شعاع اللغة العربية نحو وصرف - وقواعد اللغة العربية |
الإهداءات |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
07-01-2021 | #31 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١١٥) رسالة سهل بن هارون في البخل بسم الله الرحمن الرحيم أصلح الله أمركم، وجمع شملكم، وعلمكم الخير وجعلكم من أهله، قال الأحنف بن قيس: يا معشر بني تميم، لا تُسْرعوا إلى الفتنة، فإن أسرع الناس إلى القتال أقلُّهم حياء من الفِرار، وقد كانوا يقولون: إذا أردت أن ترى العيوب جَمَّةً فتأمل عَيَّابًا، فإنه إنما يعيب الناسَ بفضل ما فيه من العيب، ومن أعيب العيب أن تعيب ما ليس بعيب، وقبيحٌ أن تَنْهَى مرشدًا وأن تُغْرِي بمُشْفِق. وما أردنا بما قلنا إلا هدايتكم وتقويمكم وإصلاح فاسدكم وإبقاء النعمة عليكم، وما أخطأنا سبيل حسن النية فيما بيننا وبينكم، وقد تعلمون أنَّا ما أوصيناكم إلا بما اخترناه لكم ولأنفسنا قبلكم وشُهِرنا به في الآفاق دونكم، ثم نقول في ذلك ما قال العبد الصالح لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، فما كان أحقَّنا منكم في حُرْمتنا بكم أن تَرْعَوْا حق قصدنا بذلك إليكم على ما رعيناه من واجب حقكم، فلا العذرَ المبسوط بلغتم ولا بواجب الحُرْمة قمتم، ولو كان ذكر العيوب يُراد به فخرٌ لرأينا في أنفسنا من ذلك شُغْلًا. عِبْتُموني بقولي لخادمي: أجيدي العجين فهو أطيب لطُعْمِه، وأزْيَد في رَيْعِه، وقد قال عمر بن الخطاب — رضي الله عنه: أَمْلِكوا العجين فإنه أحد الرَّيْعين. وعبتموني حين ختمت على ما فيه شيء ثمين من فاكهةٍ رطبة نقيَّة ومن رطبة غريبة، على عبدٍ نَهِم، وصبي جَشِع، وأَمَةٍ لَكْعَاء، وزوجةٍ مُضِيعة، وعبتموني بالختْم وقد ختم بعض الأئمة على مِزْوَد سويقٍ وعلى كيسٍ فارغ وقال: طينةٌ خيرٌ من طيَّةٍ، فأمسكتم عمَّن ختم على لا شيء وعبتم من ختم على شيء. وعبتموني أن قلت للغلام: إذا زدت في المَرَق فزد في الإنضاج ليجتمع مع التأدُّم باللَّحم طيب المرق. وعبتموني بخصف النعل، وبتَصْدير القميص، وحين زعمت أن المخصوفة من النعل أبقى وأقوى وأشبه بالشَّدِّ، وأن الترقيع من الحزم والتَّفْريط من التضييع، وقد كان رسول الله ﷺ يَخْصِف نعله ويُرَقِّع ثوبه ويقول: «لو أُهْدِي إلَيَّ ذراعٌ لقبِلتُ، ولو دُعيت إلى كُرَاع لأجبت»، وقالت الحكماء: لا جديدَ لمن لم يلْبس الخَلَق. وبعث زياد رجلًا يرتاد له محدِّثًا، واشترط عليه أن يكون عاقلًا، فأتاه به موافقًا، فقال له: أكنت به ذا معرفة؟ قال: لا، ولكني رأيته في يوم قائظ يلبس خَلَقًا ويلبس الناس جديًدا، فتفرَّست فيه العقل والأدب، وقد علمت أن الخَلَق في موضعه مثل الجديد في موضعه. وقد جعل الله لكل شيء قدرًا، وسما به موضعًا، كما جعل لكل زمان رجالًا، ولكل مقام مقالًا، وقد أحيا الله بالسُّمِّ، وأمات بالدواء، وأغَصَّ بالماء. وقد زعموا أن الإصلاح أحد الكاسبَين، كما زعموا أن قلة العيال أحد اليَسَارَيْن. وقد جَبَر الأحنف بن قيس يد عَنْزٍ، وأمر مالك بن أنس بفَرْك النعل، وقال عمر بن الخطاب: من أكل بيضةً فقد أكل دجاجة، ولبس سالم بن عبد الله جِلْدَ أضحية. وقال رجل لبعض الحكماء: أريد أن أُهْدِي إليك دجاجة، فقال: إن كان لا بُدَّ فاجعلها بَيُوضًا. وعبتموني حين قلت: من لم يعرف مواضع السَّرَف في الموجود الرخيص لم يعرف مواضع الاقتصاد في الممتنع الغالي، ولقد أُتيتُ بماء للوضوء على مبلغ الكفاية وأشد من الكفاية، فلما صِرْتُ إلى تفريق أجزائه على الأعضاء وإلى التوفير عليها من وضيعة الماء، وجدت في الأعضاء فضلًا عن الماء، فعلمت أن لو كنتُ سلكت الاقتصاد في أوائله لخرج آخره على كفاية أوله، ولكان نصيب الأول كنصيب الآخر، فعبتموني بذاك وشَنَّعْتُم عليَّ، وقد قال الحسن وذكر السَّرَف: أما إنه ليكون في الماء والكلأ، فلم يَرْضَ بذكر الماء حتى أردفه الكلأ. وعبتموني أن قلت: لا يَغْترَّنَّ أحدكم بطول عمره، وتقويس ظهره، ورقَّة عَظْمه، ووَهْن قوته، وأن يرى نحوه أكثر ذُرِّيَّته، فيَدْعوه ذلك إلى إخراج ماله من يده، وتحويله إلى ملك غيره، وإلى تحكيم السرف فيه، وتسليط الشهوات عليه؛ فلعله يكون مُعَمَّرًا وهو لا يدري، وممدودًا له في السِّن وهو لا يشعر، ولعله أن يُرْزَق الولد على اليأس، ويحدث عليه من آفات الدهر ما لا يخطر على بالٍ ولا يدركه عقلٌ، فيستردُّه ممن لا يردُّه، ويُظْهر الشكوى إلى من لا يرحمه، أصعبَ ما كان عليه الطلب وأقبح ما كان به أن يَطْلب، فعبتموني بذلك، وقد قال عمرو بن العاص: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا. وعبتموني بأن قلت بأن السَّرف والتبذير إلى مال المواريث وأموال الملوك، وأن الحفظ للمال المكتَسَب والغِنَى المُجْتَلَب وإلى ما لا يُعَرَّض فيه بذَهاب الدين واهتِضام العِرْض ونَصَب البدن واهتضام القلب؛ أسرع، ومن لم يحسُب نفقته لم يَحْسُبْ دَخْلَه، ومن لم يحسُب الدخل فقد أضاع الأصل، ومن لم يعرف للغِنى قدره فقد أذن بالفقر وطاب نفسًا بالذل. وعبتموني بأن قلت: إن كسب الحلال يضمن الإنفاق في الحلال، وإن الخبيث ينزع إلى الخبيث، وإن الطيب يدعو إلى الطيب، وإن الإنفاق في الهوى حجابٌ من الهوى، فعبتم عليَّ هذا القول، وقد قال معاوية: لم أرَ تبذيرًا قطُّ إلَّا وإلى جنبه تضييع. وقد قال الحسن: إن أردتم أن تعرفوا من أين أصاب الرجل ماله، فانظروا في ماذا ينفقه، فإن الخبيث إنما ينفق في السرف. وقلت لكم: بالشفقة عليكم وحسن النظر مني لكم وأنتم في دار الآفات والجوائح غير مأمونات، فإن أحاطت بمال أحدكم آفةٌ لم يرجع إلى نفسه، فاحذروا النِّقم واختلاف الأمكنة فإن البلية لا تجري في الجميع إلا بموت الجميع، وقد قال عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — في العبد والأمة والشاة والبعير: فرِّقوا بين المنايا. وقال ابن سيرين لبعض البَحْرِيِّين: كيف تصنعون بأموالكم؟ قالوا: نفرقها في السفن، فإن عَطِب بعضٌ سلم بعضٌ، ولولا أن السلامة أكثر ما حملنا أموالنا في البحر، قال ابن سيرين: يحسبها خرقاء وهي صَناع. وعبتموني بأن قلت لكم عند إشفاقي عليكم: إنَّ للغِنَى لسُكْرًا، وللمال لنزوة، فمن لم يحفظ الغنى من سكره فقد أضاعه، ومن لم يرتبط المال بخوف الفقر فقد أهمله، فعبتموني بذلك، وقد قال زيد بن جَبَلة: ليس أحد أقصر عقلًا من غنيٍّ أَمِن الفقر، وسُكْر الغِنَى أكثر من سكر الخمر. وقد قال الشاعر في يحيى بن خالد بن برمك: وَهُوبُ تِلَاد المالِ فيما يَنوبُه مَنُوعٌ إذَا مَا مَنْعُهُ كَان أحْزَمَا وعبتموني حين زعمتم أني أقدِّم المال على العلم لأن المال به يُفاد العلم وبه تقوم النفس قبل أن تعرف فضل العلم فهو أصل، والأصل أحق بالتفضيل من الفرع، فقلتم: كيف هذا؟! وقد قيل لرئيس الحكماء: الأغنياء أفضل أم العلماء؟ قال: العلماء، قيل له: فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء أكثر مما يأتي الأغنياء أبواب العلماء؟ قال: ذلك لمعرفة العلماء بفضل المال وجهل الأغنياء بحق العلم. فقلت: حالهما هي القاضية بينهما، وكيف يستوي شيءٌ حاجة العامة إليه وشيءٌ يُغْنى فيه بعضهم عن بعض، وكان النبي ﷺ يأمر الأغنياء باتِّخاذ الغنم والفقراء باتخاذ الدجاج. وقال أبو بكر — رضي الله عنه: إني لأُبْغض أهل بيتٍ ينفقون نفقة الأيام في اليوم الواحد. وكان أبو الأسود الدَّؤَلي يقول لولده: إذا بسط الله لك الرزق فابسُط، وإذا قبض فاقْبِض. وعبتموني حين قلت: فضل الغِنَى على القوت إنما هو كفضل الآلة تكون في البيت، إذا احْتيج إليها استُعْملت، وإن اسْتُغنى عنها كانت عُدَّة. وقد قال الحصين بن المنذر: ودِدت أن لي مثل أُحُدٍ ذهبًا لا أنتفع منه بشيءٍ! قيل له: فما كنت تصنع به؟ قال: لكثرة من كان يخدمني عليه؛ لأن المال مخدوم. وقد قال بعض الحكماء: عليك بطلب الغِنَى، فلو لم يكن فيه إلَّا أنه عِزٌّ في قلبك وذُلٌّ في قلب عدوِّك، لكان الحظ فيه جسيمًا، والنفع فيه عظيمًا. ولسنا ندع سيرة الأنبياء وتعليم الخلفاء وتأديب الحكماء لأصحاب اللهو، ولستم عليَّ تردُّون، ولا رأيي تفنِّدون، فقدِّموا النظر قبل العزم، وأدركوا مالكم قبل أن تُدْركوا مآلكم. والسلام عليكم. |
|
07-01-2021 | #32 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١١٦) وكتب الجاحظ إلى بعض إخوانه في ذمِّ الزمان بسم الله الرحمن الرحيم حفظك الله حفظ من وفقه للقناعة، واستعمله بالطاعة! كتبت إليك وحالي حال من كَثُفت غمومه، وأَشْكَلت عليه أموره، واشتبه عليه حال دهره، ومخرج أمره، وقلَّ عنده من يثق بوفائه، أو يحمَد مغبَّة إخائه؛ لاستحالة زماننا، وفساد أيامنا، ودولة أنذالنا. وقِدَمًا كان من قدَّم الحياء على نفسه، وحكَّم الصدق في قوله، وآثر الحق في أموره، ونبذ المُشْتَبِهات عليه من شئونه؛ تمت له السلامة، وفاز بوفور حظ العافية، وحمد مغبَّة مكروه العاقبة. فنظرنا إذ حال عندنا حكمه، وتحوَّلت دولته، فوجدنا الحياء متصلًا بالحرمان، والصدق آفةً على المال، والقصد في الطلب بترك استعمال القِحَة وإخلاق العِرْض من طريق التوكُّل دليلًا على سخافة الرأي؛ إذ صارت الحُظْوة الباسقة والنعمة السابغة في لُؤْم المشيئة، وسناء الرزق من جهة محاشاة الرخاء وملابسة معرَّة العار. ثم نظرنا في تعقُّب المتعقب لقولنا والكاشر لحُجَّتنا، فأقمنا له عَلَمًا واضحًا، وشاهدًا قائمًا، ومَنَارًا بيِّنًا؛ إذ وجدنا من فيه السُّفُولية الواضحة، والمثالب الفاضحة، والكذب المُبَرِّح، والخُلْف المُصرِّح، والجهالة المُفْرطة، والرَّكَاكة المُسْتَخِفَّة، وضعف اليقين والاستثبات، وسرعة الغضب والجَراءة؛ قد استكمل سروره، واعتدلت أموره، وفاز بالسهم الأغلب، والحظ الأوفر، والقدر الرفيع، والجواز الطائع، والأمر النافذ، إن زلَّ قيل: حَكَم، وإن أخطأ قيل: أصاب، وإن هَذَى في كلامه وهو يقظان قيل: رؤيا صادقة من نَسَمَةٍ مباركة. فهذه حجتنا واللهِ على من زعم أن الجهل يخفض، وأن النُّوك يُرْدي، وأن الكذب يضر، وأن الخُلْف يُزْري. ثم نظرنا في الوفاء والأمانة، والنُّبل والبلاغة وحسن المذهب، وكمال المروءة، وسَعَة الصدر، وقلَّة الغضب، وكرم الطبيعة، والفائق في سعة علمه، والحاكم على نفسه، والغالب لهواه، فوجدنا فلان بن فلان، ثم وجدنا الزمان لم يُنْصِفْه من حقه، ولا قام له بوظائف فرضه، ووجدنا فضائله القائمة له قاعدةً به؛ فهذا دليل على أن الطَّلَاح أجدى من الصَّلاح، وأن الفضل قد مضى زمانه، وعفَّتْ آثاره، وصارت الدائرة عليه كما كانت الدائرة على ضده، ووجدنا العقل يشقَى به قرينُه، كما أن الجهل والحمق يَحْظى به خَدِينه، ووجدنا الشعر ناطقًا على الزمان، ومعربًا عن الأيام، حيث يقول: تَحَامَقْ مَعَ الحَمْقَى إذَا مَا لَقِيتَهُمْ وَلَاقِهِمْ بالجَهْلِ فِعْلَ أَخِي الجَهْل وَخَلِّطْ إذَا لَاقَيْتَ يَوْمًا مُخَلِّطًا يُخَلِّطُ في قولٍ صحيح وفي هَزْل فَإِنِّي رَأَيْتُ المَرْءَ يَشْقَى بِعَقْلِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ اليومِ يَسْعَدُ بِالْعَقْل فبقيتُ — أبقاك الله — مثل من أصبح على أوفاز، ومن النُّقْلة على جهاز، لا يسوغ له نعمة ولا تطعم عينه غمضة، في أهاويل يباكره مكروهها ويراوحه عقائبها، فلو أن الدعاء أجيب والتضرُّع سُمع، لكانت العِدَة العظمى والرَّجْفة الكبرى. فليت — أي أخي — ما أسْتَبْطِئه من النفخة ومن فجأة الصيحة قُضِي فحان، وأُذن به فكان! فوالله ما عُذِّبت أمةٌ برجفة ولا ريح ولا سَخْطَة عذاب عيني برؤية المُغَايظة المُدْمِنة، والأخبار المُهْلِكة، كأنَّ الزمان يُوَكَّل بعذابي أو يُنْصَب بأيامي، فما عيش من لا يُسَرُّ بأخٍ شفيق، ولا يَصْطَبِح في أول نهاره إلَّا برؤية من يكرهُه ويَغُمُّه بطلْعته، فقد طالت الغمة، وواظبت الكُرْبة، وادْلَهمَّت الظلمة، وخَمَد السراج، وتباطأ الانفراج. (١١٧) وكتب الجاحظ إلى محمد بن عبد الملك يستعطفه بسم الله الرحمن الرحيم أعاذك الله من سوء الغضب، وعصمك من سرف الهوى، وصرف ما أعارك من القوة إلى حب الإنصاف، ورجَّح في قلبك إيثار الأناة! فقد خِفْتُ — أيَّدك الله! — أن أكون عندك من المنسوبين إلى