويدل على ذلك قولُه تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[76] ردٌّ على المُمَثِّلة، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[77] ردٌّ على المُعَطِّلة.
والتحريف: هو التبديلُ والتغييرُ، تبديلٌ باللفظ، أو تغييرٌ في المعنى، ويعبِّر عنه بعضُهم بـ: التأويل.
والواجب إثباتُ ما أثْبَتَه الله لنفْسه، أو على لِسَان رسولِه - صلى الله عليه وسلم - من غير تَمْثيل ولا تَكْييف، ومن غير تَعْطِيل ولا تَحْريف.


القاعدة السادسة: صفات الله تعالى توقيفية، لا مَجال للعقْل فيها:
كما أننا لا نُثبت لله تعالى من أسمائه إلاَّ ما دَلَّ عليه الكتابُ والسنة، فكذلك صفاته - سبحانه وتعالى - لا نثبت إلاَّ ما دلَّ عليه الكتاب والسنة، لا مجال للعقل فيها، فلا يزاد ولا ينقص، ويستدل لذلك بما تقَدَّم من أدلَّة القاعدة في الأسماء.


فائدة: أدلَّة صفات الله تعالى من الكتاب والسنة على ثلاثة أوجُه:
1- إما أن يأتيَ الدليل مُصَرِّحًا بالصفة؛ كالعزة، والقوَّة، والرحمة، والوَجْه، واليدين، والبطش؛ قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَام}[78]، وقال: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[79].
2- أن يأتيَ الدليل مُصِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ َِرِّحًا بالاسم، والاسم متضمنًا الصفة - كما تقدم في قواعد الأسماء - كالمغفرة تُؤخَذ من اسم (الغَفُور)، وصفة السمع تؤخذ من اسمه (السميع)؛ قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيم}[80]، وقال: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[81].
3- أن يأتيَ الدليل مُصَرِّحًا بوصْفٍ أو فعل يدلُّ على الصفة؛ كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا؛ قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[82]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يَنْزل ربُّنا إلى السَّماء الدنيا))[83].


القاعدة السابعة: صفاتُ الله لا حَصْر لها:
لأنَّ كلَّ اسم - كما تقدم - يَتَضَمَّن صفة، وأسماءُ الله لا حَصْر لها - كما تقدَّم في القاعدة الثالثة من قواعد الأسماء.


القاعدة الثامنة: ليس كلُّ ما أُضيف لله تعالى يَسْتَلْزِم أن يكونَ صفة له:
وتوضيح ذلك أن يُقَال:
أوَّلاً: كلُّ ما أُضيف إلى الله مما هو غير بائن عنه – أي: ليس مُستَقِلاًّ عنه - فهو صفة له غير مخلوقة، مثال ذلك: وجْه الله؛ قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَام}[84] ، يَدُ الله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[85] ، وكذلك: سَمْع الله، وبَصَر الله، ورضاه، وسخطه.
ثانيًا: كل ما أضيف إلى الله وهو بائن عنه، فهو ليس بصفة له وهو مخلوق؛ مثال ذلك: (ناقة الله)؛ قال تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}[86]، (بيت الله)؛ كما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((مَن تطهَّر في بيته، ثم مشى إلى بيت مِن بيوت الله))، فالناقة - وهي ناقة صالح، عليه السلام - والبيت - وهو المسجد - مخلوقان، وليسا صفةً لله تعالى، مع أنهما مضافان إليه؛ ولكن الإضافة هنا للتشريف والتعظيم.


والفرْق بين النوعَيْن:
أنَّ الأول: لا يقوم بنفسه؛ فلا بُدَّ من إضافته لله تعالى، ويكون بإضافته صفة لله تعالى، والثاني: يقوم بنفسه، فالناقة ذات تقوم بنفسها من دون إضافة، وكذلك البيت، ولكنهما بالإضافة اكتسبا التشريف والتعظيم.

هذه جملةٌ من قواعد الأسماء والصفات وهي أهمها، وهناك قواعد أخرى تُراجَعُ في مَظَانِّها[87].

الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
ـــــــــــــــــ
[1] [الشورى: 11].

[2] [طه: 5 - 7].
[3] [الطلاق: 12].