نَزَق السفهاء، ومجانبة سبل الحكماء. وبعد، فقد قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت: وَإِنَّ امْرَءًا أمْسَى وَأَصْبَحَ سَالِمًا مِنَ النَّاسِ إلَّا مَا جَنَى لَسَعِيدُ وقال الآخر: وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إلَى ذَمِّه ذَمُّوهُ بِالْحَقِّ وَبالبَاطِلِ فإن كنتُ اجترأت عليك — أصلحك الله! — فلم أجْترئ إلَّا لأن دوام تغافلك عنِّي شبيهٌ بالإهمال الذي يورث الإغْفال، والعفو المتتابع يؤمن من المكافأة؛ ولذلك قال عيينة بن حصن بن حذيفة لعثمان، رحمه الله: عمر كان خيرًا لي منك، أرْهبني فاتَّقاني، وأعطاني فأغناني، فإن كنتَ لا تَهَب عقابي — أيدك الله! — لخدمةٍ، فَهَبه لأياديك عندي؛ فإن النعمة تشفع في النقمة، وإلَّا تفعل ذلك لذلك فعُدْ إلى حُسْن العادة، وإلَّا فافعل ذلك لحُسن الأُحْدوثة، وإلَّا فأتِ ما أنت أهلُه من العفو دون ما أنا أهلُه من استحقاق العقوبة، فسبحان من جعلك تعفو عن المتعمِّد، وتتجافى عن عقاب المُصرِّ، حتى إذا صرت إلى من هفوته ذِكْر، وذنبُه نسيان، ومن لا يعرف الشكر إلا لك والإنعام إلَّا منك، هجمْت عليه بالعقوبة! واعلم — أيَّدك الله! — أن شَيْنَ غضبك عليَّ كزَيْن صفحك عني، وأن موت ذكري مع انقطاع سببي منك كحياة ذكرك مع اتصال سببي بك، واعلم أن لك فطنة عليم وغفلة كريم. والسلام. (١١٨) وصف الجاحظ لقريش وبني هاشم قد علم الناس كيف كرم قريش وسخاؤها، وكيف عقولها ودهاؤها، وكيف رأيها وذكاؤها، وكيف سياستها وتدبيرها، وكيف إيجازها وتحسيرها، وكيف رجاحة أحلامها إذا خفَّ الحليم، وحدَّة أذهانها إذا كَلَّ الحديد، وكيف صبرها عند اللقاء، وثباتها في اللَّأْوَاء، وكيف وفاؤها إذا استُحْسن الغدر، وكيف جودها إذا حُبَّ المالُ، وكيف ذكرها لأحاديث غدٍ، وقلَّة صدودها عن جهة القصد، وكيف إقرارها بالحق وصبرها عليه، وكيف وصفها له ودعاؤها إليه، وكيف سماحة أخلاقها وصونها لأعراقها، وكيف وصلوا قديمهم بحديثهم، وطريفهم بتليدهم، وكيف أشبه علانيتَهم سرُّهم، وقولَهم فعلُهم، وهل سلامة صدر أحدهم إلا على قدر بعد غَدِيره؟ وهل غفلته إلا في وزن صدق ظنه؟ وهل ظنه إلا كيقين غيره؟ (١١٩) دُرَّتَا زَيْن لقُرَّتَيْ عَيْن حُكي عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي قال: كانت عَتَّابة أمُّ جعفر بن يحيى تزور أمي، وكانت لبيبة من النساء حازمة، فصيحة، بَرْزة، يُعجبني أن أجدها عند أمي، فأستكثر من حديثها، فقلت لها يومًا: يا أم جعفر، إنَّ بعض الناس يفضل جعفرًا على الفضل، وبعضهم يفضل الفضل على جعفر، فأخبريني، فقالت: ما زلنا نعرف الفضل للفضل، فقلت: إن أكثر الناس على خلاف هذا، فقالت: ها أنا أحدثك، واقضِ أنت — وذلك الذي أردت منها — فقالت: كانا يومًا يلعبان في داري، فدخل أبوهما فدعا بالغِذاء وأحضرهما فطعما معه، ثم آنسهما بحديثه، ثم قال لهما: أتلعبان بالشِّطْرَنْج؟ فقال جعفر وكان أجْرَأَهما: نعم، قال: فهل لاعبت أخاك بها؟ قال جعفر: لا، قال: فالعبا بها بين يديَّ لأرى لمن الغَلَب، فقال جعفر: نعم. وكان الفضل أبصر منه بها، فجيء بالشطرنج فصُفَّت بينهما، وأقبل عليها جعفر وأعرض عنها الفضل، فقال له أبوه: ما لك لا تلاعب أخاك؟ فقال: لا أحب ذلك، فقال جعفر: إنه يرى أنه أعلم بها فيَأْنَف من ملاعبتي وأنا أُلاعبه مخاطرةً، فقال الفضل: لا أفعل، فقال أبوه: لاعِبْه وأنا معك، فقال جعفر: رضيتُ. وأبى الفضل واستعفَى أباه فأعفاه. ثم قالت لي: قد حدَّثتك فاقضِ، فقلت: قد قضيت للفضل بالفضل على أخيه، فقالت: لو علمتُ أنك لا تُحْسن القضاء لمَا حكَّمْتك، أفلا ترى أن جعفرًا قد سقط أربع سَقَطات تنزَّه الفضل عنهن؛ فسقط حين اعترف على نفسه بأنه يلعب بالشِّطْرَنْج، وكان أبوه صاحب جِدٍّ، وسقط على التزام ملاعبة أخيه وإظهار الشهوة لغَلَبه والتعرض لغضبه، وسقط في طلب المقامرة وإظهار الحرص على مال أخيه، والرابعة قاصمة الظهر حين قال أبوه لأخيه: لاعبه وأنا معك، فقال أخوه: لا وقال هو: نعم، فناصب صفًّا فيه أبوه وأخوه. فقلتُ: أحسنت والله، وإنك لأقْضَى من الشَّعْبي، ثم قلت لها: عَزَمْت عليكِ، أخبريني هل خفي مثل هذا على جعفر وقد فَطَن له أخوه؟ فقالت: لولا العزيمة لمَا أخبرتك، إنَّ أباهما لمَّا خرج قلت للفضل خاليةً به: ما منعك من إدخال السرور على أبيك بملاعبة أخيك؟ فقال: أمران؛ أحدهما: لو أني لاعبته لغلبته فأخجلته، والثاني: قول أبي: لاعبه وأنا معك، فما يسرني أن يكون أبي معي على أخي. ثم خلوت بجعفر فقلت له: يسأل أبوك عن اللَّعِب بالشطرنج فيصمت أخوك وتعترف وأبوك صاحب جِدٍّ؟! فقال: إني سمعت أبي يقول: نِعْم لَهْوُ البال المكدود، وقد علم ما نلقاه من كدِّ التعلُّم والتأدُّب، ولم آمن أن يكون بلغه أنَّا نلعب بها ولا أن يبادِر فيُنْكر، فبادرت بالإقرار إشفاقًا على نفسي وعليه، وقلت: إن كان توبيخ فَدَيْته من المواجهة به. فقلت له: يا بني، فلمَ تقول: أُلاعبه مخاطرةً كأنك تقامر أخاك وتستكثر ماله؟ فقال: كلا، ولكنه يستحسن الدَّوَاة التي وهبها لي أمير المؤمنين فعرضتها عليه فأبى قبولها، وطمعت أن يلاعبني فأخاطره عليها وهو يغلبني فتطيب نفسه بأخذها. فقلت لها: يا أماه، ما كانت هذه الدواة؟ فقالت: إن جعفرًا دخل على أمير المؤمنين فرأى بين يديه دواة من العقيق الأحمر مُحَلَّاة بالياقوت الأزرق والأصفر، فرآه ينظر إليها فوهبها له، فقلت: إيهٍ. فقالت: ثم قلت لجعفر: هَبْكَ اعتذرْت بما سمعتُ، فما عذرك من الرِّضا بمناصبة أبيك حين قال: لاعبه وأنا معك، فقلتَ أنت: نعم، وقال هو: لا؟ فقال: عرفت أنه غالبني، ولو فَتَر لعبه لتغالبتُ له مع ما له من الشرف والسرور بتحيُّز أبيه إليه! قال محمد بن عبد الرحمن: فقلت: بخٍ بخٍ، هذه والله السيادة! ثم قلت لها: يا أمَّاه، أكان منهما من بلغ الحُلُم؟ فقالت: يا بني، أين يُذْهب بك، أخبرك عن صبيَّيْن يلعبان فتقول: أكان منهما من بلغ الحلم؟! لقد كنا نَنْهَى الصبي إذا بلغ العشر وحضر من يُسْتحى منه أن يبتسم. (١٢٠) دُرَّتَا زَيْن لقُرَّتَيْ عَيْن يُحكى أنَّ الفضل بن سهل أرسل وهب بن سعيد إلى فارس مُحاسبًا لعُمَّالها فبلغه أنه خان، فعزله وسخِط عليه، وبعث به إلى أخيه الحسن بن سهل لينظر في أمره، فأحسَّ وهب بن سعيد بالشرِّ فأوْصى إلى رجل من أهل واسط ثقةٍ مُوسِرٍ يَتَحَرَّف بالجزارة، ويتَّجر في الجلود، فأعطاه مالًا عظيمًا، وضم إليه ولديه الحسن وسليمان، وهما صغيران، ثم توجَّه وهب إلى بغداد، فغرق وهلك غرقًا، فلما بلغ ذلك الوصيَّ أخبر به الغلامين، وقال: اختارا حرفةً تحترفان بها، وإن اخترتما الجزارة وبيع الجلود بصَّرتكما بذلك، ولكما عندي مالٌ سأشتري لكما به ضِياعًا تستظهران بها على أحداث الزمان، فقالا: ما لنا ولحرف العوامِّ وصناعاتهم، وإنما حرفة أمثالنا جَزْر أعناق الرجال في القراطيس. فسمع الجزار كلامًا لا عهد له بسماع مثله فتهيَّبهما الوصي، ورأى بزًّا ليس من سوقه فضمَّ إليهما من يؤدِّبهما ويُصلح من شأنهما، فلما اشتدَّا قالا لوصِيِّهما: إن واسط لا تفي لنا بما نَرُومُه من العلم ونُؤَمِّله من الرئاسة، فقال لهما الوصي: إن مثلكما لا يُوَلَّى عليه، فمُراني بأمركما أُطِعْ، فقالا له: جهِّزْنا إلى مُعْتَرَض العلماء ومستقر الخلفاء. فجهزهما إلى بغداد ودفع إليهما من المال ما أحباه. وذكر الصُّولي أنه دفع إليهما مالَهما كله. فلما صارا إلى بغداد نالا ما أمَّلا من الرئاسة والعلم، ثم كتبا معًا في دار المأمون في حال غُلُومِيَّتهما وصغر سنهما. ورأى المأمون يومًا أحدهما في الدار يمشي فقال له: من أنت يا غلام؟ فقال: أنا الناشئ في دولتك، المُغْتَذي بنعمتك، المكرَّم بخدمتك، عبدك وابن عبدك سليمان بن وهب، فقال المأمون: أحسنت يا غلام. ثم إن المأمون دعا سليمان بن وهب، وهو غلام، فأمره أن يكتب بين يديه كتابًا لم يبلغ قدرُه أن يكتُبَ مثلَه، فحرَّره على ما أراد المأمون على أحسن خطٍّ، وأصح ضبطٍ، وأسهل لفظٍ، وأجود معنًى، فسُرَّ به المأمون سرورًا ظهر عليه. فلما خرج سليمان كتب إليه بعض إخوان أبيه يقول: أبُوكَ كَلَّفَكَ الشَّأْوَ البعيدَ كَمَا قِدْمًا تَكَلَّفَه وَهْبٌ أبو حَسَنِ فَلَسْتَ تُحْمدُ إنْ أدْرَكْتَ غايتَهُ ولَسْتَ تُعْذَرُ مَسْبُوقًا فلا تَهِنِ ولم تزل أمورهما تَنْمي حتى نالا الوزارة. وحُكي أن ابن يزيد بن محمد المُهلَّبي وفد على سليمان بن وهب حين اسْتُوزِر، فسُرَّ به، وعَرَف له فضله، وأجْلَسَه إلى جانبه، فأنشده قولَه: وَهَبْتُمْ لَنَا يَا آلَ وَهْبٍ مَوَدَّةً فَأَبْقَتْ لَنَا مالًا وَمَجْدًا يُؤَثَّلُ فَمَنْ كَانَ لِلْآثَامِ وَالذُّلِّ أَرْضُهُ فَأَرْضُكُمُ لِلْأَجْرِ والعِزِّ مَنْزِل رَأَى النَّاسُ فَوْقَ المَجْدِ مقدَارَ فَضلِكم فَقَدْ سَأَلُوكُم فَوق مَا كَانَ يُسْأَل يُقَصِّرُ عَنْ مَسعاتِكم كلُّ آخرٍ وَمَا فَاتَكُم ممَّن تَقَدَّمَ أوَّلُ بَلَغْتُ الذي قَدْ كُنْتُ آمُلُهُ لَكُمْ وَإنْ كُنْتُ لمْ أَبْلُغْ بِكُمْ مَا أُؤَمِّلُ فقطع عليه سليمان إنشاده، وقال: لا تقل ذلك، أصلحك الله! فإنك عندي كما أنشدني عِمارة بن عَقيل بن بلال بن جرير، حيث قال: أُقَهْقِهُ مَسْرُورًا إذَا أنْتَ سَالِمٌ وَأَبْكِي من الأَشْوَاقِ حين تغيب فقال له المهلَّبي: فليسمع الوزير من آخر الشعر ما يَحْقِر أوله، فقال: هات، فأنشأ يقول: ومَا ليَ حَقٌّ وَاجِبٌ غَيْرَ أنَّنِي بِجُودِكُم في حَاجَتِي أتَوَسَّلُ وإنَّكُمُ أَفْضَلتمُ وبَرَزْتمُ وقد يَسْتَتِمُّ النِّعْمةَ المتفضِّلُ وأَوْليتمُ فعلًا جميلًا مقدَّمًا فعُودوا فإنَّ العَوْدَ بالحُرِّ أجملُ فكم مُلْحِفٍ قد نال ما رام منكمُ ويمنعُنا عن مثل ذاك التَّجمُّلُ وعوَّدتمونا قبلَ أنْ نسألَ الغِنَى ولا وجه للمعروف والوجهُ يُبْذَلُ فقال سليمان: والله، لا تبرح حتى أقضي حوائجك كائنةً ما كانت، ولو لم أُفَدْ مما أنالني أمير المؤمنين إلَّا شكرُك لرأيت بذلك جنابي مُمْرِعًا وزرعي مُرْتِعًا. ثم وقَّع له في رِقاع كثيرة كانت معه بجميع ما أراد. |
|
07-01-2021 | #33 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١٢١) وقال أبو الطَّيِّب يمدح أبا شُجاع فاتكًا وكان يلقَّب بالمجنون لَا خَيْلَ عِندَكَ تُهْدِيهَا وَلَا مَالُ فَلْيُسعِدِ النُّطقُ إِنْ لَمْ تُسعِدِ الحَالُ وَاجْزِ الأَمِيرَ الَّذِي نُعْمَاهُ فَاجِئَةٌ بِغَيرِ قَوْلٍ ونُعْمَى النَّاسِ أَقْوَالُ فَرُبَّما جَزَتِ الإِحْسَانَ مُولِيَهُ خَرِيدَةٌ مِنْ عَذارَى الحَيِّ مِكْسَالُ وَإِنْ تَكُن مُحْكَمَاتُ الشَّكلِ تَمْنَعُنِي ظُهُورَ جَرْيٍ فَلِي فِيهِنَّ تَصْهَالُ ومَا شَكَرْتُ لِأَنَّ المَالَ فَرَّحَنِي سِيَّانِ عِنْدِيَ إِكْثَارٌ وَإِقْلَالُ لَكِنْ رَأَيْتُ قَبِيحًا أَنْ يُجَادَ لَنا وأَنَّنَا بِقَضَاءِ الحَقِّ بُخَّالُ فَكُنْتُ مُنْبِتَ رَوْضِ الْحَزْنِ بَاكَرَهُ غَيْثٌ بِغَيرِ سِباخِ الأَرْضِ هَطَّالُ غَيْثٌ يُبَيِّنُ لِلنُّظَّارِ مَوْقِعُهُ أَنَّ الغُيوثَ بِما تَأتيهِ جُهَّالُ لَا يُدرِكُ المَجدَ إِلَّا سَيِّدٌ فَطِنٌ لِمَا يَشُقُّ عَلى السَّادَاتِ فَعَّالُ لَا وارِثٌ جَهِلَت يُمنَاهُ مَا وَهَبَتْ ولَا كَسُوبٌ بِغَيرِ السَّيْفِ سَئَّالُ قَالَ الزَّمَانُ لَهُ قَوْلًا فَأَفْهَمَهُ أنَّ الزَّمانَ عَلَى الإِمْسَاكِ عَذَّالُ تَدْرِي القَناةُ إِذا اهْتَزَّتْ بِرَاحَتِهِ أَنَّ الشَّقِيَّ بِهَا خَيْلٌ وَأَبْطَالُ كَفَاتِكٍ وَدُخُولُ الكَافِ مَنْقَصَةٌ كَالشَّمْسِ قُلْتُ وَما للشَّمْسِ أَمْثَالُ القائِدُ الأُسْدَ غَذَّتْهَا بَراثِنُهُ بِمِثْلِها مِنْ عِداهُ وَهْيَ أَشْبَالُ القاتِلُ السَّيفَ في جِسمِ القَتيلِ بِهِ وَلِلسُّيوفِ كَمَا لِلنَّاسِ آجَالُ تَغيرُ عَنهُ عَلى الغَارَاتِ هَيْبَتُهُ وَمَا لَهُ بِأَقَاصي البَرِّ أَهْمَالُ لَهُ مِنَ الوَحْشِ مَا اخْتَارَتْ أَسِنَّتُهُ عَيْرٌ وَهَيْقٌ وَخَنْساءٌ وَذَيَّالُ تُمْسِي الضُّيُوفُ مُشَهَّاةً بِعَقْوَتِهِ كَأَنَّ أَوْقَاتَها في الطِّيبِ آصَالُ لَوِ اشْتَهَتْ لَحمَ قاريها لَبَادَرَها خَرَاذِلٌ مِنهُ في الشِّيزَى وَأَوصالُ لَا يَعرِفُ الرُّزْءَ في مَالٍ وَلَا وَلَدٍ إِلَّا إِذَا احتَفَزَ الضِّيفانَ تَرْحَالُ يُرْوِي صَدَى الْأَرْضِ مِنْ فَضْلَاتِ مَا شَرِبوا مَحْضُ اللِّقَاحِ وصافِي اللَّوْنِ سَلْسَالُ تَقْرِي صَوَارِمُهُ السَّاعَاتِ عَبْطَ دَمٍ كَأَنَّمَا السَّاعُ نُزَّالٌ وقُفَّالُ تَجِرِي النُّفُوسُ حَوَالَيْهِ مُخَلَّطَةً مِنْهَا عُدَاةٌ وأَغْنَامٌ وَآبَالُ لَا يُحْرِمُ البُعْدُ أَهْلَ البُعدِ نائِلَهُ وَغَيرُ عاجِزَةٍ عَنهُ الأُطَيْفَالُ أَمْضَى الفَريقَينِ في أَقرانِهِ ظُبَةً والبِيضُ هَادِيَةٌ والسُّمْرُ ضُلَّالُ يُرِيكَ مَخْبَرُهُ أَضْعَافَ مَنْظَرِهِ بَيْنَ الرِّجَالِ وفِيها المَاءُ والآلُ وَقَد يُلَقِّبُهُ المَجنونَ حَاسِدُهُ إذا اخْتَلَطْنَ وبَعضُ العَقلِ عُقَّالُ يَرْمِي بِها الْجَيْشَ لا بُدٌّ لَهُ ولَها مِن شَقِّهِ وَلَوَ انَّ الجَيشَ أَجبالُ إِذا العِدَى نَشِبَت فيهِم مَخالِبُهُ لم يَجْتَمِعْ لَهُمُ حِلمٌ ورِيبَالُ يَرُوعُهُم مِنهُ دَهرٌ صَرْفُهُ أَبَدًا مُجَاهِرٌ وَصُروفُ الدَّهْرِ تَغتالُ أَنَالَهُ الشَّرَفَ الأَعْلى تَقَدُّمُهُ فَمَا الَّذِي بِتَوَقِّي مَا أَتَى نَالُوا إذَا المُلُوكُ تَحَلَّتْ كانَ حِلْيَتَهُ مُهَنَّدٌ وَأَصَمُّ الكَعبِ عَسَّالُ أَبو شُجاعٍ أَبو الشُّجْعَانِ قَاطِبَةً هَوْلٌ نَمَتْهُ مِنَ الهَيجاءِ أَهْوالُ تَمَلَّكَ الحَمْدَ حَتَّى ما لِمُفْتَخِرٍ في الحَمدِ حاءٌ ولا ميمٌ ولا دالُ عليه منه سرابيلٌ مضاعفةٌ وقد كفاه من الماذِيِّ سِرْبالُ وكَيْفَ أَسْتُرُ ما أَوْلَيْتَ مِن حَسَنٍ وقَد غَمَرْتَ نَوَالًا أَيُّها النَّالُ لَطَّفْتَ رَأْيَكَ في بِرِّي وتَكْرِمَتي إِنَّ الكَريمَ عَلَى الْعَلْيَاءِ يَحْتالُ حَتَّى غَدَوْتَ وَلِلْأَخبارِ تَجْوالُ وَلِلْكَواكِبِ في كَفَّيْكَ آمالُ وَقَد أَطالَ ثَنَائي طُولُ لابِسِهِ إِنَّ الثَّناءَ على التِّنْبَالِ تِنْبالُ إِنْ كُنتَ تَكْبُرُ أَن تَختالَ في بَشَرٍ فَإِنَّ قَدْرَكَ في الْأَقْدَارِ يَختالُ كَأَنَّ نَفْسَكَ لَا تَرْضَاكَ صَاحِبَها إِلَّا وأَنْتَ على المِفضالِ مِفضالُ ولا تَعُدُّكَ صَوَّانًا لِمُهجَتِها إِلَّا وأَنتَ لها في الرَّوْعِ بَذَّالُ لَوْلَا المَشَقَّةُ سَادَ الناسُ كُلُّهُمُ الجودُ يُفْقِرُ والْإِقْدامُ قَتَّالُ وَإِنَّما يَبْلُغُ الإِنسانُ طاقَتَهُ ما كُلُّ ماشِيَةٍ بِالرِّجْلِ شِمْلالُ إِنَّا لَفي زَمَنٍ تَركُ القَبيحِ بِهِ مِن أَكثَرِ النَّاسِ إِحسانٌ وإِجمالُ ذِكرُ الفَتى عُمرُهُ الثَّاني وحاجَتُهُ ما قاتَهُ وفُضولُ العَيشِ أشغالُ (١٢٢) قال أبو الطَّيِّب المتنبي يرثي أبا شجاع فاتكًا الحُزْنُ يُقْلِقُ والتَّجَمُّلُ يَرْدَعُ والدَّمْعُ بَيْنَهُما عَصِيٌّ طَيِّعُ يَتَنازَعانِ دُموعَ عَينِ مُسَهَّدٍ هَذا يَجيءُ بِها وهَذا يَرْجِعُ النَّوْمُ بَعدَ أَبي شُجاعٍ نافِرٌ وَاللَّيْلُ مُعْيٍ والكَواكِبُ طُلَّعُ إِنِّي لَأَجْبُنُ مِن فِراقِ أَحِبَّتي وتُحِسُّ نَفسي بِالحِمامِ فَأَشْجُعُ ويَزيدُني غَضَبُ الأَعادي قَسوَةً ويُلِمُّ بي عَتْبُ الصَّديقِ فَأَجزَعُ تَصْفو الحَياةُ لِجاهِلٍ أَو غافِلٍ عَمَّا مَضى منها وما يُتَوَقَّعُ وَلِمَن يُغالِطُ في الحَقائِقِ نَفْسَهُ ويَسومُها طَلَبَ المُحالِ فَتَطْمَعُ أَينَ الذي الهَرَمانِ مِن بُنْيانِهِ ما قَومُهُ ما يَومُهُ ما المَصرَعُ؟ تَتَخَلَّفُ الآثارُ عَن أَصحابِها حينًا وَيُدرِكُها الفَناءُ فَتَتْبَعُ لَم يُرضِ قَلبَ أَبي شُجاعٍ مَبلَغٌ قَبلَ المَماتِ وَلَم يَسَعْهُ مَوضِعُ كُنَّا نَظُنُّ دِيارَهُ مَملوءَةً ذَهَبًا فَماتَ وَكُلُّ دارٍ بَلْقَعُ وَإِذا المَكارِمُ وَالصَّوارِمُ وَالقَنا وَبَناتُ أَعْوَجَ كُلُّ شَيءٍ يَجْمَعُ المَجدُ أَخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفقَةً مِن أَن يَعيشَ بها الكَريمُ الأَرْوَعُ وَالناسُ أَنزَلُ في زَمانِكَ مَنزِلًا مِن أَن تُعايِشَهُم وَقَدرُكَ أَرفَعُ بَرِّد حَشايَ إِنِ استَطَعتَ بِلَفظَةٍ فَلَقَد تَضُرُّ إِذا تَشاءُ وَتَنْفَعُ ما كانَ مِنكَ إِلى خَليلٍ قَبلَها ما يُستَرابُ بِهِ وَلا ما يُوجِعُ وَلَقَد أَراكَ وَما تُلِمُّ مُلِمَّةٌ إِلَّا نَفاها عَنكَ قَلبٌ أَصْمَعُ وَيَدٍ كَأَنَّ قِتالَها وَنَوالَها فَرضٌ يَحِقُّ عَلَيكَ وَهْوَ تَبَرُّعُ يَا مَن يُبَدِّلُ كُلَّ يَومٍ حُلَّةً أَنَّى رَضيتَ بِحُلةٍ لا تُنْزَعُ؟! ما زِلتَ تَخْلَعُها عَلى مَن شاءَها حَتَّى لَبِسْتَ اليَومَ ما لا تَخْلَعُ ما زِلتَ تَدْفَعُ كُلَّ أَمرٍ فادِحٍ حَتَّى أَتى الأَمرُ الذي لا يُدْفَعُ فَظَلِلْتَ تَنظُرُ لا رِماحُكَ شُرَّعٌ فيما عَراكَ وَلا سُيوفُكَ قُطَّعُ بِأَبي الوَحيدَ وَجَيشه مُتَكاثِرٌ يَبْكي وَمِن شَرِّ السِّلاحِ الأَدْمُعُ وَإِذا حَصَلتَ مِنَ السِّلاحِ عَلى البُكا فَحَشاكَ رُعْتَ بِهِ وَخَدَّكَ تَقْرَعُ وَصَلَتْ إِلَيكَ يَدٌ سَواءٌ عِندَها ألْبَازُ الاشْهَبُ وَالغُرابُ الأَبقَعُ مَن لِلمَحافِلِ وَالجَحافِلِ وَالسُّرَى فَقَدَتْ بِفَقدِكَ نَيِّرًا لَا يَطْلُعُ ومَنِ اتَّخَذتَ عَلى الضُّيوفِ خَليفَةً ضاعوا وَمِثْلُكَ لا يَكادُ يُضَيِّعُ قُبْحًا لِوَجهِكَ يا زَمانُ فَإِنَّهُ وَجهٌ لَهُ مِن كُلِّ لُؤْمٍ بُرْقُعُ أَيَموتُ مِثلُ أَبي شُجاعٍ فاتِكٍ وَيَعيشُ حاسِدُهُ الخَصِيُّ الأَوْكَعُ؟! أَيدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوالَيْ رَأسِهِ وَقَفًا يَصيحُ بِها أَلَا مَن يَصْفَعُ؟ أَبقَيتَ أَكْذَبَ كاذِبٍ أَبقَيتَهُ وَأَخَذتَ أَصْدَقَ مَنْ يَقولُ وَيَسْمَعُ وَتَرَكتَ أَنْتَنَ ريحَةٍ مَذمومَةٍ وَسَلَبْتَ أَطيَبَ ريحَةٍ تَتَضَوَّعُ فَاليَومَ قَرَّ لِكُلِّ وَحْشٍ نافِرٍ دَمُهُ وَكانَ كَأَنَّهُ يَتَطَلَّعُ وَتَصالَحَتْ ثَمَرُ السِّيَاطِ وَخَيْلُهُ وَأَوَتْ إِلَيها سُوقُها وَالأَذْرُعُ وَعَفا الطِّرادُ فَلا سِنانٌ راعِفٌ فَوقَ القَناةِ وَلا حُسامٌ يَلْمَعُ وَلَّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنادِمٍ بَعدَ اللزومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ مَنْ كَانَ فيهِ لِكُلِّ قَومٍ مَلْجَأ وَلِسَيفِهِ في كُلِّ قَومٍ مَرْتَعُ إِن حَلَّ في فُرْسٍ فَفيها رَبُّها كِسْرى تَذِلُّ لَهُ الرِّقابُ وَتَخضَعُ أَو حَلَّ في رومٍ فَفيها قَيصَرٌ أَو حَلَّ في عُربٍ فَفيها تُبَّعُ قَد كانَ أَسْرَعَ فارِسٍ في طَعْنَةٍ فَرَسًا وَلَكِنَّ المَنِيَّةَ أَسْرَعُ لا قَلَّبَتْ أَيدي الفَوارِسِ بَعدَهُ رُمحًا وَلا حَمَلَتْ جَوَادًا أَرْبَعُ (١٢٣) وللمتنبي يمدح سيف الدولة ويَذْكُر بناءَ قلعة الحدَث عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ تَأْتِي العَزائِمُ وتَأتِي عَلَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارِمُ ويَعْظُمُ في عَينِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا وتَصْغُر في عَينِ العَظِيمِ العَظائِمُ يُكلِّفُ سَيْفُ الدَّولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ وقد عَجَزَتْ عنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ ويَطْلُب عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسهِ وذلِكَ ما لا تَدَّعِيهِ الضَّراغِمُ يُفدِّي أَتمُّ الطَّيرِ عُمرًا سِلاحَه نُسورُ المَلَا أَحداثُها والقَشاعِمُ وَما ضَرَّها خَلْقٌ بِغَيرِ مَخالِب وقد خُلِقَتْ أَسيافُهُ والقَوائِمُ هَلِ الحَدَث الحَمراء تَعرِفُ لَوْنَها وتَعلَمُ أَيَّ السَّاقِيَيْنِ الغَمائِمُ؟ سَقَتْها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولهِ فَلمَّا دَنا منها سقَتها الجَماجِمُ بَناها فأَعلَى والقَنا تَقْرَعُ القَنا ومَوْجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فأَصبَحَتْ ومِن جُثَثِ القتْلَى عَلَيها تَمائِمُ طَرِيدة دَهرٍ ساقَها فَرَدَدْتها على الدِّينِ بالخَطِّيِّ والدهرُ راغِمُ تُفِيتُ الليالِي كُلَّ شيءٍ أَخذتَهُ وهُنَّ لِما يَأْخُذنَ مِنْكَ غَوارِمُ وَكيفَ تُرَجِّي الرُّومُ والرُّوسُ هَدمَها وَذا الطَّعنُ آسَاسٌ لها ودَعائِمُ؟ وقد حاكَمُوها والمَنايا حَواكِمٌ فما ماتَ مَظلُومٌ ولا عاشَ ظالِمُ أَتَوْكَ يَجُرُّونَ الحَدِيدَ كأنَّهم سَرَوْا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ إِذا بَرَقُوا لم تُعرَفِ البِيضُ مِنهُمُ ثِيابُهُمُ من مِثلِها والعَمائِمُ خَمِيسٌ بِشَرقِ الأرضِ والغَرْبِ زَحْفُهُ وفي أُذُنِ الجَوزاءِ منهُ زمازِمُ تَجَمَّع فيهِ كُلُّ لِسْنٍ وأُمَّةٍ فما تُفْهِمُ الحُدَّاثَ إِلَّا التَّراجِمُ فلِلَّهِ وَقتٌ ذوَّبَ الغِشَّ نارُهُ فلم يَبْقَ إِلَّا صارِمٌ أو ضُبارِمُ تَقَطَّعَ ما لا يَقْطَع الدِّرعَ والقَنا وفَرَّ منَ الأبطالِ مَن لا يُصادِمُ وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ كأَنَّكَ في جَفْنِ الرَّدَى وَهْوَ نائِمُ تَمُرُّ بِكَ الأَبْطَالُ كَلْمَى هَزِيمةً ووَجهُكَ وَضَّاحٌ وثَغْرُكَ باسِمُ تجاوَزْتَ مِقدارَ الشَّجاعةِ والنُّهَى إلى قولِ قَومٍ أَنتَ بالغَيب عالِمُ ضَمَمْتَ جَناحَيْهم على القَلبِ ضَمَّةً تَمُوتُ الخَوافِي تحتَها والقَوادِمُ بِضَرْبٍ أَتَى الهاماتِ والنَّصرُ غائبٌ وَصارَ إلى اللَّبَّاتِ والنَّصرُ قادِمُ حَقَرْتَ الرُّدَيْنيَّاتِ حَتَّى طَرَحْتَها وحَتى كأنَّ السيف لِلرُّمحِ شاتِمُ ومَن طَلَبَ الفَتحَ الجَلِيلَ فإنَّما مَفاتيحُهُ البِيض الخِفافُ الصَّوارِمُ نَثَرتَهُمُ فَوقَ الأُحَيدِبِ نَثْرَةً كَما نُثِرتْ فَوقَ العَرُوسِ الدَّراهِمُ تَدُوسُ بِكَ الخيلُ الوُكُورَ على الذُّرَى وقد كَثُرَتْ حَوْلَ الوُكُورِ المَطاعِمُ تَظُنُّ فِراخُ الفُتْخِ أَنَّكَ زُرْتَها بِأُمَّاتِها وَهْيَ العِتَاقُ الصَّلادِمُ إِذا زَلِقَتْ مَشَّيْتَها بِبُطُونِها كَما تَتَمشَّى في الصَّعيد الأَراقمُ أَفِي كُلِّ يومٍ ذا الدُّمُسْتُق مُقدِمٌ قَفاهُ على الإِقدامِ لِلوَجهِ لائِمُ؟ أَيُنْكِر ريحَ اللَّيث حتَّى يَذُوقَه وقد عَرَفَتْ رِيحَ اللُّيُوث البهائِمُ وقد فَجَعَتْهُ بِابنِهِ وابنِ صِهْرِهِ؟ وبالصِّهْرِ حَمْلاتُ الأَميرِ الغَواشمُ مَضَى يَشكُرُ الأَصحابَ في فَوْتِهِ الظُّبَا بمَا شَغَلَتْها هامُهُم والمَعاصِمُ ويفْهَمُ صَوتَ المَشْرفيَّةِ فيهِمُ على أَنَّ أَصواتَ السُّيُوفِ أَعاجِمُ يُسَرُّ بما أَعطاكَ لا عَن جَهالةٍ ولكِنَّ مَغْنُومًا نجا مِنكَ غانِمُ لَكَ الحَمْدُ في الدُرِّ الذي لِيَ لَفْظُهُ فإِنَّكَ مُعطيه وإنِّيَ ناظِمُ وإِنِّى لَتَعْدو بي عَطاياكَ في الوَغى فَلا أَنا مَذمُومٌ ولا أَنتَ نادِمُ على كُلِّ طَيَّارٍ إليها بِرِجْلِهِ إِذا وَقَعَتْ في مِسمَعَيهِ الغَماغِمُ ألَا أَيُّها السَّيفُ الذي لَسْتَ مُغْمَدًا وَلا فيك مُرْتَابٌ ولا مِنك عاصِمُ هَنِيئًا لِضَربِ الهامِ والمَجْدِ والعُلَا وَراجِيكَ والإِسلامِ أَنَّكَ سالِمُ ولِمْ لَا يَقِي الرَّحمنُ حَدَّيْكِ ما وَقَى وتَفْلِيقُهُ هامَ العِدَى بِكَ دائِمُ |
|