[4] [طه: 110].
[5] [النمل: 30].
[6] [التوبة: 128].
[7] انظر: "زاد المعاد": 186/ 1.
[8] لِمَزيد من التفصيل في الحكم على هذَيْن الحديثين؛ انظر: "إرواء الغليل"؛ للألباني - رحمه الله - 1/ 29 - 30.
[9] انظر: "بدائع الفوائد"، 2/ 536.
[10] [الفاتحة: 2].
[11] [النمل: 59].
[12] [الإسراء: 44].
[13] [الإسراء: 44].
[14] [مريم: 93].
[15] [الأنعام: 18].
[16] [الفرقان: 63].
[17] [الحجر: 99].
[18] [الأنبياء: 20].
[19] [الحديد: 3].
[20] [الأنفال: 75].
[21] [يونس: 61].
[22] [الإخلاص: 4].
[23] [البقرة: 22].
[24] [الجن: 3].
[25] [الأنعام: 101].
[26] [الزمر: 4].
[27] [الإسراء: 111].
[28] [التوبة: 30].
[29] [النحل: 57].
[30] [مريم: 88 - 90].
[31] [سبأ: 22].
[32] [البقرة: 163].
[33] [الإخلاص: 1 - 4].
[34] [يوسف: 40].
[35] [البقرة: 117].
[36] [الرعد: 41].
[37] [يوسف: 40].
[38] [طه: 110].
[39] [الشورى: 11].
[40] [آل عمران: 190].
[41] [السجدة: 17]، متَّفق عليه.
[42] [الأعراف: 180].
[43] [الحجر: 49].
[44] [الكهف: 58].
[45] [البقرة: 255].
[46] [الرحمن: 1 - 2].
[47] [العنكبوت: 21].
[48] [المجادلة: 1].
[49] [المجادلة: 1].
[50] الحديث رواه أحمد، وابن حبَّان، والحاكم، وصححه ابن تيميَّة، وتلميذه ابن القيم في: "شفاء العليل" ص (274)، وأحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (3721)، والألباني في "الصحيحة" (199)..
[51] الحديث متفقٌ عليه.
[52] انظر: "القواعد المثلى"؛ لشيخنا: ابن عثيمين صـ20.
[53] [الإسراء: 36].
[54] [الأعراف: 33].
[55] [الأعراف: 180].
[56] [النحل: 60].
[57] [الفرقان: 58].
[58] [طه: 52].
[59] [الأنفال: 30].
[60] [الطارق: 15 - 16].
[61] [النساء: 142].
[62] [البقرة: 14 - 15].
[63] [الفجر: 22].
[64] [البقرة: 210].
[65] [آل عمران: 11].
[66] [الفجر: 13].
[67] متَّفق عليه.
[68] انظر: "بدائع الفوائد" (1/162).
[69] [الكهف: 49].
[70] [الفرقان: 58].
[71] [الرحمن: 27].
[72] [المائدة: 64].
[73] [الشورى: 11].
[74] [النحل: 17].
[75] [طه: 110].
[76] [الشورى: 11].
[77] [الشورى: 11].
[78] [الرحمن: 27].
[79] [البروج: 12].
[80] [الحجر: 49].
[81] [النساء: 134]، وانظر: القاعدة الثانية من قواعد الأسماء.
[82] [طه: 5].
[83] متفق عليه.
[84] [الرحمن: 27].
[85] [الفتح: 10].
[86] [الشمس: 13].
[87] انظر فيما تقدَّم من قواعد: "القواعد المُثْلَى في صفات الله وأسمائه الحسنى"؛ لشيخنا: ابن عثيمين، وانظر للاستزادة: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (3/ 3، 4، 182)، (5/ 26، 36، 42، 206 - 212، 299، 330)، (6/ 36 - 38 - 143 - 229 - 515)، (35/ 273)، وانظر: "بدائع الفوائد"؛ لابن القيم (1/ 162).



أم يعقوب 09-05-2014 12:47 AM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 

ام بشري 09-05-2014 12:56 AM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
موضوع جلبنى من عنوانه
بارك الله فيك غالية
غدا ان شاء الله لى جلسة معه لتمعن اكتر
تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
http://www.karom.net/up/uploads/13262641861.gif

هوازن الشريف 09-05-2014 01:07 AM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
http://im38.gulfup.com/abEm3.gif

أم عبيده 09-05-2014 05:50 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 

إسمهان الجادوي 09-05-2014 09:05 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
سلمت أناملكِ معلمتي

جزاكِ الله خيراً و بارك الله فيكِ

ام عبدالله وامنه 09-20-2014 12:04 PM

رد: تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد
 
الشكر الجزيل لك ياغالية على الموضوع الجميل

http://store1.up-00.com/2014-09/1411200142511.gif[/url][URL="http://www.up-00.com/""]
له رجوع باذن الله


الساعة الآن 01:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)