07-01-2021 | #34 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١٢٤) بعض حكم المتنبي ذَلَّ مَنْ يَغْبِطُ الذَّلِيلَ بِعَيْشٍ رُبَّ عَيْشٍ أَخَفَّ مِنْهُ الحِمَامُ كُلُّ حِلْمٍ أتَى بغَيْرِ اقْتِدَارٍ حُجَّةٌ لاجِئٌ إليها اللئَامُ مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيْهِ مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيلَامُ وقال أيضًا: أَفَاضِلُ النَّاسِ أغْرَاضٌ لِذَا الزَّمَنِ يَخْلُو مِنَ الهَمِّ أخْلَاهُمْ مِنَ الفِطَنِ وقال أيضًا: وَإذَا أتَتْكَ مَذَمَّتِي مِنْ نَاقِصٍ فَهْيَ الشَّهَادَةُ لي بأنِّي كَامِلُ وقال أيضًا: وَمَنْ يُنْفِق السَّاعَاتِ في جَمْعِ مَالِهِ مَخَافَةَ فَقْرٍ فالذي فَعَلَ الفَقْر وقال أيضًا: وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى الحُرِّ أنْ يَرَى عَدُوًّا لَهُ مَا مِنْ صَدَاقَتِهِ بُدُّ وَأُكْبِرُ نَفْسِي عَنْ جَراءٍ بِغِيبةٍ وكلُّ اغتيابٍ جُهْدُ مَن لا له جُهْدُ وقال أيضًا: مِنَ الحِلْمِ أنْ تَسْتَعْمِلَ الجَهْلَ دونَهُ إذَا اتَّسَعتْ في الحِلْمِ طُرْقُ المظالم وقال أيضًا: إذَا لم تَكُنْ نفسُ النَّسيب كأصلِهِ فَمَاذَا الذي تُغْنِي كِرامُ المَناصب؟! وقال أيضًا: وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسِيمَ نَحَافَةً وَيُشِيبُ نَاصِيَةَ الصَّبيِّ وَيُهْرِمُ ذو العَقْلِ يَشْقَى في النَّعِيمِ بعَقْلِهِ وَأخُو الجَهَالَةِ في الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ لا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الأَذَى حتى يُرَاق عَلى جَوَانِبِهِ الدَّمُ وَالظُّلْمُ من شِيَمِ النُّفُوسِ فإنْ تَجِدْ ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلةٍ لا يَظْلِمُ وَمِنَ البَليَّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي عَنْ جَهْلِهِ وَخِطَابُ مَن لَا يَفْهَمُ وَالذُّلُ يُظْهِرُ في الذَّلِيلِ مَوَدَّةً وَأوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدُّ الأَرْقَمُ وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنَالُكَ نَفْعُهُ وَمِنَ الصَّدَاقَةِ ما يَضُرُّ وَيُؤلِمُ وقال أيضًا: يَرَى الجُبَنَاءُ أنَّ العَجزَ عَقْلٌ وتِلكَ خَدِيعَةُ الطَّبْعِ اللئيمِ وكلُّ شَجَاعَةٍ في المَرْءِ تَفْنَى ولا مِثلَ الشَّجَاعَةِ في حَكِيمِ وكَمْ مِنْ عَائِبٍ قوْلًا صَحِيحًا وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ! وقال أيضًا: وَالأَسَى قَبْل فُرْقَةِ الرُّوحِ عَجْزٌ والأسَى لا يكونُ بَعدَ الفِراقِ والغِنَى في يَدِ اللئيمِ قَبيحٌ قَدْرَ قُبْحِ الكَريمِ في الإمْلاقِ وقال أيضًا: وَإذَا كَانَتِ النُّفوسُ كِبَارًا تَعِبَتْ في مُرَادِهَا الأجسَامُ وقال أيضًا: وَلوْ كَانَ النِّسَاءُ كَمَنْ فَقَدْنا لَفُضِّلَتِ النِّسَاءُ على الرِّجالِ وما التأنيثُ لاسمِ الشَّمْسِ عَيْبٌ ولا التَّذْكِيرُ فَخْرٌ للهِلالِ فَإنْ تَفُقِ الأنَامَ وأنْت مِنهُمْ فإنَّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ وقال أيضًا: مَن كانَ فَوقَ مَحَلِّ الشَّمسِ مَوضِعُهُ فَلَيسَ يَرفَعُهُ شَيءٌ وَلا يَضَعُ فَقَد يُظَنُّ شُجاعًا مَن بِهِ خَرَقٌ وَقَد يُظَنُّ جَبانًا مَن بِهِ زَمَعُ إِنَّ السِّلاحَ جَميعُ الناسِ تَحمِلُهُ وَلَيسَ كُلُّ ذَواتِ المِخلَبِ السَّبُعُ وقال أيضًا: وَما الخَوفُ إِلَّا ما تَخَوَّفَهُ الفَتى وَلا الأَمْنُ إِلَّا ما رَآهُ الفَتى أَمْنا وقال أيضًا: وَحيدٌ مِنَ الخِلَّانِ في كُلِّ بَلدَةٍ إِذا عَظُمَ المَطلوبُ قَلَّ المُساعِدُ بِذا قَضَتِ الأَيَّامُ ما بَينَ أَهلِها مَصائِبُ قَومٍ عِندَ قَومٍ فَوائِدُ وقال أيضًا: وَفي تَعَبٍ مَنْ يَحسُدُ الشَّمسَ ضوءَها وَيَجهَدُ أَن يَأتي لَها بِضَريبِ وقال أيضًا: وَمَن صَحِبَ الدُّنيا قليلًا تَقَلَّبَت عَلى عَينِهِ حَتَّى يَرى صِدقَها كِذْبا وَمَن تَكُنِ الأُسْدُ الضَّواري جُدُودَهُ يَكُن لَيلُهُ صُبْحًا وَمَطْعَمُهُ غَصْبا وقال أيضًا: أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً أَنْ تَحْسَبَ الشَّحْمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ وَما انْتِفاعُ أَخي الدُّنيا بِناظِرِهِ إِذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأَنْوارُ وَالظُّلَمُ إِذا رَأَيْتَ نُيُوبَ اللَّيْثِ بارِزَةً فَلَا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَّيْثَ يبتَسِمُ وَبَيْنَنا لَو رَعَيتُم ذاكَ مَعْرِفَةٌ إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُّهَى ذِمَمُ شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ وَشَرُّ ما قَنَصَتْهُ راحَتي قَنَصٌ شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ وَالرَّخَمُ وقال أيضًا: لَعَلَّ عَتْبَكَ مَحمودٌ عَواقِبُهُ ورُبَّما صَحَّتِ الأَجسامُ بِالعِلَلِ لِأَنَّ حِلْمَكَ حِلْمٌ لا تُكَلَّفُهُ لَيسَ التَّكَحُّلُ في العَينَينِ كَالكَحَلِ وقال أيضًا: وَلَيسَ يَصِحُّ في الأَفهامِ شَيءٌ إِذا احْتاجَ النَّهارُ إِلى دَليلِ وقال أيضًا: ومَا كَمَدُ الحُسَّادِ شيءٌ قصدتُهُ ولكنَّهُ مَنْ يَزْحَمِ البَحْرَ يَغْرَقِ وإطْرَاقُ طَرْف العين ليس بنافعٍ إذا كان طرفُ القلب ليس بمُطْرِقِ وقال أيضًا: أيَدري ما أرَابَكَ مَنْ يُريب؟ وهلْ تَرْقَى إلى الفَلَك الخُطوب؟! وقال أيضًا: وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالعَفوِ عَنْهُمُ وَمَنْ لَكَ بِالحُرِّ الذي يَحْفَظُ اليَدا؟ إِذا أَنْتَ أَكرَمْتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئيمَ تَمَرَّدا وَوَضْعُ النَّدى في مَوضِعِ السَّيفِ بِالعُلى مُضِرٌّ كَوَضعِ السَّيفِ في مَوضِعِ النَّدى وقال أيضًا: وأتعبُ مَنْ ناداكَ من لا تُجيبه وأَغْيظُ مَنْ عاداكَ من لا تُشاكِل وقال أيضًا: عَلَى قَدْرِ أهْلِ العَزْمِ تأتِي العَزَائِمُ وتأتي على قَدْرِ الكِرامِ المكارمُ وقال أيضًا: وَما الحُسْنُ في وَجهِ الفَتى شَرَفًا لَهُ إِذا لَم يَكُن في فِعلِهِ وَالخَلائِقِ وَما بَلَدُ الإِنسانِ غَيرُ المُوافِقِ وَلا أَهلُهُ الأَدْنَوْنَ غَيرُ الأَصادِقِ وقال أيضًا: وَإِذا لَم تَجِدْ مِنَ الناسِ كُفؤًا ذاتُ خِدْرٍ تمَنَّت المَوتَ بَعلا وَإِذا الشَّيخُ قالَ أُفٍّ فَما مَلَّ حَياةً وَإِنَّما الضَّعفَ مَلَّا آلَةُ العَيشِ صِحَّةٌ وَشَبابٌ فَإِذا وَلَّيَا عَنِ المَرءِ وَلَّى وقال أيضًا: وَإِذا ما خَلا الجَبانُ بِأَرضٍ طَلَبَ الطَّعْنَ وَحدَهُ وَالنِّزالا مَن أَراد التِماسَ شَيءٍ غِلابًا وَاغتِصابًا لَم يَلْتَمِسْهُ سُؤالا كُلُّ غادٍ لِحاجَةٍ يَتَمَنَّى أَنْ يَكونَ الغَضَنفَرَ الرِّئْبَالا وقال أيضًا: الرَّأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُّجعانِ هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ بِالرَّأْيِ قَبْلَ تَطاعُنِ الأَقْرانِ لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ وقال أيضًا: وَعادَ في طَلَبِ المَتروكِ تارِكُهُ إِنَّا لَنَغْفُلُ وَالأَيَّامُ في الطَّلَبِ وَما قَضى أَحَدٌ مِنها لُبَانَتَهُ وَلا انتَهى أَرَبٌ إِلَّا إِلى أَرَبِ وَمَن تَفَكَّرَ في الدُّنيا وَمُهجَتِهِ أَقامَهُ الفِكرُ بَينَ العَجزِ وَالتَعَبِ وقال أيضًا: إِذا كُنتَ تَرْضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ فَلا تَسْتَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا فَما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ مِنَ الطَّوَى وَلا تُتَّقى حَتَّى تَكونَ ضَوارِيا إِذا الجودُ لَم يُرزَق خَلاصًا مِنَ الأَذى فَلا الحَمدُ مَكسوبًا وَلا المالُ باقِيا وَلِلنَّفْسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتى أَكانَ سَخاءً ما أَتى أَم تَساخِيا وقال أيضًا: فما الحداثةُ عن حِلْمٍ بمانعةٍ قد يوجد الحلم في الشُّبان والشِّيب وقال أيضًا: وما الصَّارِم الهندي إلا كغيرِهِ إذا لمْ يفارِقْه النِّجاد وغِمْدُه وقال أيضًا: إِذا ساءَ فِعلُ المَرءِ ساءَت ظُنونُهُ وَصَدَّقَ ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّمِ وَأَحْلُمُ عَن خِلِّي وَأَعلَمُ أَنَّهُ مَتى أَجْزِهِ حِلْمًا عَلى الجَهلِ يَنْدَمِ لِمَنْ تَطلُبُ الدُّنيا إِذا لَم تُرِد بِها سُرورَ مُحِبٍّ أَو إِساءَةَ مُجرِمِ وقال أيضًا: إنما تَنْجَح المقالة في المَرْ ءِ إذا وافَقَتْ هوًى في الفؤاد وقال أيضًا: وَكُلُّ امرِئٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ وَكُلُّ مَكانٍ يُنبِتُ العِزَّ طَيِّبُ وَلَوْ جازَ أَن يَحْوُوا عُلاكَ وَهَبْتَها وَلَكِن مِنَ الأَشياءِ ما لَيسَ يوهَبُ وقال أيضًا: مَا كُلُّ مَا يتمنى المرءُ يُدْرِكُهُ تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ وقال أيضًا: غَيرَ أَنَّ الفَتى يُلاقي المَنايا كالِحاتٍ وَلا يُلاقي الهَوانا وَإِذا لَم يَكُن مِنَ المَوتِ بُدٌّ فَمِنَ العَجزِ أَن يكونَ جَبانا كُلُّ ما لَم يَكُن مِنَ الصَّعبِ في الأَنْـ ـفُسِ سَهْلٌ فيها إِذا هُوَ كانا وقال أيضًا: لولا المشقَّة ساد النَّاسُ كلُّهُمُ الجودُ يُفْقِرُ والإقْدامُ قَتَّالُ وقال أيضًا: وَلَمْ أرَ في عُيوبِ النَّاسِ شيئًا كنَقْص القادرين على التَّمام وقال أيضًا: وَلِلسِرِّ مِنِّي مَوضِعٌ لا يَنالُهُ نَديمٌ وَلا يُفضي إِلَيهِ شَرابُ أَعَزُّ مَكانٍ في الدُّنا ظَهْرُ سابِحٍ وَخَيرُ جَليسٍ في الزَّمانِ كِتابُ وقال أيضًا: ومَنْ جَهِلَتْ نفسُهُ قدرَه رأى غيرُه منه ما لا يرى وقال أيضًا: أَينَ الذي الهَرَمانِ مِن بُنيانِهِ ما قَومُهُ ما يَومُهُ ما المَصرَعُ؟ تَتَخَلَّفُ الآثارُ عَن أَصحابِها حينًا وَيُدرِكُها الفَناءُ فَتَتبَعُ وقال أيضًا: ولَمْ تَزل قِلة الإنصاف قاطِعةً بين الأنام ولو كانوا ذوي رَحم وقال أيضًا: ذَرِيني أَنَلْ ما لا يُنالُ مِنَ العُلَا فَصَعبُ العُلا في الصَّعبِ وَالسَّهلُ في السَّهلِ تُريدينَ لُقْيانَ المَعالي رَخيصَةً وَلا بُدَّ دونَ الشَّهْدِ مِن إِبَرِ النَّحْلِ (١٢٥) قال أبو فراس الحَمْداني يصف قتال سيف الدولة لأهل قِنِّسْرين وقبائل العرب وَلَمَّا سَارَ سَيْفُ الدِّينِ سِرْنَا كَمَا هَيَّجْتَ آسادًا غِضَابَا أَسِنَّتُهُ إِذَا لَاقَى طِعَانًا صَوارِمُهُ إِذَا لَاقى ضِرَابَا دَعَانَا وَالأَسِنَّةُ مُشْرَعَاتٌ فَكُنَّا عِنْدَ دَعْوَتِهِ الجَوَابَا صَنَائِعُ فَاقَ صَانِعُهَا فَفَاقَتْ وَغَرْسٌ طَابَ غَارِسُهُ فَطَابَا وَكُنَّا كَالسِّهَامِ إِذَا أَصَابَتْ مَرَامِيَها فَرَامِيهَا أَصَابَا فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الهَيْجَاءُ كُنَّا أَشَدَّ مَخالِبًا وَأَحَدَّ نَابَا وَأَمْنَعَ جانِبًا وَأَعَزَّ جَارًا وَأَوْفَى ذِمَّةً وَأَقَلَّ عَابَا سقينا بالرماح بني قُشَيرٍ ببطن العنتر السُّمَّ المُذَابَا وَسِرْنَا بِالخُيولِ إِلى نُمَيرٍ تُجاذِبُنا أَعِنَّتَها جِذَابَا وَلَمَّا أَيقَنوا أَنْ لا غِياثٌ دَعَوْهُ لِلمَغوثَةِ فَاسْتَجَابَا وَعَادَ إِلى الجَمِيلِ لَهُم فَعَادُوا وَقَد مَدُّوا لِمَا يهوَى الرِّقَابَا أَمَرَّ عَلَيهِمُ خَوفًا وَأَمْنًا أذاقَهُمُ بِهِ أَرْيًا وَصَابَا أَحَلَّهُمُ الجَزيرَةَ بَعدَ يَأْسٍ أَخو حِلْمٍ إِذا مَلَكَ العِقَابَا دِيارُهُمُ انْتَزَعناها اقْتسَارًا وَأَرْضُهُمُ اغْتَصَبناها اغْتِصَابَا وَلَو رُمْنَا حَمَيناها البَوادي كَما تَحْمي أُسُودُ الغَابِ غَابَا إِذَا ما أَرْسَلَ الأُمراءُ جَيشًا إِلى الأَعداءِ أَرْسَلنَا الكِتَابَا أَنا ابنُ الضَّارِبينَ الهامَ قِدْمًا إِذا كَرِهَ المُحامونَ الضِّرابا ألَم تَعلَم وَمِثلُكَ قالَ حَقًّا بِأَنِّي كُنتُ أَثْقَبَها شِهابا؟ |
|
07-01-2021 | #35 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١٢٦) كتب أبو بكر الخوارَزْمي إلى تلميذ له قد ظهر عليه الجُدَريُّ وصلني خبر الجُدَري، فنال مني، وهيَّج حَزَني، وراع قلبي، وأسهر عيني، وهذه العلة — وإن كانت موجعة، وفي رأي العين فظيعة شنيعة — فإنها إلى السلامة أقرب، وطريقها إلى الحياة أقصد؛ لأن عين الطبيب تقع عليها، وظاهر الداء أسلم من باطنه، وبارز الجُرح أهون من كامنه. ولعمري، إنها تورث سواد اللون، وتذهب من الوجه بديباجة الحسن، ولكن ذلك يسيرٌ في جنب السلامة للروح اللطيفة، والنفس الشريفة. ولست أستطيع لك غير الدعاء، لا أسأل صحتك إلا ممن خلق عِلَّتك. وأرى لك أن تحسن ظنك بربك، وتستغفر من ذنبك، وتجعل الصدقة شفيعك، واليقين طبيبك، وتعلم أنه لا داء أدوأ من أجل، ولا دواء أشفى من مَهَل، ولا فراش أوطأ من أمل. شفاك الله — تعالى — وحسبك به طبيبًا! (١٢٧) المقامة الحِرْزيَّة للبديع الهمذاني حدثنا عيسى بن هشام قال: لما بلغت بي الغربة باب الأبواب، ورضيت من الغنيمة بالإياب، ودونه من البحر وثَّاب بغاربه، ومن السفن عسَّافٌ براكبه، استخرت الله في القُفول، وقعدت من الفُلك بمثابة الهُلك، ولما ملكنا البحر وجن علينا الليل غشيتْنا سحابة تمُدُّ من الأمطار حبالًا، وتَحُوذُ من الغيم جبالًا، بريحٍ ترسل الأمواج أزواجًا، والأمطار أفواجًا. وبقينا في يد الحَيْن، بين البحرين، لا نملك عُدَّة غير الدعاء، ولا حيلةً إلا البكاء، ولا عصمةً غير الرجاء، وطويناها ليلةً نابِغيَّة، وأصبحنا نتباكى ونتشاكى، وفينا رجل لا يَخْضَلُّ جفنه، ولا تبتل عينه، رخيُّ الصدر منشرحه، نشيط القلب فرِحه، فعجبنا والله كل العجب، وقلنا له: ما الذي آمنك من العطب؟ فقال: حرزٌ لا يغرق صاحبه، ولو شئت أن أمنح كلًّا منكم حرزًا لفعلت. فكلٌّ رغب إليه، وألحَّ في المسألة عليه، فقال: لن أفعل ذلك حتى يعطيني كل واحدٍ منكم دينارًا الآن، ويعدني دينارًا إذا سلم. قال عيسى بن هشام: فنقدناه ما طلب، ووعدناه ما خطب، وآبت يده إلى جيبه، فأخرج قطعة ديباج، فيها حُقَّة عاج، قد ضمن صدرها رقاعًا، وحذف كل واحد منا بواحدة منها، فلما سلمت السفينة، وأحلَّتنا المدينة، اقتضى الناسَ ما وعدوه، فنقدوه، وانتهى الأمر إليَّ فقال: دعوه، فقلت: لك ذلك بعد أن تعلِمني سر حالك، قال: أنا من بلاد الإسكندرية، فقلت: كيف نصرك الصبر وخذلنا؟ فأنشأ يقول: وَيْكَ! لَوْلا الصَّبْرُ مَا كُنْـ ـتُ مَلأْتُ الكِيسَ تِبْرَا لَنْ يَنالَ المَجْدَ منْ ضَا قَ بِما يَغْشاهُ صَدْرا ثُمَّ مَا أَعْقَبَنِي السَّا عَةَ مَا أُعْطِيتُ ضُرَّا بَلْ بِهِ أَشْتَدُّ أَزْرًا وَبِهِ أَجْبُرُ كَسْرَا وَلَوَ انِّي اليَوْمَ في الغَرْ قَى لَمَا كُلِّفْتُ عُذْرَا (١٢٨) المقامة البِشْرِيَّة له حدثنا عيسى بن هشام قال: كان بشر بن عوانة العبدي صعلوكًا، فأغار على ركب فيهم امرأةٌ جميلةٌ، فتزوَّج بها، وقال: ما رأيت كاليوم، فقالت: أَعْجَبَ بِشْرًا حَوَرٌ في عَيْنِي وَسَاعِدٌ أَبْيَضُ كاللُّجَيْنِ وَدُونَهُ مَسْرحُ طَرْفِ العَيْنِ خُمْصَانَةٌ تَرْفُلُ في حِجْلَينِ أَحْسَنُ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلينِ لَوْ ضَمَّ بِشْرٌ بَيْنَهَا وَبَيْني أَدَامَ هَجْرِي وَأَطَالَ بَيْنِي وَلَوْ يَقِيسُ زَيْنَهَا بِزَيْنِي لَأَسْفَرَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ قال بشرٌ: ويحك! مَن عنيت؟ فقالت: بنت عمك فاطمة، فقال: أهي من الحسن بحيث وصفت؟ قالت: وأزيد وأكثر، فأنشأ يقول: وَيْحَكِ يَا ذَاتَ الثَّنَايَا البِيضِ! مَا خِلْتُنِي مِنْكِ بِمُسْتَعيضِ فَالآنَ إِذْ لَوَّحْتِ بِالتَّعْرِيضِ خَلَوْتِ جَوًّا فَاصْفِري وَبِيضِي لا ضُمَّ جَفْنَايَ عَلى تَغْمِيضِ مَا لَمْ أشِلْ عِرْضِي مِنَ الحَضِيضِ فقالت: كَمْ خَاطِبٍ فِي أَمْرِهَا أَلَحَّا وَهْيَ إِليكَ ابنَةُ عَمٍّ لَحَّا ثم أرسل إلى عمه يخطب ابنته، ومنعه العم أمنيَّته، فآلى ألا يُرْعِي على أحدٍ منهم إن لم يزوجه ابنته، ثم كثرت مضرَّاته فيهم، واتصلت مَعَرَّاته إليهم؛ فاجتمع رجال الحي إلى عمه، وقالوا: كُفَّ عنا مجنونك، فقال: لا تُلبسوني عارًا، وأمهلوني حتى أُهلكه ببعض الحيل، فقالوا: أنت وذاك. ثم قال له عمه: إني آليت أن لا أزوِّج ابنتي هذه إلا ممن يسوق إليها ألف ناقة مهرًا، ولا أرضاها إلا من نُوق خزاعة. وغرض العم كان أن يسلك بِشْرٌ الطريق بينه وبين خزاعة فيفترسه الأسد؛ لأن العرب قد كانت تحامت عن ذلك الطريق، وكان فيه أسدٌ يسمى داذًا، وحية تُدعى شُجاعًا، يقول فيهما قائلهم: أَفْتَكُ مِنْ دَاذٍ وَمِنْ شُجَاعٍ إِنْ يَكُ دَاذٌ سَيِّدَ السِّبَاعِ فَإِنَّهَا سَيِّدَة الأفَاعِي ثم إن بشرًا سلك ذلك الطريق، فما نصفه حتى لقي الأسد، وقَمَصَ مهرُه، فنزل وعقره، ثم اخترط سيفه إلى الأسد واعترضه، وقَطَّه، ثم كتب بدم الأسد على قميصه إلى ابنة عمه: أَفَاطِمُ لَوْ شَهِدْتِ بِبَطْنِ خَبْتٍ وَقَدْ لاقى الهِزَبْرُ أَخَاكِ بِشْرَا إِذن لَرَأَيْتِ لَيْثًا زَارَ لَيْثًا هِزَبْرًا أَغْلَبًا لاقى هِزَبْرَا تَبَنْهَسَ حِيْنَ أَحْجَمَ عَنْهُ مُهْرِي مُحَاذَرَةً فَقُلْتُ عُقِرْتَ مُهْرَا أَنِلْ قَدَمَيَّ ظَهْرَ الأَرْضِ إِنِّي رَأَيْتُ الأَرْضَ أَثْبَتَ مِنْكَ ظَهْرَا وَقُلْتُ لَهُ وَقَدْ أَبْدَى نِصالًا مُحَدَّدَةً وَوَجْهًا مُكْفَهِرَّا يُكَفْكِفُ غِيلَةً إِحْدَى يَدَيْهِ وَيَبْسُطُ للْوُثُوبِ عَليَّ أُخْرَى يَدُلُّ بِمِخْلَبٍ وَبِحَدِّ نَابٍ وَبِاللحَظاتِ تَحْسَبُهُنَّ جَمْرَا وَفي يُمْنَايَ مَاضِي الحَدِّ أَبْقَى بِمَضْرِبهِ قِراعُ المْوتِ أُثْرَا أَلَمْ يَبْلُغْكَ مَا فَعَلَتْ ظُباهُ بِكَاظِمَةٍ غَدَاةَ لَقِيتُ عَمْرَا؟ وَقَلْبِي مِثْلُ قَلْبِكَ لَيْسَ يَخْشَى مُصَاوَلةً فَكَيفَ يَخَافُ ذُعْرَا؟ وَأَنْتَ تَرُومُ للأَشْبَالِ قُوتًا وَأَطْلُبُ لابنَةِ الأَعْمامِ مَهْرَا فَفِيمَ تَسُومُ مِثْلي أَنْ يُوَلِّي وَيَجْعَلَ في يَدَيْكَ النَّفْسَ قَسْرَا؟ نَصَحْتُكَ فَالْتَمِسْ يا لَيْثُ غَيْرِي طَعَامًا إِنَّ لَحْمِي كَانَ مُرَّا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّ الغِشَّ نُصْحِى وَخالَفَنِي كَأَنِّي قُلْتُ هُجْرَا مَشَى وَمَشَيْتُ مِنْ أَسَدَيْنَ رَاما مَرَامًا كانَ إِذْ طَلَباهُ وَعْرَا هَزَزْتُ لَهُ الحُسَامَ فَخِلْتُ أَنِّي سَلَلْتُ بِهِ لَدَى الظَّلْماءِ فَجْرَا وَجُدْتُ لَهُ بِجَائِشَةٍ أَرَتْهُ بِأَنْ كَذَبَتْهُ مَا مَنَّتْهُ غَدْرَا وَأَطْلَقْتُ المُهَنَّد مِنْ يَمِيني فَقَدَّ لَهُ مِنَ الأَضْلاعِ عَشْرَا فَخَرَّ مُجَدَّلًا بِدَمٍ كَأنِّي هَدَمْتُ بِهِ بِناءً مُشْمَخِرَّا وَقُلْتُ لَهُ يَعِزُّ عَليَّ أَنِّي قَتَلْتُ مُنَاسِبي جَلَدًا وَفَخْرَا وَلَكِنْ رُمْتَ شَيْئًا لمْ يَرُمْهُ سِوَاكَ فَلمْ أُطِقْ يا لَيْثُ صَبْرَا تُحاوِلُ أَنْ تُعَلِّمنِي فِرَارًا لَعَمْرُ أَبِيكَ! قَدْ حَاوَلْتَ نُكْرَا فَلَا تَجْزَعْ فَقَدْ لاقَيْتَ حُرًّا يُحَاذِرُ أَنْ يُعَابَ فَمُتَّ حُرَّا فلما بلغت الأبيات عمه، ندم على ما منعه تزويجها، وخشي أن تغتاله الحية، فقام في أثره، وبلغه وقد ملكته سَوْرة الحية، فلما رأى عمَّه أخذته حمية الجاهلية، فجعل يده في فم الحية، وحكَّم سيفه فيها، فقال: بِشْرٌ إِلَى المَجْدِ بَعِيدٌ هَمُّهُ لَمَّا رآهُ بِالعَرَاءِ عَمُّهُ قدْ ثَكِلَتْهُ نَفْسُهُ وَأُمُّهُ جَاشَتْ بِهِ جَائِشَةٌ تَهُمُّهُ قَامَ إِلَى ابْنٍ للفَلا يَؤُمُّهُ فَغَابَ فِيهِ يَدُهُ وَكُمُّهُ وَنَفْسُهُ نَفْسِي وَسُمِّي سُمُّهُ فلما قتل الحية، قال عمه: إني عرَّضتك طمعًا في أمر قد ثنى الله عِناني عنه، فارجع لأزوجك ابنتي، فلما رجع جعل بشر يملأ فمه فخرًا، حتى طلع أمرد كشق القمر على فرسه مدججًا في سلاحه، فقال بشرٌ: يا عم، إني أسمع حس صيدٍ، وخرج فإذا بغلام على قيدٍ، فقال: ثكلتك أمك يا بشر! أن قتلت دودة وبهيمة تملأ ماضغَيك فخرًا؟ أنت في أمانٍ إن سلَّمت عمك، فقال بشر: من أنت لا أم لك؟ قال: اليوم الأسود والموت الأحمر، فقال بشر: ثكلتك من سَلَحَتْك! فقال: يا بشر، ومن سلحتك؟ وكرَّ كل واحد منهما على صاحبه، فلم يتمكن بشر منه، وأمكن الغلامَ عشرون طعنةً في كُلْية بشر، كلما مسَّه شبا السِّنان حمَاه عن بدنه إبقاء عليه، ثم قال: يا بشر، كيف ترى؟ أليس لو أردتُ لأطعمتك أنياب الرمح؟ ثم ألقى رمحه واستل سيفه فضرب بشرًا عشرين ضربة بعرض السيف، ولم يتمكن بشر من واحدة، ثم قال: يا بشر، سلِّم عمك واذهب في أمانٍ، قال: نعم، ولكن بشَريطة أن تقول لي من أنت، فقال: أنا ابنك! فقال: يا سبحان الله! ما قاربت عقيلةً قط فأنَّى هذه المنحة؟! فقال: أنا ابن المرأة التي دلَّتك على ابنة عمك، فقال بشر: تِلْكَ العَصَا مِنْ هَذِهِ العُصَيَّةْ هَلْ تَلِدُ الحَيَّةَ إِلَّا الحَيَّةْ؟ وحلف لا ركب حِصانًا، ولا تزوج حَصانًا، ثم زوَّج ابنة عمه لابنه. |
|
07-01-2021 | #36 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١٢٩) آداب الصداقة لابن مسكويه يجب عليك متى حصل لك صديقٌ أن تكثر مراعاته، وتبالغ في تفقده، ولا تستهين باليسير من حقه عند مهم يعرض له أو حادث يحدث به. فأما في أوقات الرخاء، فينبغي أن تلقاه بالوجه الطَّلْق، والخلُق الرحب، وأن تُظهر له في عينك وحركاتك وفي هشاشتك وارتياحك عند مشاهدته إياك ما يزداد به في كل يوم وكل حالٍ ثقةً بمودتك وسكونًا إليك، ويرى السرور في جميع أعضائك التي يظهر السرور فيها إذا لقيك. فإن التَّحفِّي الشديد عند طلعة الصديق لا يخفى، وسرور الشكل بالشكل أمرٌ غير مُشْكل. ثم ينبغي أن تفعل مثل ذلك بمن تعلم أنه يؤْثِره ويحبه من صديق أو ولد أو تابع أو حاشية، وتُثْنى عليهم من غير إسراف يخرج بك إلى المَلَق الذي يمقتك عليه ويظهر لك منك تكلُّف فيه، وإنما يتم لك ذلك إذا تَواخيْت الصدق في كل ما تُثْني به عليه. والزم هذه الطريقة حتى لا يقع منك توانٍ فيها بوجهٍ من الوجوه وفي حال من الأحوال، فإن ذلك يجلب المحبة الخالصة ويُكسب الثقة التامة ويهديك محبَّة الغرباء ومن لا معرفة لك به. وكما أن الحَمام إذا ألِف بيوتنا وآنس لمجالسنا وطاف بها يجلُب لنا أشكاله وأمثاله، فكذلك حال الإنسان إذا عرفَنا واختلط بنا اختلاط الراغب فينا الآنس بنا، بل يزيد على الحيوان الغير الناطق بحسن الوصف وجميل الثناء ونشر المحاسن. واعلم أن مشاركة الصديق في السَّرَّاء إذا كنت فيها وإن كانت واجبةً عليك حتى لا تستأثرها ولا تختص بشيء منها، فإن مشاركته في الضَّرَّاء أوجب وموقعها عنده أعظم. وانظر عند ذلك إن أصابته نكبة أو لحقته مصيبة أو عثر به الدهر كيف تكون مواساتك له بنفسك ومالك، وكيف يظهر له تفقُّدُك ومراعاتك، ولا تنتظرنَّ به أن يسألك تصريحًا أو تعريضًا، بل اطَّلعْ على قلبه واسبِق إلى ما في نفسه وشاركه في مَضَض ما لحقه ليخفَّ عنه. وإن بلغت مرتبةً من السلطان والغنى فاغمس إخوانك فيها من غير امتنان ولا تطاول. وإن رأيت من بعضهم نُبُوًّا عنك أو نقصانًا مما عهدته فداخِلْه زيادة مُداخلة واختلط به واجتذبه إليك، فإنك إن أنِفْت من ذلك أو تَدَاخَلك شيء من الكبر والصلف عليهم انتقض حبل المودة وانتكثت قوته، ومع ذلك فلست تأمن أن يزولوا عنك فتستحي منهم وتضطر إلى قطيعتهم حتى لا تنظر إليهم. ثم حافظ على هذه الشروط بالمداومة عليها لتبقى المودة على حال واحدة. وليس هذا الشرط خاصًّا بالمودة بل هو مُطَّرد في كل ما يَخُصَّك، أعني أن مركوبك وملبوسك ومنزلك متى لم تراعها مراعاةً متصلةً فَسَدَت وانتقضت. فإذا كانت صورة حائطك وسطوحك كذلك ومتى غفلت أو توانيت لم تأمن تقوُّضَه وتهدُّمه، فكيف ترى أن تجفو من ترجوه لكل خير وتنتظر مشاركته في السراء والضراء؟ ومع ذلك فإن ضرر تلك يختص بك بمنفعةٍ واحدةٍ، وأما صديقك فوجوه الضرر التي تدخل عليك بجفائه وانتقاض مودته كثيرةٌ عظيمة، ذلك أنه ينقلب عدوًّا وتتحول منافعه مضارًّا، فلا تأمن غوائله وعداوته مع عدمك الرغائب والمنافع به، وينقطع رجاؤك فيما لا تجد له خلفًا ولا تستفيد عنه عوضًا ولا يسد مسده شيء، وإذا راعيت شروطه وحافظت عليها بالمداومة أمِنْت جميع ذلك. ثم احذر المِراء معه خاصة وإن كان واجبًا أن تحذره مع كل أحد، فإن مُماراة الصديق تقتلع المودة من أصلها؛ لأنها سبب الاختلاف، والاختلاف سبب التباين الذي هربنا منه إلى ضده وقبَّحْنا أثره واخترنا عليه الألفة التي طلبناها وأثنَيْنا عليها، وقلنا إن الله — عز وجل — دعا إليها بالشريعة القويمة. وإني لأعرف من يؤْثِر المراء ويزعم أنه يقدح خاطره ويشحذ ذهنه ويثير شكوكه، فهو يتعمَّد في المحافِل التي تجمع رؤساء أهل النظر ومُتعاطي العلوم مماراة صديقه ويخرج في كلامه معه إلى ألفاظ الجهَّال من العامة وسُقَّاطِهم؛ ليزيد في خجل صديقه، وليُظهر تَبَلُّجَه. وليس يفعل ذلك عند خلوته به ومذاكرته له، وإنما يفعله حين يظن به أنه أدق نظرًا أو أحضر حجة وأغزر علمًا وأحدُّ قريحة. فما كنت أشبِّهه إلا بأهل البغي وجبابرة أصحاب الأموال والمشبَّهين بهم من أهل البدع، فإن هؤلاء يستحقر بعضُهم بعضًا، ولا يزال يُصغِّر بصاحبه ويزدري على مروءته ويتطلَّب عيوبه ويتتَبَّع عثراته، ويبالغ كلُّ واحدٍ فيما يقدر عليه من إساءة صاحبه، حتى يؤدي بهم الحال إلى العداوة التامة التي يكون معها السِّعاية وإزالة النعم، وتُجاوز ذلك إلى سفك الدم وأنواع الشرور. فكيف يثبُت مع المراء محبةٌ ويُرجَى به ألفة؟ ثم احذر في صديقك إن كنت متحققًا بعلم أو متحليًا بأدب أن تبخل عليه بذلك الفن أو يرى فيك أنك تُحب الاستبداد دونه والاستئثار عليه، فإن أهل العلم لا يرى بعضهم في بعض ما يراه أهل الدنيا بينهم، ذلك أن متاع الدنيا قليل، فإذا تزاحم عليه قومٌ ثَلَم بعضهم حال بعض ونَقَص حظ كل واحدٍ من حظ الآخر. وأما العلم فإنه بالضد، وليس أحد ينقص منه ما يأخذه غيره، بل يزكو على النفقة، ويربو مع الصداقة، ويزيد على الإنفاق وكثرة الخَرْج، فإذا بخل صاحب علم بعلمه فإنما ذلك لأحوالٍ فيه كلها قبيحة، وهي أنه إما أن يكون قليل البضاعة منه، فهو يخاف أن يفْنَى ما عنده أو يرِد عليه ما لا يعرفه فيزول تَشَرُّفه عند الجُهَّال، وإما أن يكون مكتسِبًا به فهو يخشى أن يضيق مكسبُه به وينقص حظه منه، وإما أن يكون حسودًا، والحسود بعيدٌ من كل فضيلة، لا يَوَدُّه أحدٌ. وإني لأعرف من لا يرضى بأن يبخل بعلم نفسه حتى يبخل بعلم غيره، ويكثر عتْبَه وسخطه على من لا يُفيد غيره من التلاميذ المستحقين لفائدة العلم. وكثيرًا ما يتوصل البعض إلى أخذ الكتب من أصحابها ثم منعِهم منها، وهذا خلق لا تبقى معه مودة بل يجلب إلى صاحبه عداوات لا يحسبها ويقطع أطماع أصدقائه من صداقته. ثم احذر أن تنبسط بأصحابك ومن يخلو بك من أتباعك وتحمل أحدًا منهم على ذكر شيء في نفسه، ولا تُرخِّص في عيب شيء يتصل به فضلًا عن عيبه، ولا يطمعنَّ أحدٌ في ذلك من أولِي أنسابك والمتصلين بك، لا جِدًّا ولا هَزْلًا، وكيف تحتمل ذلك فيه وأنت عينه وقلبه وخليفته على الناس كلهم بل أنت هو، فإنه إن بلغه شيء مما حذرتك منه لم يَشُك أن ذلك كان عن رأيك وهواك، فينقلب عدوًّا وينفر عنك نفور الضد. فإن عرفت منه أنت عيبًا فوافقه عليه موافقةً لطيفة ليس فيها غلظة، فإن الطبيب الرفيق ربما بلغ بالدواء اللطيف ما يبلغه غيره بالشق والقطع والكي، بل ربما توصَّل بالغذاء إلى الشفاء واكتفى به عن المعالجة بالدواء. ولست أحب أن تُغضي عما تعرفه في صديقك وأن تترك موافقته عليه بهذا الضرب من الموافقة، فإن ذلك خيانة منك ومسامحة فيما يعود ضرره عليه. ثم احذر النميمة وسماعها، وذلك أن الأشرار يدخلون بين الأخيار في صورة النصحاء، فيوهمونهم النصيحة، وينقلون إليهم في عُرْض الأحاديث اللذيذة أخبار أصدقائهم محرَّفة مموَّهة حتى إذا تجاسروا عليهم بالحديث المُخْتَلَق يُصَرِّحون لهم بما يفسد موداتهم ويشوه وجوه أصدقائهم إلى أن يُبغِض بعضهم بعضًا. وللقدماء في هذه المعنى كتبٌ مؤلفة يحذِّرون فيها من النميمة، ويشبهون صورة النمام بمن يحك بأظافيره أصول البنيان القوية حتى يؤثر فيها ثم لا يزال يزيد ويُمعن حتى يُدْخل فيها المِعْول فيقلَعه من أصله، ويضربون له الأمثال الكثيرة المشبَّهة بحديث الثور مع الأسد في كتاب كليلة ودمنة. ونحن نكتفي بهذا القدر من الإيماء لئلا نخرج عما بنينا عليه مذهبنا من الإيجاز في الشرح، ولست أترك مع الإيجاز والاختصار تعظيم هذا الباب وتكريره عليك، لتعلم أن القدماء إنما ألَّفوا فيه الكتب وضربوا له الأمثال وأكثروا فيه من الوصايا؛ لما وراءَه من النفع العظيم عند السامعين من الأخيار، ولما خافوه من الضَّرر الكثير على من يستهين به من الأغْمار، وليُعلم المثل المضروب في السِّباع القوية إذا دخل عليها الثعلب الرَّوَّاغ على ضعفه أهلكها ودمرها، وفي الملوك الحُصَفاء يدخل بينهم أهل النميمة في صورة الناصحين حتى يفسدوا نيتهم على وزرائهم المبالغين في نصيحتهم المجتهدين في تثبيت ملكهم إلى أن يغضبوا عليهم، ويصرفوا بها عيونهم عنهم، ويصيروا من محبَّتهم وإيثارهم على آبائهم وأولادهم إلى أن لا يملئوا عيونهم منهم، وإلى أن يبطشوا بهم قتلًا وتعذيبًا وهم غير مذْنِبين ولا مُجْترمين ولا مستحقين إلا الكرامة والإحسان، فإذا بلغ بهم من الإفساد والإضرار ما بلغوه من هؤلاء، فبالأحرى أن يبلغوه منا إذا لم يجدوه في أصدقائنا الذين اخترناهم على الأيام، وادخرناهم للشدائد، وأحللناهم محل أرواحنا، وزدناهم تفضلًا وإكرامًا. ويتبين لك من جميع ما قدمناه أن الصداقة وأصناف المَحبَّات، التي تتم بها سعادة الإنسان من حيث هو مدنيٌّ بالطبع، إنما اختلفت ودخل فيها ضروب الفساد وزال عنها معنى التأخِّي، وعرض لها الانتشار حتى احتجنا إلى حفظها والتعب الكثير بنظامها من أجل النقائص الكثيرة التي فينا وحاجتنا إلى إتمامها مع الحوادث التي تعرض لنا من الكون والفساد. فإن الفضائل الخِلْقية إنما وضعت لأجل المعاملات والمعاشرات التي لا يتم الوجود الإنساني إلا بها، ذلك أن العدل إنما احتِيج إليه لتصحيح المعاملات، وليزول به معنى الجور الذي هو رذيلة عند المتعاملين، وإنما وُضعت العفة فضيلة لأجل اللذات الرديئة التي تجني الخيانات الفظيعة على النفس والبدن، وكذلك الشجاعة وُضعت فضيلةً من أجل الأمور الهائلة التي يجب أن يُقدِم الإنسان عليها في بعض الأوقات ولا يهرب منها، وعلى هذا جميع الأخلاق المرضية التي وصفناها وحضَضْنا على اقتنائها. وأيضا فإن جميع هذه الفضائل تحتاج إلى أسباب خارجة من الأموال واكتسابها من وجوهها، ليمكنه أن يفعل بها فعل الأحرار، والعادل يحتاج إلى مثل ذلك ليجازي من عاشره بجميل ويكافئ من عامله بإحسانٍ، وجميعها لا تقوم إلا بالأبدان والأنفس وما هو خارجٌ عنها، على حسب تقسيمنا السعادات فيما مضى، وكلما كانت الحاجات كثيرة احتيج إلى المواد الخارجة عنَّا أكثر، فهذه حالة السعادات الإنسانية التي لا تتم لنا إلا بالأفعال البدنية والأحوال المدنية وبالأعوان الصالحين والأصدقاء المخلصين، وهي كما تراها كثيرة، والتعب بها عظيم، ومن قصَّر فيها قصَّرت به السعادة الخاصة به، ولذلك صار الكسل ومحبة الراحة من أعظم الرذائل، لأنهما يَحُولان بين المرء وبين جميع الخيرات والفضائل، ويسْلُخان الإنسان من الإنسانية، ولذلك ذممنا المتوسِّمين بالزهد إذا تفرَّدوا عن الناس، وسكنوا الجبال والمفازات، واختاروا التوحُّش الذي هو ضد المدنية؛ لأنهم ينسلخون عن جميع الفضائل الخلقية التي عددناها كلها، وكيف يعِفُّ ويعدل ويسخو ويشْجُع من فارق الناس وتفرَّد عنهم وعَدِم الفضائل الخِلْقية؟ وهل هو إلا بمنزلة الجماد والميت؟ وأما محبة الحكمة والانصراف إلى التصور العقلي واستعمال الآراء الإلهية، فإنها خاصة بالجزء الإلهي من الناس، وليس يعرض لها شيء من الآفات التي تعرض للمحبَّات الأُخَر الخِلقية وضروب الفساد، ولذلك قلنا إنها لا تقبل النميمة ولا نوعًا من أنواع الشرور لأنها الخير المحض، وسببها الخير الأول الذي لا تشوبه مادة ولا تلحقه الشرور التي في المادة، وما دام الإنسان يستعمل الأخلاق والفضائل الإنسانية فإنها تعوقه عن هذا الخير الأول وهذه السعادة الإلهية، ولكن ليس يتم له إلا بتلك، ومن أضل تلك الفضائل بنفسه ثم اشتغل عنها بالفضيلة الإلهية فقد اشتغل بذاته حقًّا ونجا من مجاهدات الطبيعة وآلامها ومن مجاهدات النفس وقُوَاها، وصار مع الأرواح الطيبة واختلط بالملائكة المقربين، فإذا انتقل من وجوده الأول إلى وجوده الثاني حصل في النعيم الأبَدي والسرور السرمدي. |
|
07-01-2021 | #37 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١٣٠) وقال ابن حَمْديس الأندلسي في وصف بِرْكة عليها أشجار من ذهب وفضة وعلى حافاتها أسود قاذفة بالمياه وَضَرَاغِم سَكَنَتْ عَرِينَ رَآسةٍ تَرَكَتْ خَرِيرَ المَاءِ فِيهِ زَئِيرَا فَكَأَنَّمَا غَشَّى النُّضَارُ جُسُومَهَا وَأَذَابَ فِي أَفْوَاهِها البُلُّورَا أُسْدٌ كَأَنَّ سُكُونَهَا مُتَحَرِّكٌ فِي النَّفْسِ لَوْ وَجَدَتْ هُنَاكَ مُثِيرَا وَتَذَكَّرَتْ فَتَكاتِها فَكَأَنَّمَا أَقْعَتْ عَلَى أَدْبَارِهَا لِتَثُورَا وَتَخَالُهَا وَالشَّمْسُ تَجْلُو لَوْنَهَا نَارًا وَأَلْسُنَهَا اللَّوَاحِسَ نُورَا فَكَأَنَّمَا سَلَّتْ سُيُوفَ جَدَاوِلٍ ذَابَتْ بِلَا نَارٍ فَعُدْنَ غَدِيرَا وَكَأَنَّمَا نَسَجَ النَّسِيمُ لِمَائِهِ دِرْعًا فَقَدَّرَ سَرْدَهَا تَقْدِيرَا وَبَدِيعة الثَّمَرَاتِ تَعْبُرُ نَحْوَهَا عَيْنَايَ بَحْرَ عَجَائِبٍ مَسْجُورَا شَجَرِيَّة ذَهَبِيَّة نَزَعَتْ إلى سِحْر يُؤَثِّرُ في النُّهَى تَأْثِيرَا قَدْ سُرِّجَتْ أَغْصَانها فَكَأَنَّمَا قَبضتْ بِهِنَّ مِنَ الفَضَاءِ طُيُورَا وَكَأَنَّمَا تَأْبَى لِوَقْع طَيْرهَا أَنْ تَسْتَقِل بِنَهْضِهَا وَتَطِيرَا مِنْ كُلِّ وَاقِعَةٍ تَرَى مِنْقَارَهَا مَاءً كَسَلْسَالِ اللُّجَيْنِ نَمِيرَا خُرْسٌ تُعَدُّ مِنَ الفِصَاحِ فَإنْ شَدَتْ جَعَلَتْ تُغَرِّدُ بِالمَياهِ صَفِيرَا وَكَأَنمَا فِي كُلِّ غُصْنٍ فِضَّةٌ لَانَتْ فَأُرْسِلَ خَيْطُهَا مَجْرُورَا وَتُرِيكَ فِي الصِّهْريج مَوْقعَ قَطْرِهَا فَوْقَ الزَّبَرْجَدِ لُؤْلؤًا مَنْثُورَا ضَحِكَتْ مَحَاسِنُهُ إلَيكَ كَأَنمَا جُعِلَتْ لَهَا زُهْرُ النُّجُومِ ثُغُورَا وَمُصَفَّحِ الأبْوَابِ تِبْرًا نَظَّرُوا بِالنَّقْشِ فَوْق شُكُولِهِ تَنْظِيرَا وَإذَا نَظَرْتَ إلى غَرَائِبِ سَقْفِهِ أَبْصَرْتَ رَوْضًا في السَّمَاءِ نَضِيرَا وَضَعَتْ بِهِ صُنَّاعُهَا أَقْلَامَهَا فَأَرَتْكَ كُلَّ طَرِيدَةٍ تَصْوِيرَا وَكَأَنمَا للشَّمْسِ فِيهِ لِيقَةٌ مَشَقُوا بِهَا التَّزْوِيقَ وَالتَّشْجِيرَا وَكَأَنمَا اللَّازْوَرْدُ فيه مُخَزِّمٌ بِالخَطِّ في وَرَقِ السَّمَاءِ سُطُورَا (١٣١) مرثية أبي الحسن الأَنْباري للوزير أبي طاهر لما استعرت الحرب بين عز الدولة بن بويه وابن عمه عضد الدولة، ظفر عضد الدولة بوزير عز الدولة أبي طاهر محمد بن بقيَّة، فسلَّمه وشهَّره وعلى رأسه بُرْنُس ثم طرحه للفِيَلة فقتلته ثم صلبه عند داره بباب الطاق، وعمره نيِّف وخمسون سنة، ولما صُلب رثاه أبو الحسن محمد بن عمران يعقوب الأنباري أحد العُدول ببغداد بهذه القصيدة الغرَّاء، فلما وقف عليها عضد الدولة قال: وددت لو أني المصلوب وتكون هذه القصيدة فيَّ! عُلُوٌّ فِي الحَيَاةِ وَفِي الممَاتِ لَحَقٌّ تلك إِحْدَى المعجزاتِ كَأَنَّ النَّاسَ حَوْلَكَ حِينَ قَامُوا وُفُودُ نَدَاك أَيَّامَ الصِّلاتِ كَأنَّك قائمٌ فيهم خطيبًا وكلُّهُمُ قيامٌ للصَّلاةِ مَدَدْتَ يَدَيْكَ نَحْوَهُمُ احتِفَاءً كَمَدِّهِما إليهم بِالهِباتِ وَلَمَّا ضَاقَ بَطْنُ الأَرْضِ عَنْ أَنْ يَضُمَّ عُلاكَ من بعد الوَفَاةِ أَصَارُوا الجَوَّ قَبْرَكَ وَاسْتَعاضُوا عَنِ الأَكْفَانِ ثَوْبَ السَّافِيَاتِ لعُظْمِكَ فِي النُّفُوسِ بقيتَ تُرْعَى بِحُرَّاسٍ وَحُفَّاظٍ ثِقَات وَتُوقَد حَوْلَكَ النِّيرانُ ليلًا كَذلِكَ كنتَ أَيَّامَ الحَياةِ رَكِبتَ مطيَّةً مِنْ قبلُ زَيْدٌ عَلاهَا فِي السِّنين المَاضِياتِ وَتِلْكَ قَضِيَّةٌ فِيهَا تَأَسٍّ تُبَاعِدُ عنك تعيير العدَاةِ وَلَمْ أَرَ قَبْلَ جذْعِكَ قَطُّ جِذْعًا تَمَكَّنَ مِنْ عِنَاقِ المَكْرُمَاتِ أَسَأْتَ إِلى النَّوَائِبِ فَاسْتَثَارَتْ فَأَنْتَ قَتِيلُ ثَارِ النَّائِبَاتِ وكنتَ تُجير مِن صَرْف اللَّيالي فصار مُطالبًا لك بالتِّرات وَصَيَّر دهرُكَ الإِحْسَانَ فِيهِ إلينا من عَظِيمِ السَّيئاتِ وكنتَ لمعشر سعدًا فلمَّا مَضَيْتَ تَفَرَّقُوا بِالمُنحِسَاتِ غَلِيلٌ بَاطِنٌ لَكَ فِي فُؤَادِي يُخَفَّفُ بِالدُّموعِ الجَارِياتِ ولو أَنِّي قَدَرْتُ على قِيامٍ بِفَرْضِكَ والحُقُوق الوَاجِبَاتِ مَلأتُ الأَرْضَ من نظمِ القَوَافي ونُحْتُ بِهَا خلافَ النَّائِحَاتِ ولكنِّي أُصَبِّرُ عنك نفسي مَخَافَةَ أَنْ أُعَدَّ مِنَ الجُنَاةِ وَمَا لكَ تُرْبَةٌ فَأَقُولُ تُسْقَى لأَنَّكَ نَصْبُ هَطْلِ الهَاطِلاتِ عليك تَحِيَّة الرَّحمن تَتْرى بِرَحْمَاتٍ غَوَادٍ رَائِحَاتٍ |
|
07-01-2021 | #38 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١٣٢) وقال محمد بن زُرَيق البغدادي وكان قَصَد الأندلس في طلب الغِنى فلم يرجع لبغداد رحمة الله عليه لَا تَعْذُلِيهِ فَإِنَّ العَذْلَ يُولِعُهُ قَدْ قُلْتِ حَقًّا وَلَكِنْ لَيْسَ يَسْمَعُهُ جَاوَزْتِ فِي لَوْمِهِ حَدًّا أَضَرَّ بِهِ مِنْ حَيْث قَدَّرْتِ أَنَّ اللَّوْمَ يَنْفَعُهُ فَاسْتَعْمِلِي الرِّفْقَ فِي تَأْنيبِهِ بَدَلًا مِنْ عُنْفِهِ فَهْوَ مُضْنَى القَلْبِ مُوْجَعُهُ قَدْ كَانَ مُضطَلِعًا بِالخَطْبِ يَحْمِلُهُ فَضُيِّقَتْ بِخُطُوبِ البَيْنِ أَضْلُعُهُ يَكْفِيهِ مِنْ لَوْعَةِ التَّفْنِيدِ أَنَّ لَهُ مِنَ النَّوَى كُلَّ يَومٍ مَا يُروِّعُهُ مَا آبَ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا وَأَزْعَجَهُ رَأْيٌ إِلى سَفَرٍ بِالعَزْمِ يَجْمَعُهُ كَأَنَّما هُوَ مِن حَلٍّ وَمُرْتَحَلٍ مُوَكَّلٌ بِفَضَاءِ الأرْضِ يَذْرَعُهُ إذَا الزَّمَاعُ أَرَاهُ في الرَّحِيلِ غِنًى وَلَو إِلى السِّنْدِ أَضْحَى وَهْوَ يُزمِعُهُ تَأْبَى المَطَامِعُ إلَّا أن تُجَشِّمَهُ للرزق كدًّا وكم ممن يُودِّعُهُ وَما مُجاهَدَةُ الإِنْسَانِ توصِلُهُ رزقًا وَلا دَعَةُ الإِنسانِ تَقْطَعُهُ واللهُ قَسَّمَ بَينَ الخَلْقِ رزقَهُمُ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ مَخْلوقًا يُضَيِّعُهُ لَكِنَّهُم مُلِئُوا حِرصًا فلَسْتَ تَرَى مُسْتَرْزِقًا وَسوى الغَايَاتِ يُقْنِعُهُ والسَّعْيُ في الرِّزْقِ وَالْأَرزاقُ قَد قُسِمَتْ بَغْيٌ ألا إِنَّ بَغْيَ المَرْءِ يَصْرَعُهُ وَالدَّهْرُ يُعْطِي الفَتى ما ليس يطلبُهُ يَوْمًا وَيَمنَعُهُ مِن حَيثُ يُطمِعُهُ أستَودِعُ اللَّهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَرًا بِالكَرْخِ مِن فَلَكِ الأَزْرارِ مَطْلَعُهُ وَدَّعْتُهُ وَبِودِّي لَو يُوَدِّعُنِي صَفْوُ الحَياةِ وَأَنِّي لا أُودِّعُهُ وَكَمْ تَشَفَّع أنِّي لا أُفارِقهُ وللضَّرُورَاتِ حالٌ لا تُشَفِّعُهُ وَكَمْ تَشَبَّثَ بي يَومَ الرَّحيلِ ضُحًى وَأَدْمُعِي مُسْتَهِلَّاتٍ وَأَدْمُعُهُ لَا أُكْذِبُ اللَّهَ ثَوْبُ العُذْرِ مُنْخَرقٌ عَنِّي بِفُرْقَتِهِ لَكِنْ أَرَقِّعُهُ إنِّى أُوَسِّعُ عُذْرِي فِي جِنَايَتِهِ بالبينِ عنهُ وَقَلْبِي لا يُوَسِّعُهُ أُعْطِيتُ مُلكًا فَلَمْ أُحْسِنْ سِياسَتَهُ كَذَاكَ مَن لا يَسُوسُ المُلْك يُخْلَعُهُ وَمَن غَدا لابِسًا ثَوبَ النَّعِيم بِلا شُكْرِ الإله فَعَنْهُ اللهُ يَنزَعُهُ اعْتَضْتُ عن وَجهِ خِلِّي بَعدَ فُرقَتِهِ كَأسًا أُجَرَّعُ مِنها ما أُجَرَّعُهُ كَمْ قائِلٍ لِيَ ذَنْبُ البَينِ قُلتُ لَهُ الذَّنْبُ وَاللهِ ذَنْبي لَسْتُ أَدْفَعُهُ هَلَّا أَقمْتَ فَكانَ الرُّشْدُ أَجمعُهُ لَو أَنَّنِي يَوْمَ بانَ الرُّشْدُ أتْبَعُهُ إِنِّي لَأَقْطَعُ أيَّامِي وَأُنْفِدُها بِحَسْرَةٍ مِنْهُ فِي قَلْبِي تُقَطِّعُهُ بِمَنْ إِذا هَجَعَ النُّوَّامُ بِتُّ لَهُ بِلَوعَةٍ مِنْهُ لَيلي لَسْتُ أَهْجَعُهُ لا يَطْمِئنُّ لِجَنْبي مَضْجَعٌ وَكَذا لا يَطْمَئِنُّ لَهُ مُذْ بِنْتُ مَضْجَعُهُ ما كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ الدَّهْرَ يَفْجَعُنِي بِهِ وَلا أَنَّ بِيَ الأَيَّامُ تَفْجعُهُ حَتَّى جَرى الدَّهر فِيما بَيْنَنا بِيَدٍ عَسْراءَ تَمنَعُنِي حَظِّي وَتَمنَعُهُ باللهِ يَا منزل القَصْفِ الذي دَرَسَتْ آثَارُهُ وعَفَتْ مُذْ غِبْتُ أَرْبُعُهُ هَلِ الزَّمانُ مُعِيدٌ فيك لذَّتَنَا أمِ الليَالِي التي أمْضَتْهُ تُرْجِعُهُ؟ فِي ذِمَّةِ اللهِ مَنْ أَصبَحتَ مَنْزلَهُ وَجادَ غَيْثٌ عَلى مَغْداكَ يُمرِعُهُ مَنْ عِنْدَهُ لِيَ عَهْدٌ لا يُضيِّعُهُ كَمَا لَهُ عَهْدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ وَمَنْ يُصَدِّعُ قَلبي ذِكْرُهُ وَإِذا جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ لَأَصْبِرَنَّ لِدَهْرٍ لا يُمَتِّعُنِي بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ عِلْمًا بِأَنَّ اصْطِباري مُعْقِبٌ فَرَجًا وأَضيَقُ الأَمْرِ إِنْ فَكَّرْتَ أَوْسَعُهُ عَلَّ اللَّيالي التي أَضْنَت بِفُرْقَتنا جِسْمي سَتَجْمَعُنِي يَومًا وَتَجمَعُهُ وَإِن تَنَل أَحَدًا مِنَّا مَنيَّتُهُ فَما الذي بِقَضَاءِ اللَّهِ يَصْنَعُهُ؟ (١٣٣) قال أبو العلاء المعري يفتخر ألَا فِي سَبِيلِ المَجْدِ مَا أنَا فَاعِلُ عَفَافٌ وإقْدَامٌ وحَزْمٌ ونَائِلُ أعِنْدِي وَقَدْ مَارَسْتُ كُلَّ خَفِيَّةٍ يُصَدَّقُ وَاشٍ أو يُخَيَّبُ سَائِلُ؟ تُعَدُّ ذُنُوبي عِنْدَ قَوْمٍ كَثِيرَةً ولا ذَنْبَ لي إلَّا العُلا والفَضَائلُ كَأنِّي إذَا طُلْتُ الزَّمانَ وأهْلَهُ رَجَعْتُ وعِنْدي للأنامِ طَوائلُ وَقَدْ سَارَ ذكْري في البلادِ فمَن لهمْ بإِخفاءِ شَمْسٍ ضَوْءُها مُتَكَاملُ؟ يُهِمُّ الليالي بعضُ ما أنا مُضْمِرٌ ويُثْقِلُ رَضْوَى دونَ ما أنا حامِلُ وإنِّي وإنْ كنتُ الأخيرَ زمانُهُ لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائلُ وأغدو ولو أنَّ الصَّباحَ صوارِمٌ وأَسْرِي ولو أنَّ الظَّلامَ جَحافلُ وإني جَوادٌ لم يُحَلَّ لِجامُهُ ونَصْلُ يَمانٍ أغْفَلَتْهُ الصَّيَاقلُ فإنْ كان في لُبْسِ الفتى شرَفٌ له فما السَّيفُ إلَّا غِمْدُه والحمائلُ ولي مَنطقٌ لم يَرْضَ لي كُنْهَ مَنزلي على أنَّني بين السِّمَاكينِ نازِلُ لَدَى مَوْطِنٍ يَشْتَاقُه كلُّ سيدٍ ويَقْصُرُ عنْ إدراكه المُتناوِلُ ولمَّا رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشيًا تجاهلْتُ حتى ظُنَّ أنِّيَ جاهلُ فواعَجَبا كم يدَّعي الفضْل ناقصٌ! وواأسَفا كم يُظْهِرُ النَّقصَ فاضلُ! وكيف تَنامُ الطيرُ في وُكُناتِها وقد نُصِبَتْ للفَرْقَدَيْنِ الحَبائلُ يُنافسُ يوْمي فيَّ أمْسي تَشرُّفًا وتَحسُدُ أسْحاري عليَّ الأصائلُ وطال اعتِرافي بالزمانِ وصَرفِه فلَستُ أُبالي مَنْ تَغُولُ الغَوائلُ فلو بانَ عَضْدي ما تأسَّفَ مَنْكِبي ولو ماتَ زَنْدي ما بَكَتْه الأناملُ إذا وَصَفَ الطَّائيَّ بالبُخْلِ مادِرٌ وعَيَّرَ قُسًّا بالفَهاهةِ باقِلُ وقال السُّهى للشمس أنْتِ ضَئِيلةٌ وقال الدُّجى للصُّبْحُ لونُكَ حائلُ وطاوَلَتِ الأرضُ السماءَ سَفاهَةً وفاخَرَتِ الشُّهْبُ الحَصَى والجَنادلُ فيا موْتُ زُرْ إنَّ الحياةَ ذَميمَةٌ ويا نَفْسُ جِدِّي إنَّ دهرَكِ هازِلُ |
|
07-01-2021 | #39 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١٣٤) ومن شعر أبي الحسن التِّهامي قصيدته الفريدة البالغة في بابها غاية لم يبلغها سواها التي يرثي في أولها صغيرًا له أجاب داعي ربه ويفتخر في آخرها بفضله ويشكو زمانه وحاسديه، وهي هذه: حُكْمُ المَنِيَّةِ في البَرِّيَّةِ جارِ مَا هَذِهِ الدنيا بِدار قَرارِ بَيْنا يُرى الإِنسانُ فيها مُخْبِرًا حَتَى يُرَى خَبَرًا مِنَ الأَخبارِ طُبِعَتْ عَلى كدرٍ وَأَنْتَ تُريدُها صَفْوًا مِنَ الأَقذارِ وَالأَكدارِ وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها مُتَطَلِّبٌ في المَاءِ جَذْوَةَ نَارِ وَإِذَا رَجَوْتَ المُستَحيل فَإِنَّما تَبْني الرَّجَاءَ عَلى شَفيرٍ هَارِ فَالعَيْشُ نَوْمٌ وَالمَنِيَّةُ يَقْظَةٌ وَالمَرْءُ بَيْنَهُما خَيْالٌ سَارِ فاقْضُوا مَآرِبَكُمْ عِجَالًا إِنَّما أَعْمَارُكُم سفرٌ مِنَ الأَسْفَارِ وَتَرَاكَضُوا خَيلَ الشباب وَبَادِرُوا أنْ تُسْتَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ عَوَارِ فالدَّهْر يَخْدَع بِالمُنَى وَيُغِصُّ إِنْ هَنَّا وَيَهْدِمُ ما بَنى بِبوارِ لَيْسَ الزَّمانُ وَإِنْ حَرَصْتَ مُسَالِمًا خُلُقُ الزَّمَانِ عَداوَةُ الْأَحرارِ إِنِّي وُتِرْتُ بِصارِمٍ ذي رَوْنَقٍ أَعْدَدْتُهُ لِطِلابَة الأَوتارِ وَالنفسُ إِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ أَو أَبَتْ مُنْقادة بِأَزِمَّة الأَقدارِ أثْني عَلَيهِ بِأثْرِهِ وَلَوَ انَّهُ لَم يُعْتَبطْ أَثنَيتُ بِالآثارِ يا كَوكَبًا مَا كَانَ أَقْصَرَ عُمْرَهُ وَكَذاكَ عُمْرُ كَواكِبِ الأَسْحارِ وَهلالَ أَيَّامٍ مَضى لَم يَسْتَدِرْ بَدرًا وَلَم يُمْهَل لِوَقت سِرارِ عَجِل الخُسوف عَلَيهِ قَبلَ أَوانِهِ فَمَحاهُ قَبْلَ مَظِنَّة الإِبدارِ واسْتُلَّ مِن أَتْرابِهِ وَلِدَاتِهِ كَالمُقْلَةِ اسْتُلَّتْ مِنَ الأَشْفارِ فَكَأَنَّ قَلبي قَبْرُه وَكَأَنَّهُ في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ إِنْ يُعْتَبَطْ صِغَرًا فَرُبَّ مُقَمِّمٍ يَبْدو ضَئيل الشخصِ لِلنُّظَّارِ إِنَّ الكَواكِب في عُلُوِّ مَحَلِّهَا لَتُرى صِغارًا وَهيَ غَيرُ صِغارِ ولدُ المُعَزَّى بَعضُه فَإِذا مَضى بَعضُ الفتى فَالكُلُّ في الآثارِ أَبْكيهِ ثُمَّ أَقولُ مُعتَذِرًا لَهُ وُفِّقْتَ حينَ تَرَكْتَ ألْأمَ دارِ جاوَرْتُ أَعدائي وَجاوَرَ رَبَّهُ شَتَّان بَيْنَ جِوارِهِ وَجِواري أَشكو بُعادَك لي وَأَنتَ بَمَوْضِعٍ لولا الرَّدى لَسَمِعْتَ فيهِ مَزَاري وَالشرقُ نَحْوَ الغَرْبِ أَقرَبُ شُقَّةً مِن بُعدِ تِلكَ الخَمسَةِ الأَشبارِ هَيهاتَ قَد عَلِقَتْكَ أَسبابُ الردى واغتالَ عُمرَكَ قاطع الأَعمارِ وَلَقَد جَرَيْتَ كَما جريْتُ لِغايَةٍ فبُلِّغْتَها وَأَبوكَ في المِضمارِ فَإِذا نَطَقتُ فَأَنْت أَوَّلُ مَنْطِقي وَإِذا سكتُّ فَأَنْتَ في إِضماري أخفِي مِنَ البُرَحاء نارًا مِثلَ ما يُخفِي مِنَ النارِ الزنادُ الواري وَأُخَفِّضُ الزفرات وَهْيَ صَواعِدٌ وَأُكَفكِفُ العَبَرات وَهْيَ جَوار وَشِهابُ نارِ الحُزْنِ إِنْ طاوَعْتُهُ أوْرَى وَإِن عاصَيْتُهُ مُتَواري وَأَكُفُّ نيرانَ الأَسى وَلَرُبَّما غُلِب التَصَبُّرُ فارْتَمَتْ بِشَرارِ ثَوبُ الرياءِ يَشِفُّ عَمَّا تَحتَهُ وَإِذا التَحَفْتَ بِهِ فَإِنَّكَ عارِ قَصُرَت جُفوني أَم تَباعَد بَيْنها أَم صُوِّرتْ عَيني بِلا أَشفارِ جَفَتِ الكَرى حَتى كَأَنَّ غِرارَه عِندَ اغتماضِ العَيْن وَخْزُ غِرارِ وَلَو استَزارَتْ وقدةً لَطَحَا بِها ما بَينَ أَجفاني من التَّيَّارِ أُحيي الليالي التَّمَّ وَهيَ تُميتُني وَيُميتُهُنَّ تبلُّج الأَسحارِ حَتَّى رَأَيتُ الصُّبحَ تَهتِك كفُّه بِالضوْءِ رَفرَفَ خيْمَةٍ كالقارِ وَالصُّبْحُ قَد غَمَرَ النجوم كَأَنَّهُ سَيْلٌ طَغَى فَطَفَا عَلى النُّوَّارِ لَو كنتَ تُمْنَعُ خاضَ دونكَ فِتْيَةٌ مِنَّا بحارَ عَوامِل وَشِفارِ وَدَحَوْا فُوَيْقَ الأَرْض أَرضًا مِن دَمٍ ثُمَّ انْثَنَوْا فَبَنَوْا سَماءَ غُبارِ قَومٌ إِذا لَبِسوا الدُّروعَ حَسِبْتَها خُلُجًا تَمُدُّ بها أكُفُّ بِحارِ لَو شرَّعوا أَيمانَهم في طولِها طَعَنوا بِها عِوَضَ القَنا الخَطَّارِ جنبوا الجِيادَ إِلى المَطيِّ وَراوَحوا بَينَ السُّروجِ هُناكَ والْأَكْوارِ وكَأَنَّما مَلئُوا عِيابَ دُروعهم وَغُمُود أَنْصُلهم سَرابَ قِفارِ وَكَأَنَّما صَنِعُ السوابِغ عَزَّهُ ماءُ الحَديد فَصاغ ماءَ قرارِ زَرَدًا فَأحكَم كُلَّ مَوْصِل حَلْقَةٍ بِحَبابه في مَوضع المِسمارِ فَتَسَرْبَلُوا بمُتون ماءٍ جامِدٍ وَتَقنَّعوا بِحَباب ماءٍ جارِ أُسْدٌ ولكنْ يُؤْثِرونَ بِزادِهِم وَالأُسْدُ لَيْسَ تَدين بالإِيثارِ يَتَزَيَّن النَّادي بحُسْن وُجوهِهِم كتزيُّنِ الهالات بالْأَقْمَارِ يَتَعَطَّفونَ عَلى المُجاوِر فيهِم بالمُنْفِسات تعطُّفَ الأظْآرِ مِن كل مَن جَعلَ الظُّبَى أَنصارَهُ وَكرُمْنَ واستَغنى عَنِ الأَنصارِ وَإِذا هوَ اعتَقَلَ القَناةَ حَسِبْتَها صِلًّا تأبَّطَهُ هِزَبْرٌ ضارِ وَالليثُ إِن ثَاورْتَهُ لَم يَعْتَمِد إِلا عَلى الأَنيابِ وَالأَظفارِ زَرَدُ الدِّلاصِ مِنَ الطِّعانِ يُرِيحُهُ في الجحفَلِ المُتضايق الجرَّارِ ما بَينَ ثَوبٍ بِالدماءِ مُضَمَّخٍ زَلِقٍ وَنَقْعٍ بِالطِّرادِ مُثارِ وَالهُونُ في ظِلِّ الهُوَيْنَا كَامِنٌ وَجَلالَة الأَخْطارِ في الإِخطارِ تَنْدَى أسِرَّةُ وَجهِهِ وَيَمينُهُ في حالَةِ الإِعسارِ والإِيسارِ وَيَمُدُّ نَحوَ المَكْرُماتِ أَنامِلًا لِلرِّزقِ في أَثنائِهِنَّ مَجارِ يَحْوي المَعالي كاسِبًا أَو غالِبًا أَبدًا يُدارَى دونَها وَيُداري قَد لاحَ في لَيلِ الشَّبابِ كَواكِبٌ إِن أُمْهِلَتْ آلَت إِلى الإِسفارِ وَتلَهُّبُ الأَحشاء شَيَّب مَفْرِقِي هَذا الضياءُ شُواظُ تِلكَ النارِ شابَ القَذَال وَكُلُّ غُصنٍ صائِرٌ فَيْنَانُهُ الأَحْوَى إِلى الإِزهارِ والشِّبْه مُنْجَذِبٌ فَلِمْ بِيضُ الدُّمى عَن بيضِ مَفْرَقه ذَواتُ نِفارِ؟ وَتَوَدُّ لَو جعلت سوادَ قُلوبِها وَسوادَ أَعْيُنها خِضابَ عِذارِ لا تَنْفِر الظَّبَياتُ عَنه فَقَد رأت كَيفَ اختِلاف النَّبت في الأَطوارِ شَيئانِ يَنْقَشِعانِ أَوَّل وَهْلَةٍ ظِلُّ الشَّبابِ وَخُلَّةُ الأَشرارِ لَا حَبَّذا الشَّيبُ الوَفيُّ وَحَبَّذا ظِلُّ الشَّبابِ الخائِنِ الغَدَّارِ وَطَرِي مِنَ الدُّنيا الشبابُ وَرَوْقُه فَإِذا انْقَضَى فَقَد انقَضَتْ أَوطاري قَصُرَتْ مَسافَتُه وَما حَسَناتُهُ عِندي وَلا آلاؤُهُ بِقِصارِ نَزدادُ هَمًّا كُلما ازدَدنا غِنًى وَالفَقرُ كُل الفَقرِ في الإِكثارِ ما زادَ فَوقَ الزادِ خُلِّف ضائِعًا في حادِثٍ أَو وارِثٍ أَو عارِ إِنِّي لأَرحَم حاسِدِيَّ لِحَرِّ ما ضَمنت صُدورُهُم مِنَ الأَوغارِ نَظَروا صَنيعَ اللَّهِ بي فَعُيونُهُم في جَنَّةٍ وَقُلوبهم في نارِ لا ذَنبَ لي قد رُمتُ كَتْمَ فَضائِلي فَكَأَنَّما بَرْقَعْتُ وَجه نَهارِ وَسترتُها بِتَواضُعي فَتطلَّعت أَعناقها تَعلو عَلى الأَستارِ وَمِنَ الرِّجال مَعالِمٌ وَمَجاهِل وَمِنَ النجومِ غَوامِضٌ وَدراري وَالناسُ مُشتَبِهونَ في إِيرادِهِم وَتَفاضُلُ الأَقوامِ في الإِصدارِ عَمْري لَقَد أَوطأتُهُم طُرق العُلا فَعَمُوا فَلَم يَقِفوا عَلى آثاري لَو أَبصَروا بِقُلوبِهِم لاستَبْصَروا وَعَمَى البَصائِرِ مِن عَمى الأَبصارِ هَلَّا سَعَوْا سَعْيَ الكِرامِ فَأَدرَكوا أَو سَلَّموا لِمَواقِعِ الأَقدارِ وَفَشَتْ خِيانات الثقاتِ وَغيرهم حَتى اتَّهمْنا رُؤيةَ الأَبصارِ وَلَرُبَّما اعْتَضَد الحَليم بِجاهِلٍ لا خَير في يُمْنى بِغَيرِ يَسارِ |
|
07-01-2021 | #40 |
إدارة قناة اليوتوب |
رد: أدبيات اللغة العربية (١٣٥) الأُرْجوزة التي استخلصها تقي الدين أبو بكر بن حَجَّة الحموي من كتاب «الصادح والباغم» العَيْشُ بالرِّزْقِ وبالتقْدِير وَلَيْسَ بِالرَّأْي وَلَا التَّدْبِير في النَّاسِ مَنْ تُسْعِدُهُ الأقْدَار وَفِعْلُهُ جَمِيعُهُ إدْبَار مَنْ عَرَفَ اللهَ أَزَالَ التُّهَمَةْ وَقَالَ كُلُّ فِعْلِهِ للْحِكْمَةْ مَنْ أَنْكَرَ القَضَاءَ فَهْو مُشْرِك إنَّ القَضَاءَ بِالعِبَادِ أَمْلَك وَنَحْنُ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ وَلَا نَقْنَطُ مِنْ رَحْمَتِهِ إذْ نُبْتَلَى عَارٌ عَلَيْنَا وَقَبِيحُ ذِكْرِ أنْ نَجْعَلَ الكُفْرَ مَكَانَ الشُّكْرِ وَلَيْسَ في العَالَمِ ظُلْمٌ جَارِي إذْ كَانَ مَا يَجْرِي بِأَمْرِ البَارِي أَسْعَدُ العَالَم عِنْدَ الله مَنْ سَاعَدَ النَّاسَ بِفَضْلِ الجَاه وَمَنْ أَغَاثَ البَائِسَ المَلْهُوفَا أَغَاثَهُ اللهُ إذَا أُخِيفَا إنَّ العَظِيمَ يَدْفَعُ العَظِيمَا كَمَا الجَسِيمُ يَحْمِلُ الجَسِيمَا فَإنَّ مِنْ خَلَائِقِ الكِرَامِ رَحْمَةَ ذِي البَلَاءِ وَالْأَسْقَامِ وَإنَّ مِنْ شَرَائِطِ العُلُوِّ العَطْفَ في البُؤْسِ عَلَى العَدُوِّ قَدْ قَضَتِ العُقُولُ أنَّ الشَّفَقَةْ عَلَى الصَّدِيقِ وَالعَدُوِّ صَدَقَةْ وَقَدْ عَلِمْتَ وَاللبِيبُ يَعْلَمُ بالطَّبْعِ لَا يُرْحَمُ مَنْ لَا يَرْحَمُ فَالمَرْءُ لَا يَدْرِي مَتَى يُمْتَحَنُ فَإنَّهُ في دَهْرِهِ مُرْتَهَنُ وَإنْ نَجَا اليَوْمَ فَمَا يَنْجُو غَدَا لَا يَأْمَنُ الآفَاتِ إلا ذُو الرَّدَى لَا تَغْتَرِرْ بالخَفْضِ وَالسَّلَامَةْ فَإنَّمَا الحَيَاةُ كَالمُدَامَةْ وَالعُمْرُ مِثْلُ الكَأْسِ وَالدَّهْرُ القَذَرْ والصَّفْوُ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الكَدَرْ وكُلُّ إنْسَانٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ صَاحِبٍ يَحْمِلُ مَا أَثْقَلَهُ جَهْدُ البَلَاءِ صُحْبَةُ الأضدَادِ فَإنَّهَا كَيٌّ عَلَى الفُؤَادِ أَعْظَمُ مَا يَلْقَى الفَتَى مِنْ جَهْدِ أنْ يُبْتَلَى فِي جِنْسِهِ بِالضِّدِّ فَإنَّمَا الرجَالُ بِالإخْوَانِ وَاليَدُ بِالسَّاعِدِ وَالبَنَانِ لَا يَحْقِرُ الصُّحْبَةَ إلَّا جَاهِلُ أو مَارِقٌ عَنِ الرشَادِ غَافِلُ صُحْبَةُ يَوْمٍ نَسَبٌ قَرِيبُ وَذِمَّةٌ يَحْفَظُهَا اللبِيبُ وَمُوجَبُ الصَّدَاقَةِ المُسَاعَدَةْ وَمُقْتَضَى المَوَدَّةِ المُعَاضَدَةْ لَا سِيَّمَا فِي النُّوَبِ الشَّدَائِدِ وَالِمحَنِ العَظِيمَةِ الأَوَابِدِ فَالمَرْءُ يُحْيي أَبَدًا أَخَاهُ وهو إذَا مَا عُدَّ مِنْ أعداهُ وإنَّ مَنْ عَاشَرَ قَوْمًا يَوْمَا يَنْصُرُهُمْ وَلَا يَخَافُ لَوْمَا وَإنَّ مَنْ حَارَبَ مَن لا يَقْوَى لِحَرْبِهِ جَرَّ إليهِ البَلْوَى فَحَارِبِ الأكْفَاءَ وَالأقْرَانَا فَالمَرْءُ لَا يُحَارِبُ السُّلْطَانَا واقْنَعْ إذَا حَارَبْتَ بالسَّلَامَةْ وَاحْذَرْ فِعَالًا تُوجِبُ النَّدَامَةْ فَالتَّاجِرُ الكَيِّسُ فِي التِّجَارَة مَنْ خَافَ في مَتْجَرِهِ الخَسَارَةْ يَجْهَدُ في تَحْصِيلِ رَأْسِ مَالِه ثُمَّ يَرُومُ الرِّبْحَ بِاحْتِيَالِه وَإنْ رَأَيْتَ النصْرَ قَدْ لَاحَ لَكَا فَلَا تُقَصِّرْ واحْتَرِزْ أنْ تَهْلِكَا واسْبِقْ إلى الأَجْوَدِ سَبْقَ النَّاقِدِ فَسَبْقُكَ الخَصْمَ مِنَ المَكَايدِ وَانْتَهِزِ الفُرْصَةَ إنَّ الفُرْصَةْ تَصِيرُ إنْ لَمْ تَنْتَهِزْهَا غُصَّةْ كَمْ بَطِرَ الغَالِبُ يَوْمًا فَتَرَكْ عَنْهُ التَّوَقِّي وَاسْتَهَانَ فَهَلَكْ! وَمَنْ أَضَاعَ جُنْدَهُ في السِّلْم لَمْ يَحْفَظُوهُ في لِقَاءِ الخَصْم وَإنَّ مَنْ لَا يَحْفَظِ القُلُوبَا يُخْذَل حِينَ يَشْهَد الحُرُوبَا وَالجُنْدُ لَا يَرْعَوْنَ مَنْ أَضَاعَهُم كَلا وَلَا يَحْمُونَ مَنْ أَجَاعَهُم وَأَضْعَفُ المُلُوكِ طُرًّا عَقْدَا مَنْ غَرَّهُ السِّلْمُ فَأَقْصَى الجُنْدَا وَالحَزْمُ وَالتَّدْبِيرُ رُوحُ العَزْمِ لَا خَيْرَ في عَزْمٍ بِغَيرِ حَزْمِ وَالحَزْمُ كُلُّ الحَزْمِ في المُطَاوَلَةْ وَالصَّبْرِ لَا في سُرْعَةِ المُزَاوَلَةْ وَفِي الخُطُوبِ تَظْهَرُ الجَوَاهِرُ مَا غَلَبَ الأَيَّامَ إلا الصَّابِرُ لَا تَيْأَسَنَّ مِنْ فَرَجٍ وَلُطْف وَقُوَّة تَظْهَرُ بَعْدَ ضَعْف فَرُبَّمَا جَاءَكَ بَعْدَ اليَاسِ رَوْحٌ بِلَا كَدٍّ وَلَا التِمَاسِ في لَمْحَةِ الطَّرْفِ بُكَاءٌ وَضَحِكْ وَنَاجِذٌ بَادٍ وَدَمْعٌ يَنْسَفِكْ تَنَالُ بِالرِّفْقِ وَبِالتَّأَنِّي مَا لَمْ تَنَلْ بالحِرْصِ وَالتَّعَنِّي مَا أَحْسَنَ الثَّبَاتَ وَالتَّجَلُّدَا وَأَقْبَحَ الحَيْرَةَ وَالتَّبَلُّدَا! لَيْسَ الفَتَى إلَّا الذِي إنْ طَرَقَهْ خَطْبٌ تَلَقَّاهُ بِصَبْرٍ وَثِقَةْ إذَا الرَّزَايَا أَقْبَلَتْ وَلَمْ تَقِفْ فَثَمَّ أَحْوَالُ الرجَالِ تَخْتَلِفْ وَكَمْ لَقِيتُ لذَّةً فِي زَمَنِي فَأَصْبِرُ الآنَ لِهَذِي المِحَنِ! فالموتُ لَا يَكُون إلا مَرَّةْ والموتُ أحْلَى مِنْ حَيَاةٍ مُرَّةْ إنِّي مِنَ المَوْتِ عَلَى يَقَينِ فَأَجْهَدُ الآنَ لِمَا يَقِينِي صَبْرًا عَلَى أَهْوَالِهَا وَلَا ضَجَرْ وَرُبَّمَا فَازَ الفَتَى إذَا صَبَرْ لَا يَجْزَعُ الحُرُّ مِنَ المَصَائِب كَلا وَلَا يَخْضَعُ للنَّوَائِب فَالحرُّ للْعِبءِ الثِّقِيلِ يَحْمِلُ والصَّبْرُ عِنْد النائِبَاتِ يَجْمُلُ لِكِلِّ شَيْءٍ مُدَّةٌ وَتَنْقَضِي مَا غَلَبَ الأَيَّامَ إلَّا مَنْ رَضِي قَدْ صَدَقَ القَائِلُ فِي الكَلَامِ لَيْسَ النُّهَى بِعِظَمِ العِظَامِ لَا خَيْرَ فِي جَسَامَةِ الأَجْسَامِ بَلْ هُوَ في العُقُولِ وَالأَفْهَامِ فَالخَيْلُ لِلْحَرْبِ وَلِلْجَمَالِ وَالإبِل للحَمْلِ وللتَّرْحَالِ لَا تَحْتَقِرْ شَيْئًا صَغِيرًا يُحْتَقَرْ فَرُبَّمَا أسالتِ الدَّمَ الإبَرْ لَا تُحْرِجِ الخصمَ فَفِي إحْرَاجِه جَمِيعُ ما تَكْرَه من لَجاجه لَا تَطْلُبِ الفَائتَ باللَّجَاج وكُنْ إذَا كَوَيْتَ ذَا إنْضَاج فَعَاجِزٌ مَنْ تَرَكَ المَوْجُودَا طَمَاعَةً وَطَلَبَ المَفْقُودَا وَفَتِّشِ الأمورَ عَنْ أَسْرَارِهَا كَمْ نُكْتَةٍ جَاءتْك مَعْ إظهارها لَزِمْتَ للجهل قبيحَ الظاهِرِ وما نظرْتَ حَسَنَ السَّرائر ليس يَضُرُّ البدرَ في سناهُ أن الضَّرير قَطُّ لا يراهُ كَمْ حِكْمَةٍ أضْحَتْ بِهَا المَحَافِل نَافِقَةً وَأَنْتَ عَنْهَا غَافِل وَيَغْفُلُونَ عَنْ خَفِيِّ الحِكْمَةْ وَلَوْ رَأَوْهَا لَأَزَالُوا التُّهمةْ كَمْ حَسَنٍ ظَاهِرهُ قبيحُ وسَمِجٍ عُنْوانهُ مليح! وَالحَقُّ قَدْ تَعَلَمُه ثَقِيلُ أَبَوْهُ إلا نَفَرٌ قَلِيلُ فَالعَاقِل الكَامِل في الرِّجَال لَا يَنْثَنِي لزُخْرف المقال إنَّ العدوَّ قَولُهُ مَرْدُودُ وقَلَّمَا يُصَدَّق الحسود لا تُقْبَلُ الدَّعوَى بغير شاهِدِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ من مُعاند أَيُؤْخذ البريءُ بالسَّقيم والرَّجُل المُحْسِن باللئيم كَذَاكَ مَنْ يَسْتَنْصِحِ الأْعَادِي يُرْدونَه بالغشِّ والفساد إنَّ أكَلَّ مَن تَرَى أذهَانَا مَنْ حَسِبَ الإسَاءَةَ الإحْسَانَا فَادْفَعْ إسَاءَةَ العِدَى بالحُسْنَى وَلَا تَخَلْ يُسْرَاكَ مِثْلَ اليُمْنَى وَللرِّجَالِ فاعْلَمَنْ مَكَايدُ وَخِدَعٌ مُنْكَرَةٌ شَدَائدُ فَالنَّدْب لَا يَخْضَعُ للشَّدَائِد قَطُّ وَلَا يَغْتَاظُ بالمكائد فَرَقِّع الخَرْق بِلطفٍ واجتَهِد وامْكُرْ إذَا لم يَنْفَع الصِّدقُ وكِد فَهَكَذَا الحَازِم إذ يَكِيدُ يَبْلُغ في الأعداء ما يُريد وَهو بَرِيءٌ مِنْهم في الظَّاهِر وَغَيرهُ مُخْتَضب الأظافر والشَّهْمُ مَنْ يُصْلِح أمْرَ نَفْسِه وَلَو بِقَتْل وُلْدِهِ وَعِرْسِه فَإنَّ مَنْ يَقصِد قَلْع ضِرْسِه لم يَعْتَمِدْ إلا صَلَاحَ نَفْسِه وإنَّ مَنْ خَصَّ اللئيمَ بالنَّدَى وجدْته كمن يُرَبِّي أسدا وَلَيْسَ في طَبْعِ اللئيم شُكْر وَلَيْسَ في أصْلِ الدَّنيء نَصْر وَإنَّ مَنْ أَلْزَمَهُ وَكَلَّفَه ضِدَّ الذي في طبعِهِ مَا أنْصَفَه كَذَاكَ مَنْ يَصْطَنِع الجُهَّالَا وَيؤْثِرِ الأرْذَالَ والأنْذَالا لَوْ أَنَّكُمْ أَفَاضِلٌ أَحْرَارُ مَا ظَهَرَتْ بَيْنَكُمُ الأسْرَار إنَّ الأصُولَ تَجْذِبُ الفُرُوعَا والعِرْق دَسَّاسٌ إذَا أُضِيعَا مَا طَابَ فَرْعٌ أَصْلُهُ خَبِيثُ وَلَا زَكَا مَنْ مَجْدُهُ حَدِيث قَدْ يُدْرِكُونَ رُتَبًا في الدُّنْيَا وَيَبْلُغُونَ وَطَرًا من بُقْيَا لَكِنَّهم لَا يَبْلُغُون في الكَرَم مَبْلَغَ مَنْ كَانَ لَهُ فِيهَا قِدَم وَكُلُّ مَنْ تَمَاثَلَتْ أَطْرَافُهُ في طِيبها وَكَرُمَتْ أسْلَافُهُ كَانَ خَلِيقًا بِالعُلا وَبِالكَرَم وَبَرَعَتْ في أصْلِهِ حُسْنُ الشِّيَم لَوْلَا بَنُو آدَمَ بَين العَالَمِ مَا بَانَ للعُقُولِ فَضل العَالم فَوَاحِدٌ يُعْطِيك فَضْلًا وَكَرَم فَذَاكَ مَنْ يَكْفُرُهُ فَقَدْ ظَلَم وَواحِدٌ يُعْطِيكَ للمُصَانَعَةْ أَوْ حَاجَةٍ لَهُ إلَيْكَ وَاقعةْ لَا تَشْرَهَنَّ إلى حُطَامٍ عَاجِلِ كَمْ أُكْلَةٍ أَوْدَتْ بِنَفْسِ الآكِلِ! وَاحْذَرْ أُخَيَّ يَا فَتَى مِنْ الشَّرَه وَقِسْ بِمَا رَأَيْتَه مَا لم تَرَه فَلَيْسَ مِنْ عَقْلِ الفَتَى أَوْ كَرَمه إفْسَادُ شَخْصٍ كَامِلٍ لقَرَمِه فالبَغْيُ دَاءٌ مَا لَهُ دَوَاء لَيْسَ لمُلْكٍ مَعَه بَقَاء والبغيُ فاحْذَرْهُ وخيمُ المَرْتَع والعُجْبُ فاتْرُكْهُ شديدُ المَصْرَع والغَدْرُ بالعَهْدِ قبيحٌ جِدًّا شَرُّ الوَرَى مَنْ ليس يَرْعَى العَهْدَا عِنْدَ تَمَام الأمْرِ يَبْدُو نَقْصُه وربَّمَا ضَرَّ الحريصَ حرصُه وربَّمَا ضَرَّكَ بعضُ مالكَا وسَاءكَ المحسِنُ من رِجالكَا فالمَرْءُ يَفْدي نفسَه بوَفْرِه عَسَاهُ أنْ يَنْجُو به من أسْرِه لَا تُعْطِيَنْ شَيْئًا بِغَيْرِ فائِدَةْ فَإنَّهَا مِنَ السَّجَايَا الفَاسِدَةْ |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 2 : | |
, |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
اللغة العربية | عطر الجنة | شعاع اللغة العربية | 5 | 02-20-2015 01:36 AM |
لنتصالح مع اللغة العربية | ناجية عثمان | شعاع العـــام | 8 | 11-26-2014 01:06 PM |
دقة اللغة العربية | أم يعقوب | شعاع اللغة العربية | 9 | 06-01-2014 07:35 PM |
اللغة العربية | أم انس السلفية | شعاع الصوتيات والمرئيات للدروس الدينيـة | 7 | 05-25-2014 09:12 AM |
من عجائب اللغة العربية | أم انس السلفية | شعاع الأدب العربي | 4 | 04-12-2014 11:58 PM |